ظاهرة تشييخ محركات البحث !!!
15-03-2009, 10:31 AM
ظاهرة تشييخ محركات البحث
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فإن التقدم العلمي ما زال يتحفنا كل يوم بجديده، وبالرغم من أن صُنـَّاعه لم يقصدوا به خدمة الإسلام؛ إلا أن الله -عز وجل- يسَّر لنا ما قدَّمه الغربُ لاستخدامه في خدمة الدين، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «وَإِنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ» [متفق عليه].
وقد كانت محركات البحث إحدى تلك الوسائل التي استفاد منها المسلمون، سواء من خلال محركات البحث البرمجية كتلك الموجودة في البرامج المختلفة، أو من خلال محركات البحث على شبكة الإنترنت، والتي يكفي أن تكتب فيها الكلمة المطلوب البحث عنها، وبضغطة زرٍّ واحدة تأتي لك هذه الكلمة من الشرق ومن الغرب.
ولا شك أن تلك الوسائل وفـَّرت كثيرا من الجهود في البحث، وساعدت على تقدم حركة البحث العلمي، وتوفير الوقت المستغرق في ذلك، واتساع دائرة البحث، خاصة بعد أن صارت هذه الخدمات في متناول الجميع، إلا أن الجانب المظلم من التكنولوجيا -التي تـُنعَت دائما بأنها سلاح ذو حدَّين- قد عكـَّر صفو هذه الاستفادة من عدة جوانب، ولعل من أهمها مسألة : "تشييخ محركات البحث"!
فقد كان السلف الصالح يحذِّرون من تشييخ الكتب والصُّحف، والاكتفاء بالقراءة فيها، واعتبار ذلك بديلاً عن التتلمذ على أيدي العلماء، وثني الركب بين أيدي المشايخ، فقد قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: "من تفقـَّه من بطون الكتب ضيـَّع الأحكام".
وكان بعضهم يقول: "من أعظم البلية تشيخ الصحيفة"، وقال سليمان بن موسي -رحمه الله-: "كان يقال: لا تأخذوا القرآن من المصحفين ، ولا العلم من الصَّحفيين"، وقال الإمام سعيد بن عبد العزيز التنوخي -رحمه الله-: "كان يقال: لا تحملوا العلم عن صحفي، ولا تأخذوا القرآن من مصحفي"، وقيل أيضا: "من كان شيخه كتابه ؛ كان خطؤه أكثر من صوابه".
وما أحسن ما قاله أبو حيَّان النحوي -رحمه الله-:
يظن الغـُمر أن الكتب تجـدي أخــا فــهـمٍ لإدراك الـعــلــومِ
وما يدري الجهولُ بأن فيــها غـوامض حيرت عقل الفهيمِ
إذا رُمـت العلومَ بغير شيـــخ ضللت عن الصراط المستقيمِ
وتلتـبس الأمور عليك حــتى تكون أضل من توما الحكيمِ!
والمقارن بين تشييخ الكتب وتشييخ محركات البحث يجد أن الأمر في محركات البحث أشد خطورة ؛ فإن مشيِّخ الكتب إذا أراد أن يقف على مسألة فإنه يلزمه في الغالب أن يقلـِّب الكتبَ وينقـِّب فيها ليقف على المسائل ، بخلاف محركات البحث التي يقف مستخدمها على الكلمة التي يريدها بضغطة زر، فيقرأ كلمتين قبلها وكلمتين بعدها دون أن يمسك الكتاب بيديه ويبحث فيه.
ثم هذه الكلمات قد تكون مُصحَّفة ومحرَّفة، فلا يخفى كثرةُ التصحيف في أغلب الكتب المنشورة إلكترونيًّا ، فيتسبب هذا التصحيف في سوء الفهم من القارئ، وهذا إن كان موجودًا في الكتب المطبوعة؛ فإن وجوده في الكتب الإلكترونية، وفي نتائج محركات البحث أكثر.
ثم قد يكون الباحث قليل الخبرة بالإعراب فيسوء فهمه، أو يدمج من المقاطع ما شأنه الفصل، ويفصل ما شأنه الدمج، أو لا يفهم ألفاظ أهل الفن، فيصير المقروءُ عند هذا غير المقروء عند غيره، والمفهوم عنده بعيد كل البعد عن المقصود من الكلام.
أقول له عَمرًا فيسمعه سعدًا ويكتبه حمدًا وينطقه زيدًا!
ولا نقصد بذلك نقد استخدام محركات البحث مطلقًا؛ فهي وسيلة يسَّرها الله -عز وجل- ويسَّر بها الكثير من جوانب العلم، كما أننا لا ننقد استخدام الكتب، ولكن المقصود في هذا المقام هو تشييخ محركات البحث والاعتماد عليها، كما هو الحال مع تشييخ الكتب والصحف الذي انتقده السلف.
وقد أفرز لنا تشييخ محركات البحث في السنوات الأخيرة الشَّوك، حتى امتد الأمر إلى المصنفات، فلا عجب اليوم أن ترى كتابًا في مسألة ما، يدَّعي مصنفه أنه بحث حديثي فقهي مقارن! فيبدأ بعرض المسألة، ثم يشرع في التقميش من هنا ومن هناك، فيذكر أقوال الفقهاء من كل مذهب من المذاهب الفقهية، وما أسهل ذلك باستخدام الموسوعات الفقهية الإلكترونية، ثم يعرض بحثه الحديثي الذي يجمع فيه الغث والسمين، ويختم بحثه بالترجيح وقد صدَّره بقوله: "ونحن نرى"، "وما نذهب إليه"، "ومذهبنا المختار"!!
وإن كانت مثل هذه الأبحاث والكتب المبنية على محرِّكات البحث لا تنطلي على صغار طلبة العلم فضلا عن أهل العلم الراسخين؛ إلا أن هناك قطاعاً لا يُستهان به ممن ينخدعون بالأحجام وكثرة النقول غير المتجانسة، ولا ينكشف لهم عوار تلك التي يسميها أصحابها زوراً بحوثاً وكتباً.
وإذا نظرنا إلى هذه الظاهرة -خاصة مع انتشار أجهزة الحاسب واستخدام الشبكة العنكبوتية- نجد أن لها دوافع، ويترتب عليها مفاسد يجب أن توضع في الحسبان.
فمن دوافع تشييخ محركات البحث:
1- الكسل
2- التربية على الوقوف على الخلاصة: فقد نشأ كثير من شباب اليوم على الملخصات والمذكِّرات وأهم الأسئلة المتوقعة، وصار تحصيل العلوم عند الكثيرين في عصر السرعة شأنه شأن الوجبات السريعة، فلم يتعلموا التأصيل في العلوم، والذي قد يستغرق كثيراً من الوقت والجهد، ولكنه في الحقيقة بَذرٌ له ثمرٌ، بخلاف تعلـُّم المسائل بصورة سطحية.
3- الثقة بالنفس: حيث يرى الواحد من هؤلاء في نفسه القدرة على أخذ العلم مكتوباً دون الرجوع إلى أهل العلم في توضيح العبارات وحل المشكلات.
4- التكبُّر عن طلب العلم على أيدي المشايخ .
5- استعجال الثمر: فكثير ممن أهلكه حبُّ العلوِّ والصدارة يستعجل النتائج، بل يحسب في قرارة نفسه أنه بعد مضي بضع سنوات في طلب العلم سيصبح العالم الجهبذ الذي لا يُشَقُّ له غبار، فيستثقل أن يرقى في سُلـَّم الطلب كما هي سنة العلماء، وقد قال المأمون عن أمثال هؤلاء: "يطلب الحديث ثلاثة أيام، ثم يقول: أنا من أهل الحديث"!
ولما كان الأمر يحوي من الخطورة مكان ؛ فقد لزم أن يحرص المربُّون من الإخوة والدعاة على العمل على وقاية أبنائهم وتلاميذهم من هذا المرض، خاصة هؤلاء الذين تبدو عليهم أمارات النجابة ويُتوقع لهم مستقبل في طلب العلم، وأن تتم هذه الوقاية قبل أن تحدث الإصابة ويصعب العلاج، وكما قيل: "الوقاية خيرٌ من العلاج".
وأهم عناصر الوقاية تتمثل في:
1- التربية على إخلاص النية لله -تبارك وتعالى-: فهو أول الأمر وأوسطه وآخره، وكذا هو العلاج لمعظم هذه الأسباب؛ فمن أخلص لله -تعالى- لم يبحث عن الثمرة العاجلة، بل سيظل مع العلم من المهد إلى اللحد، ومع المحبرة إلى المقبرة، ولن يبحث عن الشهرة وحب الصدارة والعلو، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من تعلم علما مما يُبتغى به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا؛ لم يجد عرف الجنة -يعني ريحها- يوم القيامة» [رواه أبو داود وابن ماجه ].
وقال الحسن -رحمه الله-: "من طلب العلم ابتغاء الآخرة أدركها، ومن طلب العلم ابتغاء الدنيا فهو حظه منه".
2- التركيز على مسألة أن العلم لا يُنال بالراحة: قال يحيى بن أبي كثير -رحمه الله-: "لا يُستطاع العلم براحة الجسد".
وقال ابن الحداد المالكي: "ما للعلم وملائمة المضاجع"!
فمن أراد صدقًا أن يطلب العلم فعليه أن ينبذ الكسل والدعة، وأن يسعى سعيًا حثيثا حاذٍ حَذو سلفه؛ حتى يدرك غايته وينال بغيته، وكما قيل: "أعطِ للعلم كلـَّك يعطِكَ بعضه".
3- الاهتمام بمدارسة سير السلف الصالح: ومواقفهم في طلب العلم، وبذلهم الجهد في الرحلة ونحو ذلك؛ ليكون للخلف قدوة فيمن سلف،
3- التركيز على مسألة التخلص من رواسب الجاهلية: كالكبر، ورؤية النفس والثقة بها، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» [رواه مسلم].
4- التربية على توقير أهل العلم والسابقين بالخير: ومعرفة مضار الاشتغال بعيوب الناس، وكذا منهج السلف في التعامل مع أخطاء الآخرين، والتربية على آداب طلب العلم.
نسأل الله أن يوفقنا لمراضيه، وأن يجعل مستقبل أيامنا خيرا من ماضيه.
of : islamway
"عندما نلمس الجانب الطيب في نفوس الناس، نجد أن هناك خيراً كثيراً قد لا تراه العيون أول وهلة!..لقد جربت ذلك .. حتى الذين يبدو في أول الأمر أنهم شريرون أو فقراء الشعور..شيء من العطف على أخطائهم ... ثم ينكشف لك النبع الخير في نفوسهم ، حين يمنحوك حبهم ومودتهم وثقتهم، في مقابل القليل الذي أعطيتهم إياه من نفسك، متى أعطيتهم إياه في صدق وصفاء وإخلاص". سيد -رحمه الله-
من مواضيعي
0 ظاهرة تشييخ محركات البحث !!!
0 طلبـ إغلاق للمواضيع ذات الأمد القصير
0 القولُ الفاصل فيمن رأى أن التوسل بـــــاطل .. ممنوع الدوران في الحلقات المُفرغة
0 كلــــماتـ في غيابـ كــــلمـــاتـ !!!
0 لتفادي تكرار المواضيع .. مهم جداً __ خاص بمنتدياتـ الشروق الغاالية
0 الــتصوف و الصـوفية ؛ هل صارا مُلازمان للبدعة !!!
0 طلبـ إغلاق للمواضيع ذات الأمد القصير
0 القولُ الفاصل فيمن رأى أن التوسل بـــــاطل .. ممنوع الدوران في الحلقات المُفرغة
0 كلــــماتـ في غيابـ كــــلمـــاتـ !!!
0 لتفادي تكرار المواضيع .. مهم جداً __ خاص بمنتدياتـ الشروق الغاالية
0 الــتصوف و الصـوفية ؛ هل صارا مُلازمان للبدعة !!!








.gif)

