عادات الجزائريين في عاشوراء في ميزان الشرع
24-11-2012, 11:09 AM
عادات الجزائريين في عاشوراء في ميزان الشرع
سلطان بركاني
الجزائر في: 10 محرّم 1434هـ
عادات ومعتقدات تتنوع من مكان لآخر
معتقداتٌ وعادات كثيرة ترتبط بعاشوراء، توارثها الجزائريون أبا عن جدّ، منها ما هو مشترك بين مختلف مناطق الوطن، ومنها ما يختلف من منطقة إلى أخرى؛ معتقدات تتأرجح بين التفاؤل والتّشاؤم، وعادات تتنوّع بين ما هو متعلّق بالمآكل والأطباق، وبين ما هو متعلّق بالزينة والبيوت.
ولعلّ من أبرز تلك العادات التي كادت تكون محلّ اتّفاق بين الجزائريين: التوسّع ليلة عاشوراء في أطباق الطّعام، وألوانه وأنواعه، كالرشتة والشخشوخة والكسكسي والشّربة، التي تشترط بعض العائلات أن تكون مطبوخة بلحم الدّجاج، وبعضها تزيد على ذلك فتشترط أن يكون الدّجاج من النّوع العربيّ، بينما تزيد أسر أخرى شرطا آخر بأن يذبح الدّجاج في البيت، وتعتقد أنّ ذلك فأل خير من شأنه إبعاد العين والحسد عن أهل البيت.
في حين تلتزم أسر أخرى بطبخ أطباق عاشوراء باللّحم المدّخر من أضحية العيد، بعد تجفيفه وتصبيره، وقد تتقصّد أجزاء معيّنة من الأضحية كالأضلاع والظّهر، تجفّف أو تجمّد خصيصا لهذه المناسبة.
وتتوسّع عائلات كثيرة في شرق البلاد في أطباق عاشوراء، وتحرص على إعداد الحلوى والمكسّرات، التي تزيّن موائد الطّعام بعد العشاء، وتوزّع على الأطفال، ويبدي بعض الجزائريين من كبار السنّ خاصّة، في بعض المناطق، حرصا بالغا على اقتناء كلّ حاجيات ومستلزمات البيت من المواد الغذائية يوم عاشوراء، اعتقادا منهم أن اقتناءها دفعة واحدة في هذا اليوم يجلب الخير الكثير ويجعل العام عام خير عليهم.
كما تحرص بعض النّساء في بعض المناطق على عادات معيّنة ترتبط باعتقاد أنّها فأل خير تجلب البركة لأهل البيت، منها فتح كلّ الأبواب المغلقة كأبواب الخزائن والغرف والنوافذ وترديد عبارة "نفتح كلّ ما هو مغلق حتى يدخل إلينا الرزق"، وتحرص كثير منهنّ على وضع الكحل ليلة عاشوراء اعتقادا منهنّ أنّ من قامت بذلك لن تمرض عيناها أبدا، كما يحرصن على الخضاب بالحناء، اعتقادا منهنّ أنّ الحنّاء ليلة عاشوراء فأل خير للبنات، حيث يقلن: "نضع الحناء للبنات حتى تحنّ قلوبهن".
كما تحرص بعض النّساء على قصّ شيء من شعورهنّ اعتقادا بأن ذلك يزيد من طوله وجماله، وتشترط بعض النّساء في مدينة سطيف خاصّة وضع خصلات الشّعر التي يتمّ قصّها على شجرة الصفصاف حتى يكون الشّعر كثيفا كأوراق هذه الشّجرة.
وفي مقابل هذه العادات التي تربط بالتفاؤل والفأل الحسن، فإنّ بعض النّساء يتوارثن اعتقادات مرتبطة بعاشوراء تنحى منحى التشاؤم بهذا اليوم، كاعتقاد بعضهنّ تحريم الخياطة، وأنّ من تفعل ذلك في هذا اليوم تصاب يدها بالارتعاش عند الكبر، وتبالغ بعضهنّ في هذا الأمر فيعتقدن تحريم لمس أدوات الخياطة عامّة.
كما تتشاءم بعض الأسر من كنس البيوت يوم عاشوراء، وبعضها يعتقد كراهة عقد القران وزفّ العروس إلى زوجها في هذا اليوم.
عادات ومعتقدات عاشوراء في ميزان الشّرع
هذه العادات المرتبطة بعاشوراء، والتي توارثها كثير من الجزائريين من دون بحث أو سؤال عن مصدرها ومنشئها، شأنها شأن كثير من العادات التي تعلّقت بأغلب المناسبات الدينية، لا ترجع في أصلها إلى ما استحسنه الشّرع وأقرّه العلماء، وإنّما ترجع إلى ما استحسنه العامّة واستساغوه، وقد أحصى بعض الفقهاء خصائص عاشوراء التي لا تستند إلى دليل من الشّرع وأوصلوها إلى 12 خصلة، هي: الصلاة والصّدقة وصلة الأرحام وقراءة سورة الإخلاص ألف مرة، والاغتسال والاكتحال والخضاب وتقليم الأظافر، وزيارة عالم وعيادة مريض ومسح رأس يتيم، والتوسعة على العيال.
وقالوا أنّه لا دليل على خصوصية استحبابها هذا اليوم، يقول ابن تيمية: " لم يستحب أحد من أئمة المسلمين الاغتسال يوم عاشوراء ولا الكحل فيه والخضاب وأمثال ذلك، ولا ذكره أحد من علماء المسلمين الذين يقتدى بهم ويرجع إليهم في معرفة ما أمر الله به ونهى عنه ولا فعل ذلك رسول الله ولا الخلفاء".
ويُرجع بعض العلماء أصل هذه العادات إلى بعض الدّول الطّائفية التي قامت في بلاد المسلمين، كالدّولة العبيدية (الفاطميّة) التي قامت في شمال إفريقيا أواخر القرن الثالث الهجري، وفي مصر أواسط القرن الرابع الهجريّ، وإلى هذه الدولة الشيعية ينسب بعض الباحثين كثيرا من هذه العادات، خاصّة ما تعلّق منها بالتشاؤم من يوم عاشوراء، وكراهة بعض الأعمال فيه كالزواج والخياطة وكنس البيوت، وغير ذلك.
وبالغ بعض الباحثين في عزو هذه العادات والاعتقادات المرتبطة بعاشوراء في الجزائر خاصّة وفي المغرب العربيّ عامّة، فرجعوا بها إلى دولة قامت في هذه المنطقة في القرن الثاني الهجريّ، على يد رجل يدعى "صالح بن طريف البربري"، من عرش المصامدة، التابع لقبيلة برغواطة، عاش هذا الرّجل هو وقبيلته في المغرب الأقصى في القرن (02هـ/08م) وكان في مبدأ أمره -كما قال عنه ابن خلدون- رجلا من أهل العلم والخير، ثمّ انسلخ من آيات الله، وانتحل دعوى النبوّة، ووضع لأتباعه دينا جديدا هو مزيج من الإسلام واليهودية والمجوسية، ووضع لهم شرائع عمد فيها إلى تحريف شرائع الإسلام عن أوقاتها وهيئاتها، فادّعى أنّه أُنزل عليه قرآن بالبربريّة في 80 سورة، ووضع سورة أخرى يقرؤها أتباعه في الصلاة بدل الفاتحة، وألزمهم 05 صلوات في النّهار و05 باللّيل، وغيّر صلاة الجمعة فجعلها يوم الخميس، وألغى الأذان والإقامة، وجعل الصّيام في شهر رجب بدلا عن رمضان، وجعل عيد الأضحى في اليوم الـ11 من محرّم، وهنا موضع الشّاهد الذي يعنينا في هذا المقام، حيث اخترع لهم في هذا العيد طقوسا وألزمهم معتقدات تطاول عليها الزمان فيما بعد وظنّ النّاس أنّها من الإسلام، منها: اعتقاد حُرمة الخِياطة في هذا اليوم، واعتقاد حُرمة العمل فيه، ومن هنا جاءت عادة جعل يوم عاشوراء يوم عطلة وعطالة، ومنها أنّ من عجز عن ذبح الأنعام في يوم العيد الموافق للـ11 محرّم لزمه أن يذبح الدّجاج، ومن لم يذبح فقد استهان بيوم عاشوراء، ومن هنا جاءت عادة ذبح الدّجاج ليلة عاشوراء. ومنها: اعتقادهم وجوب تطهير أموالهم بالزّكاة في هذا اليوم، ومن هنا جاء ربط الزّكاة بعاشوراء.
لأجل هذا فإنّنا ننصح الجزائريين أن يعودوا إلى معين الشّرع المطهّر في هذا الباب؛ فيوم عاشوراء في ديننا هو يوم صالح كيوم عرفة، وليس يوم عيد وفرح وسرور، ولا يوم حزن وبكاء، يُتقرّب إلى الله بصيامه وصيام يوم قبله أو بعده، ولا بأس لمن صامه أن يتوسّع في طعامه دون إسراف ولا تبذير إذا كان ذلك من عادته كلّما صام، أمّا سائر العادات والاعتقادات فلعلّها تكون أقرب إلى الذّنب المغفور منها إلى السّعي المشكور، خاصّة إذا ارتبطت بعقائد باطلة ما أنزل الله بها من سلطان، كالتطير بالخياطة وكنس البيوت وعقد القران، والتفاؤل بالخضاب والكحل وقصّ الشّعر وفتح الأبواب.
والله تعالى أعلى وأعلم
سلطان بركاني
الجزائر في: 10 محرّم 1434هـ
عادات ومعتقدات تتنوع من مكان لآخر
معتقداتٌ وعادات كثيرة ترتبط بعاشوراء، توارثها الجزائريون أبا عن جدّ، منها ما هو مشترك بين مختلف مناطق الوطن، ومنها ما يختلف من منطقة إلى أخرى؛ معتقدات تتأرجح بين التفاؤل والتّشاؤم، وعادات تتنوّع بين ما هو متعلّق بالمآكل والأطباق، وبين ما هو متعلّق بالزينة والبيوت.
ولعلّ من أبرز تلك العادات التي كادت تكون محلّ اتّفاق بين الجزائريين: التوسّع ليلة عاشوراء في أطباق الطّعام، وألوانه وأنواعه، كالرشتة والشخشوخة والكسكسي والشّربة، التي تشترط بعض العائلات أن تكون مطبوخة بلحم الدّجاج، وبعضها تزيد على ذلك فتشترط أن يكون الدّجاج من النّوع العربيّ، بينما تزيد أسر أخرى شرطا آخر بأن يذبح الدّجاج في البيت، وتعتقد أنّ ذلك فأل خير من شأنه إبعاد العين والحسد عن أهل البيت.
في حين تلتزم أسر أخرى بطبخ أطباق عاشوراء باللّحم المدّخر من أضحية العيد، بعد تجفيفه وتصبيره، وقد تتقصّد أجزاء معيّنة من الأضحية كالأضلاع والظّهر، تجفّف أو تجمّد خصيصا لهذه المناسبة.
وتتوسّع عائلات كثيرة في شرق البلاد في أطباق عاشوراء، وتحرص على إعداد الحلوى والمكسّرات، التي تزيّن موائد الطّعام بعد العشاء، وتوزّع على الأطفال، ويبدي بعض الجزائريين من كبار السنّ خاصّة، في بعض المناطق، حرصا بالغا على اقتناء كلّ حاجيات ومستلزمات البيت من المواد الغذائية يوم عاشوراء، اعتقادا منهم أن اقتناءها دفعة واحدة في هذا اليوم يجلب الخير الكثير ويجعل العام عام خير عليهم.
كما تحرص بعض النّساء في بعض المناطق على عادات معيّنة ترتبط باعتقاد أنّها فأل خير تجلب البركة لأهل البيت، منها فتح كلّ الأبواب المغلقة كأبواب الخزائن والغرف والنوافذ وترديد عبارة "نفتح كلّ ما هو مغلق حتى يدخل إلينا الرزق"، وتحرص كثير منهنّ على وضع الكحل ليلة عاشوراء اعتقادا منهنّ أنّ من قامت بذلك لن تمرض عيناها أبدا، كما يحرصن على الخضاب بالحناء، اعتقادا منهنّ أنّ الحنّاء ليلة عاشوراء فأل خير للبنات، حيث يقلن: "نضع الحناء للبنات حتى تحنّ قلوبهن".
كما تحرص بعض النّساء على قصّ شيء من شعورهنّ اعتقادا بأن ذلك يزيد من طوله وجماله، وتشترط بعض النّساء في مدينة سطيف خاصّة وضع خصلات الشّعر التي يتمّ قصّها على شجرة الصفصاف حتى يكون الشّعر كثيفا كأوراق هذه الشّجرة.
وفي مقابل هذه العادات التي تربط بالتفاؤل والفأل الحسن، فإنّ بعض النّساء يتوارثن اعتقادات مرتبطة بعاشوراء تنحى منحى التشاؤم بهذا اليوم، كاعتقاد بعضهنّ تحريم الخياطة، وأنّ من تفعل ذلك في هذا اليوم تصاب يدها بالارتعاش عند الكبر، وتبالغ بعضهنّ في هذا الأمر فيعتقدن تحريم لمس أدوات الخياطة عامّة.
كما تتشاءم بعض الأسر من كنس البيوت يوم عاشوراء، وبعضها يعتقد كراهة عقد القران وزفّ العروس إلى زوجها في هذا اليوم.
عادات ومعتقدات عاشوراء في ميزان الشّرع
هذه العادات المرتبطة بعاشوراء، والتي توارثها كثير من الجزائريين من دون بحث أو سؤال عن مصدرها ومنشئها، شأنها شأن كثير من العادات التي تعلّقت بأغلب المناسبات الدينية، لا ترجع في أصلها إلى ما استحسنه الشّرع وأقرّه العلماء، وإنّما ترجع إلى ما استحسنه العامّة واستساغوه، وقد أحصى بعض الفقهاء خصائص عاشوراء التي لا تستند إلى دليل من الشّرع وأوصلوها إلى 12 خصلة، هي: الصلاة والصّدقة وصلة الأرحام وقراءة سورة الإخلاص ألف مرة، والاغتسال والاكتحال والخضاب وتقليم الأظافر، وزيارة عالم وعيادة مريض ومسح رأس يتيم، والتوسعة على العيال.
وقالوا أنّه لا دليل على خصوصية استحبابها هذا اليوم، يقول ابن تيمية: " لم يستحب أحد من أئمة المسلمين الاغتسال يوم عاشوراء ولا الكحل فيه والخضاب وأمثال ذلك، ولا ذكره أحد من علماء المسلمين الذين يقتدى بهم ويرجع إليهم في معرفة ما أمر الله به ونهى عنه ولا فعل ذلك رسول الله ولا الخلفاء".
ويُرجع بعض العلماء أصل هذه العادات إلى بعض الدّول الطّائفية التي قامت في بلاد المسلمين، كالدّولة العبيدية (الفاطميّة) التي قامت في شمال إفريقيا أواخر القرن الثالث الهجري، وفي مصر أواسط القرن الرابع الهجريّ، وإلى هذه الدولة الشيعية ينسب بعض الباحثين كثيرا من هذه العادات، خاصّة ما تعلّق منها بالتشاؤم من يوم عاشوراء، وكراهة بعض الأعمال فيه كالزواج والخياطة وكنس البيوت، وغير ذلك.
وبالغ بعض الباحثين في عزو هذه العادات والاعتقادات المرتبطة بعاشوراء في الجزائر خاصّة وفي المغرب العربيّ عامّة، فرجعوا بها إلى دولة قامت في هذه المنطقة في القرن الثاني الهجريّ، على يد رجل يدعى "صالح بن طريف البربري"، من عرش المصامدة، التابع لقبيلة برغواطة، عاش هذا الرّجل هو وقبيلته في المغرب الأقصى في القرن (02هـ/08م) وكان في مبدأ أمره -كما قال عنه ابن خلدون- رجلا من أهل العلم والخير، ثمّ انسلخ من آيات الله، وانتحل دعوى النبوّة، ووضع لأتباعه دينا جديدا هو مزيج من الإسلام واليهودية والمجوسية، ووضع لهم شرائع عمد فيها إلى تحريف شرائع الإسلام عن أوقاتها وهيئاتها، فادّعى أنّه أُنزل عليه قرآن بالبربريّة في 80 سورة، ووضع سورة أخرى يقرؤها أتباعه في الصلاة بدل الفاتحة، وألزمهم 05 صلوات في النّهار و05 باللّيل، وغيّر صلاة الجمعة فجعلها يوم الخميس، وألغى الأذان والإقامة، وجعل الصّيام في شهر رجب بدلا عن رمضان، وجعل عيد الأضحى في اليوم الـ11 من محرّم، وهنا موضع الشّاهد الذي يعنينا في هذا المقام، حيث اخترع لهم في هذا العيد طقوسا وألزمهم معتقدات تطاول عليها الزمان فيما بعد وظنّ النّاس أنّها من الإسلام، منها: اعتقاد حُرمة الخِياطة في هذا اليوم، واعتقاد حُرمة العمل فيه، ومن هنا جاءت عادة جعل يوم عاشوراء يوم عطلة وعطالة، ومنها أنّ من عجز عن ذبح الأنعام في يوم العيد الموافق للـ11 محرّم لزمه أن يذبح الدّجاج، ومن لم يذبح فقد استهان بيوم عاشوراء، ومن هنا جاءت عادة ذبح الدّجاج ليلة عاشوراء. ومنها: اعتقادهم وجوب تطهير أموالهم بالزّكاة في هذا اليوم، ومن هنا جاء ربط الزّكاة بعاشوراء.
لأجل هذا فإنّنا ننصح الجزائريين أن يعودوا إلى معين الشّرع المطهّر في هذا الباب؛ فيوم عاشوراء في ديننا هو يوم صالح كيوم عرفة، وليس يوم عيد وفرح وسرور، ولا يوم حزن وبكاء، يُتقرّب إلى الله بصيامه وصيام يوم قبله أو بعده، ولا بأس لمن صامه أن يتوسّع في طعامه دون إسراف ولا تبذير إذا كان ذلك من عادته كلّما صام، أمّا سائر العادات والاعتقادات فلعلّها تكون أقرب إلى الذّنب المغفور منها إلى السّعي المشكور، خاصّة إذا ارتبطت بعقائد باطلة ما أنزل الله بها من سلطان، كالتطير بالخياطة وكنس البيوت وعقد القران، والتفاؤل بالخضاب والكحل وقصّ الشّعر وفتح الأبواب.
والله تعالى أعلى وأعلم