من منهجية السؤال و الجواب في القرآن الكريم
18-05-2013, 08:42 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي له كل شيء رب العلمين و الصلاة و السلام على خاتم الأنبياء و المرسلين و على آله و صحبه و المهتدين و بعد السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
من منهجية السؤال و الجواب في القرآن الكريم :
و هنا نتساءل هل يقدم الله سبحانه و تعالى في القرآن الكريم ذكر الإجابة على السؤال أم السؤال قبل الإجابة ؟ الجواب سهل و يسير إذا علمنا يقينا لا مجال فيه للشك أن الله عز و جل كما وصف نفسه في الآية 86 من سورة الحجر " إن ربك هو الخلاق العليم " أي أن الله تعالى هو خالق و واجد كل شيء و هذا الخلق مبني على العلم و الله سبحانه و تعالى هو واجد العلم و واضعه و صاحب العلم الأزلي ، لا حدود لعلمه سبحانه و تعالى و عليه فإن منجهية البحث في القرآن الكريم كما يلي :
عندما تكون الإجابة على تساؤل في كتاب الله تعالى من الله سبحانه مباشرة فإن الإجابة تسبق السؤال لأن الله عز و جل يعرف الإجابة قبل طرح السؤال و ما يكون السؤال إلا من مخلوق ضعيف و جاهل مثلي و عندما تكون الإجابة كناية على لسان مخلوق على السؤال يسبق السؤال الإجابة لأن أصل الإجابة من الله ليست من المخلوق و لتقريب الفهم نعطي الأمثلة التالية :

1- الجواب قبل السؤال :

قال الله تعالى " الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60) " الفرقان .
في هاتين الآيتين يبين الله عز و جل منهجية الإجابة و السؤال عندما يكون السؤال من مخلوق و الإجابة من الله عز و جل فقد أسبق الإجابة على السؤال كما هو مبين في الآية 59 معرفا باسم صفته " الرحمن" ثم ورد السؤال في الآية التي تليها على لسان المخلوقين " قالوا و ما الرحمن "

و لتقريب الفهم أكثر نعطي مثالا آخر في سورة الغاشية

قال الله تعالى " فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) "

يلاحظ من السياق القرآني في هذه الآيات من سورة الغاشية أن الحديث كان في البداية عن الجنة ثم ينزل مباشرة و بسرعة إلى الأرض و ليس الأرض فقط بل إلى الإبل متسائلا لماذا لا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ثم يعيد الصعود بالفكر إلى السماء كيف رفعت... ثم يعيدك أخرى إلى الجبال و الأرض أمر يستدعي التدبر و التفكر ، و كما قلنا أن الله يسبق الإجابة على السؤال عندما تكون الإجابة من لدنه سبحانه و تعالى و عليه تأملوا معي
الجواب : فيها عين جارية (12) الغاشية .
السؤال أو دعوة للتساؤل : أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت (17) الغاشية
التعليق : معروف أن الإبل تعيش في الصحراء و تنتقل لمسافات طويلة دون شرب الماء و السبب هو أنها تشرب كميات معتبرة من الماء و تقوم بتخزينها في حالة جريان لأن الماء الراكد يفسد ثم تستهلكها عند الحاجة .
الجواب : فيها سرر مرفوعة ( 13) الغاشية
السؤال أو دعوة للتساؤل : و إلى السماء كيف رفعت (18) الغاشية
التعليق : من الأسباب التي ساهمت في رفع السماء بغير عمد هو أن كتلتها موزعة بطريقة أفقية كأنها سرر و هي جمع سرير .
الجواب : و أكواب موضوعة (14) الغاشية
السؤال أو دعوة للتساؤل: و إلى الجبال كيف نصبت (19)
التعليق : تكونت الجبال على شقوق في القشرة الأرضية من حمم بركانية تتجمع و تتصلب بعد ملامستها لطبقات الهواء البارد و ترتفع إلى مستويات معينة ثم تغلق من الأعلى كأنها كوب مقلوب .
الجواب : و نمارق مصفوفة (15) و زرابي مبثوثة (16) الغاشية
السؤال أو دعوة للتساؤل : و إلى الأرض كيف سطحت (20) الغاشية .
التعليق : نمارق تعني وسائد و هي جمع وسادة و تتكون الطبقة تحت القشرة الأرضية من صفائح تكتو نية و قد أطلق عليها علماء الجيولوجيا أيضا تسمية الوسائد التكتونية و هي وسائد مصفوفة تتحرك باستمرار مسببة الزلازل و البراكين و فوق هذه الوسائد التكتونية نجد ما يسمى بالقشرة الأرضية التي تغطي سطح الأرض و كأنها زرابي مبثوثة أي مبسوطة .
سيقول البعض أن الإجابة ناقصة و ليست كاملة و هذا صحيح إذا اكتفينا بتدبر هذه السورة فقط و خطأ إن اعتقدنا أن كتاب الله لا يحوي الإجابة الكاملة و من منهجية الله في الكتاب أنه يقسم الإجابة على مجمل سور و آيات القرآن تحفيزا منه لعباده لتدبر القرآن الكريم كاملا مما ينمي عمل العقل و يشجع التدبر و التفكر و التأمل و عليه لنجب معا على تساؤل استشكل على الناس كثيرا و هو " الله الذي رفع السماء بغير عمد ترونها " و السؤال كيف رفع الله السماء هل رفها بعمد لا نراها أو رفعها بغير عمد و الجواب كما يلي و للقارئ أن يتدبر كيف رفع الله السماء بغير عمد اعتمادا على هذه الآيات فهي بهدي الله تحمل الإجابة الكاملة على ما أعتقد.. و الله أعلم فأنا لست عالما !! :
فيها سرر مرفوعة ( الغاشية 13) كما أوردنا سابقا
و السماء ذات الحبك ( الذاريات 7)
أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها (27) رفع سمكها فسواها ( النازعات 28 ) ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم المسافة بين السماء و الأرض مسيرة 500 عام ( نصف قطر دائرة السماء ) و سمك السماء مسيرة 500 عام ...
و السماء رفعها ووضع الميزان ( الرحمن 7). (الميزان هو القانون). كفة1=كفة2 .
السموات و الأرض كانتا رتقا ( الأنبياء 30 ). (الرتق هو النسيج الواحد)
و جعلنا السماء سقفا محفوظا ( الأنبياء 32).

2- السؤال قبل الجواب :

- / قال تعالى : " وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (11) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17) قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22) قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26)
في هذه الآيات من سورة الشعراء نستنبط المنهجية في البحث عن السؤال و الإجابة عندما تكون الإجابة كناية على لسان مخلوق و هي تصور حوار بين فرعون و موسى عليه السلام و هنا يسبق السؤال الإجابة كما هو مبين في الآيات من 23 إلى 26
السؤال : " قال فرعون و ما رب العالمين" (الشعراء 23)
الجواب : قال موسى : " رب السموات و الأرض و ما بينهما إن كنتم موقنين (24)...... قال ربكم و رب أبائكم الأولين (26) ... العالمين تعني السموات و الأرض و ما بينهما .

- / قال الله تعالى على لسان نوح عليه السلام في سورة نوح : " أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) "

السؤال : ألم ترو كيف خلق الله سبع سموات طباقا
الجواب : و جعل القمر فيهن نورا و جعل الشمس سراجا
التعليق :
جعل فيهن القمر نورا ، و فيهن هنا تعود على سبع سموات طباقا فهل نور القمر الذي نراه اليوم المنعكس من ضوء الشمس يمكن له أن يغطي السموات السبع ... طبعا لا و عليه فما معنى فيهن ؟ نقول بهدي من الله عز و جل أن القمر كان في بداية الخلق كتلة حرارية من طاقة النور الهائل جعلت لفتق الرتق إلى سبع سموات طبقا و من الأرض مثلهن ، و للعلم فقط هذه الآية هي الآية الوحيدة في القرآن التي أسبق فيها ذكر القمر على الشمس.
و جعل الشمس سراجا : و بغرض المحافظة على الكون بحالته الحالية سبع سموات و من الأرض مثلهن محيت الطاقة الحرارية لنور القمر ( فمحونا آية الليل و جعلنا آية النهار مبصرة {12الإسراء}) و جعلت الطاقة الحرارية للشمس و النجوم مكانها لتنبثق عنها حرارة أقل تأثيرا لتحقيق التوازن بين جميع الأجرام و الكواكب و المحافظة على حالة الفتق ( سبع سموات و من الأرض مثلهن ) و الله أعلم .