تاريخ الناير في الجزائر
11-01-2015, 10:33 PM
تاريخ الناير في الجزائر

تاريخ الناير في الجزائر والمغرب


تاريخ وأصل الناير في الجزائر
Histoire et origine de Yennayer en Algérie
***
وفي أواخر الحكم الإسلامي في الأندلس مال الزجل إلى المدائح الدينية والتغنّي بالمناسبات كالمولد النبوي وعيد يناير أو الينّير. أما الأزجال التي طرقت باب الينّير فقد ظهرت في بلاد الأندلس منذ عصر الإمام أبي بكر بن قزمان، ومن ذلك قوله في هذه المناسبة (ابن قزمان: الديوان، زجل (72)، ص 464):
الحلونْ يُعجنْ *** والغزلانْ تباعْ
يفرحْ للينّيَرْ *** من ماع قطاعْ
لقد ذا النصباتْ *** اشكالا مِلاحْ
وفيه بالله *** للعين انشراحْ
ومن لسْ ماع *** أولاد استراحْ
إلا من يدري *** فالحالْ اتساعْ
ولابن قزمان زجل آخر يتحدث في خرجته عن الينّير (ابن قزمان: الديوان، زجل (40)، ص 284):
إنْ جاني يَنيْر وجاني الاختيارْ *** لَسْ بُدّ انْ نلبسْ ثيابي الكبارْ
ونعمل دعوَى ونَنذرْ كُلّ جارْ *** وحسبكْ ينّيْر ونعمل منُّ عيدْ
الينّيَرْ كلمة لاتينية بمعنى الشهر الأول الشمسي (Ianuarius) أي يناير أو جانفيه. بدأ الأندلسيون يحتفلون بالينّير منذ العهد الأموي بالأندلس، وفيه تُصنع مختلف أطباق الحلوى ويتبادل الناس الهدايا ويُعطل العمل.
وكانوا يحتفلون بهذه المناسبة في اليوم السابع من ولادة المسيح واليوم الموالي له وهو الأول من شهر يناير، غير أنهم سمّوه “النيروز” وهي كلمة فارسية تعني رأس السنة الشمسية عند الفرس المصادف ليوم 21 مارس. أما في برّ العدوة فيسمّى هذا اليوم بـ”الينّير” (ابن سعيد: المغرب في حلى المغرب، 1/294). وظل الأندلسيون والمغاربة يحتفلون بهذه المناسبة رغم تحذير فقهاء المالكية وتحريمهم مشاركة المسلمين المسيحيين أفراحهم.
وبعد سقوط الأندلس اقتصر الينّير على المناطق الشمالية للمغرب الأقصى والغرب الجزائري، الذي أصبح يسمّى النّايرْ، وبقي مجهولا في بقية مناطق الجزائر وخاصة سكان الجبال الذين عرفوه لأول مرة في السبعينيات من القرن العشرين. كما اشتهر الناس في هذا اليوم بأكلة “الشرشم” المتكون من البقول والقمح. وكانوا يحتفلون بهذه المناسبة حسب التقويم اليوليوسي (julien).
ولما دخلت فرنسا الجزائر وطبّقت التقويم الغريغوري (grégorien) لأول مرة، لاحظ أهل الغرب الجزائري أن أول يناير الجديد قد تقدم بـ 12 يوما وكان ذلك في يوم 19 ديسمبر من التقويم القديم، لذا لم يحتفلوا حسب التقويم الجديد الذي حذف عشرة أيام سنة 1582 م، بل انتظروا حتى يوم 12 يناير وكانت الفرصة مواتية لمخالفة الاستعمار والتبرك بيوم 12 وهو مولد الرسول الأعظم. أما أهل المغرب الأقصى فهم يحتفلون يوم 13 من يناير، لأنه في الوقت الذي بدأوا يطبّقون فيه التقويم الجديد كان التقويم القديم قد تأخر بـ 13 يوما وذلك ابتداء من شهر مارس 1900 م.
لقد ارتبط النّاير بالمجتمع الريفي، غير أنه ليس بداية السنة الفلاحية التي تبدأ عند اعتدال فصل الخريف كما هو معروف في النيروز عند الأقباط والمهرجان عند الفرس، وإنما هو الاحتفال برأس السنة الميلادية كما هو الحال عند المسيحيين، غير أن المغاربة جعلوا منه احتفالا بمحصول الخريف من مكسرات وتمر وفواكه مجففة، وذلك حتى يخالفوا النصارى. والنّاير لا علاقة له بالوثنية مطلقا كما يعتقد بعض المتعصبين الذين يتخذون من التراث اللامادي وسيلة لمحاربة العروبة والإسلام. وقد تعوّد الأندلسيون أن يحتفلوا بأعياد النصارى على طريقتهم، ومن هذه الأعياد يوم العنصرة أو المهرجان في 24 يونيو، وهو عيد جني ثمار الصيف.
***
الدكتور محمد عباسة: الموشحات والأزجال الأندلسية وأثرها في شعر التروبادور، مستغانم 2012، ص 153 وما بعدها.
***