دَمْعَةُ الْمَطَرِ
30-11-2008, 05:27 PM
دَمْعَةُ الْمَطَرِ
هذا هو تأويل أنفاس المدينة المثقلة بأنامل الريح.. المتعبة بالمطر.. وهذا هو تأويل الحجارة القابعة الآن بيني وبينك.. وهذا تأويل ما تيسر من أنفاسي قبل ارتطامي بك هذا الصباح... وهذا أنا ابحث عنك فيك.. وفيَّ.. أبحث عنك وأنت الآن معي..
كم هو شاهق هذا الصباح، وكم هي مثخنة بنا هذه المدينة.. وبخطانا المبعثرة هنا وهناك.. وكم هو مبعثر هذا الليل في صباحاتنا المشرِعة أنفاسها على صفحات البحر لتجترحَ الأشياء.. وتقترف الطفولة المهربة...
مازلت أبحث فيكِ عن مفنى لوطني، وعن وطن لي بدلا عن منفاي/الوطن، مازلت أقايضك بتميمة علَّقَتْهَاْ أمي ذات طفولة على ذراعي؛ خشية من نساء المدينة، ومآذنها الشاهقة... ولما أزل أقايضكِ بنفطِ السماء وذهبِ المدينة، بجواري الخليفة، وحانات الرشيد، بسيف مسرور، وحشرجات القيان، والمعازف، ولما تزل قصور الخليفة ومدائنه وجنده راكعون بين يديكِ...
ماذا كان سيضيركِ لو جازَفْتِ، ومارسِتِنِي حنيناً قادما من معطف قايضته الريح بالمطر، وقايضه المطر بالشتاء، وقايضه الشتاء باللوز، وقايضه اللوز بكستناء المدينة...
ماذا كان سيضيرك لو احتضنت غريبا أنهكته المهاجر، وأبكته المنافي، وأوجعه الوطن وذبحه الأصدقاء من الوريد إلى الوريد؟
هل كان سينقصك مثقال دمعة؟
هل كان سينقص منك مثقال طعنة مني؟
ماذا كان سيضيركِ لو انسكَبَ مطرُكِ بينَ ذراعيَّ كما ينسكبُ الفجرُ في عيونِ الليل، وكما ينسكب المطر في شفاه العطش، وكما ينسكب الوطن بين ذراعي منفى؟؟
هل كان سينقص من قاموسكِ شيء ما؟
ماذا لو انسكبتِ بين شفاهي فضة، ولوزا، وجنونا، وعطرا، ونبيذا، وسجائر مهربة؟
هل كان سينقص من كأسكِ قطرة نبيذ مثخن بي؟
ماذا لو كنتُ فنجان روحكِ هذا الصباح؟
ماذا لو كنتُ قابعا الآن بين ذراعيكِ؟
ماذا لو كنتُ الآن أتسكعُ بين شفاهكِ كطفلٍ أضاعتْهُ الدروب، وأوجعتْهُ الذاكرة بعد ضياع طفولته؟ ماذا لو تجدينني بين شفاهكِ متلبسا بكِ؟
ماذا لو وجدني العسس ذاتَ يومٍ مختبئاً بينَ شفتيكِ... أو هارباً خلفَ ضلوعِكِ منهُمْ، ومن وطني، ومن خناجر الأصدقاء؟؟
هل ستسلمينني لهم بكل سهولة؟
وان أسلمتِنِي لهم هل ستسلمينني لهم بمقابل؟
وان كان ذلك فما سيكون المقابل؟
ماذا لو أغرز القادمون أصابعهم في جفوني وفقؤوا عيوني... هل ستدلينني على الطريق المؤدية إلى وطني؟
أم أنك ستشمتين بي حينما أصبح أعمى؟
ماذا لو يتحول المطر إلى عطش؟
ويتحول الكستناء إلى كتل من الصبار؟
ويتحول الوطن إلى كومة من العسكر، وقطعة من الحديد الصلب؟
ماذا لو داهم العسكر المدينة، وفرت مآذنها إلى الجبال، وفر أهلها إلى شجن غير ذي وجع، هل ستمنحينني حق اللجوء إلى ضلوعك؟ وإن منحتني حق اللجوء هل ستشين بي عندهم، وتسلميني إليهم؟
هل سأكون فيكِ بمأمن من جنود الخليفة أم أن كل شيء قد صادرته ضوضاء الحياة؟؟ وأثخنه صقيع البلاد، وأنهكته ضوضاء القبائل؟
إني اسمع الآن أصدقائي يتلون على قبري ما تيسر من (الزوامل)، ويمارسون البارود، و(البرع) إني أسمع المطر ينشج في حشرجات متقطعة؛ خوفا من ضياعه بعدي، إني لأسمعه الآن يصرخ ضاع وطني.. فإلى أين المفر؟!
وإني الآن أتلو وحدتي، وأمارس غيابي، بعيدا عن فقاعات الرحيل.... فماذا لو رحلتِ معي حتى تكتمل الحفلة؟
ذَاْتَ مَطَرٍ مُثْخَنٍ بِنَاْ
مابين: أم البواقي/قسنطينة/الجزائر
19/11/2008م
من مواضيعي
0 عااااااااااااجل جدا
0 تَوْصِيْفَاْتٌ أَوَّلِيَّهٌ لِخَسَاْرَاْتِ اِلْمَطَرِ
0 دَمْعَةُ الْمَطَرِ
0 الروائي الكبير واسيني الأعرج في ضيافة جدل
0 نساء القصبة*
0 دَمْعَةُ الْمَطَرِ
0 تَوْصِيْفَاْتٌ أَوَّلِيَّهٌ لِخَسَاْرَاْتِ اِلْمَطَرِ
0 دَمْعَةُ الْمَطَرِ
0 الروائي الكبير واسيني الأعرج في ضيافة جدل
0 نساء القصبة*
0 دَمْعَةُ الْمَطَرِ