مقالات رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
10-05-2013, 10:10 AM
قراءة في الحدث: بُؤس العالِم ورُخس العامِل
بتاريخ 27-6-1434 هـ الموضوع: الدكتور عبد الرزاق قسوم
ما هذه البدعة الاجتماعية "الإنسانية" التي أحدثها الغرب في مجال ما يُعرف بحقوق الإنسان، والتي أخذناها عنه تقليدًا، وطبقناها في حياتنا تأييدًا؟. إنّها البدعة التي تختزل الحقوق في يوم واحد من كامل أيّام السنة، يومٌ للمرأة، ويومٌ للأمّ، ويومٌ للطفل، ويومٌ للحبّ، ويومٌ للكذب، ويومٌ للشجرة، وهلّم جرًّا. ولقد أخذنا في موروثنا المعاصر هذا التقليد الغربيَّ، فخصصنا يومًا للمجاهد، ويومًا للشهيد، ويومًا للعالِم ويومًا للعامل، ويومًا للطالب... الخ.


أحيينا –إذن- في نطاق هذه البدعة الموروثة، هذه الأيّام، يومًا للعلم، ويومًا للعامل، وجميل أن تعتبر العناية بالعلم، وبالعمل، حكمةً تكون ضالةً للمؤمن أنّى وجدها أخذها، حتى ولو كانت في الغرب. والحقيقة؛ أنّ الثقافة الإسلامية في عنايتها بقيمة العلم أو العمل ليست في حاجة إلى الغرب أو غيره، كي يلقنها قيمتهما. فالعلم والدعوة إليه، أوّل آية نستهل بها قصة نزول الأحكام القرآنية، مشفوعة بآيات كثيرة ترفع من مكانة العالِم، وتعلي من قيمة العلم، والعمل الصالح، قيمة اجتماعية مقرونة دومًا بالإيمان، والجزاء الدنيوي والأخروي.
فماذا فعلنا، نحن بالعالِم والعامِل في ممارساتنا اليومية، وتطبيقاتنا العملية ؟.
لقد اقتصرنا في إحيائنا لذكرى العالِم عبد الحميد ابن باديس على مجرد التنويه بجهاده العِلمي، والإشادة بتأثيره في إيقاظ الأمّة من سباتها، كما سنحيي بعد أيّام؛ أي يوم العشرين من مايو، ذكرى وفاة الإمام محمد البشير الإبراهيمي، فنكتفي بالحديث عن مآثر العالِم، وأهمية العلم الذي قدمه كل أحد، والتضحيات الجسام التي قدماها للجزائر، وللأمّة الإسلامية قاطبة. وما هكذا –علم الله- يكون اعتراف الوطن بقيمة العالِم، فمن الوفاء له أن نطلق اسم الجامعة عليه، ونخلده بالعناية بمآثره، ونشرها بين الناس، وأن نبوئ هيئته المكان اللائق بها... فنقضي على مآثر البؤس التي تعلو مقر جمعية العلماء، وهي أمّ الجمعيات، والتي يصادف يوم 5 مايو انقضاء اثنين وثمانين سنة على ميلادها... والحال أنّها قدّمت للجزائر العشرات من المؤسسات التربوية والدينية، هي الآن تستغّل من الدولة الجزائرية. أليس من حقّ جمعية العلماء على الجزائر أن تحصل على ميزانية من الدولة تليق برسالتها؟ أليس من حقّ الجمعية أن تبوّأ مقرًا لائقًا بها، يمكّنها من أداء رسالتها على أكمل وجه؟ هل ضاقت الجزائر بما رحبت عن أن تجد من المقرات المغلقة أو المهملة ما يمكن تقديمها للجمعية؟ أليس من أبسط واجبات الدولة نحو الجمعية أن تشرك علماءها في قضايا مصير الوطن؟.
إنّ مما يسلم به الجميع لجمعية العلماء أنّها تطبِّق منهجًا إسلاميًا، يخدم الاستقرار، وينشر أطيب الآثار، ويعلي من سمعة الجزائر المسلمة لدى البعيد والجار؟. إنّه ليحزّ في قلوبنا –والله- أن يشعر الجميع ببؤس العالِم في يوم العلم، وفي يوم ذكرى جمعية العلماء، في حين ينعم الفنان، واللاعب وكلّ أطياف المجتمع بالقصور، والدثور، وعظائم الوسائل والأمور، وتسكن الجمعية في دهاليز وأقبية، أشبه بالجحور، ونحتفل، تقليدًا –بيوم العامل- فنلتفت في عيده يمنة ويسرة، لنجد ألوانًا شتّى من الاعتصامات والاضطرابات في جنوب وشمال الوطن، لأنّ العمل فقد أهميته، والعامل دِيسَت كرامته... فضعف العامل والعمل، إذن، في سوق القيم الإنسانية، وقد رَخست أسعاره، وطُمست أدواره، ومزق شعاره وإزاره.
جميل –إذن- أن نأخذ من الغرب بعض تقاليده ومنها الاحتفال بيوم العامل، وتمجيد قيمة العالِم، ولكن لِمَ لا نقتدي بالغرب، في ضمان حقوق العمال المادية والمعنوية، وإعلاء قيمة العلماء العلمية والوطنية.
ففي الغرب يُشجَّعُ البحث العلمي، فتُخصَّصُ له أكبر الميزانيات، ويُشرَك العلماء في التخطيط والإشراف على تسيير المؤسسات في حين، تُهمَشُ –في بلادنا- أشهر العقول وأعلى الكفاءات.
إنّ العالِم والعامِل، هما الضامنان للتشيّيد والبناء، والمؤتمنان على التنمية والنماء، فإذا لم يُتعهدا بالعناية والرّعاية، تصدّع البنيان، وتشققت الأركان، وصُودِر مصير الإنسان والأوطان...
فيا قومنا! أعيدوا النظر في معادلة العلاقة المتوترة بين العالِم والعامِل من جهة، وبين القائد والرائد من جهة أخرى، إذا أردتم أن يستتب الأمن والأمان، ويُقضى على بؤس العالِم في الميدان، ورُخس العامِل في مزاد الإنسان والأوطان... فذلك هو أفضل ضمان يُعصم به الوطن من كلّ اضطراب، ومن كلّ شنان أو غليان.