الفصل 19 من رواية الإعصار الهادئ
14-08-2007, 11:41 PM
19
أغلقت سكينة جهاز التلفزيون، وأخدت تنظر الى ساعة يدها بقلق لقد تأخر
زوجها مراد، مهامه الكبيرة كمدير جعلته يتناساها و يهملها وهذا ما جعل الحروب بينهما لا تنتهي ، رزقهم الله بأربع بنات ولكن كل طرف يحمل الآخر أسباب تدهور الأسرة ، خيانته لها أضحت خبرا شائعا لدى الجميع ولكنه دائما ينفيكل علاقاته النسائية ويعتبر الأمر مجرد مكائد من صنع منافسيه.
دخلت الخادمة بسرعة الى غرفة الجلوس....
- لقد وصل السيد مراد ...
كانت سكينة قد تهيأت للخروج ، فقد كلمته عبر الهاتف النقال ليأخدها الى محل مجوهرات بوسط المدينة .
- هل أنت جاهزة؟
- نعم ، لقد تأخرت كثيرا يا مراد ، دائما تتجاهل إنشغالاتي....
- لدي عمل كثير بالمكتب ، لقد أجلت إجتماعا تنسيقيا مع رؤساء المصالح من أجل المجيء إليك.
- أنت الذي تتعب نفسك ، طلبت منك مرارا أن ترسل لي سائق المديرية ولكنك دوما ترفض.
- لست غبيا لأترك زوجتي مع سائق ،يتجول بها من مكان لآخر.
- وهل تشك بزوجتك أم بالسائق؟
- أثق بك كثيرا عزيزتي ولكنني لا أضع البنزين على النار.
- تثق بي ولكن مغامراتك النسائية على كل لسان.
- أنت فعلا مجنونة ،ما زلت تصدقين الإشاعات ، أنا رجل نزيه ولكن أعدائي دوما يصنعون عني حكايات كاذبة، تقولين أنني تأخرت عليك وأنت تضيعين الوقت في الحديث الفارغ ، هيا إسرعي لدي أعمال أخرى تنتظرني في المكتب.
ركبت سكينة السيارة بعد أن أوصت الخادمة بتحضير العصير للبنات قبيل عودتهم من المدرسة،لقد تعود هؤلاء على خرجات الأم وعلى الغياب الدائم للأب،لم تعد ثمة أي قيم أو مبادىء تشدهم الى بعض ،فعلا كانت أسرة في مهب الريح.
طوال الطريق كان مراد صامتا في حين كانت زوجته تتأمل واجهات المحلات والمارة ثم فتحت حقيبة يدها وأخرجت مرآة وأخدت تضيف بعض المساحيق لإضفاء مسحة جمالية على وجهها الذي هزمته الأيام وجسمها أضحى كتلة بشرية مهملة وفقد بريقه السابق ولكن تاريخ صلاحيته لم ينته بعد، تجاوزت سن الأربعين ولكنها ما زالت تملك بعض الأسهم في سوق النساء.
- أراك مهتمة بمظهرك كثيرا هاته الأيام....
….. - أنا دوما هكذا أنت الذي لم تعد كما كنا في بداية حياتنا
- تعرفين أنا مدير لدي مهام كبيرة ،لم أعد قادرا حتى على الإهتمام بأموري الخاصة.
- كنت أتجمل لك أم اليوم فأنا أحافظ على مظهري الخارجي لأنني زوجة مدير هام بالمدينة.
- أي محل نتوجه إليه؟
- مجوهرات الواحات ، شارع الكويت هل نسيته؟
…. - أعرفه ، قلت ربما تكونين قد غيرت المحل
- أبدا ، أفضل دوما أن أكون الزبونة الأولى في أي محل أتعامل معه.
- كلامك منطقي جدا ، إنه محل مجوهرات عريق ، وماهي اخبار الحاج التجاني صاحب المحل؟
- بخير، دائما يسأل عنك ويبلغك تحياته.....
- إنه شيخ محترم وأعطى شهرة كبيرة لمحله وكل نساء المدينة يتعاملن معه.
- يمكنك إعتباره محل النساء الراقيات فهو يبيع الذهب الفائق النوعية والمجوهرات المستوردة.
- إنها تجارة مربحة ولكنها توسعت لتشمل الشباب الطائش والعديم الأخلاق المهم أن الحاج التيجاني يعمل لوحده.
تفاجأت سكينة بما قاله مراد ولكنها إستطاعت إستعادة زمام المبادرة...
- طبعا الحاج التجاني يشتغل لوحده لأنه لا يريد تضييع سمعة المحل.
توقف مراد قرب محل المجوهرات وأسرعت سكينة بالخروج من السيارة.
- هات عشرة آلاف دينار.
- تفضلي، سأنتظرك هنا كالعادة ،سأقرأ الجريدة وأفتح الكلمات المتقاطعة.
. - شكرا عزيزي ، لن أتأخر كثيرا
ما إن دخلت سكينة المحل حتى بدأ مراد في إجراء إتصالاته الهاتفية المعتادة لا يستطيع أن يفوت يوما بدون فتح نسائي جديد ، أدمن حب النساء و أضحت
المرأة بالنسبة إليه كتابا جديدا ، يشتريه في يوم صدوره الأول يقرأه ثم يرميه لم تعد تهمه حقوق الناشرين ولا حقوق المؤلفين.
داخل محل المجوهرات كانت سكينة كتابا قديما وجدت من يقرأه ويعيد الإعتبار لأوراقه ومحتوياته ، إنه نذير إبن الحاج التيجاني الذي أصبح يدير محل والده ولكن مراد لا يعلم بالأمر.
- لقد تأخرت كثيرا حبيبتي ، طال غيابك وزاد شوقي إليك......
- نذير أنت فعلا الحب الذي عاد يسكن قلبي من جديد....
- أين هو المغفل زوجك؟
- كعادته في السيارة يقرأ الجريدة ويتكلم مع عشيقاته ، لحد الساعة لا يعرف بأنك تدير المحل.
- أراك تزدادين أنوثة يوما بعد يوما....
- لا تحاول خداعي أنا أكبر منك بكثير ، أنت تتمتع بإمرأة ناضجة جدا .
؟- أ لا تخافي أن يعلم زوجك بعلاقتنا
- إطمئن لن يعلم فهو غارق في العسل مع عشيقاته وحتى وإن عرف فلا يهمني أمره ، لديه مطلق الحرية وأنا يحق لي أن أتمتع بحياتي أيضا.
- طبعا أنت أشرف منه ، على الأقل أنت تعرفين رجلا واحدا......
… - وهل أنت فعلا رجلي الوحيد ؟ أنت أصلا ما زلت شابا يافعا
- لا أصدق بأنك تعرفين غيري ..
- لا تخف أنا أمزح معك فقط ، أنت حبيبي الوحيد ، لست ساقطة مثله لدي حد أدنى من الكرامة.
بعد دقائق خرجت سكينة من المحل والخيانة تتبعها في حين كان مراد ينطلق
كالسهم ، كانت السيارة تحمل زوجين يمارسان الرذيلة و لا يهتم أحدهما
بالآخر ، مراد يرى بأنه يمارس حقوقه الشرعية ولن يحاسبه أحد ،أما سكينة فكانت تنتقم منه بمنح جسدها لشاب في مقتبل العمر.
- هل يمكنك أن توصلني لبيت أختي نجية ، لم أزرها منذ أسابيع؟
- ليس لدي وقت ، لقد إتصلوا بي من المديرية ، هناك تقرير مستعجل يجب إرساله للوزارة.
… - إتصلت بك تلك السافلة سهام إذن
….- ما بك ، أراك ما زلت تشكين بها
- ليس لدي شك ، لدي عيون في المديرية أخبرتني بانك على علاقة مميزة معها.
- قولي لديك جواسيس عندي ، إنهم يكذبون ، إنها فقيرة و أعطف عليها فقط وهي نشيطة جدا في عملها وهي بحق فتاة مكافحة.
- لا أدري أي نوع من الكفاح تمارسه معك هذه السكرتيرة.....
- كفاك ظلما لها إنها فعلا طيبة ودائما تسأل عنك.....
- لا تحاول خداعي أنا أعرف كل شيء ، المهم دعني منها ، خدني الى منزل أختي و إرجع لي في المساء.
- لا ستذهبين مباشرة الى بيتنا ، أظنك نسيت البنات....
- الخادمة ستتكفل بهم ريثما أعود....
- قلت لا... وزيادة على على موضوع البنات فأنا أكره ذلك الوغد زوج أختك ولا أريد لقاءه ولا أحبذ أن تلتقي به.
- لا أدري سر هجومك المفاجئ عليه ، ألست أنت من أحضره للعائلة وقدمته لنا كصديقك المميز؟
- لم يعد صديقي ، بكل بساطة زوج أختك ، يريد إزاحتي من مهامي والحصول على مكاني فهو لم يكتف بمنصب رئيس مصلحة الذي أعطيته له بل يريد أن يصبح من أهل القمة ، وصلتني أنباء منذ مدة بأنه يبعث دوريا الى الوزارة بتقارير مزيفة عني ويلفق لي الكثير من التجاوزات والأخطاء وقد وصلت به
الجرأة الى حد تجنيد بعض المواطنين ضدي ، لقد كتبت العديد من الرسائل المفتوحة عني في الجرائد ومست بوظيفتي و كرامتي ولكن سيقع بين يدي كالطائر المذبوح ولن أرحمه.
- لا تنسى بأنه زوج أختي الصغرى ووالدي لن يقبل بما ستقوم به.
- لا تخلطي الأمور ببعضها هذا أمر عملي وليس عائلي ، إن حدث مكروه
لزوجها فعليها أن تعتبر ما قد يصيبها يدخل في إطار مخلفات الصراع فمهما كانت الحروب نظيفة فهناك دوما ضحايا أبرياء.
بعد دقائق وصل مراد الى منزله وكانت سكينة سعيدة بما حققته في هذا اليوم
ضمن مسلسل إنتقامها اليومي من الرجل الذي دمر حياتها فأصبحت هي بدورها قنبلة لاأخلاقية تنفجر من حين للآخر، أما مراد فقد إنطلق من أجل مهامه الإدارية الدائمة ، خاصة تقريره المستعجل للوزارة ، الذي لم ينته منه يوما
لأنه غير موجود أصلا ، في حين أن الإتجاه الحقيقي كان بيته الثاني المعد
لتفكيك كل القنابل النسائية مهما كان حجمها أو نوعيتها ، لقد تحول مراد من زير نساء الى بحيرة لا تعرف سوى أنهار الأنوثة التي تصب فيها بإستمرار.