تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
منتديات الشروق أونلاين > المنتدى الحضاري > منتدى الدراسات الإسلامية

> التبيــان شرح نواقض الإســلام للمحدث العلامة سليمان ناصر العلوان

  • ملف العضو
  • معلومات
WALID24200
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 02-08-2009
  • الدولة : الجزائر الغالية
  • المشاركات : 117
  • معدل تقييم المستوى :

    15

  • WALID24200 is on a distinguished road
WALID24200
عضو فعال
التبيــان شرح نواقض الإســلام للمحدث العلامة سليمان ناصر العلوان
06-04-2011, 06:15 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
التبيــان

شرح نواقض الإســلام



للإمام المجدد
شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب. رحمه الله

تأليف
سليمان ناصر بن عبد الله العلوان

الطبعة السادسة
وقف لله تعالى


هذه النسخة متوافقه مع طبعة دار المسلم للنشر والتوزيع


بسم الله الرحمن الرحيم



مقدمة الطبعة السادسة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعود بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:

فهذه الطبعة السادسة لكتابنا ((التبيان شرح نواقض الإسلام)).
وقد زدت في هذه الطبعة بعض المسائل المهمة، لكثرة الجهل في هذا الزمان في توحيد العبادة، وحذفت ما ينبغي حذفه وكتبت ملحقاً آخر الشرح في التفريق بين تكفير الفعل وتكفير الفاعل لأن بعض الناس يخلط بين الأمرين فيرى التلازم بينهما، وهذا غلط كما ستراه موضحاً في الملحق.
والله المسؤول أن ينفع به، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل.
والحمد لله رب العالمين.

مقدمة الطبعة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول رب العالمين.
أما بعد؛ فقد طلب مني بعض الإخوان أن أشرح نواقض الإسلام العشرة التي ذكرها الإمام المجدّد لما اندرس من معالم الدين والإيمان شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله - تعالى -، فأجبته إلى سؤاله؛ رجاء النفع به.

وقد نهجت في هذا الشرح منهج الوسط، فليس بالطويل الممل؛ لتقاصر الهمم عن قراءة المطولات، وليس بالقصير المخل؛ الذي لا يفي بالمعنى والمقصود، بل هو عوانٌ بين ذلك.
وأسأل الله أن يجعل عملنا صالحاً ولوجهه خالصاً.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
شرح نواقض الإسلام



قال -رحمه الله-: ((بسم الله الرحمن الرحيم. اعلم أن نواقض الإسلام عشرة نواقض)).



ابتدأ المصنف -رحمه الله- هذه النواقض بالبسملة؛ اقتداء بالكتاب العزيز، وتأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم في مكاتباته ومراسلاته، فيُستحب البداءة بها في المكاتبات والمراسلات وغير ذلك مما دل عليه الدليل. ومثل البسملة التسمية؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبتدئ بها عند الأكل وإرادة الجماع، وغير ذلك مما هو معلوم لا يخفى.



قوله: ((اعلم أن نواقض الإسلام عشرة نواقض)):



((اعلم)): فعل أمر مبني، وهو مبني على السكون، من العلم، وهو حُكْم الذهن الجازم المطابق للواقع؛ أي: كن متهيئاً لما يُلقى إليك من هذه النواقض؛ لعلك تفهمها وتدرك المراد منها؛ لتخرج من ظلمات الجهل إلى النور.

و((نواقض)): جمع (ناقض)، وهو اسم فاعل، واسم الفاعل لغير العاقل يُجمع على فواعل.

و((نواقض الإسلام)): هي مفسداته التي متى طرأت عليه؛ أفسدته، وأحبطت عمل صاحبه، وصار من الخالدين في النار.

ولذلك يجب على كل مسلم ومسلمة تعلُّم هذه النواقض، وإلاَّ؛ فالمسلم قد يقع فيها وهو لا يشعر؛ كما هو مشاهد من كثير ممن يدَّعي الإسلام فلا حول ولا قوة إلا بالله.



قوله: ((عشرة نواقض)):

هي أكثر من ذلك، ولكن الشيخ رحمه الله اختار هذه العشرة؛ لإجماع المسلمين عليها في الجملة؛ كما سيأتي إن شاء الله إيضاحه عند كل ناقض نذكره.

أو يقال: إن النواقض الكثيرة التي ذكرها الفقهاء في باب حكم المرتد مرجعها إلى هذه العشرة.

الناقض الأول من نواقض الإسلام


قال -رحمه الله-: ((الأول: الشرك في عبادة الله: قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)([1])، (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ(72))([2])، ومنه الذبح لغير الله، كمن يذبح للجن أو للقبر)).




ابتدأ الشيخ -رحمه الله تعالى- هذه النواقض العشرة بالشرك بالله، لأنه أعظم ذنب عُصي الله به، وهو هضم للربوبية، وتنقص للألوهية، وهو "تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله".

وكيف لا يكون أعظم ذنب عُصي الله به وقد جَعَلَ لله شريكاً في عبادته، وقد أوجده من العدم، وغذاه بالنعم؟!



والشرك ينقسم إلى ثلاثة أنواع:


1- شرك أكبر.

2- شرك أصغر.

3- شرك خفي.

وذهب العلامة ابن القيم رحمه الله إلى أن الشرك نوعان:

1- أكبر.

2- أصغر.


النوع الأول: الشرك الأكبر:

الشرك الأكبر لا يغفره الله إلا بالتوبة، وصاحبه إن لقي الله به؛ فهو خالدٌ في النار أبد الآبدين ودهر الداهرين.

قال الله -جل وعلا-: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)([3]).

وقال –تعالى-: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ(31))([4]).



ولذلك يقول المشركون من عُبَّاد قبور وغيرهم لآلهتهم في النار: (تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ(98))([5]).

وهم لم يسووهم به في خلق ولا رزق ولا إحياء ولا إماتة إنما سوَّوهم به في المحبة التي هي لُبُّ العبادة، وكذلك التعظيم الذي هو قربة من أجل القربات وعبادة من أعظم العبادات؛ ولذلك ذمَّ الله الذين لا يعظمونه، فقال: (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً(13))([6])؛ أي: عظمة.



ولذلك نقول: إن الشرَّ كلَّه عائدٌ إلى الإشراك بالله جل وعلا.



والشرك الأكبر أنواعه كثيرة، مدارها على أربعة أنواع([7])، نذكرها مجملة مع شيء من البيان يكون مختصراً لئلا يطول بنا الكلام، مع أن طول الكلام في هذه المسائل أحسن وأقوم، ولكن لتقاصر الهمم نكتفي بما ينفع مع الاختصار.




النوع الأول: شرك الدعوة:


ودليله قوله -تعالى-: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ(65))([8]).

قال المصنف -رحمه الله- -تعالى- في "القواعد الأربع": "القاعدة الرابعة: أن مشركي زماننا أغلظ شركاً من الأولين؛ لأن الأولين يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة, ومشركو زماننا شركهم دائماً في الرخاء والشدة".

وقال -رحمه الله- في مقدمة "القواعد الأربع": إذا دخل الشرك في العبادة؛ فسدت كالحدث إذا دخل في الطهارة، فإذا عرفت أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها، وأحبط العمل، وصار صاحبه من الخالدين في النار؛ عرفت أن أهم ما عليك معرفة ذلك؛ لعل الله أن يخلصك من هذه الشبكة، وهي الشرك بالله".




النوع الثاني: شرك النية والإرادة والقصد:


والدليل قوله -تعالى-: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(16))([9]).

قال العلامة ابن القيم -رحمه الله -: "أما الشرك في الإرادات والنيات؛ فذلك البحر الذي لا ساحل له، وقل من ينجو منه، من أراد بعمله غير وجه الله، ونوى شيئاً غير التقرب إليه، وطلب الجزاء منه فقد أشرك في نيته وإرادته".




وجعل شرك النية شركاً أكبر محمول على من كانت جميع أعماله مراداً بها غير وجه الله، أما من طرأ عليه الرياء، فهو شرك أصغر، وسيأتي إن شاء الله إيضاحه.





النوع الثالث: شرك الطاعة:


وهي طاعة الأحبار والرهبان في معصية الله -تعالى-؛ كما قال –تعالى-: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ(31))([10]).



ومما يفسر هذه الآية ويوضحها ما رواه الترمذي([11]) وغيره عن عدي بن حاتم: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ) الآية فقلت له: إنا لسنا نعبدهم! قال: "أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟" فقلت: بلى. قال "فتلك عبادتهم"، وسنده ضعيف، ولكن له شاهد عند ابن جرير([12]) موقوفاً من طريق حبيب بن أبي ثابت عن أبي البختري عن حذيفة وفي صحته نظر، ولكن تفسير الآية بما ذكر مشهور بين أهل التفاسير، ليس فيهم من يدفعه.




قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وهؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً - حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله - يكونون على وجهين:




أحدهما: أن يعلموا أنهم بدلوا دين الله، فيتبعونهم على التبديل، فيعتقدون تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله، اتباعاً لرؤسائهم، مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل؛ فهذا كفر، وقد جعله الله ورسوله شركاً، وإن لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون لهم؛ فكان من اتبع غيره في خلاف الدين -مع علمه أنه خلافُ الدين- واعتقد ما قاله ذلك دون ما قاله الله ورسوله مشركاً مثل هؤلاء.



الثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحلال وتحليل الحرام([13]) ثابتاً، لكنهم أطاعوهم في معصية الله، كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاصي؛ فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب" اهـ كلامه([14]).





النوع الرابع: شرك المحبة:


والدليل على ذلك قوله -تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ) الآية([15]).

فالمشرك - لجهله بربه - تجده يحب الآلهة من الأصنام وغيرها كحب الله وأعظم من ذلك، تجده إذا انتُهِكَتْ، يغضب لها أعظم مما يغضب لله ويستبشر لها ما لا يستبشر لله.

قال -تعالى-: (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)(45))([16]).



قال العلامة ابن القيم -رحمه الله تعالى-: وها هنا أربعة أنواع من المحبة، يجب التفريق بينها، وإنما ضلَّ من ضلَّ بعدم التمييز بينها:

أحدها: محبة الله، ولا تكفي وحدها في النجاة من عذاب الله والفوز بثوابه، فإن المشركين وعبَّاد الصليب واليهود وغيرهم يحبون الله.




الثاني: محبة ما يحبُّ الله، وهذه هي التي تدخله في الإسلام، وتخرجه من الكفر وأحبُّ الناس إلى الله أقومهم بهذه المحبة، وأشدهم فيها.



الثالث: الحب لله وفيه، وهي من لوازم محبة ما يحبُّ، ولا تستقيم محبة ما يحبُّ إلا فيه وله.

الرابعة: المحبة مع الله، وهي المحبة الشركية، وكل من أحب شيئاً مع الله، لا لله، ولا من أجله، ولا فيه؛ فقد اتخذه ندًّ من دون الله وهذه محبة المشركين" أهـ المقصود.



فهذه الأنواع الأربعة للشرك الأكبر كلها مخرجة من الإسلام؛ لأنها عبادات، وصرف العبادات لغير الله شرك كما قال –تعالى-: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ(117))([17]) فسمَّاهم الله كافرين؛ لدعائهم معه غيره.




ومن الشرك الأكبر أيضاً: الذبح لغير الله: لأن الذبح لله قربة له من أجل القربات؛ كما قال –تعالى-: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ(2))([18])، وقال-تعالى-: (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(162))([19])؛ فالنسك هو الذبح.


فمن ذبح للأولياء أو للأصنام أو للجن - كما يفعله كثير من الجهلة في البلاد الجنوبية وفي بعض ضواحي مكة عند سكنى المنزل -؛ فقد خرج عن الإسلام، ودخل في دائرة الكفر والضلال، لصرفه عبادة من أجل العبادات لغير الله.



ومن ذلك: النذر لغير الله: فهو شرك أكبر؛ لأن النذر عبادة؛ كما قال -تعالى-: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ)([20])، وقال-تعالى-: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ)([21]).


فمن نذر لولي الشموع أو اللحوم وغيرهما؛ فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه؛ لأنه لا يجوز النذر إلا لله، وصرفه لغير الله مناقض لما بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم فما يفعله عباد القبور من أهل البلاد المجاورة وغيرها من النذر لمن يعتقدون فيه ضرًّا أو نفعاً شرك أكبر مخرج عن الإسلام، ومن قال: إن ذلك شرك أصغر؛ فقد أبعد النجعة وقفا ما لا علم له به، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.




ومن ذلك: الاستعاذة والاستغاثة: كل ذلك صرفه لغير الله شرك.





النوع الثاني: الشرك الأصغر:


وصاحبه إن لقي الله به؛ فهو تحت المشيئة على القول الصحيح إن شاء الله عفا عنه وأدخله الجنة، وإن شاء عذبه، ولكن مآله إلى الجنة؛ لأن الشرك الأصغر لا يخلد صاحبه في النار، ولكنه معرض للوعيد، فيجب الحذر منه.




ومن أنواع الشرك الأصغر: الحلف بغير الله: إن لم يقصد تعظيم المحلوف به، وإلا؛ صار شركاً أكبر.


وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "من حلف بغير الله، فقد كفر أو أشرك".

رواه أحمد، وأبو داود والترمذي والحاكم وصححه وقال: "على شرط الشيخين"، وسكت عنه الذهبي، من حديث ابن عمر.





ومنه: يسير الرياء والتصنع للخلق:


وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر"، فسُئِل عنه؟ فقال: "الرياء". رواه أحمد وغيره من حديث محمود بن لبيد وسنده حسن.

فإذا كان الشرك الأصغر مخوفاً على الصحابة الذين مع النبي صلى الله عليه وسلم وأدركوا نزول الوحي؛ فعلى غيرهم من باب أولى ممن قل علمه وضعف إيمانه.



ولا يسلم المسلم من الشرك إلا بالإخلاص لله وبتجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم .



ولما ذكر العلامة ابن القيم -رحمه الله- شرك عُباد الشمس والقمر وعباد النار وغيرهم؛ قال: "وأما الشرك في العبادة؛ فهو أسهل من هذا الشرك، وأخف أمراً، فإنه يصدر ممن يعتقد أنه لا إله إلا الله، وأنه لا يضرُّ ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع إلا الله، وأنه لا إله غيره ولا رب سواه ولكن لا يخص الله في معاملته وعبوديته، بل يعمل لحظ نفسه تارة، ولطلب الدنيا تارة، ولطلب الرفعة والمنزلة والجاه عند الخلق تارة، فلله من عمله وسعيه نصيب، ولنفسه وحظه وهواه نصيب، وللشيطان نصيب، وللخلق نصيب، وهذا حال أكثر الناس.




وهو الشرك الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن حبان في "صحيحه": "الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النملة". قالوا: كيف ننجو منه يا رسول الله؟! قال: "قل اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم". فالرياء كله شرك.

قال-تعالى-: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)(110))([22]).



أي: كما أنه إله واحدٌ، ولا إله سواه؛ فكذلك ينبغي أن تكون العبادة له وحده، فكما تفرد بالإلهية يجب أن يفرد بالعبودية؛ فالعمل الصالح هو الخالي من الرياء المقيد بالسنة.

وكان من دعاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "اللهم اجعل عملي كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً"([23]).

وهذا الشرك في العبادة يُبطل ثواب العمل، وقد يعاقب عليه إذا كان العمل واجباً، فإنه يُنَزَّلُ منزلة من لم يعمله، فيعاقب على ترك الأمر؛ فإن الله سبحانه إنما أمر بعبادته عبادة خالصة.




قال -تعالى- (وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ)([24]).

فمن لم يخلص لله في عبادته؛ لم يفعل ما أُمِرَ به، بل الذي أتى به شيء غير المأمور به، فلا يصح ولا يُقبل.

ويقول الله: "أنا أغنى الشركاء فمن عمل عملاً أشرك معي فيه غيري، فهو للذي أشرك، وأنا منه بريء"([25]).

وهذا الشرك ينقسم إلى مغفور وغير مغفور.." اهـ المقصود من كلامه رحمه الله –تعالى-.



والعمل لغير الله له حالات:

الحالة الأولى: أن يكون رياء محضاً، فلا يريد صاحبه إلا الدنيا أو مراآة المخلوقين؛ كالمنافقين؛ الذين قال الله فيهم: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إلا قَلِيلاً )(142))([26]).

فهذا العمل لا يشك مسلم بأنه حابط، وأن صاحبه يستحق المقت من الله جل وعلا.




الحالة الثانية: أن يكون العمل لله، ويشاركه الرياء، فهذا له حالتان:

أ- إما أن يشاركه الرياء من أصله.

ب- وإما أن يطرأ عليه.



فأما الأول؛ فالعمل حابط لا يقبل، ويستدل له بالحديث الذي خرجه مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري؛ تركته وشركه".

وأما إن طرأ عليه الرياء، واسترسل معه: فبعض العلماء يبطله بالكلية، وبعض العلماء يقول: إن استرسل معه؛ فله أجر إخلاصه وعليه وزر الرياء، وأما إن جاهد ودفعه؛ فهذا له نصيب من قوله –تعالى-: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى(41))([27]).

وأما مثلاً من جاهد في سبيل الله وله نية في أخذ المغنم؛ فهذا العمل فيه خلاف بين العلماء.

قال ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين" (2/163) بعد كلام سبق: "وهذا كمن يصلي بالأجرة؛ فهو لو لم يأخذ الأجرة؛ صلى، ولكنه يصلي لله وللأجرة، وكمن يحج ليسقط الفرض عنه ويقال: فلان حج، أو يعطي الزكاة، فهذا لا يُقبل العمل منه".




وقال ابن رجب رحمه الله: "نقص بذلك أجرُ جهاده، ولم يبطل بالكلية".

وقال رحمه الله([28]): "وقد ذكرنا فيما مضى أحاديث تدل على أن من أراد بجهاده عرضاً من الدنيا: أنه لا أجر له، وهي محمولة على أنه لم يكن له غرض في الجهاد إلا الدنيا".




فعلى هذا؛ هناك فرق بين من يجاهد مثلاً للذكر والأجر وبين من يجاهد للمغنم والأجر.




فالأول: ثبت فيه حديث أبي أمامة عند النسائي([29]) بسند حسن: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا شيء له", فأعادها عليه ثلاث مرات. يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا شيء له". ثم قال: "إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتُغِىَ به وجهه".

وأما الثاني: فقد قدمنا الكلام عليه، والله أعلم.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) النساء: 48.
([2]) المائدة: 72.
([3]) النساء: 48.
([4]) الحج: 31.
([5]) الشعراء: 97-98.
([6]) نوح: 13.
([7]) انظر "مجموعة التوحيد" (ص 5).
([8]) العنكبوت: 65.
([9]) هود: 15- 16.
([10]) براءة: 31.
([11]) ج 5/259.
([12]) جامع البيان 10/114.
([13]) كذا في "الفتاوى" وهو غلط مطبعي والصواب "بتحريم الحرام وتحليل الحلال".
([14]) "مجموعة الفتاوى" (7 /70).
([15]) البقرة: 165.
([16]) الزمر: 45.
([17]) المؤمنون: 117.
([18]) الكوثر 2.
([19]) الأنعام: 162.
([20]) الإنسان: 7.
([21]) البقرة: 270.
([22]) الكهف: 110.
([23])رواه أحمد في " الزهد " من رواية الحسن عن عمر وهو لم يسمع منه.
([24]) البينة: 5.
([25]) رواه: مسلم، وابن ماجة، والسياق قريب من سياق ابن ماجة.
([26]) النساء: 142.
([27]) النازعات: 40-41.
([28]) "جامع العلوم والحكم" (ص15).
([29]) النسائي [ 6 /52 ] من طريق معاوية بن سلاَّم عن عكرمة بن عمار عن شدّاد أبي عمار عن أبي أمامة به.




الناقض الثاني من نواقض الإسلام




قال -رحمه الله-: ((من جعل بينه وبين الله وسائط؛ يدعوهم، ويسألهم الشفاعة، ويتوكل عليهم؛ كفر إجماعاً)).

أقول: إن هذا الناقض من أكثر النواقض وقوعاً وأعظمها خطراً على المرء، لأن كثيراً ممن يتسمى باسم الإسلام وهو لا يعرف الإسلام ولا حقيقته جعل بينه وبين الرب - جل وعلا - وسائط يدعوهم لكشف الملمات وإغاثة اللهفات وتفريج الكربات، وهؤلاء كفار بإجماع المسلمين؛ لأن الله -جل وعلا- ما أنزل الكتب وأرسل الرسل؛ إلا ليعبدوه وحده لا شريك له، ولكن أبى ذلك عباد القبور، وجعلوا وسائط يسألونهم جلب المنافع ودفع المضار، وجعلوا ذلك هو العبادة التي أمر الله بها، ومن أنكر عليهم شيئاً من ذلك؛ رموه بعدم تعظيم الأولياء والصالحين.




وهم بزعمهم الفاسد لا يسألون الله مباشرة تعظيماً منهم لله ويقولون: إن الله لا بد له من واسطة، كما أن الملك لا يُسأل إلا بواسطة الحجاب والله أولى بذلك من الملك.

فهم والعياذ بالله شبهوا الله بالمخلوق العاجز، ومن هذا الباب دخلوا، حتى خرجوا من الإسلام، وفي الكتاب والسنة مما يبطل قولهم ويقطع دابرهم كثير.




ومن تدبر القرآن طالباً للهدى ومؤثراً للحق، تبين له ذلك وتبينت له غربة الدين، وجهل كثير من الناس بدين رب العالمين.

فمن ذلك قوله -تعالى-: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ)([1]).


وقال -تعالى-: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً (57))([2]).

وقال -تعالى-: (وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (106) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107))([3]).

وقال -تعالى-: (قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38))([4]).



وفي القرآن أكثر من ذلك مما يدل على وجوب إخلاص العبادة لله وحده، وعدم جعل الوسائط بينه وبين خلقه.

وقد قال -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186))([5]).

وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له: ما شاء الله وشئت؛ قال: "أجعلتني لله عدلاً؟ ما شاء الله وحده([6])؛ لأن الواو في قوله: "وشئت"؛ تقتضي المساواة، والله جل وعلا تفرد بالإلهية، فيجب أن يفرد بالعبودية، ولا يساوى بأحد من خلقه في جلب نفع أو دفع ضرّ.




وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث العظيم الذي خرَّجه الترمذي وحسَّنه عن ابن عباس: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تُجاهك، وإذا سألت فاسأل الله ن وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضرُّوك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعَت الأقلام، وجفت الصحف".




قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "ومع علم المؤمن أن الله ربُّ كل شيء ومليكه؛ فإنه لا ينكر ما خلقه الله من الأسباب؛ كما جعل المطر سبباً لإنبات النبات؛ قال -تعالى-: (وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ)([7])، وكما جعل الشمس والقمر سبباً لما يخلقه بهما، وكما جعل الشفاعة والدعاء سبباً لما يقضيه بذلك؛ مثل صلاة المسلمين على جنازة الميت؛ فإن ذلك من الأسباب التي يرحمه الله بها، ويثيب عليها المصلين عليه، لكن ينبغي أن يُعرف في الأسباب ثلاثة أمور:




أحدها: أن السبب المعين لا يستقل بالمطلوب، بل لابد معه من أسباب أخر، ومع هذا؛ فلها موانع؛ فإن لم يكمل الله الأسباب، ويدفع الموانع؛ لم يحصل المقصود، وهو سبحانه ما شاء كان وإن لم يشأ الناس، وما شاء الناس لا يكون إلا أن يشاء الله.




الثاني: أنه لا يجوز أن يعتقد أن الشيء سبب إلا بعلم، فمن أثبت شيئاً سبباً بلا علم أو يخالف الشرع؛ كان مبطلاً، مثل من يظن أن النذر سبب في دفع البلاء وحصول النعماء، وقد ثبت في "الصحيحين" عن النبي صلى الله عيه وسلم أنه نهى عن الذر، وقال: "إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل".



الثالث: أن الأعمال الدينية لا يجوز أن يتخذ منها شيء سبباً، إلا أن تكون مشروعة؛ فإن العبادات مبناها على التوقيف، فلا يجوز للإنسان أن يشرك بالله فيدعو غيره، وإن ظن أن ذلك سبب في حصول بعض أغراضه، ولذلك لا يُعبد الله بالبدع المخالفة للشريعة، وإن ظن ذلك؛ فإن الشياطين قد تعين الإنسان على بعض مقاصده إذا أشرك، وقد يحصل بالكفر والفسوق والعصيان بعض أغراض الإنسان، فلا يحل له ذلك؛ إذ المفسدة الحاصلة بذلك أعظم من المصلحة الحاصلة به؛ إذ الرسول صلى الله عليه وسلم بُعثَ بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، فما أمر الله به، فمصلحته راجحة، وما نهى عنه؛ فمفسدته راجحة" اهـ كلامه([8]).





والمشركون في قديم الدهر وحديثه إنما وقعوا في الشرك الأكبر لتعلقهم بأذيال الشفاعة؛ كما ذكر الله ذلك في كتابه؛ والشفاعة التي يظنها المشركون أنها لهم هي منتفية يوم القيامة، كما نفاها القرآن وأبطلها في عدة مواضع:


قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254))([9]).

وقال -تعالى-: (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ)([10]).

فهذه الشفاعة المنفية هي التي تطلب من غير الله، لأن الله - جل شأنه وعز سلطانه - أثبت الشفاعة في كتابه في عدة مواضع:

كما قال -تعالى-: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلا بِإِذْنِهِ)([11]).

وقال -تعالى-: (وَلا يَشْفَعُونَ إلا لِمَنِ ارْتَضَى)([12]).

وقال -تعالى-: (قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً)([13]).

وقال -تعالى-: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى(26))([14]).




فعلى هذا؛ فالشفاعة شفاعتان:

أ- شفاعة منفية: وهي التي تطلب من غير الله.

ب- شفاعة مثبتة: وهي التي تطلب من الله، ولا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص، وهي زيادة على ذلك مقيدة بأمرين عظيمين:


الأول: إذن الله للشافع، كما قال -تعالى-: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلا بِإِذْنِه)([15]).

الثاني: رضا الرب عن المشفوع له؛ كما قال –تعالى-: (وَلا يَشْفَعُونَ إلا لِمَنِ ارْتَضَى)([16])؛ أي: قوله وعمله، أما المشركون؛ فتكون أعمالهم هباء منثوراً، فلا شفاعة لهم؛ معاملة لهم بنقيض قصدهم، فمن استعجل شيئاً قبل أوانه؛ عوقب بحرمانه.

* * * * *

ــــــــــــــــــــــــــ
([1]) سبأ: 22-23.
([2]) الإسراء: 56- 57.
([3]) يونس: 106- 107.
([4]) الزمر: 38.
([5]) البقرة: 186.
([6]) رواه أحمد (1 /213 و214) من حديث ابن عباس وسنده حسن.
([7]) البقرة: 164.
([8]) انظر الفتاوى [ 1 /137 -138 ].
([9]) البقرة: 254.
([10]) الأنعام: 51.
([11]) البقرة: 255.
([12]) الأنبياء: 28.
([13]) الزمر: 44.
([14]) النجم: 26.
([15]) البقرة: 255.
([16]) الأنبياء: 28.
الناقض الثالث من نواقض الإسلام



قال رحمه الله: ((من لم يكفر المشركين أو شك في كفره أو صحح مذهبهم))

لأن الله -جل وعلا- كَفَّرهم في آيات كثيرة من كتابه، وأمر بعداوتهم؛ لافترائهم الكذب عليه، ولجعلهم شركاء مع الله، وادعائهم بأن له ولداً، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيراً، وقد افترض الله -جل وعلا- على المسلمين معاداتهم وبغضهم.




ولا يحكم بإسلام المرء حتى يُكَفِّرَ المشركين، فإن توقّف في ذلك مع ظهور الأمر فيهم، أو شك في كفرهم مع تبينه؛ فهو مثلهم.

أما من صحح مذهبهم، واستحسن ما هم عليه من الكفر والطغيان؛ فهذا كافر بإجماع المسلمين؛ لأنه لم يعرف الإسلام على حقيقته، وهو: "الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله" وهذا والى أهل الشرك، فضلاً عن أن يكفرهم.

وفي "صحيح مسلم" من طريق مروان الفزاري عن أبي مالك سعد ابن طارق عن أبيه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يُعد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله".

فلا يُكتفى بعصمة دم المسلم أن يقول: لا إله إلا الله، بل لا بد أن يضيف إليها الكفر بما يُعبد من دون الله، فإن لم يكفر بما يُعبد من دون الله، لم يحرم دمه وماله، والسيف مسلول عليه؛ لإضاعته أصلاً من أصول ملة إبراهيم. التي أمرنا باتباعها والسير على منهجها دونَ تمييع لها مسايرة لشهوات أعداء الله.




قال -تعالى-: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)([1]).


هذه هي ملة إبراهيم التي من رغب عنها، فقد سفه نفسه.

وقال -تعالى-: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى)([2]).

قال الإمام محمد بن عبد الوهاب قدَّس الله روحه: "وصفة الكفر بالطاغوت: أن تعتقد بطلان عبادة غير الله، وتتركها، وتبغضها، وتكفر أهلها، وتعاديهم"


وبهذا البيان يتبين لك ما عليه كثير من حكام البلاد التي تنتسب إلى الإسلام؛ لأنهم والوا أهل الإشراك، وقربوهم، وعظموهم، وجعلوا بينهم علاقات تدل على أنهم إخوان لهم، إضافة إلى ذلك أنهم عادوا أهل الدين وآذوهم وأودعوهم في السجون؛ فهل يبقى إسلام بعد هذا؟!".



قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(51))([3]).

وقال -تعالى-: (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ)([4]).

فلا بد لكل مسلم يدين دين الإسلام أن يُكَفِّرَ المشركين، وأن يعاديهم، وأن يبغضهم، ويبغض من أحبهم، أو جادل عنهم، أو ذهب إلى ديارهم من غير عذر شرعي يرضاه الله ورسوله.




وعلى المسلمين جميعاً أن يرجعوا إلى دينهم؛ فبه يحصل العز، وبه يحصل النصر، وبه تستقيم البلاد، وبه يحصل الفرقان بين أولياء الرحمن الذين ينصرون دينه وبين أولياء الشيطان الذين لا يبالون بما جرى على الدين إذا سلمت لهم مآكلهم ومشاربهم.


ويجب على جميع المسلمين أن يكون لهم أسوة بإبراهيم الخليل (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ(27))([5])؟!.



وعلينا أن نرجع إلى عقيدتنا وديننا ونمتثل أمر الله –جل وعلا – في حكمه في الكفار: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ(123))([6]).

وقال -تعالى-: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ)([7]).







وكلما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة؛ سلّط الله عليهم عدوهم، فلما أعرض كثير من حكام الدول عن تحكيم شرع الله ورضوا بالقوانين الوضعية الملعونة الملعون محكمها؛ تدهورت بلادهم وتشتتت، وسامهم العدو سوم العذاب من حيث لا يشعون، لأن كثير من الرؤساء لا يهمهم إلا المحافظة على المناصب التي يتولونها، سواءٌ استعز الدين أم لا، مع أن العز والتمكين لا يكون إلا بالقيام بنصر هذا الدين؛ لأنه فرض لازم على كل من له قدرة وملكة يستطيع ذلك، ولكن أكثرهم لا يعلمون، وسبب ذلك بطانة السوء مع تقصير كثير من الدعاة إلى الله في التركيز على هذا الجانب. والله المستعان.



وليعلم كل مسلم أن الكفار يسعون سعياً شديداً، ويحرصون كل الحرص، على إبعاد المسلم عن دينه حسداً من عند أنفسهم، فإن لم ينتبه الغيور على دينه من هذه الرقدة؛ فسوف يعض أصابع الندم حين لا ينفع، وسوف يجني ثمرة فعله, "ومن لم يغزُ غُزِيَ"



ويجب على كل عالم وداعية وخطيت وإمام مسجد أن يبين للناس خطورة موالاة الكفار بالأدلة الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله، ويبين لهم خطورة الذهاب إلى ديارهم، أو استقدامهم إلى ديار المسلمين؛ لأن الله قطع الموالاة والصلة بين المسلم والكافر، حتى ولو كان أقرب قريب؛ كما قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الأِيمَانِ)([8]).


وقال -تعالى-: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ)([9]).



وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ(1))([10]).

ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه الشيخان من حديث أسامة: "لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم"؛ لئلا يقع بين المسلم والكافر علائق؛ حسم النبي صلى الله عليه وسلم المادة وقطع بينهما التوارث.

وقال عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه:(لا يقتل مسلم بكافر)([11])، وما ذاك إلا لهوان الكافر.



كيف لا، والله -جل وعلا يقول: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)([12])؟!.

وليعْلم كل مسلم أن الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم لن يصطلحوا مع المسلمين، ولن يسالموهم ويرضوا عنهم؛ حتى يتبع المسلمون ملتهم، ويحذوا حذوهم؛ كما قال -تعالى-: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ(120))([13]).


فهذا تهديد من الله ووعيد شديد على من اتبع دين الكفار، وأنه ليس له من دون الله ولي ولا تصير.



وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمفارقة المشركين؛ لئلا يصير منهم، بل عظم الأمر وقال: "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين". قالوا: يا رسول الله! لِمَ؟ قال: "لا تراءى ناراهما"([14]).

وروى النسائي وغيره بسند جيد من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يقبل الله من مشرك بعدما أسلم عملاً أو يفارق المشركين إلى المسلمين".



ونشكوا إلى الله -جل وعلا- غربة الدين، وتغير أحوال المسلمين فهم يسمعون هذه النصوص الصريحة المخيفة، ومع ذلك يذهبون إلى ديارهم، ويجلسون معهم، ويؤاكلونهم، ويضاحكونهم!

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من جامع المشرك، وسكن معه، فإنه مثله".

رواه أبو داود من حديث سمرة بن جندب، وفيه ضعف، ولكن يشهد له ما تقدم.



أين ملة إبراهيم؟!

أين الحب والبغض في الله؟!

كل هذا لا يرفع به كثير من الناس رأساً.


ولله درُّ العلامة سليمان بن سمحان حيث يقول:


وَمِلَةُ إبْراهيمَ غُودرَ نَهْجُها ** عَفاءً فَأَضْحَتْ طامِساتِ المَعالِمِ

وَقَدْ عُدِمَتْ فينا وَكَيْفَ وقَدْ سَفَتْ ** عَلَيْها السَّوافِي في جمَيعِ الأقالِمِ
ومَا الدِّينُ إلاَّ الحُبُّ والبُغْضُ والوَلا ** عَلَيْها السَّوافِي في جمَيعِ الأقالِمِ
ومَا الدِّينُ إلاَّ الحُبُّ والبُغْضُ والوَلا ** كَذاكَ البرَا مِنْ كُلِّ غاوٍ وآثِمِ
وَلَيْسَ لَها مِنْ سالِكٍ مُتَمَسِّكٍ ** بِدينِ النَّبِيِّ الأبْطَحِيِّ ابنِ هَاشِمِ

فَلسْنا نَرى مَا حَلَّ بالدِّينِ وانْمَحَتْ ** بِهِ الِملَّةُ السَّمْحَاءُ إحْدى القَواصِمِ
فَنأْسَى عَلى التَّقصيرِ مِنّا وَنَلْتَجي ** إلى اللهِ في مَحْو الذُّنوبِ العَظائِمِ
فنَشْكوا إلى اللهِ القُلوبَ الَّتي قَسَتْ ** وَرانَ عَلَيْها كَسْبُ تِلْكَ المآثِمِ
أَلَسْنا إذا مَا جَاءَنا مُتَضَمِّخٌ ** بِأوْضارِ أهْلِ الشِّرْكِ مِنْ كُلِّ ظالِمِ
نَهُشُّ إلَيْهِمْ بالتَّحيَّةِ والثَّنا ** ونُهْرَعُ في إكْرامِهِمْ بالوَلائِمِ


قول الشيخ رحمه الله: "أو صحح مذهبهم": يدخل فيه ما يدعو إليه كثير من أهل هذا الزمان، ممن يدعون إلى الاشتراكية، أو يدعو إلى العلمانية، أو إلى البعثية؛ فهذه كلها فرق ضالة كافرة، وإن تسمى أصحابها باسم الإسلام؛ لأن الأسماء لا تغير الحقائق.



ونشكوا إلى الله ما حلَّ بنا في هذا العصر الغريب، فقد انقلبت الموازين فأصبح الكثير يتعاملون مع الأسماء دون المسميات ومع الدعاوي دون البينات. فعدو الله الذي يحارب الدين ليلاً ونهاراً سرًّا وجهاراً قد صار مؤمناً موحداً عند الجهال المغفلين وأهل الشهوات، بدعوى أنه يتلفظ بالشهادتين، وما يغني عنه تلفظه بالشهادتين وقد صار جنديًّا من جنود إبليس، وحرباً على هذا الدين بالنفس والمال فالله المستعان.

* * * * *


ــــــــــــــــــــــــ
([1]) الممتحنة: 4.
([2]) البقرة: 256.
([3]) المائدة: 51.
([4]) آل عمران: 28.
([5]) الزخرف: 27.
([6]) التوبة: 123.
([7]) التوبة: 5.
([8]) التوبة: 23.
([9]) المجادلة: 22.
([10]) الممتحنة: 1.
([11]) رواه البخاري (1/ 204 –فتح) من حديث أبي جحيفة عن علي به.
([12]) التوبة: 28.
([13]) البقرة: 120.
([14]) رواه: أبو داود، والترمذي، من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير به، ورواته ثقات، ولكن أعله الترمذي وغيره بالإرسال. وهو الحق ولكن يشهدله ما بعده.

الناقض الرابع من نواقض الإسلام




قال رحمه الله: ((ومن اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو حكم غيره أحسن من حكمه؛ كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه)).


المسألة الأولى:

أما المسألة الأولى، وهي: "من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه"، فهي مسألة عظيمة خطيرة، تردي بمعتقدها إلى الجحيم؛ لأن ذلك مصادمة للمنقول والمعقول.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبة الجمعة: "أما بعد؛ فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد".

أخرجه مسلم([1]) وغيره من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر به.

فلا شك ولا ريب أن هدي محمد صلى الله عليه وسلم أكمل الهدي؛ لأنه وحي يوحى إليه؛ كما قال الله –جل وعلا-: (إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوحَى(4))([2]).



ولذلك أجمع العلماء الذين يعتد بإجماعهم على أن السنة هي الأصل الثاني من أصول التشريع الإسلامي، وأنها مستقلة بتشريع الأحكام، وهي كالقرآن في التحليل والتحريم.

ولذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعمر لما رأى معه كتاباً أصابه من بعض أهل الكتاب :" أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟! والذي نفسي بيده؛ لقد جئتكم بها بيضاء نقية.." الحديث، أخرجه أحمد وغيره وفي إسناده مجالد بن سعيد قال عنه أحمد ليس بشيء وضعفه يحيى ابن سعيد وابن مهدي وغيرهما.



فشريعة رسول اللهمحمد صلى الله عليه وسلم ناسخة لجميع الشرائع، وهي أسهلها وأيسرها؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أحب الأديان إلى الله الحنيفية السمحة".

أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" وعلقه في صحيحه بصيغة الجزم، وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح [ 1/ 94 ] من حديث ابن عباس.



فكيف مع ذلك يكون هدي غيره أكمل من هديه، وقد جاء عنه صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: "والذي نفسي بيده؛ لو كان موسى بين أظهكم، ثم اتبعتموه وتركتموني ، لضللتم ضلالاً بعيداً"؟!

والله -جلا وعلا- قد امتن على هذه الأمة بأن أكمل لها الدين وأتم عليها النعمة، وذلك بواسطة محمد صلى الله عليه وسلم.

فقال -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً)([3]).

فما رضيه الله لنا؛ فنحن نرضاه؛ لأنه الدين الذي أحبه ورضيه وبعث به أفضل المرسلين.


قال الله -تعالى-: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الأِسْلام)([4]).

وقال -تعالى-: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ(85))([5]).

فكل من ابتغى غير هذا الدين؛ فهو من الكافرين.



المسألة الثانية:

وأما المسألة الثانية، وهي: "من اعتقد أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه"، فهذا كافر بإجماع أهل العلم، ومن هؤلاء الكفار الذين يفضلون أحكام الطواغيت الوضعية على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فهؤلاء كفار؛ لتفضيلهم أحكام أناس مثلهم -بل قد يكونون دونهم- على حكم رسول رب العالمين، الذي بعثه الله هدى للعالمين، وليخرج الناس من الظلمات إلى النور.

قال -تعالى-: (الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ(1))([6]).

وينبغي لكل مسلم ومسلمه أن يعلم أن حكم الله ورسوله مقدمٌ على كل حكمٍ، فما من مسألة تقع بين الناس؛ إلا ومردها إلى حكم الله ورسوله، فمن تحاكم إلى غير حكم الله ورسوله؛ فهو كافر؛ كما ذكر الله ذلك في سورة النساء:


فقال –تعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً(60)) الآية إلى أن قال جل وعلا: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً(65))([7]).



أقسم الله -جل وعلا- بنفسه أنهم لا يؤمنون حتى يستكملوا ثلاثة أشياء:

1- أن يحكموا الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور.

2- أن لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضى به.

3- أن يسلموا تسليماً كاملاً لحكمه.

وكيف يرضى العاقل أن تجري عليه أحكام المخلوقين التي هي نُحاتة أفكار وزبالة أذهان بدلاً من حكم الله الذي أنزله على رسوله، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور؟!

وكذلك أيضاً فإن أحكام المخلوقين مبنية على الظلم والجور وأكل أموال الناس بالباطل.

وانظروا ماذا حل بكثير من الدول لما خرجوا عن حكم الله ورسوله، ورضوا بأحكام المخلوقين؟! الظلم ديدنهم، والباطل والفجور جارٍ بينهم؛ من غير منكر ولا نكير، نشأ على هذا الصغير، وهرِم عليه الكبير، حتى تغيرت فطرهم، فهم يعيشون معيشة بهيمية، وهكذا يعيش كل من خرج عن حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

قال الله -تعالى-: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ(44))([8]).



والحكم بما أنزل الله، واعتقاد أن حكم الرسول أحسن من حكم غيره: من مقتضيات شهادة أن (لا إله إلا الله)، ومن زعم أن حكم غير الرسول أحسن من حكم الرسول؛ فهذا لم يعرف معنى (لا إله إلا الله)، بل أتى بما يناقضها؛ لأن الانقياد شرطٌ من شروط هذه الكلمة العظيمة، التي بها قامت السماوات والأرض، ومن أجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب، ومن أجلها شرع الجهاد، ومن أجلها افترق الناس إلى شقي وسعيد، فمن عرفها وعمل بها مستكملاً شروطها وأركانها؛ فقد تبرأ من حكم غير الله والرسول.



وقد تغيرت الأحوال، خصوصاً في هذا الزمان الذي يشبه أزمان الفترات، فاعتاضوا عن كلام الله ورسوله وحكم الله ورسوله بآراء اليهود والنصارى، الذين لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة، ورضوا بتحكيم آراء الرجال.

ولله در العلامة ابن القيم حيث يقول:

واللهِ مَا خَوْفِي الذُّنوبَ فإنَّها ** لَعَلى سَبيلِ العَفْوِ والغُفْرانِ
لكِنَّما أخْشى انْسِلاخَ القَلبِ عَنْ ** تَحْكيمِ هَذا الوَحْيِ والقُرْآنِ
وَرِضاً بِآراءِ الرِّجالِ وَخَرْصِها ** لا كانَ ذَاكَ بِمِنَّةِ المَنَّانِ


فإلى الله المشتكى، وبه المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


ويدخل فيما تقدم من الكفر والضلال قول من يقول: إن إنفاذ حكم الله في رجم الزاني المحصن وقطع يد السارق لا يناسب هذا العصر الحاضر؛ فزماننا قد تغير عن زمن الرسول والدول الغربية تعيبنا في هذا!! فهذا المارق قد زعم أن حكم أهل هذا العصر أحسن من حكم النبي صلى الله عليه وسلم وأهدى سبيلاً.

وكذلك يدخل في ذلك من قال: إنه يجوز في هذا العصر الحكم بغير ما أنزل الله!! لأنه قد استحل محرماً مجمعاً على تحريمه. والله أعلم.

* * * * *


ـــــــــــــــــــــ
([1]) صحيح مسلم [ 6/153-نووي ]
([2]) النجم: 4.
([3]) المائدة: 3.
([4]) آل عمران: 19.
([5]) آل عمران: 85.
([6]) إبراهيم: 1.
([7]) النساء: الآيات 60-65.
([8]) المائدة: 44. قال شيخ الإسلام في الاقتضاء [ 1 208 ] [ وفرق بين الكفر المعروف باللام كما في قوله صلى الله عليه وسلم "ليس بين العبد وبين الكفر أو الشرك إلا ترك الصلاة" وبين كفر منكر في الإثبات ] ا. هـ فالكفر المعرف بالألف واللام لا يحتمل في الغالب إلا الأكبر كقوله تعالى: (فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) فيمن حكم بغير ما أنزل الله، وما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه من قوله (كفر دون كفر) فلا يثبت عنه فقد رواه الحاكم في مستدركه (2/ 313) من طريق هشام بن حجير عن طاوس عن ابن عباس به وهشام ضعفه أحمد ويحيى. وقد خولف فيه أيضاً فرواه عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال سئل ابن عباس عن قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)) قال هي كفر، وهذا هو المحفوظ عن ابن عباس أي أن الآية على إطلاقها،وإطلاق الآية يدل على أن المراد بالكفر هو الأكبر إذ كيف يقال بإسلام من نحى الشرع واعتاض عنه بآراء اليهود والنصارى وأشباههم. فهذا مع كونه تبديلا للدين المنزل هو إعراض أيضاً عن الشرع المطهر، وهذا كفر آخر مستقل. وأما ما رواه ابن جرير في تفسيره عن ابن عباس أنه قال (ليس كمن كفر بالله واليوم الآخر وبكذا وبكذا) فليس مراده أن الحكم بغير ما أنزل الله كفر دون كفر. ومن فهم هذا فعليه الدليل وإقامة البرهان على زعمه، والظاهر من كلامه أنه يعني أن الكفر الأكبر مراتب متفاوتة بعضها أشد من بعض، فكفر من كفر بالله وملائكته واليوم الآخر أشد من كفر الحاكم بغير ما أنزل الله. ونحن نقول أيضاً: إن كفر الحاكم بغير ما أنزل الله أخف من كفر من كفر بالله وملائكته.. ولا يعني هذا أن الحاكم مسلم وأن كفره كفر أصغر، كلا بل هو خارج عن الدين لتنحيته الشرع، وقد نقل ابن كثير الإجماع على هذا، فانظر البداية والنهاية [ 13 / 119 ].

الناقض الخامس من نواقض الإسلام



قال -رحمه الله-: ((من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به؛ كفر)).



وهذا باتفاق العلماء؛ كما نقل ذلك صاحب "الإقناع" وغيره.


وبغض شيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم-سواء كان من الأقوال أو الأفعال- نوع من أنواع النفاق الاعتقادي الذي صاحبه في الدرك الأسفل من النار.
فمن أبغض شيئأً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، أمراً كان أونهياً؛ فهو على خطر عظيم.



فمن ذلك ما يتفوه به كثير من الكتاب الملحدين الذين تغذوا بألبان الإفرنج، وخلعوا ربقة الإسلام من رقابهم من كراهيتهم لتعدد الزوجات؛ فهم يحاربون تعدد الزوجات بشتى الوسائل، وما يعلم هؤلاء أنهم يحاربون الله ورسوله، وأنهم يردون على الله أمره.

ومثل هؤلاء في الكفر والبغض لما جاء به الرسول من يكره كون المرأة ليست بمنزلة الرجل؛ ككرههم أن تكون دية المرأة نصف دية الرجل، وأن شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد، وغير ذلك؛ فهم مبغضون لقول النبي صلى الله عليه وسلم:


"ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن.." الحديث، متفق عليه، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

فلذلك تجدهم يمدون ألسنتهم نحو هذا الحديث العظيم: إما بصرفه عن ظاهره، وإما بتضعيفه، بحجة أن العقل يخالفه، وإما بمخالفته للواقع.. وغير ذلك مما هو دال ومؤكد لبغضهم لما جاء به الرسول.




وهؤلاء كفار، وإن عملوا بمدلول النص، فهم لم يستكملوا شروط (لا إله إلا الله)لأن من شروطها: المحبة لما دلت عليه، والسرور بذلك، وانشراح الصدر، وهؤلاء ضاقت صدورهم وحرجت وأبغضوا ما دلت عليه وهذا هو عين فعل المنافقين، الذين يفعلون كثيراً من محاسن الشريعة الظاهرة لشيء ما، مع بغضهم لها.

ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه؛ دخل الجنة"([1])، فقوله: "خالصاً من قلبه" خرج بذلك المنافق؛ لأنه لم يقلها خالصة من قلبه، إنما قالها ليعصم دمه وماله.



قال الله -تعالى- حاكماً بكفر من كره ما أنزل على رسوله: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ(9))([2]).

فالله -جل وعلا- أحبط أعمالهم، وجعلها هباءً منثوراً؛ بسبب كراهيتهم ما أنزل على رسوله من القرآن الذي جعله الله فوزاً وفلاحاً للمتمسكين به، المؤتمرين بأمره، المنتهين عن نهيه.

وكل من كره ما أنزل الله؛ فعمله حابط، وإن عمل بما كره؛ كما قال –تعالى-: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28))([3]).



وهذا من أعظم ما يخيف المسلم: أن يكون كارهاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقد يكمن هذا في النفس، ولا يشعر به إلا بعد برهة من عمره، ولذلك ينبغي الإكثار من قوله: "يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك"؛ لأن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.


ومما ينبغي التنبيه عليه أن كثيراً من الناس قد تبين له منكراً ما، فيرفض القبول، ولا يقبل ما تقول؛ خصوصاً عند ارتكابه، فهذا لا يطلق عليه أنه مبغض لما جاء به الرسول دون تفصيل؛ لأنه قد لا يقبل الحق الذي جئته به، لا لأنه حق، ولكن لسوء تصرفك في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلو جاءه غيرك، وبيَّن له نفس المنكر، لقبل وانقاد، أو أنه لا يقبل منك لما بينك وبينه من شيء ما، فهذا لا يسمى مبغضاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.




وهناك من الناس من يُلزِمُ صاحب المعصية بما لا يَلْزَمُ، فيُلزِمُ حالق اللحية ومسبل الإزار وشارب الخمر مثلاً وغيرهم ببغض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الأمر بإعفاء اللحية وعدم الإسبال والنهي عن شرب الخمر، فيقول لهم: لولا أنكم تبغضون ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، لما فعلتم هذه المنكرات.




وهذا إلزام باطل؛ فهناك من الصحابة من حصلت منه بعض المخالفات –كشرب الخمر مثلاً- ولم يلزمه أحد من الصحابة بذلك الإلزام، بل لما أتى بشارب الخمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولعنه بعض الصحابة وقال: ما أكثر ما يُؤتى به! نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن لعنه، وقال: "إنه يحب الله ورسوله"([4]).



وإلزام هؤلاء بذلك يقتضي إخراج أهل الكبائر من الإسلام، وهذا مخالف لمعتقد أهل السنة والجماعة من أن أهل الكبائر تحت المشيئة: إن شاء الله عفا عنهم وإن شاء عذبهم على قدر جرمهم، ثم مآلهم إلى الجنة، والله أعلم.

* * * * *

ــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) رواه: أحمد (5 / 236)، وابن حبان (1 / 429) من طريق سفيان عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله، وسنده صحيح.
([2]) محمد: 8-9.
([3]) محمد: 28.
([4]) رواه البخاري (12 / رقم 6780 –الفتح) من طريق سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب به.


الناقض السادس من نواقض الإسلام




قال رحمه الله: ((من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم، أو ثوابه، أو عقابه؛ كفر، والدليل قوله –تعالى-: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)([1]).


الاستهزاء بشيء مما جاء به الرسول كفر بإجماع المسلمين، ولو لم يقصد حقيقة الاستهزاء؛ كما لو هزل مازحاً.

وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وغيرهم عن عبد الله ابن عمر؛ قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلس يوماً: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء: أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء. فقال رجل في المجلس: كذبت! ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم


. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزل القرآن. قال عبد الله: فأنا رأيته متعلقاً بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم والحجارة تنكبه وهو يقول: يا رسول الله! إنما كنا نخوض ونلعب، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ(65))([2]).



فقولهم: "إنما كنا نخوض ونلعب"؛ أي: إننا لم نقصد حقيقة الاستهزاء، وإنما قصدنا الخوض واللعب، نقطع به عناء الطريق، كما في بعض روايات الحديث، ومع ذلك كفَّرهم الله -جل وعلا-؛ لأن هذا الباب لا يدخله الخوض واللعب؛ فهم كفروا بهذا الكلام، مع أنهم كانوا من قبل مؤمنين.

وأما قول من قال: "إنهم كفروا بعد إيمانهم بلسانهم مع كفرهم أولاً بقلوبهم"؛ فقد رده شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وقال: "إن الإيمان باللسان مع كفر القلب قد قارنه الكفر، فلا يُقال: (قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)([3])، فإنهم لم يزالوا كافرين في نفس الأمر"([4]).



فمن استهزأ بشيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ كالاستهزاء بالعلم الشرعي وأهله لأجله، وكالاستهزاء بثواب الله وعقابه، والاستهزاء بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر من أجل أمرهم به أو نهيهم عنه، وكالاستهزاء بالصلاة سواء كانت نافلة أو فريضة، وكذلك الاستهزاء بالمصلين لأجل صلاتهم،وكذلك الاستهزاء بمن أعفى لحيته لأجل إعفائها، أو بتارك الربا لأجل تركه؛ فهو كافر.



والاستهزاء بشيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من صفات المنافقين؛ كما قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(36))([5]).





وقد قسم غير واحد من أهل العلم([6]) الاستهزاء بشيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم

أحدهما: الاستهزاء الصريح؛ كالذي نزلت فيه الآية وهو قولهم: "ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء: أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء"، أو نحو ذلك من أقوال المستهزئين.

الثاني: غير الصريح: وهو البحر الذي لا ساحل له، مثل: الرمز بالعين، وإخراج اللسان، ومد الشفة، والغمزة باليد عند تلاوة كتاب الله أو سنة رسول الله r أو عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.




ويجب على كل مسلم أن يصارم المستهزئين بدين الله وبما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو كانوا أقرب الناس إليه، وأن لا يجالسهم، لئلا يكون منهم؛ كما قال الله -جلا وعلا-: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً(140))([7]).



فمن سمع آيات الله يكفر بها، ويستهزأ بها وهو جالس معهم مع رضاه بالجلوس معهم، فهو مثلهم في الإثم والكفر والخروج عن الإسلام؛ كما قال –تعالى-: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ)([8])، أي: شبهاءهم ونظراءهم.


* * * * *


ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) التوبة: 65 – 66.
([2]) التوبة: 65.
([3]) التوبة: 66.
([4]) وقال رحمه الله في كتاب "الإيمان" (ص 273) على هذه الآية: (قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ...) الآية.
"دل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفراً، بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر، فبين أن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه، فدل على أنه كان عندهم إيمان ضعيف، ففعلوا هذا المحرم الذي عرفوا أنه محرم ولكن لم يظنوه كفراً وكان كفراً كفروا به، فإنهم لم يعتقدوا جوازه".
([5]) المطففين: 29-36.
([6]) منهم الإمام محمد بن عبد الوهاب، كما في "حكم المرتد" (ص 105)، وحمد بن عتيق، كما في "مجموعة التوحيد".
([7]) النساء: 140 .
([8]) الصافات: 22.






مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع


الساعة الآن 09:48 PM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى