عام جديد وما انجلى الصدأ/ محمد أبوعبيد
10-01-2008, 09:12 PM
ما أكثر الأمنيات مع نهاية كل سنة وبداية أخرى جديدة. لعل شركات الإتصال بمقدورها معرفة ما يتمناه الناس في مثل هكذا مناسبات حيث الرسائل النصية القصيرة بالملايين. صحيح أن هناك أمنيات ندعو الله ، جل شأنه ، أن يحققها لنا، وفي المقابل ثمة أخرى بمقدورنا أن نحققها نحن بأنفسنا، فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
إن الصدأ الذي يغلف عقول كثيرنا لن يكون في حاجة إلى معجزة إلهية نركن إليها للتخلصمنه. إنه من صنع البشر ويستطيع أن يجليه البشر بأدوات ليست مستحيلة، وأهمها النيةالجادة لإعادة صقل العقل وفتحه من جديد، وكذلك خلق الطرق الحضارية للتخلص منديكتاتورية الفكر التي تعشش في الزوايا العربية. إنْ رضي المرء بما أصاب السنواتالتي خلت من وهنٍ عقلي وعنّة فكرية ما أحوجها إلى الفياغرا، فليعش ،إذن، سَنة ًيكثر فيها الوهن وتشتد العنة .

إنْ رضينا في السنة الجديدة هذا القمع العقلي والإرهاب الفكري ،ستنفد حينئذ تلكالكمّامات التي أعدها طواغيت الفكر لإطباقها على الأفواه، حيث لا فكر إلا فكرهم،ولا كلمة حق إلا كلامهم، وما دون ذلك هو رجس من عمل الشيطان في نظرهم. هم لا يؤمنونبالمعادلات الكيميائية التي تقول، بوضوح لا يدعو إلى أدنى ريبة، إن حركة الأضدادأسٌ لاستمرارية الحياة. هو الأمر ذاته بالنسبة إلى الحياة الفكرية والفنيةوالإبداعية واستمراريتها، وما دون ذلك فلن نشهد سوى ادعاء بعض الأشخاص امتلاكَهمالحقيقة المطلقة، كأنهم هم الذين يمنحون صكوك الغفران ويحددون المفكر الكافر منالمؤمن، والمبدع المتعبد من الفاسق الزنديق .

لعله من المجدي أن نجعل السنةالجديدة مفصلية تحدد اتجاه البوصلة الفكرية، إما نحو إزالة الصدأ عن العقل العربيوتفتحه وتشغيله، وإما صوب مزيد من الاضطهاد وخنق الكلمات في أجوافنا، لن نخرجها إلابصك ممن يمنحون تلك الصكوك، ويقررون لنا ما يُقال وما لا يُقال ،باعتبار أننافكرياً أطفال خدّج، أو في أحسن الأحوال ما زلنا نحبو. ولن يكون لنا عمل آنئذ سوىجلي الصدأ عن القضبان التي تحاصر العقل ولا تريد له سوى أن يظل اسماً يميزنا عنباقي المخلوقات، وعاطلا من العمل، كلما تحرك ضربوه حتى يخمد ويهدأ .

أمامناالمزيد من أدوات تكميم الأفواه، و"بلدوزرات" لاقتلاع الآراء الحرة من جذورها. أمامنا محارق لالتهام الأوراق التي تعشق حرية الكلام، والكتب المتيمة في نشر الفكرالمتجدد لا المستبد، وجعلها رماداً تذروه الرياح. وأمامنا قيود وأغلال مزينة بأوصافمن صنع أهلها لتكبيل العقول ووضعها رهن الإقامة الجبرية، ولا أحد يحب القيد ولو كانمن ذهب. أمامنا من ادعوا القداسات وصيّروا أنفسهم موازين الفكر والعمل، فما راق لهمهو الصالح الخيّر، وما لم يستعذبوه هو الرديء القميء الواجب جزّه. فماذا أحرارالرأي فاعلون إزاء هذا الوضع المتردي !!

آن الوقت أن نغيّر أنفسنا من أناسليس لهم سوى آذان ٍ جعلوها مثل الصحون اللاقطة والمراقبَة لاستقبال ما يُراد لها أنتستقبل ،إلى أفراد مرسِلين آراء ً حرة ومتعددة لا تخيفهم سياط طواغيت الفكر ولاسيوفهم التي إذا جد الجد سنكتشف أنها سيوف واهنة قد تعجز عن جز قطعة جبن.
**إعلامي بقناة العربية
[email protected]
http://forabuobeid.maktoobblog.com