المظاهرات والمسيرات من وسائل الإفساد لا الإصلاح . للشيخ سليم بن صفية الجزائري -
07-01-2011, 03:28 PM
هل المظاهرات
والمسيرات من الوسائل مشروعة ؟

الجواب :

أولاً: مفهوم المظاهرات.
1-
المظاهرات لغة: جمع "مظاهرة, مصدر
"ظاهر" من "فاعل".
وتدور
معانيها في لغة العرب على تعاون أناس فيما بينهم بالبروز وإظهار القوة.

2-
أما في الاصطلاح: فقد جاء في المعجم الوسيط
(578): "المظاهرة: إعلان رأي أو إظهار عاطفة في صورة جماعية.
فالمظاهرات هي خروج جمع
من الناس مجتمعين في الطرق والشوارع أو نحو ذلك, للمطالبة بشيء معين أو لإظهار القوة
أو نحو ذلك.
فهي تجمع بين التلفظ القولي,
وبين الفعل الجسماني.
وتكون عادة أداة ووسيلة
لتغيير المنكرات, على اختلاف أنواعها, وتعدد أنماطها.

وحتى لا نتهم بالتعميم
والإجمال, سوف أعرض لمسألة المظاهرات والمسيرات بمزيد من التفصيل, والإيضاح والبيان,
حتى يتضح السبيل ويستبين الدليل, والله الموفّق.

ثانياً: شبهات المجيزين
للمظاهرات والجواب عليها.

حاول المفتونون بهذه الوسيلة
البدعية الغربية إلباس وسيلتهم بلباس شرعي, إيغالاً في الإضلال والعماية, ولكن هذه
الشبه واهية لا زمام لها ولا خطام, لا تصمد أمام قواطع الحج وصوارم الأدلة, وفيما يلي
عرض لأبرز هذه الشبهات, والجواب عليها:
1- أن النبي صلى الله عليه
وسلم قد خرج مع صحابته متظاهراً, وذلك حينما خرج بعد إسلام عمر رضي الله عنه على رأس
صفين من أصحابه: على الأوّل منهما عمر, وعلى الثاني حمزة, رغبة في إظهار قوة المسلمين,
فعلمت قريش أنّ لهم منعة"(
أخرجه أبو نعيم
في الحلية 1/40, وأورده ابن حجر في الإصابة 2/512, وعزاه لمحمد بن عثمان في تاريخه).

الجواب: من وجهين.
أ- من الناحية الإسناد:
تدور طرق هذا الأثر حول إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة, وهو منكر الحديث لا يحتج به
(ميزان الاعتدال 1/193), فالرواية لا تثبت.

ب- وعلى فرض صحة الرواية
فإنّ ذلك كان في أول الإسلام قبل الهجرة, وقبل اكتمال الشريعة, ولم يعلم لها نظير أو
تكرار بعد ذلك, ولو فعل لنقل إلينا.
قال العلامة ابن باز رحمه
الله: "لو صحت الرواية – أي الأثر السابق- فإن هذا في أول الإسلام قبل الهجرة
وقبل كمال الشريعة .

ولا يخفى أن العمدة في
الأمر والنهي وسائر أمور الدين على ما استقرت به الشريعة بعد الهجرة"( مجموع
فتاوى ابن باز 8/246).


2- أنّ المسلمين يظهرون
ويبرزون لأداء صلاة الكسوف والاستسقاء والأعياد جماعة, لإظهار القوة والمنعة والشوكة,
وهي أشبه بفعل المتظاهرين.

الجواب:
قال العلامة ابن باز رحمه
الله: "أما ما يتعلق بالجمعة والأعياد ونحو ذلك من الاجتماعات التي قد يدعو إليها
النبي صلى الله عليه وسلم كصلاة الكسوف وصلاة الاستسقاء , فكل ذلك من باب إظهار شعائر
الإسلام وليس له تعلق بالمظاهرات كما لا يخفى"( مجموع
فتاوى ابن باز 8/246).

3- أنّ المظاهرات من باب
المصالح المرسلة, ولو لم تُفعل لفات كثير من المصالح.

الجواب من وجهين:

أ- المظاهرات ليست من الوسائل
المرسلة التي عدم فيها الدليل الخاص,
بل هي من وسائل تغيير المنكر المحرّمة, لأنّ تغيير
المنكر عبادة توقيفية.

ب- وعلى فرض التسليم أنّ
المظاهرات من الوسائل المرسلة,
فيجاب عليه بأنّ:
المصالح المرسلة لا تعمل
بها حتى تتوفر شروط إعمالها وهي:
أن تكون المصلحة المرجوة
حقيقية لا وهمية.
أن تكون المصلحة المرجوّة
أكبر من المفسدة المرتكبة.
أن لا يكون هناك سبيل آخر
لجلب هذه المصلحة.

وإذا نزلنا هذه الشروط
الثلاثة على المظاهرات وجدنا أن لا أحد منها متوفر.

4- أنّ المظاهرات من باب
نصرة الدين, وليس على من فعلها إثم لحسن نيّته وصلاح مقصوده.

الجواب:
إنّ صلاح النية أحد شرطي
قبول العمل, ولا يقبل العمل إلاّ بسلامة الاتباع وحسن النية, قال تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ
أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} (الملك 2).

قال الفضيل بن عياض رحمه
الله: "﴿ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾: أخلصه وأصوبه, فإنّه إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً,
لم يُقبَل, وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً, لم يُقبَل حتى يكون خالصاً, والخالص إذا
كان لله, والصواب إذا كان على السنة" (رواه أبو نعيم في الحلية 8/95, وإسناده
صحيح).

وعن ابن مسعود رضي الله
عنه قال: "كم من مريد للخير لن يصيبه"( أخرجه
الدارمي, رقم 210).

5- أنّ استخدام المظاهرات
لتغيير المنكر قد نفع في بعض البلدان, وجاء بنتائج إيجابية, وكذلك الشأن في النصرة
فإنّا نؤمّل أن تؤتي ثمارها.

الجواب:
أنّ العبرة ليست بمصلحة
موهومة قد تحدث أحياناً, وتتخلف كرات ومرات, إنما العبرة بالدليل والاتباع, فالمصلحة
إن حصلت مرة لم يكن ذلك دليلاً على مشروعية وسيلتها, وإنما العبرة بموافقة الشرع.

ثم إنّ الغالب الأعمّ في
هذه المظاهرات أن تؤدي إلى عكس المقصود, وتجارب الحركات الإسلامية في ذلك أشهر من أن
تذكر0

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله: "ليس كلّ سبب نال به الإنسان حاجته يكون مشروعاً ولا مباحاً, وإنما
يكون مشروعاً إذا غلبت مصلحته على مفسدته, مما أذن فيه الشرع"("مجموع الفتاوى" 27/177.).

ثالثاً: القول
الراجح في المسألة:

هو المنع من إقامة المظاهرات
والمسيرات لأي غاية كانت, وإن كان القصد حسناً.
وأدلة ذلك ما يلي:

1- إنّ مما تقرر شرعاً
أنّ الله جلّ وعلا قد أكمل دينه وشرعته, وأكمل وسائل بلاغه, ووسائل حفظه وحمياته, والذب
عن حياضه, بدليل مقتضى التنزيل, قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً} (المائدة 3).
وعليه فوسائل نصرة المؤمنين مبيّنة واضحة كاملة في شرعتنا, ومن قال غير ذلك فقد اتهم
التنـزيل, وقدح في رسالة إمام المرسلين.

2- أنّ المظاهرات والمسيرات,
وسائل غربية بدعية, ما عرفت في عهد التنـزيل, ولا في عصر السلف الأولين, وإنما عرفت
عند بعض الجماعات الإسلامية كوسيلة لتغيير المنكرات, مقتدين بالغرب الكفار.

قال العلامة ابن باز رحمه
الله: "الخروج في المظاهرات والمسيرات ليس طيباً, وليس من عادة أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم, ومن تبعهم بإحسان"( مجلة
الفرقان, العدد 820, ص 12).
فالمظاهرات من شعار الكفار
وفيها تشبه بالنصارى, ونحن مأمورون بمخالفتهم فيما هو شعار لهم من العادات, فكيف بالعبادات.

قال الشيخ عبد العزيز الراجحي
حفظه الله: "المظاهرات ليست من أعمال المسلمين, هذه دخيلة, ما كانت معروفة إلاّ
من الدول الغربية الكافرة"( الفتاوى الشرعية
في القضايا العصرية, ص 143).


3- أنّ المظاهرات تعبّد
إلى الله تعالى بوسيلة لم يشرعها الله عز وجل ولا رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال العلامة ابن باز رحمه
الله: " ذكرتم في كتابكم: ( فصول من***الشرعية ) ص 31 , 32 : أن من أساليب
النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة التظاهرات ( المظاهرة ) .ولا أعلم نصا في هذا المعنى"("مجموع
فتاوى ابن باز 8/245).

4- أنّ النبي صلى الله
عليه وسلم لم يأمر بها صحابته, ولم يفعلها, رغم قيام المقتضى وانتفاء المانع, والقاعدة
الفقهية تقول: " إذا تَرَكَ الرسول r
فعل عبادة من العبادات مع كون موجبها وسببها المقتضي
لها قائمًا ثابتًا ، والمانع منها منتفيًا ؛ فإن فعلها بدعة" (انظر اقتضاء الصراط المستقيم
( 2 /591 – 597) ومجموع الفتاوى (6/172).

5- أنّ السلف الصالح من
الصحابة والتابعين لهم بإحسان لم يفعلوا المظاهرات, ولو كانت مشروعة لتسابق الصحابة
إلى فعلها.

6- أنّ المظاهرات فيها
مفاسد عديدة تربو على مالها من المنافع التي زعمها القائلون بها,
ومن تلك المفاسد:

أ‌- أنّ
المظاهرات سبب في ردّ الحق وعدم قبوله.

قال العلامة ابن باز رحمه
الله: "الأسلوب السيء من أخطر الوسائل في ردّ الحق وعدم قبوله, أو إثارة القلاقل
والظلم والعدوان والمضاربات, ويلحق بهذا الباب ما يفعله بعض الناس من المظاهرات التي
تسبب شراً عظيماً"( الفتاوى الشرعية
في القضايا العصرية, ص 13).

ب‌-
أنّ المظاهرات تولِّد أسباب الفتن والشرِّ,
والتعدِّي على الآخرين, إذ أنّ المظاهرات فرصة سانحة لاندساس مثيري الشغب والفتنة بين
الصفوف, وقد يقع سفك للدماء, وتخريب للأموال.
قال العلامة ابن باز رحمه
الله: "لا أرى المظاهرات من العلاج, ولكني أرى أنها من أسباب الفتن, ومن أسباب
الشرور, ومن أسباب ظلم بعض الناس, والتعدي على الناس بغير حق"( الفتاوى
الشرعية في القضايا العصرية, ص 137).

ج- ما يحصل في هذه المظاهرات
من محاذير شرعية كالاختلاط بين الرجال والنساء, وغير ذلك من المحاذير.

وقد حدثني بعض الشباب عن
أهوال تحدث في المظاهرات من انتهاك حرمات المسلمات, وغير ذلك من أنواع البلاء والشرور.
هذا ما أدين الله به.

وهذا ما تيسر كتابته في
هذه العجالة.

أسأل الله العظيم أن يهدينا
إلى سواء السبيل, وأن ينصر إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها, وأن يهلك عدونا
وعدوهم, آمين يا رب العالمين.

كتبه وحرّره: أبو يزيد سليم بن صفية الجزائري

أخوكم في الخدمة