فداكم حرفي ومدادي
17-02-2009, 02:19 AM
فداكم حرفي ومدادي

بسم الله الرحمان الرحيم
و لا حول و لا قوّة إلا بالله العظيم
و الصلاة و السلام على إمام المرسلين.
و لا حول و لا قوّة إلا بالله العظيم
و الصلاة و السلام على إمام المرسلين.
رسالتي أبعثها و أنا أحمد الله على السرّاء و الضرّاء إليها، و أدعوه – سبحانه- أن يفكّ كربتكم، و يؤنس وحشتكم، و يزيل غمّكم و همّكم عاجلا غير آجل، و بعد:
كلماتكم عادت تعرف طريقها من غير دليل إلى أبواب دموعي، تطرقها ثم تتركها تنهمر انهمارا لتعقّم قلبا يجتاله ما يجتال كلّ القلوب المعصومة من العصمة في زمن أضحت تُمتحن فيه في كلّ وقت و حين، فلا هي أمنت ساعت جلوتها و لا سلمت ساعة خلوتها، و لا تنفضّ عنها واحدة حتى تأتي أخرى، و تالله ما هي لعباد الله الموقنين إلا مدارج ارتقاء لهم يصعدونها بـ:" إيّاك نعبد و إيّاك نستعين"، يلتمسون خطا من سبقهم من الناجين:" الذين أنعمت عليهم"، يمشون حاملين لعنوان السعادة، شاكرين للعطاء، صابرين على البلاء، مستغفرين من الأخطاء، يحمدون الله على كل أحوالهم:" الحمد لله ربّ العالمين"، حتى إذا انتهوا إلى ربٍّ راض عنهم غير غضبان:" الرحمان الرحيم مالك يوم الدين "، فيدخلهم جنّته برحمته، و يزيدهم من فضله:" وجوه يومئذ ناضرة إلى ربّها ناظرة".
أشعرتني قطرة الريشة على وجازة سطورها بآلام مريرة تخالجكم، بعضها من الشظايا و بعضها مما ألقى الماضي من بقايا، و بعضها من سوأى حال المسلمين و دينهم من رزايا، و بعضها مما لا يعلمه إلا الله.. ثم أتت حروفكم تلتمس عند حروفنا ما يُآسى به الجريح، و يُبرد كبد الغريب الطريح، و كأني بالنور ما عاد يطيق غيبة النور، و امتزجت الروح بالروح، حتى أضحى المرء من بني السماء يمشي في المشرق أو المغرب و تخدش شوكة رجله، فإذا بالدم يسيل من ساق امرئ آخر من الجزائر بتلمسان.
تتلجلج الكلمات على لسان قلمي، و قد قرأ البارحة رائعة من الروائع.. و الذي برأ النسمة، و فلق الحبّة، إن لكلماتكم لنور يطمس العيون، و يبهر العقول، و أرى أن قلمكم سيّال، مطاوع لأناملكم، يكتب كلما ألمتم، فيأتي بالرحيق المختوم يُدار صِرْفا على أخوان الصفا، و كأنها كلمات تتكلم بلسان الجنان، و إنْ كان يكفينا من لدنكم أنكم تقرؤون حروفنا و هذا من تواضعكم، و تذكروننا في بالكم و هذا من كرمكم، و تمّدوننا بمحاسن كلمكم، و هذا ما أعجزنا عن شكركم..
يا ابن ديني!
في المؤمن أنفة و شموخ، لكنه مع إخوانه خافض لجناحه، رفيق بهم، ليّن الجناب، بل هو كما وصفهم الله:" أذلّة على المؤمنين" و إنّا لنذلّ لكم طاعة لله، و نودّ لو كنّا قنطرة يعبر منها أهل الإيمان لنيل رضى ربّهم و تحقيق سعادتهم و تحصيل مُناهم، فقط نرجو إن مرّ آخرهم أن يجذبنا إلى فريقهم، عسى أن ننال شيئا مما وهبهم الله، و إني لا أبلغ مقامكم، و لا أضاهي نوركم، و لكنه الفتى يحبّ القوم و ليس منهم.. و ما أريد أن أخصم من وقتكم الثمين, و لا أن أشغل خاطركم بالظن و التخمين، فحرفي هو الذي خرج من قبل على الناس يستملئ دِلاءه، فلم يجد منهم ناصحا شفوقا، أو رفيقا معينا، غير مُعرض منتكب، أو حاسد في صورة صديق ملتهب..
لا أعرف أي كلمات سأختارها لتنزل عليكم هناك تواسيكم، و سأرجو اليوم قلمي أن يساعفني.. و استأنسوا بالله، و استنصروا عليهم به " ومن يتوكل على الله فهو حسبه" و لكم الله من يد تؤذيكم، أو ألسنة تتهمكم، و ما أنتم إلا نور أزعج خفاشا، يحسبه الجاهل طاووسا، و لو كان لخبث النفوس رائحة، لما طاق أن يقربهم و يقدّمهم.. و سأعود لأكاتبكم، و لنرسل لكم الزاد، كما أكرمتمونا بالضياء، و والله ما أطلنا غيبة تهاونا أو تهوينا، لكن لعوارض لا تقلّ ألما مما أنتم فيه، و ما أنا إلا جريح يآسي جريحا..
لي بعض العوارض تمنعني من مقاربة الأوراق و الأقلام هذه الأيام قسرا، و سأحاول أن أجيبكم إن وجد يراعي فسحة في نفسه، و متسعا من وقته..
لي بعض العوارض تمنعني من مقاربة الأوراق و الأقلام هذه الأيام قسرا، و سأحاول أن أجيبكم إن وجد يراعي فسحة في نفسه، و متسعا من وقته..
عهدكم حسن الظن، و فيض نُوركم ما عُدت أطمع لبلوغ ردّه، و يعجَز قلمي عن التنكرّ له، و ما لي إلا أن أقول: فِداكم حرفي و مدادي، و أدام الله لأقلامكم الرونق و الخضرة، و زاد وجوهكم البهجة و النضرة، ما سطعت شمس بجمالِ، و لاح بدر بجلالِ.. و السلام عليكم من رب يعطي و لا يبال.
شرف العلم تابع لشرف معلومه
من درر الإمام بن قيم الجوزية
التعديل الأخير تم بواسطة زكي التلمساني ; 17-02-2009 الساعة 02:23 AM









