عن شرب الدخان :
08-09-2007, 09:18 PM
بسم الله
عبد الحميد رميته , الجزائر
عن شرب الدخان
قبل أن تكتشفَ الدنيا مضارَّ الدخان المؤكدةَ - خاصة منها الصحية - , كان الخلافُ قائما أيام زمان بين علماء الإسلام بين من قال بجواز شربه ومن قال بكراهية ذلك ومن قال بحرمة ذلك .
وأما اليوم , وبعد أن تأكدت الأضرار المختلفة للدخان في المجالات الصحية والمالية والاجتماعية والأدبية والأخلاقية والذوقية و...( وخاصة منها الصحية ) فلا يختلف اليوم ولو عالمان من علماء الدنيا المسلمين في حكم شرب الدخان. توجد اليوم مئات الفتاوى المعتبرة لعلماء ثقات تؤكد على عدم جواز شرب الدخان وعلى حرمة ذلك .
إنه لا ريبَ في خبث الدخان ونتنه ، و... وتحريمه بالنقل الصحيح، والعقل الصريح ، وفتاوى الفقهاء المجتهدين , وكلام الأطباء المعتبرين . إن الإجماع واقع اليوم على أن شربَ الدخان حرامٌ ثم حرام ثم حرام . ولا يختلف العلماء في هذه المسألة , أي في حكم شرب الدخان سواء بين العلماء الذين يميلون عادة إلى التيسير والتسهيل المبالغ فيهما مع الناس , أو بين العلماء الذين يميلون عادة إلى التعسير والتشدد في أمور الدين , أو بين المعتدلين أو أصحاب التوسط من علماء الإسلام .
ولَـأَن يشرب الشخصُ الدخانَ ويقول " هو حرامٌ . وأنا أسألُ اللهَ أن يُغلِّـبني على نفسي وعلى الشيطان , حتى أتوقفَ عن شربه عن قريب " , هذا أفضلُ له بكثير من أن يشربَ الدخانَ , ويقول " ليس فيه شيء . إنه حلال" , لأنه إن فعلَ ذلك فإنه يرتكبُ بذلك ذنبين لا ذنبا واحدا : الأول لأنه شربَ الدخانَ , والثاني لأنه أباحَ ما حرَّمَ اللهُ .
ثم أضيف هنا بعض الإضافات الطريفة والجادة المتعلقة بهذه المسألة :
أولا : يقال بأن المدخن يمتاز بأربع مميزات : هو لا يشيبُ رأسُه, لأنه غالباً مايقضي عليه الدخانُ قبل بلوغه سنَّ المشيب . والمدخنُ لا ينهشه كلبٌ - أعزكم وأكرمكم الله - لاستصحابه لعكازه نتيجة لعجزه وضعفه .والمدخنُ لا يدخلُ اللصُّ دارَهُ , لأنه يقضي ليلَـه مع نوبات لا تنتهي من السعال يتعذر معها اقتحامُ دارِه . والمدخنُ إذا ركبَ الحافلةَ أو غيرها ورآهُ أحدُ الجالسين ضعيفَ البنية منهارَ القوى معتلَّ الصحة , رقَّ قلبُـه لحاله فتنازلَ له عن مقعده وأجلسه فيه.
ثانيا : فتوى للشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - ( وهي واحدة من مئات الفتاوى المتشابهة ):" شربُ الدخان محرمٌ وكذلك الشيشة , والدليل على ذلك قوله تعالى"ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما".وقوله تعالى "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ." وقد ثبت في الطب أن تناولَ هذه الأشياء مضرٌّ , وإذا كان مضرا كان حراما .ودليل آخر قوله تعالى " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما ", فنهى عن إتيان السفهاء أموالَنا لأنهم يبذرونها ويفسدونها . ولا ريب أنبذلَ الأموال في شراءِ الدخان والشيشة و... تبذيرٌ وإفساد لها , فيكون منهيا عنه , بدلالة هذه الآية . ومن السنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال"لا ضرر ولا ضرار".وتناولُ هذه الأشياء موجبٌ للضررِ , ولأن هذه الأشياء توجبُ للإنسان أن يتعلق بها فإذا فقدها ضاق صدرُه وضاقت عليه الدنيا ، فأدخل على نفسه أشياء هو في غنى عنها ". انتهى كلامه رحمه الله.
ثالثا : لابد من تقديمِ النصيحة للمدخنِ بالطريقة المناسبة التي تجعله يقبلُ الكلامَ وتُساعدُه على التغلبِ على نفسِه والتوقفِ عن التدخين , لأن الناصحَ في بعض الأحيان – حتى وإن كانت نيتُه حسنة - يدفعُ المدخنَ – ولو بطريقة غير مباشرة - للإصرارِ على مواصلةِ التدخين , وهذا إن قدَّم النصيحةَ بطريقة فظة غليظة .
رابعا : بين عبدِ الله وعبدِ الشهوة : يجب أن يعلمَ الجميعُ بأن العزةَ الحقيقية وأن السعادةَ الحقيقية وأن رضا الله ثم احترامَ الناس وأن...كل ذلك وغيره مما هو في حكمه , لا ولن يتأتى لنا إلا إذا كنا سادة لأنفسنا لا عبيدا لها. إن شرفَ الواحد منا بأن يكون عبدا لله هو أن يكون سيدا لنفسه لا عبدا لها . يجب أن نعلمَ جميعا بأن كلَّ إنسان إما أن يكونَ سيدا لنفسه فهو إذن عبدُ الله بحق , وإما أن يكون عبدا لنفسه فهو إذن ليس عبدا لله وإنما هو عبدٌ لشهواته وأهوائه . وما أبعد الفرقَ بين أن تكونَ عبدا لله فتكون أعزَّ خلقِ الله عند الله , وأن تكون عبدا لشهواتك وأهوائك ونفسك الأمارة بالسوء فتكون أذلَّ خلقِ الله عند الله وتكون أذلَّ وأضلَّ من الحيوان أكرمكم وأعزكم الله . ومنه فالمدخنُ مثلا – وكذا السارقُ والكاذب والظالم والقاذف والعاق لوالديه والساحر و..., ومعهم كل عاص لله - ما دام يُدخنُ فهو ليسَ عبدا لله وإنما هو عبدٌ لشهواته وأهوائه ونفسه الضعيفة العاجزة القاصرة . ويحضرُني هنا قولٌ حكيمٌ من عبد مؤمن لسيدِه الملكِ الظالم . قال العبدُ للملكِ " أنتَ أيها الملكُ عبدُ عبدي ؟!" , فانتفضَ الملكُ غاضبا وقال " ويحك ! كيف تجرؤ على أن تقول لي هذا ؟!" فأجابَ العبدُ " أنا مالكٌ وسيدٌ لشهواتي وطائعٌ لله ربِّ العالمين , إذن أنا عبدٌ لله تعالى . أما أنتَ أيها الملك فأنتَ عاص لله مُتبعٌ لشهواتك , إذن أنتَ عبدٌ لشهواتك لا عبدٌ لله . ومنه فأنتَ في النهاية عبدُ عبدي ( أي عبدُ الشهواتِ التي أنا سيدٌ لها ) ".
خامسا : أسئلة فيها عبر :
1-ما هي الأكلة الوحيدة أو الشراب الوحيد في الدنيا الذي لا يقول الشخص" بسم الله " في بدايته ؟.
2-ما هي الأكلة الوحيدة أو الشراب الوحيد في الدنيا الذي لا يقول الشخص" الحمد لله "عند الإنتهاء منه؟.
3- ما هو الغذاء الوحيد أو الشراب الوحيد الذي يطأه الناسُ عادة بأقدامهم عند الانتهاء منه ؟.
4- ما هو الغذاء الذي لا يَسرُّكَ أبدا أن ترى ابنَـك (أو ابنتَـك) يتناولُـه ؟.
5- ما هي الأكلة الوحيدة أو الشراب الوحيد الذي لا يُفطر عليهِ أحدٌ في رمضان إلا مدمنٌ على ...؟.
6- إذا طُلِب منكَ أن تُـصنِّـف جميعَ المأكولات والمشروبات في قائمتين إحداهما للطيبات والأخرى للخبيثات , فضمن أية قائمة ستضعُ " الدخان " ؟.
7- هل شربُ الدخان هو من الصفات الحميدة التي تودُّ أن يأخذَها عنك أولادُك وبناتُـك , من منطلق أنك أنت القدوةُ لهم ولهنَّ ؟.
8- من السنةِ التيامنُ في الأكلِ والشرب , ولكن هل رأيتَ أحدا يقولُ لأحد
" لا تشربْ الدخانَ باليدِ اليسرى , وتناولهُ فقط باليد اليمنى "!.
9- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تهادُوا تحابوا " . والسؤال هنا هو : هل عندك أجرٌ عند الله إن أهديتَ لأحد من الناسِ " سيجارة " ؟!.
10- ما هو الطعام أو الشراب الوحيد في الدنيا الذي يُكتبُ على المنتَجِ منه أنه
" ضارٌّ بالصحة " ؟.
11- ما هو الطعام أو الشراب المنتَج الذي لا يبحثُ الناسُ أبدا عن تاريخِ صلاحيتِـه , ولماذا ؟!.
12- أنتَ تنفقُ ما تنفقُ من أموال على الدخانِ , وربما أنتَ تجدُ صعوبة كبيرة في توفير الضروريات لأهلك من زوجة وأولاد .كيف تسمي يا هذا هذا التصرفَ منكَ أنتَ ؟.
13- من هو الأكثرُ بلاهة وغفلة وحمقا و...: الذي ينفقُ الأموالَ الطائلة لشراءِ الدخانِ وشربه وإلحاق الضرر بنفسه وبمن حولهُ من الناسِ أم الذي يأخذُ هذا المالَ ويـحرقُـه ويرميه في القمامة ؟!.
14- إذا سألكَ اللهُ يوم القيامة " لِـمَ لم تنفقْ على الفقراءِ والمساكين , وقد كنتَ قادرا على ذلك ؟ ",
هل يُقبلُ منكَ أن تُجيبَ بقولكَ "يا الله ! إنني معذورٌ لأنني أنفقتُ ما زادَ من المالِ عن حاجتي , أنفقتُه على شراء الدخان! " .
يا أخي ! يا أيها المدخن ! , كن قويا وتغلَّبْ على نفسِك وشهواتك وأهوائك , وتوقفْ عن شربِ الدخانِ الآن , وليس بعد ساعة أو يوم أو أسبوع أو شهر أو ...وكنْ سيدا لنفسِك ولا تكنْ عبدا لها , وكنْ عبدا لله ولا تكنْ عبدا للشيطانِ .
نسأل الله أن يحفظنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض آمين . والله أعلى , وهو وحده الأعلم بالصوابِ.
التعديل الأخير تم بواسطة رميته ; 08-09-2007 الساعة 09:48 PM