تدرُّجٌ ومرحليَّةٌ في سبيل إرجاعِ الضالِّين إلى الحقِّ ويليه : نَكيِرُ ابن باديس على التَّصَوُّف ...
09-12-2012, 04:15 PM
تدرُّجٌ ومرحليَّةٌ في سبيل إرجاعِ الضالِّين إلى الحقِّ
ويليه :
نَكيِرُ ابن باديس على التَّصَوُّف الأعجمي الفلسفي
نَكيِرُ ابن باديس على التَّصَوُّف الأعجمي الفلسفي
بقلم :
الشَّيخ سمير سمراد - حفظه الله
الشَّيخ سمير سمراد - حفظه الله
مبحث مستل من الكِتاب الفذّ :
مَواقِفُ المُصْلِحِينَ الجَزَائِريِّينَ مِنْ رُسُومِ المتُصَوّفِينَ وَأَوْضَاعِ الطُّرقيِّينَ
مَواقِفُ المُصْلِحِينَ الجَزَائِريِّينَ مِنْ رُسُومِ المتُصَوّفِينَ وَأَوْضَاعِ الطُّرقيِّينَ
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد ظهر ممَّا سبق تَغيُّرُ خطاب ابن باديس للقوم ، بين سنة 1925م ، وسنة 1938م :
ممَّا يؤخذ منهُ : أنَّه سلكَ مسلكَ المرحلية ، وأخذ بالتَّدرُّج ، والمرور على أطوارٍ في الإصلاح والنقد ، والحاملُ له على ذلك أسباب عدَّةٌ ، منها :
- خطورة الوضع ، والخوف من بطش الطرقيين ونفوذهم عند العامة وعند الحكومة ! ، إلى أن يشتد ساعد الحركة الإصلاحية (1)
- أنَّ الإمامَ [ابن باديس] كان يراعي مركز والده والعائلة في هذا النظام الطرقي السائد آنذاك !! (2)
- أنَّه رأى أن يُخفِّفَ الوَطْأَةَ على الشيوخ والرؤساء ، حتَّى يُخَلُّوا بينه وبين الأتباع والعامة المنتمين لهذه الطرق ، ليتمكَّن من دعوتهم وإيصال العلم لهم ، وهذا ما سَنُبرِرَهُ إن شاء الله وغير ذلك من الأسباب التي قد تُذْكَر .
ولعله مما يرجع إلى السببين الأوَّلين :
أنَّ الأعداء الإصلاح ، والناقمين على هذه الدعوة التى فاجأتهم ، وتجرأت على مقدساتهم ، جعلوا يحاربونها بسلاح الدعاية ، فأشاعوا عنها في أوساط العامة ، أنها تنكر التصوف من أصله ، ولا تعترف بشيوخ الزهد الأولين وتطعن فيهم ، و... و... الخ ، فكان ابن باديس يدفعُ عن دعوته الإصلاحية هذه التهم ، ويحاولُ إفهام هؤلاء وأولئك ، ليقطع الطريق أمام الكائدين ! الذين يريدون أن يحولوا بينها وبين الناس (3) ، وهذا لا يخرج عما ذكرناه من سلوكه مسلك التدرج في دعوتهم ... فلا ينفعُ هنا وهم أي :"المصلحون" حديثو عهدٍ بإعلان هذه الدعوة الإصلاحية وهي خطوة جريئة ، والعامة ، والخاصة – أيضًا – حديثو عهدٍ بسماعها ! ، أن يُشهروا عليهم ابتداءً أنْ "لا صوفية في الإسلام" ، على أنه وإنْ قلنا بإقرار الإمام ابن باديس بالتصوف ، وعدم محاربته ! ، فإنه لا يطلق الكلام في تصويبه ، بل له فيه تفصيل ، من تأمَّله عرفَ أنه لا يخرج عمَّا صرّح به الإمام الإبراهيميُّ – أخيرًا – أنْ لا صوفية في الإسلام ! - على تبايُنٍ في طريقة ابن باديس وطريقة الإبراهيمي في عرضِ كلِّ منهما لهذه الدعوة ، ومخاطبتهِ لمخالفيها !
وهذا الشاهدُ من كلام ابن باديس على ما ذكرناه في أول هذه الفقرة ، قال في تعليقه له : " قد أبان حضرة هذا الكاتب القدير عن حقيقة التصوف الإسلامي ومقام رجاله الأقدمين في العلم والعمل والتقوى والفضيلة ، وذكر ما أجمع عليه الجميع من وجوب عرض أصوله وأقوال أهله وأعمالهم على الكتاب والسنة ، وبيَّنَ كيف اندس الدخلاء في أهله وهم أبعد الناس عنهم .... وفي هذا كله ما يدحض ما يتشدق به الدجالون ، ويجاريهم فيه المغرورون ، من إنكار حزب الإصلاح الديني التصوف الإسلامي الحقيقي من أصله ، وإنكاره على عامة أهله ، ليصرفوا الناسَ عن سماع كلمة المصلحين ، ويبغضونهم في دعاة الحق من السلفيين ، ويوهموهم أنهم على طريق أولئك العلماء الزهاد سائرون ، والله يعلم إنهم لكاذبون ويحق الحق بكلماته ولو كره المجرمون " (4)
- خطورة الوضع ، والخوف من بطش الطرقيين ونفوذهم عند العامة وعند الحكومة ! ، إلى أن يشتد ساعد الحركة الإصلاحية (1)
- أنَّ الإمامَ [ابن باديس] كان يراعي مركز والده والعائلة في هذا النظام الطرقي السائد آنذاك !! (2)
- أنَّه رأى أن يُخفِّفَ الوَطْأَةَ على الشيوخ والرؤساء ، حتَّى يُخَلُّوا بينه وبين الأتباع والعامة المنتمين لهذه الطرق ، ليتمكَّن من دعوتهم وإيصال العلم لهم ، وهذا ما سَنُبرِرَهُ إن شاء الله وغير ذلك من الأسباب التي قد تُذْكَر .
ولعله مما يرجع إلى السببين الأوَّلين :
أنَّ الأعداء الإصلاح ، والناقمين على هذه الدعوة التى فاجأتهم ، وتجرأت على مقدساتهم ، جعلوا يحاربونها بسلاح الدعاية ، فأشاعوا عنها في أوساط العامة ، أنها تنكر التصوف من أصله ، ولا تعترف بشيوخ الزهد الأولين وتطعن فيهم ، و... و... الخ ، فكان ابن باديس يدفعُ عن دعوته الإصلاحية هذه التهم ، ويحاولُ إفهام هؤلاء وأولئك ، ليقطع الطريق أمام الكائدين ! الذين يريدون أن يحولوا بينها وبين الناس (3) ، وهذا لا يخرج عما ذكرناه من سلوكه مسلك التدرج في دعوتهم ... فلا ينفعُ هنا وهم أي :"المصلحون" حديثو عهدٍ بإعلان هذه الدعوة الإصلاحية وهي خطوة جريئة ، والعامة ، والخاصة – أيضًا – حديثو عهدٍ بسماعها ! ، أن يُشهروا عليهم ابتداءً أنْ "لا صوفية في الإسلام" ، على أنه وإنْ قلنا بإقرار الإمام ابن باديس بالتصوف ، وعدم محاربته ! ، فإنه لا يطلق الكلام في تصويبه ، بل له فيه تفصيل ، من تأمَّله عرفَ أنه لا يخرج عمَّا صرّح به الإمام الإبراهيميُّ – أخيرًا – أنْ لا صوفية في الإسلام ! - على تبايُنٍ في طريقة ابن باديس وطريقة الإبراهيمي في عرضِ كلِّ منهما لهذه الدعوة ، ومخاطبتهِ لمخالفيها !
وهذا الشاهدُ من كلام ابن باديس على ما ذكرناه في أول هذه الفقرة ، قال في تعليقه له : " قد أبان حضرة هذا الكاتب القدير عن حقيقة التصوف الإسلامي ومقام رجاله الأقدمين في العلم والعمل والتقوى والفضيلة ، وذكر ما أجمع عليه الجميع من وجوب عرض أصوله وأقوال أهله وأعمالهم على الكتاب والسنة ، وبيَّنَ كيف اندس الدخلاء في أهله وهم أبعد الناس عنهم .... وفي هذا كله ما يدحض ما يتشدق به الدجالون ، ويجاريهم فيه المغرورون ، من إنكار حزب الإصلاح الديني التصوف الإسلامي الحقيقي من أصله ، وإنكاره على عامة أهله ، ليصرفوا الناسَ عن سماع كلمة المصلحين ، ويبغضونهم في دعاة الحق من السلفيين ، ويوهموهم أنهم على طريق أولئك العلماء الزهاد سائرون ، والله يعلم إنهم لكاذبون ويحق الحق بكلماته ولو كره المجرمون " (4)
نَكيِرُ ابن باديس على التَّصَوُّف الأعجمي الفلسفي
وأسوقُ هنا ، فقرةً مهمّةٌ – على طولها - ، تُبرزُ موقف ابن باديس من التصوّف ، بما لا يختلف عن موقف الإبراهيميِّ منه – وإن كان موقف هذا الأخير أَصرحَ ! -
أسوقُهُ ، لأن ابن باديس فصّلَ القول في هذا التصوّف ، ممّا يقضي بحملِ كلماته الأخرى – التي أوجز فيها القول ، أو اقتصر على أحد جوانبه ، أو أتى على ذكر بعضه ! - عليه ، وإتمامِ القول فيها من خلاله ، وسأُوضِّحُ ما أرمي إليهِ ، بعد إيرادِه ، قال تحت عنوان : "حول برنامج الشهاب" [العدد 162 ، ص:2-6] : 22 ربيع الأول 1928م] : " وأما الإصلاح فإننا ندعو إخواننا المسلمين إلى الرجوع إلى الهداية الإسلامية كما جاء بها محمد صلَّى الله عليه وسلَّم ، خالصةً نقيةً مما أحدثه فيها المحدثون في العقائد والأقوال والأعمال ، داعية إلى الزكاء النفسي ، والكمال الخلقي ، والتفكير العلمي ، والرقي العمراني ، والعدل الاجتماعي ، بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يهلك إلا هالك ، وندعوهم إلى أن يطلبوا هذه الهداية في القرآن الذي هو كتاب الإسلام ، وسنة محمد صلَّى الله عليه وسلَّم من أقواله وأفعاله وأحواله وسيره ، التي هي بيانٌ للكتاب ، وسيرة السلف الصالح في فهمهما والعمل بهما ، فإنهم – والله – أصح أفهامًا ، بفطرتهم العربية ومجالستهم للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم أو قرب زمانهم به ، وأصفى أذهانًا وأقوى إيمانا ، وأزكى نفوسا ، وأطهر قلوبًا وأقل تكلفًا وإذا اختلفوا – وما أقل اختلافهم في الهدى ، وإنما يختلفون في الأحكام – رددنا الخلاف إلى الله ورسوله ، إلى الكتاب والسنة ، كما كانوا يفعلون .
وندعوهم بمقتضى ما تقدم إلى طرح كل البدع والمحدثات في الدين ، التي دنَّست محياه الجميل ، وأوجدت للطاغين عليه من أعدائه السبيل ، وحالت بينه وبين من يمكن اهتداؤه إليه – ولو رآنا نمثله حقيقة – من غير أبنائه ... ولما كانت الطرائق المنتسبة إلى التصوف في حالتها المشاهدة تعجّ بهذه البدع عجًّا ، والمتمسكون بها يعتقدون اعتقادًا جزمًا ، أنها هي الدين قطعًا ، وأن ما خالف ما هم عليه هو البدعة شرعًا ، وكان من ورائهم المتعيشون عليهم ، المستغلون لجهلهم يدعُّونهم في هذا الظلال دعًّا ، ويصدونهم عن أهل العلم – إلا من سكت عنهم أو أيدهم – منعًا ، صمدت هذه الصحيفة لهم تدعوهم إلى الهداية الإسلامية الحقة ، على الطريقة التى مضى بيانها ، ولو شاء الله واستمعوا لها لانقلبت زواياهم معاهد دينية حقيقية تدرس فيها علوم الإسلام ، وطرائقهم جمعيات خيرية تخدم المسلمين من ناحية الدين ، ولكن أنى يكون ذلك وتلك الأموال عليها يعيش وينعم غالب أبناء الشيوخ ، وبين تلك الطرائق من المنافسات والمنازعات ما يفضي في بعض الجهات إلى مشاجرات ومقاطعات ، تسيل فيها الدماء وتذهب فيها الأرواح ، ضج المتعيشون من الزوايا والطرائق من هذه الدعوة وكبر عليهم وقعها ، وخافوا على رياستهم المبنية على الجهل والخرافة أن يتصدع من العلم الصحيح ركنها ... فأخذوا يرمون الدعوة الإصلاحية بالعظائم عند الأمة وحكومتها ، من التقول عليها ، والتشويه لسمعتها ، والتحريف لكلماتها ، والتضليل عن غايتها ... ولما ظهرت على أنوار الحق ظلمات وضلالتهم ، واندحرت أمام شهب كتاب الإصلاح – شياطين بدعتهم ، طفقوا يحتجون لأنفسهم بذكر من ينتمون إليه من شيوخهم رحمهم الله من مؤسسي الزوايا في زمان غير هذا الزمان ، وعلى حال نقطع أنها كانت في الجملة على غير ما هي عليه الآن ، ويتعالى بهم اللّجاج والادّعاء إلى ذكر شيوخ الزهد الأقدمين عليهم الرضوان – وإذا عرض كاتب من كتاب هذه الصحيفة لما نسب لأولئك الشيوخ عليهم الرحمة من أقوال وأفعال لينظر في سند ثبوتها من نسبت إليه ، وليزنها بميزان العدل الديني من كتاب الله وسنة رسوله كما أمر الله في كتابه – صاحوا به ! هذا نبش للقبور ، هذا كلام في الأموات ، هذا إنكار للتصوف من أصله ، هذا إنكار على الأئمة المتقدمين – ويا سبحان الله ! ...قد صحت عن جمع من أئمة العلم والزهد الوصاية بعرض ما يجيء عنهم على الكتاب والسنة ليقبل ما وافق ويرد ما خالف ، وقَبْلَ هذه الوصاية منهم كان الأصلُ الذي هو معتمد الجميع :﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾[النساء:59] .
فنحن بحمد الله – أسعد بكتاب الله ووصاية عباد الله الصالحين منكم ، إن كان كنتم تعلمون ، ثم هاتوا لنا لفظ التصوف ومعناه ، فقد طال تعاظمكم على العامة ومخادعتكم لهم بانتسابكم إلى أهله ، وأنتم أبعد الناس عن أصل من أول الأصول المقررة فيه وهو الزهد فيما أيدي الناس ، وأنتم – ولا نكران – أحرص الناس على ما في يد الغير وأشْرَ هُهُمْ إليه ، إلا من ندر منكم ، وأنا لا أعرفُ هذا النادر إن كان طال تعاظمكم هذا كما طال تنفيركم للعامة عن المصلحين بأنهم ينكرونه من أصله ، وأنتم كلكم أو جلكم لا تعرفون ما ينكرون وما يثبتون وتكادون لا تفقهون ما يقولون أو تعاندون فيما تفهمون .
التصوف – يا إخواننا – من الأسماء الاصطلاحية المحدثة أراد به قوم – علميًّا – ما يتعلق بأعمال القلوب كالزهد والصبر والرضاء من الأحكام ، و- عمليًّا – تهذيب الأخلاق وترويض النفوس على التخلي عن كل رذيلة ، والتحلي بكل فضيلة مع ملازمة السنة ودوام الإخلاص ، وهذا معنى إسلامي صحيح ، مبثوث في آيات القرآن وفي كتب الأثر ، ككتاب الأدب وكتاب الاعتصام من الجامع الصحيح وغيرهما من الوجهة العلمية ، وفيما ثبت من سيرة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وسيرة أصحابه من الوجهة العملية ، والمتكلمون فيه – من الذين ثبت علمهم وعدالتهم – يتفقون ويختلفون ويُصيبون ويخطئون ، وإلى الله ورسوله يرد خلافهم كما يرد خلاف غيرهم من المتكلمين في علوم الإسلام ، والكتاب والسنة الحكم على الجميع ، وأراد بلفظ التصوف قومٌ آخرون أوضاعًا وضعوها من عند أنفسهم لا تجد عليها نصًّا صريحًا صحيحًا من كتاب الله ولا سنة رسوله ولا من سيرة القرون الثلاثة : من نظريات فلسفية زائغة أفضت إلى عقيدة الحلول والاتحاد ، وعقائد باطنية في الديوان ورجال الغيب جعلت أمر العوالم كلها في يد جماعة من الخلق ما أنزل الله بها من سلطان ، حتى جعلوا لمن سمّوه غوثًا تصرفًا عامًا في جميع المخلوقات كعموم القدرة حتى قالوا : إنه لا يثب هِرٌّ على فأر إلاَّ بإذنه ، وأعمال سامريه في الرقص وآلاته جعلوا بها الدين لهوًا ولعبًا ، وكلمات مدسوسة على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وعلى عباد الله الصالحين زورًا وكذبًا إلى ضلالات وجهالات نسكوا بها – كما كان يقول السلف الصالح – نسكًا أعجميًّا ، وتصوفوا بها تصوفًا هنديًّا ، وجاء طمّها ورمّها مع من انتمى إلى التصوف من الجاهلين ، حتى آلت الحالة النكراء التي استعملت فيها هذه النسبة آلة لأكل أموال الناس كما نراه في غالب المعاصرين ، والتصوف بهذا المعنى الذي أفضى إلى هذه الأحوال – هو محطُّ إنكار المنكرين من المتقدمين والمتأخرين ، وباشتراكه مع المعنى الصحيح المتقدم في لفظ واحد التبس الأمرُ على كثير من الناظرين ، ووجد الكائدون للإسلام السبل للدَّسِّ على المسلمين .
هذا بيان وجيز للمعنى الصحيح من لفظ التصوف الذي نقبله والمعنى الباطل الذي نرده ، يملأ عيون الذين ينظرون الأمور نظر الحق والإنصاف ، ويسد أفواه الذين يريدون التشغيب على المصلحين بما لا يعلمون ، ويفهم الذين استنكروا على "الشهاب" أن يشير إلى انقسام التصوف إلى شرعي وبدعي ما يريد ... والله نسأل الإخلاص في أعمالنا ، والخلاص من شرور أنفسنا ،و الهداية إلى الصراط المستقيم ، قسنطينة : 1/3/1347هــ عبد الحميد بن باديس " إ.هـ .
الحواشي :
(1) : "الشعر الديني" (ص:587) لعبد الله ركيبـي
(2) : المصدر السابق
(3) : وقد ذكر الشَّيخ مبارك الميلي ، ما عمل له أناسٌ من التظاهر (بحماية التصوّف والصوفيّة) ، (لأنّ العامّة ومن قرب منهم إداركًا يعتقدون أنّ الصوفيّة مطلقًا هم صفوة الخلق وهم وحدهم العُبّاد الزّهّاد وأنّ التسليم لأقوالهم وأحوالهم ونقد شيءٍ منها خسران) إهــ "الشهاب" ، المجلد (9) ، الجزء (2) ، شوال 1351هــ فيفري 1933م ، (ص:81) ، مقال : "الصوفية ومراتب العبادة ... رد هجوم على جمعية العلماء"
(4) : "الشهاب" ، العدد (86) ، 27 شعبان 1345هــ ، 3 مارس 1927م
أسوقُهُ ، لأن ابن باديس فصّلَ القول في هذا التصوّف ، ممّا يقضي بحملِ كلماته الأخرى – التي أوجز فيها القول ، أو اقتصر على أحد جوانبه ، أو أتى على ذكر بعضه ! - عليه ، وإتمامِ القول فيها من خلاله ، وسأُوضِّحُ ما أرمي إليهِ ، بعد إيرادِه ، قال تحت عنوان : "حول برنامج الشهاب" [العدد 162 ، ص:2-6] : 22 ربيع الأول 1928م] : " وأما الإصلاح فإننا ندعو إخواننا المسلمين إلى الرجوع إلى الهداية الإسلامية كما جاء بها محمد صلَّى الله عليه وسلَّم ، خالصةً نقيةً مما أحدثه فيها المحدثون في العقائد والأقوال والأعمال ، داعية إلى الزكاء النفسي ، والكمال الخلقي ، والتفكير العلمي ، والرقي العمراني ، والعدل الاجتماعي ، بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يهلك إلا هالك ، وندعوهم إلى أن يطلبوا هذه الهداية في القرآن الذي هو كتاب الإسلام ، وسنة محمد صلَّى الله عليه وسلَّم من أقواله وأفعاله وأحواله وسيره ، التي هي بيانٌ للكتاب ، وسيرة السلف الصالح في فهمهما والعمل بهما ، فإنهم – والله – أصح أفهامًا ، بفطرتهم العربية ومجالستهم للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم أو قرب زمانهم به ، وأصفى أذهانًا وأقوى إيمانا ، وأزكى نفوسا ، وأطهر قلوبًا وأقل تكلفًا وإذا اختلفوا – وما أقل اختلافهم في الهدى ، وإنما يختلفون في الأحكام – رددنا الخلاف إلى الله ورسوله ، إلى الكتاب والسنة ، كما كانوا يفعلون .
وندعوهم بمقتضى ما تقدم إلى طرح كل البدع والمحدثات في الدين ، التي دنَّست محياه الجميل ، وأوجدت للطاغين عليه من أعدائه السبيل ، وحالت بينه وبين من يمكن اهتداؤه إليه – ولو رآنا نمثله حقيقة – من غير أبنائه ... ولما كانت الطرائق المنتسبة إلى التصوف في حالتها المشاهدة تعجّ بهذه البدع عجًّا ، والمتمسكون بها يعتقدون اعتقادًا جزمًا ، أنها هي الدين قطعًا ، وأن ما خالف ما هم عليه هو البدعة شرعًا ، وكان من ورائهم المتعيشون عليهم ، المستغلون لجهلهم يدعُّونهم في هذا الظلال دعًّا ، ويصدونهم عن أهل العلم – إلا من سكت عنهم أو أيدهم – منعًا ، صمدت هذه الصحيفة لهم تدعوهم إلى الهداية الإسلامية الحقة ، على الطريقة التى مضى بيانها ، ولو شاء الله واستمعوا لها لانقلبت زواياهم معاهد دينية حقيقية تدرس فيها علوم الإسلام ، وطرائقهم جمعيات خيرية تخدم المسلمين من ناحية الدين ، ولكن أنى يكون ذلك وتلك الأموال عليها يعيش وينعم غالب أبناء الشيوخ ، وبين تلك الطرائق من المنافسات والمنازعات ما يفضي في بعض الجهات إلى مشاجرات ومقاطعات ، تسيل فيها الدماء وتذهب فيها الأرواح ، ضج المتعيشون من الزوايا والطرائق من هذه الدعوة وكبر عليهم وقعها ، وخافوا على رياستهم المبنية على الجهل والخرافة أن يتصدع من العلم الصحيح ركنها ... فأخذوا يرمون الدعوة الإصلاحية بالعظائم عند الأمة وحكومتها ، من التقول عليها ، والتشويه لسمعتها ، والتحريف لكلماتها ، والتضليل عن غايتها ... ولما ظهرت على أنوار الحق ظلمات وضلالتهم ، واندحرت أمام شهب كتاب الإصلاح – شياطين بدعتهم ، طفقوا يحتجون لأنفسهم بذكر من ينتمون إليه من شيوخهم رحمهم الله من مؤسسي الزوايا في زمان غير هذا الزمان ، وعلى حال نقطع أنها كانت في الجملة على غير ما هي عليه الآن ، ويتعالى بهم اللّجاج والادّعاء إلى ذكر شيوخ الزهد الأقدمين عليهم الرضوان – وإذا عرض كاتب من كتاب هذه الصحيفة لما نسب لأولئك الشيوخ عليهم الرحمة من أقوال وأفعال لينظر في سند ثبوتها من نسبت إليه ، وليزنها بميزان العدل الديني من كتاب الله وسنة رسوله كما أمر الله في كتابه – صاحوا به ! هذا نبش للقبور ، هذا كلام في الأموات ، هذا إنكار للتصوف من أصله ، هذا إنكار على الأئمة المتقدمين – ويا سبحان الله ! ...قد صحت عن جمع من أئمة العلم والزهد الوصاية بعرض ما يجيء عنهم على الكتاب والسنة ليقبل ما وافق ويرد ما خالف ، وقَبْلَ هذه الوصاية منهم كان الأصلُ الذي هو معتمد الجميع :﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾[النساء:59] .
فنحن بحمد الله – أسعد بكتاب الله ووصاية عباد الله الصالحين منكم ، إن كان كنتم تعلمون ، ثم هاتوا لنا لفظ التصوف ومعناه ، فقد طال تعاظمكم على العامة ومخادعتكم لهم بانتسابكم إلى أهله ، وأنتم أبعد الناس عن أصل من أول الأصول المقررة فيه وهو الزهد فيما أيدي الناس ، وأنتم – ولا نكران – أحرص الناس على ما في يد الغير وأشْرَ هُهُمْ إليه ، إلا من ندر منكم ، وأنا لا أعرفُ هذا النادر إن كان طال تعاظمكم هذا كما طال تنفيركم للعامة عن المصلحين بأنهم ينكرونه من أصله ، وأنتم كلكم أو جلكم لا تعرفون ما ينكرون وما يثبتون وتكادون لا تفقهون ما يقولون أو تعاندون فيما تفهمون .
التصوف – يا إخواننا – من الأسماء الاصطلاحية المحدثة أراد به قوم – علميًّا – ما يتعلق بأعمال القلوب كالزهد والصبر والرضاء من الأحكام ، و- عمليًّا – تهذيب الأخلاق وترويض النفوس على التخلي عن كل رذيلة ، والتحلي بكل فضيلة مع ملازمة السنة ودوام الإخلاص ، وهذا معنى إسلامي صحيح ، مبثوث في آيات القرآن وفي كتب الأثر ، ككتاب الأدب وكتاب الاعتصام من الجامع الصحيح وغيرهما من الوجهة العلمية ، وفيما ثبت من سيرة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وسيرة أصحابه من الوجهة العملية ، والمتكلمون فيه – من الذين ثبت علمهم وعدالتهم – يتفقون ويختلفون ويُصيبون ويخطئون ، وإلى الله ورسوله يرد خلافهم كما يرد خلاف غيرهم من المتكلمين في علوم الإسلام ، والكتاب والسنة الحكم على الجميع ، وأراد بلفظ التصوف قومٌ آخرون أوضاعًا وضعوها من عند أنفسهم لا تجد عليها نصًّا صريحًا صحيحًا من كتاب الله ولا سنة رسوله ولا من سيرة القرون الثلاثة : من نظريات فلسفية زائغة أفضت إلى عقيدة الحلول والاتحاد ، وعقائد باطنية في الديوان ورجال الغيب جعلت أمر العوالم كلها في يد جماعة من الخلق ما أنزل الله بها من سلطان ، حتى جعلوا لمن سمّوه غوثًا تصرفًا عامًا في جميع المخلوقات كعموم القدرة حتى قالوا : إنه لا يثب هِرٌّ على فأر إلاَّ بإذنه ، وأعمال سامريه في الرقص وآلاته جعلوا بها الدين لهوًا ولعبًا ، وكلمات مدسوسة على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وعلى عباد الله الصالحين زورًا وكذبًا إلى ضلالات وجهالات نسكوا بها – كما كان يقول السلف الصالح – نسكًا أعجميًّا ، وتصوفوا بها تصوفًا هنديًّا ، وجاء طمّها ورمّها مع من انتمى إلى التصوف من الجاهلين ، حتى آلت الحالة النكراء التي استعملت فيها هذه النسبة آلة لأكل أموال الناس كما نراه في غالب المعاصرين ، والتصوف بهذا المعنى الذي أفضى إلى هذه الأحوال – هو محطُّ إنكار المنكرين من المتقدمين والمتأخرين ، وباشتراكه مع المعنى الصحيح المتقدم في لفظ واحد التبس الأمرُ على كثير من الناظرين ، ووجد الكائدون للإسلام السبل للدَّسِّ على المسلمين .
هذا بيان وجيز للمعنى الصحيح من لفظ التصوف الذي نقبله والمعنى الباطل الذي نرده ، يملأ عيون الذين ينظرون الأمور نظر الحق والإنصاف ، ويسد أفواه الذين يريدون التشغيب على المصلحين بما لا يعلمون ، ويفهم الذين استنكروا على "الشهاب" أن يشير إلى انقسام التصوف إلى شرعي وبدعي ما يريد ... والله نسأل الإخلاص في أعمالنا ، والخلاص من شرور أنفسنا ،و الهداية إلى الصراط المستقيم ، قسنطينة : 1/3/1347هــ عبد الحميد بن باديس " إ.هـ .
الحواشي :
(1) : "الشعر الديني" (ص:587) لعبد الله ركيبـي
(2) : المصدر السابق
(3) : وقد ذكر الشَّيخ مبارك الميلي ، ما عمل له أناسٌ من التظاهر (بحماية التصوّف والصوفيّة) ، (لأنّ العامّة ومن قرب منهم إداركًا يعتقدون أنّ الصوفيّة مطلقًا هم صفوة الخلق وهم وحدهم العُبّاد الزّهّاد وأنّ التسليم لأقوالهم وأحوالهم ونقد شيءٍ منها خسران) إهــ "الشهاب" ، المجلد (9) ، الجزء (2) ، شوال 1351هــ فيفري 1933م ، (ص:81) ، مقال : "الصوفية ومراتب العبادة ... رد هجوم على جمعية العلماء"
(4) : "الشهاب" ، العدد (86) ، 27 شعبان 1345هــ ، 3 مارس 1927م
من مواضيعي
0 التغذية: نصائح وحيل حول الأكل الصحي اهمالها قد يسبب لنا مشاكل صحية لا نعرف اين سببها؟
0 فوضى سينوفاك الصينية.. لقاح واحد و3 نتائج متضاربة
0 "نوع آخر مثير للقلق".. سلالات كورونا المتحورة تنتشر في 50 بلدا
0 إجراء تغييرات إيجابية: نصائح وحيل للتغذية السليمة ولتقوية الاعصاب
0 هل لديك وزن زائد؟ نستطيع مساعدتك
0 يؤثر نظامك الغذائي على صحتك: كيفية الحفاظ على التغذية الجيدة
0 فوضى سينوفاك الصينية.. لقاح واحد و3 نتائج متضاربة
0 "نوع آخر مثير للقلق".. سلالات كورونا المتحورة تنتشر في 50 بلدا
0 إجراء تغييرات إيجابية: نصائح وحيل للتغذية السليمة ولتقوية الاعصاب
0 هل لديك وزن زائد؟ نستطيع مساعدتك
0 يؤثر نظامك الغذائي على صحتك: كيفية الحفاظ على التغذية الجيدة
التعديل الأخير تم بواسطة السني الجزائري ; 09-12-2012 الساعة 07:41 PM