رد: أقرأ للسلفية لتتقي شرهم
06-03-2007, 09:25 PM
مقومات واستراتيجية الحركة الإسلامية (1)
بسم الله الرحمن الرحيم
مدخل
ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا - وصلى الله وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أساتذتي الكرام، أيها الاخوة المؤمنون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ترى ماذا يفعل تلميذ يجد نفسه تجاه شيوخه وأساتذته في منصب الموجه الا ان يستعين بالله باذلا قصارى جهده في ان يكون امينا فيما تعلمه، فان فاته فضل الابداء لم يفته فضل الامانة في الفهم والنقل عنهم، حتى يطمئنوا الى ان جهودهم في التربية والتعليم لم تذهب سدى، بل صادفت قلوبا واعية. ذلك هو حالي - بالضبط - وقد شرفني اخوتي أعضاء اتحاد جامعة الخرطوم بالدعوة للحضور والحديث اليكم أساتذتي واخوتي الكرام. ولا يفوتني هنا ان ابلغكم تحيات اخوانكم الطلبة واخوانكم في أسرتي مجلة المعرفة والمجتمع التونسيتين واكبارهم لعملكم وتجربتكم الرائدة في القيادة الجماهيرية الطلابية وتمنيهم لكم بالنجاح في مواجهة التحديات الخطيرة التي تواجه المجتمع السوداني وبقية المجتمعات الشرق - اوسطية والاسلامية عامة. ولئن كانت تحدياتنا متنوعة: سياسية، عسكرية، اقتصادية… الخ فان جوهرها حضاري بمعنى ان افكارنا وقيمنا وما انبثق عنها من مؤسسات وأساليب حياة لم تقدر على تلبية حاجاتنا وحجم مشكلاتنا. وما تشهده بلداننا من فوضى ادارية وسلوكية واجتماعية وهزائم عسكرية وديكتاتوريات سياسية ليس الا تعبيراً عن هذا النمط الحضاري المتخلف الذي يسود بلداننا.
ان اسرائيل ومن ورائها لا يتحدثون بقوة السلاح ووفرة المال والرجال وانما بنمط حضاري يقدم لافراد تلك المجتمعات قدرا من الاتجاهات والمسالك تتيح لطاقاتهم ان تثمر وتنتج وتنبصر على كل المستويات، على حين ان العكس تماماً هوالذي يحدث في بلداننا. ومن ثم فما نحن في حاجة اليه ليس مجرد تقنيات نستوردها - كما يفكر في ذلك بعض فتيان السياسية في بلداننا - وانما ثورة تزودنا بعقلية حضارية وخلق حضاري وسلوك حضاري يستجيب لمكنوناتنا وحاجاتنا ويطلق طاقاتنا المعطلة ويعيد الحياة عن الاسلام والحركة الاسلامية.
ان البحث في الاسلام والنضال من أجله خاصة لدى جيلنا الذي ترزح روحه تحت وطأة الهزائم العسكرية وتسلط الانظمة الديكتاتورية والتبعية الثقافية والسياسية والفقر والذل والحرمان. هذا البحث وذلك النضال لا ينطلقان من منطلق معرفي هو اشباع الرغبة في المعرفة والاطلاع ولا من منطلق صوفي يستهدف البحث عن ملجأ أمين في الاسلام ينجي الفرد من القلق والحيرة وانما هي مشكلات الواقع المعيشي الحادة وفشل الحلول الغربية في الخروج بالامة من المأزق، ذلك هو المحرك الكبير في دفع الاجيال الى الاسلام وفي التزامه في صفوف الحركة الاسلامية. فما هي الحركة الاسلامية؟ وما هي الصفات المشتركة بين فصائلها؟ ما هي تقنياتها وأساليبها في تغيير المجتمعات؟ ما هو اسهامها في تجديد الفكر الاسلامي؟ وهل يمكن ان نتبين من خلال كل ذلك ملامح استراتيجية لحركة الاسلام في الغد؟
تجديد الدين
اود ان القي نظرة قبل ذلك على حركة التجديد في الاسلام: يقول الرسول - عليه الصلاة والسلام - «ان الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» - رواه او داؤود - لقد كان الانسان وسيبقى ابدا في حاجة الى النبوة لكي يفقه معنى وجوده وليستبين نهج حياته وليقوم بدور الخلافة وقد جاءت الرسالات تترى حتى نزلت آية (اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) فكانت اعلانا صريحا بان الانسان قد تركز وانه قد فقه قانون السير الذي أراده الله لحياة البشر، فما عادت به حاجة الى ان يجلس الى جانبه باستمرار سائق حتى يقود سيارته. غير ان البشر تعرض لهم خلال مسيرتهم عوارض من الجهل بقانون السير او بطريقة تطبيقية ازاء حالات جديدة من التعقيد، فكانت الحاجة تدعو الى وجود رجال يعيدون للقانون نقاوته وينفون عنه ما التبس فيه من أوهام البشر وتجاربهم الناقصة ويعالجون على ضوئه ما يستجد من تطور الحياة ومشكلاتها - على ضوء النصوص الثابتة والغايات الكبرى الشرعية - مما يعيد للدين شبابه ويحفظ العلاقة بين المتطور والثابت، بين القرآن والزمان، وحتى يبقى القران قادراً ابداً على هداية البشر في طريق الخير والحق والعدل. وان خلود الاسلام وبقاء امته انما يرجعان الى أمرين:
الاول: ما في طبيعة هذا الدين من مرونة وانسجام مع الطبيعة البشرية وقدرة على تلبية احتياجات الانسان مهما بلغ مستوى تطوره.
الثاني: ان الله - عزوجل - قد تكفل بمنح الامة الاسلامية رجالا أكفاء أقوياء يرثون الانبياء ويقومون بمهمة تنقية الدين من الشوائب وتقديم الحلول لمشاكل العصر على ضوء مبادئ الدين.
نشأة الحركات الاسلامية الحديثة
لقد أسس النبي - عليه الصلاة والسلام - دولة كانت تجسيداً رائعاً لمبادئ الاسلام في العدل والحرية والاستقلال واستمرت هذه الدولة بعد وفاته تحت قيادة اصحابه، فرأت البشرية من خلالها آمالها ومثلها العليا وقد تحققت فدخل الناس في دين الله أفواجا مما أحدث بالاضافة الى ما جرته حروب الردة من خسائر في صفوف الاصحاب الكرام ما أسماه ابو الاعلى المودودي بحق: الانقلاب الخطير في مجرى التاريخ الاسلامي. اذ تسببت هذه الظاهرة في تقلص عدد المسلمين في الدنيا من ذلك النمط المثالي الرائع الذي كان مسلما حقا يطابق قوله فعله ومن جهة أخرى تصاعدت نسبة الذين هو وان كانوا قد دخلوا الاسلام اعجابا بمبادئه الا ان الناحية السلوكية واحيانا العقائدية فيهم لم تكم منطبعة كليا بطابع الاسلام. وهذه الظاهرة قادت الى انقلاب خطير اولى النكبات وهي التباعد التدريجي بين الدين والسياسة حتى لم يبق من الخلافة مع مرور الزمن الا رسمها - كما يقول ابن خلدون - وجاء الاستعمار الحديث ليهدم هذا الرسم ولتنشأ في العالم الاسلامي الدولة العلمانية والدولة الاشتراكية والدولة التي تزين دستورها بالاسلام.
لقد أحدث سقوط الخلافة وما سبقه ولحقه من غزو استعماري صدمة عنيفة في شعور المسلم أيقظته من نومة الانحطاط وأزالت عنه الطمأنينة المزيفة التي كان يعيش عليها بأنه على كل حال هو من خير أمة أخرجت للناس. ومما زاد في هذه الصدمة واستفزاز شعور المسلم ما صاحب الحملة الصليبية على العالم الاسلامي من غزو ثقافي وتبشيري يجتث الثقافة الاسلامية من جذورها وينشئ جيلا من المسلمين منبتا عن جذوره مولعا بالمستمر - شأن المغلوب مع غالبه - فالعجب - والحال هذه - ان كان انسؤال المطروح في العالم الاسلامي في أوائل هذه القرن: لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟ وكان الجواب على نحوين منتاقضين لا يزالان حتى اليوم يقسمان العالم الاسلامي الى معسكرين متصارعين. الجواب الاول: ان مشكل التخلف يكمن في الاسلام ذاته فلا بد من تطويره وتحويره حتى ينسجم مع الغرب فيلحق المسلمون بركب الامم المتقدمة وتطور هذا الجواب عند الماركسيين الى الدعوة الى التخلي عن الاسلام جملة ومحاربته ولذلك كانت ليبرالية طه حسين تمهيدا الماركسية لطف الخولي وعبد الله العروي.
الجواب الثاني: ان المشكل يكمن في المسلمين لا الاسلام. تخلى المسلمون عن الاسلام في صورته الحقيقية فحدث الانحطاط والحل حركة تجديد تمسح عن الاسلام غبار الانحطاط فيستعيد حيويته وقدرته القيادية على ايجاد مجتمعات اسلامية ليست متقدمة فحسب بل تمثل اعلى صور التقدم. واذا كان الاتجاه الاول قد تبلور في مجموعة من الحركات الوطنية والقومية والاشتراكية التي استمدت وتستمد صورها ومثلها من الغرب الرأسمالي والاشتراكي وهي التي حكمت العالم في مرحلة ما بعد الاستقلال وظهر فشلها واضحا في احداث نهضة في العالم الاسلامي بل اتجه المسلمون في ظل قيادتها الى مزيد من التبعية للغرب ومزيد من الهزائم العسكرية والاقتصادية والممارسات الديكتاتورية البشعة. فان الاتجاه الثاني قد عبر عن نفسه على لسان عدد من المفكرين والعلماء المجددين كالافغاني واقبال ومصطفى صبري والسوسي وابن باديس وتبلور وأخذ شكلا واضحا على يد الامام البنا والمودودي وقطب والخميني ممثلي اهم الاتجاهات الاسلامية في الحركة الاسلامية المعاصرة. وأخذ دور هذه الحركات - لا على المستوى المحلي بل على مستوى العالمي - يتنامى ويزداد. بالاضافة الى انها رغم انها تندرج في خطها العام في سياق حركة التجديد المتواصلة عبر التاريخ الاسلامي فان مفهومها للتجديد اخذ بعدا جديدا هو التأسيس أي اعادة البناء من الاساس، ذلك انه طالما بقيت الدولة الاسلامية قائمة ولو في شكلها الانحطاطي فان عمل المجددين كان عبارة عن عملية اصلاح وترميم وتقويم للمعوج ونبذ للدخيل على الاسلام، وفي هذا الاطار كان عمل ابن حزم وابن تيمية. اما والبناء قد سقط جملة وأصبح الاسلام غير معترف له بالحاكمية والسلطان لزم ان يكون التجديد لا اصلاحا بل تأسيسا. وما نشهده اليوم على ساحة العالم الاسلامي هو تجديد من هذا النوع، فقد سقط المجتمع الاسلامي القديم وانتهت بذلك دورة من دورات الاسلام الحضاري، واليوم يبدأ الاسلام مع نجاح الثورة في ايران وباكستان دورة حضارية جديدة.
ماذا نعني بمصطلح الحركة الاسلامية؟
ان للدعوة للاسلام والتحرك به أساليب واتجاهات كثيرة كالوعظ والارشاد ونشر العلم والتربية على العبادة والذكر وانشاء مؤسسات صحية وثقافية وللخدمات الاجتماعية ولكن الذي عنينا من بين ذلك الاتجاه الذي ينطلق من مفهوم الاسلام الشامل مستهدفا اقامة المجتمع المسلم والدولة الاسلامية على أساس ذلك التصور الشامل وهذا المفهوم ينطبق اكثر ما ينطبق على ثلاث اتجاهات كبرى: الاخوان المسلمون، الجماعة الاسلامية بباكستان وحركة الامام الخميني في ايران. وما تبقى من اتجاهات اسلامية اما هو تابع بشكل او آخر لاحد هذه الاتجاهات او هو مبتدئ لم يتبلور بعد، أو انه قاصر عمله على جزئية من جزئيات الاسلام والعمل الاسلامي كالوعظ والدعوة والارشاد والتربية والذكر.
يتبع...
بسم الله الرحمن الرحيم
مدخل
ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا - وصلى الله وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أساتذتي الكرام، أيها الاخوة المؤمنون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ترى ماذا يفعل تلميذ يجد نفسه تجاه شيوخه وأساتذته في منصب الموجه الا ان يستعين بالله باذلا قصارى جهده في ان يكون امينا فيما تعلمه، فان فاته فضل الابداء لم يفته فضل الامانة في الفهم والنقل عنهم، حتى يطمئنوا الى ان جهودهم في التربية والتعليم لم تذهب سدى، بل صادفت قلوبا واعية. ذلك هو حالي - بالضبط - وقد شرفني اخوتي أعضاء اتحاد جامعة الخرطوم بالدعوة للحضور والحديث اليكم أساتذتي واخوتي الكرام. ولا يفوتني هنا ان ابلغكم تحيات اخوانكم الطلبة واخوانكم في أسرتي مجلة المعرفة والمجتمع التونسيتين واكبارهم لعملكم وتجربتكم الرائدة في القيادة الجماهيرية الطلابية وتمنيهم لكم بالنجاح في مواجهة التحديات الخطيرة التي تواجه المجتمع السوداني وبقية المجتمعات الشرق - اوسطية والاسلامية عامة. ولئن كانت تحدياتنا متنوعة: سياسية، عسكرية، اقتصادية… الخ فان جوهرها حضاري بمعنى ان افكارنا وقيمنا وما انبثق عنها من مؤسسات وأساليب حياة لم تقدر على تلبية حاجاتنا وحجم مشكلاتنا. وما تشهده بلداننا من فوضى ادارية وسلوكية واجتماعية وهزائم عسكرية وديكتاتوريات سياسية ليس الا تعبيراً عن هذا النمط الحضاري المتخلف الذي يسود بلداننا.
ان اسرائيل ومن ورائها لا يتحدثون بقوة السلاح ووفرة المال والرجال وانما بنمط حضاري يقدم لافراد تلك المجتمعات قدرا من الاتجاهات والمسالك تتيح لطاقاتهم ان تثمر وتنتج وتنبصر على كل المستويات، على حين ان العكس تماماً هوالذي يحدث في بلداننا. ومن ثم فما نحن في حاجة اليه ليس مجرد تقنيات نستوردها - كما يفكر في ذلك بعض فتيان السياسية في بلداننا - وانما ثورة تزودنا بعقلية حضارية وخلق حضاري وسلوك حضاري يستجيب لمكنوناتنا وحاجاتنا ويطلق طاقاتنا المعطلة ويعيد الحياة عن الاسلام والحركة الاسلامية.
ان البحث في الاسلام والنضال من أجله خاصة لدى جيلنا الذي ترزح روحه تحت وطأة الهزائم العسكرية وتسلط الانظمة الديكتاتورية والتبعية الثقافية والسياسية والفقر والذل والحرمان. هذا البحث وذلك النضال لا ينطلقان من منطلق معرفي هو اشباع الرغبة في المعرفة والاطلاع ولا من منطلق صوفي يستهدف البحث عن ملجأ أمين في الاسلام ينجي الفرد من القلق والحيرة وانما هي مشكلات الواقع المعيشي الحادة وفشل الحلول الغربية في الخروج بالامة من المأزق، ذلك هو المحرك الكبير في دفع الاجيال الى الاسلام وفي التزامه في صفوف الحركة الاسلامية. فما هي الحركة الاسلامية؟ وما هي الصفات المشتركة بين فصائلها؟ ما هي تقنياتها وأساليبها في تغيير المجتمعات؟ ما هو اسهامها في تجديد الفكر الاسلامي؟ وهل يمكن ان نتبين من خلال كل ذلك ملامح استراتيجية لحركة الاسلام في الغد؟
تجديد الدين
اود ان القي نظرة قبل ذلك على حركة التجديد في الاسلام: يقول الرسول - عليه الصلاة والسلام - «ان الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» - رواه او داؤود - لقد كان الانسان وسيبقى ابدا في حاجة الى النبوة لكي يفقه معنى وجوده وليستبين نهج حياته وليقوم بدور الخلافة وقد جاءت الرسالات تترى حتى نزلت آية (اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) فكانت اعلانا صريحا بان الانسان قد تركز وانه قد فقه قانون السير الذي أراده الله لحياة البشر، فما عادت به حاجة الى ان يجلس الى جانبه باستمرار سائق حتى يقود سيارته. غير ان البشر تعرض لهم خلال مسيرتهم عوارض من الجهل بقانون السير او بطريقة تطبيقية ازاء حالات جديدة من التعقيد، فكانت الحاجة تدعو الى وجود رجال يعيدون للقانون نقاوته وينفون عنه ما التبس فيه من أوهام البشر وتجاربهم الناقصة ويعالجون على ضوئه ما يستجد من تطور الحياة ومشكلاتها - على ضوء النصوص الثابتة والغايات الكبرى الشرعية - مما يعيد للدين شبابه ويحفظ العلاقة بين المتطور والثابت، بين القرآن والزمان، وحتى يبقى القران قادراً ابداً على هداية البشر في طريق الخير والحق والعدل. وان خلود الاسلام وبقاء امته انما يرجعان الى أمرين:
الاول: ما في طبيعة هذا الدين من مرونة وانسجام مع الطبيعة البشرية وقدرة على تلبية احتياجات الانسان مهما بلغ مستوى تطوره.
الثاني: ان الله - عزوجل - قد تكفل بمنح الامة الاسلامية رجالا أكفاء أقوياء يرثون الانبياء ويقومون بمهمة تنقية الدين من الشوائب وتقديم الحلول لمشاكل العصر على ضوء مبادئ الدين.
نشأة الحركات الاسلامية الحديثة
لقد أسس النبي - عليه الصلاة والسلام - دولة كانت تجسيداً رائعاً لمبادئ الاسلام في العدل والحرية والاستقلال واستمرت هذه الدولة بعد وفاته تحت قيادة اصحابه، فرأت البشرية من خلالها آمالها ومثلها العليا وقد تحققت فدخل الناس في دين الله أفواجا مما أحدث بالاضافة الى ما جرته حروب الردة من خسائر في صفوف الاصحاب الكرام ما أسماه ابو الاعلى المودودي بحق: الانقلاب الخطير في مجرى التاريخ الاسلامي. اذ تسببت هذه الظاهرة في تقلص عدد المسلمين في الدنيا من ذلك النمط المثالي الرائع الذي كان مسلما حقا يطابق قوله فعله ومن جهة أخرى تصاعدت نسبة الذين هو وان كانوا قد دخلوا الاسلام اعجابا بمبادئه الا ان الناحية السلوكية واحيانا العقائدية فيهم لم تكم منطبعة كليا بطابع الاسلام. وهذه الظاهرة قادت الى انقلاب خطير اولى النكبات وهي التباعد التدريجي بين الدين والسياسة حتى لم يبق من الخلافة مع مرور الزمن الا رسمها - كما يقول ابن خلدون - وجاء الاستعمار الحديث ليهدم هذا الرسم ولتنشأ في العالم الاسلامي الدولة العلمانية والدولة الاشتراكية والدولة التي تزين دستورها بالاسلام.
لقد أحدث سقوط الخلافة وما سبقه ولحقه من غزو استعماري صدمة عنيفة في شعور المسلم أيقظته من نومة الانحطاط وأزالت عنه الطمأنينة المزيفة التي كان يعيش عليها بأنه على كل حال هو من خير أمة أخرجت للناس. ومما زاد في هذه الصدمة واستفزاز شعور المسلم ما صاحب الحملة الصليبية على العالم الاسلامي من غزو ثقافي وتبشيري يجتث الثقافة الاسلامية من جذورها وينشئ جيلا من المسلمين منبتا عن جذوره مولعا بالمستمر - شأن المغلوب مع غالبه - فالعجب - والحال هذه - ان كان انسؤال المطروح في العالم الاسلامي في أوائل هذه القرن: لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟ وكان الجواب على نحوين منتاقضين لا يزالان حتى اليوم يقسمان العالم الاسلامي الى معسكرين متصارعين. الجواب الاول: ان مشكل التخلف يكمن في الاسلام ذاته فلا بد من تطويره وتحويره حتى ينسجم مع الغرب فيلحق المسلمون بركب الامم المتقدمة وتطور هذا الجواب عند الماركسيين الى الدعوة الى التخلي عن الاسلام جملة ومحاربته ولذلك كانت ليبرالية طه حسين تمهيدا الماركسية لطف الخولي وعبد الله العروي.
الجواب الثاني: ان المشكل يكمن في المسلمين لا الاسلام. تخلى المسلمون عن الاسلام في صورته الحقيقية فحدث الانحطاط والحل حركة تجديد تمسح عن الاسلام غبار الانحطاط فيستعيد حيويته وقدرته القيادية على ايجاد مجتمعات اسلامية ليست متقدمة فحسب بل تمثل اعلى صور التقدم. واذا كان الاتجاه الاول قد تبلور في مجموعة من الحركات الوطنية والقومية والاشتراكية التي استمدت وتستمد صورها ومثلها من الغرب الرأسمالي والاشتراكي وهي التي حكمت العالم في مرحلة ما بعد الاستقلال وظهر فشلها واضحا في احداث نهضة في العالم الاسلامي بل اتجه المسلمون في ظل قيادتها الى مزيد من التبعية للغرب ومزيد من الهزائم العسكرية والاقتصادية والممارسات الديكتاتورية البشعة. فان الاتجاه الثاني قد عبر عن نفسه على لسان عدد من المفكرين والعلماء المجددين كالافغاني واقبال ومصطفى صبري والسوسي وابن باديس وتبلور وأخذ شكلا واضحا على يد الامام البنا والمودودي وقطب والخميني ممثلي اهم الاتجاهات الاسلامية في الحركة الاسلامية المعاصرة. وأخذ دور هذه الحركات - لا على المستوى المحلي بل على مستوى العالمي - يتنامى ويزداد. بالاضافة الى انها رغم انها تندرج في خطها العام في سياق حركة التجديد المتواصلة عبر التاريخ الاسلامي فان مفهومها للتجديد اخذ بعدا جديدا هو التأسيس أي اعادة البناء من الاساس، ذلك انه طالما بقيت الدولة الاسلامية قائمة ولو في شكلها الانحطاطي فان عمل المجددين كان عبارة عن عملية اصلاح وترميم وتقويم للمعوج ونبذ للدخيل على الاسلام، وفي هذا الاطار كان عمل ابن حزم وابن تيمية. اما والبناء قد سقط جملة وأصبح الاسلام غير معترف له بالحاكمية والسلطان لزم ان يكون التجديد لا اصلاحا بل تأسيسا. وما نشهده اليوم على ساحة العالم الاسلامي هو تجديد من هذا النوع، فقد سقط المجتمع الاسلامي القديم وانتهت بذلك دورة من دورات الاسلام الحضاري، واليوم يبدأ الاسلام مع نجاح الثورة في ايران وباكستان دورة حضارية جديدة.
ماذا نعني بمصطلح الحركة الاسلامية؟
ان للدعوة للاسلام والتحرك به أساليب واتجاهات كثيرة كالوعظ والارشاد ونشر العلم والتربية على العبادة والذكر وانشاء مؤسسات صحية وثقافية وللخدمات الاجتماعية ولكن الذي عنينا من بين ذلك الاتجاه الذي ينطلق من مفهوم الاسلام الشامل مستهدفا اقامة المجتمع المسلم والدولة الاسلامية على أساس ذلك التصور الشامل وهذا المفهوم ينطبق اكثر ما ينطبق على ثلاث اتجاهات كبرى: الاخوان المسلمون، الجماعة الاسلامية بباكستان وحركة الامام الخميني في ايران. وما تبقى من اتجاهات اسلامية اما هو تابع بشكل او آخر لاحد هذه الاتجاهات او هو مبتدئ لم يتبلور بعد، أو انه قاصر عمله على جزئية من جزئيات الاسلام والعمل الاسلامي كالوعظ والدعوة والارشاد والتربية والذكر.
يتبع...
من مواضيعي
0 لن أرجع إلى المنتدى و لن أدخل ملاعب كرة القدم ...
0 الرأي الواحــــــد ...... إلى اللقــاء يا إخوان .
0 المثلث الصعب .
0 عزيزتي البطاطا .....كاين ربي .
0 المهلوس الآخـــــــــر .........
0 التاريخ أيدني و السلفية تجاهلتني ....
0 الرأي الواحــــــد ...... إلى اللقــاء يا إخوان .
0 المثلث الصعب .
0 عزيزتي البطاطا .....كاين ربي .
0 المهلوس الآخـــــــــر .........
0 التاريخ أيدني و السلفية تجاهلتني ....