الجريحة بيسان: رأيت الملائكة تنتزع مني "خصلة الشر" وتحيطني بحجاب أبيض
27-01-2009, 09:48 PM
مركز البيان للإعلام

أفرزت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة مئات القصص المؤلمة والتي تثير الاستغراب والدهشة، فعندما يتصل بك صديق يطلب منك مساعدة طفلة جريحة بحالة حرجة بتحقيق حلمها رؤية رئيس الوزراء إسماعيل هنيه يبدو ذلك أمراً غير عادي.

بيسان السلاق، طفلة فلسطينية أصيبت بحالة حرجة في قصف إسرائيلي لمنزل أسرتها خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وترقد في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، وكل ما تتمناه وما تطلبه وتبكي من أجله هو أن يزورها رئيس الوزراء اسماعيل هنية وأن يودعها قبل السفر للعلاج في الخارج، وأن تبلغه بما رأت لحظة إصابتها.



وخلفت الحرب الإسرائيلية التي بدأت في السابع والعشرين من ديسمبر الماضي واستمرت على مدار ثلاثة أسابيع آلاف الشهداء والجرحى مئات منهم في حالة الخطر الشديد، كما أحدثت آلة الحرب الإسرائيلية دماراً كبيراً يفوق التصور.



كان هم بيسان (10 أعوام) بعد خروجها من غرفة العمليات أن تكتب رسالة بخط يدها على ما تبقى من دفترها الصغير لـ"عمو أبو العبد"، متمنية أن تصل له وان يستجيب لطلبها بزيارتها قبل السفر للعلاج.



لم يمر الوقت طويلا ولم تخضع رسالة الطفلة لإجراءات البيروقراطية الحكومية المتبعة في مختلف الحكومات في العالم، فتسلم وزير الأشغال العامة والإسكان المهندس يوسف المنسي رسالة الطفلة، فقرر إيفاد ممثلين عن مجلس الوزراء ووكلاء وزارتين بالحكومة لزيارة الطفلة ووداعها في سفرها للعلاج في جمهورية مصر العربية، وان يبلغوها بأن رسالتها قد وصلت لـ"أبو العبد".



وتوجه الوفد مباشرة إلى مستشفى الشفاء، متنقلا بين جنباته باحثاً عن الطفلة التي استطاعت أن تهز من مشاعر الكثيرين، فإذا بجسم نحيف ضعيف ذو بشرة قمحية وشعر ناعم وصوت خافت يجلس على سرير أكبر منه حجماً والابتسامة التي تعاني لترتسم على شفاهها الصغيرة.



كم هي القوة التي تمتعت بها يداها الصغيرتين عندما أمسكت بيدي أمها، لما أبلغتها بأن وفداً حكومي جاء لزيارتها نيابة عن رئيس الوزراء، تلك القبضة القوية على يدي أمها لم تمنع من أن ترتسم ابتسامة الفرح بتحقيق ما كان مستحيلاً بالنسبة لها رغم إصرارها على طلبها بلقاء رئيس الوزراء.



ولم يكن هذا الشعور لدى بيسان وحدها بل عند كل من كان برفقتها من العائلة والأصدقاء داخل الغرفة، وما أن دخل الوفد حتى قالت لامها بهدوء "هيهم أجو شفتي" وانتقلت بعدها بيسان لتستقبل أيادي الوفد المصافحة والمسلمة مع وقع القبلات الدافئة على يديها الصغيرتين، ليتبادل الجميع بعدها أطراف الحديث، ولتبدأ بيسان تتحدث إلى الوفد بما ترغب بقوله لرئيس الوزراء ليرسلونه إليه عند لقائهم به.



بيسان قالت للوفد: "أنا بحب عمو أبو العبد، وأنا كنت بشوفو لما كان بيجي على مكتبو لأنوا أحنا ساكنين جنب مجلس الوزراء، أنا بحبو لأنو يحب الأطفال ويدافع عن الشعب الفلسطيني، ويحارب اليهود، وبدي أحكيلوا إيش شفت لما أصبت من الصاروخ".



ماذا يمكن لأي طفل مصاب في حالة بيسان أن يتحدث إلي رئيس وزراء في أي دولة في هذا العالم؟ لقد تخطى ما قالته بيسان كل التوقعات أو حتى الإجابة على سؤالنا.



بكل شجاعة وتماسك تحدثت الطفلة بيسان للوفد :" كنا هاربين أنا وأهلي من البيت لأن القصف كان جنب البيت، وإحنا بالشارع أجا علينا صاروخ، أجت شظية ودخلت في بطني، لما دخلت شفت ملائكة لونهم أبيض دخلوا جوه بطني وشالوا خصلة الشر مني زي ما شالوها من صدر الرسول عليه الصلاة والسلام، ولفوني بستار ابيض كبير من حولي وبعدها راحوا".

ما إن انتهت من قصتها وإذ بأعضاء الوفد يكسرون حاجز الصمت الرهيب والدموع المنهمرة من عيني أمها وأحبتها، ليخرجوا من جيوبهم أجهزة الهاتف الجوال ويطلبوا من بيسان أن تعيد ما قالته ليسجل ذلك بالصوت والصورة ليصل إلي رئيس الوزراء وإذ بها بكل تماسك وثقة تكرر ما قالت.

وقبل وداع الوفد لها قالت بيسان للوفد :" راح أجيب معي من مصر هديه لعمو أبو العبد، ابلغوه مني السلام"، وعلى ذات اليد الضعيفة الصغيرة انهالت القبلات والمصافحة، مودعاً الوفد الفتاة وأهلها وتمنى لها السلامة حتى حجب الباب عن أعيننا رؤية بيسان