لِتَحلُم معي..
25-06-2015, 12:02 AM

إنّ ما نعيشه في بلادنا من آلام وانكسارات، وما نراه من فسادٍ وإفسادٍ وظلم، كفيلٌ ببعث اليأس في النّفوس، وإصابةِ العزائم بالخَوَر، وقمينٌ بأن يُقلّل سقف الطموحات، ويعيد السّيوف المُصلَتَةَ إلى أغمادها، وإنّ سياساتنا ماضيةٌ في قطف الرؤوس اليانعة، والإجهاز على ما فضُل مِن إنسانيةِ الإنسان، والتقليل من سقف أحلامه حتّى يكون مِن أمثَلِها الوظيفةً والمنصب، والزوجةً والسّكن. والحُلُم إذا كان صغيرا كان صاحبُه صغيرا، لا يَلْتفِتُ إليه الرّكْبُ بلْهَ أن يتوقّف عنده، وكلّما عظُم الحُلُم زعزع أركان الظّلم، و ربَّما كان الإنجاز الكبير على قدر الألم، وأبقى لصاحبه ذِكراً لا تَعفوه السّنين، وما أكثر الإنجازات التي كانت أحلاما ولكنّنا.. نَنسى. ونَنْسى أنّهم يعملون على اغتيال أحلامنا، لأنها إذا كانت عظيمةً، لا تموت بل تتوارثها الأجيال حتّى تقضي عليهم، ومِن أجل ذلك لا تنسَ أن تُورِّث حُلُمك لمَن بعدك، فبعض الأحلام لا تَدول.
لتَحلُم معي إذن، فأحلامنا تُخيفهم، لأنّها تبعث فينا الرّغبة في الحياة، ومن أجلها نتجاوز آلامنا ونَصبِر صبرَ المأجورين لا صبر المَأزورين، إنّهم يريدوننا قطيعا من البشر يسوقونه سَوْق البهائم، يُطعِمونها ويَسقونها حتّى لا تموت فلا ينتفعوا بها، فإن شَبِعت وأتعَبتْهم جوّعوها لتَسكُن إليهم! أحلامنا تُذكّرهم أنّنا أحرار وإن كنّا عانين مقيَّدين، ونحن نُذكّرهم أنّ أحلامنا تأكل أجسادنا ولا تموت. لِتَحلُم معي بوطنٍ أكبر مِن السّاسة والحُكّام، يَجمع أشتات أحلامنا التي بعثروها، ويُوحِّد أعضاءنا التي فرّقوها، وطنٍ يضيق بهم ويلْفِظُهم كالفضلات في مزبلة التاريخ، ويتّسِع لنا وإن أكلْنا فيه التراب، لأنّه وطنُنا وقلوبُنا له وطن.
لنَحلُم بوطنٍ لا تكون فيه الوظيفة حُلماً، ولا الحصول عليها انتصارا وظَفَراً، فهذا وطنٌ لا تَكبُر فيه الأحلام، ولا تَحيا فيه الأفكار..لِتَحلُم معي بوطنٍ لا يشتاق فيه الطفل إلى الطّفولة، ولا تُوزَّع فيه الطّفولةُ حسب أهواء (الصّغار)، لنَحلُم باستعادة الوطن المسلوب، فقد طال الأسْر وكَثُر السّجانون، والظّلم يُغري بالظُّلم. فهل هذا ممكن؟ هل بقِيَت فينا جُرأةٌ على الحُلُم؟ أم أنّ أحلامنا الكبيرة مُثقَلة بقيود الأسر؟ قيدِ الحيْف والجوْر، وقَيد الجَهل والوعي الزائف، وقيْد الكذب والاحتيال، وقيد الأحلام الصّغيرة التي لا تصنع على الحقيقة عالِما يثِق برأيه النّاس، ولا حاكما يَرشُدون معه، ولا وطناً يأمنون فيه.
هذه ليست أحلاما بل حقائق، لكنّ وقتها لم يحِن بعد، فلْنُعلّم أبناءنا كيف يحلُمون، وبِم يحلُمون، ومتى يحلُمون، وكيف يحافظون على أحلامهم، ولْنُذكّرهم أنّ الأنوار التي يستضيء بها العالَم ولا يستغني عنها لحظةً واحدةً، كانت في يومٍ ما حلُما، وأنّ "مانديلا" الذي وقف العالمُ كلُّه يترحّم عليه يوم موته، كان حالِما، وكلّفه حُلُمه سبعا وعشرين سنة سجناً، ولنُذكّرهم أيضا أنّ العالَم مازال يُردّد منذ زمن وسيبقى كلمة "مارتن لوثر كينغ" :"عندي حُلُم"، لكنّ الفرق بيننا وبينهم أنّهم يَفقهون أحلامهم، بينما لا تزال أكبر أحلامنا وظيفةٌ و سكن! ولنُعلّم أبناءنا أيضا، أنّ" الغُصن الذي لا يَحلُم لا يُزهِر" وأنّ " شيئا واحدا يقدِر على أن يَجعَل الحُلُم مستحيلا هو الخوف من الفَشَل". ألَم يُعلّمنا نبيُّنا الكريم صلى الله عليه وسلّم كيف نَحلُم؟ بلى، ولكنّنا ننسى. لقد قال يوما لخبّاب بن الأرتّ :"...والله ليُتمّنّ الله هذا الأمر حتّى يسير الرّاكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلّا الله والذّئب على غنمه، ولكنّكم قومٌ تستعجلون"، ويومها كان خبّاب قد سال شحمه على الجمر، وعُذّب أيّما عذاب، ومثلُ هذا قاله النبي الكريم عليه الصلاة والسلام لعُدي بن حاتم الطّائي : "...فوالله لتوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسيةعلى بعيرها حتى تزور هذا البيت لا تخاف إلا الله ...وأيم الله لتوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابلقد فتحت عليهم..."، ويومها كانوا يسخَرون من رسول الله صلى الله عليه وسلّم، مثلما يفعلون اليوم أيضا.
إنّ الإيمان بالحُلُم هو الذي يمنحنا القوّة على المقاومة، ويُعطينا القُدرة على الاستمرار، وكم قائداً حاول فتح القُسطنطينية لأنّه آمن بالحلُم، حتى أصبح الحُلُم حقيقةً؟فـ" إمكانية تحقيق الحلُم هي التي تجعل الحياة ذات أهمية" كما جاء في رواية "الخيميائي"لباولو كويلو، نقلا عنأحمد الأبيض في كتابه "فلسفة الدّعاء" ومنه أيضا نقلنا القوليْن السّابقيْن.
عندما نفقد أحلامنا نفقد قدراً غير قليل من حياتنا، وعندما يقتلون فينا القدرة على الحلم يستوي عندنا الموت والحياة، ولذلك فإنّ اغتيال الحلُم جريمة، وما أكثر المُجرمين بيننا!ولعلّ الحلمَ أشدُّ ما يكون قوّةً إذا كان كبيرا بعيد المنال، فإذّاك يَستخرج من صاحبه أفضل ما عنده، ويستنفر أكثر قُدراته، فإن لم يتحوّل بعدها إلى حقيقة، فإنّه لا شكّ مُلهِمٌ كثيرا من النّاس، وحاملٌ أشدَّهم يأساً من الأحلام على ركوب أحلام الآخرين، مُعلنين عجزَهم عن صناعة أحلامهم. فلتَحلُم معي إذن، فكلّ حُلم يحمل في رحمه حقيقةً، ولْتَنشُر معي في النّاس ثقافة الأحلام.
عبد العزيز حامدي