هكذا علمتني الحياة :
04-04-2007, 05:49 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
من دروس الحياة : (توجيهات حضارية)
إنشاء الأستاذ : عبد الحميد رميته , من الجزائر
الشباب هو سن الحيوية والنشاط,أما سن الرجولة والشيخوخة فهو سن الحكمة التي نادرا ما تتوفر لشاب مهما جد واجتهد في طلب والعلم والحكمة إلا أن يكون نبيا أو رسولا.ومن هنا فإنه من الخطأ بمكان أن تجد الإنسان يقلق (وقد يحصل له اكتآب يطول أو يقصر) إذا بدأ يتقدم في العمر.إن بناء الإنسان الفكري والنفسي والعاطفي و...لا يكتمل إلا بمرور الشخص بالشباب والرجولة والشيخوخة:(فطرة الله التي فطر الناس عليها)...(لا تبديل لخلق الله)...(ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ).
لذا فالشرع والعقل والمنطق :كل ذلك يقتضي أن يكمل الشاب الشيخ ,وأن يكمل الشيخ الشاب بدون أن يمن أحدهما على الآخر ,لأن مصلحة الأسرة والشارع والمجتمع والدولة لن تكتمل إلا بهذا التعامل والتكامل.
ثم أقول بأنه مهما تعلم الإنسان من بطون الكتب والمجلات والجرائد ومن الإذاعة والتلفزيون والكمبيوتر والفيديو,ومن المحاضرات والدروس والندوات,ومن أفواه الذين يخالطهم بإرادة منه وبدون إرادة,فإن هناك مسائل كثيرة وكثيرة جدا ,مهمة ومهمة جدا ,نافعة ونافعة جدا لا يتعلمها إلا من الحياة.وقد تعلمك الحياة في حادثة معينة وفي لحظة واحدة ما لا يمكن أن تتعلمه من خلال مئات المحاضرات.والذي نتعلمه من الحياة دوما نافع سواء كان سارا أو محزنا,مضحكا أو مبكيا,إذن فالقراءة أو السماع ليست دوما مادية,بل القراءة الأنفع والأمتع والأشهى هي القراءة المعنوية لا من الكتب ولا من التلفزيون بل من صفحات الحياة الطويلة والعريضة.
ثم أقول بأن الذي يمكن أن يتعلم من الحياة ليس كل كبير يسمع ويبصر,وإنما هو صاحب البصيرة,وكم في الحياة من مبصر لا يفهم ولا يعقل لأنه أعمى البصيرة وكم فيها من أعمى أعطاه الله العلم والحكمة وآتاه البصيرة المتفتحة الواعية التي بها يرى مالا تراه عينه ولا أعين الكثير من الناس ويسمع ما لا تسمع أذنه ولا آذن الكثير من الناس.
وأخيرا أقول بأن الحياة إذا كانت قد علمتني أثناء دراستي الابتدائية والمتوسطة والثانوية والجامعية القليل,فإنها علمتني منذ بدأت التدريس (لمادة العلوم الفيزيائية بثانوية) عام 1978 م وحتى الآن الكثير الكثير الذي لا تتسع لكتابته –بدون أية مبالغة –مجلدات.
وفيما يلي البعض (وهو غيض من فيض) مما علمتني الحياة إياه من تجاربي ومن تجارب البعض من الناس:
1-لا تقلق إذا لم يكشف لك أحد أصدقائك عن سر من أسراره التي لا تعنيك,لأن هذه ليست هي العلامة التي تدل دلالة قطعية على أنه لا يحبك أو لا يثق فيك,لأن عدم تعرفك على ما لا يهمك من أسرار الغير مهما كانوا قريبين منك أحسن لك من تعرفك على ذلك :
*لأنك قد تسمع سرا وتجد صعوبة كبيرة في حفظه وكتمانه.
*لأن من تدخل فيما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه.
*لأن لكل شخص أسراره الخالصة به التي يمكن أن لا يحب كشفها حتى لأقرب الناس إليـه .هذه سنة من سنن الحياة ولا علاقة لذلك بالمحبة والثقة أو عدمها.
2-التخلق غير الخلق ,وأكثر المتخلقين إنما يلبسون هذا الثوب مصانعة للناس أو خوفا منهم أو طمعا فيهم,والخُلق الحقيقي هو العفوي الذي يصدر أول ما يصدر ابتغاء وجه الله.
3-لا يسمى الكريم كريما حتى تستوي عنده صدقة السر والعلانية,وحتى يصدق في أفعاله صدقه في أقواله,وحتى يعف في حالة الأمن كما يعف في حالة الخوف,وحتى يكون رأيه في نفسه أقل من رأي الناس فيه.
4-يجب أن يكون أدب النفس أساس أدب الجوارح وأن يكون أدب الجوارح تابعا له وأثرا من آثاره.لذا فإن الجهد الأكبر في التربية يجب أن يكون منصبا أولا على القلب ثم ثانيا على الجوارح فإذا سلم القلب سلمت الجوارح تلقائيا بإذن الله.ومن هنا أتعجب كثيرا ممن يسمع فلانا يتكلم الكلام البذيء والفاحش ويسب ويشتم ويكفر و...ثم يقول عنه بأن قلبه سليم.إن هذا مستحيل لأن اللسان يصدر عن القلب,"والمرء –كما جاء في الأثر -بأصغريه لسانه وقلبه" .
5- حسبك من السعادة في الدنيا ضمير نقي ونفس هادئة وقلب شريف,وأن تعمل بيدك فترى بعينك ثمرات أعمالك الطيبة (المعنوية قيل المادية),أما الدنيا ومتاعها فهي عرض زائل واعلم أن:(ما عندكم ينفذ وما عند الله باق) .
6- إذا ما انتقدك شخص فلا تبتئس :
*لأنه إما أن يكون صادقا فقد أرشدك إلى عيبك.
*وإما أن يكون كاذبا,فكن متأكدا أن الأكاذيب ليس في استطاعتها أن تبقى زمنا طويلا على وجه الأرض.ومع ذلك فالناقد لابد له من أدب يلتزم به,وإلا فالحرج واللوم والعتاب عليه لا على من انتقده.
7-السبب في شقاء الإنسان أنه دائما يزهد في سعادة يومه ويلهو عنها بما يتطلع إليه من سعادة غده,فإذا جاء غده اعتقد أن أمسه خير من يومه,فهو لا ينفك شقيا في حاضره وماضيه.إذا كان لا بد لك أن تفكر في مستقبلك وأن تخطط له , فافعل ذلك وأنت تعيش حاضرك وتسعد به وترتاح إليه.
8-أكثر الناس يعيشون في نفوس الناس أكثر مما يعيشون في نفوس أنفسهم,أي أنهم لا يتحركون ولا يسكنون ولا يأخذون ولا يدعون إلا لأن الناس هكذا يريدون.فأية قيمة- بالله عليكم – لحياة امرئ لا عمل له فيها إلا معالجة نفسه على الرضى مما لا يرضى به الناس أبدا ,لأن "رضا الناس غاية لا تدرك".وحتى لو كانت تدرك ما أتفهها إلى جانب رضا الله أولا ثم راحة الضمير ثانيا.
9-إن أبيت إلا أن تأخذ لنفسك حظـها من لذائد العيش فاعلم أنه ما من لذة يتمتع بها الإنسان في حياته إلا ويشوبها الكدر,أو يعقبها الألم,إلا لذة البر والإحسان اللذين تطلب يا مؤمن من ورائهما وجه الله والجنة,إن هذه اللذة هي وحدها الخالصة.
10-لا تقامر أحدا جدا ولا هزلا , فإن هزل القمار يجر إلى جده ,ولا تصاحبوا المقامرين بأي حال من الأحوال فإنهم لا يرضون عنكم حتى تتبعوا ملتهم فإن فعلتم خسرتم مالكم وشرفكم وعزتكم وكرامتكم من حيث لا تجدون من رحمة القلوب ورأفتها ما يعوض عليكم خسارتكم.
11-لم تكن شهوة الشراب (شرب الخمر) مركبة في الإنسان كبقية الشهوات فيعذر الشخص– ولو نسبيا –في الانقياد إليها كما يعذر في الانقياد إلى غيرها من الشهوات الغريزية مثل الزنا ومقدماته.إنه لا سلطان للخمر على الإنسان إلا بعد أن يتناول الكأس الأولى بعد أن يخـونه ويكذب عليه ويخدعه خلانه وعشراؤه.ومن هنا قال البعض من العلماء بأن عقوبة شارب الخمر في الآخرة أكبر من عقوبات جرائم أخرى كالزنا للسبب المذكور سابقا,أي لأن الجرائم الأخرى محببة للنفس أصلا ويبذل المرء جهدا أكبر من أجل الابتعاد عنها على خلاف الخمر.وإذا كان شرب الخمر مستقبحا من الرجل فهو أكثر استقباحا من المرأة والعياذ بالله.
12- قال بعض العلماء:"لا أستطيع أن أتصور الإنسان إنسانا حتى أراه محسنا لأني لا أعتمد فصلا صحيحا بين الإنسان والحيوان إلا الإحسان.ومنه فالإنسان الأناني الظالم ليس له من الإنسانية إلا الشكل".
13-عندما أقول لبعض الناس:" صدق من قال : ما أسعدك يا فاعل الخير.."يقول بعضهم تلميحا أو تصريحا:" هذا مثل أكل عليه الدهر وشرب" فأقول:" أبدا ...والله إنه كان كامل الصحة والمناسبة ومازال حيا يرزق وسيبقى بإذن الله مادامت الدنيا قائمة".
14-أسعد الناس في هذه الحياة من إذا أتـتـه النعمة تنكر لها ونظر إليها نظرة المستريب بها,وترقب في كل ساعة زوالها وفنائها,فإن بقيت في يده فذاك ,وإلا فقد أعد العدة لفراقها.لولا السرور في ساعة الولادة ما كان الحزن عند الموت,ولولا الوثوق بدوام الغنى ما كان الجزع من الفقر,ولولا الفرحة عند التلاق ما كانت قرحة الفراق,وصدق سيدنا عيسى عليه السلام حينما قال:"عجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم يطمئن قلبه إليها".
15-ليس من صواب الرأي أن يجعل الإنسان حال عيشه ميزانا يزن به أخلاقه,فمن اتسع عيشه اطمأن إليها وإن ضاق أساء الظن بها,فكم رأينا بين الفاضلين أشقياء وبين الضالين المضلين كثيرا من ذوي النعمة والثراء.يجب أن نعلم أن الدنيا - مادة – يعطيها الله لمن يحب كما أخبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم– ولمن لا يحب. أما الآخرة – سعادة وطمأنينة وراحة – فلا يعطيها الله إلا لمن يحب.
16- إن الإنصاف يقتضي منك أن تنقد صديقك فيما لا يعجبك وأن تحمد من عدوك ما أعجبك,وإن قال عنك الناس بأنك :" لست كيسا ولا فطنا",وبهذا وحده لن تكون مغاليا في حب صديق ولا في بغض عدو.وعلينا أن نتذكر قول ربنا :(لا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا , إعدلوا هو أقرب للتقوى) .
17- إن صديقك الذي يبتسم لك في كل الأحوال ليس ممن يوثق بصداقته لأنه لا يصلح أن يكون مرآتك.وهو إما جاهل أو متهور في ميوله وأهوائه,وإما منافق ومخادع,ولذلك صدق من قال:" استبقاك من عاتبك وزهد فيك من استهان بشأنك".ولذلك علينا أن نفرح بمن ينصحنا ويصارحنا بعيوبنا أكثر مما نفرح بمن يمدحنا حتى ولو جاءتنا النصيحة والصراحة بطريقة غير مؤدبة في بعض الأحيان أو صدرت من صاحبها بنية سيئة.
18-كذب اللسان من فضول كذب القلب,ونادرا ما تجد إنسانا سليم القلب لكنه يكذب.فلا تأمن إذن الكاذب على ود ولا تثق منه بعهد,واهرب من وجهه الهرب كله.وأخوف ما يجب أن تخاف منه من خلطائك :الرجل الكاذب.
19- التواضع هو الأدب,والكبر هو سوء الأدب.وكثيرا ما يحسب الناس المتذلل المتملق الدنيء متواضعا,ويسمون الرجل إذا ارتفع بنفسه عن الدنايا وعرف حقيقة منـزلته من المجتمع الإنساني متكبرا,وفي هذا من الخطأ ما فيه.
20- ينبغي للعاقل – وهذا واجب شرعا – أن لا يحكم بما يبدو له من استرحام الباكي المتظلم وتشكيه وكثرة تلونه وتقلبه وبكائه,وكما يقول المثل الذي مفاده أنه:" إذا جاءك متظلم يشكوا شخصا ويدعي أنه فقأ له عينا فلا تحكم له بدون أن تسمع من الآخر فقد يكون الآخر مفقوء العينين معا".ومهما بدت لك الحقيقة واضحة جلية من خلال السماع من طرف واحد فاعلم أنك يمكن أن تكون واهما.وليس شرطا أن يكون الطرف الأول دوما كاذبا فقد يكون مخطئا فقط.وليس شرطا أن يكون الطرف الأول دوما سيئ النية,فقد تكون نيته حسنة.إنك لن تعرف– في كل الأحوال– الحقيقة كاملة غير منقوصة إلا من خلال السماع من الطرفين.
21-عليك أن تكتم سر كل من وثق بك وأن تفي لجميع من ائتمنك.كما عليك أن لا تفشي لأحد من إخوانك ولا من غيرهم من سرك ما يمكنك طيه بوجه من الوجوه,وإن كان أقرب الناس إليك.ولا تأتمن أحدا على شيء من أمرك تشفق عليه أن ينتشر إلا عند الضرورة,والضرورة تقدر بقدرها.
22- قال القائل:" لأن أبيت نائما وأصبح نادما أحب إلي من أن أبيت قائما وأصبح معجبا".فليحذر المؤمن ذلك, وليعلم أن الله يرضى عن تواضع عبده– ولو مع قلة العبادة– الذي يدل على تمام عبوديته له ,ولا يرضى عن كثرة الطاعة إذا كانت متلبسة بالكبر الذي هو من صفات إبليس والعياذ بالله.
23- قال الشافعي رضي الله عنه :" وددت إذا ناظرت أحدا أن يظهر الله الحق على يده,ووددت أن الخلق تعلموا هذا العلم على أن لا ينسب إلي منه حرف واحد,ووددت أن كل علم يعلمه الناس أؤجر عليه ولا يحمدوني قط.ما ناظرت أحدا على الغلبة".
24- قيل :"من كثر نومه فلا يطمع في رقة قلبه ومن كثر أكله فلا يطمع في قيام الليل,ومن اختار صحبة ظالم فلا يطمع في استقامة الدين,ومن كانت الغيبة والكذب دأبه فلا يطمع أن يخرج من الدنيا مع الإيمان والعياذ بالله,ومن كثـر اختلاطه بالناس فلا يطمع في حلاوة العبادة".
25-قال عبد صالح"كن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول,إني ندمت على الكلام مرارا ولم أندم على الصمت مرة واحدة".والحديث هنا عام لأن الكلام:- قد يكون حراما في موضع كالغيبة والنميمة والسخرية والاستهزاء والكلام الفاحش ومدح الظلمة والفساق والفجار ...وقد يكون من أوجب الواجبات في موضع آخر كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و ...وقد يكون لغوا لا فائدة منه والابتعاد عنه أو التقليل منه أولى,وقد يكون بالحلال:هو جائز أو مستحب إلا أن يبالغ المسلم في ذلك.
يتبع :
من دروس الحياة : (توجيهات حضارية)
إنشاء الأستاذ : عبد الحميد رميته , من الجزائر
الشباب هو سن الحيوية والنشاط,أما سن الرجولة والشيخوخة فهو سن الحكمة التي نادرا ما تتوفر لشاب مهما جد واجتهد في طلب والعلم والحكمة إلا أن يكون نبيا أو رسولا.ومن هنا فإنه من الخطأ بمكان أن تجد الإنسان يقلق (وقد يحصل له اكتآب يطول أو يقصر) إذا بدأ يتقدم في العمر.إن بناء الإنسان الفكري والنفسي والعاطفي و...لا يكتمل إلا بمرور الشخص بالشباب والرجولة والشيخوخة:(فطرة الله التي فطر الناس عليها)...(لا تبديل لخلق الله)...(ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ).
لذا فالشرع والعقل والمنطق :كل ذلك يقتضي أن يكمل الشاب الشيخ ,وأن يكمل الشيخ الشاب بدون أن يمن أحدهما على الآخر ,لأن مصلحة الأسرة والشارع والمجتمع والدولة لن تكتمل إلا بهذا التعامل والتكامل.
ثم أقول بأنه مهما تعلم الإنسان من بطون الكتب والمجلات والجرائد ومن الإذاعة والتلفزيون والكمبيوتر والفيديو,ومن المحاضرات والدروس والندوات,ومن أفواه الذين يخالطهم بإرادة منه وبدون إرادة,فإن هناك مسائل كثيرة وكثيرة جدا ,مهمة ومهمة جدا ,نافعة ونافعة جدا لا يتعلمها إلا من الحياة.وقد تعلمك الحياة في حادثة معينة وفي لحظة واحدة ما لا يمكن أن تتعلمه من خلال مئات المحاضرات.والذي نتعلمه من الحياة دوما نافع سواء كان سارا أو محزنا,مضحكا أو مبكيا,إذن فالقراءة أو السماع ليست دوما مادية,بل القراءة الأنفع والأمتع والأشهى هي القراءة المعنوية لا من الكتب ولا من التلفزيون بل من صفحات الحياة الطويلة والعريضة.
ثم أقول بأن الذي يمكن أن يتعلم من الحياة ليس كل كبير يسمع ويبصر,وإنما هو صاحب البصيرة,وكم في الحياة من مبصر لا يفهم ولا يعقل لأنه أعمى البصيرة وكم فيها من أعمى أعطاه الله العلم والحكمة وآتاه البصيرة المتفتحة الواعية التي بها يرى مالا تراه عينه ولا أعين الكثير من الناس ويسمع ما لا تسمع أذنه ولا آذن الكثير من الناس.
وأخيرا أقول بأن الحياة إذا كانت قد علمتني أثناء دراستي الابتدائية والمتوسطة والثانوية والجامعية القليل,فإنها علمتني منذ بدأت التدريس (لمادة العلوم الفيزيائية بثانوية) عام 1978 م وحتى الآن الكثير الكثير الذي لا تتسع لكتابته –بدون أية مبالغة –مجلدات.
وفيما يلي البعض (وهو غيض من فيض) مما علمتني الحياة إياه من تجاربي ومن تجارب البعض من الناس:
1-لا تقلق إذا لم يكشف لك أحد أصدقائك عن سر من أسراره التي لا تعنيك,لأن هذه ليست هي العلامة التي تدل دلالة قطعية على أنه لا يحبك أو لا يثق فيك,لأن عدم تعرفك على ما لا يهمك من أسرار الغير مهما كانوا قريبين منك أحسن لك من تعرفك على ذلك :
*لأنك قد تسمع سرا وتجد صعوبة كبيرة في حفظه وكتمانه.
*لأن من تدخل فيما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه.
*لأن لكل شخص أسراره الخالصة به التي يمكن أن لا يحب كشفها حتى لأقرب الناس إليـه .هذه سنة من سنن الحياة ولا علاقة لذلك بالمحبة والثقة أو عدمها.
2-التخلق غير الخلق ,وأكثر المتخلقين إنما يلبسون هذا الثوب مصانعة للناس أو خوفا منهم أو طمعا فيهم,والخُلق الحقيقي هو العفوي الذي يصدر أول ما يصدر ابتغاء وجه الله.
3-لا يسمى الكريم كريما حتى تستوي عنده صدقة السر والعلانية,وحتى يصدق في أفعاله صدقه في أقواله,وحتى يعف في حالة الأمن كما يعف في حالة الخوف,وحتى يكون رأيه في نفسه أقل من رأي الناس فيه.
4-يجب أن يكون أدب النفس أساس أدب الجوارح وأن يكون أدب الجوارح تابعا له وأثرا من آثاره.لذا فإن الجهد الأكبر في التربية يجب أن يكون منصبا أولا على القلب ثم ثانيا على الجوارح فإذا سلم القلب سلمت الجوارح تلقائيا بإذن الله.ومن هنا أتعجب كثيرا ممن يسمع فلانا يتكلم الكلام البذيء والفاحش ويسب ويشتم ويكفر و...ثم يقول عنه بأن قلبه سليم.إن هذا مستحيل لأن اللسان يصدر عن القلب,"والمرء –كما جاء في الأثر -بأصغريه لسانه وقلبه" .
5- حسبك من السعادة في الدنيا ضمير نقي ونفس هادئة وقلب شريف,وأن تعمل بيدك فترى بعينك ثمرات أعمالك الطيبة (المعنوية قيل المادية),أما الدنيا ومتاعها فهي عرض زائل واعلم أن:(ما عندكم ينفذ وما عند الله باق) .
6- إذا ما انتقدك شخص فلا تبتئس :
*لأنه إما أن يكون صادقا فقد أرشدك إلى عيبك.
*وإما أن يكون كاذبا,فكن متأكدا أن الأكاذيب ليس في استطاعتها أن تبقى زمنا طويلا على وجه الأرض.ومع ذلك فالناقد لابد له من أدب يلتزم به,وإلا فالحرج واللوم والعتاب عليه لا على من انتقده.
7-السبب في شقاء الإنسان أنه دائما يزهد في سعادة يومه ويلهو عنها بما يتطلع إليه من سعادة غده,فإذا جاء غده اعتقد أن أمسه خير من يومه,فهو لا ينفك شقيا في حاضره وماضيه.إذا كان لا بد لك أن تفكر في مستقبلك وأن تخطط له , فافعل ذلك وأنت تعيش حاضرك وتسعد به وترتاح إليه.
8-أكثر الناس يعيشون في نفوس الناس أكثر مما يعيشون في نفوس أنفسهم,أي أنهم لا يتحركون ولا يسكنون ولا يأخذون ولا يدعون إلا لأن الناس هكذا يريدون.فأية قيمة- بالله عليكم – لحياة امرئ لا عمل له فيها إلا معالجة نفسه على الرضى مما لا يرضى به الناس أبدا ,لأن "رضا الناس غاية لا تدرك".وحتى لو كانت تدرك ما أتفهها إلى جانب رضا الله أولا ثم راحة الضمير ثانيا.
9-إن أبيت إلا أن تأخذ لنفسك حظـها من لذائد العيش فاعلم أنه ما من لذة يتمتع بها الإنسان في حياته إلا ويشوبها الكدر,أو يعقبها الألم,إلا لذة البر والإحسان اللذين تطلب يا مؤمن من ورائهما وجه الله والجنة,إن هذه اللذة هي وحدها الخالصة.
10-لا تقامر أحدا جدا ولا هزلا , فإن هزل القمار يجر إلى جده ,ولا تصاحبوا المقامرين بأي حال من الأحوال فإنهم لا يرضون عنكم حتى تتبعوا ملتهم فإن فعلتم خسرتم مالكم وشرفكم وعزتكم وكرامتكم من حيث لا تجدون من رحمة القلوب ورأفتها ما يعوض عليكم خسارتكم.
11-لم تكن شهوة الشراب (شرب الخمر) مركبة في الإنسان كبقية الشهوات فيعذر الشخص– ولو نسبيا –في الانقياد إليها كما يعذر في الانقياد إلى غيرها من الشهوات الغريزية مثل الزنا ومقدماته.إنه لا سلطان للخمر على الإنسان إلا بعد أن يتناول الكأس الأولى بعد أن يخـونه ويكذب عليه ويخدعه خلانه وعشراؤه.ومن هنا قال البعض من العلماء بأن عقوبة شارب الخمر في الآخرة أكبر من عقوبات جرائم أخرى كالزنا للسبب المذكور سابقا,أي لأن الجرائم الأخرى محببة للنفس أصلا ويبذل المرء جهدا أكبر من أجل الابتعاد عنها على خلاف الخمر.وإذا كان شرب الخمر مستقبحا من الرجل فهو أكثر استقباحا من المرأة والعياذ بالله.
12- قال بعض العلماء:"لا أستطيع أن أتصور الإنسان إنسانا حتى أراه محسنا لأني لا أعتمد فصلا صحيحا بين الإنسان والحيوان إلا الإحسان.ومنه فالإنسان الأناني الظالم ليس له من الإنسانية إلا الشكل".
13-عندما أقول لبعض الناس:" صدق من قال : ما أسعدك يا فاعل الخير.."يقول بعضهم تلميحا أو تصريحا:" هذا مثل أكل عليه الدهر وشرب" فأقول:" أبدا ...والله إنه كان كامل الصحة والمناسبة ومازال حيا يرزق وسيبقى بإذن الله مادامت الدنيا قائمة".
14-أسعد الناس في هذه الحياة من إذا أتـتـه النعمة تنكر لها ونظر إليها نظرة المستريب بها,وترقب في كل ساعة زوالها وفنائها,فإن بقيت في يده فذاك ,وإلا فقد أعد العدة لفراقها.لولا السرور في ساعة الولادة ما كان الحزن عند الموت,ولولا الوثوق بدوام الغنى ما كان الجزع من الفقر,ولولا الفرحة عند التلاق ما كانت قرحة الفراق,وصدق سيدنا عيسى عليه السلام حينما قال:"عجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم يطمئن قلبه إليها".
15-ليس من صواب الرأي أن يجعل الإنسان حال عيشه ميزانا يزن به أخلاقه,فمن اتسع عيشه اطمأن إليها وإن ضاق أساء الظن بها,فكم رأينا بين الفاضلين أشقياء وبين الضالين المضلين كثيرا من ذوي النعمة والثراء.يجب أن نعلم أن الدنيا - مادة – يعطيها الله لمن يحب كما أخبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم– ولمن لا يحب. أما الآخرة – سعادة وطمأنينة وراحة – فلا يعطيها الله إلا لمن يحب.
16- إن الإنصاف يقتضي منك أن تنقد صديقك فيما لا يعجبك وأن تحمد من عدوك ما أعجبك,وإن قال عنك الناس بأنك :" لست كيسا ولا فطنا",وبهذا وحده لن تكون مغاليا في حب صديق ولا في بغض عدو.وعلينا أن نتذكر قول ربنا :(لا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا , إعدلوا هو أقرب للتقوى) .
17- إن صديقك الذي يبتسم لك في كل الأحوال ليس ممن يوثق بصداقته لأنه لا يصلح أن يكون مرآتك.وهو إما جاهل أو متهور في ميوله وأهوائه,وإما منافق ومخادع,ولذلك صدق من قال:" استبقاك من عاتبك وزهد فيك من استهان بشأنك".ولذلك علينا أن نفرح بمن ينصحنا ويصارحنا بعيوبنا أكثر مما نفرح بمن يمدحنا حتى ولو جاءتنا النصيحة والصراحة بطريقة غير مؤدبة في بعض الأحيان أو صدرت من صاحبها بنية سيئة.
18-كذب اللسان من فضول كذب القلب,ونادرا ما تجد إنسانا سليم القلب لكنه يكذب.فلا تأمن إذن الكاذب على ود ولا تثق منه بعهد,واهرب من وجهه الهرب كله.وأخوف ما يجب أن تخاف منه من خلطائك :الرجل الكاذب.
19- التواضع هو الأدب,والكبر هو سوء الأدب.وكثيرا ما يحسب الناس المتذلل المتملق الدنيء متواضعا,ويسمون الرجل إذا ارتفع بنفسه عن الدنايا وعرف حقيقة منـزلته من المجتمع الإنساني متكبرا,وفي هذا من الخطأ ما فيه.
20- ينبغي للعاقل – وهذا واجب شرعا – أن لا يحكم بما يبدو له من استرحام الباكي المتظلم وتشكيه وكثرة تلونه وتقلبه وبكائه,وكما يقول المثل الذي مفاده أنه:" إذا جاءك متظلم يشكوا شخصا ويدعي أنه فقأ له عينا فلا تحكم له بدون أن تسمع من الآخر فقد يكون الآخر مفقوء العينين معا".ومهما بدت لك الحقيقة واضحة جلية من خلال السماع من طرف واحد فاعلم أنك يمكن أن تكون واهما.وليس شرطا أن يكون الطرف الأول دوما كاذبا فقد يكون مخطئا فقط.وليس شرطا أن يكون الطرف الأول دوما سيئ النية,فقد تكون نيته حسنة.إنك لن تعرف– في كل الأحوال– الحقيقة كاملة غير منقوصة إلا من خلال السماع من الطرفين.
21-عليك أن تكتم سر كل من وثق بك وأن تفي لجميع من ائتمنك.كما عليك أن لا تفشي لأحد من إخوانك ولا من غيرهم من سرك ما يمكنك طيه بوجه من الوجوه,وإن كان أقرب الناس إليك.ولا تأتمن أحدا على شيء من أمرك تشفق عليه أن ينتشر إلا عند الضرورة,والضرورة تقدر بقدرها.
22- قال القائل:" لأن أبيت نائما وأصبح نادما أحب إلي من أن أبيت قائما وأصبح معجبا".فليحذر المؤمن ذلك, وليعلم أن الله يرضى عن تواضع عبده– ولو مع قلة العبادة– الذي يدل على تمام عبوديته له ,ولا يرضى عن كثرة الطاعة إذا كانت متلبسة بالكبر الذي هو من صفات إبليس والعياذ بالله.
23- قال الشافعي رضي الله عنه :" وددت إذا ناظرت أحدا أن يظهر الله الحق على يده,ووددت أن الخلق تعلموا هذا العلم على أن لا ينسب إلي منه حرف واحد,ووددت أن كل علم يعلمه الناس أؤجر عليه ولا يحمدوني قط.ما ناظرت أحدا على الغلبة".
24- قيل :"من كثر نومه فلا يطمع في رقة قلبه ومن كثر أكله فلا يطمع في قيام الليل,ومن اختار صحبة ظالم فلا يطمع في استقامة الدين,ومن كانت الغيبة والكذب دأبه فلا يطمع أن يخرج من الدنيا مع الإيمان والعياذ بالله,ومن كثـر اختلاطه بالناس فلا يطمع في حلاوة العبادة".
25-قال عبد صالح"كن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول,إني ندمت على الكلام مرارا ولم أندم على الصمت مرة واحدة".والحديث هنا عام لأن الكلام:- قد يكون حراما في موضع كالغيبة والنميمة والسخرية والاستهزاء والكلام الفاحش ومدح الظلمة والفساق والفجار ...وقد يكون من أوجب الواجبات في موضع آخر كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و ...وقد يكون لغوا لا فائدة منه والابتعاد عنه أو التقليل منه أولى,وقد يكون بالحلال:هو جائز أو مستحب إلا أن يبالغ المسلم في ذلك.
يتبع :
من مواضيعي
0 الطمع في خدمة تقدمونها إلي ...
0 عن الشيعة الإمامية الإثناعشرية بصيغة Pdf :
0 مواضيعي الطويلة ( المنشورة في المنتدى ) عن المرأة بصيغة Pdf :
0 أحكام من فقه ( مالك بن أنس ) الإمام :
0 ظواهر غريبة جدا عند طلب الرقية الشرعية
0 ماذا لو كنتَ مكاني وفُـرض عليك أن تسمحَ بالغشِّ ؟!
0 عن الشيعة الإمامية الإثناعشرية بصيغة Pdf :
0 مواضيعي الطويلة ( المنشورة في المنتدى ) عن المرأة بصيغة Pdf :
0 أحكام من فقه ( مالك بن أنس ) الإمام :
0 ظواهر غريبة جدا عند طلب الرقية الشرعية
0 ماذا لو كنتَ مكاني وفُـرض عليك أن تسمحَ بالغشِّ ؟!