بالروح بالدم نفديك يا غزة
الجزائر تهتز
2014/07/25(آخر تحديث: 2014/07/25 على 19:26)
عاشت شوارع العاصمة أمس على وقع مسيرات حاشدة لـ"نصرة غزة"، وسط استنفار أمني كبير، تراوح بين محاولات المنع أحيانا والتساهل في أحايين أخرى، فيما بدا تكتيك لتفادي حدوث انزلاقات سيما في ظل الأعداد المعتبرة التي لبت دعوة نصرة الفلسطينيين.
وانطلقت المسيرة من ساحة أول ماي مباشرة بعد انقضاء صلاة الجمعة، وقد حاولت الشرطة إعاقة المتظاهرين بإقامة سلاسل من أفرادها، وغلق الشوارع الرئيسية بعربات مصفحة، مثلما حدث في ساحة أول ماي عندما حاول المشاركون في المسيرة التوجه نحو ساحة الشهداء عبر شارع حسيبة بن بوعلي.
ولوحظ عدد من الوجوه التاريخية والسياسية تتقدم المسيرة في بدايتها، على غرار المجاهدة جميلة بوحيرد، والرائد لخضر بورڤعة القيادي بالولاية الرابعة التاريخية ورئيس اللجنة الشعبية لدعم الشعب الفلسطيني، فضلا عن عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم، والوزير السابق أبو جرة سلطاني، والأمين العام لحركة النهضة، محمد ذويبي، ورئيس جبهة العدالة والتنمية، عبد الله جاب الله.
الشرطة والمتظاهرون.. الاحتكاك
وقد وقع أول احتكاك بين الشرطة والمشاركين في المسيرة عندما حاول أصحاب البذلة الزرقاء تطويق المسجد القريب من دار الصحافة بأول ماي، غير أن كثرة أعداد المصلين حال دون إحكام الشرطة لقبضتها، ففلت المتظاهرون وانساب الجميع عبر الشارع المار بالقرب من مقر الاتحاد العام للعمال الجزائريين، ليلتقوا مع مسيرة أخرى قادمة عبر شارع حسيبة بن بوعلي أمام مستشفى مصطفى باشا الجامعي.
خططت الشرطة للحؤول دون توجه المسيرة نحو ساحة الشهداء، فأقدمت على قطع شارع حسيبة بن بوعلي في نقطة تماسه مع ساحة أول ماي بعربات مصفحة، لتتجمع هناك أعداد غفيرة من الداعمين لغزة، وهناك بدأ الضغط يرتفع بين الطرفين، ولجأ المتظاهرون إلى رفع شعارات معادية للحكومة وللرئيس بوتفليقة، من قبيل "يا للعار يا للعار باعوا غزة بالدولار"، و"يا للعار يا للعار حكومة بلا قرار"..
الشرطة من جهتها بررت موقفها المتشدد بعدم وجود ترخيص للمتظاهرين، حسب ما قال أحد أعوان الشرطة لـ"الشروق"، وكان هذا كافيا لانفجار أحد المشاركين في وجه الشرطة غاصبا: "لو مر أنصار المولودية من هنا لسمحتم لهم، ولو مر أنصار اتحاد العاصمة لكان الأمر كذلك، ولما تعلق الأمر بغزة رفضتم.. حسبنا الله فيكم"، غير أن أحد أعوان الحماية المدنية تدخل ليلقي باللائمة على من يعطي الأوامر.
إصرار..
لم ييأس المتظاهرون في تجاوز عائق العربات المصفحة والسلاسل البشرية التي طوقت بها عناصر الشرطة الشارع، وبينما استسلم قيادات بعض الأحزاب السياسية للأمر الواقع، ونصبوا المنابر أمام مستشفى مصطفى باشا لإلقاء الكلمات، انساب المتظاهرون عبر الشوارع المحاذية ليلتقوا جميعهم في شارع حسيبة بن بوعلي، فيما لم يتضح إن كان في الأمر تساهل من قبل الشرطة، أم تكتيك لتفتيت تماسك المسيرة، سيما وأن جل الوجوه السياسية بقيت محاصرة في ساحة أول ماي.
المتظاهرون الذين كانوا من مختلف الأعمار ومن الجنسين، مروا عبر شارع حسيبة بن بوعلي في هدوء، ليجدوا حاجزا آخر للشرطة بالقرب من نفق ساحة موريتانيا، أعاق الحركة بالشارع ببعض العربات المصفحة، مع ترك منافذ ضيقة تسمح للمشاركين بالمرور عبرها، وبالمقابل أقيم حاجز بشري عند مدخل شارع عميروش، حال دون مرور المتظاهرين عبر هذا الشارع الذي يوجد به مقر الأمن المركزي، تفاديا لحدوث اي انزلاق، لينحرف المتظاهرون باتجاه شارع حماني "شاراس" سابقا، ثم عبر الشارع المقابل لمبنى المجلس الشعبي الوطني وفندق السفير، ثم إلى شارع "شي غيفارا" لتصل المسيرة إلى المحطة النهائية في ساحة الشهداء، ثم ينفض بعدها المتظاهرون في هدوء تام ودون أن تسجل أحداث تعكر صفو سلمية المسيرة.
السيسي ونتنياهو!
المشاركون في المسيرة رفعوا العديد من اللافتات المنددة بالعدوان الصهيوني الغاشم على الأبرياء العزل في قطاع غزة، نذكر من بينها "يا قسام يا حبيب دمر دمر تل أبيب"، و"خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سيعود"، وأخرى تشيد بقوة شكيمة المقاومة الفلسطينية وصمودها البطولي في وجه الهجمة الصهيونية من قبيل "غزة غزة رمز العزة"، و"بالروح بالدم نفديك يا غزة".
من جهته، الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، نال قسطا معتبرا من الشتائم، من قبيل "لا إله إلا الله، والسيسي عدو الله"، و"السيسي مجرم"، في إشارة إلى استمرار السلطات المصرية غلقها معبر رفح في وجه المساعدات الإنسانية الموجهة لسكان غزة المعزولين عن العالم منذ ما يقارب العشر سنوات.
هذه هي مطالب الجزائريين في مليونية دعم غزة
تبني شروط المقاومة.. الضغط على مصر وجسر جوي للقطاع
كانت مليونية غزة، التي انطلقت أمس من جميع مساجد العاصمة عقب صلاة الجمعة نحو ساحة أول ماي، محل اهتمام الصحافة العربية والعالمية، واعتبرها الكثيرون لسان حال الجزائريين في دعم المقاومة الفلسطينية، وإثباتا لمقولة الرئيس الراحل هواري بومدين "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"، وكانت أيضا ورقة ضغط على السلطات الرسمية لتعديل موقفها واللعب في الصفوف الأمامية بما يخدم القصية الفلسطينية ويرفع الغبن عن المحاصرين في غزة.
وقرر الداعون لهذه المليونية على غرار اللجنة الشعبية لدعم الفلسطينيين وحركة مجتمعالسلم ونقابات الأئمة وحركات كسر الحصار، توحيد مطالبهم في هذه المسيرة، حيث أكدمنسق حركات كسر الحصار عن غزة على مستوى المغرب العربي أحمد الإبراهيمي، أنمطالب الجزائريين في هذه المبادرة ركزت على ثلاث نقاط أساسية، أولها تعديل الموقفالرسمي الجزائري برفض المبادرة المصرية، وتأييد شروط المقاومة القاضية برفع الحصاروفتح المنابر ووقف العدوان الإسرائيلي، وثاني نقطة حسب المتحدث هي الضغط على مصرلفتح معبر رفح وتمكين المساعدات الدولية من دخول القطاع، عن طريق استغلال العلاقاتالدبلوماسية الممتازة بين البلدين خلال هذه الفترة، بالإضافة إلى فتح جسر جوي لغزة يتضمنمساعدات غذائية وأدوية ومعدات كهربائية.
وأضاف محدثنا أن هذه المسيرة كانت بمثابة لسان حال الجزائريين الداعم للقضيةالفلسطينية، وهي رسالة للمحاصرين في غزة "أنكم لستم وحدكم وستتلقون من الشعبالجزائري كافة أنواع الدعم".
مصالح الأمن "أغمضت عينها" على مسيرات وقمعت مسيرات أخرى
رفضت وزارة الداخلية الترخيص الرسمي للمسيرة المليونية لدعم غزة في العاصمة، حيثأجهضت مصالح الأمن التحام المسيرة، وفرقتها في العديد من النقاط، ما حال دون وصولآلاف المواطنين إلى ساحة أول ماي وساحة الشهداء والبريد المركزي، وكان أعوان الأمنمدججين بالعصي وكأنهم في مواجهة أعمال شغب، ومنعت الشرطة سير المسيرة في العديدمن الشوارع الرئيسية خاصة تلك المؤدية إلى أمن ولاية الجزائر، ما أدى إلى حدوثمصادمات نجم عنها اعتداء رجال الأمن على متظاهرين كان ضمنهم نساء وأطفال.
وأكبر دليل ميداني على عدم ترخيص السلطات للمسيرة هو التعاطي الأمني معها، حيثحاصرت قوات مكافحة الشغب المعتصمين في ساحة أول ماي ومنعتهم من التوغل والسيرفي شارع حسيبة بن بوعلي، ما دفع المعتصمين إلى التوغل في الشوارع الضيفة للافلاتمن القيود الأمنية، وجعل عشرات الآلاف من المواطنين يقررون التوجه إلى ساحة الشهداء،غير أن مصالح الأمن أغلقت الشارع الرئيسي المؤدي إلى أمن ولاية الجزائر وشرع أعوانالشرطة في ضرب المواطنين الذين كانوا في الصفوف الأولى بالعصي، ما جعل المتظاهرينيتفرقون، ما تسبب في حالة هلع وصدامات دفعت المواطنين إلى دخول العمارات والاحتماءبالمنازل.
مسيرة علي بن حاج تفشل في الوصول إلى ساحة أول ماي
شهد مسجد الوفاء بالعهد ببلدية القبة حصارا أمنيا مشددا، وشكل رجال الأمن جدارا حديديالمنع المصلين من بناء مسيرتهم والتوجه لساحة أول ماي، خاصة وأن قائد المسيرة في هذاالمسجد هو القيادي السابق في الجبهة الإسلامية للإنقاذ "علي بن حاج"، الذي حال دونحدوث صدامات عنيفة بين مصالح الأمن والمتظاهرين، حيث طالب المصلين بضرورة العودةأدراجهم والتفرق في جماعات وتجنب مواجهة رجال الأمن، غير أنه أصر على إلقاء كلمةأمام المسجد منددة بالمجازر الإسرائيلية، وطالب السلطات الرسمية بموقف مشرف.
كل مساجد العاصمة انتفضت
خرج المصلون في جميع مساجد العاصمة وقرروا المشي في مسيرات جماهيرية والتوجهلساحة أول ماي، للتعبير عن موقفهم الداعم للقضية الفلسطينية، غير أن مصالح الأمن كانتلهم بالمرصاد، وحالت دون وصولهم إلى مكان تجمع المسيرة، فمن الجهة الغربية للعاصمةمنع أعوان الشرطة القادمين من بلديات الشراڤة وعين البنيان والحمامات والرايس حميدووباينام، من الوصول لساحة الشهداء، ومن الجهة الشرقية، منع المواطنون في كل منبلديات برج البحري والرغاية وبرج الكيفان والحراش من دخول الجزائر الوسطى، حيثفرقتهم مصالح الأمن في نقاط متفرقة وواجهتهم بالعصي والعربات الحديدية، ما منع عشراتالآلاف من المواطنين من الوصول لساحة أول ماي.
أعوان الشرطة أيضا متعاطفون مع غزة
تفاجأت العائلات المشاركة في المسيرة بالتعامل الأمني العنيف أحيانا مع المسيرة، مادعاها تردد شعارات "مسيرة سلمية.. مسيرة سلمية" وتساءل آخرون "مدامت المسيرةسلمية لماذا هذا التضييق الإعلامي على المتظاهرين.. ".
وكان رجال الشرطة يؤكدون للمواطنين خاصة منهم النساء والأطفال الذين خرجوا بقوة، أنالمسيرة غير مرخصة، وعليهم الرجوع إلى بيوتهم لتفادي الوقوع ضحية لانحراف المسيرةعن مسارها والدخول في مواجهات، غير أن العائلات المشاركة في المسيرة قررت مواصلةالسير لغاية ساحة الشهداء، وعرفت المسيرة أمس مشاركة كبيرة للعائلات، غير أن ملامحرجال الشرطة جميعهم كانت واضحة بالتعاطف التام مع المتظاهرين، لأن الأمر يتعلقبفلسطين.
مقري يؤكد غياب الترخيص
وفي هذا الإطار، أكد رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري لـ"الشروق"، أن وزارةالداخلية رفضت منح رخصة لحزبه لتنظيم مسيرة اليوم، خاصة وأنه الحزب الوحيد الذي قدمرخصة للخروج إلى الشارع لدعم غزة، وهذا ما يعني أن وزارة الداخلية لم ترخص لمسيرةالأمس، غير أنها "أغمضت عينها" على خروج الناس للشارع، وأمرت مصالح الأمنبضرورة التعامل الحذر مع المسيرة وتجنب الاصطدام مع الحشود الجماهيرية الكبيرة، عنطريق عدم تمكين المتظاهرين من الالتحام والتجمع في مكان واحد، وهذا ما منع الكثير منالمواطنين من الوصول لساحة أول ماي، خاصة القادمين من بلديات الحمامات وعين البنيانوالرايس حميدو، حيث أغلقت مصالح الأمن الطريق الرئيسي المؤدي إلى باب الواد.
ولكي لا نقول إن مصالح الأمن أجهضت نجاح مسيرة المليون ونصف المليون لدعم غزة،فإن المسيرة كانت ستكون أكبر وأضخم وأنجح لو تركت ذات المصالح حرية السيرللمواطنين، غير أن خروج الجزائريين بهذه الأعداد الكبيرة التي عجزت شوارع الجزائرالوسطى عن استيعابها، يعتبر أكبر نجاح لمسيرة دعم غزة، التي اعتبرها الكثيرون أضعفالإيمان لنصرة المحاصرين في غزة
كواليس من المسيرة
- بدت قيادات حركة حمس الاكثر حشدا وتحكما في المسيرة، خاصة بحضور قيادييها في الصفوف الأولى، يتعلق الأمر بالدكتور عبد الرزاق مقري والحاج جعفر شلي والشيخ أبو جرة سلطاني.
- بدى أبو جرة سلطاني متذمرا من سوء التنظيم، وقال انه لو تم التنسيق المسبق والمحكم لتركت المسيرة تسير حيث تشاء.
- رغم تنوع الشعارات التي هتف بها المتظاهرون، إلا أن شعارين اثنين كانا الأكثر ترديدا وهما "فلسطين الشهداء"، و"يا الحكومة واش ديري بينا ادونا نحررو غزة".
- تحولت شقة إحدى العائلات بشارع حسيبة بن بوعلي إلى قاعدة لوجيستية حقيقية، فقد وفرت كميات كبيرة من المياه للمتظاهرين وفتحت بابها للمصورين.
- المنطق يفترض أن الصهاينة هم العدو الأول للجزائريين، لكن ظهر من خلال المسيرة أن الرئيس المصري هو العدو الأول والدليل السب والشتائم الكبيرة في حقه.
- في الوقت الذي كان الجميع يهم بالإنصراف بعد منع المسيرة، تفطن الإمام احمد ابراهيمي إلى حيلة ذكية، حيث أحضر عربة نفعية "هاربين" مزودة بمكبرات صوت ضخمة، كانت كفيلة لإعادة شحن بطاريات المتظاهرين التي قلت شحنتها نتيجة للحرارة والعطش الشديدين ومنع عناصر الأمن.
- مع التعب والعطش الشديد، لم يجد المتظاهرون من سبيل لإزالة التعب سوى "اكتساح" نافورة ساحة أول ماي.
- تجمع الكثير من الشباب حول المجاهدة جميلة بوحيرد التي صبت جام غضبها على السلطات التي منعت المسيرة، غير ان المجاهدة كعادتها رفضت التصريح لوسائل الاعلام. يكفينا حضورك يا جميلة.
- حضرت شعارات الحزب المحظور بقوة رغم منع علي بن حاج من الالتحاق بساحة اول ماي، لكن وجود بعض قيادات الفيس مثل عبد القادر بوخمخم.
- استطاع الإعلامي سليمان شنين ان يفلت من عناصر الأمن ليخترق الجدار الأمني رفقة عشرات الشباب الذين وصلوا إلى ساحة البريد المركزي، بينما ظل الآلاف في حر الشمس بساحة اول ماي.
- لوحظ الدكتور فاتح ربيعي رفقة عائلته في وسط المسيرة.
-لم يشذ القيادي الأفلاني الصادق بوقطاية عن القاعدة هو وقائد الكشافة نور الدين بن براهم، حيث وقفا إلى غاية نهاية المسيرة.
- شهدت المسيرة حضور عشرات الاعلاميين الذين سجلوا مواقف مشرفة تضامنا مع غزة.