تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
منتديات الشروق أونلاين > منتدى الأدب > منتدى جواهر الأدب العربي

> مـن عيـون الشعـر العـربـي ( دعوة للمشاركة )

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية algeroi
algeroi
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 17-10-2007
  • المشاركات : 4,860
  • معدل تقييم المستوى :

    22

  • algeroi has a spectacular aura aboutalgeroi has a spectacular aura about
الصورة الرمزية algeroi
algeroi
شروقي
رد: مـن عيـون الشعـر العـربـي ( دعوة للمشاركة )
07-08-2008, 10:28 AM
من روائع العلامة الاديب محمود محمد شاكر -ابو فهر- رحمه الله

......"لا تعودي" . .......


لا تعودي أحرقَ الشكُّ وجودي.. لا تعودي
اذهبي ماشئِت أنّى شئت في دنيا الخلود
واتركي النار التي أوقدتِها تقِضمُ عُودي
هي بردٌ وسلامٌ يتلظّى في برودي!! ..
فاسعدي في شِقوة الروح... ولكن لا تعودي


* * *


أنت والأقدار!..
كم قاسيتُ منهنَّ ومنك!
هي تأتي بيقين خائن في إثرِ شَكِّ
ثم أنت الشك في إثر يقين لم يخنكِ
وأنا سائلُك الحيرانُ عنهن وعنكِ
فأجيبي واذهبي إن شئتِ.. لكن لا تعَْودي

* * *

اللّظَى زادي!! فهل ينفعني زادٌ مميتُ؟
اللّظَي روحُك؟ أم روحي سعيرٌ مستميتُ؟
كلَّما مّرت به النسمة من وجدي حَييتُ
أهي تحييني إذا مرت بناري أم تميتُ؟
خبرًّيني، واذهبي إن شئتِ،، لكن لا تعودي


* * *


أنا كالنار تغشاها من الموت رمادُ!
أحديثٌ منكِ يُحْييني أم الصمتُ المُعادُ؟
أم نسيمُ الحبّ؟ أم هجرُكِ؟ أم هذا الِبعادُ؟
أأنا حيٌّ ولا أدري أم الحيُّ الجمادُ؟
خبًّريني واذهبي إن شئت.. لكن لاتعودي


* * *


هذه الّريبةُ في روحيَ من سرّ حياتي
بَعثتْ وجَـْدي فدبَّ الشوقُ منها في رُفاتي
فَجَّـرَتْ أَغْمَض ما أخفيتُ في جَوْفِ صِفاتي
فإذا وَرْدُكِ نجوايَ وأشواكي شكاتي
اسمعيها، واذهبي إن شئتِ.. لكن لا تعودي


* * *


أنت!! ما أنت سوى شكَّيَ في طول حنيني
كلُّ ما فيك من الأوهام حقٌّ في يقيني
المنى والوجدُ والصَّبوةُ نبعٌ من ظنُوني
أنتِ إيمانيَ، بل كُفريَ بل أنتِ جُنوني
أنتِ لا أنتِ، اذهبي إن شئتِ.. لكن لا تُعودي


* * *


ماسمائي؟ هي إظلامٌ ورعدٌ وبُروقُُ
لا أرى نجمي ولا فيها غروبٌ أو شروقُ
صَخَبٌ يهدِمُ بُنْياني، ورعبٌ، وخُفوقُ
ووميضٌ هو في روحي حريقٌ وفتوقُ
اشهدي ثم اذهبي إن شئتِ.. لكن لا تعودي


* * *


ثم ما أَرْضيَ؟ زلزالٌ، وجدبٌ وصُدوعُ
ظمأٌ يغتالُ آمالي، وأشواقٌ تَلوعُ
هذه الأوهام من حوليَ أطيافٌ تَروعُ
أينَ؟ لا أينَ.. ضلالٌ بل خِداعٌ بل هُلوعُ
أقبلي ثم اذهبي إن شئتِ.. لكن لا تعودي


* * *


حَيرْتي فيكِ وفي نفسيَ من طولِ انتظاري
حَيرْة الذرّةِ في الرّيح بمجهولِ القفارِ
تشتكي للَّيل ما تلقاهُ من شمس النهارِ
لا كؤوسُ الغَيْث ِتسقيها ولا الموتُ يُواري
اذهبي ثم اذهبي إن شئتِ.. لكن لا تعودي


* * *


أنا في العزلة لا آنِسُ إلا بارتيابي
الأفاعي الصُّمُّ والوحشُ الضواري من صِحابي
في دمي تشتفُّ أو تنهش روحي وإهابي
فتعالَيْ، واسألي كيف رأتني..؟ لاتَهابي
اسمعيها، واذهبي إن شئتِ.. لكن لا تعودي


* * *


كيف لا تأنسُ في الرّيبة بنتُ الُظلُماتِ؟
مُهْجتي.. أُمُّ الخصام المُرِّ مهدُ النَّزواتِ
خُلقَتْ لليأْس والبأس وطَيِّ الحسَراتِ
وارتكابِ الفرَحَ النَّشوان فوقَ العبراتِ
لا أبالي.. فاذهبي إن شئتِ.. لكن لا تعودي


* * *


ما دمائي.. ؟ هي أشواقيَ من جرحي تفيضُ!
شُعَلٌ ذابتْ من اللذات أو وَجْدُُ غوَيضُ
ليتها تبقى كما تبقى الأماني لا تغيضُ
حَبّبَ الشكَّ إلى قلبيَ إيمانٌ بغَيضُ
أنتِ جرحي.. فاذهبي إن شئتِ.. لكن لا تعودي


* * *


قد صحبتُ اللَّيلَ، والليلُ اكتئابٌ وارتياعُ
ظُلُمات الصمتِ لا ينفذُ فيهنَّ شُعاعُ
حسرةٌ تطوى على أخرى وَهَمٌّ وضَياعُ
وأحاديث لها في النفس هَدٌ ونِزاعُ
أَنْصتي ثم اذهبي إن شئتِ.. لكن لا تعودي


* * *


قلتُ: يا نجميَ! هذا الليلُ فاسطَعْ وأَعِنّي
اِهْدِني.. هذي فلاةٌ ودليلٌ ضلّ عنيّ
كلُّ ما أَخشاه أو أرجوه قد أفلت منيّ
اهدني.. أولا..
لقد ضعتُ، فغِبْ يا نجمُ! إنّي لا أبالي..
فاذهبي إن شئتِ.. لكن لا تعودي


* * *


أنت يا نجميَ! كالذكرى عذابٌ وارتياحُ
ظَفَرٌ يخبو وقد ضّرم آمالي الطماحُ
لكما في النفس أضواءٌ تُدَمّيها الجراحُ
هكذا السعدُ إذا مالامَهُ نَحْسٌ مُتاحُ
أنتِ نجمي..
فاذهبي إن شئت.. لكن لا تعودي


* * *


ساعةٌ فرَّتْ إلى الذكرى.. إلى غيرِ مآبِ
تتجلّى كالخلود الغضّ في بَرْقِ الشَّبابِ
سعَّرَتْ للّراحلِ المُنْبتِّ هَمّي وطِلابي
فَهْي تختالُ لتُضْريني من خلفِ ِحجابِ
مزًّقيه، واذهبي إن شئتِ.. لكن لا تعودي


* * *


هَلَكَ الماضي..! أما تهِلكُ ذكراه فتفنى!!
أَهْوَ مالُ الحيّ في دنياه يحويهِ لِيغْنى؟!
أم ثمارُ العمر قد أنضجها الشوقُ لِتُجْنى؟!
أم هو الشُّح الذي لَوَّعَ أرواحاً وأضَْنى؟َ
لستُ أدري... فاذهبي إن شئتِ.. لكن لا تعودي


* * *


هذه الساعاتُ تنسابُ كأَنْ لم تَكُنِ
هي كالحيات غابَتْ في كهوف الزمن
رُقيَةُ الذكرى أطارت حيَّةً من وسَنَِ
فأَرتْني القَلْبَ نَشْوانَ بِسُمِّ الفِتَنِ
فتنةَ الماضي! اذهبي إن شئتِ.. لكن لا تعودي


* * *


أَهِي الجنُّ تجلَّتْ لي أرَاها وتَراني؟
وسوستْ لي الشكَّ في صمتك عني كي أعاني؟
أسمعُ النَّبْأةَ تأتيني بغيب كالبيَان؟!
فَهْيَ حَّقٌّ ملء أسماعي، وحقٌّ في عياني؟!
أصْدِقيني، واذهبي إن شئتِ.. لكن لا تعودي


* * *


أَمِنَ الإنسِ تغارُ الجّن؟ أم كيف أَقولُ؟
أَهْيَ منهنَّ التي تَخِْتلُ عقلي وتَغولُ؟
هذه الأشباحُ في شَكّيَ تبدو وتَزولُ؟!
كُلّما آمنتُ.. لاريبَ.. أتى الريبُ يجولُ
فإلى الجّنِ.. اذهبي إن شئتِ.. لكن لا تعودي


* * *


ذَكّري تلكَ التي تُخْفي عذابي واحتراقي.
هيَ أدرى منكِ لا شكَّ.. ولكني أُلاقي
اسأليها السِّلْم فالسِّلمُ نجاةٌ من فُواقِ
واذكرا أنيّ على حربكِما لستُ بباقِ
ذَكِّريها، واذهبي إن شئتِ.. لكن لا تعودي


* * *


لا تعودي أحرقَ الشكُّ وجودي..
لا تعودي اذهبي ما شئتِ أنّى شئتِ في دنيا الخلودِ
واتركي النارَ التي أوقدِتها تقِضمُ عُودي
هي بردٌ وسلامٌ يتلظَّى في بُرودي ...
فاسعَدي في شِقْوةِ الروحِ ولكنْ.. لا تعودي


* * *


أنا.. لاكنتِ ولا كان قصيدي أو نشيدي
لوعةٌ تملي على الأكوان آلامَ العَبيدِ
أنا في الرقِّ أُعَاني ثَورة الحُرِّ العنيدِ
أَتحدَّاكِ ولكنيّ ذليلٌ في قُيودي
لا تَرِقِّي، واذهبي إن شئتِ.. لكن لا تعودي


* * *


نَفَثاتُ السِّحرِ تَنَسابُ الأفاعي في رُقاها
هي بنتُ اللَّيلِ والأوهام لكني أَراها
كُلَّما نازعتُها السيْر رَمتْني في خُطاها
نفثاتُ السحر! ما يفعلُ في روحي صَداها؟
أنْفثيها، واذهبي إن شئتِ.. لكن لا تعودي


* * *


هذه الزهرةُ من نُضْرتِها نفحُ الجَمالِ
الشَّذى والحسنُ حُرّاسٌ على سرّ الجَمالِ
أذْبَلتْها زفزةٌ مني.. ولكنْ لا أبالي
فأنا النّارُ، وكالنارِ ارتْيابي واشتعالي
لا أبالي فاذهبي إن شئت.. لكن لا تعودي.


نشر في مجلة (الأدب الإسلامي)عدد(16)بتاريخ (1418هـ)
وعند الله تجتمع الخصوم ... [ وداعا ]

أيّ عذر والأفاعي تتهادى .... وفحيح الشؤم ينزو عليلا

وسموم الموت شوهاء المحيا .... تتنافسن من يردي القتيلا

أيّ عذر أيها الصائل غدرا ... إن تعالى المكر يبقى ذليلا


موقع متخصص في نقض شبهات الخوارج

الشبهات الثلاثون المثارة لإنكار السنة النبوية عرض وتفنيد ونقض
نقض تهويشات منكري السنة : هدية أخيرة

الحداثة في الميزان
مؤلفات الدكتور خالد كبير علال - مهم جدا -
المؤامرة على الفصحى موجهة أساساً إلى القرآن والإسلام
أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية
مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة

  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية سليم يلل
سليم يلل
مشرف ( سابق )
  • تاريخ التسجيل : 02-05-2007
  • الدولة : يلل-غليزان-الجزائر
  • العمر : 42
  • المشاركات : 10,615
  • معدل تقييم المستوى :

    29

  • سليم يلل has a spectacular aura aboutسليم يلل has a spectacular aura about
الصورة الرمزية سليم يلل
سليم يلل
مشرف ( سابق )
رد: مـن عيـون الشعـر العـربـي ( دعوة للمشاركة )
07-08-2008, 12:54 PM
نزار قباني

حُبلى





لا تَمْتَقِعْ !

هي كِلْمَةٌ عَجْلى

إنّي لأَشعُرُ أنّني حُبلى ..

وصرختَ كالملسوعِ بي .. " كَلاّ " ..

سنُمَزِّقُ الطفلا ..

وأخذْتَ تشتِمُني ..

وأردْتَ تطردُني ..

لا شيءَ يُدهِشُني ..

فلقد عرفتُكَ دائماً نَذْلا ..



*



وبعثتَ بالخَدَّامِ يدفعُني ..

في وحشةِ الدربِ

يا مَنْ زَرَعتَ العارَ في صُلبي

وكسرتَ لي قلبي ..

ليقولَ لي :

" مولايَ ليسَ هُنا .. "

مولاهُ ألفُ هُنا ..

لكنَّهُ جَبُنا ..

لمّا تأكّدَ أنّني حُبلى ..



*



ماذا ؟ أتبصِقُني

والقيءُ في حَلقي يدمِّرُني

وأصابعُ الغَثَيانِ تخنقُني ..

ووريثُكَ المشؤومُ في بَدَني

والعارُ يسحقُني ..

وحقيقةٌ سوداءُ .. تملؤني

هي أنّني حُبلى ..



*

ليراتُكَ الخمسون ..

تُضحكُني ..

لمَن النقودُ .. لِمَنْ ؟

لتُجهِضَني ؟

لتخيطَ لي كَفَني ؟

هذا إذَنْ ثَمَني ؟

ثمنُ الوَفا يا بُؤرَةَ العَفَنِ ..

أنا لم أجِئكَ لِمالِكَ النتِنِ ..

" شكراً .. "

سأُسقِطُ ذلكَ الحَمْلا

أنا لا أريدُ لهُ أباً نَذْلا ..
اللهمَّ لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا، لك الحمد عدد الكائنات، وملء الأرض والسموات.
التعديل الأخير تم بواسطة سليم يلل ; 07-08-2008 الساعة 12:57 PM
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية جلول رفيق
جلول رفيق
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 27-04-2008
  • الدولة : الوطن العربي
  • العمر : 37
  • المشاركات : 1,289
  • معدل تقييم المستوى :

    18

  • جلول رفيق is on a distinguished road
الصورة الرمزية جلول رفيق
جلول رفيق
عضو متميز
رد: مـن عيـون الشعـر العـربـي ( دعوة للمشاركة )
08-08-2008, 06:47 PM
- 1 -

أحاولُ منذ الطُفولةِ رسْمَ بلادٍ
تُسمّى - مجازا - بلادَ العَرَبْ
تُسامحُني إن كسرتُ زُجاجَ القمرْ...
وتشكرُني إن كتبتُ قصيدةَ حبٍ
وتسمحُ لي أن أمارسَ فعْلَ الهوى
ككلّ العصافير فوق الشجرْ...
أحاول رسم بلادٍ
تُعلّمني أن أكونَ على مستوى العشْقِ دوما
فأفرشَ تحتكِ ، صيفا ، عباءةَ حبي
وأعصرَ ثوبكِ عند هُطول المطرْ...

- 2 -

أحاولُ رسْمَ بلادٍ...
لها برلمانٌ من الياسَمينْ.
وشعبٌ رقيق من الياسَمينْ.
تنامُ حمائمُها فوق رأسي.
وتبكي مآذنُها في عيوني.
أحاول رسم بلادٍ تكون صديقةَ شِعْري.
ولا تتدخلُ بيني وبين ظُنوني.
ولا يتجولُ فيها العساكرُ فوق جبيني.
أحاولُ رسْمَ بلادٍ...
تُكافئني إن كتبتُ قصيدةَ شِعْرٍ
وتصفَحُ عني ، إذا فاض نهرُ جنوني

- 3 -

أحاول رسم مدينةِ حبٍ...
تكون مُحرّرةً من جميع العُقَدْ...
فلايذبحون الأنوثةَ فيها...ولايقمَعون الجَسَدْ...

- 4 -

رَحَلتُ جَنوبا...رحلت شمالا...
ولافائدهْ...
فقهوةُ كلِ المقاهي ، لها نكهةٌ واحدهْ...
وكلُ النساءِ لهنّ - إذا ما تعرّينَ-
رائحةٌ واحدهْ...
وكل رجالِ القبيلةِ لايمْضَغون الطعامْ
ويلتهمون النساءَ بثانيةٍ واحدهْ.

- 5 -

أحاول منذ البداياتِ...
أن لاأكونَ شبيها بأي أحدْ...
رفضتُ الكلامَ المُعلّبَ دوما.
رفضتُ عبادةَ أيِ وثَنْ...

- 6 -

أحاول إحراقَ كلِ النصوصِ التي أرتديها.
فبعضُ القصائدِ قبْرٌ،
وبعضُ اللغاتِ كَفَنْ.
وواعدتُ آخِرَ أنْثى...
ولكنني جئتُ بعد مرورِ الزمنْ...

- 7 -

أحاول أن أتبرّأَ من مُفْرداتي
ومن لعْنةِ المبتدا والخبرْ...
وأنفُضَ عني غُباري.
وأغسِلَ وجهي بماء المطرْ...
أحاول من سلطة الرمْلِ أن أستقيلْ...
وداعا قريشٌ...
وداعا كليبٌ...
وداعا مُضَرْ...

- 8 -

أحاول رسْمَ بلادٍ
تُسمّى - مجازا - بلادَ العربْ
سريري بها ثابتٌ
ورأسي بها ثابتٌ
لكي أعرفَ الفرقَ بين البلادِ وبين السُفُنْ...
ولكنهم...أخذوا عُلبةَ الرسْمِ منّي.
ولم يسمحوا لي بتصويرِ وجهِ الوطنْ...

- 9 -

أحاول منذ الطفولةِ
فتْحَ فضاءٍ من الياسَمينْ
وأسّستُ أولَ فندقِ حبٍ...بتاريخ كل العربْ...
ليستقبلَ العاشقينْ...
وألغيتُ كل الحروب القديمةِ...
بين الرجال...وبين النساءْ...
وبين الحمامِ...ومَن يذبحون الحمامْ...
وبين الرخام ومن يجرحون بياضَ الرخامْ...
ولكنهم...أغلقوا فندقي...
وقالوا بأن الهوى لايليقُ بماضي العربْ...
وطُهْرِ العربْ...
وإرثِ العربْ...
فيا لَلعجبْ!!

- 10 -

أحاول أن أتصورَ ما هو شكلُ الوطنْ؟
أحاول أن أستعيدَ مكانِيَ في بطْنِ أمي
وأسبحَ ضد مياه الزمنْ...
وأسرقَ تينا ، ولوزا ، و خوخا،
وأركضَ مثل العصافير خلف السفنْ.
أحاول أن أتخيّلَ جنّة عَدْنٍ
وكيف سأقضي الإجازةَ بين نُهور العقيقْ...
وبين نُهور اللبنْ...
وحين أفقتُ...اكتشفتُ هَشاشةَ حُلمي
فلا قمرٌ في سماءِ أريحا...
ولا سمكٌ في مياهِ الفُراطْ...
ولا قهوةٌ في عَدَنْ...

- 11 -

أحاول بالشعْرِ...أن أُمسِكَ المستحيلْ...
وأزرعَ نخلا...
ولكنهم في بلادي ، يقُصّون شَعْر النخيلْ...
أحاول أن أجعلَ الخيلَ أعلى صهيلا
ولكنّ أهلَ المدينةِيحتقرون الصهيلْ!!

- 12 -

أحاول - سيدتي - أن أحبّكِ...
خارجَ كلِ الطقوسْ...
وخارج كل النصوصْ...
وخارج كل الشرائعِ والأنْظِمَهْ
أحاول - سيدتي - أن أحبّكِ...
في أي منفى ذهبت إليه...
لأشعرَ - حين أضمّكِ يوما لصدري -
بأنّي أضمّ تراب الوَطَنْ...

- 13 -

أحاول - مذْ كنتُ طفلا، قراءة أي كتابٍ
تحدّث عن أنبياء العربْ.
وعن حكماءِ العربْ... وعن شعراءِ العربْ...
فلم أر إلا قصائدَ تلحَسُ رجلَ الخليفةِ
من أجل جَفْنةِ رزٍ... وخمسين درهمْ...
فيا للعَجَبْ!!
ولم أر إلا قبائل ليست تُفرّق ما بين لحم النساء...
وبين الرُطَبْ...
فيا للعَجَبْ!!
ولم أر إلا جرائد تخلع أثوابها الداخليّهْ...
لأيِ رئيسٍ من الغيب يأتي...
وأيِ عقيدٍ على جُثّة الشعب يمشي...
وأيِ مُرابٍ يُكدّس في راحتيه الذهبْ...
فيا للعَجَبْ!!

- 14 -

أنا منذ خمسينَ عاما،
أراقبُ حال العربْ.
وهم يرعدونَ، ولايمُطرونْ...
وهم يدخلون الحروب، ولايخرجونْ...
وهم يعلِكونَ جلود البلاغةِ عَلْكا
ولا يهضمونْ...

- 15 -

أنا منذ خمسينَ عاما
أحاولُ رسمَ بلادٍ
تُسمّى - مجازا - بلادَ العربْ
رسمتُ بلون الشرايينِ حينا
وحينا رسمت بلون الغضبْ.
وحين انتهى الرسمُ، ساءلتُ نفسي:
إذا أعلنوا ذاتَ يومٍ وفاةَ العربْ...
ففي أيِ مقبرةٍ يُدْفَنونْ؟
ومَن سوف يبكي عليهم؟
وليس لديهم بناتٌ...
وليس لديهم بَنونْ...
وليس هنالك حُزْنٌ،
وليس هنالك مَن يحْزُنونْ!!

- 16 -

أحاولُ منذُ بدأتُ كتابةَ شِعْري
قياسَ المسافةِ بيني وبين جدودي العربْ.
رأيتُ جُيوشا...ولا من جيوشْ...
رأيتُ فتوحا...ولا من فتوحْ...
وتابعتُ كلَ الحروبِ على شاشةِ التلْفزهْ...
فقتلى على شاشة التلفزهْ...
وجرحى على شاشة التلفزهْ...
ونصرٌ من الله يأتي إلينا...على شاشة التلفزهْ...

- 17 -

أيا وطني: جعلوك مسلْسلَ رُعْبٍ
نتابع أحداثهُ في المساءْ.
فكيف نراك إذا قطعوا الكهْرُباءْ؟؟

- 18 -

أنا...بعْدَ خمسين عاما
أحاول تسجيل ما قد رأيتْ...
رأيتُ شعوبا تظنّ بأنّ رجالَ المباحثِ
أمْرٌ من الله...مثلَ الصُداعِ...ومثل الزُكامْ...
ومثلَ الجُذامِ...ومثل الجَرَبْ...
رأيتُ العروبةَ معروضةً في مزادِ الأثاث القديمْ...
ولكنني...ما رأيتُ العَرَبْ!!...

__________________
"الإرهاب أن نرى الذل والظلم أمامنا ولا نحرك ساكنا
أن نرى العدالة تحطم أمامنا ولا ننهض ثائرين في وجه
وحوش الدولة"

لا مُكحلةلا سيف مسلـول *** ثائر من غير ســــــلاح
بالكلمة يصنع أسطــــول *** قبطان فالشّعر مـــــلاّح
مالمرّ يسقيك معســــــول *** حكيم في لمعاني جرّاح
هذاك (رفيق جــــــلول) *** شاعر من الـــزّاب لاح
للشاعر أبو أسامة 19/09/2009 سيدي عقبة

http://montada.echoroukonline.com/sh...721#post604721
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية جلول رفيق
جلول رفيق
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 27-04-2008
  • الدولة : الوطن العربي
  • العمر : 37
  • المشاركات : 1,289
  • معدل تقييم المستوى :

    18

  • جلول رفيق is on a distinguished road
الصورة الرمزية جلول رفيق
جلول رفيق
عضو متميز
رد: مـن عيـون الشعـر العـربـي ( دعوة للمشاركة )
08-08-2008, 06:49 PM
بلقيس قصيدة لنزار قباني


1

شُكْرَاً لَكُمْ
شُكْرَاً لَكُمْ
فحبيبتي قُتِلَتْ وصارَ بوسْعِكُم
أن تشربوا كأساً على قبرِ الشهيدة
وقصيدتي اغتيلت ..
وهَلْ من أُمَّةٍ في الأرضِ ..
- إلاَّ نحنُ - تغتالُ القصيدة ؟


2
بلقيسُ ...
كانتْ أجملَ المَلِكَاتِ في تاريخ بابِِلْ
بلقيسُ ..
كانت أطولَ النَخْلاتِ في أرض العراقْ
كانتْ إذا تمشي ..
ترافقُها طواويسٌ ..
وتتبعُها أيائِلْ ..
بلقيسُ .. يا وَجَعِي ..
ويا وَجَعَ القصيدةِ حين تلمَسُهَا الأناملْ
هل يا تُرى ..
من بعد شَعْرِكِ سوفَ ترتفعُ السنابلْ ؟
يا نَيْنَوَى الخضراء ..
يا غجريَّتي الشقراء..
يا أمواجَ دجلةَ. .
تلبسُ في الربيعِ بساقِهِا
أحلى الخلاخِلْ ..

3
قتلوكِ يا بلقيسُ ..
أيَّةُ أُمَّةٍ عربيةٍ ..
تلكَ التي
تغتالُ أصواتَ البلابِلْ ؟
أين السَّمَوْأَلُ ؟
والمُهَلْهَلُ ؟
والغطاريفُ الأوائِلْ ؟
فقبائلٌ أَكَلَتْ قبائلْ ..
وثعالبٌ قتلتْ ثعالبْ ..
وعناكبٌ قتلتْ عناكبْ ..
قَسَمَاً بعينيكِ اللتينِ إليهما ..
تأوي ملايينُ الكواكبْ ..
سأقُولُ ، يا قَمَرِي ، عن العَرَبِ العجائبْ
فهل البطولةُ كِذْبَةٌ عربيةٌ ؟
أم مثلنا التاريخُ كاذبْ ؟.


4
بلقيسُ
لا تتغيَّبِي عنّي
فإنَّ الشمسَ بعدكِ
لا تُضيءُ على السواحِلْ . .
سأقول في التحقيق:
إنَّ اللصَّ أصبحَ يرتدي ثوبَ المُقاتِلْ
وأقول في التحقيق :
إنَّ القائدَ الموهوبَ أصبحَ كالمُقَاوِلْ ..
وأقولُ :
إن حكايةَ الإشعاع ، أسخفُ نُكْتَةٍ قِيلَتْ ..
فنحنُ قبيلةٌ بين القبائِلْ
هذا هو التاريخُ . . يا بلقيسُ ..
كيف يُفَرِّقُ الإنسانُ ..
ما بين الحدائقِ والمزابلْ

5
بلقيسُ ..
أيَّتها الشهيدةُ .. والقصيدةُ ..
والمُطَهَّرَةُ النقيَّةْ ..
سبأٌ تفتِّشُ عن مَلِيكَتِهَا
فرُدِّي للجماهيرِ التحيَّةْ ..
يا أعظمَ المَلِكَاتِ ..
يا امرأةً تُجَسِّدُ كلَّ أمجادِ العصورِ السُومَرِيَّةْ
بلقيسُ ..
يا عصفورتي الأحلى ..
ويا أَيْقُونتي الأَغْلَى
ويا دَمْعَاً تناثرَ فوقَ خَدِّ المجدليَّةْ
أَتُرى ظَلَمْتُكِ إذْ نَقَلْتُكِ
ذاتَ يومٍ .. من ضفافِ الأعظميَّةْ
بيروتُ .. تقتُلُ كلَّ يومٍ واحداً مِنَّا ..
وتبحثُ كلَّ يومٍ عن ضحيَّةْ
والموتُ .. في فِنْجَانِ قَهْوَتِنَا ..
وفي مفتاح شِقَّتِنَا ..
وفي أزهارِ شُرْفَتِنَا ..
وفي وَرَقِ الجرائدِ ..
والحروفِ الأبجديَّةْ ...
ها نحنُ .. يا بلقيسُ ..
ندخُلُ مرةً أُخرى لعصرِ الجاهليَّةْ ..
ها نحنُ ندخُلُ في التَوَحُّشِ ..
والتخلّفِ .. والبشاعةِ .. والوَضَاعةِ ..
ندخُلُ مرةً أُخرى .. عُصُورَ البربريَّةْ ..
حيثُ الكتابةُ رِحْلَةٌ
بينِ الشَّظيّةِ .. والشَّظيَّةْ
حيثُ اغتيالُ فراشةٍ في حقلِهَا ..
صارَ القضيَّةْ ..

6
هل تعرفونَ حبيبتي بلقيسَ ؟
فهي أهمُّ ما كَتَبُوهُ في كُتُبِ الغرامْ
كانتْ مزيجاً رائِعَاً
بين القَطِيفَةِ والرُّخَامْ ..
كان البَنَفْسَجُ بينَ عَيْنَيْهَا
ينامُ ولا ينامْ ..
بلقيسُ ..
يا عِطْرَاً بذاكرتي ..
ويا قبراً يسافرُ في الغمام ..
قتلوكِ ، في بيروتَ ، مثلَ أيِّ غزالةٍ
من بعدما .. قَتَلُوا الكلامْ ..
بلقيسُ ..
ليستْ هذهِ مرثيَّةً
لكنْ ..
على العَرَبِ السلامْ



7
بلقيسُ ..
مُشْتَاقُونَ.. مُشْتَاقُونَ.. مُشْتَاقُونَ ..
والبيتُ الصغيرُ..
يُسائِلُ عن أميرته المعطَّرةِ الذُيُولْ
نُصْغِي إلى الأخبار .. والأخبارُ غامضةٌ
ولا تروي فُضُولْ ..

بلقيسُ ..
مذبوحونَ حتى العَظْم ..
والأولادُ لا يدرونَ ما يجري ..
ولا أدري أنا .. ماذا أقُولْ ؟
هل تقرعينَ البابَ بعد دقائقٍ ؟
هل تخلعينَ المعطفَ الشَّتَوِيَّ ؟
هل تأتينَ باسمةً ..
وناضرةً ..
ومُشْرِقَةً كأزهارِ الحُقُولْ ؟

8

بلقيسُ ..
إنَّ زُرُوعَكِ الخضراءَ ..
ما زالتْ على الحيطانِ باكيةً ..
وَوَجْهَكِ لم يزلْ مُتَنَقِّلاً ..
بينَ المرايا والستائرْ
حتى سجارتُكِ التي أشعلتِها
لم تنطفئْ ..
ودخانُهَا
ما زالَ يرفضُ أن يسافرْ

بلقيسُ ..
مطعونونَ .. مطعونونَ في الأعماقِ ..
والأحداقُ يسكنُها الذُهُولْ
بلقيسُ ..
كيف أخذتِ أيَّامي .. وأحلامي ..
وألغيتِ الحدائقَ والفُصُولْ ..
يا زوجتي ..
وحبيبتي .. وقصيدتي .. وضياءَ عيني ..
قد كنتِ عصفوري الجميلَ ..
فكيف هربتِ يا بلقيسُ منّي ؟..

9
بلقيسُ ..
هذا موعدُ الشَاي العراقيِّ المُعَطَّرِ ..
والمُعَتَّق كالسُّلافَةْ ..
فَمَنِ الذي سيوزّعُ الأقداحَ .. أيّتها الزُرافَةْ ؟
ومَنِ الذي نَقَلَ الفراتَ لِبَيتنا ..
وورودَ دَجْلَةَ والرَّصَافَةْ ؟

بلقيسُ ..
إنَّ الحُزْنَ يثقُبُنِي ..
وبيروتُ التي قَتَلَتْكِ .. لا تدري جريمتَها
وبيروتُ التي عَشقَتْكِ ..
تجهلُ أنّها قَتَلَتْ عشيقتَها ..
وأطفأتِ القَمَرْ ..



10
بلقيسُ ..
يا بلقيسُ ..
يا بلقيسُ
كلُّ غمامةٍ تبكي عليكِ ..
فَمَنْ تُرى يبكي عليَّا ..
بلقيسُ .. كيف رَحَلْتِ صامتةً
ولم تَضَعي يديْكِ .. على يَدَيَّا ؟

بلقيسُ ..
كيفَ تركتِنا في الريح ..
نرجِفُ مثلَ أوراق الشَّجَرْ ؟
وتركتِنا - نحنُ الثلاثةَ - ضائعينَ
كريشةٍ تحتَ المَطَرْ ..
أتُرَاكِ ما فَكَّرْتِ بي ؟
وأنا الذي يحتاجُ حبَّكِ .. مثلَ (زينبَ) أو (عُمَرْ)



11
بلقيسُ ..
يا كَنْزَاً خُرَافيّاً ..
ويا رُمْحَاً عِرَاقيّاً ..
وغابَةَ خَيْزُرَانْ ..
يا مَنْ تحدَّيتِ النجُومَ ترفُّعاً ..
مِنْ أينَ جئتِ بكلِّ هذا العُنْفُوانْ ؟
بلقيسُ ..
أيتها الصديقةُ .. والرفيقةُ ..
والرقيقةُ مثلَ زَهْرةِ أُقْحُوَانْ ..
ضاقتْ بنا بيروتُ .. ضاقَ البحرُ ..
ضاقَ بنا المكانْ ..
بلقيسُ : ما أنتِ التي تَتَكَرَّرِينَ ..
فما لبلقيسَ اثْنَتَانْ ..

12
بلقيسُ ..
تذبحُني التفاصيلُ الصغيرةُ في علاقتِنَا ..
وتجلُدني الدقائقُ والثواني ..
فلكُلِّ دبّوسٍ صغيرٍ .. قصَّةٌ
ولكُلِّ عِقْدٍ من عُقُودِكِ قِصَّتانِ
حتى ملاقطُ شَعْرِكِ الذَّهَبِيِّ ..
تغمُرُني ،كعادتِها ، بأمطار الحنانِ
ويُعَرِّشُ الصوتُ العراقيُّ الجميلُ ..
على الستائرِ ..
والمقاعدِ ..
والأوَاني ..
ومن المَرَايَا تطْلَعِينَ ..
من الخواتم تطْلَعِينَ ..
من القصيدة تطْلَعِينَ ..
من الشُّمُوعِ ..
من الكُؤُوسِ ..
من النبيذ الأُرْجُواني ..

بلقيسُ ..
يا بلقيسُ .. يا بلقيسُ ..
لو تدرينَ ما وَجَعُ المكانِ..
في كُلِّ ركنٍ .. أنتِ حائمةٌ كعصفورٍ ..
وعابقةٌ كغابةِ بَيْلَسَانِ ..
فهناكَ .. كنتِ تُدَخِّنِينَ ..
هناكَ .. كنتِ تُطالعينَ ..
هناكَ .. كنتِ كنخلةٍ تَتَمَشَّطِينَ ..
وتدخُلينَ على الضيوفِ ..
كأنَّكِ السَّيْفُ اليَمَاني ..

بلقيسُ ..
أين زجَاجَةُ ( الغِيرلاَنِ ) ؟
والوَلاّعةُ الزرقاءُ ..
أينَ سِجَارةُ الـ (الكَنْتِ ) التي
ما فارقَتْ شَفَتَيْكِ ؟
أين (الهاشميُّ ) مُغَنِّيَاً ..
فوقَ القوامِ المَهْرَجَانِ ..
تتذكَّرُ الأمْشَاطُ ماضيها ..
فَيَكْرُجُ دَمْعُهَا ..
هل يا تُرى الأمْشَاطُ من أشواقها أيضاً تُعاني ؟
بلقيسُ : صَعْبٌ أنْ أهاجرَ من دمي ..
وأنا المُحَاصَرُ بين ألسنَةِ اللهيبِ ..
وبين ألسنَةِ الدُخَانِ ...

13
بلقيسُ : أيتَّهُا الأميرَةْ
ها أنتِ تحترقينَ .. في حربِ العشيرةِ والعشيرَةْ
ماذا سأكتُبُ عن رحيل ملكيتي ؟
إنَ الكلامَ فضيحتي ..
ها نحنُ نبحثُ بين أكوامِ الضحايا..
عن نجمةٍ سَقَطَتْ ..
وعن جَسَدٍ تناثَرَ كالمَرَايَا ..
ها نحنُ نسألُ يا حَبِيبَةْ ..
إنْ كانَ هذا القبرُ قَبْرَكِ أنتِ
أم قَبْرَ العُرُوبَةْ ..

14
بلقيسُ :
يا صَفْصَافَةً أَرْخَتْ ضفائرَها عليَّ ..
ويا زُرَافَةَ كبرياءْ
بلقيسُ :
إنَّ قَضَاءَنَا العربيَّ أن يغتالَنا عَرَبٌ ..
ويأكُلَ لَحْمَنَا عَرَبٌ ..
ويبقُرُ بطْنَنَا عَرَبٌ ..
ويَفْتَحَ قَبْرَنَا عَرَبٌ ..
فكيف نفُرُّ من هذا القَضَاءْ ؟
فالخِنْجَرُ العربيُّ .. ليسَ يُقِيمُ فَرْقَاً
بين أعناقِ الرجالِ ..
وبين أعناقِ النساءْ ..
بلقيسُ :
إنْ هم فَجَّرُوكِ .. فعندنا
كلُّ الجنائزِ تبتدي في كَرْبَلاءَ ..
وتنتهي في كَرْبَلاءْ ..

15
لَنْ أقرأَ التاريخَ بعد اليوم
إنَّ أصابعي اشْتَعَلَتْ ..
وأثوابي تُغَطِّيها الدمَاءْ ..
ها نحنُ ندخُلُ عصْرَنَا الحَجَرِيَّ
نرجعُ كلَّ يومٍ ، ألفَ عامٍ للوَرَاءْ ...

16
البحرُ في بيروتَ ..
بعد رحيل عَيْنَيْكِ اسْتَقَالْ ..
والشِّعْرُ.. يسألُ عن قصيدَتِهِ
التي لم تكتمِلْ كلماتُهَا ..
ولا أَحَدٌ .. يُجِيبُ على السؤالْ

17
الحُزْنُ يا بلقيسُ ..
يعصُرُ مهجتي كالبُرْتُقَالَةْ ..
الآنَ .. أَعرفُ مأزَقَ الكلماتِ
أعرفُ وَرْطَةَ اللغةِ المُحَالَةْ ..
وأنا الذي اخترعَ الرسائِلَ ..
لستُ أدري .. كيفَ أَبْتَدِئُ الرسالَةْ ..
السيف يدخُلُ لحم خاصِرَتي
وخاصِرَةِ العبارَةْ ..
كلُّ الحضارةِ ، أنتِ يا بلقيسُ ، والأُنثى حضارَةْ ..

18
بلقيسُ : أنتِ بشارتي الكُبرى ..
فَمَنْ سَرَق البِشَارَةْ ؟
أنتِ الكتابةُ قبْلَمَا كانَتْ كِتَابَةْ ..
أنتِ الجزيرةُ والمَنَارَةْ ..
بلقيسُ :
يا قَمَرِي الذي طَمَرُوهُ ما بين الحجارَةْ ..
الآنَ ترتفعُ الستارَةْ ..
الآنَ ترتفعُ الستارِةْ..

19
سَأَقُولُ في التحقيقِ ..
إنّي أعرفُ الأسماءَ .. والأشياءَ .. والسُّجَنَاءَ ..
والشهداءَ .. والفُقَرَاءَ .. والمُسْتَضْعَفِينْ ..
وأقولُ إنّي أعرفُ السيَّافَ قاتِلَ زوجتي ..
ووجوهَ كُلِّ المُخْبِرِينْ ..
وأقول : إنَّ عفافَنا عُهْرٌ ..
وتَقْوَانَا قَذَارَةْ ..
وأقُولُ : إنَّ نِضالَنا كَذِبٌ
وأنْ لا فَرْقَ ..
ما بين السياسةِ والدَّعَارَةْ !!
سَأَقُولُ في التحقيق :
إنّي قد عَرَفْتُ القاتلينْ
وأقُولُ :
إنَّ زمانَنَا العربيَّ مُخْتَصٌّ بذَبْحِ الياسَمِينْ
وبقَتْلِ كُلِّ الأنبياءِ ..
وقَتْلِ كُلِّ المُرْسَلِينْ ..
حتّى العيونُ الخُضْرُ ..
يأكُلُهَا العَرَبْ
حتّى الضفائرُ .. والخواتمُ
والأساورُ .. والمرايا .. واللُّعَبْ ..
حتّى النجومُ تخافُ من وطني ..
ولا أدري السَّبَبْ ..
حتّى الطيورُ تفُرُّ من وطني ..
و لا أدري السَّبَبْ ..
حتى الكواكبُ .. والمراكبُ .. والسُّحُبْ
حتى الدفاترُ .. والكُتُبْ ..
وجميعُ أشياء الجمالِ ..
جميعُها .. ضِدَّ العَرَبْ ..

20

لَمَّا تناثَرَ جِسْمُكِ الضَّوْئِيُّ
يا بلقيسُ ،
لُؤْلُؤَةً كريمَةْ
فَكَّرْتُ : هل قَتْلُ النساء هوايةٌ عَربيَّةٌ
أم أنّنا في الأصل ، مُحْتَرِفُو جريمَةْ ؟

21
بلقيسُ ..
يا فَرَسِي الجميلةُ .. إنَّني
من كُلِّ تاريخي خَجُولْ
هذي بلادٌ يقتلُونَ بها الخُيُولْ ..
هذي بلادٌ يقتلُونَ بها الخُيُولْ ..

22
مِنْ يومِ أنْ نَحَرُوكِ ..
يا بلقيسُ ..
يا أَحْلَى وَطَنْ ..
لا يعرفُ الإنسانُ كيفَ يعيشُ في هذا الوَطَنْ ..
لا يعرفُ الإنسانُ كيفَ يموتُ في هذا الوَطَنْ ..

23
ما زلتُ أدفعُ من دمي ..
أعلى جَزَاءْ ..
كي أُسْعِدَ الدُّنْيَا .. ولكنَّ السَّمَاءْ
شاءَتْ بأنْ أبقى وحيداً ..
مثلَ أوراق الشتاءْ
هل يُوْلَدُ الشُّعَرَاءُ من رَحِمِ الشقاءْ ؟
وهل القصيدةُ طَعْنَةٌ
في القلبِ .. ليس لها شِفَاءْ ؟
أم أنّني وحدي الذي
عَيْنَاهُ تختصرانِ تاريخَ البُكَاءْ ؟



24
سَأقُولُ في التحقيق :
كيف غَزَالتي ماتَتْ بسيف أبي لَهَبْ
كلُّ اللصوص من الخليجِ إلى المحيطِ ..
يُدَمِّرُونَ .. ويُحْرِقُونَ ..
ويَنْهَبُونَ .. ويَرْتَشُونَ ..
ويَعْتَدُونَ على النساءِ ..
كما يُرِيدُ أبو لَهَبْ ..
كُلُّ الكِلابِ مُوَظَّفُونَ ..
ويأكُلُونَ ..
ويَسْكَرُونَ ..
على حسابِ أبي لَهَبْ ..

25
لا قَمْحَةٌ في الأرض ..
تَنْبُتُ دونَ رأي أبي لَهَبْ
لا طفلَ يُوْلَدُ عندنا
إلا وزارتْ أُمُّهُ يوماً ..
فِراشَ أبي لَهَبْ !!...
لا سِجْنَ يُفْتَحُ ..
دونَ رأي أبي لَهَبْ ..
لا رأسَ يُقْطَعُ
دونَ أَمْر أبي لَهَبْ ..

26
سَأقُولُ في التحقيق :
كيفَ أميرتي اغْتُصِبَتْ
وكيفَ تقاسَمُوا فَيْرُوزَ عَيْنَيْهَا
وخاتَمَ عُرْسِهَا ..
وأقولُ كيفَ تقاسَمُوا الشَّعْرَ الذي
يجري كأنهارِ الذَّهَبْ ..

سَأَقُولُ في التحقيق :
كيفَ سَطَوْا على آيات مُصْحَفِهَا الشريفِ
وأضرمُوا فيه اللَّهَبْ ..
سَأقُولُ كيفَ اسْتَنْزَفُوا دَمَهَا ..
وكيفَ اسْتَمْلَكُوا فَمَهَا ..
فما تركُوا به وَرْدَاً .. ولا تركُوا عِنَبْ
هل مَوْتُ بلقيسٍ ...
هو النَّصْرُ الوحيدُ
بكُلِّ تاريخِ العَرَبْ ؟؟...

27
بلقيسُ ..
يا مَعْشُوقتي حتّى الثُّمَالَةْ ..
الأنبياءُ الكاذبُونَ ..
يُقَرْفِصُونَ ..
ويَرْكَبُونَ على الشعوبِ
ولا رِسَالَةْ ..
لو أَنَّهُمْ حَمَلُوا إلَيْنَا ..
من فلسطينَ الحزينةِ ..
نَجْمَةً ..
أو بُرْتُقَالَةْ ..
لو أَنَّهُمْ حَمَلُوا إلَيْنَا ..
من شواطئ غَزَّةٍ
حَجَرَاً صغيراً
أو محَاَرَةْ ..
لو أَنَّهُمْ من رُبْعِ قَرْنٍ حَرَّروا ..
زيتونةً ..
أو أَرْجَعُوا لَيْمُونَةً
ومَحوا عن التاريخ عَارَهْ
لَشَكَرْتُ مَنْ قَتَلُوكِ .. يا بلقيسُ ..
يا مَعْبُودَتي حتى الثُّمَالَةْ ..
لكنَّهُمْ تَرَكُوا فلسطيناً
ليغتالُوا غَزَالَةْ !!...



28
ماذا يقولُ الشِّعْرُ ، يا بلقيسُ ..
في هذا الزَمَانِ ؟
ماذا يقولُ الشِّعْرُ ؟
في العَصْرِ الشُّعُوبيِّ ..
المَجُوسيِّ ..
الجَبَان
والعالمُ العربيُّ
مَسْحُوقٌ .. ومَقْمُوعٌ ..
ومَقْطُوعُ اللسانِ ..
نحنُ الجريمةُ في تَفَوُّقِها
فما ( العِقْدُ الفريدُ ) وما ( الأَغَاني ) ؟؟
أَخَذُوكِ أيَّتُهَا الحبيبةُ من يَدي ..
أخَذُوا القصيدةَ من فَمِي ..
أخَذُوا الكتابةَ .. والقراءةَ ..
والطُّفُولَةَ .. والأماني

بلقيسُ .. يا بلقيسُ ..
يا دَمْعَاً يُنَقِّطُ فوق أهداب الكَمَانِ ..
عَلَّمْتُ مَنْ قتلوكِ أسرارَ الهوى
لكنَّهُمْ .. قبلَ انتهاءِ الشَّوْطِ
قد قَتَلُوا حِصَاني

29
بلقيسُ :
أسألكِ السماحَ ، فربَّما
كانَتْ حياتُكِ فِدْيَةً لحياتي ..
إنّي لأعرفُ جَيّداً ..
أنَّ الذين تورَّطُوا في القَتْلِ ، كانَ مُرَادُهُمْ
أنْ يقتُلُوا كَلِمَاتي !!!

30
نامي بحفْظِ اللهِ .. أيَّتُها الجميلَةْ
فالشِّعْرُ بَعْدَكِ مُسْتَحِيلٌ ..
والأُنُوثَةُ مُسْتَحِيلَةْ
سَتَظَلُّ أجيالٌ من الأطفالِ ..
تسألُ عن ضفائركِ الطويلَةْ ..
وتظلُّ أجيالٌ من العُشَّاقِ
تقرأُ عنكِ أيَّتُها المعلِّمَةُ الأصيلَةْ ...
وسيعرفُ الأعرابُ يوماً ..
أَنَّهُمْ قَتَلُوا الرسُولَةْ ..
قَتَلُوا الرسُولَةْ ..
ق .. ت .. ل ..و .. ا
ال .. ر .. س .. و .. ل .. ة
***
"الإرهاب أن نرى الذل والظلم أمامنا ولا نحرك ساكنا
أن نرى العدالة تحطم أمامنا ولا ننهض ثائرين في وجه
وحوش الدولة"

لا مُكحلةلا سيف مسلـول *** ثائر من غير ســــــلاح
بالكلمة يصنع أسطــــول *** قبطان فالشّعر مـــــلاّح
مالمرّ يسقيك معســــــول *** حكيم في لمعاني جرّاح
هذاك (رفيق جــــــلول) *** شاعر من الـــزّاب لاح
للشاعر أبو أسامة 19/09/2009 سيدي عقبة

http://montada.echoroukonline.com/sh...721#post604721
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية جلول رفيق
جلول رفيق
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 27-04-2008
  • الدولة : الوطن العربي
  • العمر : 37
  • المشاركات : 1,289
  • معدل تقييم المستوى :

    18

  • جلول رفيق is on a distinguished road
الصورة الرمزية جلول رفيق
جلول رفيق
عضو متميز
رد: مـن عيـون الشعـر العـربـي ( دعوة للمشاركة )
08-08-2008, 06:53 PM
هذا الشريط مخصص لأجمل قصائد المبدع نزار قباني ارجو ان ينال اعجاب جميع القراء

القصيدة الاولى : راشيل و اخواتها 1996

وجهُ قانا..
شاحبٌ كما وجهُ يسوع
وهواءُ البحرِ في نيسانَ،
أمطارُ دماءٍ ودموع...


دخلوا قانا على أجسادِنا
يرفعونَ العلمَ النازيَّ في أرضِ الجنوب
ويعيدونَ فصولَ المحرقة..
هتلرٌ أحرقهم في غرفِ الغاز
وجاؤوا بعدهُ كي يحرقونا
هتلرٌ هجّرهم من شرقِ أوروبا
وهم من أرضِنا هجّرونا
هتلرٌ لم يجدِ الوقتَ لكي يمحقَهمْ
ويريحَ الأرضَ منهم..
فأتوا من بعدهِ كي يمحقونا!!


دخلوا قانا كأفواجِ ذئابٍ جائعة..
يشعلونَ النّار في بيتِ المسيح
ويدوسونَ على ثوبِ الحسين
وعلى أرضِ الجنوب الغالية..


قصفوا الحنطةَ والزيتونَ والتبغَ،
وأصواتَ البلابل...
قصفوا قدموسَ في مركبهِ..
قصفوا البحرَ وأسرابَ النوارس..
قصفوا حتى المشافي والنساءَ المرضعات
وتلاميذَ المدارس.
قصفوا سحرَ الجنوبيّات
واغتالوا بساتينَ العيونِ العسلية!


... ورأينا الدمعَ في جفنِ عليٍّ
وسمعنا صوتهُ وهوَ يصلّي
تحت أمطارِ سماءٍ دامية..


كشفت قانا الستائر...
ورأينا أمريكا ترتدي معطفَ حاخامٍ يهوديٍّ عتيق
وتقودُ المجزرة..
تطلقُ النارَ على أطفالنا دونَ سبب..
وعلى زوجاتنا دونَ سبب
وعلى أشجارنا دونَ سبب
وعلى أفكارنا دونَ سبب
فهل الدستورُ في سيّدة العالم..
بالعبريِّ مكتوبٌ لإذلالِ العرب؟؟
هل على كلِّ رئيسٍ حاكمٍ في أمريكا..
إذا أرادَ الفوزَ في حلمِ الرئاسةِ
قتلَنا، نحنُ العرب؟؟


انتظرنا عربياً واحداً
يسحبُ الخنجرَ من رقبتنا..
انتظرنا هاشمياً واحداً..
انتظرنا قُرشياًَ واحداً..
دونكشوتاًَ واحداً..
قبضاياً واحداً لم يقطعوا شاربهُ..
انتظرنا خالداً أو طارقاً أو عنتره..
فأكلنا ثرثره... وشربنا ثرثره..
أرسلوا فاكساً إلينا.. استلمنا نصَّهُ
بعدَ تقديمِ التعازي.. وانتهاءِ المجزرة!


ما الذي تخشاهُ إسرائيلُ من صرخاتنا؟
ما الذي تخشاهُ من "فاكساتنا"؟
فجهادُ "الفاكسِ" من أبسطِ أنواعِ الجهاد..
هوَ نصٌّ واحدٌ نكتبهُ
لجميعِ الشهداءِ الراحلين
وجميع الشهداءِ القادمين..!


ما الذي تخشاهُ إسرائيلُ من ابن المقفّع؟
وجريرٍ.. والفرزدق..؟
ومن الخنساءِ تلقي شعرها عند بابِ المقبره..
ما الذي تخشاهُ من حرقِ الإطارات..؟
وتوقيعِ البيانات؟ وتحطيمِ المتاجر؟
وهي تدري أننا لم نكُن يوماً ملوكَ الحربِ..
بل كنّا ملوكَ الثرثرة..


ما الذي تخشاهُ من قرقعةِ الطبلِ..
ومن شقِّ الملاءات.. ومن لطمِ الخدود؟
ما الذي تخشاهُ من أخبارِ عادٍ وثمود؟؟


نحنُ في غيبوبةٍ قوميةٍ
ما استلمنا منذُ أيامِ الفتوحاتِ بريداً..


نحنُ شعبٌ من عجين
كلّما تزدادُ إسرائيلُ إرهاباً وقتلاً
نحنُ نزدادُ ارتخاءً.. وبرودا..


وطنٌ يزدادُ ضيقاً
لغةٌ قطريةٌ تزدادُ قبحاً
وحدةٌ خضراءُ تزداد انفصالاً
شجرٌ يزدادُ في الصّيف قعوداً..
وحدودٌ كلّما شاءَ الهوى تمحو حدودا..!


كيفَ إسرائيلُ لا تذبحنا؟
كيفَ لا تلغي هشاماً، وزياداً، والرشيدا؟
وبنو تغلبَ مشغولون في نسوانهم...
وبنو مازنَ مشغولونَ في غلمانهم..
وبنو هاشمَ يرمونَ السّراويلَ على أقدامها..
ويبيحونَ شِفاهاً ونهودا؟؟!


ما الذي تخشاهُ إسرائيلُ من بعضِ العربْ...
بعدما صاروا يهودا؟


=================
القصيدة الثانية : السمفونية الجنوبية الخامسة

سميتكَ الجنوب
يا لابساً عباءةَ الحسين
وشمسَ كربلاء
يا شجرَ الوردِ الذي يحترفُ الفداء
يا ثورةَ الأرضِ التقت بثورةِ السماء
يا جسداً يطلعُ من ترابهِ
قمحٌ وأنبياء

سميّتُك الجنوب
يا قمر الحُزن الذي يطلعُ ليلاً من عيونِ فاطمة
يا سفنَ الصيدِ التي تحترفُ المقاومة..
يا كتب الشعر التي تحترف المقاومة..
يا ضفدع النهر الذي
يقرأ طولَ الليلِ سورةَ المقاومة

سميتك الجنوب..
سميتك الشمعَ الذي يضاءُ في الكنائس
سميتك الحناء في أصابع العرائس
سميتك الشعرَ البطوليَ الذي
يحفظه الأطفالُ في المدارس
سميتك الأقلامَ والدفاترَ الوردية
سميتك الرصاصَ في أزقةِ "النبطية"
سميتك النشور والقيامة
سميتك الصيفَ الذي تحملهُ
في ريشها الحمامة

سميتك الجنوب
سميتك النوارس البيضاء، والزوارق
سميتك الأطفالَ يلعبونَ بالزنابق
سميتك الرجالَ يسهرونَ حولَ النارِ والبنادق
سميتك القصيدةَ الزرقاء
سميتك البرقَ الذي بنارهِ تشتعلُ الأشياء
سميتك المسدسَ المخبوءَ في ضفائرِ النساء
سميتك الموتى الذينَ بعد أن يشيَّعوا..
يأتون للعشاء ويستريحون إلى فراشهم
ويطمئنون على أطفالهم
وحين يأتي الفجرُ، يرجعون للسماء

سيذكرُ التاريخُ يوماً قريةً صغيرةً
بين قرى الجنوب،
تدعى "معركة"
قد دافعت بصدرهاعن شرفِ الأرض،
وعن كرامة العروبة
وحولها قبائلٌ جبانةٌ
وأمةٌ مفككه

سميتك الجنوب..
سميتكَ الأجراسَ والأعياد
وضحكةَ الشمس على مرايلِ الأولاد
يا أيها القديسُ، والشاعرُ والشهيد
يا ايها المسكونُ بالجديد
يا طلقةَ الرصاص في جبينِ أهلِ الكهف
ويا نبيَّ العنف
ويا الذي أطلقنا من أسرنا
ويا الذي حررنا من خوف

لم يبقَ إلا أنت
تسيرُ فوق الشوكِ والزجاج
والإخوة الكرام
نائمون فوقَ البيضِ كالدجاج
وفي زمانِ الحربِ، يهربون كالدجاج

يا سيدي الجنوب:
في مدنِ الملحِ التي يسكنها الطاعونُ والغبار
في مدنِ الموتِ التي تخافُ أن تزورها الأمطار
لم يبق إلا أنت..
تزرع في حياتنا النخيلَ، والأعنابَ والأقمار

لم يبقَ إلا أنت.. إلا أنت.. إلا أنت
فافتح لنا بوابةَ النهار

=======================
القصيدة الثالثة : الوصية

أفتحُ صندوقَ أبي
أمزِّقُ الوصيّهْ
أبيعُ في المزادِ ما ورثتُهُ :
مجموعةَ المسابحِ العاجيّهْ
طربوشُهُ التركيُّ ، والجواربُ الصوفيَّهْ
وعلبةُ النشوقِ، السماورُ العتيقُ، والشمسيَّهْ
أسحبُ سيفي غاضباً
وأقطعُ الرؤوسَ ، والمفاصل المرخيَّهْ
وأهدمُ الشرقَ على أصحابِهِ
تكيَّةً .. تكيَّهْ ..


أفتحُ صندوقَ أبي
فلا أرى ..
إلا دراويشَ ومولويَّهْ
والعودَ، والقانونَ، والبشارفَ الشرقيَّهْ
وقصَّةَ الزيرِ على حصانِهِ ..
وعاطلينَ يشربونَ القهوةَ التركيَّهْ
أسحبُ سيفي غاضباً
وأقتلُ المعلّقاتِ العشرَ .. والألفيَّهْ
وأقتلُ الكهوفَ، والدفوفَ،
والأضرحةَ الغبيَّهْ ..


أفتحُ تاريخَ أبي
أفتحُ أيّامَ أبي
أرى الذي ليسَ يُرى :
أدعيةٌ . مدائحٌ دينيَّهْ
أوعيةٌ . حشائشٌ طبيَّهْ
أدويةٌ للقُدرةِ الجنسيَّهْ
أبحثُ عن معرفةٍ تنفعُني
أبحثُ عن كتابةٍ
تَخُصُّ هذا العصرَ .. أو تخصُّني
فلا أرى حولي سوى ..
رملٍ وجاهليَّهْ ..


أرفضُ ميراثَ أبي ..
وأرفضُ الثوبَ الذي ألبَسَني
وأرفضُ العلمَ الذي علَّمَني
وكلَّ ما أورَثَني ..
من عُقَدٍ جنسيَّهْ
أرفضُ ألفَ ليلةٍِ ..
والقمقمَ العجيبَ، والماردَ،
والسجّادةَ السحريَّهْ
أرفضُ سيفَ الدولةِ المغرورَ
والقصائدَ الذليلةَ الغبيَّهْ
أحرقُ رسمَ أُسرتي
أحرقُ أبجديّتي
ومن فلسطينَ ومن صمودِها ..
من طلقاتِ النارِ في جرودِها ..
من قمحِها المغموسِ بالدمع ،
ومن ورودها
أصنعُ أبجديَّهْ ..


أدخلُ مثلَ البرقِ من نافذةِ الخليفَهْ
أراهُ لا يزالُ مثلما تركتُهُ
منذُ قرونٍ سبعةٍ
مضاجعاً جاريةً روميَّهْ
أقرأُ آياتٍ من القرآنِ فوقَ رأسِهِ
مكتوبةً بأحرفٍ كوفيَّهْ
عن الجهادِ في سبيلِ الله ، والرسولِ ،
والشريعةِ الحنفيَّهْ
أقولُ في سريرَتي
" تباركَ الجهادُ في النُحُورِ، والأثداءِ
والمعاصمِ الطريَّهْ ..
يا حضرةَ الخليفَهْ
أعبرُ من سراديقِ الحريم كالمنيَّهْ
أمشي على الأبدانِ ، والغلمانِ ،
والأساورِ المرميَّهْ
أمشي على ..
توجُّعِ الحريرِ والقطيفَهْ
أدخلُ مثلَ الموتِ من نافذةِ الخليفَهْ
يحسبُني مُرتزقاً
دَبَّجتُ في مديحِهِ قصيدةً همزيَّهْ
يأمرُ لي
من بيتِ مالِ المؤمنينَ كلَّ ما أطلبُهُ
عباءةً من قَصَبٍ
وساعةً من ذَهَبٍ
ومن نساءِ قصرهِ محظيَّهْ
أبصقُ فوقَ وجهِهِ
وفوقَ وجه الدولةِ العليَّهْ
من أنتَ ؟
يا سيَّافُ .. إقطعْ رأسَهُ
وهاتِ لي الرأسَ على صينيَّهْ
يا مَلِكَ الزمانِ .. إنْ قتلتَني
فمستحيلٌ تقتلُ الحريَّهْ .


قُم يا طويلَ العُمرِ ..
من حُجرَتِكَ الورديَّهْ
وافتحْ شبابيكَكَ ..
للشمسِ ، وللعدلِ ، وللرعيَّهْ
فما رآكَ الشعبُ منذُ آخرِ أيّامِ بني أميَّهْ
هل أنتَ حقاً من بني أميَّهْ ؟
أخرجْ إلى الشارعِ يا أميرَنا
واقرأْ ..
ولو صحيفةً يوميَّهْ
إقرأْ ..
عن السويسِ ، والأردنِّ ، والجولانِ
والمدائنِ السبيَّهْ
عن الذين يعبرونَ النهرَ ..
نحوَ الضفَّةِ الغربيَّهْ
هل يا طويلَ العُمرِ .. في بلاطِكمْ
خريطةٌ صغيرةٌ ..
للضفَّةِ الغربيَّهْ ؟

=================
القصيدة الرابعة : هوامش على دفتر النكسة 1967

أنعي لكم، يا أصدقائي، اللغةَ القديمه
والكتبَ القديمه
أنعي لكم..
كلامَنا المثقوبَ، كالأحذيةِ القديمه..
ومفرداتِ العهرِ، والهجاءِ، والشتيمه
أنعي لكم.. أنعي لكم
نهايةَ الفكرِ الذي قادَ إلى الهزيمه

مالحةٌ في فمِنا القصائد
مالحةٌ ضفائرُ النساء
والليلُ، والأستارُ، والمقاعد
مالحةٌ أمامنا الأشياء

يا وطني الحزين
حوّلتَني بلحظةٍ
من شاعرٍ يكتبُ الحبَّ والحنين
لشاعرٍ يكتبُ بالسكين

لأنَّ ما نحسّهُ أكبرُ من أوراقنا
لا بدَّ أن نخجلَ من أشعارنا

إذا خسرنا الحربَ لا غرابهْ
لأننا ندخُلها..
بكلِّ ما يملكُ الشرقيُّ من مواهبِ الخطابهْ
بالعنترياتِ التي ما قتلت ذبابهْ
لأننا ندخلها..
بمنطقِ الطبلةِ والربابهْ

السرُّ في مأساتنا
صراخنا أضخمُ من أصواتنا
وسيفُنا أطولُ من قاماتنا

خلاصةُ القضيّهْ
توجزُ في عبارهْ
لقد لبسنا قشرةَ الحضارهْ
والروحُ جاهليّهْ...

بالنّايِ والمزمار..
لا يحدثُ انتصار

كلّفَنا ارتجالُنا
خمسينَ ألفَ خيمةٍ جديدهْ

لا تلعنوا السماءْ
إذا تخلّت عنكمُ..
لا تلعنوا الظروفْ
فالله يؤتي النصرَ من يشاءْ
وليس حدّاداً لديكم.. يصنعُ السيوفْ

يوجعُني أن أسمعَ الأنباءَ في الصباحْ
يوجعُني.. أن أسمعَ النُّباحْ..

ما دخلَ اليهودُ من حدودِنا
وإنما..
تسرّبوا كالنملِ.. من عيوبنا

خمسةُ آلافِ سنهْ..
ونحنُ في السردابْ
ذقوننا طويلةٌ
نقودنا مجهولةٌ
عيوننا مرافئُ الذبابْ
يا أصدقائي:
جرّبوا أن تكسروا الأبوابْ
أن تغسلوا أفكاركم، وتغسلوا الأثوابْ
يا أصدقائي:
جرّبوا أن تقرؤوا كتابْ..
أن تكتبوا كتابْ
أن تزرعوا الحروفَ، والرُّمانَ، والأعنابْ
أن تبحروا إلى بلادِ الثلجِ والضبابْ
فالناسُ يجهلونكم.. في خارجِ السردابْ
الناسُ يحسبونكم نوعاً من الذئابْ...

جلودُنا ميتةُ الإحساسْ
أرواحُنا تشكو منَ الإفلاسْ
أيامنا تدورُ بين الزارِ، والشطرنجِ، والنعاسْ
هل نحنُ "خيرُ أمةٍ قد أخرجت للناسْ" ؟...

كانَ بوسعِ نفطنا الدافقِ بالصحاري
أن يستحيلَ خنجراً..
من لهبٍ ونارِ..
لكنهُ..
واخجلةَ الأشرافِ من قريشٍ
وخجلةَ الأحرارِ من أوسٍ ومن نزارِ
يراقُ تحتَ أرجلِ الجواري...

نركضُ في الشوارعِ
نحملُ تحتَ إبطنا الحبالا..
نمارسُ السَحْلَ بلا تبصُّرٍ
نحطّمُ الزجاجَ والأقفالا..
نمدحُ كالضفادعِ
نشتمُ كالضفادعِ
نجعلُ من أقزامنا أبطالا..
نجعلُ من أشرافنا أنذالا..
نرتجلُ البطولةَ ارتجالا..
نقعدُ في الجوامعِ..
تنابلاً.. كُسالى
نشطرُ الأبياتَ، أو نؤلّفُ الأمثالا..
ونشحذُ النصرَ على عدوِّنا..
من عندهِ تعالى...

لو أحدٌ يمنحني الأمانْ..
لو كنتُ أستطيعُ أن أقابلَ السلطانْ
قلتُ لهُ: يا سيّدي السلطانْ
كلابكَ المفترساتُ مزّقت ردائي
ومخبروكَ دائماً ورائي..
عيونهم ورائي..
أنوفهم ورائي..
أقدامهم ورائي..
كالقدرِ المحتومِ، كالقضاءِ
يستجوبونَ زوجتي
ويكتبونَ عندهم..
أسماءَ أصدقائي..
يا حضرةَ السلطانْ
لأنني اقتربتُ من أسواركَ الصمَّاءِ
لأنني..
حاولتُ أن أكشفَ عن حزني.. وعن بلائي
ضُربتُ بالحذاءِ..
أرغمني جندُكَ أن آكُلَ من حذائي
يا سيّدي..
يا سيّدي السلطانْ
لقد خسرتَ الحربَ مرتينْ
لأنَّ نصفَ شعبنا.. ليسَ لهُ لسانْ
ما قيمةُ الشعبِ الذي ليسَ لهُ لسانْ؟
لأنَّ نصفَ شعبنا..
محاصرٌ كالنملِ والجرذانْ..
في داخلِ الجدرانْ..
لو أحدٌ يمنحُني الأمانْ
من عسكرِ السلطانْ..
قُلتُ لهُ: لقد خسرتَ الحربَ مرتينْ..
لأنكَ انفصلتَ عن قضيةِ الإنسانْ..

لو أننا لم ندفنِ الوحدةَ في الترابْ
لو لم نمزّقْ جسمَها الطَّريَّ بالحرابْ
لو بقيتْ في داخلِ العيونِ والأهدابْ
لما استباحتْ لحمَنا الكلابْ..

نريدُ جيلاً غاضباً..
نريدُ جيلاً يفلحُ الآفاقْ
وينكشُ التاريخَ من جذورهِ..
وينكشُ الفكرَ من الأعماقْ
نريدُ جيلاً قادماً..
مختلفَ الملامحْ..
لا يغفرُ الأخطاءَ.. لا يسامحْ..
لا ينحني..
لا يعرفُ النفاقْ..
نريدُ جيلاً..
رائداً..
عملاقْ..

يا أيُّها الأطفالْ..
من المحيطِ للخليجِ، أنتمُ سنابلُ الآمالْ
وأنتمُ الجيلُ الذي سيكسرُ الأغلالْ
ويقتلُ الأفيونَ في رؤوسنا..
ويقتلُ الخيالْ..
يا أيُها الأطفالُ أنتمْ –بعدُ- طيّبونْ
وطاهرونَ، كالندى والثلجِ، طاهرونْ
لا تقرؤوا عن جيلنا المهزومِ يا أطفالْ
فنحنُ خائبونْ..
ونحنُ، مثلَ قشرةِ البطيخِ، تافهونْ
ونحنُ منخورونَ.. منخورونَ.. كالنعالْ
لا تقرؤوا أخبارَنا
لا تقتفوا آثارنا
لا تقبلوا أفكارنا
فنحنُ جيلُ القيءِ، والزُّهريِّ، والسعالْ
ونحنُ جيلُ الدجْلِ، والرقصِ على الحبالْ
يا أيها الأطفالْ:
يا مطرَ الربيعِ.. يا سنابلَ الآمالْ
أنتمْ بذورُ الخصبِ في حياتنا العقيمهْ
وأنتمُ الجيلُ الذي سيهزمُ الهزيمهْ...
=======================
القصيدة الخامسة : مفكرة عاشق دمشقي

فرشت فوق ثراك الاهر الهدبا
فيا دمشـقُ... لماذا نبـدأ العتبـا؟

حبيبتي أنـتِ... فاستلقي كأغنيـةٍ
على ذراعي، ولا تستوضحي السببا

أنتِ النساءُ جميعاً.. ما من امـرأةٍ
أحببتُ بعدك..ِ إلا خلتُها كـذبا

يا شامُ، إنَّ جراحي لا ضفافَ لها
فمسّحي عن جبيني الحزنَ والتعبا

وأرجعيني إلى أسـوارِ مدرسـتي
وأرجعيني الحبرَ والطبشورَ والكتبا

تلكَ الزواريبُ كم كنزٍ طمرتُ بها
وكم تركتُ عليها ذكرياتِ صـبا

وكم رسمتُ على جدرانِها صـوراً
وكم كسرتُ على أدراجـها لُعبا

أتيتُ من رحمِ الأحزانِ... يا وطني
أقبّلُ الأرضَ والأبـوابَ والشُّـهبا

حبّي هـنا.. وحبيباتي ولـدنَ هـنا
فمـن يعيـدُ ليَ العمرَ الذي ذهبا؟

أنا قبيلـةُ عشّـاقٍ بكامـلـها
ومن دموعي سقيتُ البحرَ والسّحُبا

فكـلُّ صفصافـةٍ حّولتُها امـرأةً
و كـلُّ مئذنـةٍ رصّـعتُها ذهـبا

هـذي البساتـينُ كانت بينَ أمتعتي
لما ارتحلـتُ عـن الفيحـاءِ مغتربا

فلا قميصَ من القمصـانِ ألبسـهُ
إلا وجـدتُ على خيطانـهِ عنبا

كـم مبحـرٍ.. وهمومُ البرِّ تسكنهُ
وهاربٍ من قضاءِ الحبِّ ما هـربا

يا شـامُ، أيـنَ هما عـينا معاويةٍ
وأيـنَ من زحموا بالمنكـبِ الشُّهبا

فلا خيـولُ بني حمـدانَ راقصـةٌ
زُهــواً... ولا المتنبّي مالئٌ حَـلبا

وقبـرُ خالدَ في حـمصٍ نلامسـهُ
فـيرجفُ القبـرُ من زوّارهِ غـضبا

يا رُبَّ حـيٍّ.. رخامُ القبرِ مسكنـهُ
ورُبَّ ميّتٍ.. على أقدامـهِ انتصـبا

يا ابنَ الوليـدِ.. ألا سيـفٌ تؤجّرهُ؟
فكلُّ أسيافنا قد أصبحـت خشـبا

دمشـقُ، يا كنزَ أحلامي ومروحتي
أشكو العروبةَ أم أشكو لكِ العربا؟

أدمـت سياطُ حزيرانَ ظهورهم
فأدمنوها.. وباسوا كفَّ من ضربا

وطالعوا كتبَ التاريخِ.. واقتنعوا
متى البنادقُ كانت تسكنُ الكتبا؟

سقـوا فلسطـينَ أحلاماً ملوّنةً
وأطعموها سخيفَ القولِ والخطبا

وخلّفوا القدسَ فوقَ الوحلِ عاريةً
تبيحُ عـزّةَ نهديها لمـن رغِبـا..

هل من فلسطينَ مكتوبٌ يطمئنني
عمّن كتبتُ إليهِ.. وهوَ ما كتبا؟

وعن بساتينَ ليمونٍ، وعن حلمٍ
يزدادُ عنّي ابتعاداً.. كلّما اقتربا

أيا فلسطينُ.. من يهديكِ زنبقةً؟
ومن يعيدُ لكِ البيتَ الذي خربا؟

شردتِ فوقَ رصيفِ الدمعِ باحثةً
عن الحنانِ، ولكن ما وجدتِ أبا..

تلفّـتي... تجـدينا في مَـباذلنا..
من يعبدُ الجنسَ، أو من يعبدُ الذهبا

فواحـدٌ أعمـتِ النُعمى بصيرتَهُ
فللخنى والغـواني كـلُّ ما وهبا

وواحدٌ ببحـارِ النفـطِ مغتسـلٌ
قد ضاقَ بالخيشِ ثوباً فارتدى القصبا

وواحـدٌ نرجسـيٌّ في سـريرتهِ
وواحـدٌ من دمِ الأحرارِ قد شربا

إن كانَ من ذبحوا التاريخَ هم نسبي
على العصـورِ.. فإنّي أرفضُ النسبا

يا شامُ، يا شامُ، ما في جعبتي طربٌ
أستغفرُ الشـعرَ أن يستجديَ الطربا

ماذا سأقرأُ مـن شعري ومن أدبي؟
حوافرُ الخيلِ داسـت عندنا الأدبا

وحاصرتنا.. وآذتنـا.. فلا قلـمٌ
قالَ الحقيقةَ إلا اغتيـلَ أو صُـلبا

يا من يعاتبُ مذبوحـاً على دمـهِ
ونزفِ شريانهِ، ما أسهـلَ العـتبا

من جرّبَ الكيَّ لا ينسـى مواجعهُ
ومن رأى السمَّ لا يشقى كمن شربا

حبلُ الفجيعةِ ملتفٌّ عـلى عنقي
من ذا يعاتبُ مشنوقاً إذا اضطربا؟

الشعرُ ليـسَ حمامـاتٍ نـطيّرها
نحوَ السماءِ، ولا ناياً.. وريحَ صَبا

لكنّهُ غضـبٌ طـالت أظـافـرهُ
ما أجبنَ الشعرَ إن لم يركبِ الغضبا

=========================

القصيدة السادسة : انا مع الارهاب

متهمون نحن بالارهاب ...
ان نحن دافعنا عن الوردة ... والمرأة ...
والقصيدة العصماء ...
وزرقة السماء ...
عن وطن لم يبق في أرجائه ...
ماء ... ولاهواء ...
لم تبق فيه خيمة ... أو ناقة ...
أو قهوة سوداء ...
متهمون نحن بالارهاب ...


ان نحن دافعنا بكل جرأة
عن شعر بلقيس ..
وعن شفاه ميسون ...
وعن هند ... وعن دعد ...
وعن لبنى ... وعن رباب ...
عن مطر الكحل الذى
ينزل كالوحى من الأهداب !!
لن تجدوا فى حوزتى
قصيدة سرية ...
أو لغة سرية ...
أو كتبا سرية أسجنها فى داخل الأبواب
وليس عندى أبدا قصيدة واحدة ...
تسير فى الشارع .. وهى ترتدى الحجاب


متهمون نحن بالارهاب ...
اذا كتبنا عن بقايا وطن ...
مخلع .. مفكك مهترئ
أشلاؤه تناثرت أشلاء ...
عن وطن يبحث عن عنوانه ...
وأمة ليس لها أسماء !
عن وطن .. لم يبق من أشعاره العظيمة الأولى
سوى قصائد الخنساء !!
عن وطن لم يبق فى افاقه
حرية حمراء .. أو زرقاء .. أو صفراء ..
عن وطن .. يمنعنا أن نشترى الجريدة
أو نسمع الأنباء ...
عن وطن كل العصافير به
ممنوعة دوما من الغناء ...
عن وطن ...
كتابه تعودوا أن يكتبوا ...
من شدة الرعب ..
على الهواء !!
عن وطن ..
يشبه حال الشعر فى بلادنا
فهو كلام سائب ...
مرتجل ...
مستورد ...
وأعجمى الوجه واللسان ...
فما له بداية ...
ولا له نهاية
ولا له علاقة بالناس ... أو بالأرض ..
أو بمأزق الانسان !!


عن وطن ...
يمشى الى مفاوضات السلم ..
دونما كرامة ...
ودونما حذاء !!!


عن وطن ...
رجاله بالوا على أنفسهم خوفا ...
ولم يبق سوى النساء !!
الملح فى عيوننا ..
والملح .. فى شفاهنا ...
والملح .. فى كلامنا
فهل يكون القحط في نفوسنا ...
ارثا أتانا من بنى قحطان ؟؟
لم يبق فى أمتنا معاوية ...
ولا أبوسفيان ...
لم يبق من يقول (لا) ...
فى وجه من تنازلوا
عن بيتنا ... وخبزنا ... وزيتنا ...
وحولوا تاريخنا الزاهى ...
الى دكان !!...
لم يبق فى حياتنا قصيدة ...
ما فقدت عفافها ...
فى مضجع السلطان !!


لقد تعودنا على هواننا ...
ماذا من الانسان يبقى ...
حين يعتاد على الهوان؟؟


ابحث فى دفاتر التاريخ ...
عن أسامة بن منقذ ...
وعقبة بن نافع ...
عن عمر ... عن حمزة ...
عن خالد يزحف نحو الشام ...
أبحث عن معتصم بالله ...
حتى ينقذ النساء من وحشية السبى ...
ومن ألسنة النيران !!
أبحث عن رجال أخر الزمان ..
فلا أرى فى الليل الا قططا مذعورة ...
تخشى على أرواحها ...
من سلطة الفئران !!...
هل العمى القومى ... قد أصابنا؟
أم نحن نشكو من عمى الألوان ؟؟


متهمون نحن بالارهاب ...
اذا رفضنا موتنا ...
بجرافات اسرائيل ...
تنكش فى ترابنا ...
تنكش فى تاريخنا ...
تنكش فى انجيلنا ...
تنكش فى قرآننا! ...
تنكش فى تراب أنبيائنا ...
ان كان هذا ذنبنا
ما أجمل الارهاب ...


متهمون نحن بالارهاب ...
... اذا رفضنا محونا
على يد المغول .. واليهود .. والبرابرة ...
اذا رمينا حجرا ...
على زجاج مجلس الأمن الذى
استولى عليه قيصر القياصرة ...
.... متهمون نحن بالارهاب
.. اذا رفضنا أن نفاوض الذئب
.. وأن نمد كفنا ل..
أميركا ...
ضد ثقافات البشر ..
وهى بلا ثقافة ...
ضد حضارات الحضر ...
وهى بلا حضارة ..


أميركا ..
بناية عملاقة
ليس لها حيطان ...


متهمون نحن بالارهاب
اذا رفضنا زمنا
صارت به أميركا
المغرورة ... الغنية ... القوية
مترجما محلفا ...
للغة العبرية ...
... متهمون نحن بالارهاب
واذا رمينا وردة ..
للقدس ..
للخليل ..
أو لغزة ..
والناصرة ..
اذا حملنا الخبز والماء
الى طروادة المحاصرة
متهمون نحن بالارهاب
اذا رفعنا صوتنا
ضد الشعوبيين من قادتنا
وكل من غيروا سروجهم
وانتقلوا من وحدويين الى سماسرة


متهمون نحن بالارهاب
اذا اقترفنا مهنة الثقافة
اذا قرأنا كتابا في الفقه والسياسة
اذا ذكرنا ربنا تعالى
اذا تلونا ( سورة الفتح)
وأصغينا الى خطبة الجمعة
فنحن ضالعون في الارهاب


متهمون نحن بالارهاب
ان نحن دافعنا عن الارض
وعن كرامــــــة التــراب
اذا تمردنا على اغتصاب الشعب ..
واغتصابنا ...
اذا حمينا آخر النخيل فى صحرائنا ...
وآخر النجوم فى سمائنا ...
وآخر الحروف فى اسمآئنا ...
وآخر الحليب فى أثداء أمهاتنا ..
..... ان كان هذا ذنبنا
فما اروع الارهــــــــاب!!


أنا مع الإرهاب...
ان كان يستطيع أن ينقذنى
من المهاجرين من روسيا ..
ورومانيا، وهنغاريا، وبولونيا ..
وحطوا فى فلسطين على أكتافنا ...
ليسرقوا مآذن القدس ...
وباب المسجد الأقصى ...
ويسرقوا النقوش .. والقباب ...


أنا مع الارهاب ..
ان كان يستطيع أن يحرر المسيح ..
ومريم العذراء .. والمدينة المقدسة ..
من سفراء الموت والخراب ..
بالأمس
كان الشارع القومى فى بلادنا
يصهل كالحصان ...
وكانت الساحات أنهارا تفيض عنفوان ...
... وبعد أوسلو
لم يعد فى فمنا أسنان ...
فهل تحولنا الى شعب من العميان والخرسان؟؟


أنا مع الارهاب ..
اذا كان يستطيع ان يحرر الشعب
من الطغاة والطغيان
وينقذ الانسان من وحشية الانسان


أنا مع الإرهاب
ان كان يستطيع ان ينقذني
من قيصر اليهود
او من قيصر الرومان


أنا مع الإرهاب
ما دام هذا العالم الجديد ..
مقتسما ما بين أمريكا .. واسرائيل ..
بالمناصفة !!!


أنا مع الإرهاب
بكل ما املك من شعر ومن نثر ومن انياب
ما دام هذا العالم الجديـــد
!! بيـن يدي قصــــــاب


أنا مع الإرهاب
ما دام هذا العالم الجديد
قد صنفنا
من فئة الذئاب !!


أنا مع الإرهاب
ان كان مجلس الشيوخ في أميركا
هو الذى فى يده الحساب ...
وهو الذي يقرر الثواب والعقـــــــاب


أنا مع الإرهاب
مادام هذا العـالم الجديد
يكــــره في أعمـاقه
رائحــة الأعــراب


أنا مع الإرهاب
مادام هذا العالم الجديد
يريد ذبح أطفالي
ويرميهم للكلاب
من أجل هذا كله
أرفــــع صوتـي عاليا
أنا مع الإرهاب
أنا مع الإرهاب
أنا مع الإرهاب

===================
القصيدة السابعة : حبلى

لا تَمْتَقِعْ !
هي كِلْمَةٌ عَجْلى
إنّي لأَشعُرُ أنّني حُبلى ..
وصرختَ كالمسلوعِ بي .. " كَلاّ " ..
سنُمَزِّقُ الطفلا ..
وأخذْتَ تشتِمُني ..
وأردْتَ تطردُني ..
لا شيءَ يُدهِشُني ..
فلقد عرفتُكَ دائماً نَذْلا ..
*
وبعثتَ بالخَدَّامِ يدفعُني ..
في وحشةِ الدربِ
يا مَنْ زَرَعتَ العارَ في صُلبي
وكسرتَ لي قلبي ..
ليقولَ لي :
" مولايَ ليسَ هُنا .. "
مولاهُ ألفُ هُنا ..
لكنَّهُ جَبُنا ..
لمّا تأكّدَ أنّني حُبلى ..
*
ماذا ؟ أتبصِقُني
والقيءُ في حَلقي يدمِّرُني
وأصابعُ الغَثَيانِ تخنقُني ..
ووريثُكَ المشؤومُ في بَدَني
والعارُ يسحقُني ..
وحقيقةٌ سوداءُ .. تملؤني
هي أنّني حُبلى ..
*
ليراتُكَ الخمسون ..
تُضحكُني ..
لمَن النقودُ .. لِمَنْ ؟
لتُجهِضَني ؟
لتخيطَ لي كَفَني ؟
هذا إذَنْ ثَمَني ؟
ثمنُ الوَفا يا بُؤرَةَ العَفَنِ ..
أنا لم أجِئكَ لِمالِكَ النتِنِ ..
" شكراً .. "
سأُسقِطُ ذلكَ الحَمْلا
أنا لا أريدُ لهُ أباً نَذْلا
=====================


القصيدة الثامنة : المهرولون

سقطتْ آخرُ جدرانِ الحياءْ
وفرحنا.. ورقصنا..
وتباركنا بتوقيعِ سلامِ الجبناءْ
لم يعد يرعبنا شيءٌ..
ولا يخجلنا شيءٌ
فقد يبستْ فينا عروقُ الكبرياءْ...


سقطتْ.. للمرةِ الخمسينِ عذريّتنا..
دونَ أن نهتزَّ.. أو نصرخَ..
أو يرعبنا مرأى الدماءْ..
ودخلنا في زمانِ الهرولهْ..
ووقفنا بالطوابيرِ، كأغنامٍ أمامَ المقصلهْ
وركضنا.. ولهثنا
وتسابقنا لتقبيلِ حذاءِ القتلهْ..


جوَّعوا أطفالنا خمسينَ عاماً
ورمَوا في آخرِ الصومِ إلينا..
بصلهْ...


سقطتْ غرناطةٌ
للمرّةِ الخمسينَ – من أيدي العربْ.
سقطَ التاريخُ من أيدي العربْ.
سقطتْ أعمدةُ الروحِ، وأفخاذُ القبيلهْ.
سقطتْ كلُّ مواويلِ البطولهْ.
سقطتْ إشبيليهْ..
سقطتْ أنطاكيهْ..
سقطتْ حطّينُ من غيرِ قتالٍ..
سقطتْ عموريَهْ..
سقطتْ مريمُ في أيدي الميليشياتِ
فما من رجلٍ ينقذُ الرمزَ السماويَّ
ولا ثمَّ رجولهْ..


سقطتْ آخرُ محظيّاتنا
في يدِ الرومِ، فعنْ ماذا ندافع؟
لم يعدْ في قصرِنا جاريةٌ واحدةٌ
تصنعُ القهوةَ.. والجنسَ..
فعن ماذا ندافعْ؟؟


لم يعدْ في يدنا أندلسٌ واحدةٌ نملكها..
سرقوا الأبوابَ، والحيطانَ، والزوجاتِ، والأولادَ،
والزيتونَ، والزيتَ، وأحجارَ الشوارعْ.
سرقوا عيسى بنَ مريمْ
وهوَ ما زالَ رضيعاً..
سرقوا ذاكرةَ الليمون..
والمشمشِ.. والنعناعِ منّا..
وقناديلَ الجوامعْ


تركوا علبةَ سردينٍ بأيدينا
تسمّى "غزّة"
عظمةً يابسةً تُدعى "أريحا"
فندقاً يدعى فلسطينَ..
بلا سقفٍ ولا أعمدةٍ..
تركونا جسداً دونَ عظامٍ
ويداً دونَ أصابعْ...


بعدَ هذا الغزلِ السريِّ في أوسلو
خرجنا عاقرينْ..
وهبونا وطناً أصغرَ من حبّةِ قمحٍ..
وطناً نبلعهُ من دون ماءٍ
كحبوبِ الأسبرينْ!!


لم يعدْ ثمةَ أطلالٌ لكي نبكي عليها.
كيفَ تبكي أمةٌ
سرقوا منها المدامعْ؟


بعدَ خمسينَ سنهْ..
نجلسُ الآنَ على الأرضِ الخرابْ..
ما لنا مأوى
كآلافِ الكلابْ!!


بعدَ خمسينَ سنهْ
ما وجدنا وطناً نسكنهُ إلا السرابْ..
ليسَ صُلحاً، ذلكَ الصلحُ الذي أُدخلَ كالخنجرِ فينا..
إنهُ فعلُ اغتصابْ!!..


ما تفيدُ الهرولهْ؟
ما تفيدُ الهرولهْ؟
عندما يبقى ضميرُ الشعبِ حياً
كفتيلِ القنبلهْ..
لن تساوي كلُّ توقيعاتِ أوسلو..
خردلهْ!!..


كم حلمنا بسلامٍ أخضرٍ..
وهلالٍ أبيضٍ..
وببحرٍ أزرقَ.. وقلوعٍ مرسلهْ..
ووجدنا فجأةً أنفسنا.. في مزبلهْ!!


من تُرى يسألهم عن سلامِ الجبناءْ؟
لا سلامِ الأقوياءِ القادرينْ.
من تُرى يسألهم عن سلامِ البيعِ بالتقسيطِ..؟
والتأجيرِ بالتقسيطِ.. والصفقاتِ..
والتجّارِ والمستثمرينْ؟
وتُرى يسألهم عن سلامِ الميتينْ؟
أسكتوا الشارعَ.. واغتالوا جميعَ الأسئلهْ..
وجميعَ السائلينْ...


... وتزوّجنا بلا حبٍّ..
من الأنثى التي ذاتَ يومٍ أكلتْ أولادنا..
مضغتْ أكبادنا..
وأخذناها إلى شهرِ العسلْ..
وسكِرنا ورقصنا..
واستعَدنا كلَّ ما نحفظُ من شعرِ الغزلْ..
ثمَّ أنجبنا، لسوءِ الحظِّ، أولاداً معاقينَ
لهم شكلُ الضفادعْ..
وتشرّدنا على أرصفةِ الحزنِ،
فلا من بلدٍ نحضنهُ..
أو من ولدْ!!


لم يكُن في العرسِ رقصٌ عربيٌّ
أو طعامٌ عربيٌّ
أو غناءٌ عربيٌّ
أو حياءٌ عربيٌّ
فلقد غابَ عن الزفّةِ أولادُ البلدْ..


كانَ نصفُ المهرِ بالدولارِ..
كانَ الخاتمُ الماسيُّ بالدولارِ..
كانتْ أجرةُ المأذونِ بالدولارِ..
والكعكةُ كانتْ هبةً من أمريكا..
وغطاءُ العرسِ، والأزهارُ، والشمعُ،
وموسيقى المارينزْ..
كلُّها قد صنعتْ في أمريكا!!


وانتهى العرسُ..
ولم تحضرْ فلسطينُ الفرحْ.
بلْ رأت صورتها مبثوثةً عبرَ كلِّ الأقنيهْ..
ورأتْ دمعتها تعبرُ أمواجَ المحيطْ..
نحوَ شيكاغو.. وجيرسي.. وميامي..
وهيَ مثلَ الطائرِ المذبوحِ تصرخْ:
ليسَ هذا العرسُ عرسي..
ليسَ هذا الثوبُ ثوبي..
ليسَ هذا العارُ عاري..
أبداً.. يا أمريكا..
أبداً.. يا أمريكا..
أبداً.. يا أمريكا
===============

القصيدة التاسعة : خبز و حشيش و قمر

عندما يُولدُ في الشرقِ القَمرْ
فالسطوحُ البيضُ تغفو...
تحتَ أكداسِ الزَّهرْ
يتركُ الناسُ الحوانيتَ.. ويمضونَ زُمرْ
لملاقاةِ القمرْ..
يحملونَ الخبزَ، والحاكي، إلى رأسِ الجبالْ
ومعدَّاتِ الخدرْ..
ويبيعونَ، ويشرونَ.. خيالْ
وصُورْ..
ويموتونَ إذا عاشَ القمرْ

ما الذي يفعلهُ قرصُ ضياءْ
ببلادي..
ببلادِ الأنبياْ..
وبلادِ البسطاءْ..
ماضغي التبغِ، وتجَّارِ الخدرْ
ما الذي يفعلهُ فينا القمرْ؟
فنضيعُ الكبرياءْ
ونعيشُ لنستجدي السماءْ
ما الذي عندَ السماءْ
لكُسالى ضعفاءْ
يستحيلونَ إلى موتى..
إذا عاشَ القمرْ..
ويهزّونَ قبور الأولياءْ
علّها..
ترزقُهم رزّاً وأطفالاً..
قبورُ الأولياءْ..
ويمدّونَ السجاجيدَ الأنيقاتِ الطُررْ
يتسلّونَ بأفيونٍ..
نسمّيهِ قدرْ..
وقضاءْ..
في بلادي..
في بلادِ البسطاءْ..

أيُّ ضعفٍ وانحلالْ
يتولانا إذا الضوءُ تدفّقْ
فالسجاجيدُ، وآلاف السلالْ
وقداحُ الشاي.. والأطفال.. تحتلُّ التلالْ
في بلادي..
حيثُ يبكي الساذجونْ
ويعيشونَ على الضوءِ الذي لا يبصرونْ
في بلادي..
حيثُ يحيا الناسُ من دونِ عيونْ
حيثُ يبكي الساذجونْ
ويصلّونَ، ويزنونَ، ويحيونَ اتّكالْ
منذُ أن كانوا.. يعيشونَ اتّكالْ
وينادونَ الهلالْ:
" يا هلالْ..
أيها النبعُ الذي يمطرُ ماسْ
وحشيشاً.. ونُعاسْ
أيها الربُّ الرخاميُّ المعلّقْ
أيها الشيءُ الذي ليسَ يُصدَّقْ
دُمتَ للشرقِ.. لنا
عنقودَ ماسْ
للملايينِ التي قد عُطِّلت فيها الحواس "

في ليالي الشرقِ لمّا
يبلغُ البدرُ تمامهْ..
يتعرّى الشرقُ من كلِّ كرامهْ
ونضالِ..
فالملايينُ التي تركضُ من غيرِ نعالِ..
والتي تؤمنُ في أربعِ زوجاتٍ..
وفي يومِ القيامهْ..
الملايينُ التي لا تلتقي بالخبزِ.. إلا في الخيالِ
والتي تسكنُ في الليلِ بيوتاً من سعالِ..
أبداً.. ما عرفتْ شكلَ الدواءْ..
تتردّى..
جُثثاً تحتَ الضياءْ..

في بلادي..
حيثُ يبكي الساذجونْ
ويموتونَ بكاءْ
كلّما طالعهم وجهُ الهلالِ
ويزيدونَ بكاءْ
كلّما حرّكهم عودٌ ذليلٌ.. و"ليالي"..
ذلكَ الموتُ الذي ندعوهُ في الشرقِ..
"ليالي".. وغناءْ
في بلادي..
في بلادِ البُسطاءْ..

حيثُ نجترُّ التواشيحَ الطويلهْ..
ذلكَ السلُّ الذي يفتكُ بالشرقِ..
التواشيحُ الطويلهْ
شرقُنا المجترُّ.. تاريخاً.. وأحلاماً كسولهْ
وخُرافاتٍ خوالي..
شرقُنا، الباحثُ عن كلِّ بطولهْ
في أبي زيدِ الهلالي
==================== القصيدة العاشرة : مرسوم بإقالة خالد بن الوليد

سرقوا منا الزمان العربيّ
سرقوا فاطمة الزهراء من بيت النبيّ
يا صلاح الدين باعوا النسخة الأولى من القرآن
باعوا الحزن في عيني عليّ
يا صلاح الدين باعوك وباعونا جميعا في المزاد العلنيّ
سرقوا منا الطموح العربيّ
عزلوا خالد في أعقاب فتح الشام
سموه سفيرا في جنيف
يلبس القبعة السوداء يستمتع بالسيجار والكافيار
يرغي بالفرنسية يمشي بين شقراوات أوربا
كديك ورقيّ
أتراهم دجنوا هذا الامير القرشيّ
هكذا تخصى البطولات لدينا يا بنيّ
سرقوا من طارق معطفه الاندلسيّ
سرقوا منه النياشين أقالوه من الجيش
أحالوه الى محكمة الامن ادانوه بجرم النصر
هل جاء زمان صار فيه النصر محظوراً علينا يابني
ثم هل جاء زمان يقف السيف به متهماً
عند أبواب القضاء العسكريّ
ثم هل جاء زمان فيه نستقبل اسرائيل
بالورد وآلاف الحمائم و النشيد الوطني
لم أعد افهم شيئاً يا بني
لم أعد افهم شيئاً يا بني
لم أعد افهم شيئاً يا بني
رهنوا الشمس لدى كل المرابين
وباعوا بالملاليم القمرْ
باعوا سيف عمرْ
شنقوا التاريخ من رجليه
باعوا الخيل و الكوفية البيضاء
باعوا أنجم الليل وأوراق الشجرْ
سرقوا الكحل من العين
وباعوا في عيون البدويات الحورْ
أجهضونا قبل أن نحبل
أعطونا حبوبا تمنع التاريخ أن ينجب أولاداً
وأعطونا لقاحا يمنع الشام أن تصبح بغداداً
وأعطونا حبوبا تمنع الجرح الفلسطيني أن يصبح بستان نخيل
وماريغوانا لقتل الخيل أو قتل الصهيل
وسقونا من شراب يجعل الانسان من غير مواقفْ
ثم أعطونا مفاتيح الولايات و سمونا ملوكاً للطوائفْ
يا صلاح الدين
هل تسمع تعليق الاذاعات وهل تصغي الى هذا البغاء العلنيْ
أكلوا الطعم وبالوا فوق وجه العنفوان العربيْ
ماالذي يجري على المسرح
من يجذب خيطان الستار المخمليْ
من هو الكاتب لا ندري
من هو المخرج لا ندري
ولا الجمهور يدري يا بنيْ
انهم خلف الكواليس وهم يغتصبون امرأة تدعى الوطنْ
يبيعون الخلاخيل برجليها يبيعون البساتين بعينيها
يبيعون العصافير التي تسكن في نافذة النهدين منذ بدء الزمنْ
ويبيعون بكأسين من الويسكي أملاك الوطنْ
سرقوا منا الزمان العربيّ
أطفئوا الجمر الذي يحرق صدر البدويّ
علقوا لافتة البيع على كل الجبالْ
سلموا الحنطة و الزيتون و الليل
و عطر البرتقالْ
فهل جاء زمان صار فيه كل من يحمل صندوق سلاح
كالذي يحمل صندوق حشيش يا بنيّ
ثم هل جاء زمان صار فيه الحرف ضد الشفتين يا بنيّ
يا صلاح الدين
هذا زمن الردة و المد الشعوبي القويّ
أحرقوا بيت أبي بكر وألقوا القبض في الليل على آل النبيّ
فشريفات قريش صرن يغسلن صحون الاجنبيّ
يا صلاح الدين ماذا تنفع الكلمة في هذا الزمان الباطنيّ
ولماذا نكتب الشعر وقد نسي الله الكلام العربيّ
"الإرهاب أن نرى الذل والظلم أمامنا ولا نحرك ساكنا
أن نرى العدالة تحطم أمامنا ولا ننهض ثائرين في وجه
وحوش الدولة"

لا مُكحلةلا سيف مسلـول *** ثائر من غير ســــــلاح
بالكلمة يصنع أسطــــول *** قبطان فالشّعر مـــــلاّح
مالمرّ يسقيك معســــــول *** حكيم في لمعاني جرّاح
هذاك (رفيق جــــــلول) *** شاعر من الـــزّاب لاح
للشاعر أبو أسامة 19/09/2009 سيدي عقبة

http://montada.echoroukonline.com/sh...721#post604721
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية جلول رفيق
جلول رفيق
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 27-04-2008
  • الدولة : الوطن العربي
  • العمر : 37
  • المشاركات : 1,289
  • معدل تقييم المستوى :

    18

  • جلول رفيق is on a distinguished road
الصورة الرمزية جلول رفيق
جلول رفيق
عضو متميز
رد: مـن عيـون الشعـر العـربـي ( دعوة للمشاركة )
08-08-2008, 06:56 PM
وأخيرا أيها السادة الكرام تحياتي لكم وأشكركم
على مجهوداتكم
وأرجو تثبيت هذا الموضوع
"الإرهاب أن نرى الذل والظلم أمامنا ولا نحرك ساكنا
أن نرى العدالة تحطم أمامنا ولا ننهض ثائرين في وجه
وحوش الدولة"

لا مُكحلةلا سيف مسلـول *** ثائر من غير ســــــلاح
بالكلمة يصنع أسطــــول *** قبطان فالشّعر مـــــلاّح
مالمرّ يسقيك معســــــول *** حكيم في لمعاني جرّاح
هذاك (رفيق جــــــلول) *** شاعر من الـــزّاب لاح
للشاعر أبو أسامة 19/09/2009 سيدي عقبة

http://montada.echoroukonline.com/sh...721#post604721
  • ملف العضو
  • معلومات
تسابيح
عضو نشيط
  • تاريخ التسجيل : 06-08-2008
  • المشاركات : 54
  • معدل تقييم المستوى :

    16

  • تسابيح is on a distinguished road
تسابيح
عضو نشيط
رد: مـن عيـون الشعـر العـربـي ( دعوة للمشاركة )
08-08-2008, 09:24 PM
نموت مصادفة لنزار قباني

نموت مصادفة .. ككلاب الطريق
ونجهل أسماء من يصنعون القرار .
نموت .. ولسنا نناقش كيف نموت ؟ وأين نموت ؟
فيوماًً نموت بسيف اليمين .
ويوماً نموت بسيف اليسار.
نموت من القهر .. حرباً و سلماً ..
ولا نتذكر اسماء من شيعونا .
ولا نتذكر أوجه من قتلونا .
فلا فرق ، في لحظة الموت ،
بين المجوس .. وبين التتار !! .


بلاد ..
تجيد كتابة شعر المراثي
وتمتد بين البكاء .. وبين البكاء ..
بلاد ..


بلاد تعد حقابئها للرحيل
وليس هناك رصيف ..
وليس هناك قطار ..


بلاد بكعب الحذاء تدار .
فلا من حكيم ..
ولا من نبي ..
ولا من كتاب ..
بلاد .. بها الشعب يأخذ شكل الذباب ..
بلاد .. يدير المسدس فيها شؤون الحوار ..
بلاد يسيجها الخوف ،
حيث العروبة تغدو عقاباً ..
وحيث الدعارة تغدو انتصار ..

مباديء .. بالرطل مطروحة
على عربات الخضار ..
دساتير ، تكفل حرية الرأي ،
تعرض كالفجل .. في عربات الخضار ..
قصائد ليس عليها أزار ..
تضاجع في الليل كل خليفه ..
وترضي جميع جنود الخليفه ..
وترمى صباحاً كأية جيفه ..
على عربات الخضار ..

بلاد .. بدون بلاد
فأين مكان القصيدة بين الحصار وبين الحصار ؟
كأن الكتابة في مدن الملح ..
فعل انتحار ..

بلاد تحاول أشجارها
من اليأس ..
أن تتوسل تأشيرة للسفر ..


أفتش عن وطني لا يجيء ..
وأسكن في لغة ليس فيها جدار ..


بلاد تخاف على نفسها من قصدية شعر ..
ومن قمر الليل ،
حين يمشط شعر المساء .
وتخشى على أمنها من بريد الهوى ..
وعيون النساء ..


إلى أن يذهب موتى الوطن ؟
وكل العقارات فيه ،
مخصصة لاستضافة من يحرسون الرئيس ..
ومن يطبخون طعام الرئيس ..
ومن يدلكون بزيت البنفسج
صدر الرئيس ..
وبطن الرئيس ..
ومن يحملون إليه كؤوس اللبن ..
إلى أن يذهب من سقطوا في حروب الرئيس ؟
وما عندهم شقة للسكن !!..


ولو موتنا كان من أجل أمر عظيم
لكنا ذهبنا إلى موتنا ضاحكين ..
ولو موتنا كان من أجل وقفة عز
وتحرير أرض .. وتحرير شعب ..
سبقنا الجميع إلى جنة المؤمنين ..
ولكنهم قرروا أن نموت ..
ليبقى النظام ..
وأعمام هذا النظام ..
وأخوال هذا النظام ..
وتبقى تماثيل مصنوعة من عجين !!.

بحثت طويلاً عن المتنبي .
فلم أر من عزة النفس إلا الغبار ..
بحثت عن الكبرياء طويلاً ..
ولكنني لم أشاهد بعصر المماليك ..
إلا الصغار .. الصغار !!

المياه الهادئة عميقة
من مواضيعي
  • ملف العضو
  • معلومات
تسابيح
عضو نشيط
  • تاريخ التسجيل : 06-08-2008
  • المشاركات : 54
  • معدل تقييم المستوى :

    16

  • تسابيح is on a distinguished road
تسابيح
عضو نشيط
رد: مـن عيـون الشعـر العـربـي ( دعوة للمشاركة )
08-08-2008, 09:32 PM
وهذه مرثيته الرائعة التي رثى فيها نفسه قبل ان يموت


شعر: مالك بن الريب

ألا ليتَ شِـعري هل أبيـتنَّ لـيـلـةً .... بجنب الغضَى أُزجي الِقلاصَ النواجيا
فَليتَ الغضى لم يقطع الركبُ عرْضَـه .... وليت الغضى ماشى الرِّكاب ليالـيـا

لقد كان في أهل الغضى لو دنا الغضى .... مزارٌ ولكـنَّ الغضى ليـس دانـيـا
ألم ترَني بِـعتُ الضـلالةَ بالـهـدى .... وأصبحتُ في جيش ابن عفّانَ غازيـا

وأصبحتُ في أرض الأعاديَّ بـعـد ما...... أرانيَ عن أرض الآعـاديّ قاصـِيا
دعاني الهـوى من أهل أُودَ وصُحبـتي ..... بـذي ( الطِّبَّسَيْنِ ) فالتـفـتُّ ورائيا

أجبـتُ الهـوى لمّا دعـاني بـزفـرةٍ ...... تـقـنَّـعـتُ منـها أن أُلامَ ردائـيا
أقول وقد حالتْ قُـرى الكُـردِ بيـنـنا ..... جـزى اللهُ عمراً خيرَ ما كان جازيا

إنِ اللهُ يُرجـعـني من الغـزو لا أُرى ...... وإن قـلَّ مالي طـالِبـاً ما ورائـيا
تقول ابنتيْ لمّا رأت طـولَ رحـلـتي ...... سِـفـارُكَ هـذا تـاركي لا أبـا لـيا

لعمريْ لئن غالتْ خـراسـانُ هامـتي ...... لقد كـنتُ عن بـابَي خراسـان نائـيا
فإن أنجُ من بـابَي خراسـان لا أعـدْ ...... إلـيـهـا وإن منَّيتُـموني الأمـانـيا

فللهِ دّرِّي يـوم أتـركُ طـائـعــاً ....... بـَـنيّ بأعـلى الرَّقمـتَـينِ ومالـيا
ودرُّ الظـبَّاء السـانحـات عـشـيـةً ....... يُخَبـّرنَ أنّي هـالـك مَـنْ ورائـيا

ودرُّ كـبـيـريَّ اللـذين كـلاهـمـا ....... عَلـيَّ شفـيـقٌ ناصـح لو نَـهانـيا
ودرّ الرجـال الشــاهـدين تَفـتُّـُكي ....... بأمـريَ ألاّ يَقْصُـروا من وَثـاقِـيا

ودرّ الهوى من حيـث يدعو صحابـتي ...... ودّرُّ لجـاجـاتـي ودرّ انتِـهـائـيا
تذكّرتُ مَنْ يـبـكي عـليَّ فـلم أجـدْ ....... سوى السيفِ والرمـح الرُّدينيِّ باكـيا

وأشقرَ محبـوكـاً يـجـرُّ عِـنـانـه ........ إلى الماء لم يترك له الـموتُ ساقـيا
ولكـنْ بأطـرف ( السُّمَيْنَةِ ) نـسـوةٌ .......عزيـزٌ علـيهـنَّ العشـيـةَ ما بـيا

صريعٌ على أيـدي الرجـال بقـفـزة ...... يُسـّوُّون لحدي حيث حُـمَّ قضائـيـا
ولمّا تـراءتْ عـند مَـروٍ مـنـيـتي ........ وخلَّ بها جسمـي، وحانـتْ وفاتـيـا

أقول لأصـحـابي ارفـعـوني فإنّـه ...... يَقَرُّ بعـيـنيْ أنْ (سُهَيْلٌ) بَـدا لِـيـا
فيا صاحبَـيْ رحلي دنا الموتُ فانـزِلا....... برابـيـةٍ إنّي مـقـيـمٌ لـيـالـيـا

أقيما عليَّ اليـوم أو بـعضَ لـيـلـةٍ .........ولا تُعـجـلاني قد تَـبيَّـن شـانِيـا
وقوما إذا ما اسـتـلَّ روحـي فهـيِّئا ........ لِيَ السِّـدْرَ والأكـفانَ عنـد فَنـائـيا

وخُطَّا بأطـراف الأسـنّة مضجَعـي ......... ورُدّا عـلى عـينيَّ فَـضـْلَ رِدائـيا
ولا تحـسـداني بـاركَ اللهُ فيـكـما......... من الأرض ذات العرض أن تُوسِعا ليا

خذانـي فجـرّاني بثـوبي إليـكـما.......... فقـد كنتُ قبل اليوم صَعْـباً قِـياديـا
وقد كنتُ عطَّافاً إذا الخـيل أدبَـرتْ ....... سريعاً لدى الهيجـا إلى مَنْ دعانـيـا

وقد كنتُ صبّاراً على القِرْنِ في الوغى .......وعن شَتْميَ ابنَ العَمِّ وَالجـارِ وانـيـا
فَطَوْراً تَراني في ظِـلالٍ ونَعْـمـَةٍ ........... وطـوْراً تراني والعِـتاقُ رِكابـيـا

ويوما تراني فـي رحاً مُستـديـرةٍ .......تُـخـرِّقُ أطرافُ الـرِّماح ثيابـيـا
وقوماً على بئـر السُّمَينة أسـمِـعا ........ بها الغُرَّ والبيـضَ الحِسان الرَّوانـيا

بـأنّكما خـلفـتُـماني بـقـَفْـرةٍ .......... تَهِيـلُ عليّ الريـحُ فيها السّـوافـيا
ولا تَنْسَيا عـهدي خليـليَّ بـعد ما........ تَقَطَّعُ أوصـالي وتَبـلى عِظامـيـا

ولن يَـعدَمَ الوالُونَ بَثّـَا يُصيبـهم ........ ولن يَعـدم الميراثُ مِنـّي الموالـيـا
يقـولون: لا تَبْعَدْ وهـم يَدْفِنونـني....... وأينَ مكانُ البُـعـدِ إلا مَـكـانـيـا

غـداةَ غدٍ يا لهْفَ نفسي على غـدٍ ........إذا أدْلجُوا عنّي وأصـبحـتُ ثاويـا
وأصـبح مالي من طَـريفٍ وتالـدٍ ......... لغيري، وكان المالُ بالأمس مالـيـا

فيا ليتَ شِعري هل تغيَّرتِ الـرَّحا .....رحا المِثْلِ أو أمستْ بَفَـلْوجٍ كما هيـا
إذا الحيُّ حَلوها جميعاً وأنـزلـوا....... بها بَقراً حُـمّ العيـون سـواجـيـا

رَعَينَ وقد كادَ الظلام يُـجـِنُّهـا ........ يَسـُفْنَ الخُزامى مَـرةً والأقـاحيـا
وهل أترُكُ العِيسَ العَواليَ بالضُّحى ..... بِـرُكبانِـها تعلو المِـتان الفيافـيـا

إذا عُصَبُ الرُكبانِ بيـنَ ( عُنَيْزَةٍ ).......... و(بَوَلانَ) عـاجوا المُبقياتِ النَّواجِـيا
فيا ليتَ شعري هل بكتْ أمُّ مالـكٍ ........ كـما كنتُ لـو عالَوا نَعـِيَّكِ باكـِيـا

إذا مُتُّ فاعتادي القبورَ وسـلِّمـي .........عـلى الـرمسِ أُسقيتِ السحابَ الغَواديا
على جَدَثٍ قد جرّتِ الريحُ فوقـه.......... تُــراباً كسَحْـق المَرْنَبانيَّ هابـيـا

رَهينة أحجارٍ وتُرْبٍ تَضَمَّـنـتْ .......... قـرارتُها مـنّي العِظـامَ البَوالـيـا
فيا صاحبا إما عـرضتَ فبلِـغـاً ........ بنـي مـازن والرَّيب أن لا تلاقـيـا

وعـرِّ قَلوصي في الرِّكاب فإنـها........ سَـتَفـلِقُ أكبـاداً وتُبـكي بواكـيـا
وأبصرتُ نارَ (المازنياتِ) مَوْهِناً .........بـعَلياءَ يُثنى دونَها الطَّـرف رانـيا

بِعودٍ أَلنْجـوجٍ أضـاءَ وَقُودُهـا .......... مَهاً في ظِلالِ السِّدر حُـوراً جَـوازيا
غريبٌ بعيدُ الـدار ثاوٍ بقـفـزةٍ .............. يَـدَ الـدهـر معروفاً بأنْ لا تـدانـيا

اقلبُ طرفي حول رحلي فلا أرى ........ بـه مـن عيون المُؤنساتِ مُراعـيـا
وبالرمل منّا نسوة لو شَـهِدْنَنـي .......... بَكينَ وفَـدَّين الطـبـيبَ المُـداويـا

وما كان عهدُ الرمل عندي وأهلِهِ ........ ذمـيماً ولا ودّعـتُ بالـرمل قالِـيا
فمنهـنّ أمي وابنـتايَ وخالـتي ........... وبـاكيةٌ أخـرى تَهيجُ البـواكـيـا

وما كان عهد الرمل مني واهله ........... ذميما ولا بالرمل ودعت قاليا


المياه الهادئة عميقة
من مواضيعي
  • ملف العضو
  • معلومات
تسابيح
عضو نشيط
  • تاريخ التسجيل : 06-08-2008
  • المشاركات : 54
  • معدل تقييم المستوى :

    16

  • تسابيح is on a distinguished road
تسابيح
عضو نشيط
رد: مـن عيـون الشعـر العـربـي ( دعوة للمشاركة )
08-08-2008, 09:34 PM
نامي جياع الشعب نامي للجواهري

نامي جياعَ الشَّعْـبِ نامي...... حَرَسَتْكِ آلِهـة ُالطَّعـامِ
نامي فـإنْ لم تشبَعِـي...... مِنْ يَقْظـةٍ فمِنَ المنـامِ
نامي على زُبَدِ الوعـود...... يُدَافُ في عَسَل ِ الكلامِ
نامي تَزُرْكِ عرائسُ الأحلامِ...... فـي جُـنْحِ......الظـلامِ
تَتَنَوَّري قُـرْصَ الرغيـفِ...... كَـدَوْرةِ البدرِ التمـامِ
وَتَرَيْ زرائِبَكِ الفِسـاحَ............مُبَلَّطَـاتٍ بالرُّخَــامِ

نامي تَصِحّي! نِعْمَ نَـوْمُ............المرءِ في الكُـرَبِ الجِسَامِ
نامي على حُمَةِ القَـنَـا............نامي على حَـدِّ الحُسَـام
نامي إلى يَــوْمِ النشورِ............ويـومَ يُـؤْذََنُ بالقِيَـامِ
نامـي على المستنقعـاتِ............تَمُوجُ باللُّجَج ِ الطَّوامِي
زَخَّارة ً بـشذا الأقَـاحِ...... يَمدُّهُ نَفْـحُ الخُـزَامِ
نامي على نَغَمِ البَعُوضِ...... كـأنَّـهُ سَجْعُ الحَمَامِ
نامي على هذي الطبيعةِِ...... لم تُحَـلَّ بـه "ميامي "
نامي فقد أضفى "العَرَاءُ"...... عليكِ أثوابَ الغـرامِ
نامي على حُلُمِ الحواصدِ...... عـاريـاتٍ للحِـزَامِ
متراقِصَـاتٍ والسِّيَـاط ُ...... تَجِـدُّ عَزْفَـاً بارْتِزَامِ
وتغازلـي والنَّاعِمَـات...... الزاحفاتِ من الهـوامِ
نامي على مَهْدِ الأذى...... وتوسَّدِي خَـدَّ الرَّغَامِ
واستفرِشِي صُمَّ الحَصَى............وَتَلَحَّفي ظُلَـلَ الغَمَامِ
نامي فقـد أنـهى " مُجِيـعُ الشَّعْـبِ " أيَّـامَ الصِّيَـامِ
نامي فقـد غنَّـى " إلـهُ الحَـرْبِ" ألْـحَانَ السَّـلامِ

نامي جِيَاعَ الشَّعْبِ نامي...... الفَجْـرُ آذَنَ بانْصِرامِ
والشمسُ لنْ تُؤذيكِ بَعْدُ...... بما تَوَهَّـج من ضِـرَامِ
والنورُ لَنْ "يُعْمِي!" جُفوناً............قد جُبِلْنَ على الظلامِ
نامي كعهدِكِ بالكَرَى............ وبلُطْفِهِ من عَهْدِ "حَامِ"
نامي.. غَدٌ يسقيكِ من عَسَـلٍ وخَمْـرٍ ألْفَ جَـامِ
أجرَ الذليلِ وبردَ أفئدةٍ............ إلى العليـا ظَـوَامِي
نامي وسيري في منامِكِ............ما استطعتِ إلى الأمامِ
نامي على تلك العِظَاتِ............الغُرِّ من ذاك الإمامِ
يُوصِيكِ أن لا تطعمي............من مالِ رَبِّكِ في حُطَامِ
يُوصِيكِ أنْ تَدَعي المباهِـجَ...... واللذائـذَ لِلئـامِ
وتُعَوِّضِي عن كلِّ ذلكَ...... بالسجـودِ وبالقيـامِ
نامي على الخُطَبِ الطِّوَالِ...... من......الغطارفةِ العِظَامِ
نامي يُسَاقَطْ رِزْقُكِ الموعـودُ......فوقَـكِ بانتظـامِ
نامي على تلكَ المباهجِ...... لم تَدَعْ سَهْمَاً لِرَامِي
لم تُبْقِ من "نُقلٍ" يسرُّكِ...... لم تَجِئْهُ .. ومن إدَامِ
بَنَتِ البيوتَ وَفَجَّرَتْ...... جُرْدَ الصحارى والموامي
نامي تَطُفْ حُورُ الجِنَانِ............عليـكِ منها بالمُدَامِ
نامي على البَرَصِ المُبَيَّضِ...... من سوادِكِ والجُـذَامِ
نامي فكَفُّ اللهِ تغسـلُ...... عنكِ أدرانَ السَّقَـامِ
نامي فحِـرْزُ المؤمنينَ...... يَذُبُّ عنكِ على الدَّوَامِ
نامي فما الدُّنيا سوى "جسرٍ!" على......نَكَـدٍ مُقَـامِ

نامي ولا تتجادلـي............القولُ ما قالتْ "حَذَامِ"
نامي على المجدِ القديـمِ............وفوقَ كومٍ من عِظَامِ‏
تيهي بأشباهِ العصامِيّينَ!............منكِ على "عِصَـامِ"
الرافعينَ الهَامَ من جُثَثٍ............فََرَشْـتِ لَهُمْ وهَامِ
والواحمينَ ومن دمائِكِ...... يرتوي شَرَهُ الوِحَامِ
نامي فنومُكِ خَيْرُ ما...... حَمَلَ المُؤَرِّخُ من وِسَامِ

نامي جياعَ الشعبِ نامي...... بُرِّئْتِ من عَيْبٍ وذَامِ
نامي فإنَّ الوحدةَ العصماءَ...... تطلُـبُ أنْ تنـامي
نامي جِيَاعَ الشَّعْبِ نامي...... النومُ مِـن نِعَمِ السلام
تتوحَّدُ الأحزابُ فيـه...... ويُتَّقَى خَطَرُ الصِـدامِ
تَهْدَا الجموعُ بهِ وتَستغني...... الصُّفوفُ عَنِ انقسـامِ
إنَّ الحماقـةَ أنْ تَشُقِّـي...... بالنُهوضِ عصا الوئـامِ
والطَّيْشُ أن لا تَلْـجَئِي...... مِن حاكِمِيكِ إلى احتكامِ
النفسُ كالفَرَسِ الجَمُوحِ............وعَقْلُها مثلُ اللجـامِ
نامي فإنَّ صلاحَ أمرٍ...... فاسـدٍ في أن تنـامي
والعُرْوَةُ الوثقى إذا استيقَظْـتِ تُـؤذِنُ بانفصـام
نامي وإلا فالصُّفوفُ............تَؤُول منكِ إلى انقِسـامِ
نامي فنومُكِ فِتْنَـة ٌ...... إيقاظُها شـرُّ الأثامِ
هل غيرُ أنْ تَتَيَقَّظِـي...... فتُعَاوِدِي كَرَّ الخِصـامِ

نامي جياعَ الشعبِ نامي............لا تقطعي رِزْقَ الأنامِ
لا تقطعي رزقَ المُتَاجِرِ ،............والمُهَنْدِسِ ، والمُحَـامِي
نامي تُرِيحِي الحاكمينَ...... من اشتباكٍ والتحَـامِ
نامي تُوَقَّ بكِ الصَّحَافَةُ...... من شُكُـوكٍ واتِّهَـامِ
يَحْمَدْ لكِ القانـونُ صُنْعَ مُطَـاوِعٍ سَلِـسِ الخُطَامِ
خَلِّ "الهُمَامَ!" بنومِكِ...... يَتَّقِي شَـرَّ الهُمَـامِ
وتَجَنَّبِي الشُّبُهَـاتِ في وَعْـيٍ سَيُوصَـمُ باجْتِـرَامِ
المياه الهادئة عميقة
من مواضيعي
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية algeroi
algeroi
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 17-10-2007
  • المشاركات : 4,860
  • معدل تقييم المستوى :

    22

  • algeroi has a spectacular aura aboutalgeroi has a spectacular aura about
الصورة الرمزية algeroi
algeroi
شروقي
رد: مـن عيـون الشعـر العـربـي ( دعوة للمشاركة )
09-08-2008, 01:29 PM
من روائع العلامة الاديب العلامة الاديب محمود محمد شاكر -ابو فهر- رحمه الله


...............القوس العذراء ...............




إلىصَدِيقٍ لا تَبْلِى مودَّتُه:


أمّابَعْدُ، فإني لم أكنْ أتوقََّّعُُ يومئذ أن ألقاكَ. وإذا كُنتَ قد أُوتيتَ حياء يغلُبك عند البغْتَة علىلسانك،حتى يُعوزَك(1) ما تقول، فقد أُوتيت أنا ضَرباً ثَرثاراً من الحياء، يُطْلِق لساني أحياناً عند البَغْتَة، بما لا أُحبُّ أن أقول، وبما لا أدري كيف جاء، ولمقيل! كنت خليقا يومئذ أن أقول غير ما قلت، ولكني وجدت شيئا منك يَنْسَرِبُ(2) في نفسي فيُثيرها، حتى يدورََ حديثي كُلُّه على إتقان الأعمالِ التي يُتَاح للمرء أنيزاولهَا ـ في لِمحة خاطفة من الدهر، نُسميها نحن الناسَ : العُمُر!! ياله منغُرُور! بيدَ أنّ هذا الحديثَ أَبَى إلا أن ينقلبَ عائداً معيَ في الطريق،يُسايرني،ويُصاَحِبني، ويُؤنس وَحْشتي، ويُسرُّ إليَّ بوَسْوسة خفية من أحاديثه التي لا تتشابَه، والتي لا تَتَناهى والتي هي أيضا لا تُمَلُّ. وإذا كانتْ ثرثرةُحيائي قد صَكّت مَسامعك ببعض عُنفي وصَرَامتي، فعَسى أن يبعثَ في نفسك بعضَ الرضى،ماأرْوِيهِ لك من بقايا َتلك الأحاديث التي رافقتني منذُ فارقتك إلى أن استقرت بيالدارُ،ثم طارت عني إلى حيثُ يطير كُلُّ فِكْرٍ، وغابتْ حيثُ َيغيب!
الإنسانُ خَلقٌ عجيبٌ!! كلّ حَيٍّ، بل كُلّ شيء مخلوق، يسير على نَهْج(3)ٍ لاَحب لا يختلّ،يُؤَيِّده هَدْيٌ صادق لا يتبدَّل. ومهما تباينتْ مسالكُهُ في حياته، وتنوَّعت أعمالُه في حِياطة مَعِيشته، فالنهجُ في كل دَربٍ من دُروبها هُوَ هُوَ لايتغَّيروالهَدْي في كل شأن من شؤونها هو هو لا يتخلّفُ(4).
تُولدالذَّرَّة(5)من النِّمال، وتنمو، وتبدأ سيرتها في الحياة، وتعمل فيها عملَها الجِدَّ، وتَفرغ من حَقِّ وجُودها، ثم تقضي نَحبَها(6) وتموت. هكذا مُذْ كانت الأرضُ وكانت النِّمال :لاتتحوّل عن نَهجٍ، ولا تَمْرقُ(7) من هَدْيٍ. وتاريخ ُأحدثِها مِيلاداً فيمَعْمعةالحياة، كتاريخ أعَرقِ أسلافها هَلاكاً في حَومِة الفَنَاء. لا هي تُحدِث (8) لنفسها نَهجاً لم يكنْ، ولا هي تبتدعُ لوارثِها هَدْيا لم يتقدَّمْ.
فسَلْ كل حيًّ : كيف تعملُ؟ ولِمَ تعمَلُ؟ ومَنِ الذّي عَلَّمَكَ وهَدَاك؟ ومَنِ الإمامُ الذي سَنَّ لك الطريقَ(9)؟ وبأيّ عبقريّة يأتي إبداعُك؟ ولمَ كان عملُك نَسَقاً(10)مُنْقادًا لا يتغير؟ وكيف كَانتْ مهَارتُك تُراثاً(11) مُؤَبَّدًا لا يتبدل؟وحذْقُك طَبْعاً راسخا ًلا يتحوَّل؟ ولم صارتْ سُنّة(12) الأوائل منكم لِزَاماً علىالأواخر؟ومِنهاج(13) الغابرين شَرَكاً للوارثين! بل كيف أخطأ الآخرُ منكُمْ أن يَسْتدرِك عَلَى الأوَل؟ والخَلفُ أن يُنَافس صَنعْةَ السَّلَف؟ وعَجَباً إذنْ! كيف صارَكُلّ عملٍ تَعْمَله مُتْقناً، وأنت لم تَجْهَدْ في إتقانه؟ وأنى بلغتَ فيه الغاية،وأنت مسلوبٌ كلّ تدبيرٍ ومَشِيئة؟ وما أنتَ وعملُك؟ أتحبُّه وتألفُه؟ أم تَشْنَؤُه(14) وتسأَمُه؟ أتُخامُرك نَشْوة الإعجابِ؟ أبدعتَ فيه؟ أم تنتَابُك لَوْعةالحُزْن إذ أصابه ما يُتْلِفُه أويؤْذيه؟ ألم تسألْ نفسكَ قطُّ : فيمَأعمَل؟ولمَ خُلِقت؟ وفيمَ أعيشُ؟
وأناعلى يقين من أنّك لن تسمَعَ جواباً إلاالصَّمَت المُستَنِكرَ، والذُّهولَ المُعرضَ، والصمَم المُسْتَخِفَّ الذي لايَعْبَأ.
* * *
إلاّالإنْسانُ!! إلاّ الإنْسان!!
ليتَشِعْري كيف كَانَمَدْرَجُ(15) أوَّله على أمِّه الأرض؟ وأيُّ هَدْيٍ كان لَفَرطه في مَطْلَعِ الفجْر؟
إنّه ككلّ حيّ، لم يُخْلَق سُدًى(16) ولم يُتْرك هَمَلاً. سلَك له ربُّه النَّهْجَ الأوّل(17) حتى يتكاثَر، وآتاهُ الهدْيَ القديمَ حتّى يَسْتَحْكِمَ،وسدَّد يَدَيْه حتى يشتدّ، وأنارَ بَصِيرتَه حتى يَسْتَكِمل، وأنْبَطَ(18) فيه ذخائرالفطْرة حتى يَسْتبحِر، وفَجَّرَ فيه سَرائرَ الإتقان حتى يَسُودَ ويتملَّك،وعلّمه البَيانَ حتى يَسْتَفْهِمَ، وكرَّمه بالفَتْحِ حتى يَتَغلَّب.
فلّما ثَبَتَ عليها وتأيَّد(19)، وتأَثَّل فيها وعَمَر، نَظَر إلى معروفها فاعتَبَر،وهجَم على مَجهولها فاستنكَرَ، فكأنَّهُ من يومئذٍ حادَ(20) عن النهج الذي لايخَتلّ،ومَرَق من الهَدْي الذي لا يتبدّل.
ابتُليَ من يومئذ فتَمرَّس(21)،وأُسلِم لمَشِيئته فتحيَّر. جارَ وعَدَل، فعَرف وجرّبَ. أخطأَ وأصاب، ففكّر وتدبر.نزع(22) إلى النهج الأوّل، فأخفَق وأدرك. تاق إلى الهدي القديمِ، فأعْطِي وحُرِم.احتَفر(23) ذخائر الفِطرة، فأَكْدَت عليه تارَةً ونَبَعْت. التمس شواردَ الإتقان،فنَدّتْ(24) عليه مرَّةً واستقادتْ. وإذا كلُّ صُنْعٍ يتقاضاه حَقُّ إحسانِه، وكلّ عملٍ يَحنُّ بِه إلى قرارِة إتْقانه. فعندئذ حاكَ الشكُّ في صدْر اللاحقِ، حتىقَدَحفي تمام صُنْع السَّابِقِ، فَاسْتدرَك عليه. وقلِقَ الوارثُ، حتى خاف تقصيرَالذاهب،فاستنكفَ الإذعانَ إليه. فكذلك جاشتْ نفسُه(25)، حتى انْدفقت صُبابةٌ منها فيمايعمل، وتَضَرَّمَ قلبُه، حتى ترك مِيسَمه(26) فيما أنشأ فَتَدَلَّهَ بصُنْع يديْه،لأنّه استودعه طائفة من نفسه، وفُتِن بما اسْتَجَاد(27) منه، لأنه أفْنَىفيه ضِراماً من قْلبه.ِ وإذا هو يَسْتَخِفُّهُ الزَّهْوُ(28) بما حَازَ منه ومَلَك،ويُضنِيه الأَسَى عليه إذا ضاع أوْ هلَك.
هذاهُوَ الإنسان وعملُه. فإذا دبَّت بِينَهما جَفْوة تَخْتل(29) النَّفس حتى تَمَلّ وتَسْأم، أوْ عَدَتْ اليهما(30)نَبْوةتُراودُ القلبَ حتى يَميل ويُعرضَ، انطمستْ عندئذٍ أعَلامُ(31) النهج الأوّل،وركدتْ بَوارقُ (32) الهدْيِ المُتقادِم، وبقي الإنسانُ وحيداً مَلُوماًمحُسوراًلا يزال يسْأل نفسَه: فيمَ أعملُ؟ ولم خُلِقت؟ وفيَم أعيش؟ فما يكون جوابُه إلاَ حَيْرةً لا تَهْدَأ، ولهيباً لا يَطفَأ، وظَلاماً لا يَنْقِشع.
* * *
بل حَسْبي وحسُبك. فلقد خشيتُ أن تقول لي: إنّما أنتَ تحدّثني عن الفنّ، ـفهذه صفِة أهله ـ لا عن العمل، فليس هذا من نَعْتِه! وكأنّي بك قد قلتَ: إنَ الفنّ تَرَفٌ مُسْتَحْدَثٌ، أما العمل فشقاء مُتَقادِم. هذا مّما تَعجَّله الإنسانُ وعاناهُ لقَضاء حاجته، وذاك مّما تَأنَّى فيه وصافَاه(33) للاستمتاع بلذّته.والإنسان إذا جوَّدَ العمل، فمُنْتهَى هَمِّه أن يجعلَه على قضاِء مآرِبه أعْوَنَ،أويكونَ له في أسباِب معيشته أنَجح وأربح. أمّا الفنّ، فَثَمَرة لغَير شجرته،يَسْقيها متأنِّق(34) من ينابيعَ ثرَّةٍ في وُجْدانه، وينْضجُها مشغوفٌ بِلاعجٍ منْ وَجْده وافتتانِه، في غير مَخَافةٍ مَرْهوبة، ولا مَنْفعة مَجْلوبَة، فذاك إذن بطبيعته مستهلك مُمتَهن(35)، وهذا لحرمة نَشْأته مَذْخورٌ(36) مُكرَّم.
وأقول : بلأنت تحدّثني عن الإنْسان وقد فَسَق (37) عن تِلاد فطْرته، واسَتْغَواه(38)الشُّحّ حتى انْسلخ من ركاز جبلَّتَه. غَرَّهُ ما أُوتيَ من التدبير، فاقتحم على غَيْب مُدَبَّر، يَعْتسفُه بسَفاهة جُرأته. واستخفّه ما أُعين به من المَشيئة،فهجَم على خْيرٍ مبذول، يستكثِر منه بضَراوة(39) نَهْمَته. فانْبَتَّ من يومئذ فيفَلاةمَطْموسة بلا دَليل، يَظلُّ يكدح فيها كدْحًا حتى يُنادَى للرَّحيل!
جَاءمُيسَّراًلشيء خُلقَ له، فظلمه حقَه حتى عَضِل(40) بأمره فتعسَّر، وهُديَ مسددًاإلىغاية، فَغَفل عنها حتى تبدّد خَطوه واختلّ. ولو دانَ الإنسانُ بالطاعة لِفطْرته المكنونة فيه منذُ وُلِد، لأفْضى إلى خَبْئها(41) التَّليد إذا ما اسْتوىَ نَبْتُه واستحصَد. ولصارَ كلّ عمل يَعْتَمِلُه(42)، تدريبا لما استْعَصى منه حتَّى يلينَ وَيْنقادَ،وتهذيباً لما تراكم فيه حتى يَرِفَّ(43) ويتوهَّج. فإذا دَرِب عليه وصَبَر،أزال الثرى عن نَبْعٍ مُنْبِثق، فإذا ألحّ ولم يَملَّ، انشَقَّت فطرتُه عن َفْيضٍ متدفّق. ويومئذ يُسْفر(44) لَعينيه مَدَب ُّالنَّهجِ الأوّل، بعد دُرُوسه وعِفائه،ويَسْتَشْرِي في بَصيرته وَميضُ الهَدْي المتقادِم، بعد رَكْدته وخفائِه.وإذاكلّ عملٍ يَفْصم عنْه مُتْقَنًا، وكأنّه لم يجْهد في إتْقانِه، وإذا هو مُشرفٌ فيه على الغاية، وكأنه مسلوبٌ كلّ تدبيٍر ومَشِيئة، ولكنّه لايَفْصمُ عنه حين يفصِم،إلاّ مَطْويًا على حُشاشةٍ(45) من سِرّ نَفْسه وحياته، موسوماً بلَوْعَةٍ مُتَضرمة،على صَبْوَةٍ(46) فَنِيتْ في عِشرته ومُعَاناته.
فالعملُ كما تَرَى،هوفي إرثِ(47) طَبِيعته فنٌ مُتمكّن، والإنسانُ بَسِليقة(48) فِطْرَتِه فَنَّانمُعْرِقٌ.
* * *
وإنّي لَمُحدِّثك الآنَ عن رجُلٍ من عُرض البشَر(49)،يَتَعيش بكدِّ يَديْه، صابَرَ(50) الفاقةَ عامَيْن، يعمَل عملاً يُفْلِتُ نَفَسًامن الغنى إليه، أغواهُ ثَراء يَبْهرهُ، فما كاد يُسْلِمه للبَيْع حتى بكَىعليه.
لمأعْرفُه، ولكن حدَثني عنه رجُلٌ مثْلُه عَمَلُه البَيان، ذاك فِطْرتُهفييَدَيه، وهذا فطْرتُه في اللِّسان.
* * *
هذاعامرٌ أخو الخُضْر :توجَّسَتْ(51) به الوحْشُ من عِرْفانها شدّةَ نِقْمته، جاءتْ ظامئة في بَيْضَةالصيف(52فراعَهامَجْثَمهُ في قُتْرتِه. قليلُ التِّلاد، غيرَ قوسٍ أو أسْهُمٍ،خفيّالِمهَاد، غيَر مُقْلة تتضرَّم. تبيَّنتْ لَمْحَ عَيْنيه، فانقلبَت عن شريعةالماءهاربة، ذكرت نِكاية مَرْماهُ، فآثرت مِيتَةَ الظَّمأ على فَتْكة الأسْهُمالصائبة.
وماعامرٌ وقَوْسَه؟!
1 ـ فَدَعِ الشَّمَّاخَ يُنْبِئْكَ عنقَّواسِهاالبَائِس في حَيْثُ أَتاَهاَ:
2 ـ أيْن كاَنتْ فيِ ضَمِير الغَيْبِ منْ غِيلٍ(53) نَماَهاَ؟
3 ـ كَيْف شقَّتْ عينُهُ الحجْبَ إليْها،فاجْتَبَاهَا(54)؟
4 ـ كَيْفَ يَنْغَلُّ(55) إلَيْهاَ فيِ حَشاَ عِيصٍوقاَهَا؟
5 ـ كَيْفَ أَنحى(56) نَحْوَها مِبْرَاتَهُ، حتى اخْتَلاَهَا؟
6 ـكَيْفَقَرَّتْ فيِ يديه، واطْمأنَّتْ لِفَتَاهَا؟
7 ـ كَيْفَ يَسْتَودِعُهاالشَّمْسَعَامَيْن.. تَرَاهُ وَيَرَاهَا؟
8 ـ كَيْفَ ذَاقَ البُؤْس.. حتىشَربَتْماَء لِحاَها(57)؟
9 ـ كَيْفَ نَاجَتْهُ.. وَنَاجَاها.. فَلاَنَتْ..فَلوَاهَا؟
10 ـ كَيْفَ سَوَّاهَا.. وَسـَوَّاهَا.. وَسَوَّاهَا فَقَامَتْ..فَقَضَاهَا؟
11 ـ كَيْفَ أَعطَتْهُ منَ الِّليِن، إذَا ذَاقَ(58)،هَوَاهَا؟
12 ـ أيُّ ثَكْلَى أَعَولَتْ إذْ فَارَقَ السَّهْمُ حَشَاهَا؟
13 ـكَيْفَيُرْضِيهِ شَجَاهَا؟ كَيْفَ يُصْغِي لبُكاَهَا؟
14 ـ كَيْفَ ريعَالوَحْشُمِن هَاتِفِ سَهْم إِذْ رَمَاهَا؟
15 ـ كَيْفَ يَخْشَى طَارِقاً، فيِلَيْلةٍ يَهْمِي(59) نَدَاهَا؟
16 ـ كَيْفَ رَدَّاهَا(60) حَريرَ البَزِّحِرْصاًوَكسَاهَا؟
17 ـ كَيْفَ هَزَّتْهُ فَتَاهَا؟ وَتَعالَى وَتَبَاهى؟
18 ـكَيْفَ وَاَفى مَوْسَم الَحج بِهَا؟.. مَاذَا دَهَاهَا؟
19 ـ أيُّ عَيْنٍلَمَحَتْسرَّهُمَا المُضْمَرَ؟.. بَلْ كَيْفَ رَآهَا؟
20 ـ انبَرَىكَالصَّقْرِيَنْقَضُّ إلَيهَا.. فَأَتَاهَا!!
21 ـ مَسَّهَا ذُو لَهْفَة تَخْفى..، وَإنْ جَازَتْ مَدَاهَا
22 ـ قَالَ: سُبْحَانَ الذيِ سَوَّى!!وأَفْدِيمَنْ بَرَاهَا
23 ـ أَنْتَ..!! بِعْنِيهَا..
ـنَعَمْ إن شِئْتَ!! [تَعْسَا وَسَفَاهَا](61)
24 ـ قَالَ : بِالتِّبْرِ.. وَبالفِضَة، بالخزِّ..وَمَاشِئْتَ سِوَاهَا
25 ـ بِثِيَاب الخالِ(62).. بِالعَصْبِ المُوَشَّى..أَتَراهَا؟
26 ـ وأدِيِمِ(63) الماعزِ المَقْرُوظِ.. أرْبَى مَنْ شَراهَا!
27 ـ [كَيْفَ قَالَ الشَّيخُ؟!.. كَلاَّ! إنَّهَا بعْضِي وَالمَالُ؟. بَل ِالمالُفَدَاهَا
28 ـ إنّها الفاقةُ والبُؤسُ!!.. نَعَمْ!.. هذا غِنًى!!.. كَلاَّوشَاهَا (64)
29 ـ بَلْ كَفَاني فَاقَةً.. لاَ!.. كَيْفَ أَنْساهَا؟..وَأَنَّى؟! وَهَوَاهَا]
30 ـ لَمْ يَكَدْ.. حَتَّى رَأَى نَاسَا، وَهَمْساً،وَشِفَاهَا:
31 ـ بَايِع الشَّيْخَ! أَخَاكَ الشَّيْخَ!.. قَدْ نِلتَرِضَاهَا!!
32 ـ إنَّهُ رِبْحٌ..! فَلاَ يُفلتْكَ!.. أَعطَى،واشْتَرَاهَا(65)!
33 ـ وَرَأْى كَفَّيِه صفْراً، وَرَأَى المَالَ...فَتَاهَا(66)
34 ـ لَمْحةً...، ثُمَّ تَجَلى الشَكُ عَنْهُ...،فَبَكَاهَا!
35 ـ وَرَثَاها بدُمُوع، وَيحَهُ! كَيْفَ رَثَاهَا؟1
36 ـفَتَوَلَّى.. وَسَعِيرَ النَّارِ يُخْفِي وَلظَاهَا!
37 ـ حَسْرَةٌ تُطْوَىعَلَىأَخْرَى..، فأَغْضْى... وَطَوَاهَا!


فاسمعْ إذنْ صَدَى صوتِ الشّمَّاخ:

38 ـ تَجَاوبُ عَنْهُ كُهُوفُ القُرُونِ، تَرَدَّدَ فِيها كَأنْ لم يَزَلْ
39 ـ وَأوْفَى عَلَى القِمَم الشَّامخَات: جبَالٌ مِنَ الشِّعْر مِنْهَا اسْتَهلْ(67)
40 ـ تَحَدَّرُ أَنْغْامُه المُرْسَلاَتُ، أَنَغَامَ سَيْل طَغْى وَاحتَفَلْ(68)
41 ـ رَأَى حُمرَ الوَحْشِ، فَابْتَزَّهَا(69) بِلاَبِلَها منْ حَدِيِث الوَجَلْ
42 ـ رَآهَا ظَمَاءً إلَى مَوْرِدٍ، فَفَزَّعَها عَنْه خَوْفٌ مَثَلْ(70)
43 ـ فَطَارتْ سِراعَا إلى غَيِِرِه، بِعَدْوٍ تَضَرَّمَ حَتى اشتَعَل
44 ـ فَلَم تَدْنُ حَتَّى رَأتْ صَائِدَينِ، فَصدَّتْ عَنِ المَوْتِ لما أَهَلّ
45 ـ فَكَالبَرْقِ طَارَتْ إلى مَأمَن عَلَى ذِي الأرَاكَةِ(71) صافيِ النَّهَلْ


.. فحَّلأهَا عَنْ ذِي الأرَاكَةِ عَامِرٌ
أخُو الخُضْر، يَرْمِي حَيْثُ تُكْوَى النَّواحِزُ
ـ قلِيلُ التِّلاَد، غَيَر قَوْسٍ وَأَسْهُمٍ؛
كَأَنَّ الَّذي يَرْمِي منَ الوَحْشِ، تَارِزُ
ـ مُطِلاَّ بزُرْقٍ مِا يُدَاوَى رَمِيُّها،
وَصَفْرَاءَ مِن نَبْعٍ عَلَيْهَا اَلَجلاَئِزُ


46 ـ فَكَيْفَ تَدَسَّسَ هَذَا البَيانُ حَتَّى رَأَى بعُيُونِ الحُمرْ؟
47 ـ وَكَيْفَ تَغَلْغَلَ هَذَا اللسَانُ وَبَيَّنَ عَنْ رَاجِفَاتِ الحَذَرْ(72)
48 ـ لَوَاهَا(73) عَنِ الَّريِّ عِرْفَانَهَا أَخَا الخُضْرِ، عرْفَان مَن قَدْ عَقَلْ!
49 ـ وَعَلَّمهاَ أَيْن تُكْوى اُلُجنُوب بنَارِ الطَّبِيبِ لِدَاءِ نَزَلْ!
50 ـ وَأَنَّ اَلخَصَاصَةَ(74) قَوْسُ البَئِيسِ، إذا انْقَذفَ السَّهْمُ عَنْها قَتَلْ!
51 ـ يُسَابِقُ مُسْتَنْهِضَاتِ(75) الفِرَارِ فَيَقْتُلُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْتَقِلْ!
52 ـ فَيُدرِكُهَا الَموتُ مَغروسَة قَوائِمُها في الثَّرى..، لَمْ تَزُلْ!
53 ـ وَعَرَّفَهَا أَنَّهُنَّ السِّهَامُ: زُرْقٌ تَلأَلأُ أَوْ تَشْتَعلْ!
54 ـ وَصَفْرَاءُ فَاقِعَة (76)، أَذْ كَرَتْ مَصَارِعَ آبآئِهِن الأول
55 ـ سِهَامٌ تَرَى مَقْتَلَ الحَائمَاتِ(77)، وقَوسٌ تُطلُّ بِحتْفٍ أَظَلّْ!


ـ تَخَّيرَهَا القَوَّاسُ مِنْ فَرْعِ ضَاَلِة
لَهَا شَذَبٌ مِنْ دُونِها وَحَوَاجزُ
ـ نَمَتْ فيِ مَكَانٍ كنهَا، فَاسْتَوتْ بِهِ،
فَمَا دُونَها مِنْ غِيلِهَا مُتَلاَحِزُ
ـ فَمازَالَ يَنْجُو كُلَّ رَطبٍ وَيَابِس
وَيَنْغَلُّ..، حَتَّى نَالـَهَا وَهْوَ بَارِزُ
ـ فأَنْحَى عَلَيْها ذَاتَ حَدّ، غُرَابُهَا
عَدُوٌّ لأِوْسَاط العِضَاهِ مُشَارِزُ
ـ فَلما اطْمَأَنَّتْ في يَديْهِ..، رَأَى غِنًى
أحَاطَ بِهِ، وَأَزْوَرَّ عَمَّنْ يحُاَوِزُ


56 ـ تَخَّيرهَا بَائِسٌ، لَمْ يزل يُمَارِسُ أَمْثَالهَا مُذْ عَقَلْ
57 ـ تَبَيَّنَهَا وَهْيَ مَحْجُوَبةٌ، وَمِنْ دُونِها سِتْرُهَا المُنْسَدِلْ(78)
58 ـ حَمَاهَا العُيُونَ فأَخْطَأنَهَا، إلىَ أنْ أَتَاهَا خَبِيٌر عَضِلْ(79)
59 ـ رَأَى غَادَةَ نُشَّئَتْ في الـظِّلاَل، ظِلالِ النعيِم، فَصَلَّى(80) وهَلّ
60 ـ فَنَادَتْه مِنْ كِنِّهَا(81) فَاسْتَجَابَ: لَبَّيْكِ! [يَاقَدَّها المُعتَدلْ]
61 ـ سُتُورٌ مُهَدَّلَةٌ(82) دُونَهَا، وَحُرَّاسُها كَرِمَاِح الأَسَلْ
62 ـ يَبيسٌ(83) ورَطْبٌ وَذُو شَوكة فأَشَرطَها نَفْسَهُ.. لمُ يَبلْ
63 ـ وَسلَّ لِسَاناً من الباتِرَاتِ،... وَانَغلَّ(84) عاشِقُها اُلمخْتَبَلْ!!
64 ـ يَحُتُّ اليَبِيسَ(85)، ويُرْدِي الرِّطَابَ، ويُغْمِضُ في ظُلَمات تُضِلْ
65 ـ فَهَتَّكَ أَسْتَارَهَا بَارِزاً إلى الشَّمْسِ.. قد نَالَها! حَيَّهَلْ(86)!!
66 ـ فَأَنْحَى إلَيْها الِّلسَان الحَدِيدَ يَبْرُقُ..، وَهْوَ خَصِيمٌ جَدِلْ
67 ـ عَدُوٌّ شرِيس(88)، لَه سَطْوَةٌ بكُلِّ عَتِيٍ قَدِيِمِ الأَجَلْ
68 ـ فَأَثْكل أُمّا غذَتْها النَّعيمَ، ورَاحَ بِهاَ وَهْوَ بَادِي الجَذَلْ(89)
69 ـ فَلَمَّا اُطْمَأَنَّتْ على رَاحَتَيِه، وَعَيْنَاهُ تَسْتَرِقَانِ(90) القَبَلْ
70 ـ رَقَاهَا، فأَحْيَى صَبَابَاتِها بتَعْوِيذَةٍ مِنْ خَفِيِّ الغَزَلْ
71 ـ فَنَاجَتْه..، فَاهتَّز من صَبْوةٍ، وَمِن فَرَح بِالغِنَى المُقْتَبَلْ(91)
72 ـ وَأَعْرَضَ عَنْ كُلّ ذِي خَلّةِ (92)، غِنىً بالّتيِ حَازَهَا... وَانْفَتَلْ...


ـ فَمَظَّعَهَا عَامَيْن ِمـَاءَ لحَائِهَا
وَيَنْظُرُ منهَا : أَيَّهـَا هُو غَامِزُ
ـ أَقَامَ الثِّقافُ وَالطَّرِيدَةُ دَرْأَهَا،
كَمَا قَوَّمتْ ضِغْنَ الشَّمُوسِ المَهَامِزُ


73 ـ مَعَ الشَّمْسِ عَامَيْنِ.. حَتَّى َتِجفَّ وَتَشْرَبَ مَاءَ لِحَاءِ(93) خَضلْ
74 ـ وَفِي البُؤسِ عَامَيْنِ... يَحْيَى لَهَا، وَيُحْييه منها: الغنَى وَالأَمَلْ
75 ـ تَردَّدَ عَامَيْنِ... مِنْ كَهْفِهِ إلَى مَهْدِهَا، عِنْدَ سَفْحِ الجَبَلْ
76 ـ يُغَنِّي لَهَا، وَهُوَ بَادِي الشَّقاءِ، بَادِي البَذاذةِ(94)، حَتَّى هُزِلْ
77 ـ يُقلبها بِيَديْ مُشْفِقٍ لَهِيف (95)، لطِيف، رَفِيق، وَجِلْ
78 ـ يُعَرِّضَها لِلَهيبِ الهَجِيِر، رَؤُوفاً بِهَا، عَاكِفاً لا يَمَلْ
79 ـ فَلَمَّا تَمَحَّصَ(96) عَنْهَا النَّعِيمُ، وَاْشْتَدَّ أُمْلُودُهَا، وَاْنْفَتَلْ
80 ـ عَصَتْهُ، وَسَاءتْهُ أَخْلاَقُهَا نُشُوزا(97)ً.. فَلَمَّا اْلتَوَتْ كَالمُدلْ
81 ـ أَعَدَّ الثِّقَافَ (98) لَهَا عاشِقٌ يُؤدِّبُها أَدَبَ المُمْتَثِلْ
82 ـ وَعَضَّ عَلَيْها.. فَصَاحَتْ لَهُ، فَأَشْفَقَ إشْفَاقَةً، وَانْجَفَلْ(99)
83 ـ فَجَسَّ، فَغَاظَتْهُ وَاْسْتَغْلَظَتْ، فَعَضَّ بأُخْرَى، فَلَمْ تَمْتَثِلْ
84 ـ فَأَلْقَى الثِّقَافَ...، وَأَوْصى الطَّرِيدَةَ(100) أَنْ تَسْتَبِدَّ بِهَا، لاَ تَكِلْ
85 ـ وَألْقَمَهَا قَدَّها، فَانْبَرَتْ تُخَاشِنُها بغَلِيظٍ مَحِلْ(101)
86 ـ يُجَرِّدُهَا مِنْ ثِيَابِ العِنَادِ، وَمِنْ دِرْعِها الصَّعْبِ، حَتَّى تَذِلْ
87 ـ فَلمَّا تَعَرَّتْ لَهُ حُرَّةً وَمَمْشُوقَةَ القدَّ رَيَّا(102)، جَفَلْ
88 ـ وَسَبَّحَ لَمَّا اسْتَهَلَّتْ لَهُ، وَلاَنَ لَهُ ضِغْنُهَا(103)... وَابْتَهَلْ


ـ وذَاَقَ..، فَأَعْطَتْهُ مِنَ الَّلينِ جَانباً
كَفَى ـ وَلََهَا أَنْ يُغْرِقَ السَّهْمَ حَاجِزُ
ـ إذَا أَنْبَضَ الرَّامُونَ عَنْهَا، تَرَنَّمَتْ
تَرَنُّمَ ثَكْلَى أَوْجَعَتْهَا اَلجنَائـزُ
ـ هَتُوفٌ..، إذَا ماخَالطَ الظَّبْيَ سَهْمُهَا!
وَإنْ رِيعَ مِنْهَا أَسْلَمَتْه النَّوَاقِز


89 ـ أَطَاعَتْهُ مِنْ بَعْدِ أَنْ لَوَّعَتْهُ بَالوجْدِ عَامَيْنِ حَتَّى نَحلْ
90 ـ يُزَلْزِلُهُ أَمَلٌ يَسْتَفِزُّ فِي قَيْدِ بُؤْسٍ يُميِتُ الأَمَلْ
91 ـ فَلَمَّا أَذَاقَتْهُ، إذْ ذَاقَهَا، هَوًى أَضَمَرْتهَُ لَهُ لَمْ يَزَلْ
92 ـ تَبَّينَ إذْ رَامَهَا، حُرَّةً حَصَاناً(104)، تَعِفُّ فَلاَ تُبْتَذلْ
93 ـ تَلِينُ لأِنْبلِ عُشَّاقِهَا، وَتَأْبَى عَلَيْهِ إذَا مَا جَهِلْ(105)
94 ـ فَأَغْضى حَيَاءً..، وَأَفْضَى بِهَا إلَى كَهْفِهِ خَاطِفًا، قدْ عَجِلْ
95 ـ فَأَهْدَى لَهَا حِلْيةً صَاغَهَا بِكَفَّيْهِ، وَهْوَ الرَّفِيقُ العَمِلْ(106)
96 ـ تَخَيَّرَهَا مِنْ حَشَا أَذْؤبٍ (107)، رَآهَا لَدى أَمِّها تَسْتظِلْ
97 ـ أَعَدَّ لَهَا وَتَراً كَالشُّعاعِ حُرَّا..، عَلَى أَرْبَعٍ(108) قَدْ فُتِلْ
98 ـ فَلَمَّا تَحَلتْ بِهِ، مَسَّهَا فَحَنَّتْ(109) حَنِينَ المَشُوقِ المُضِلْ
99 ـ فَكَفَّلَهَا(110) مِنْ بَنِي أُمِّها صَغِيراً، تَرَدى بِرِيشٍ كَمَلْ
100 ـ لَهُ صَلعَةٌ كَبَصِيصِ الَّلهِيبِ مِنْ جَمْرةٍ حَيَّةٍ تَشْتَعِلْ
101 ـ فَضَمَّتْ عَلَيْه الَحشَا رَحْمَةً وَكَادَتْ تُكَلِّمُهُ.. لَوْ عَقَلْ!
102 ـ فَجُنَّ جُنُونُ المُحبِّ الغَيُورِ..! فَأَنْبَضَ(111) عَنْها أَبِيٌّ بَطَل!ّْ
103 ـ أرَنَّتْ(112) تُبَكِّي أَخَاهَا الصَّغِيرَ: وَيْحِي!! أَخِي!! وَيْلَهُ!! أَيْنَ ضَلّْ
104 ـ فَظَلَّ يُفَجِّعُها(113) : أَنْ تَرى جَنَائِزَ إخْوَتِها... وَآ ثَكَلْ!
105 ـ فأَعْرَضَ ظَبْيٌ(114) فَنَادَى بِهِ أَخُوهَا..، وَنَادَتْهُ: هَا! قَدْ قُتِل
106 ـ وَقَفَّاهُ(115) ظَبْيٌ فَصَاحَتْ بِهِ..، فَخَارَتْ قَوَائِمُهُ.. ، فَاضْمَحَلّْ
107 ـ فَآبَا.. يَسَائُلهَا: هَلْ رَضِيتِ بثُكلِ الأَحَبَّةِ؟ قَالَتْ : أَجَلْ
108 ـ فَبَاتَا بلَيْلِة مَعْشُوقَةٍ تُباذِلُ عَاشََقَها مَا سَأَلْ


ـ كـَأَنَّ عَلَيْهَـا زَعْفَرَانَاً تَميرُهُ
خـَوَازِنُ عَطـَّارٍ يَمـَان كَوَانِزُ
ـ إذَا سَقَط الأَنْدَاءُ، صِينَتْ وأُشْعرِتْ
حَبِيرًا، وَلَمْ تُدْرَجْ عَلَيهَا المَعَاوِزُ


109 ـ يُغَازِلُهَا، وَهْيَ مُصْفَرَّةٌ، عَلَيْها بَقِيَّةُ حُزْنٍ رَحَلْ
110 ـ تُنَاسِمُهُ(116) عِطْرَها، وَالشَّذَا شَذَا زَعْفَرانٍ عَتِيقِ الأَجَلْ
111 ـ تَوَارَثْنَهُ الغِيدُ يَكْنِزْنَهُ لِزِينَتِهنَّ، خَفِيَّ المَحَلّْ
112 ـ فَسَاهَرهَا(117) يَزْدَهِيِه الجَمَالُ وَيُسكِرُهُ العَرْفُ، حَتَّى ذَهَلْ
113 ـ فَنَادَتْهُ : وَيْحَكَ! أَهَلَكْتَنِي! أَغِثْنِي... هَذَا النَّدَى قَدْ نَزَلْ
114 ـ فَطَارَ إلَى عَيْبَة(118) ضُمِّنَتْ حَرِيرًا مُوَشَّى نَقِيَّ الخَمَلْ
115 ـ كَسَاهَا حَفِيّ بهَا عَاشِقٌ! إذَا أَفْرَطَ الحُبُّ يَوْمًا قَتَلْ
116 ـ فَأَلْبَسَها الدِّفْءَ ضِنَّا بِها... وَبَاتَ قَرِيرًا(119).. عَلَيْه سَمَلْ!!


ـ فَوَافى بِهَا أَهْلَ المَوَاسِم، فاْنْبَرَى
لَهَا بَيِّع يُغْلي بِهَا السَّوْم رَائِزُ
ـ فَقَالَ لَهُ : هَلْ تَشْتَرِيهَا؟! فَإِنَّهَا
تَبُاَعُ بِمَا بِيعَ التِّلاِدُ الحَرَائِزُ
ـ فَقـَالَ : إِزَارٌ شَرْعَبِيٌّ، وَأَرْبَعٌ
منَ السَّيَرَاءِ، أَوْ أَوَاقٍ نَوَاجِزُ
ـ ثَمَانٍ مِنَ الكُورِيِّ، حُمْرٌ، كَأنَّها
مِنَ الجَمْرِ مَا أَذْكَى عَلَى النَّارِ خَابِزُ
ـ وَبُرْدَانِ مِن خـَالٍ، وَتِسْعونَ دِرْهَمًا،
عَلَى ذاكَ مَقْروظٌ مِنَ الجـِلْدِ مَاعِزُ


117 ـ تَمَتَّع دَهْرًا بأَيَّامِهَا وَلَيْلاَتِهَا نَاعِماً قِدْ ثَمِلْ(120)
118 ـ يَرَاهَا، عَلَى بُؤْسِهِ، جَنَّة تَدَلَّتْ بِأَثْمَارِهَا، فَاسْتَظَلّْ
119 ـ تُصَاحِبُهُ فِي هَجِير القِفَارِ، وَفِي ظُلَم الَّليْلِ أَنَّى نَزَلْ
120 ـ فَيَحْرُسُهَا وَهْو فِي أَمْنَةٍ(121)، وَتَحْرُسُهُ فِي غَوَاشِي الوَجَلْ
121 ـ يَجُوبُ الوِهادَ(122)، وَيَعَلُو النِّجادَ، وَيَأْوِي الكَهُوفَ، وَيَرْقَى القُلَلْ
122 ـ ويُفْضي إلَى مُسْتَقَّر الحُتُوفِ: فِي دَارِ نِمْرِ، وَذِئْبٍ، وَصِلّْ(123)
123 ـ مَنَازِلَ عَادٍ، وَأَشْقى ثَمُودَ، وَحِمْيَرَ، وَالبَائِدَاتِ(124) الأُوَلْ
124 ـ مَجَاهِلَ مَا إنْ بِهَا مِنْ أَنِيسٍ، وَلاَ رَسْم دَارٍ يُرَى أَوْ طَلَلْ
125 ـ يُعَلِّمُهَا كَيْفَ كَانَ الزَّمَانُ، وَمَجْدُ القَدِيم، وَكَيْف انَتَقَلْ!
126 ـ وَكَيْفَ تَسَاقَى بِهَا الأَوَّلُونَ رَحِيقَ الحَيَاةِ وَخَمْرَ الأَمَلْ!
127 ـ وَأَيْنَ الأَخِلاَّء كَانُوا بِها يَجُّرونَ ذَيْلَ الهَوَى وَالغَزَلْ!
128 ـ وَملْكٌ تَعَالَى، وَطَاغٍ عَتَا، وَحُر أَبَى وَحَرِيصٌ غَفَلْ!
129 ـ فَدَمْدَمَ(125) بَيْنَهُمُ صَارِخٌ: بَقَاء قَلِيلٌ!! وَدُنْيَا دُوَلْ!!
130 ـ فَعَرْشٌ يَخِرُّ، وَسَاعٍ يَقَرُّ(126)، وَسَاقٍ يَمِيلُ.. وَنَجْمٌ أَفَلْ!!
131 ـ زَهِدْتُ إليْك وَفَارَقْتُهُمْ أَخِلاَّءَ عَهْدِ الصِّبَا وَالجَذَلْ
132 ـ فَنِعْمَ الصَّدِيقُ! وَنِعْمَ الخَلِيلُ وَنِعْمَ الأَنِيسُ.. وَنَعْمَ البَدَلْ!!
133 ـ صَدِيقٌ(127) صَدَاقَتُها حُرَّةٌ، وََخِل خِلاَلَتُهَا لاَ تُمَلّْ
134 ـ وَغَابَا مَعًا عَنْ عُيُونِ الخُطُوبِ، وَعَنْ كَلِّ وَاشٍ وَشى أَوْ عَذَلْ
135 ـ وَعَنْ فِتْنَةٍ تُذْهِلُ العَاشِقَيْن، تُضِيءُ الدُّجَى لِدَبِيبِ المَلَلْ
136 ـ وَطَالَ الزَّمَانُ، فَحَنَّتْ بِهِ إلى الحَجِّ دَاعِيَةٌ تَسْتَهلّ(128)
137 ـ آَذَانٌ مِنَ اللّْهِ! كَيْفَ القَرَارُ؟ وَأَيْنَ الفِرَارُ؟ وَكَيْفَ المَهَلْ(129)
138 ـ تُرَدِّدُهُ البَيدُ بَيْنَ الفِجَاجِ، وَفَوْقَ الجِبَالِ، وَعِنْدَ السُّبُلْ
139 ـ أَصَاخَ لَهُ، وَأصَاخَتْ لَهُ، وَلَبَّتْهُ فَاْمْتَثَلتْ، وَامْتَثَلْ
140 ـ وَطَارَا معًا كَظِمَاءِ القَطَا(130)، إلَى مَوْرِدٍ زَاخِرٍ مُحْتَفِلْ
141 ـ فَوَافى المَوَاسِم. فَاسْتَعْجَلتْ تُسَائلُهُ: مَنْ أَرَى؟.. أَيْن ضَلْ؟
142 ـ أَسَرَّ إلَيْها: أولاَكِ الحَجِيجُ!! فَلَبَّى لِرَبٍ تَعَالَى وَجَلْ
143 ـ وَنَادَتْهُ جَافِلَةً(131): مَا تَرَى! أَجَذْوَة نَارٍ أَرَى أَمْ مُقَلْ؟
144 ـ فَمَا كَادَ... حَتَّى رَأَى كَاسِرًا(132) تَقَاذَف مِن شَعَفَاتِ الجَبّلْ
145 ـ يُدَانِي الخُطَا، وَهْوَ نَارٌ تَؤُجُّ(133)، وَيُبْدِي أَنَاةً تَكْفُّ العَجَلْ
146 ـ وَمَدَّ يَدا لا تَرَاها العُيُونُ، أَخْفَى إذَا مَا سَرَتْ مِنْ أجَلْ
147 ـ وَنَظْرَةَ عَيْنٍ لَهَا رَوْعَةٌ، تُخَالُ صَلِيلَ سُيُوفٍ تُسَلّْ
148 ـ فَلَمَّا أَهَلَّ وَأَلْقَى السَّلاَمَ، واْفتر عَنْ بَسْمِة المخْتَتِلْ(134)
149 ـ وَقَالَ : أذِنْتَ؟! وَيُمنَى يَدَيْه تَمَسُّ أَنَامِلُهَا مَا سَأَلْ
150 ـ رَأَى بَائسا مَالهُ حُرْمةٌ تَكُفُّ أَذىً عنه..، بُؤْسٌ وذُلْ
151 ـ وَقَالَ : فَدَيْتُكَ! مَاذَا حَمَلتَ؟ وَمَاذَا تَنَكَّبْتَ(135) ياَذَا الرِجُلْ؟!
152 ـ وَأَفْدِي الَّذِي قَدْ بَرَى عُودَهَا، وَقَوَّمَ مُنْآدَها(136)، وَاعْتَمَلْ!!
153 ـ فَهَزَّتْهُ مَا كِرَةٌ، (137)لم يَزَلْ يَتِيهُ بِهَا السَّمْعُ، حَتَّى غَفَلْ
154 ـ فَأَسْلمَهَا لِشَدِيد المِحَالِ(138)، ذَلِيقِ الِّلسَانِ، خَفِيِّ الحِيَلْ
155 ـ فَلَمَّا تَرَامَتْ عَلَى رَاحَتَيْه، وَرَازَ(139) مَعَاطِفَهَا وَالثِّقَلْ
156 ـ دَعَتْ: يَاخَلِيليَ! مَاذَا فَعَلْتَ؟! أَأَسْلَمْتَني؟! لِسَوَاكَ الهَبَلْ(140)!!
157 ـ فَخَالَسَهَا (141) نَظْرَةً خَفَّضَتْ غَوَارِبَ جَأْشٍ غَلاَ بِالوَهَلْ
158 ـ وَقَالَ : لَكَ الخَيْرُ! فَدَّيْتَنِي بنَفْسِكَ!!

ـ بَارِي قِسِيّ!
ـ أَجَلْ!!


159 ـ فَبِعْنِي إذَنْ!!
ـ هِيَ أغـْلَى عَلَّي، إذَا رُمْتَهَا، مِنْ تِــلاَد(142)ٍ جـــَلَلْ!
160 ـ فَقَالَ : نَعَمْ! لَكَ عِنْدِي الرِّضى، وَفَوْقَ الرِّضَى!
ـ [وَيْلهُ مَنْ مُضِلْ!]
161 ـ فَهَلْ تَشْتَرِيهَا(143)؟!..

ـ نَعَمْ أَشْتَرِي!
ـ لَكَ الوَيْلُ مِثْلُك يَوْمًا بَخِلْ!


162 ـ فَدَيْتُكَ!! أَعْطَيْتُ مَا تَشْتَهِيهِ!.. مَابِيَ فَقْرٌ ولا بِي بَخَلْ(144)!
163 ـ فَنَادَتْهُ، وَيْحَكَ! هَذَا الَخِبيثُ! خُذْنِي إَليْكَ، وَدَعْ مَا بَذَلْ
164 ـ فَبَاسَمَها(145) نَظْرَةً..، ثُمَّ رَدَّ إلَى الشَّيْخِ نَظْرَةَ سُخْرٍ مُطِلّْ:
165 ـ بكَمْ تَشْتَرِيها؟!..
فَصَاحَتْ بِهِ : حـَذَارِ! حـَذَارِ! دَهَـاكَ الخَبَلْ!!
166 ـ لَهُ رَاحَةٌ نَضَحَتْ(146) مَكْرهَاَ عَلَي، فَدَع عَنْكَ! لاَ تُغْتَفَلْ
167 ـ فَقَالَ : إزَارٌ مِنْ الشَّرْعَبِيِّ(147) وَأَرْبَعُ مِنْ سِيَرَاءِ الحُلَلْ
168 ـ بُرُودٌ تَضِنُّ بِهِنَّ التِّجَارُ(148) إذَا رَامَهُنَّ مَلِيكٌ أَجَلّْ
169 ـ وَمِنْ أَرْضِ قَيْصَرَ : حُمْرٌ ثَمَانٍ جَلاَهَا (149) الهِرَقْلِيُّ، مِثْلُ الشُّعَلْ
170 ـ ثَمَان تُضيءُ عَليكَ الدُّجَى! إذا عَمِيَ النَّجْمُ، نعمَ البَِدلْ
171 ـ وَبُرْدَانِ من نَسْجِ خَالٍ(150)، أَشَف وَأَنْعَمُ مِنْ خَدِّ عَذْرَاءَ..، بَلْ
172 ـ إذَا بُسِطَا َتْحَتَ شَمْسِ النَهارِ، فَالشَّمْسُ تَحْتَهُمَا..، لَيْسَ ظِلّْ
173 ـ وَتِسْعُون مِثْلُ عُيُونِ الجَرَادِ..، بَرَّاقَةٌ كَغَدِيرِ(151) الوَشَلْ
174 ـ كَمِرْآةِ حَسْنَاءَ مَفْتُونٍة، كَرَأْسِ سِنَانٍ حَدِيثٍ صُقِلْ
175 ـ أَجَلْ..!! وَأَدِيمٌ(152) كَمِثْلِ الحَرِيرِ، يُطْوَى وَيُرْسَلُ مثْلَ الخَصَلْ
176 ـ وَحَوْلَهُمَا زَفَرَاتُ الزِّحَامِ، وَأَذْنٌ تَمِيلُ، وَرَأْسٌ يُطِلّْ
177 ـ وَغَمْغَمَةٌ(153)، وَحَدِيثٌ خَفِيٌ وَنَغْيَةُ زَارٍ، وآتٍ سَأَلْ
178 ـ وَعَاشِقةٌ في إِسَارِ(154) السوَامِ!! وَعَاشقُها في الشَرَاكِ اُحْتُبِلْ
179 ـ تُنَادِيه مَلْهُوفَة تَسْتَغِيثُ، ضَائَعَةُ الصَّوْتِ..، عَنْهَا شُغِلْ


ـ فَظَلَّ يُنَاجِي نَفْسَهُ وَأمِيرِهَا
أيَـأْتِي الَّذِي يُعْطى بِهـَا أَمْ يُجـَاوزُ
ـ فَقـَالوا لـهُ : بَايِعْ أَخـَاكَ.. وَلا يَكُنْ
لَكَ اليَوْمَ عَنْ رِبْحٍ مِنَ البَيْعِ لاَهِزُ


180 ـ [أَعُوذُ بِرَبِّي وَرَبّ السَمَاء وَالأرْض!.. مَاذَا يَقْولُ الرَّجُلْ؟!
181 ـ أَجُنَّ؟! نَعَمْ.. لاَ!.. أَرَى سُورةً(155) مِنْ العَقْل، لاَخَلجَاتِ الخَبَلْ!
182 ـ وَعَيْنَيْ صَفَاءِ كَمَاء القلاَتَ(156)، وَعِرْنِينَ أَنْفٍ سَمَا وَاعتَدَلْ
183 ـ وَجَبْهَةَ زَاك (157)، نَمَاهُ النَّعِيمُ في سُؤْدُدٍ وَسَرَاءٍ نَبُلْ
184 ـ أَيُعْطِي بِهَا المَالَ؟! هَذَا الخَبَالُ! قَوْس وَمَالٌ كَهَذَا؟ ثُكِلْ!!
185 ـ وَيَارَبِّ! يـَارَبِّ! مَاذْا أقَولُ؟.. أقَولُ نَعَـمْ!.لا فَهَذَا خَطَلْ
186 ـ أَبِيعُ!! وَكَيْفَ!.. لَقَدْ كَادَنِي(158) بِعَقْلِي هَذَا الخَبيثُ الَمِحْل
187 ـ أُفَارِقُها! وَيْكَ(159)!! هَذَا السَّفَاهُ! قَوْسِيَ! كَلاَ! خَدَيني وَخِلّْ!!
188 ـ أَجَلْ!! بَلْ هُوَ البؤْسُ بَادٍ عَليَّ! فأَغْراهُ بي! وَيْحَهُ! مَا أَضَلّْ!!
189 ـ يُسَاوِمُنِي المَالَ عَنهَا؟! نَعَمْ!.. إذَا لَبِسَ البُؤْسُ حُرَّا أَذَلّْ
190 ـ إذَا مَا مَشَى تَزْدَرِيِه العُيُونُ، وَإنْ قَالَ رُدّ كَأَنْ لَمْ يَقُلْ
191 ـ نَعَمْ! إنَّهُ البُؤْسُ!! أَيْنَ المَفَرُّ مِنْ بَشَرٍ كَذِئَاب الجَبَلْ؟!
192 ـ ثَعَالبُ نُكْرٍ(160) تُجِيدُ النِّفَاقَ حَيْثُ تَرَى فُرْصةً تُهْتَبَلْ
193 ـ كلاَبٌ مُعَوَّدَةٌ لِلهَوَانِ تُبَصْبِصُ بَيْنَ يَدَيْ مَنْ بَذلْ
194 ـ فَوَيْحِي مِنَ البُؤْسِ!.. وَيْلٌ لَهُمْ!!. أَرى المَالَ نُبْلاً يُعَلي السِّفَلْ(161)
195 ـ فَخُذْ مَا أَتَيِتَ بِهِ..!! إِنَّه مَلِيك يُخَافُ، وَرَبٌ يُجَلّْ
196 ـ وَسُبْحَانَ رَبِّي! يَدِي! مَا يَدِي؟! بَرِيْتُ القِسِيَّ بها لم أَمَلْ!
197 ـ حَبَاني(162)ِ به فاطِرُ النَيِرِّات وَبَاري النَّباتِ وَمُرْسِي الجَبَلْ!
198 ـ وَأَوْدَعَهَا سِرَّهَا عَالِم خَبِيرٌ بَمكْنُونِها لَمْ يَزَلْ!
919 ـ وَفِي المَالِ عَوْنٌ عَلى مِثْلِها! وَفِي البُؤْسِ هُونٌ(163)، وَذُلٌّ، وَقُلّْ!]
200 ـ تَنَادَوْا بِهِ : أنْتَ؟! مَاذَا دَهَاكَ؟! مَالكَ يَا شَيْخُ؟! قُلْ يَا رَجُلْ!
201 ـ وَآتٍ يَُصِيحُ، وَكَفٌّ تُشِيرُ، وَصَوْتٌ أَجَشُّ(164)، وَصَوْتٌ يَصِلّْ!
202 ـ وَطَنَّتْ مَسَامِعُهُ طَنَّةً..، وَزَاغَتْ نَوَاظِرُهُ وَاخْتُبِلْ
203 ـ .. وَأَفْضَى إِلَيْهِ كَهَمْسِ المَرِيضِ أَشْفَى(165) عَلَى المَوْتِ مَا يَسْتَقِلّْ..
204 ـ تُنَادِيِه: وَيْحَكَ! وَيحِي!! هَلَكْتُ!! أَتَوْكَ بَقَاصِمَةٍ! وَآثَكَلْ!
205 ـ تَلَفتَ يَصْغِي..، وَمِثْلُ الَّلهيبِ ضَوْضَاءُ وَعْوَعَةٍ(166) فِي زَجَلْ
206 ـ فَهَذَا يُؤُجُّ(167)..، وَهـَذَا يَعَجُّ..، وَهَذَا يَخُورُ..، وَهَذَا صَهَلْ!
207 ـ وَدَان يُسِرُّ..، وَدَاعٍ يَحُثُّ..، وَكَفٌّ تُرَبِّتُ: بِعْ يَا رَجُلْ!
208 ـ لَقَدْ بَاعَ! بْع! بَاعَ! لاَ لَمْ يَبِعْ! غِنَى المالِ! وَيْحَكَ! بعْ يَا رَجْل!
209 ـ [وَحَشْرجَةُ(168) الموْتِ: خُذْنِي.. إلِيكَ!!


ـ لَبِّيْكِ!! لَبِّيْكِ!]
بِعْ يَا رَجُلْ!!


210 ـ [أَغِثْنِي!. أَجَلْ!]
بَاعَ! مَاذَا؟! أَبـَاعَ؟! نَعْم بَاعَ قَدْ بـَاعَ! حَقّاً فَعَلْ؟!
211 ـ [أَغِثْنِي! أَغِثْنِي! نَعَمْ!]


قَدْ رَبِحْتَ!!.. بــُورِكَ مــَالُكَ!
أَيْنَ الرَّجـــــــُلْ؟!


112 ـ مَضَى!.. أَيْنَ!.. لاَ، لَسْتُ أَدْرِي!.. مَتَى؟

لَقَدْ بِعْتَ ؟!.. كــَلاّ وَكَــلاّ.. أَجَلْ!

213 ـ لَقَدْ بِعْتَ! قَدْ بِعْتَ!

ـ كــَلاّ! كَذَبْتَ!
لَقَدْ بِعْتَ! قَدْ بــــَاعَ!
ـ وَيْحِي! أَجـــَلْ


214 ـ لَقَدْ بِعْتُهَا.. بِعْتُهَا.. بِعْتُهَا.. جُزِيتُمْ بَخْيرِ جَزَاء، أَجَلْ!!..
215 ـ أَجَلْ بِعْتُهَا.. بِعْتُهَا. بِعْتُهَا!! أَجَلْ بِعْتُهَا!! لا،َ أَجَلْ لا،َ أَجَلْ


فَلَمَّاَ شَرَاهَا فَاضَتِ العَيْنُ عَبْرَةً،
وَفِي الصَّدرِ حَزَّازٌ مِنَ الوَجْدِ حَامِزُ


216 ـ [أَجَلْ.. لاَ أَجَلْ بِعْتُهَا! بِعْتُهَا!. أَجَلْ بعتها! بِعْتُهَا!.. لاَ أَجَلْ
217 ـ وفَاضَتِ دُمُوعٌ كَمِثْلِ الحَمِيم(169)، لَذَّاعَةٌ، نَارُها تَسْتَهِلّْ
118 ـ بُكَاء مِنَ الجَمْرِ جَمْرِ القُلُوبِ، أَرْسَلهَا لاَعِجٌ(170) مِنْ خَبَلْ
219 ـ وَغَامَتْ بِعَيْنَيْهَ، وَاْسْتَنْزَفَتْ دَمَ القَلْبِ يَهْطِلُ فِيما هَطَل
220 ـ وَخَانِقَةٌ ذَبَحَتْ صَوْتَهُ، وَهيضَ(171) اللِّسَانُ لَهَا وَاعْتقِلْ
221 ـ وَأَغْضَى عَلى ذِلَّة مُطْرِقًا، عَلْيه مِنْ الهَمِّ مِثْلُ الجَبلْ
222 ـ أَقَامَ..، وَمَا إِنْ بِهِ مِنْ حَرَاكٍ، تَخَاذلُ (172) أَعَضَاؤُهُ كَالأَشَلّْ
223 ـ وَفِي أُذَنْيهِ ضَجِيجُ الزِّحَامِ، وَ«بعْ بَاعَ، بعْ بَاعَ، بعْ يَا رَجُلْ»!
224 ـ وَأَخْلَدَ فِي حَيْثُ طَارَ السوَامُ(173) بِمُهْجَتِهِ، كَأرُومٍ مَثَلْ
225 ـ كَأَنْ صَخْرةٌ نَبَتَتْ، حَيْثُ قَامَ، تِمثَال حُزْنٍ صَلُودٍ(174) عُتُلْ
226 ـ وَمِنْ حَوْلِهِ النَّاسُ مِثْلُ الدَّبَى(175) عِجَالاً تَنَزى، دَهَاهُنَّ طلْ
227 ـ فَمِنْ قَائِلٍ : فَازَ! رَدَّت عَلَيْهِ قَائِلَةٌ : لَيْتَهُ مَا فَعَلْ!
228 ـ وَمِنْ هَامِسٍ: وَيْحَهُ مَادَهَاهُ! وَمِنْ مُنْكِرٍ: كَيْفَ يَبْكِي الرَّجُلْ!
229 ـ وَمِنْ ضَاحِكٍ كَرْكَرَتْ(176) ضَحْكَةٌ لَهُ مِنْ مَزُوحٍ خَبِيثٍ هَزَلْ
230 ـ ومِنْ سَاخِر قَالَ : يَا آ كِلاً! تَلَّبسَ فِي سَمْتِ(177) مِنْ قَدْ أُكِلْ!
231 ـ وَمِنْ بَاسـِطٍ كَفَهُ كَالمُعَزِّي وَهَيْنمَةٍ(178) غَمْغَمَتَ لَمْ تُقَلْ
232 ـ وَمِنْ مَشْفِقٍ سـَاقَ إِشْفَاقَهُ وَوَلَّى، وَمُلْتَفِتٍ لَمْ يُوَلّ
233 ـ وَسَالَت جُمُوعُهُمُ فِي الرِّمَالِ.. وَمَاتَ الوَغَى(179).. غَيْرَ حِسّ يَصِلّْ
234 ـ وَأَسْـفَرَ(180) وَانْجَابَ دَاجِي السَّوَادِ عَنْ مُخْبتٍ خَاشِع كَالمُصَلّْ
235 ـ وَظَلَّ طَوِيلاً.. لَهُ سَبْتَةٌ(181) وَإطْرَاقَةٌ، وَأَسىً يَنْهَمِلّْ
236 ـ أَفَاقَ وَقَيذَاً(182)، بَطِيءَ الإِفَاقَةِ.. يَرْفَعُ مِنْ رَأْسِهِ كَالمُطِلّْ
237 ـ وَقَلّبَ عَيْنِيهِ: ماذَا يَرى؟ وَأَيْنَ الزِّحَامُ؟ وَأيْنَ الرَّجُلْ!
238 ـ رَأَى الأرْضَ تَمْشِي بِهِم كَالخَيَال، أَشَبْاحُهُمْ خُشُبٌ تَنْتَقِلْ
239 ـ وَهَامٌ(183) مُحَّلقَةٌ رُجـَّفٌ، وأُخْرى بَدَتْ كَنَزِيعِ البَصَلْ
240 ـ وَأَغْربةٌ (184): بَعْضُها جَاثِم يُحَرِّك رَأْسًا، وَبَعْضٌ حَجَلْ
241 ـ وَحَيَّاتُ وَادٍ، لِشَمْسِ الضُّحَى تُلوّي حَيَازَيمَها(185) والقُلَلْ
242 ـ وَأَزْفَلَةٌ(186) مِنْ ضِبَاع الفَلاَة تَخْمَعُ مِنْ حَوْلِ قتْلَى هَمَلْ
243 ـ وَهَنَّا وَهَنَّا ضِبَابٌ(187) مَرَقْن مِنْ كُلّ جُحْر لسَيْل حَفَلْ
244 ـ وَثَوْبٌ يََطِيرُ بِلاَ لاَبِسٍ، يَمِِيلُ مَعَ الرِّيحِ أَنَّى تَمِلْ
245 ـ تَمَطّى بِهِ البعْثُ مِنْ نَعْسَةٍ، ومِنْ سِنة كَفُتُورِ الكَسَلْ
246 ـ وَدَبَّتْ إِليْه بَقَايَا الحَياةِ، فَرَفَّعَ أَعْطَافَهُ(188) وَاعْتَدَلْ
247 ـ وَظَلَّ يُنَازِعُ كَبْلَ(189) الذُّهُول وَيَحْتَلِجُ النَّفْسَ مِنْ أَسْرِ غُلْ
248 ـ كَنَاشِطِ(190) ثِقْلٍ طَوِيلِ الرِّشَاِء مِنْ هُوّة في حَضِيض الجَبَلْ
249 ـ رُوَيْدَا رُوَيْدَا فَثابَتْ لَهُ مُلَجْلَجَةً(191) يَعْتَرِيهَا هَلَلْ
250 ـ وَمِثْلَ الحَمَامَة بَيْنَ الضّلُوعِ قَدْ انْتَفَضَتْ مِنْ غَواشِي بَلَلْ
251 ـ يُقَلِّبُ جمْجُمَةً، خَالهَا كَجُلمُودِ صَخْرٍ رَكين(192)ٍ حَمَلْ
252 ـ فَلأياً بِلأَي(193)ٍ وَآبَتْ لَهُ مُبَعْثَرَة مِنْ أَقَاصِي العِلَلْ
253 ـ وَنَفَّسَ عَنْ صَدْرِهِ زَفْرَةً، وَخَامَرَهُ(194) البُرْءُ حَتَّى أَبَلّْ
254 ـ أَحَسَّ بكَالجَمْر فِي رَاحَتَيْه: سَعِير تَوَقّد!! مَاذَا احْتَمَل؟
255 ـ وَيَبْسُطُ كَفَيهِ: مَاذَا أَرى جَوَابٌ حَثِيثٌ وَلوْ لَمْ يَسَلْ!!
256 ـ عُيُونٌ تُحَمْلِقُ فِي وَجْهِه، مِنْ الخُبْثِ تَزْهَرُ(195) أَوْ تأتَكِلْ!!
257 ـ [أَجَلْ بِعْتُهَا! بِعْتُهَا بِعْتُهَا!.. بَقَاءٌ قَلِيلٌ وَدُنْيَا دُوَلْ!]
258 ـ وَألْقَى الغَنىِ لِلثَّرى! وَانَتَحَى(196) وَنفَّض كَفَيْهِ: [حَسْبي! أَجَلْ]
259 ـ وَألْقَى إلَى غَالِيَاتَ الثِّيَابِ وَالبَزِّ نَظْرَةَ لاَ مُحْتَفلْ!
260 ـ وَوَلى كَئيبًا ذَلِيلَ الخُطَا، بَعيدَ الأَنَاةِ، خَفَّيِ الغُلَلْ(197)!
261 ـ وَأَوْغل فِي مُضْمرَاتِ(198) الغُيُوبِ يَطْوِي البَلاَبلَ طَيَّ السِّجِلّْ
262 ـ أرَادَ لِيَنْسَى وَبَيْنَ الضُّلوُعِ نَوَافِذ مِنْ ذِكَرٍ تَنْتَضِلْ
663 ـ فَأَحْيَتْ صَبَابتَهُ، وَالجِرَاحُ دِمَاءٌ مُفَزَّعَةٌ لَمْ تَسِلْ
264 ـ تُرِيهِ الرُّؤَى وَهْوَ حَيُّ النَّهارِ، وَتسْري بِهِ وَهْوَ لَمْ يَنْتَقِلْ
266 ـ وَيَبْسُطُ كَفَّيه مُسْتَغْرِقًا، فَتَحْسَبُهُ قَارِئًا قَدْ ذَهِلْ
267 ـ يَرَى نِعْمَة لَبِسَتْ نِقْمةً، وَنُورًا تَدَجَّى(199)، وَسِحْرا بَطَلْ
268 ـ وَآيَتَهُ(200) عَاثَ فِيهَا الشُّحُوبُ فَأنَكَرَ مِنْ لَوْنِها مَا نَصَلْ
269 ـ وَأسَرارَهَا(201) فَضَّهَا طَائف لَهُ سَطْوَة وأَذى حَيْثُ حَلْ
270 ـ وَسَحْقَ(202) غِشَاءِ عَلَى أَعْظُمُُ، تَهَّتَك مثْلَ الأدِيم النَّغِلْ
271 ـ وَمَستْ أَنامِلَهُ رَجْفَةٌ، تَسَاقَطَ عَنَها سَنَاهَا(203) وَزَل
272 ـ وَأَفْضَى بَنظْرَتِهِ نَافِذًا إلى غَيْبِ مَاضٍ بَهَيمِ(204) السُبُل
273 ـ تَلاَوَذُ(205) أَشباحُهُ، كَالذَّليلِ، بِلُغْزِ نَخِيلٍ، وَدَاجِي دَغَلْ
274 ـ وَأَسْوِدَةً خَطِفَتْ فِي الظلاَم هَارِبة مِنْ صَيُودٍ خَتَلْ
275 ـ وَطْيرًا مُرَوَّعَةً أَجْفَلَت، وَآمِنَ طَيْرٍ وَدِيعٍ هَدَلْ(206)
276 ـ وَشقَّت لَهُ السُّدَفَ(207) الغَاشِيَاتِ حَسْنَاء ضالٍ عَلَيهْا الحُلَلْ
277 ـ أَضَاءَ الظَلاَمُ لَهَا بَغْتَةً، وَقَوَّضَ خَيْمتَهُ وَاُرْتَحَل
278 ـ أَطَلَّتْ لَهُ مِنْ خِلاَل الغُصُونِ عَذْرَاء مَكْنُونَة لَمْ تُنَلْ
279 ـ «رَأى غَادَةً نُشّئَتْ فِي الظِّلاَلِ، ظِلاَل النَّعِيم»، عَلَيْهَا الكللْ(208)
280 ـ عَروسٌ تَمَايَلُ مُخْتَالَةً، تُمِيتُ بدَلّ، وَتُحْيِي بِدَلَ
281 ـ وَنَادَتْه، فَاَرَتـَدَّ مُسْتَوفِزًا(209) بَجُرْحٍ تَلَظى وَلمْ يَنْدمِلْ:
282 ـ أفِق! قَدْ أَفَاقَ بِها العَاشِقُون قَبْلَكَ، بَعْدَ أَسىً قَدْ قَتَلْ!
283 ـ أَفِقْ! يَا خَلِيلِي! أفِق! لاَ تَكُنْ حَلِيف الهُمُومِ، صَرَيع العِلَلْ
284 ـ فَهَذَا الزَّمَانُ، وَهَذِي الحيَاةُ، عَلّمْتِِنيها قَدِيمًا: دُوَلْ!!
285 ـ أَفِقْ! لاَ فَقَدْتُكَ! مَاذَا دَهَاكَ؟! تَمَّتعْ! تَمَتَّع! بِهَا! لاَ تَبلْ!
286 ـ بِصُنْع يديْك تَرَاني لَدَيْكَ، فِي قَد أخْتِي! وَنِعْمَ البَدَلْ!
287 ـ صَدَقْتِ! صَدَقْتِ!. وَأَيْنَ الشبَابُ؟ وَأَيْنَ الوَلْوعُ؟ وَأَيْنَ الأَمَلْ
288 ـ صَدَقْتِ صَدَقْتِ!!.. نَعْمَ قَدْ صَدَقْتِ! وَسِر يَدَيْك كَأنْ لَمْ يَزَلْ
289 ـ حَبَاكَ بِهِ فَاطِر النَيِّراتِ، وَبَارِي النَّبَاتِ، وَمَرْسِي الجَبلْ
290 ـ فَقُمْ! وَاسْتَهِلَّ(210)، وَسَبِّحْ لَهُ! وَلبّ لِرَبٍ تَعالىَ وَجَلّْ


.... وَأستغْفِر اللَّه، فإلا تكنْ رَضيتَ فقد أَمْلَلْتك، وَإذَا أنا قد أسأتُ من حيثُ أردْتُ الإحسان.. ولكنَّكَ بعثتَ كَوامِنَ نفسِي مُنْذ رأيتُك، فتوَسَّمْتُ وَجْهك، وعرفتُ فيه شيئًا أخطأتُه في وُجوه كثير من أهلِ زَماننا، فأحببتُ أن أعِظك وَأعظَ نفسي بِنْعمة اللَّه عَلَى عباده، إذ جَعَل بعضَهم لبعضٍ قُدوة ًوَعِبْرَةً، وَآتاهُم من مكنونِ عِلْمه مالا يغُفلُ عَنْه إلاّ هالكٌ، ولا يُضَّيعه إلاّ مُسْتَهينٌ لا يبالي. وقد بلّغنَا رسولُ اللَّه عن ربهِّ بلاغًا يُضيء لكَل حَيِّّ نَهْجَ حياتِه، ويُمْسِكُ عليه هَدْي فِطْرته، إذ قال: «إنّ اللَّه يُحِبُّ إذَا عَمِل أَحَدُكُم عملاً أن يُتْقِنَه» وقال: «إنّ اللَّه كتَبَ الإحْسانَ على كُلِّ شيء، فإذَا قَتَلْتم فأحسِنُوا القِتلة، وإذا ذَبَحْتُم فأَحْسِنُوا الذِّبْحة، وَليُحدَّ أحدُكُمْ شَفْرتَه، ولْيُرِحْ ذَبِيحتَه» فَانْظُر إلى أين كتب اللَّه عَلَينا أن نبلُغَ في إتقان ما نَصْنع، وإحسانِ ما نَعْمَل!
اللهُم إنَّا نسألُك الثباتَ في الأمر، والعزيمةَ على الرُّشْد، والإتقَان في العَمَل، وَالإحسانَ فيما نأتي وما نَذر. وَنسْأَلُكَ منْ خير ما تَعْلم، ونعوذُ بك من شَرّ ما تَعْلم. وَنسألُك قَلْبا سَلِيمَا، ولسانًا صادقًا، وعملاً صالحًا، وسَداداً في الخير. والسلامُ على مِنْ اتَّبَع الهُدَى.

من أخيك..
محمود محمد شاكر
القاهرة: 17 ربيع الآخر سنة 1371هـ
15 يناير سنة 1952م
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وعند الله تجتمع الخصوم ... [ وداعا ]

أيّ عذر والأفاعي تتهادى .... وفحيح الشؤم ينزو عليلا

وسموم الموت شوهاء المحيا .... تتنافسن من يردي القتيلا

أيّ عذر أيها الصائل غدرا ... إن تعالى المكر يبقى ذليلا


موقع متخصص في نقض شبهات الخوارج

الشبهات الثلاثون المثارة لإنكار السنة النبوية عرض وتفنيد ونقض
نقض تهويشات منكري السنة : هدية أخيرة

الحداثة في الميزان
مؤلفات الدكتور خالد كبير علال - مهم جدا -
المؤامرة على الفصحى موجهة أساساً إلى القرآن والإسلام
أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية
مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة

موضوع مغلق
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 09:49 AM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى