عيــــــــــــــون من ؟ عيـــــــون الداعية ...
17-10-2008, 10:05 AM
بسم الله الرحمن الرحيم ..
كنت قد كتبت هاته الخاطرة والتي أتت على شكل اقصوصة يتخللها بعض بوح الخواطر في إحدى المنتديات ..فأردت أن أشارككم بها ..علها تنال بعض النقد والمناقشة ..وهي على أجزاء ..وهذا هو الجزء الأول منهــــــــــا ...




الـحـب
كعـادته كل صباح حين يلج الفكر هذا المنتدى الطيب ...توجه لركن الأدب ..وصعد بروح فكره مرتكزا على قلمه الحزين إلى مواضيعه ...وحين أراد الصعود ...برقت عيون جميلة كانت من أجمل ما رايت ودوَى صوت رعدهـــا في عيوني ...فسرى الظلام من شدة نورهــــا ..وأغمضت العين لأترك للأذن نصيبهــا من الإحساس ....حينها سمعت..كلمات جميلة بصوت هادئ وعذب وإذا هي تقول :ولكنك يا أختي لست رخيصة، انت مسلمة والمسلمة غالية!"

إلتفت القلب قبل العين إلى إثر ذالك الصوت الجميل ....فرأى داعية منقبة ومعهـــا شابة كاسية عارية ...ومن شدة سواد عيون الداعية وجمالهمــــــا ....اللتان غطتا ببريقهمـــــــا تلك الشابة العارية ....تدعوان القلب إلى مصدر الجمال الحقيقي الذي لايكون بإبراز المفاتن والمحاسن ..بقدر ما يكون بجمال الستر والحيـــــــــاء ...

وبعد إلتقاء نظرات القلب إلتقت نظرات العيون ...فابتسم وصعد ....متما طريقه إلى حيث يكون ...... حين إلتقت عيونهمــــــا ..لأول مرة أحس بتيهٍ...ولم يعرف إلى أين هو يمضي ...! وكأنه لم يصعد المصعد طيلة مدة عمله التي فاقت عشر سنين .... وأحس نفسه غريبـــــا في عمله ..كأنه لم يألفه ....وانتظر بفارغ صبره إنتهاء الإجتماع ..كي يعود لمركز إلتقاء العيون عله يظفـــــــر بنظرة أخرى ....وحين كان في الإجتماع أخذ يتمنى أن تطيل الشابة العارية مجادلتهـــــا ...كي تطيل الداعية الحجة والبرهان والموعظة ......!!!

وانتهى الإجتماع الذي دام عشر دقائق في زمن المجتمعين ...ودام عشر ساعات في زمن الفتى ...وأسرع نحو المدخل ...والتفت يمينا ويســــــارا....فلم ير إلا طيفهــــــا ....سواد يبرق منه نور ساطع كأنه البدر .....

حينها تمنى لوكانت الأيام كلهــــــا ليالي ...وتمنى لوكان البدر طيلة الشهر ...وأن يتوقف الحساب القمري ....وأن يلغي الناس في أذهانهم وجود الهلال .... وقف ساعة يتأمل موقف الصباح الجميل ....وتمنى لو لم يبرح مكانه ...فانتابه شعور بالندم ..وشعور غريب ..لم يفهم مكنونه ...فهو تارة يحس بالسعادة ..وتارة بالألم ...وبحث في قواميس الدنيا عن إسم هذا الشعور ...فلم يعثر على إسمه ..حينها تأكد أنه الوحيد في الدنيا الذي شعر بهذا الشعور ...فمضى إلى حيث لا يدري ....!

حين إنتهى وقت دوامه ....لم يجد لديه الرغبة في العودة لبيته ....الذي أحسه بعيدا بعد العثور على عيون الداعية واستحالة وجودهمـــــا....فراح يمشي بين أزقة المدينة التجارية ..يتطلع في عيون الناس عله يعثر على ذاك البريق الذي أسره عند الصباح ...وأخذ يمشي ويمشي ..حتى صارت المدينة خلفه .....ولم ينتبه إلا حين إنتهت العيون ...واشتد الألم في قدميه .....فقطع الطريق بهدوء تحت تنبيهات سيارات المارين إلى شجرة وارفة الظل مورقة ...وكأنه في حياته لم ير غيرهـــــا....حين وصلهــا طلق الدنيــــا..وألقى بأوراقه جانبـــــا..وتنهد تنهيدة حركت أغصان الشجرة ...وكأن إعصارا كان داخله ..

لأول مرة في حيــــــاته أحس الفتى بالتربة ...وأحس النسيم يسري في كيانه ورأى إنعكاس نور القمر على أوراق الشجرة فوقه رغم أنه في وضح النهــــار ... كان يرى دائمـــــا السماء بعينيه ..ويرى النجوم تتلألأ ...ولكنه اليوم يريد أن يراها بقلبه كان يرى الأشياء الجميلة ببصره ..ولكنه الآن يرى كل شئ ببصيرته ..... كان دائما يحس بنسيم المساء يلامس بشرته، ولكنه اليوم أحس بأن هذا النسيم يمكن أن يحمله ! حينها تمنى لو يحمله هذا النسيم إلى تلك العيون .التي أسرته .. وراح يستعرض صور أشخاص مروا في حياته، وقال في سكون نفسه: " نعم أعرف هؤلاء... أعرف كل هؤلاء .......ولكن لم أعرف في حياتي مثل هاته ...

نعم أعرف هؤلاء. لم اكن أقصد أن أسبب لهم الأذى والضرر. لا فلست بالقاسي الغليظ !
نعم أعرف هؤلاء. لم اكن أقصد أن أسبب لهم الخوف والرعب. لا‘ فلست بالشرير الآثم الخبيث! وأخذ يلوم نفسه ويوبخهـــــــــــــا ....إلى أن إنتبه على صوت الليل يرمي على أكتافه وشــاحه الأسود ..ونظر فوقه فرأى البدر ...حينها تذكر الداعيــــــــة ..بسواد نقابها وبريق عينــــاها ...

ولأول مرة في حياته نظر الى الكون بعين الحب والعطاء والرأفة والحنان ! نعم ..

كانت عيون الداعية هي السبب ........وانتابه الألم المصحوب بالسعادة مجددا ....فوضع وجهه بين كفيه ....

وقال لنفسه : قد أتعبني هذا الشعور ....ثم رد على نفسه قائلا : الحياة أكثر جمالاً وروعة في عيون المتعبين .... لا طعم للحياة بدون مشاكل ... ولاقيمة لها بدون متاعب ...تماما كما أن النهار لا طعم له بدون ليل ...والفرح بدون ألم ..والنجاح بدون التضحية ...والعلا بدون سهر ..... فجأة... رأى أمامه زمانه كله وكأنه شعاع من نور تولد من بهاء مشرق لماض بعيد، ثم انتهى... في عيون الداعية ....فأغمض عيونه ...لا لنوم يريده ....ولكن لتبقى عيون الداعية في عيونه .....قائلا

سأحفظــــــ عيناكِ في سجن عيوني ....وظل يفكر ويدبر ...وينظر ويعبر ......ثم يفتح عينيه ويبصر ... وقال لنفسه ..هذا أول لقاء لنــــــــــــا ..إلتقت العيون.... وتكلمت ..دون أن تهمس الشفــــاه ...نظرتــ إلي ...ونظرت إليهـــــــــــــــا ...صمتت الشــــفاه وتكلم الصمت ... ثم أخذ يلوم في صمته كثيـــــرا ....ثم ما لبث أن قال ...

ولكن عيوني همست لهــــــا ...!! عيونه رحلت مع عيونهـــــــا ..سافرت معها .....ولكنه يجهل العنوان ولكن عيونها سافرت إلى قلبه .......إلى أعماقه ....وانتابه ذالك الشعور الغريب مجددا ....شعور بألم وسعادة .......... حينهـــــا أغمض عيونه مجددا ..وأستلقى على ظهره ....أغمض عيناه كي لا تهرب من عيونه ..وقال مجددا ........

سأحفظــــــ عيناكِ أيتهـــــا الداعية في سجن عيوني

لا... لا لنوم اُغمضا، ولا لوقع شجــــــــــــــون
لكن لأحــــــــــــــــــفظ عيناك ِ في سجن عيوني


أيها الحلم الجميل، رويدا.. أخــــاف إن فـُـتحا
تلاشى منك َ طيفٌ طاب في ليل ســـــــــــكوني

طال انتظاري لعينان تبوحان بأســـرار الهوى
طال انتظاري حتى كـــاد مني الشوق يضنيني

فعن سر الــــــــــهوى، هوانا، أيا أختاه... هيا
بوُحي بهـــــــــــمس به، وعنه، هيا... كلميني

عن المجـــــــــــــــد والسؤدد والعنفوان تكلمي
عن عزة الإســــــــــــــــــلام، عن حمى الدين

عن المجد التليد صنيع أبطـــــــــــــــال الجهاد
عن ســــــــيوف الله، عن غـــــــــــــر ميامين

عن الحبيب المصطـــــــــــــفى الذي أهدى لنا
وعد الإلـــــــــــــــــــــــه الحق بالنصر المبين

رباه... هب رضىً منك لمن أساء لنفســــــــه
لا أبتغي إلا قبول منك... يكــــــــــــــــــــــفيني

إني فــــــــــــررت إليك فــــــــــــــــــــــخذ بيدي
ومن ســـــــــــواك بالوصل يرشدني، ويحييني

كم كنت أمــــــــــــــشي تائـــــــــــــها بغير هدى
وكل مـــــــــــــــا في الكون يدعوني... لتهديني

كم غضضـــــــــــــت الطــرف عنه حتى لاح لي
بوارق من عيون داعــــــــــــية راحت تناجيني

هل طيفـــــــــــــها في الروح أذكى لديّ محبة؟
هل حبــــــــــــــها في القلب حلّ قبل تكوــــيني؟

صار الفتى شاعرا وهو الذي لم يقل الشعر يومــــــــا ....ولكن كما قيل الشعر شعور ..وهل يوجد إنسان لا شعور له ........كل واحد منا له شعور جميل ..ولكن ليس كل الناس يتقن إخراج هذا الشعور في رونق وجمــــــــــال ..... وظل في أحلامه الجميلة ...وقال لنفسه قد تعشق الروح قبل العين أحيانــــــــا ....ثم إنتبه على صوت حارس الحديقة ...فحمل أوراقه وشعر من أول خطوة خطاها بالتعب .......حين رأى المدينة أمامه صغيرة .......فصعد على متن تلك العيون ...مسافرا بخيـــــاله إليها ...علهـــا تنسيه بعد الطريق ....


جعل الفتى المسكين يردد هذا البيت المعروف ..

ما كنت أؤمن في العيون وسحرها حتى دهتني في الهوى عيناك

مع أول خطواته حين غادر الشجرة المورقة تجاه المدينة التي إرتأت له من بُعدهـا كأنها كلمات في إطار جريدة .....كأول خُطوات الصبي حين يبدأ المشي ...وأحس بثقل رجليه ..وهرباً من هذا الشعور الأليم ...سعى يتذكر عيون الداعية من جديد ....فيخلط الشوق والسعادة والألم معا...ليخفف هذا من حدة ألمه ...

ثم أخذ يلوم في نفسه ....لمَ كان هذا الشئ معي اليوم ..؟ ياترى هل ظلمت الداعية .....حين تذكرت عيونها يومي هذا كلَه ..!! ثم ما لبث أن برر هذا بقوله ...ماذنبي أنـــــــــا .....!! إن خطفت قلبي بسحر عينيهـــا ....!

ياتراها تعلم بحالي ... فتلوم هي نفسها لم تملك هاته العيون ...وهنا أخذ يضحك على نفسه ......لم تملك ؟؟ ومن هي حتى تملك ..؟؟ وأخذ الفتى المسكين يتذكر أول سهم من عيون الداعية التي إصطادت قلبه المسكين ...وهو الذي كان يسخر دوما من صديقه حين قال له مرةً يحكي له عن زوجته وكيف تزوجهـــــا ...

لقد وقعت في حبها من أول نظرة ... فسخر من نفسه ثم جعل يردد مخاطبا الداعية ...
مُدي يديكــ إلى العليل الباكي ....فؤاد سقاه الحب كأس هــواك

ثم قال وما شأني بيديهــا وأنا الذي وقعت من نظرة عينيهـــــا ...ثم جعل يعدل البيت ويقول .. مُدي ......مُدي ماذا ...ولم يعرف كيف يدرج العيون وسط هذا البيت ....ثم أحس بعجزه ..

وقال : مالي وللشعر ...وكيف لي أن أعرف أوزانه وبحوره ...ومعانيه ثم قال بعد أن شاهد الهدوء يعم المدينة من بعيد والناس بدأت تغفو.....
تغفو عيون الناس والقلب مورق ....يحكي لعينيــــــه بريق عيناك

ثم ما لبث أن ردد البيت مع البيت الأول

مدي يديكــ إلى العليل البــــــــاكي ....فؤاد سقاه الحب كأس هــواك
تغفو عيون الناس والقلب مورق ....يحكي لعينيه بريق عيـــــــناك

ثم أخذ يصيــــح لوحده ....وقال لنفسه قد أجدت أيهـــــا الشاعر الفتى ...فمرت سيارة بقربه مٌطل صاحبهـــا على الفتى ...وقال له بالإشارة .؟؟ أمجنون أنت ........!! ثم غادر ومضى .....

سبحان الله ....صار هذا الفتى شاعرا بين فينة وأخرى ....أكل هذا من سحر العيون الجميلة ...ولكن الناس كلهــــــا تملك هاته العيون! ..

فهل عينـــا الداعية من تلك العيون ..لالالالالالا ....وألف لا .. ثم أخذ يقول في نفسه ..

خلق الله العيون ليطل بها الإنســـــــان على هذا الكون ..وهي مرآة تعكس ما يدور في النفس من جمال وبهاء .....ثم وجد نفسه قد وجد منفذا ليحب هاته الفتــــــــــــاة الداعية ...! واصفا إياهـــا بذات الخلق والحياء ....

كيف لا وهي الداعيــــــــــــة ..وأخذت تكبر في قلبه وتكبر ....كلما قام بتحليل إحساسه ...! ثم التفت إلى حيث كان تحت تلك الشجرة ...فرآهــــــا تصغر في عينه ...ففرح حين أتم هذا الشوط من المشي ....وأخذ يستمتع بما قال من الشعر ...ويستمتع بخطاه التي يسمع صداها وكأنه الوحيـــــــد الذي يمشي في هاته الدنيــــــــــا ....

ثم تنهد بحسرة وقال للداعيـــــة ..

فلترحمي آهاته لما جرى....في عتمة الأشواق كي يلقـــــاك ِ

وأخذ يلصق ما قال ...ويتذكر البيتين الأولين ويقرنهمـا مع البيت الأخير الذي قاله ..

مدي يديكــ إلى العليل البــــــــاكي ....فؤاد سقاه الحب كأس هــــــواك
تغفو عيون الناس والقلب مورق ....يحكي لعينيه بريق عيــــــــــــناك
فلترحمي آهاته لما جـــــــــــرى....في عتمة الأشــواق كي يلقــــــاك

ِ ثم قال لنفسه ...ألأبيات جميلة ولكنهــــا غير مترابطة .....ثم أردف على نفسه قائلا ..وما شأني بترابطهــا ....أنا أقول هذا لنفسي وليس للناس ...فمن يسخر مني ....؟ ثم تذكر ان له صديقـــــــــا أديبا وشاعرا ....إسمه هاني.....وقال سأكتب الأبيات ...وأقول له هاته ابيات كتبهــــا شاب ويريد تقييمهــــا .....وسأكذب عليه ...لأنه يعرف أن الفرق بيني وبين الشِعر ..كالفرق بين الشَعر والشِعر ......!!

فكرة جميلة .....ثم أحس بنفسه تضيق .....حين إقترب من دخول المدينة...وقال ما أوسع الدنيا في عيون الداعيــــــــــــــة ...وما اضيقها لولا فسحة الأمل ..!!

ثم ما لبث أن سمع بعض الضوضاء ...ووجد نفسه قد دخل أول شارع في المدينة.....ثم قال لنفسه ..الوقت متأخر ...يبدو أن الناس لم تنم .......أترى بعضهــــــا جرى له ما جرى لي ..وأخذ ينظر للناس بعيون الداعيــــــــــة لا بعيونه ....

ثم قال :
كان الهوى سرا يجول بخاطره حتى رآكـ فتــــــاه في محياكـ ِ

ثم توقف عند أول عمود للإنارة ..وأخرج قلمــا وكتب ما قاله في ورقة بيضــــاء ..

مدي يديكــ إلى العليل البــــــــاكي ....فؤاد سقاه الحب كأس هــــــواكِ
تغفو عيون الناس والقلب مورق ....يحكي لعينيه بريق عيــــــــــــناكِ
فلترحمي آهاته لما جـــــــــــرى....في عتمة الأشــواق كي يلقــــــاك ِ
كان الهوى ســـرا يجول بخاطره.... حتى رآكـ فتـــــــــــــــاه في محياكـ ِ

خبأ الورقة في جيبه ....ومد يديه للطريق العام ....ليوقف سيارة أجرة ....عله يصل للبيت مبكرا ...كي يستلقي على أنغام نظرات الداعيـــــــــــــــــــــــــة ...