تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
  • ملف العضو
  • معلومات
abchir
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 19-02-2014
  • المشاركات : 1,075
  • معدل تقييم المستوى :

    12

  • abchir is on a distinguished road
abchir
عضو متميز
تفسير سورة ويل للمطففين
28-04-2014, 06:50 PM
السلام عليكم،نواصل التفسير مع سورة المطففين الجزء الأول
فنقول أن الله ابتدأ هذه السورة بكلمة (( ويل ))، وويل تكررت في القرآن كثيراً، وهي على الأصح كلمة وعيد يتوعد الله سبحانه وتعالى بها من خالف أمره، أو ارتكب نهيه على الوجه المقيد في الجملة التي بعدها فهنا يقول عز وجل (( ويل للمطففين )) فمن هؤلاء المطففون؟ المطففين، هؤلاء المطففون فسرتهم الآيات التي بعدها فقال تعالى: (( الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون. وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون )). (( إذا اكتالوا على الناس )) أي اشتروا منهم ما يكال (( يستوفون )) استوفوا منهم الحق كاملاً بدون نقص (( وإذا كالوهم أو وزنوهم )) يعني إذا كالوا لهم أي هم الذين باعوا الطعام كيلاً، فإنهم إذا كالوا للناس أو باعوا عليهم شيئاً وزناً إذا وزنوا للناس نقصوا (( يخسرون )) فهؤلاء – والعياذ بالله – يستوفون حقهم كاملاً، وينقصون حق غيرهم، فجمعوا بين الأمرين، بين الشح والبخل، الشح: في طلب حقهم كاملاً بدون مراعاة أو مسامحة، والبخل: بمنع ما يجب عليهم من إتمام الكيل والوزن، وهذا المثال الذي ذكره الله عز وجل في الكيل والوزن هو في الحقيقة مثال، فيقاس عليه كل ما أشبه، كل من طلب حقه كاملاً ممن هو عليه ومنع الحق الذي عليه فإنه داخل في الآية الكريمة، فمثلاً الزوج يريد من زوجته أن تعطيه حقه كاملاً ولا يتهاون في شيء من حقه، لكنه عند أداء حقها يتهاون ولا يعطيها الذي لها، وما أكثر ما تشكي النساء من هذا الطراز من الأزواج ـ والعياذ بالله ـ حيث إن كثيراً من النساء يريد منها الزوج أن تقوم بحقه كاملاً، لكنه هو لا يعطيها حقها كاملاً، ربما ينقص أكثر حقها من النفقة والعشرة بالمعروف وغير ذلك، والغريب أيها الإخوة أن هذا يقع كثيراً من الناس الذين ظاهرهم الالتزام حتى إن بعض النساء تقول أنا ما اخترته، أقول لهذا الزوج: إنه لما له من السمعة الحسنة والالتزام فإذا به ينقلب ويكون أسوأ حالاً بالنسبة لزوجته من أهل الفسق ، فلا أدري عن هؤلاء الذين ظاهرهم الالتزام، هل يظنون أن الالتزام أن يقوم الإنسان بعبادة الله فقط ويضيع حقوق الخلق؟ أن يقوم بعبادة الله فقط ويضيع حقوق الناس؟ إن ظلم الناس أشد من ظلم الإنسان نفسه في حق الله؛ لأن ظلم الإنسان نفسه في حق الله تحت المشيئة إذا كان دون الشرك، إن شاء الله غفر له، وإن شاء عاقبه عليه، لكن حق الآدميين ليس داخلاً تحت المشيئة لابد أن يوفى، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( من تعدون المفلس فيكم؟ ) قالوا: من لا درهم عنده ولا دينار أو قالوا: ولا متاع، قال: ( لا، المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال ـ كثيرة ـ فيأتي وقد ظلم هذا، وشتم هذا، وضرب هذا، وأخذ مال هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته فإن بقيت من حسناته شيء وإلا أخذ من سيئاتهم فطرح عليه، ثم طرح في النار )، فنصيحتي لهؤلاء الذين يفرطون في حق أزواجهم سواءً كانوا من الملتزمين أو من غيرهم أن يتقوا الله عز وجل فإن النبي صلى الله عليه وسلّم أوصى بذلك في أكبر مجمع شهده العالم الإسلامي في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام في يوم عرفة في حجة الوداع، قال: ( اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله )، فأمرنا أن نتقي الله تعالى في النساء وقال: ( اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم ) أي بمنزلة الأسرى لأن الأسير إن شاء فكه الذي أسره وإن شاء أبقاه، والمرأة عند زوجها كذلك إن شاء طلقها وإن شاء أبقاها، فهي بمنزلة الأسير عنده فليتق الله فيها، كذلك أيضاً نجد بعض الناس يريد من أولاده أن يقوموا بحقه على التمام لكنه مفرط في حقهم، فيريد من أولاده أن يبروه ويقوموا بحقه، أن يبروه في المال، وفي البدن، وفي كل شيء يكون به البر، لكنه هو مضيع لهؤلاء الأولاد، غير قائم بما يجب عليه نحوهم، نقول هذا مطفف، كما نقول في المسألة الأولى في مسألة الزوج مع زوجته إنه إذا أراد منها أن تقوم بحقه كاملاً وهو يبخس حقها نقول إنه مطفف فهذا الأب الذي أراد من أولاده أن يبروه تمام البر وهو مقصر في حقهم نقول إنك مطفف ونقول له تذكر قول الله تعالى: (( ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون. وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون )) . ثم قال تعالى: (( ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون . ليوم عظيم )) يعني ألا يتيقن هؤلاء ويعلموا علم اليقين؛ لأن الظن هنا بمعنى اليقين، والظن بمعنى اليقين يأتي كثيراً في القرآن مثل قوله تعالى: (( الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون )) . فقال: (( الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم )) وهم متيقنون أنهم ملاقوا الله، لكن الظن يستعمل بمعنى اليقين كثيراً في اللغة العربية، وهنا يقول عز وجل: (( ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون )) ألا يتيقن هؤلاء أنهم مبعوثون أي مخرجون من قبورهم لله رب العالمين (( ليوم عظيم )) هذا اليوم عظيم ولا شك أنه عظيم كما قال تعالى: (( إن زلزلة الساعة شيء عظيم )). عظيم في طوله، في أهواله، فيما يحدث فيه، في كل معنى تحمله كلمة عظيم، لكن هذا العظيم هو على قوم عسير، وعلى قوم يسير، قال تعالى: (( على الكافرين غير يسير )). وقال تعالى: (( يقول الكافرون هذا يوم عسر )) . لكنه بالنسبة للمؤمنين ـ جعلني الله وإياكم منهم ـ يسير كأنما يؤدي به صلاة فريضة من سهولته عليه ويسره عليه، لاسيما إذا كان ممن استحق هذه الوقاية العظيمة، وكان من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فهذا اليوم عظيم لكنه بالنسبة للناس يكون يسيراً ويكون عسيراً . (( يوم يقوم الناس لرب العالمين )) يعني هذا اليوم العظيم هو (( يوم يقوم الناس لرب العالمين )) يقومون من قبورهم حفاة ليس لهم نعال ولا خفاف، عراة ليس عليهم ثياب لا قُمص ولا سراويل ولا أزر ولا أردية، حفاة عراة غرلاً أي غير مختونين بمعنى أن القلفة التي تقطع في الختان تعود يوم القيامة مع صاحبها كما قال الله تعالى: (( كما بدأنا أول خلق نعيده )) . ويعيده الله عز وجل لبيان كمال قدرته تعالى، وأنه يعيد الخلق كما بدأهم، والقلفة إنما قطعت في الدنيا من أجل النزاهة عن الأقذار؛ لأنها إن بقيت فإنه ينحبس فيها شيء من البول وتكون عرضة للتلويث، لكن هذا في الآخرة لا حاجة إليه؛ لأن الآخرة ليست دار تكليف بل هي دار جزاء إلا أن الله سبحانه وتعالى قد يكلف فيها امتحاناً كما قال تعالى: (( يوم يكشف عن ساق ويُدعون إلى السجود فلا يستطيعون. خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون )). المهم أن الناس يقومون على هذا الوصف حفاة، عراة، غرلاً، وفي بعض الأحاديث بُهماً قال العلماء: البهم يعني الذين لا مال معهم، ففي يوم القيامة لا مال يفتدي الإنسان نفسه من العذاب، في يوم القيامة ليس هناك ابن يجزي عن أبيه شيئاً، ولا أب يجزي عن ابنه شيئاً، ولا صاحبة ولا قبيلة كلٌّ يقول نفسي نفسي. (( لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه )) . نسأل الله تعالى أن يعيننا وإياكم على أهواله وأن ييسره علينا. قال تعالى: (( يوم يقوم الناس لرب العالمين )) وهو الله جل وعلا، وفي هذا اليوم تتلاشى جميع الأملاك إلا ملك رب العالمين جل وعلا، قال الله تعالى: (( يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيئاً. لمن الملك اليوم لله الواحد القهار. اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب )) . قول الله تعالى (( كَلاَّ إِنَّ كِتَبَ الْفُجَّارِ لَفِى سِجِّينٍ . وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ ... )) الخ .
(( كلا )) إذا وردت في القرآن لها معانٍ حسب السياق، قد تكون حرف ردع وزجر، وقد تكون بمعنى حقًّا، وقد يكون لها معانٍ أخرى يعينها السياق؛ لأن الكلمات في اللغة العربية ليس لها معنى ذاتي لا تتجاوزه، بل كثير من الكلمات العربية لها معانٍ تختلف بحسب سياق الكلام، في هذه الآية يقول: (( كلا إن كتاب الفجار لفي سجين )) فتحتمل أن تكون بمعنى حقًّا إن كتاب الفجار لفي سجين، أو تكون بمعنى: الردع عن التكذيب بيوم الدين، وعلى كل حال فبين الله تعالى في هذه الآية الكريمة إن كتاب الفجار في سجين، والسجين قال العلماء: إنه مأخوذ من السجن وهو الضيق، أي في مكان ضيق، وهذا المكان الضيق هو نار جهنم ـ والعياذ بالله ـ كما قال الله تبارك وتعالى: (( وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً مقرنين دعوا هنالك ثبوراً. لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً )) , وجاء في حديث البراء بن عازب الطويل المشهور في قصة المحتضر وما يكون بعد الموت أن الله سبحانه وتعالى يقول: ( اكتبوا كتاب عبدي في السجين يعني ـ الكافر ـ في الأرض السابعة السفلى ) فسجين هو أسفل ما يكون من الأرض الذي هو مقر النار- نعوذ بالله منها - فهذا الكتاب في سجين، ثم عظّم الله عز وجل هذا السجين بقوله: (( وما أدراك ما سجين )) فالاستفهام هنا للتعظيم أي ما الذي أعلمك بسجين؟ وهل بحثت عنه؟ وهل سألت عنه حتى يبين لك، والتعظيم قد يكون لعظمة الشيء رفعة، وقد يكون لعظمة الشيء نزولاً، وهذا التعظيم في سجين ليس لرفعته وعلوه ولكنه لسفوله ونزوله.

يُتبع.....
  • ملف العضو
  • معلومات
abchir
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 19-02-2014
  • المشاركات : 1,075
  • معدل تقييم المستوى :

    12

  • abchir is on a distinguished road
abchir
عضو متميز
رد: تفسير سورة ويل للمطففين
30-04-2014, 08:00 PM
ثم قال تعالى: (( كتاب مرقوم )) كتاب هذه لا تعود على سجين وإنما تعود على كتاب في قوله: (( كلا إن كتاب الفجار )) فما هذا الكتاب فقال: (( كتاب مرقوم )) يعني مكتوب لا يزاد فيه ولا ينقص ولا يبدل ولا يغيّر، بل هذا مآلهم ومقرهم ـ والعياذ بالله ـ أبد الآبدين. (( كتاب مرقوم )). (( ويل يومئذ للمكذبين )) ويل سبق الكلام عليها في أول هذه السورة، وقلنا إنها كلمة وعيد يتوعد الله بها الذين استحقوا الوعيد وهي كثيرة في القرآن الكريم. (( ويل يومئذ للمكذبين . الذين يكذبون بيوم الدين )) والكلام كله في يوم الدين من أول السورة إلى آخرها كله في يوم الدين والجزاء، هؤلاء الذين يكذبون بيوم الدين توعدهم الله بالويل؛ لأن هؤلاء المكذبين بيوم الدين لا يمكن أن يستقيموا على شريعة الله. لا يستقيم على شريعة الله إلا من آمن بيوم الدين؛ لأن من لم يؤمن به وإنما آمن بالحياة فقط، فهو لا يهتم بما ورائها، ولا يعمل لذلك، وإنما يبقى كالأنعام يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم.ولهذا أظنكم تعلمون معي أن والله يقرن الإيمان به بالإيمان باليوم الآخر دائماً؛ لأن الإيمان بالله ابتداء والإيمان باليوم الآخر انتهاء. فتؤمن بالله ثم تعمل لليوم الآخر الذي هو المقر، فهؤلاء ـ والعياذ بالله ـ كذبوا بيوم الدين، ومن كذّب به لا يمكن أن يعمل له أبداً؛ لأن العمل مبني على عقيدة، فإذا لم يكن هناك عقيدة فكيف تعمل؟، ولهذا قال: (( وما يكذب به إلا كل معتدٍ أثيم )) يعني ما يكذب بيوم الدين وينكره (( إلا كل معتد أثيم )): أي(( معتد )) في أفعاله (( أثيم )) في أقواله، وقيل: (( معتد )) في أفعاله (( أثيم )) في كسبه أي أن مآله إلى الإثم، والمعنيان متقاربان، المهم أنه لا يمكن أن يكذّب بيوم الدين إلا رجل معتد أثيم، آثم كاسب للآثام التي تؤدّي به إلى نار جهنم نعوذ بالله (( إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأوليين )) : (( إذا تتلى عليه )) يعني إذا تلاها عليه أحد، وهو يدل على أن هذا الرجل لا يفكر أن يتلو آيات الله ولكنها تتلى عليه فإذا تليت عليه )) قال أساطير الأولين (( أي هذه أساطير الأولين وأساطير: جمع أسطورة وهي الكلام الذي يذكر للتسلي ولا حقيقة له ولا أصل له، فيقول: هذا القرآن أساطير الأولين، لماذا؟ لماذا لم ينتفع بالقرآن وهو أبلغ الكلام وأشده تأثيراً على القلب حتى قال الله تعالى: (( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد )) ؟ ثم انتقلنا إلى قوله تعالى (( كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين )) ففي هذه الآية يذكر الله عز وجل خبراً مؤكدا بإن لأن (( إن )) في اللغة العربية من أدوات التوكيد. فإنك إذا قلت: الرجل قائم، هذا خبر غير مؤكد، فإذا قلت: إن الرجل قائم. صار خبراً مؤكداً فيقول الله عز وجل: (( إن كتاب الأبرار لفي عليين ))وهذا مقابل (( إن كتاب الفجار لفي سجين )) فكتاب الفجار في سجين في أسفل الأرض، وكتاب الأبرار في عليين في أعلى الجنة، أي أنهم في هذا المكان العالي قد كُتب ذلك عند الله عز وجل قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة . (( وما أدراك ما عليون )) أي ما الذي أعلمك ما عليون؟ وهذا الاستفهام يراد به التفخيم والتعظيم. يعني أي شيء أدراك به فإنه عظيم قال الله تعالى: (( كتاب مرقوم )) هذا بيان لقوله: (( إن كتاب الأبرار )) أي أن كتاب الأبرار كتاب مرقوم مكتوب لا يتغير ولا يتبدل. (( يشهده المقربون )) أي يحضره، أو يشهد به المقربون، و(( المقربون )) عند الله هم الذين تقربوا إلى الله سبحانه وتعالى بطاعته. وكلّما كان الإنسان أكثر طاعة لله كان أقرب إلى الله. وكلّما كان الإنسان أشد تواضعاً لله كان أعز عند الله، وكان أرفع عند الله، قال الله تعالى: (( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات )) . فالمقربون هم الذين تقربوا إلى الله تعالى بصالح الأعمال، فقربهم الله من عنده.(( إن الأبرار لفي نعيم . على الأرائك ينظرون )) الأبرار: جمع بر، والبر كثير الخير، كثير الطاعة، كثير الإحسان في عبادة الله والإحسان إلى عباد الله، فهؤلاء الأبرار الذين منّ الله عليهم بفعل الخيرات، وترك المنكرات في نعيم،(( إن الأبرار لفي نعيم )) والنعيم هنا يشمل نعيم البدن ونعيم القلب، أما نعيم البدن فلا تسأل عنه فإن الله سبحانه وتعالى قال في الجنة: (( وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون )). وقال تعالى: (( فلا تعلم نفسٌ ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون )) . وأما نعيم القلب فلا تسأل عنه أيضاً فإنهم يقال لهم وقد شاهدوا الموت قد ذبح يقال لهم: ( يا أهل الجنة خلود ولا موت ويقال لهم: ادخلوها بسلام، ويقال لهم: إن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً، وأن تصحوا فلا تمرضوا أبداً، وأن تشبوا فلا تهرموا أبداً، ) وكل هذا مما يدخل السرور على القلب فيحصل لهم بذلك نعيم القلب ونعيم البدن، والملائكة يدخلون عليهم من كل باب يقولون لهم (( سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار )) - جعلني الله وإياكم منهم -. وقوله تعالى: (( على الأرائك ينظرون )): الأرائك جمع أريكة وهي السرير المزخرف المشيد الذي وَضع عليه مثل الظل، وهو من أفخر أنواع الأسرة فهم على الأرائك على هذه الأسرة الناعمة الحسنة البهية (( ينظرون )) يعني ينظرون ما أنعم الله به عليهم من النعيم الذي لا تدركه الأنفس الآن: (( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين )) . وقال بعض العلماء: إن هذا النظر يشمل حتى النظر إلى وجه الله، وجعلوا هذه الآية من الأدلة على ثبوت رؤية الله عز وجل في الجنة . (( تعرف في وجوههم نضرة النعيم )) أي تعرف أيها الناظر إليهم (( في وجوههم نضرة النعيم )) أي حسن النعيم وبهاءه، أي التنعم، وأنتم تشاهدون الآن في الدنيا أن المنعمين المترفين وجوههم غير وجوه الكادحين العاملين. تجدها نضرة، تجدها حسنة، تجدها منعمة، فأهل الجنة تعرف في وجوههم نضرة النعيم أي التنعم والسرور؛ لأنهم أسّر ما يكون، وأنعم ما يكون، ثم قال الله تعالى في بيان ما لهم من النعيم (( يسقون من رحيق مختوم )) الخ الآيات. قوله تعالى: (( يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ . خِتَمُهُ مِسْكٌ وَفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَفِسُونَ )) : الضمير في قوله: (( يسقون )) يعني الأبرار، يسقيهم الله عز وجل بأيدي الخدم الذين وصفهم الله بقوله: (( يطوف عليهم ولدان مخلدون. بأكواب وأباريق وكأس من معين. لا يصدعون عنها ولا ينزفون )) .(( يسقون من رحيق )) أي من شراب خالص لا شوب فيه ولا ضرر فيه على العقل، ولا ألم فيه في الرأس، بخلاف شراب الدنيا فإنه يغتال العقل ويصدع الرأس. أما هذا فإنه رحيق خالص ليس فيه أي أذى (( مختوم. ختامه مسك )) أي بقيته وآخره مسك أي طيّب الريح. بخلاف خمر الدنيا فإنه خبيث الرائحة. فهؤلاء القوم الأبرار لما حبسوا أنفسهم عن الملاذ التي حرمها الله عليهم في الدنيا أعطوها يوم القيامة. (( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون )) أي وفي هذا الثواب والجزاء (( فليتنافس المتنافسون )) أي فليتسابق المتسابقون سباقاً يصل بهم إلى حد النفس، وهو كناية عن السرعة في المسابقة. يقال: نافسته أي سابقته سباقاً بلغ بي النفس، والمنافسة في الخير هي المسابقة إلى طاعة الله عز وجل وإلى ما يرضي الله سبحانه وتعالى، والبعد عما يسخط الله. ثم قال عز وجل: (( ومزاجه من تسنيم. عيناً يشرب بها المقربون )) أي مزاج هذا الشراب الذي يُسقاه هؤلاء الأبرار (( من تسنيم )): أي من عين رفيعة معنى وحسًّا، وذلك لأن أنهار الجنة تفجّر من الفردوس، والفردوس هو أعلى الجنة، وأوسط الجنة، وفوقه عرش الرب عز وجل كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهذا الشراب يمزج بهذا الطيب الذي يأتي من التسنيم أي: من المكان المسنَّم الرفيع العالي، وهو جنة عدن. (( عيناً يشرب بها المقربون )) أي أن هذه العين والمياه النابعة، والأنهار الجارية يشرب بها المقربون. وهنا سيقول قائل: لماذا قال: (( يشرب بها )) ؟ هل هي إناء يُحمل حتى يقال شرب بالإناء؟ فالجواب: لا. لأن العين والنهر لا يُحمل. إذن لماذا لم يقل يشرب منها المقربون؟ والجواب عن هذا الإشكال من أحد وجهين: فمن العلماء من قال: إن " الباء " بمعنى " من " فمعنى (( يشرب بها )) أي يشرب منها. ومنهم من قال: إن يشرب بمعنى يروى ضمّنت معنى يروى فمعنى (( يشرب بها )) أي يروى بها المقربون. وهذا المعنى أو هذا الوجه أحسن من الوجه الذي قبله؛ لأن هذا الوجه يتضمن شيئين يرجحانه وهما: أولاً: إبقاء حرف الجر على معناه الأصلي. والثاني: أن الفعل (( يشرب )) ضمَّن معنى أعلى من الشرب وهو الرّي، فكم من إنسان يشرب ولا يروى، لكن إذا روي فقد شرب، وعلى هذا فالوجه الثاني أحسن وهو أن يضمّن الفعل (( يشرب )) يعني يروى.(( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ يَضْحَكُونَ )): (( إن الذين أجرموا )) أي قاموا بالجرم وهو المعصية والمخالفة، (( كانوا )) أي في الدنيا (( من الذين آمنوا يضحكون )) استهزاءاً وسخرية واستصغاراً لهم. (( وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ )) (( وإذا مروا )) الفاعل هل هم الذين أجرموا؟ أو الذين آمنوا؟ الآية تصلح لهذا وهذا يعني يصح أن يكون إذا مر المؤمنون بالمجرمين، أو إذا مر المجرمون بالمؤمنين، والقاعدة التي ينبغي أن تفهموها في التفسير: أن الآية إذا احتملت معنيين لا ينافي أحدهما الآخر وجب حملها على المعنيين؛ لأن ذلك أعم،هل مفهوم هذا عندكم؟ (( وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ )): من المار؟ سؤال موجه لكم؟ يحتمل إذا مر المجرمون بالمؤمنين، أو إذا مر المؤمنون بالمجرمين، فإذا جعلناها للأمرين صار المعنى: أن المجرمين إذا مروا بالمؤمنين وهم جلوس تغامزوا، وإذا مر المؤمنون بالمجرمين وهم جلوس تغامزوا أيضاً فتكون شاملة للحالين: حال مرور المجرمين بالمؤمنين، وحال مرور المؤمنين بالمجرمين. (( يتغامزون )) يعني يغمز بعضهم بعضاً، انظر إلى هؤلاء سخرية واستهزاء واستصغاراً. (( وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين )) إذا انقلب المجرمون إلى أهلهم (( انقلبوا فكهين )) يعني متفكهين بما نالوه من السخرية بهؤلاء المؤمنين، فهم يستهزؤون ويسخرون ويتفكهون بهذا، ظنًّا منهم أنهم نجحوا وأنهم غلبوا المؤمنين، ولكن الأمر بالعكس. ثم قال تعالى: (( وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون )) (( إذا رأوهم )) أي رأى المجرمون المؤمنين (( قالوا إن هؤلاء لضالون ))، ضالون عن الصواب، متأخرون، متزمتون متشددون إلى غير ذلك من الألفاظ، ولقد كان لهؤلاء السلف خلف في زماننا اليوم وما قبله وما بعده، من الناس من يقول عن أهل الخير: إنهم رجعيون، إنهم متخلفون ويقولون عن الملتزم: إنه متشدد متزمت، وفوق هذا كله أنهم قالوا للرسل عليهم الصلاة والسلام إنهم سحرة أو مجانين، قال الله تعالى: (( كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون )). فورثة الرسل من أهل العلم والدين سينالهم من أعداء الرسل ما نال الرسل من ألقاب السوء والسخرية وما أشبه ذلك، ومن هذا تلقيب أهل البدع أهل التعطيل للسلف أهل الإثبات بأنهم حشوية مجسمة مشبهة وما أشبه ذلك من ألفاظ السوء التي ينفرون بها الناس عن الطريق السوي. (( وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون )). (( وما أرسلوا عليهم حافظين )): أي أن هؤلاء المجرمين ما بعثوا حافظين لهؤلاء يرقبونهم ويحكمون عليهم، بل الحكم لله عز وجل. ثم قال تعالى: (( فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون )) اليوم يعني يوم القيامة، الذين آمنوا يضحكون من الكفار فـ (( فالذين )) مبتدأ و(( يضحكون )) خبره و(( من الكفار )) متعلق بيضحكون، والمعنى: فاليوم الذين آمنوا يضحكون اليوم من الكفار، وهذا والله هو الضحك الذي لا بكاء بعده، أما ضحك المجرمين بالمؤمنين في الدنيا فسيعقبه البكاء والحزن والويل والثبور. (( على الأرائك ينظرون )) أي أن المؤمنين على الأرائك في الجنة، والأرائك هي السرر الفخمة الحسنة النضيرة (( على الأرائك ينظرون )) أي ينظرون ما أعد الله لهم من الثواب، وينظرون أولئك الذين يسخرون بهم في الدنيا، كما قال الله تعالى: (( قال قائل منهم إني كان لي قرين يقول أئنك لمن المصدقين أإذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أإنا لمدينون. قال هل أنتم مطلعون )) . يقول لأصحابه في الجنة يعرض عليهم أن يطلعوا إلى قرينه الذي كان في الدنيا ينكر البعث ويكذب به (( فاطلع فرآه في سواء الجحيم )) في قعره وأصله قال له: (( تالله إن كدت لتردين ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين )) فأنت ترى الآن أن المؤمنين يرون الكفار وهم يعذبون في قعر النار والمؤمنون في الجنة،(( على الأرائك ينظرون )): إذن ينظرون شيئين: الأول: ما أعد الله لهم من النعيم النظر إلى وجه الله عز وجل. والثاني: ينظرون إلى هؤلاء المكذبين في الدنيا الذين يسخرون بهم ويستهزؤون بهم، ينظرون إليهم وهم في عذاب الله . ثم قال تعالى: (( هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون )) (( ثوب )) أي جوزي، و(( هل )) هنا للتقرير أي أن الله تعالى قد ثوب الكفار وجازاهم جزاء فعلهم في الدنيا، وهو سبحانه وتعالى حكم عدل. فحكمه دائر بين العدل والفضل، بالنسبة للذين آمنوا حكمه وجزاؤه فضل، وبالنسبة للكافرين حكمه وجزاؤه عدل، فالحمد لله رب العالمين، وبهذا تم الكلام الذي يسره الله عز وجل على سورة المطففين نسأل الله تعالى أن ينفعنا وإياكم به .

  • ملف العضو
  • معلومات
أم زيد
مشرفة شرفية
  • تاريخ التسجيل : 09-06-2009
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 5,673
  • معدل تقييم المستوى :

    22

  • أم زيد is a jewel in the roughأم زيد is a jewel in the roughأم زيد is a jewel in the rough
أم زيد
مشرفة شرفية
رد: تفسير سورة ويل للمطففين
30-04-2014, 11:07 PM
(( قال قائل منهم إني كان لي قرين يقول أئنك لمن المصدقين أإذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أإنا لمدينون. قال هل أنتم مطلعون ))

بارك الله فيك.


عندما أرى حسرة أطفال مالي و حرائر سوريا في شوارعنا

أشكر الله ألف مرة على نعمة الأمن و الأمان في بلدي

اللهم أدمها نعمة و امنعها من الزّوال.
  • ملف العضو
  • معلومات
abchir
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 19-02-2014
  • المشاركات : 1,075
  • معدل تقييم المستوى :

    12

  • abchir is on a distinguished road
abchir
عضو متميز
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية مُسلِمة
مُسلِمة
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 04-09-2012
  • المشاركات : 4,418
  • معدل تقييم المستوى :

    17

  • مُسلِمة has a spectacular aura aboutمُسلِمة has a spectacular aura about
الصورة الرمزية مُسلِمة
مُسلِمة
شروقي
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية MoUrAd DeC
MoUrAd DeC
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 03-10-2014
  • الدولة : الجزائر|
  • العمر : 30
  • المشاركات : 1,145
  • معدل تقييم المستوى :

    11

  • MoUrAd DeC is on a distinguished road
الصورة الرمزية MoUrAd DeC
MoUrAd DeC
عضو متميز
رد: تفسير سورة ويل للمطففين
20-10-2014, 11:03 PM
بارك الله فيك وجزاك خيرا
أشيَآء كثيرة آشتْقتُ لها ؛ لآ أعَلمّ ، هَل ؛ سَترجَعّ أم ؛ سَتكونّ ؛ دَآئِمًآ ذِكرى :"( وتبقى مجرد ذكريات
لَيْس كُل مَن اعْتَذرَ .. ( مُخطِئ ) أوْ ( ضَعِيفْ ) !! الاعـــتِذَآرْ , صِفَــــــة نَآدِرة لاتجدهآ إلا في .. (الأوْفِيــَآء)

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 09:29 AM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى