تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
منتديات الشروق أونلاين > منتدى القانون والعلوم السياسية > المنتدى العام للقانون

> ¦¦๑¦¦ مذكرة ماجستير: مبدأ شرعية التجريم والعقاب ...

 
أدوات الموضوع
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية نقيب المحامين27
نقيب المحامين27
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 10-05-2009
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 148
  • معدل تقييم المستوى :

    16

  • نقيب المحامين27 is on a distinguished road
الصورة الرمزية نقيب المحامين27
نقيب المحامين27
عضو فعال
¦¦๑¦¦ مذكرة ماجستير: مبدأ شرعية التجريم والعقاب ...
26-06-2009, 06:23 PM
مبدأ شرعية التجريم والعقاب
دراسة مقارنة




رسالة تقدم بها
عبده يحيى محمد الشاطبي


الى مجلس كلية القانون بجامعة بابل وهي جزء من متطلبات

نيل درجة الماجستير في القانون الجنائي




باشراف الدكتور
ضاري خليل محمود









ربيع الاول 1422هـ

حزيران/ 2001م







الإهداء



إلى من قرن الله طاعته بطاعتهم

والديَّ العزيزين

حباً واجلالاً

إلى ممـلكتي الصـغيرة زوجتي وابنتي وفاءاً

إلى اخوتي واخواتي فخراً واعتزازاً



شكر وتقدير



بعد الانتهاء من هذا البحث لا بد من ارجاع الفضل لاهله وعلى هذا اتقدم بجزيل الشكر والتقدير الى الاخوة طاقم الملحقية الثقافية بسفارة اليمن في بغداد على كل ما بذلوه ويبذلوه من جهود من اجل تحصيل علمي افضل.

وجزيل شكري وعرفاني لمن اعانوني سواء أكان ذلك برأي او كتاب او مشورة، اولهم استاذي الفاضل الدكتور ضاري خليل محمود لتفضله بالاشراف على هذه الرسالة الذي لم يبخل عليّ بوقته وجهده فكان لي الاب والاخ والاستاذ وكانت لأرائه ومقترحاته الاثر الكبير في خراج هذه الرسالة بهذه الصورة، فانا لم اتعلم منه علما فحسب وانما تعلمت منه اخلاقاً وتواضعاً فجزاه الله عني خير الجزاء.

واتقدم بالشكر والعرفان لاساتذتي في كلية القانون بجامعة بابل الذين لم يبخلوا علي بنصائحهم وتوجيهاتهم المستمرة ومنذ بداية دراستي وحتى اتمام الرسالة فكان لنصائحهم وتوجيهاتهم الاثر الكبير في نفسي.

ولا يفوتني ان اتوجه بجزيل الشكر والتقدير لاستاذي الفاضل ومثلي الاعلى الاستاذ الدكتور سيلان العبيدي امين عام المجلس الاعلى للجامعات اليمنية لدعمه المتواصل وعطائه اللامحدود.

واتقدم بجزيل الشكر والعرفان لاستاذي الاستاذ الدكتور طاهر العبيدي استاذ ورئيس قسم القانون الجنائي بجامعة صنعاء والذي كان لي سنداً وعونا خلال مشواري التعليمي. واتقدم بالشكر الجزيل لاستاذي رئيس جامعة الحُديدة الاستاذ الدكتور قاسم بريه بدعمه المتواصل لجميع طلاب الدراسات الموفدين من قبل الجامعة. واتقدم بالشكر الجزيل الى جميع العاملين من اساتذة وموظفي جامعة الحُديدة.

واخيرا اتقدم بالشكر والاحترام العميق الى اخي ورفيق دربي احمد يحيى الشاطبي الذي كان ولا يزال سنداً لي في هذه الحياة.
المقدمة



لا بد للدولة وهي تقوم بأداء وظائفها الداخلية والخارجية من عنصر تنظيمي سياسي مسؤول عن اداء هذه الوظائف يسمى بالسلطة السياسية وللسلطة السياسية هيأت ثلاث تتولى كل منها مهمة معينة فاولها الهيئة التشريعية حيث لها سلطة اصدار القواعد القانونية الملزمة في نطاق الدولة وهيئة تنفيذية تتولى تنفيذ ما يصدر عن السلطة التشريعية من قواعد قانونية وهيأة ثالثة تتولى الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الافراد او بينهم وبين باقي الهيأت ويطلق عليها الهيئة القضائية ولغرض تنظيم عمل هذه الهيأت بما يتفق والقواعد القانونية أي كان مصدرها سواء أكان دستوريا او تشريعا عاديا ومن اجل تحقيق كافة وظائف الدولة الاخرى من امن وصحة عامة وكل ما يتعلق برفاهية افراد المجتمع كان لا بد من ضمان عدم تداخل واندماج هذه الهيئات في اعمالها فظهر ما يعرف بـ (مبدأ الفصل بين السلطات)، الذي تعد الشرعية فيه ركيزة اساسية تتمثل بالتلازم بين اعمال هذه الهيئات وبين القوانين فالقانون هو وسيلة السلطة السياسية بكافة هيأتها لضمان الاستقرار الاجتماعي في كافة جوانبه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ومنها الجنائية.
اولا: مشكلة البحث

يعد الجانب الجنائي والمتمثل بتجريم افعال والمعاقبة عليها من اخطر الوسائل التي تمارسها السلطة السياسية في الدولة وذلك لمساس التجريم والعقاب بحريات الافراد مساسا ملحوظا وبغية توضيح اساس التجريم والعقاب والمنطلق الذي يحدد كل منهما.

وتاثير ذلك على حرية الافراد وايجاد ضمانة اكيدة لهذه الحريات فسوف يتم تناول مبدأ الشرعية في اطار التجريم والعقاب على ان هناك جوانب تتعلق بالاجراءات لم يتم تناولها في هذه الرسالة.
ثانيا: اهمية الدراسة

يثير مبدأ شرعية التجريم والعقاب تساؤلات عدة منها ما يتعلق بتحديد جامع مانع لمعنى المبدأ وما علاقة هذا المبدأ بالسياسة؟ وهل يؤثر هذا المبدأ على مصدر التجريم والعقاب ام ان التشريع في ظل هذا المبدأ مطلق التطبيق؟ وهل يمارس مبدأ شرعية التجريم والعقاب دوره في وسائل القضاء في تحديد الجريمة والعقاب؟ وهل يتعارض هذا المبدأ مع تفريد العقاب؟

وما هي الضمانات التي يمكن من خلالها منع تعسف القضاة من جهة ومنع تعسف الهيئة التشريعية من جهة اخرى عن طريق ايجاد ضمانة لتحقيق حالة متوازنة بينهما عند مواجهتهما للجريمة، حيث تعكس كل هذه التساؤلات اهمية تناول هذا المبدأ بالبحث والدراسة وهذا ما دفع الى اختيار هذا الموضوع.
ثالثا: منهجية البحث

تناول الفقه الجنائي مبدأ الشرعية بالعديد من الدراسات التي اتحدت في منهجية معالجته ( [1])ولهذا فسوف يتم تناول مبدأ الشرعية في هذه الرسالة على شكل دراسة مقارنة بين قانون العقوبات العراقي وبين قانون الجرائم والعقوبات اليمني باعتبارهما يعكسان منهجين مختلفين فطبق الاول قواعد وضعية نجد اساسها في قوانين وضعية اخرى او في احكام الشريعة الاسلامية بينما يتبع الثاني منهج تقنين احكام الشريعة الاسلامية مطلقا ولهذا فسوف يعالج مبدأ الشرعية في كافة جوانبه مرة في العراق ومرة في اليمن.
رابعا: خطة البحث

لغرض الاجابة على التساؤلات السابقة وغيرها فسوف يقسم البحث على وفق الخطة الاتية:

v الفصل الاول: ماهية مبدأ شرعية التجريم والعقاب

المبحث الاول: تعريف المبدأ

المبحث الثاني: طبيعة النص الذي يحتوي على مبدأ الشرعية

المبحث الثالث: علاقة المبدأ بالسياسة

v الفصل الثاني: نتائج مبدأ شرعية التجريم والعقاب في التشريع

المبحث الاول: تحديد مصدر التجريم والعقاب

المبحث الثاني: القيد الزماني

المبحث الثالث: القيد المكاني

المبحث الرابع: القيد التشريعي

v الفصل الثالث: نتائج مبدأ شرعية التجريم والعقاب في القضاء

المبحث الاول: مدى سلطة القاضي في تحديد الجريمة

المبحث الثاني: مدى سلطة القاضي في تحديد العقوبة

v الفصل الرابع: العوامل المؤثرة في المبدأ وضمانات تطبيقه

المبحث الاول: العوامل المؤثرة في المبدأ

المبحث الثاني: ضمانات تطبيق المبدأ

وسوف ينتهي هذا البحث بخاتمة يحدد فيها اهم النتائج والتوصيات التي سوف يتم التوصل اليها من خلال هذا البحث.

وارجو من الله السداد والتوفيق في عرض محاور هذا البحث بصورة واضحة وامينة مساهمة متواضعة لخدمة القانون.
[ يـــا إبــن ادم لا تـظـلـمــن إذا مـا كـنـت مـقـتـدرا
فـالــظــلـم يـرجـع عـقـبـاه إلــــــى الـــنـــدم
تـنـام عـيـنـاك والمـظـلـوم مـنـتـبـه
يـدعـو عـلـيـك وعـيـن الله لـم تـنـم]
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية نقيب المحامين27
نقيب المحامين27
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 10-05-2009
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 148
  • معدل تقييم المستوى :

    16

  • نقيب المحامين27 is on a distinguished road
الصورة الرمزية نقيب المحامين27
نقيب المحامين27
عضو فعال
رد: ¦¦๑¦¦ مذكرة ماجستير: مبدأ شرعية التجريم والعقاب ...
26-06-2009, 06:28 PM
الفصل الاول
ماهية مبدأ شرعية التجريم والعقاب



حري بنا ونحن بصدد تناول مبدأ شرعية التجريم والعقاب ان نحدد وبشكل دقيق خصائص هذا المبدأ عن طريق تعريفه فقهاً وتشريعاً وارساء طبيعته ومن الطبيعي ان يدخل كل ذلك في اطار هذا الفصل المتعلق بماهية مبدأ شرعية التجريم والعقاب والذي سوف يتم بحثه على النحو الاتي:

المبحث الاول: تعريف مبدأ شرعية التجريم والعقاب.

المبحث الثاني: طبيعة النص الذي يحتوي على المبدأ.

المبحث الثالث: علاقة المبدأ بالسياسة.





المبحث الاول
التعريف بالمبدأ



لغرض وضع تعريف للمبدأ لابد من تحديد معناه في الفقه والتشريع وتقديره من ناحية ما وجه له من انتقاد وتأييد ومن اجل بيان كل ذلك فسوف يتم تقسيم هذا المبحث الى مطلبين : الاول في معنى المبدأ والاخر في حقيقته .



المطلب الاول
معنى المبدأ

من اجل بيان معنى المبدأ لابد من بيان موقف الفقه الجنائي منه وكذلك موقف التشريع ولهذا فسوف نتناول بحث هذا المطلب في فرعين:

الاول نخصصه لدراسة المبدأ في الفقه الجنائي والآخر لدراسة المبدأ في التشريع على وفق ما ياتي :
اولا: المبدأ في الفقه الجنائي

لقد اختلف الفقه الجنائي في التسمية التي يطلقها على مبدأ لاجريمة ولا عقوبة الا بنص، اذ اطلق عليه البعض مبدأ الشرعية ( [1]) والاخر اطلق عليه مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات ( [2]).

وذهب اخرون الى تسميته بمبدأ المشروعية ( [3]) ولكن وعلى الرغم من هذا الاختلاف الا ان الفقه الجنائي متفق على مضمون هذا المبدأ ... اذ انهم يقصدون بهذا المبدأ ان أي فعل لا يعد جريمة يوجب العقاب الا اذا نص القانون على ذلك ... وهذا ثابت من تعاريف الفقهاء لهذا المبدأ ... فقد عُرف عند من اطلق عليه مبدأ الشرعية انه : ((حصر مصادر التجريم والعقاب في نصوص القانون ، فتحديد الافعال التي تعد جرائم وبيان اركانها ، وتحديد العقوبات المقررة لها سواء من حيث نوعها او مقدارها كل ذلك من اختصاص الشارع ) ( [4])ومؤدي هذا المبدأ عند البعض (ان على المشرع ان يحدد سلفاً ما يعتبر من الافعال الصادرة عن الانسان جريمة ، فيحدد لكل جريمة أنموذجها القانوني ، كما يحدد لكل جريمة عقوبتها ) ( [5]) .

وقد اريد به عند من اطلق عليه مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات (ان المشرع وحدة هو الذي يملك تحديد الافعال المعاقب عليها والمسماة بالجرائم وتحديد الجزاءات التي توقع على مرتكبيها والمسماة بالعقوبات) ( [6]) . كما عرفه البعض منهم انه : (القاعدة التي يستند اليها الوجود القانوني للجريمة ، والمسوغ العادل لفرض العقاب ) . ( [7])

اما من اطلق عليه مبدأ المشروعية فقد اراد به ( تعذر فرض أي عقوبة عن ارتكاب أي فعل لم يكن القانون قد نص على تجريمه ومهما كانت جسامته وخطورته ) . ( [8]) هذا وقد ظهر من يدعوا الى مدلول جديد لمبدأ الشرعية لكي ينسجم ويتلاءم مع التطورات الحديثة ( [9]) اذ قرر هذا الاتجاه ان يكون التجريم والعقاب بالحد الذي لا يؤدي الى تعسف السلطة التشريعية في التجريم والعقاب وذلك حماية لمصلحة المجتمع وتقليل الفجوة التي يمكن ان تحصل بين القانون والمجتمع فقد يفرض المشرع قيمة اخلاقية لا تتفق واخلاق المجتمع او ان يحدد عقوبة لا تتناسب مع الجرم المرتكب فالمدلول التقليدي لمبدأ الشرعية اصبح لدى مؤيدي هذا الاتجاه غير متفق مع الفكر الديمقراطي الحديث للشرعية وانما يجب تكملته لكي يكون معبرا بصدق عن مصالح المجتمع الذي سوف يطبق فيه .

ولقد علمنا ان ظهور هذا المبدأ كان في البداية لمواجهة تعسف وتحكم القضاة فبدأت التشريعات مهمتها لتقييد سلطة القضاء اذا بدأت أولا بالتقييد المطلق لهذه السلطات اذا اصبح دور القاضي محدد بتطبيق النص دون ان يكون له أي سلطة تقديرية عند اعماله .

ونتيجة للنقد الموجه لهذه الصورة الجامدة للمبدأ فقد منح القاضي سلطة تقديرية في تحديد العقاب دون التجريم اذ ظهر هذا الاخير من اختصاص المشرع فظهرت حالة تعسف السلطة التشريعية في التجريم والعقاب بذلك نكون قد خرجنا من مشكلة تعسف القضاة ودخلنا في مشكلة تعسف السلطة التشريعية وان احتمال تعسف السلطة التشريعية في نطاق التجريم والعقاب اشد خطورة من تعسف القضاة اذ لا شيء يمنع السلطة التشريعية من صياغة النصوص في شكل فضفاض يمكن ان يتناول كثير من الافعال ( [10]) ، ولضمان عدم اسراف السلطة التشريعية في التجريم وعدم القسوة في العقاب ومن اجل ان يحقق هذا المبدأ غايته كان لا بد من النص على معيار في الدستور يضمن تحقيق كل ما سبق ، ومثال هذا المعيار عدم تجريم الافعال التي تعتبر ممارستها حق من الحقوق التي كفلها الدستور كحرية العقيدة وحرية الفكر ( [11])، وحرية الانفعال والمراسلات ، كما لا بد من وجود قيود تحد من التعسف المحتمل من قبل المشرع ، الامر الذي سنتولى بحثه تفصيلا في الفصل الثاني .

وكما اختلف الفقه في التسمية التي تطلق على هذا المبدأ فقد اختلف الفقه في تحديد موضع هذا المبدأ من الجريمة . ( [12]) فذهب البعض ومنهم الفقيه الايطالي (انتوليزي) الى ان المبدأ هو اساس الجريمة وجوهرها وان موضوعه اعلى من الركن المادي والركن المعنوي للجريمة اذ لا يمكن الكلام على وجود جريمة دون وجود مبدأ الشرعية ، وذهب اخرون امثال ( فون هيبل ) الالماني الى اعتباره ركنا في الجريمة بجانب ركنيها المادي والمعنوي ولا يتصور وجود الجريمة دون اجتماع هذه الاركان الثلاثة.

وذهب اتجاه ثالث وهو اتجاه الفقه الغربي ، ان المقصود بالمبدأ هو نص التجريم ذاته فهو الذي يحدد الفعل المحضور على اساس ان الفعل لا يعد جريمة الا اذا وجد نصاً بذلك.

ويرى غيرهم ان مبدأ الشرعية باعتبار ما يرتبه من نتيجة تتمثل بجعل النص التشريعي المصدر الوحيد للتجريم والعقاب( كما سوف يأتي ) ليس ركنا من اركان الجريمة وانما هو كاشف على ركنيها المادي والمعنوي كما انه كاشف لنوع العقاب المقرر على مرتكبها لأن الجريمة فعل غير مشروع وليس في مبدأ الشريعة شيء غير مشروع وبالتالي فان هذا المبدأ ليس جزاء من الجريمة ( [13]) وهذا ما نفضله .



ثانيا : المبدأ في التشريع

نصت على هذا المبدأ العديد من الدساتير والتشريعات العقابية ( [14]) لمختلف الدول ، ومن اجل بيان معنى هذا المبدأ في التشريع فسنتناوله بالمقارنة بين التشريع العراقي النافذ من جهة والتشريع اليمني النافذ من جهة اخرى .

1. في التشريع العراقي :

نص دستور جمهورية العراق عام 1970 في المادة (2) الفقرة (ب) على (( لا جريمة ولا عقوبة الا بناء على قانون ولاتجوز العقوبة الا على الفعل الذي يعتبره القانون جريمة اثناء اقترافه ولا يجوز تطبيق عقوبة اشد من العقوبة النافذة وقت ارتكاب الجرم )) .. كما نص قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 ، النافذ في المادة الاولى على ان ((لا عقاب على فعل او امتناع الا بناء على قانون ينص على تجريمه وقت اقترافه ، ولا يجوز توقيع عقوبات او تدابير احترازية لم ينص عليها القانون )) .

والملاحظ على موقف التشريع العراقي من هذا المبدأ ما ياتي :-

أ- انه اطلق تسمية قانونية الجرائم والعقوبات على هذا المبدأ ، وذلك في الفصل الاول من الباب الاول الخاص بالتشريع العقابي .

ب- استعماله لعبارة ( ... الا بناء على قانون ... ) وذلك اقرار منه بمنح الهيأة التنفيذية اصدار انظمة وتعليمات وبيانات وقرارات تنطوي على تجريم بعض الافعال والامتناعات ومن ابرز الاعتبارات التي تدعوا الى ذلك كون السلطة التنفيذية اقدر على وضع تفاصيل الاحكام الاجمالية الواردة في القانون لقربها من الجمهور واحتكاكها به خلال ممارستها لوظيفتها في تنفيذ القانون وهذا يعني ان وضع النص العقابي قد يكون من اختصاص السلطة التشريعية أو التنفيذية ( [15]) .

جـ- عُد المبدأ من المبادئ الدستورية في العراق مما يوجب احترامه من قبل الحكام والمحكومين كافة استنادا الى مبدأ سمو الدستور وعد مبدأ قانونياً بتكرار النص عليه في قانون العقوبات .

د- يلاحظ ان المبدأ قد شمل كلا من العقوبة والتدبير الاحترازي وقد عالج المشرع العراقي التدابير الاحترازية ضمن الباب الخامس الخاص بالعقوبة ولم يفرد لها بابا مستقلا .

هـ- عُد التشريع المصدر الوحيد للنص العقابي .

2. في التشريع اليمني :

نص دستور الجمهورية اليمنية النافذ لعام 1994 في المادة (46) على ان ((المسؤولية الجنائية شخصية ولا جريمة ولا عقوبة الا بناء على نص شرعي او قانوني وكل متهم بريء حتى تثبت ادانته بحكم قضائي بات ولا يجوز سن قانون يعاقب على أي افعال بأثر رجعي لصدوره )).

كما نص القرار الجمهوري بالقانون رقم (12) لسنة 1994 بشأن الجرائم والعقوبات اليمني النافذ في المادة (2) منه على ان ((المسؤولية الجزائية شخصية ولا جريمة ولا عقوبة الا بقانون )) .

والملاحظ على موقف التشريع اليماني من هذا المبدأ ما يأتي :

أ- اطلق تسمية الشرعية على هذا المبدأ وذلك في المادة (2) من الباب الاول المخصص لحدود تطبيق قانون الجرائم والعقوبات .

ب- استخدم الدستور اليماني عبارة (…. الا بناء على نص شرعي او قانوني …) ويتضح لنا من خلال هذا النص ان مصدر التجريم والعقاب النص الشرعي او القانوني ، وهنا لا فرق في ان يكون الفعل قد ورد النص على حرمته في القانون او في الشريعة الاسلامية ولا يقدح في ذلك تقديم النص الشرعي على النص القانوني اذ ان الدستور استخدم (... او ...) وهي تفيد التخيير اما النص الشرعي او القانوني دون لزوم في تقديم احدهما على الاخر وليس معنى ذلك الانتقال من حكم الى اخر يختلف عنه لان قانون الجرائم والعقوبات اليمني عبارة عن تقنين لاحكام الشريعة الاسلامية.

ومع ذلك فان الملاحظ على نص المادة الثانية من قانون الجرائم والعقوبات ان حكمها لا يساير ما جاء في الدستور ( [16]).

اذ ورد فيها ( ... لا جريمة ولا عقوبة الا بقانون ) وهذا يعني حصر مصادر التجريم والعقوبات في القانون ، بمعنى ان الفعل يكون مباحا اذا لم يحرمه القانون ولو كانت نصوص الشريعة تحرمه ، وهذا لا يتفق مع احكام الدستور (1) لذا كان على المشرع اعادة النظر في نص المادة الثانية من قانون الجرائم والعقوبات ، والاولى ان ينص في قانون الجرائم والعقوبات على تعبير (( ... الا بنص )) بدلا من (( .... الا بقانون )) فالنص يشمل الجانب الشرعي والجانب القانوني ، وهذا يجعله اكثر انسجاما مع ما ورد في الدستور .

جـ- عُد المبدأ من المبادئ الدستورية في اليمن كما انه يُعد من المبادئ القانونية ، اذ نص عليه في الدستور والقانون .

د- حدد المشرع اليمني نطاق المبدأ بالجرائم والعقوبات دون التدابير الاحترازية في الوقت ذاته الذي افرد لها باباً مستقلاً هو الباب السادس من قانون الجرائم والعقوبات وبذلك فقد سار المشرع اليمني على نهج الفقه الجنائي الحديث ( [17]) . القائم على التمييز بين العقوبة والتدابير الاحترازية ، وبهذا يكون المشرع اليمني قد ادخل التدابير في ناطق مبدأ الشرعية ضمنا اذ ان القاضي يمكنه الحكم بغير ما نص عليه القانون من تدابير وعليه فاننا ندعو المشرع الى ادخال التدابير الاحترازية في نطاق مبدأ الشرعية اسوة بما اخذ به المشرع العراقي وبهذا يتضح ان كل من التشريع العراقي واليمني عَدا هذا المبدأ دستوريا وقانونيا على انهما اختلفا في جوانب معينة منها التسمية اذا اطلق عليه التشريع العراقي ( قانونية الجرائم والعقوبات ) في حين اطلق عليه التشريع اليمني(مبدأ الشرعية) وانهما اختلفا ايضا . في صياغة المبدأ فاستخدم التشريع العراقي عبارة (( ... الا بناء على قانون )) في حين استخدم التشريع اليمني عبارة ((.... الا بقانون )) وذلك في قانون الجرائم والعقوبات ، ويتبين ان مصدر النص العقابي في القانون العراقي التشريع فقط ، بينما يكون التشريع او الشريعة الاسلامية مصدرين للنص العقابي في التشريع اليمني وذلك بنص الدستور المشار اليه سابقاً.

وهذا ما قضت به المحكمة العليا/الدائرة الشخصية (ب) في اليمن بتاريخ 4/صفر سنة 1421هـ الموافق 8/مايو/سنة 2000 بالقضية رقم 1979 لسنة 1421هـ بالنص ((هذا وبعد المداولة والتحريات وامعان النظر في كل ما صدر في القضية ابتداءً واستئنافاً ومن النيابة مع موازنة الادلة والاستدلالات لم نعثر على فساد او لوث في الحكم الإبتدائي الذي اشار اليه الاستئناف بل وجدنا الامر بالعكس وعليه فإسقاط القصاص دونما مبرر شرعي او قانوني وعليه فقد ثبت سلامة الحكم الابتدائي القاضي بالقصاص من المتهم الاول (س) لما علل به واستند اليه فالحكم الإستئنافي مما يجوز الطعن فيه كونه مخالفاً للقانون والقواعد المتبعة لذلك فالدائرة تقضي بتأييد الحكم الإبتدائي واجراء القصاص الشرعي ضرباً بالسيف او رمياً بالرصاص من الجاني (س) جزاءً وفاقاً وعلى النيابة السير في اجراءات التنفيذ والله الهادي الى سواء السبيل....)) ( [18]).

ومن كل ما سبق نجد ان لفظ الشرعية والمشروعية والقانونية في كل من التشريع والفقه الجنائي ذات مضمون واحد ، وهو ان أي فعل لا يعد جريمة ما لم ينص عليها القانون ولا يجوز انزال أي عقوبة لم ينص عليها القانون وبذلك يكون الاختلاف في التسمية دون المضمون ( [19]) ، وانطلاقا من التسمية التي تبناها المشرع اليمني لهذا المبدأ فقد اوسمت هذه الرسالة بمبدأ شرعية التجريم والعقاب .
المطلب الثاني
حقيقة المبدأ

على الرغم من ان المبدأ قد عُد من المبادئ الدستورية في كثير من التشريعات كما راينا الا ان المبدأ كان محلا للنقاش الفقهي حول تقديره باعتباره احد المبادئ الاساسية في التشريعات الجنائية اذ لم يسلم هذا المبدأ من النقد الذي تمثل بالاتي:-

1- يؤدي هذا المبدأ بالتشريع الجنائي الى العجز عن مواجهة تطور الحياة وتغير الظروف الاجتماعية والاقتصادية لأن المشرع عند صياغة النصوص المتضمنة للتجريم والمقررة للعقاب لا يمكن ان يحيط سلفا بكل ما قد تتمخض عنه ظروف الحياة الاجتماعية وهذا من شأنه الاضرار بالجماعة . ( [1])

2- تعارض المبدأ مع نظام تفريد العقاب اذ يعاب على المبدأ انه يفترض الجريمة كياناً قانونياً متجرداً عن شخص مرتكبها ويحدد العقوبة وفق الاضرار المادية للجريمة لا وفق الخطورة الكامنة في شخص مرتكبها لان المشرع يضع نصوصاً يحدد فيها العقوبة على قدر جسامة الجريمة وليس في وسعه ان يجعل العقوبة ملائمة لظروف مرتكبيها لانه لا يعرف اشخاصهم ولا يستطيع العلم بظروفهم. ( [2])

3- ان المبدأ لا يتفق مع الاتجاهات الدستورية الحديثة في تفويض السلطة التشريعية ، السلطة التنفيذية اختصاص اصدار قرارات لها قوة القانون . ( [3])

4- مخالفة مبدأ الشرعية لمبادئ الاخلاق على اساس ان المشرع لا يمكنه ان يحصر جميع الافعال المنافية للاخلاق على المستوى الفردي ليجرمها ويضع لكل منها عقوبة تلائمها ، ولذلك رأى خصوم المبدأ وجوب التغلب على هذه العقبة عن طريق اباحة التجريم والعقاب بطريقة القياس فهذه الطريقة تطلق حرية القاضي في التجريم ضمن اطار الشريعة مما يضع في يده وسيلة لمجابهة الاعمال الجرمية التي يقدم على ارتكابها الافراد اضرارا بالغير مستفيدين من غياب النص ، لاتقاء العقوبة . ( [4])

5- على الرغم من ان هذا المبدأ يؤمن العدالة عندما يعلم الفرد مقدماً انه يرتكب فعل من الافعال المعاقب عليها الا ان هذا القول يعارض رأي من يذهب الى حتمية الجرائم وعدم اختيار الفرد فيها لان اصحاب هذا الراي يرجعون وقوع الجريمة الى اسباب وعوامل متى ما توافرت كان وقوعها حتمياً ( [5])حيث يعتبر الجبريون السلوك الانساني ظاهرة طبيعية نفسية وبدنية خاضعة لقوانين الطبيعة ومن ثم فهو نتيجة حتمية لتلك الظواهر فالجريمة وفقاً لهذا المذهب ليست ثمرة حرية اختيار الفاعل انما هي نتيجة لتفاعل عوامل ذاتية تنتمي لتكونه العقلي والنفسي والبدني وعوامل خارجية تنتمي للبيئة الاجتماعية ( [6]).

6- قيل ايضا في انتقاد هذا المبدأ انه لا يمكن لجميع الناس ان يطلعوا على العقوبات والجرائم المنصوص عليها في القانون حتى يتجنبوها ( [7]) ، لذلك فان هذا المبدأ لا يحقق المساواة بين الافراد في المجتمع ولا يحقق العدالة .

ونظراً لهذه الانتقادات فقد انبرى مؤيدو هذا المبدأ للتصدي والرد عليها مضيفين الى حججهم ما يؤيد ضرورة الاخذ به حيث تمثلت هذه الردود بالأتي :-

1- ان القول ان هذا المبدأ يؤدي بالتشريع الى الجمود العجز نتيجة لثبات القواعد الجنائية بسببه : قول مردود لانه يمكن مواجهة الحالات الجديدة المتطورة بواسطة التشريع دائما. ( [8])

2- لا تعارض بين مبدأ الشرعية وبين تفريد العقاب لاعتراف المشرع للقاضي بسلطة تقديرية يستطيع من خلالها ان يحدد عقوبة تتلاءم وظروف الجاني منها ان ينص القانون على عقوبات مختلفة مخيرا القاضي في تطبيق أي منها بما يلائم وظروف الجاني . ( [9])

3- ان مبدأ الشرعية يتفق مع الاتجاهات الدستورية الحديثة التي منحت للسلطة التنفيذية حق التشريع سواء بتفويض من السلطة التشريعية او مباشرة منها في الظروف الاستثنائية . ( [10])

4- يوفر المبدأ جملة من الاهداف فهو يقوم بكفالة حقوق الافراد وحرياتهم لعلمهم المسبق بما هو مباح من الافعال وما هو محظور عليهم وبذلك يمارسون حقوقهم وحرياتهم دون خوف من تعسف القضاة ، كما ان المبدأ يحقق المصلحة العامة لانه يؤدي الى وحدة الاحكام الجنائية وتحقيق العدل والمساواة بين أفراد المجتمع ، كما انه يعد ضمانة للمجرمين اذ يمنع تعسف القاضي من انزال عقوبة اشد من العقوبة المقررة وقت ارتكاب الجريمة . ( [11])

5- ان القول بحتمية الجريمة وانكار مبدأ حرية الاختيار كما سبق لدى الفاعل يقود الى نتيجة خطرة اخرى مفادها ان لا محل لامتناع مسؤولية الفاعل اذا انتفت حرية الاختيار لديه طالما كان وجوده مبعث خطر على المجتمع فالمصاب بعاهة عقلية يكون مسؤولاً عن الخطورة الكامنة في شخصه وليس ما يميزه عن العاقل الا الإختلاف في نوع التدبير الذي يتخذ قبل كل منهما وليس طبيعته فكلاهما في جميع الاحوال اهلاً ومحلاً للمساءلة الجزائية ( [12])هذا من ناحية.

ومن ناحية اخرى فقد جرت التشريعات الجزائية على نحو يشبه الإتفاق فيما بينها على اعتبار ان مناط المسؤولية الجزائية هي الادراك والارادة ( [13])وبهذا لم يعد للإنتقاد السالف الذكر والذي وجه الى مبدأ الشرعية بهذا الخصوص محلاً.

6- ان هذا المبدأ يحقق العدل والمساواة بين جميع الافراد حيث يجعلهم سواسية امام القانون ، لان المشرع قد نص على التجريم والعقاب مسبقا وبطريقة عامة ومجردة دون ان يعلم سلفاً على من سوف يطبق هذا النص في المستقبل وبهذا لا يكون هناك أي اعتبار لمن يخالف النص العقابي سواء من ناحية مركزه الاجتماعي او صفته ( [14]). كما ان القول انه ليس في وسع جميع الافراد ان يطلعوا على القانون وان يفهموه مردود عليه انه لو فرضنا وحدث ذلك ولم يتمكن البعض من العلم به ففي ظل غياب القانون او بمعنى اخر عدم تطبيق المبدأ وعدم النص على الافعال التي تعد جرائم والعقوبات التي توقع على من يأتيها يتعذر على جميع افراد المجتمع في هذه الحالة العلم به وليس بعضهم ولا يخفي على احد ما في ذلك من ضرر بالغ بحقوقهم وحرياتهم ، كما ان الكثير من حسني النية قد يفاجئون بالعقاب على افعال كانوا يضنوها مباحة ، فضلا عن ذلك ان هناك قاعدة قانونية تنص عليها معظم القوانين قوامها ان الجهل بالقانون لا يعتبر عذراً الا في حالة القوة القاهرة ونحو ذلك نص المادة (37/1) من قانون العقوبات العراقي النافذ التي نصت على انه (( ليس لاحد ان يحتج بجهله بأحكام هذا القانون او أي قانون اخر مالم يكن قد تعذر علمه بالقانون الذي يعاقب على الجريمة بسبب قوة قاهرة )) وهذه القاعدة تستند الى قرينة قوامها ضرورة العلم بالقانون حيث تفترض علم الناس بالقوانين بعد تشريعها ونشرها وعليه فمن خالف هذه القوانين عن جهل يتحمل نتيجة جهله كذلك تستند هذه القاعدة الى ضرورة تطبيق القوانين لانه لو اجيز الاحتجاج بالجهل بالقانون العقابي لادى ذلك الى ان يصبح القانون عنصرا في الجريمة واصبح الجهل نافيا للقصد الجرمي وبذلك ينهدم الركن المعنوي ويعطل تطبيق القانون مما يضر بالمصلحة العامة ويفوت حق الدولة بالعقاب . ( [15]) ومع ذلك فان لهذه القاعدة استثناء وهو حالة عدم العلم بسبب القوة القاهرة كما تبين من نص المادة (37/1) من قانون العقوبات العراقي السالفة الذكر اما بالنسبة للأشخاص الاجانب فان العديد من التشريعات تنص على عدم سريان قانون العقوبات عليهم اذا ارتكبوا افعال تخالفه وذلك خلال مدة معينة ومثال ذلك نص المادة (37/2) من قانون العقوبات العراقي حيث نصت على (( للمحكمة ان تعفو من العقاب الاجنبي الذي يرتكب جريمة خلال سبعة ايام على الاكثر تمضي من تاريخ قدومه الى العراق اذا ثبت جهله بالقانون وكان قانون محل اقامته لا يعاقب عليها )) .

هذا وعلى الرغم من الإنتقادات التي وجهت لهذا المبدأ فقد اتفق اغلب الفقهاء على ضرورة بقائه في قانون العقوبات ، وقد ورد التأكيد على ذلك في العديد من المؤتمرات الدولية ( [16]) ، كمؤتمر جمعية قانون العقوبات الدولية المنعقد في باريس عام 1936 ومؤتمر جمعية القانون المنعقد في لاهاي عام 1937 كما اكد على ذلك المؤتمر الدولي الرابع للدفاع الاجتماعي ضد الجريمة المنعقد في ميلانو عام 1956م اذ جاء في قراراته (( ان الروح الحقيقية للدفاع الاجتماعي ضد الجريمة يجب ان تتجلى في الاهمية الكبرى التي تعلقها على وسائل الوقاية من الجريمة ، وان اعمال الوقاية لا يمكن ممارستها الا مع الاحترام التام للكرامة الانسانية وذلك بالتمسك التام بمبدأ قانونية الجرائم والعقوبات وفي اقامة الضمانات التي من شأنها ان تؤمن حقوق الفرد بصورة عملية )) .

من كل هذا يتضح ضرورة بقاء هذا المبدأ باعتباره مبدأ قانونيا ودستوريا كما رأينا بل وعلاوة على ما تقدم فقد جاء النص عليه في المادة (11) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة في 10/9/1948 التي نصت على ان (( كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريء الى ان يثبت ارتكابه لها قانونا في محاكمة علنية تكون قد وفرت له جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه ولا يدان أي شخص بجريمة بسبب أي عمل لم يكن في حينه يشكل جرما بمقتضى القانون الوطني او الدولي ، كما لا توقع عليه أي عقوبة اشد من تلك التي كانت سارية في الوقت الذي ارتكب فيه الفعل الجرمي )) ... وفي عام 1966 اصدرت الجمعية العامة للامم المتحدة الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية التي عدت سارية المفعول في عام 1967 حيث نصت في المادة (9) منها (( لا يجوز القبض على احد او حبسه بشكل تعسفي كما لا يجوز حرمان احد من حريته الا على اساس من القانون وطبقا للإجراءات المقررة فيه )) .

ومن هذا يتضح ان المبدأ اصبح دولياً بالنص عليه في هذه الاتفاقية لانها ملزمة لكافة الدول الاعضاء في الامم المتحدة . ( [17])
[ يـــا إبــن ادم لا تـظـلـمــن إذا مـا كـنـت مـقـتـدرا
فـالــظــلـم يـرجـع عـقـبـاه إلــــــى الـــنـــدم
تـنـام عـيـنـاك والمـظـلـوم مـنـتـبـه
يـدعـو عـلـيـك وعـيـن الله لـم تـنـم]
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية نقيب المحامين27
نقيب المحامين27
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 10-05-2009
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 148
  • معدل تقييم المستوى :

    16

  • نقيب المحامين27 is on a distinguished road
الصورة الرمزية نقيب المحامين27
نقيب المحامين27
عضو فعال
رد: ¦¦๑¦¦ مذكرة ماجستير: مبدأ شرعية التجريم والعقاب ...
26-06-2009, 06:30 PM
المبحث الثاني
طبيعة النص الذي يحتوي على المبدأ



للوقوف على حقيقة اهمية مبدأ الشرعية ظهرت لنا الحاجة في بحث طبيعة النص الذي تضمن هذا المبدأ ، فعن طريق بيان طبيعته يمكن استخلاص القيمة القانونية للمبدأ .. وعليه فسوف نتناول هذا المبدأ في مطلبين :-

المطلب الاول : الطبيعة الموضوعية

المطلب الثاني : الطبيعة القانونية

وهذا ما سوف يتم بحثه تباعا ...


المطلب الاول
الطبيعة الموضوعية



لقد تباينت التشريعات في الاخذ بمبدأ شرعية التجريم والعقاب فذهب الكثير منها الى النص عليه سواء في الدستور أو القانون العادي كالدستور العراقي والدستور اليمني وقانون العقوبات العراقي النافذ وكذلك قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ كما سبق الاشارة الى ذلك .

وذهب القسم الاخر الى عدم النص على هذا المبدأ كقانون العقوبات الدنمركي الصادر عام 1930 وقانون العقوبات الالماني الصادر عام 1871 المعدل بتاريخ 1935 وقانون العقوبات السوفيتي السابق الصادر عام 1926 وقانون العقوبات البلغاري والروماني ( [1]).

فاذا كان تطبيق المبدأ في الاتجاه الاول وجوبيا بلا خلاف فما مدى الزامية تطبيق المبدأ في الاتجاه الاخر ؟ بمعنى هل ان النص الذي يحتوي المبدأ قد انشأه ام كشف عن وجوده ؟

ومن اجل الإجابة على هذا التساؤل لابد من تحديد معنى النص اولا ، ثم بيان متى يعد منشأ ومتى يعد كاشفاً ، فالنص في اللغة ( هو الكلام المنصوص وهو مصدر وجمعه نصوص ، والنص من كل شيء منتهاه والنص من الكلام ما لا يحتمل الا معنى واحدا او لا يحتمل التأويل . وهو عند الاصوليين ذا معان متعددة ) اهمها كل ملفوظ مفهوم المعنى بان يكون موضوعه قاعدة تحكم سلوك الافراد في الجماعة والتي يتعين عليهم الخضوع لها ( [2]).

اما المنشأ : فهي من نشأ وتعني في اللغة الخلق فيقال أنشأه الله أي خلقه وانشأ يفعل كذا أي ابتدأ ( [3]) والمنشأ والمتنشأ من انشأ العلم في المفازة والشارع ( [4]) وكل من ابتدأ شيء فهو انشأه ( [5]) ومن هنا يتبين ان معنى النص القانوني المنشأ : هو ما ابتدأ به حكم القاعدة القانونية ، فقبله لم توجد هذه القاعدة ولا حكمها .

اما الكاشف : فهو اسم فاعل من كشف وتعني في اللغة رفعك الشيء عما يواريه ويغطيه ( [6]) وتكشف الشيء ظهر وانكشف الشيء ظهر ، والكشف في الإصطلاح هو الاطلاع على ما وراء الحجاب من المعاني الغيبية والامور الحقيقية وجودا وشهوداً ( [7]) ومن هذا يتبين ان معنى النص القانوني الكاشف : هو ما اظهر حكم القاعدة القانونية فقبله كان الحكم موجودا وان لم توجد القاعدة .

ولقد بات من الواضح ان النص الذي قرر مبدأ الشرعية هو ذو طبيعة كاشفة للمبدأ وليس منشأ له وذلك لان مبدأ شرعية التجريم والعقاب سابق في ظهوره على النص المقرر له ( [8]) اذ يعد هذا المبدأ من المبادئ العريقة في النظم القانونية القديمة كقانون حمورابي الذي اخذ بالمبدأ ضمنا وهذا ثابت من خلال وجود ثمانٍ وسبعين نصاً جنائياً ، يحدد كل منها جريمة معينة ويقرر العقوبة عليها اذ ما كان المشرع بحاجة الى ايراد هذه النصوص العديدة لو لم يكن قيام الجريمة وتحديد عقوبتها مرهونا بوجود نص قانوني صريح ، كما عرفت قوانين (حور محب) الفرعونية هذا المبدأ ضمنا عن طريق النص على عدد من الجرائم والعقوبات ( [9]) .

كما ان الطبيعة الكاشفة للنص المقرر للمبدأ تأيده مبادئ العدالة تلك المبادئ التي تمثل روح التشريع ، فمن هذه المبادئ كفالة الحريات والحقوق العامة وعدم المساس بها حتى ولو لم ينص التشريع على ذلك ومن ثم فان مبدأ الشرعية يعد معمولاً به حتى وان لم ينص عليه لانه اصبح من المبادئ المستقرة في ضمير الجماعة ( [10]) كما ان هذا المبدأ تقضي به الفطرة السليمة وان لم ينص عليه في القانون . ( [11])

كما ان الطبيعة الكاشفة للنص المقرر للمبدأ تأيده احكام القضاء في الدول التي لم تنص على المبدأ صراحة فعلى الرغم من ان القانون الاساسي العراقي لعام 1925 وكذلك قانون العقوبات البغدادي لم ينصا على مبدأ الشرعية الا انه لم يكن للقاضي سلطة تحكمية في التجريم والعقاب باعتبار ان مبدأ الشرعية اصبح عرفاً قضائيا تسير عليه المحاكم في تطبيقاتها القضائية، ( [12]) فقررت محكمة جزاء بغداد الكبرى ( ان من مقتضيات المبدأ الجزائي القائل ان لا عقوبة الا بنص ان لا تجتهد المحاكم الجزائية وتستخرج جرائم ذات اوصاف معينة ما لم ينص القانون على هذا الوصف ) . ( [13])

ومن هذا يتبين ان اتجاه المحاكم في العراق في ظل نفاذ قانون العقوبات البغدادي قد تبنى هذا المبدأ من خلال عدم تجريم افعال لم يجرمها القانون وهذا يؤكد ان النص الذي احتوى على مبدأ الشرعية ذو طبيعة كاشفة .

فكما ان هناك دولا لم تنص على المبدأ في تشريعاتها كما سبق بيانه فان من المتصور ان تظهر دولا اخرى تسير على النهج ذاته في المستقبل ومن هنا كان ضروريا تحديد الطبيعة الموضوعية الكاشفة للنص الحاوي على مبدأ شرعية التجريم والعقاب فلا يجوز للقضاء خلق جرائم وعقوبات غير تلك التي نص عليها المشرع ، كما انه ليس للقضاء ان يطبق النصوص باثر رجعي الا في حالات استثنائية كما سوف نبينه لاحقا .
المطلب الثاني
الطبيعة القانونية

استمد مبدأ شرعية التجريم والعقاب أهميته على اساس سياسي تمثل في ضرورة مواجهة الظلم الذي كان نتاج تعسف القضاة في احكامهم وذلك عند نظرهم في المنازعات المعروضة عليهم فظهر المبدأ قيدا على سلطة القضاة وضمانة لحرية الافراد ، مما يضمن لهم الامن والطمأنينة في حياتهم ( [1]) إلا ان هذا المبدأ يعتبر من المبادئ القانونية وذلك من خلال النص عليه في التشريعات المتباينة في مدى قيمتها القانونية ، فقد نص عليه في الدساتير وفي القوانين العادية وكذلك في النصوص الدولية ، ومن اجل ذلك كان لابد من بيان القيمة القانونية للنص الذي احتوى على مبدأ الشرعية ، اذ من خلال ذلك نستطيع تحديد القيمة القانونية للمبدأ ذاته.

اذ حكمت القيمة القانونية للتشريعات الداخلية قاعدة التدرج في النصوص التشريعية فالتشريع ليس من نوع واحد حيث يوجد على ثلاثة انواع تتدرج من حيث قوتها على النحو الاتي :

1- الدستور : الذي يعني مجموعة القواعد الاساسية التي تبين شكل الدول ، وتبين نظام الحكم وتوزع السلطات والهيأت التي تتولى هذه السلطات وعلاقة كل من هذه السلطات بالاخرى ، كما تبين حقوق الفرد في الدولة . ( [2])

2- التشريع العادي : وهو الذي تضعه السلطة التشريعية في حدود اختصاصها المبين في الدستور ، ويشمل جميع القوانين العادية التي لا تتعلق بالنظام الاساسي للدولة ( [3]).

3- التشريع الفرعي : وهو يتمثل بما تصدره السلطة التنفيذية في الاحوال الإستثنائية التي تقوم فيها بوظيفة التشريع طبقا للاختصاص الذي يخوله لها الدستور كما يشمل الانظمة والتعليمات والقرارات التي تصدر من السلطة التنفيذية بقصد تنظيم تفاصيل تطبيق التشريع العادي وترتيب المصالح العامة . ( [4]) ويترتب على هذا التدرج امران ( [5])هما:

1- لا يجوز للتشريع الادنى ان يخالف التشريع الاعلى منه فلا يجوز للتشريع الفرعي ان يخالف التشريع العادي ولا يجوز لهذا الاخير ان يخالف الدستور فاذا نص على مبدأ شرعية التجريم والعقاب في الدستور فانه يعتبر ملزما للتشريع العادي وللتشريع الفرعي هذا هو الحال فيما لو نص على المبدأ في الدستور فقط دون التشريع العادي فما هو الحل اذ نص على المبدأ في كل من الدستور والتشريع العادي؟ كما هو الحال في كل من التشريع العراقي واليماني ، ان النص على هذا المبدأ في الدستور يجعل منه مبدأ دستوريا ملزما للتشريع العادي ، كما ان تكرار النص عليه في التشريع العادي انما يعتبر تأكيدا على ضرورة تطبيق المبدأ والعمل بموجبه.

وان كان من الافضل النص عليه في الدستور فحسب كونه في هذه الحالة يصبح ملزما لكافة السلطات في الدولة .

2- ان التشريع الادنى يمكن ان يلغي بتشريع مماثل له في القوة او بتشريع اعلى منه على وفق التدرج السابق الذكر ، فالتشريع الفرعي يمكن ان يُلغي بتشريع فرعي او عادي فلا يعتد بالالغاء اذا لم يراع هذه الحقيقة فان الغي تشريع عادي بتشريع فرعي فان النص يظل محتفظا بوجوده القانوني وملزما لكل قاضي بان يتبعه ان توافرت شروط تطبيقه ، هذا يعني انه اذا الغي تشريع عادي مبدأ الشرعية فان هذا المبدأ يظل ساريا اذا كان منصوصا عليه في الدستور ، لا بل ان المبدأ يظل ساريا حتى وان لم ينص عليه في الدستور انطلاقا من الطبيعة الكاشفة للنص الذي احتوى المبدأ ، كما سبق الاشارة الى ذلك ، من هنا يمكن تحديد الطبيعة القانونية للمبدأ في ظل التشريعات الداخلية فهو مبدأ دستوري ان نص عليه في الدستور وهو مبدأ قانوني ان نص عليه في القانون العادي فقط ، هذا كله فيما يتعلق بتحديد القيمة القانونية للنص الذي احتوى على المبدأ في اطار التشريعات الداخلية.

اما فيما يتعلق بتحديد القيمة القانونية للنص الدولي الذي احتوى على مبدأ الشرعية ، فنقول ان النص الدولي عبارة عن قواعد تنظم العلاقة بين الدول تتناول انواعا من السلوك الاجرامي تهدد امن كافة الدول وتوجد في عقابها مصلحة دولية ، والنص الدولي قد يكون عرفا دوليا او معاهدة مكتوبة . ( [6])

وتبرز القيمة القانونية للنص الدولي من خلال بيان الصلة بينه وبين النص الداخلي اذ تظهر هذه الصلة من ناحية الزام النص الدولي للمشرع الداخلي باصدار او عدم اصدار قواعد جنائية معينة فتقرير المبدأ في النصوص الدولية يوجب على الدول ان تنص عليه في تشريعاتها الداخلية وذلك لان المبدأ بالنص عليه في النصوص الدولية اصبح مبدأ دولياً وتلك هي قيمته القانونية الحقيقية في الوقت الحاضر .
المبحث الثالث

علاقة المبدأ بالسياسة

علمنا مما سبق نشؤ مبدا شرعية التجريم والعقاب على اساس سياسي تمثل في ضرورة مواجهة تعسف القضاء ( [1]) واصبح من الضروري امر الاجابة على التساؤل الاتي :

هل استمر تاثير العامل السياسي على المبدأ حتى بعد ان نصت عليه اغلب التشريعات ؟ لغرض وضع إجابة شاملة لهذا التساؤل لا بد من ان نوضح معنى السياسة وكيف يختلف تاثيرها على المبدأ باختلاف نوعها؟

اذ تعني السياسة عموما .. ( كل ماله علاقة بالقوى والمؤسسات والتركيبات التنظيمية في أي مجتمع المعترف بان لها اشمل سلطه نهائية موجودة في هذا المجتمع لغرض إقامة وحفظ النظام وتحقيق الأغراض التي يسعى اليها افراد هذا المجتمع وتسوية الخلافات التي قد تنشأ بينهم ) ( [2])وتتنوع اهداف السياسة اذ تهدف السياسة الإقتصادية الى تحقيق المصالح الإقتصادية التي يجدر حمايتها في مجالات الانتاج والتوزيع وغيرها ، كما تهدف السياسة الإجتماعية الى حماية المصالح الإجتماعية ولا يمكن تحقيق هذه الأهداف الا بواسطة القانون اذ يسترشد المشرع بالافكار السياسية السائده ليضع منهجاً واساساً يستند عليها في عملية التشريع. فالقانون عموماً والقانون الجنائي خصوصاً ليس مجرد اداة لمنع المعاناة والاذى وانما هو ايضاً اجراء وقائي لاشكال متعددة للاصوات هي صوت الشعب ( [3]).

وهذا ما يعرف بالسياسة التشريعية اذ تعرف هذه السياسة ( بانها الافكار الرئيسية التي توجه القانون في مراحل انشائه وتطبيقه ) ( [4])

وهذا ما أكدته الاسباب الموجبة لقانون العقوبات العراقي النافذ رقم 111 لسنة 1996 والتي بينت ان ( السياسة التشريعية السليمة تقضي بوجوب تطوير القوانين والانظمة في كل دولة لكي تساير اوضاع مجتمعها المتطورة دوماً نتيجة تبدل الاوضاع الاقتصادية وتحقق المكاسب الحضارية وتطور المفاهيم الإنسانية وتغير العلاقات الاجتماعية اذ بهذا التطور للقوانين والانظمة وإدخال التعديل والتغيير فيها بالاضافة والحذف من وقت لأخر يمكن للنظام القانوني ان يساير حاجات المجتمع المتطورة ومتطلبات الحياة المتجددة وبذلك يسد الطريق امام الفجوات التي يمكن ان تحدث بين اوضاع المجتمع ونظامه القانوني لو بقيت القوانين جامدة من غير تجديد ) .

ان قواعد القانون اخذت من ارضية سياسية [5] ويبرز تاثير السياسة على مبدأ الشرعية من خلال ضرورة ان يهدف التشريع الى تحقيق سياسة معينة ، وبالمقارنة بين مبدأ الشرعية في التشريع العراقي من جهة والتشريع اليماني من جهة أخرى يمكن اثبات تاثير السياسة العامة على مبدأ الشرعية إذ نص دستور الجمهورية اليمنية لعام 1994 في المـادة (1) من الفصل الأول من الباب الأول المتعلقة بالأسس السياسية ما نصه (الجمهورية اليمنية دوله عربية إسلامية …… ) ونص في المادة الثانية الاسلام دين الدولة ….. ) كما نص في المادة الثالثة على ان ( الشريعة الاسلامية مصدر جميع التشريعات ).

ومن خلال هذه النصوص يتضح منهج السياسة العامة في اليمن المتمثل بضرورة تطبيق الشريعة الاسلامية في كافة المجالات ومنها التشريعية ، فأنعكس هذا الامر على مبدأ شرعية التجريم والعقاب اذ نص الدستور ذاته في المادة (46) ( … … ولا جريمة ولا عقوبة الا بناء على نص شرعي او قانوني ) وبهذا يكون المشرع اليمني قد وسع من مدى مبدأ الشرعية فشمل بالإضافة الى تقرير التجريم والعقاب بواسطة النص القانوني جعل من النص الشرعي اساساً للتجريم والعقاب .

اما دستور جمهورية العراق النافذ لعام 1970 فقد نص في المادة الاولى من الباب الاول على ان ( العراق جمهورية ديمقراطية شعبية ذات سيادة هدفه الاساس تحقيق الدولة العربية الواحدة ، واقامة النظام الاشتراكي ) كما نص في المادة الرابعة منه على ان ( الاسلام دين الدولة ) ولعدم النص في دستور جمهورية العراق على اعتبار الشريعة الاسلامية مصدراً للتشريع فقد انعكس هذا الأمر على مبدأ التجريم والعقاب إذ نص الدستور ذاته في المادة 21 / فقره / ب ( لاجريمة ولاعقوبة الابناء على قانون …….) وبهذا يكون المشرع العراقي قد ضيق من مدى مبدأ الشرعية فحصر مصدر التجريم والعقاب بالنص القانوني دون النص الشرعي ولابد للتشريع باعتباره وسيله لتحقيق اهداف مبدأ الشرعية كما سوف نرى ( [6]) من ان يستند الى سياسة معينة والا اعتبر دليلا اعمى لا يهدي الى سواء السبيل ( [7]) فالتشريع بهذا الاعتبار يختلف باختلاف السياسة التي ينتهجها المشرع ففي الدول الاشتراكية وانطلاقا من مفهوم الاشتراكية وارتباطها بالملكية العامة لوسائل الانتاج لغرض توفير ما يشبع حاجات الافراد ( [8]) نجد ان المشرع يتدخل في اوجه الحياة المختلفة (السياسية ، الاجتماعية ، الثقافية ، الاقتصادية ) فيجرم ويعاقب كل اعتداء عليها متخذا من التشريع وسيلة لذلك فيكون التشريع في هذه الدول اوسع نطاقا من الدول الرأسمالية ( [9]) ففي الدول الرأسمالية وانطلاقا من مفهوم الرأسمالية القائم على الاحترام الشديد لحقوق الافراد لا يستطيع المشرع ان يمس هذه الحقوق وان عليه مراعاتها وحمايتها وبذلك فان نطاق التشريع في هذه الدول باعتباره وسيلة للتجريم والعقاب ، يصبح ضيقا ومحدداً بمهام الدولة الحارسة . ( [10])

ومنا هنا يتضح تأثير العامل السياسي على التشريع باعتباره وسيلة تطبيق مبدأ شرعية التجريم والعقاب .

هذا وبعد ان تم تحديد ماهية هذا المبدأ بالطريقة السالفة الذكر سوف يتم تناول ما يترتب على هذا المبدأ من نتائج .. وذلك فيما يأتي :
[ يـــا إبــن ادم لا تـظـلـمــن إذا مـا كـنـت مـقـتـدرا
فـالــظــلـم يـرجـع عـقـبـاه إلــــــى الـــنـــدم
تـنـام عـيـنـاك والمـظـلـوم مـنـتـبـه
يـدعـو عـلـيـك وعـيـن الله لـم تـنـم]
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية نقيب المحامين27
نقيب المحامين27
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 10-05-2009
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 148
  • معدل تقييم المستوى :

    16

  • نقيب المحامين27 is on a distinguished road
الصورة الرمزية نقيب المحامين27
نقيب المحامين27
عضو فعال
رد: ¦¦๑¦¦ مذكرة ماجستير: مبدأ شرعية التجريم والعقاب ...
26-06-2009, 06:31 PM
الفصل الثالث

نتائج مبدأ شرعية التجريم والعقاب في القضاء



لا تقتصر نتائج مبدأ شرعية التجريم والعقاب على الجانب التشريعي وانما تتصل بدور القاضي الجنائي ايضا، اذ ان القاضي وهو يواجه الجريمة يتمتع بسلطة معينة داخل مبدا الشرعية.. ولهذا فسوف يتم تقسيم هذا الفصل على مبحثين.. بحيث يتم معالجة مدى سلطة القاضي في تحديد الجريمة في المبحث الاول وسلطة القاضي في تحديد العقاب في المبحث الاخر وعلى النحو الاتي...
المبحث الاول
مدى سلطة القاضي في تحديد الجريمة



مما سبق تبين كيف ان نشوء مبدأ شرعية التجريم والعقاب كان لمواجهة تعسف القضاة فكان من بين اهم نتائجه ان تقرر الجريمة والعقاب بموجب نص تشريعي، دور القاضي فيه لا يتعدى تطبيقه على ما يعرض عليه من وقائع فالفعل او الامتناع لا يطلق عليه وصف الجريمة ما لم يكن مطابقا في اوصافه وعناصره للنموذج الذي حدده المشرع في النص ومن هنا ظهرت فكرة بناء نظرية تهدف الى بيان العوامل التي تؤدي الى تحقيق المطابقة بين الواقعة والنص ( [1])وقد اطلق على هذه النظرية (بالتكييف) فما هو التكييف؟ وما هي شروطه وما هي وسائل تحقيقه والنتائج المترتبة عليه؟ من خلال بحث هذا الموضوع سوف يتبين اثر مبدأ شرعية التجريم والعقاب على سلطة القاضي في تحديد الجريمة.
المطلب الاول
ماهية التكييف


من اجل بيان ماهية التكييف لا بد من تعريفه وبيان شروطه على وفق ما يأتي: -

اولا: تعريف التكييف:

يعرف التكييف: بانه (رد واقعة الدعوى الى النص القانوني الذي يؤثمها) ( [2]).

كما يعرف بانه (ثبوت الوقائع وصحة نسبتها الى المتهم فهو العلاقة بين الوقائع والقانون وينتهي بمنح الوقائع اسما قانونيا ينطوي في القانون الجنائي على نتيجة ملازمة هي تطبيق العقوبة المنصوص عليها بهذا الاسم فالتكييف يشكل من الناحية النفسية حكما حقيقيا هو عصب الحكم القضائي الصادر بلا شك وتتوقف صحة الاسم القانوني الممنوح للوقائع على الامساك المنضبط للعلاقة التي تربط هذه الوقائع بقواعد قانون العقوبات) ( [3]).

كما عرف تكييف الواقعة الجنائية بانه (ردها الى اصل نص القانون واجب التطبيق عليها ويكون في نطاق التقسيم الثلاثي للجرائم الى جنايات وجنح ومخالفات بردها الى نوع دون غيره من بين هذه الانواع الثلاثة بما يترتب على ذلك من اثار ضخمة في قانون العقوبات فضلا عن الاجراءات الجنائية حيث تظهر اثار التكييف بوجه خاص) ( [4]).



كما عُرف (تكييف الوقائع التي تقوم عليها الجريمة هو اعتبارها غير مشروعة في نظر قانون العقوبات أي انها ذات صفة اجرامية ( [5]).

كما عرف بانه ((عمل قانوني الزامي يقوم به القاضي، يتفهم الواقعة ويحدد عناصرها ويتفهم القانون في الواقع ويحدد عناصره ويطبق احدهما على الاخر ويصف الواقعة وصفا قانونيا. على ان تكون نقطة البدء في التكييف من الادنى (الواقعة) الى الاعلى (القانون)، حيث يفترض فهم القانون في الواقع، وهذا لا يتحقق الا بفهم الواقعة اولاً)) ( [6]).

كما عرف بانه ((التسمية التي يمنحها القانون او القاضي للواقعة المكونة للجريمة او لطبيعة الجريمة التي تشكلها الواقعة كما انه يعني تحديد العلاقة القانونية بين الواقعة الاجرامية وبين احكام القانون التي تنطبق عليها)) ( [7]).

كما يعرف بانه ((الحكم على الفعل الصادر عن الجاني بانه يطابق النموذج القانوني للجريمة)) ( [8]).

ومن خلال استقراء هذه التعاريف يمكن تحديد معنى التكييف بانه تحديد النموذج القانوني للجريمة وفحص الواقعة المرتكبة وحدوث التماثل بينهما ووصف الواقعة المرتكبة بالوصف المحدد في القانون.

ثانيا: شروط صحة التكييف: يمكن اجمال شروط صحة التكييف بما ياتي:

1- تحديد النموذج القانوني للجريمة:

وتعني فكرة النموذج القانوني للجريمة (شمول النص العقابي على وصف دقيق لكل جريمة ويضم مختلف العناصر التكوينية لها فهي الشكل او التنظيم او الاطار القانوني الذي حدده المشرع للجريمة) ( [9]). كما عرفت بانها (توفير الشكل القانوني للجريمة الذي يضم كل العناصر اللازمة لقيام الجريمة التي لو تخلف احدها لامتنع قيامها) ( [10]).

ومن هذا يتبين ان مكونات النموذج القانوني للجريمة تظم كلا من اركان الجريمة وعناصر هذه الاركان ( [11])اذ لا بد من اقتران السلوك الاجرامي المرتكب مع النية الاجرامية لانهما ضروريان لقيام الشرعية الجزائية ( [12])اذ يجب ان يضم نص التجريم والعقاب كل من ركني الجريمة المادي والمعنوي وعليه فسنتطرق اولاً للركن المادي للجريمة على ان نتناول الركن المعنوي فيها في نقطة ثانية.

حيث يعني الركن المادي: كل ما يدخل في كيان الحرية وتكون له طبيعة مادية ويتكون من ثلاثة عناصر اولها السلوك الاجرامي (Actus reus) ( [13]) وقد عرف المشرع العراقي السلوك الجرمي في المادة (19/4) من قانون العقوبات العراقي النافذ بانه ((كل تصرف جرمه القانون ايجابيا كان ام سلبيا كالترك والامتناع ما لم يرد نص على خلاف ذلك)). ولا يوجد مثل هذا التحديد للسلوك الاجرامي في قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ ولعل السبب في ذلك هو تركيز المشرع اليمني على القسم الخاص دون العام عند تنظيمه لهذا القانون.

ويتمثل العنصر الثاني للركن المادي بالنتيجة الاجرامية، وللنتيجة الاجرامية مدلولين الاول مادي يتمثل في التغيير الذي يحصل في العالم الخارجي كاثر السلوك الاجرامي والثاني قانوني ويتمثل في العدوان الذي ينال مصلحة او حق قدر المشرع جدارته بالحماية الجنائية ( [14]).. ولا بد من ان تتحقق الصلة بين السلوك الاجرامية وبين النتيجة الاجرامية بمدلولها المادي لان هذه الرابطة هي السبيل لاسناد النتيجة الى الفعل وسميت هذه الرابطة بالعلاقة السببية وهي العنصر الثالث من العناصر المكونة للركن المادي ( [15]).

هذا وقد نص المشرع العراقي على هذه الرابطة في المادة (29) بما يأتي ((1- لا يسأل شخص عن جريمة لم تكن نتيجة لسلوكه الاجرامي لكنه يسأل عن الجريمة ولو كان قد ساهم مع سلوكه الاجرامي في احداثها سبب اخر سابق او معاصر او لاحق ولو كان يجهله. 2- اما اذا كان ذلك السبب وحده كافيا لإحداث نتيجة الجريمة فلا يسأل الفاعل في هذه الحالة إلا عن الفعل الذي ارتكبه)).

ومن ثم فان المشرع العراقي قد اعتمد نظرية السبب الملائم اخذا بنظر الاعتبار ما تنطوي عليه نظرية تعادل الاسباب من نتائج ( [16]).

كما ان المشرع العراقي اخذ بنظرية السبب المباشر في المادة (34) من قانون العقوبات العراقي النافذ التي نصت على ((تكون الجريمة عمدية اذا توافر القصد الجرمي لدى فاعلها وتعد الجريمة عمدية كذلك أ- اذا فرض القانون او الاتفاق واجبا على شخص وامتنع عن ادائه قاصدا احداث الجريمة التي نشأت مباشرة عن هذا الامتناع.....)) ( [17]).

هذا وقد نص المشرع اليمني في المادة (7) من قانون الجرائم والعقوبات النافذ على ((لا يسأل الشخص عن جريمة يتطلب القانون لتمامها حدوث نتيجة معينة الا اذا كان سلوكه فعلا او امتناعا هو السبب في وقوع هذه النتيجة وتقوم رابطة السببية متى كان من المحتمل طبقا لما تجري عليه الامور في الحياة عادة ان يكون سلوك الجاني سببا في وقوع النتيجة وما كان سببه منه فهدر على ان هذه الرابطة تنتفي إذا تداخل عامل اخر يكون كافيا بذاته لاحداث النتيجة وعندئذ تقتصر مسؤولية الشخص عن سلوكه اذا كان القانون يجرمه مستقلا عن النتيجة)).

يظهر اتجاه هذه المادة في قول المشرع ((وتقوم رابطة السببية متى كان من المحتمل طبقا لما تجري عليه الامور في الحياة عادة ان يكون سلوك الجاني سببا في وقوع الجريمة)) وهذا هو جوهر نظرية السبب الكافي او الملائم ( [18]).

كما ويدخل الركن المعنوي وعناصره ضمن مكونات النموذج القانوني للجريمة فيعرف بانه الاصول النفسية لارتكاب الجريمة اذ لا يسأل شخص عن جريمة ما لم تقم علاقة بين مادياتها ونفسيته فهذا الركن هو السبيل في تحديد المسؤول عن الجريمة ولهذا الركن صورتين الاولى القصد الجرمي (mens rea) ( [19]) وقد عرفته المادة (33/1) من قانون العقوبات العراقي النافذ بقولها (القصد الجرمي) (( هو توجيه الفاعل ارادته الى ارتكاب الفعل المكون للجريمة هادفا الى نتيجة الجريمة التي وقعت او أي نتيجة جرمية اخرى)).. كما عرفه المشرع اليمني في المادة (9) من قانون الجرائم والعقوبات النافذ بقوله ((يتوافر القصد الجرمي اذا ارتكب الجاني الفعل بارادته وعلمه وبنية احداث النتيجة المعاقب عليها ولا عبرة في توافر القصد بالدافع الى ارتكاب الجريمة او الغرض منها الا اذا نص القانون على خلاف ذلك ويتحقق القصد كذلك اذا توقع الجاني نتيجة اجرامية لفعله فاقدم عليه قابلا حدوث هذه النتيجة)).

اما الصورة الاخرى للركن المعنوي فتتحقق بصورة الخطأ فنصت المادة (35) من قانون العقوبات العراقي النافذ على ان ((تكون الجريمة غير عمدية اذا وقعت النتيجة الاجرامية بسبب خطأ الفاعل سواء كان هذا الخطأ اهمالا او رعونة او عدم انتباه او عدم احتياط او عدم مراعاة القوانين والانظمة والاوامر)) كما نص على ذلك قانون الجرائم والعقوبات اليمني في المادة (10) منه بقوله ((يكون الخطأ غير العمدي متوافراً اذا تصرف الجاني عند ارتكاب الفعل على نحو لا ياتيه الشخص العادي اذا وجد في ظروفه بان اتصف فعله بالرعونة او التفريط او الاهمال او عدم مراعاة القوانين واللوائح والقرارات. ويعد الجاني متصرفا على هذا النحو اذا لم يتوقع عند ارتكاب الفعل النتيجة التي كان في استطاعة الشخص العادي ان يتوقعها او توقعها وحسب ان في الامكان اجتنابها)).

ويدخل ضمن النموذج القانوني للجريمة ما يضعه المشرع من اوصاف خاصة بالجاني كصفة الموظف في جريمة الرشوة مثلا.

فمن خلال ملاحظة اركان الجريمة وتلك الاوصاف الخاصة بالجاني يمكن تحديد النموذج القانوني للجريمة الذي يعد من الشروط الاولى لتحقيق صحة التكييف.

2- فحص الواقعة المرتكبة:

تعد الجريمة واقعة انسانية اذ ترجع الى سلوك الفرد الذي يتنافى مع القيم الاجتماعية السائدة في المجتمع فالجريمة هي كل فعل يتعارض مع ما هو نافع للجماعة وهي انتهاك لقاعدة من قواعد السلوك ( [20]).

والجريمة بهذا الاعتبار ترتكب تحت تاثير عوامل متعددة منها الداخلي كالوراثة والجنس والسن ومنها عوامل خارجية كالبيئة العائلية وبيئة العمل والصداقة ( [21])ولا بد للقاضي ان يتفحص عناصر تلك الواقعة الانسانية والمتمثلة في الفعل الذي قام به الجاني والنتيجة التي ترتبت عليه وما هو الباعث الذي دفعه الى ارتكاب هذا الفعل وهل كان قاصدا ارتكابه ام لا كل تلك العناصر المكونة للواقعة الانسانية يجب ان تراعى في عملية التكييف، فالجريمة كحقيقة واقعية سلوك ليس من شان الرجل العادي ان يتخذه لو وجد في الظرف ذاته ( [22]).

3- حدوث التماثل بين مكونات النموذج القانوني للجريمة مع العناصر المكونة للواقعة: ذهب اتجاه الى ان حدوث التماثل يتحقق بالنظر اولاً الى الواقعة والعناصر المكونة لها ثم النظر الى القانون وملاحظة العناصر المكونة له ثم تطبق الواقعة على القانون ( [23]).

ويبدو ان عملية التماثل ما هي الا معادلة حسابية منطقية الطرف الاول فيها النموذج القانوني للجريمة والطرف الاخر فيها العناصر المكونة للواقعة فالواجب اولاً ان تستحضر العناصر المكونة للنص ثم تستحضر العناصر المكونة للواقعة فاذا حدث التطبيق بين طرفي المعادلة تحققت صحة التكييف والا لن نكون امام تكييف دقيق والسبب الذي يوجب استحضار النص يرجع الى سببين اثنين الاول ان عناصر النموذج القانوني للجريمة محددة بالنص في حين انه لا يمكن حصر العناصر المكونة للواقعة بصورة تامة والسبب الاخر ان الواقعة لا تعد جريمة ولا يمكن ان يعتد بها الا بعد تجريمها من قبل المشرع.
المطلب الثاني
وسائل اعمال التكييف



لغرض تحقيق التماثل بين عناصر النموذج القانوني للجريمة وبين عناصر الواقعة المتركبة كان لا بد من ان يعتمد القاضي الجنائي ( [1])على عنصرين اثنين:

اولا: مُكنة التفسير:

ان ما لا شك فيه ان الانسان قاصر عن ان يلم بما سوف يحدث في المستقبل من احداث وهو بهذا الامر لا يستطيع ان يضع نصوصا قانونية تحكم جميع المسائل وتحتوي جميع الوقائع التي تحدث في المستقبل فإذا كان عقل الانسان قاصر كان القانون غير كامل لان الاخير من وضع الاول ولهذا السبب يجب ان يمنح القاضي مكنة التفسير. فما هو التفسير؟ وما هي ذاتية التفسير في التجريم والعقاب؟ وهل للقياس دور في ذلك؟ فكل هذه الاسئلة تعكس اثر مبدأ شرعية التجريم والعقاب على سلطة القاضي في تحديد الجريمة.

1- معنى التفسير: التفسير هو (تحديد المعنى الذي يقصده الشارع من الفاظ النص لجعله صالحا للتطبيق على وقائع الحياة) ( [2]).

كما عُرف بانه (عملية عقلية علمية يراد بها الكشف عن المصلحة التي تهدف اليها الارادة التشريعية للحكم في الحالات الواقعية فهو يتضمن جميع العمليات التي يقتضيها تطبيق القانون على واقع الحياة) ( [3]).

كما عرفه البعض الاخر بانه (نشاط عقلي يستخدم فيه المفسر قواعد اللغة والمنطق لتحديد المصلحة التي شرع النص الجنائي لحمايتها للوقوف على ما اذا كانت الالفاظ تتطابق مع المصلحة التي تمثلها الحالة المعروضة على القاضي من عدمه) ( [4]).

والتفسير باعتبار الجهة التي تقوم به انواع ثلاثة فاذا كانت الجهة التي تتولى التفسير هي السلطة التشريعية سمي التفسير تشريعا واذا كان التفسير من جهة قضائية سمي تفسيرا قضائيا، ويسمى تفسيرا فقهيا اذا قام به الفقه كما يتنوع التفسير باعتبار اسلوبه فهو اما تفسير لغوي بالاستناد الى الفاظ النص واما تفسير منطقي بالاستناد الى غاية وروح التشريع ( [5]).

2- ذاتية التفسير:

على الرغم من اتفاق الفقه الجنائي على منح القاضي الجنائي مكنة التفسير الا انهم اختلفوا في مدى هذه المكنة فذهب البعض منهم الى ان تفسير قانون العقوبات يجب ان يكون ضيقا طبقا لما يقرره مبدأ الشرعية لان التوسع في تفسير نصوص التجريم والعقاب يؤدي الى استحداث جرائم وعقوبات لم يرد بشأنها نص، كما ذهب اخرون في وجوب ان يكون التفسير ضيقا في نصوص التجريم والعقاب وواسعا في النصوص المقررة لمصلحة المتهم على اعتبار ان التوسع ليس من شأنه استحداث جرائم او عقوبات ومن ثم لا يُمس مبدأ شرعية التجريم والعقاب ( [6]). على ان الاتجاه الحديث يربط بين عمل المفسر وقصد الشارع من الفاظ النص (فان اقتنع بان ما يقول به (المفسر) يطابق ذلك القصد فلا اهمية بعد ذلك لكون هذا التفسير قد جاء ضيقا او واسعا اذ كل القيمة القانونية للنص منحصرة في كونه تعبيرا عن قصد الشارع فما طابق هذا القصد هو التفسير الصحيح للنص) ( [7]).

ومن هنا يبرز اثر مبدأ شرعية التجريم والعقاب على مكنة القاضي في التفسير وبالتالي سلطته في تحديد الجريمة.

3- دور القياس في التجريم والعقاب:

يعني القياس (اعطاء حكم حالة منصوص عليها لحالة غير منصوص عليها لتشابه الحالتين في العلة) ( [8]).

وبتأثير مبدأ شرعية التجريم والعقاب فان الراي الراجح يحضر استعمال القياس في اعمال نصوص التجريم والعقاب اذ لا يمكن ان يعتبر الفعل جريمة قياسا على فعل اخر قد جرمه القانون طالما ان الفعل الاول لم يتقرر في القانون انه جريمة، ولا يهم بعد ذلك مدى خطورة هذا الفعل ومدى جسامة تهديده لمصلحة اجتماعية ( [9]).

ثانيا: استعمال الادلة:

التكييف عملية عقلية لا بد للقاضي فيها ان يستند على ادلة تمكنه اولا من معرفة عناصر النموذج القانوني للجريمة والعناصر المكونة للواقعة، كما تمكنه من تحديد التطابق والتماثل بينهما ويعتمد القاضي على نوعين من الادلة عقلية ( [10])وتقوم هذه الادلة على مبدأ القناعة القضائية الذي يعني بنوع (من اليقين الخاص بالعمل القضائي الجنائي بوجه عام وتقدير الادلة بوجه خاص فهي ليست مجرد رأي او اعتقاد او بين الاعتقاد واليقين فخصائصها المميزة لا تعرف هذا التدرج في مراحل التقسيم للادلة، فهي واحدة في ثباتها لتقدير قيمة الدليل لانها تقوم على اسس عقلية منطقية رصينة في تحديد النتائج من مقدماتها ( [11])كتقدير قيمة الشهادة.

غير ان مبدأ القناعة السابق ليس مطلقا اذ يقيد بضوابط قانونية لضمان التطبيق السليم للقانون ولهذا فان هناك نوع اخر من الادلة النقلية التي تجاور الادلة العقلية وتعرف بموجب نص قانوني فيخضع لها القاضي ويلزم بها اذ يقوم المشرع بتنظيم القناعة واليقين القضائي طبقا لقواعد قانونية ينص عليها بهذا الشأن وذلك اما بتحديد دليلا معينا او يستلزم شروطاً للدليل القابل لاثبات الادانة وبهذا فان المشرع هو الذي يحدد حجية الادلة النقلية ويحدد القيمة المقنعة لها على وفق معايير خاصة به ( [12])، ومثالا في القانون العراقي الشهادة الواحدة لا يمكن ان تكون اساسا للحكم على وفق ما قررته المادة (213) من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي النافذ.
المطلب الثالث
نتائج تحقق التكييف



تبين بان معنى التكييف هو تحديد النموذج القانوني للجريمة وفحص الواقعة المرتكبة وحدوث التماثل بينهما ووصف الواقعة المرتكبة بعد ذلك بالوصف المحدد في القانون وعلى هذا فان نتائج تحقق التكييف تتمثل بالاتي: -

اولا: اعتبار الواقعة المرتكبة جريمة:

فعند تحقق التماثل بين النموذج القانوني للجريمة وبين الواقعة المرتكبة باستعمال الادلة العقلية والنقلية تسمى الواقعة المرتكبة (جريمة) ولكن وان كان هذا هو الاصل فان التطابق بين الواقعة والنموذج القانوني للجريمة قد لا يطلق عليه وصف الجريمة استثناءً من هذا الاصل وهذا يتحقق في ما اذا توافر سبب من اسباب الاباحة ( [1])فالفعل والامتناع لا يكون جرما الا اذا عجز الفاعل عن تبريره باحد الاسباب التي تجيزه وتبيحه واذا استطاع تبريرها بسبب قانوني فانها تكون مباحة وتزول عنها صفة الجريمة (فاسباب الاباحة هي الاسباب والحالات التي من شأنها ازالة الصفة للجريمة عن الفعل الذي تقترن به وتخرجه من نطاق الجرائم المعاقب عليها الى مصاف الاباحة ( [2]). فهي تجعل العنصر القانوني في الجريمة منتفيا.

هذا وقد عالج المشرع العراقي اسباب الاباحة في الفصل الرابع من الباب الثالث الخاص بالجريمة في المواد من (39-46) من قانون العقوبات العراقي النافذ وحددها وفق الترتيب الاتي:

1- اداء الواجب: حيث اشتملت عليه المواد من (39) و (40).

2- استعمال الحق: حيث اشتملت عليه المادة (41).

3- حق الدفاع الشرعي: حيث اشتملت عليه المواد من (42-46).

اما المشرع اليمني فقد جاء في الفصل الرابع من الباب الثالث الخاص بـ (الاسباب التي تستبعد صفة الجريمة) وحددها بالاتي:

1- اسباب الاباحة: حيث نص في المادة (26) من قانون الجرائم والعقوبات على استعمال الحق واداء الواجب وفي المادة (27)،(28)،(29) على الدفاع الشرعي كسبب من اسباب الاباحة.

2- مسؤولية الصغير ومن في حكمه: عد المشرع اليمني صغر السن والعيب العقلي من الاسباب التي تستبعد صفة الجريمة.

الا انه لم يستعمل عبارة (لا جريمة) عند النص على ذلك وانما استعمل عبارة (لا يسأل جزائياً .....) وذلك في المادة (31) و (33) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ مما يعني ان المشرع اليمني عدها موانع للمسؤولية وليست اسباب للاباحة وهنا يتضح التناقض الذي وقع فيه المشرع اليمني عند معالجته لاسباب الاباحة فمرة يعدها مما ينفي الجريمة ومرة يعدها مانعا للمسؤولية.

3- ما يستبعد الركن المادي وما ينفي الخطأ: حيث نص المشرع اليمني في قانون الجرائم والعقوبات النافذ على اعتباره الاكراه المادي والقوة القاهرة من اسباب الاباحة التي تنفي عن الفعل صفة الجريمة اذ نصت المادة (35) منه ((لا يرتكب جريمة من وقع منه الفعل المكون لها تحت ضغط اكراه مادي يستحيل عليه مقاومته او بسبب قوة قاهرة... ويستثنى من ذلك القتل وتعذيب الانسان فلا ترفع المسوؤلية فيهما عن المكره ومن اكرهه)). كما ان المشرع اليمني وفي القانون ذاته عد حالة الضرورة والاكراه المعنوي موانع للمسؤولية على وفق ما نصت عليه المادة (36) منه (( لا مسؤولية على من ارتكب فعلا الجأت اليه ضرورة وقاية نفسه او غيره او ماله او مال غيره من خطر جسيم محدق لم يتسبب هو فيه عمدا ولم يكن في قدرته منعه بوسيلة اخرى ويشترط ان يكون الفعل متناسبا مع الخطر المراد اتقائه ولا يعتبر في حالة ضرورة من اوجب عليه القانون مواجهة ذلك الخطر)).

من هنا يتضح مدى خطأ مسلك المشرع اليمني في معالجته لاسباب الاباحة والخلط بينهما وبين موانع المسؤولية.

ففي الوقت الذي يُعد فيه كل من صغر السن والاكراه المادي والمعنوي من موانع المسؤولية الجزائية في قانون العقوبات العراقي النافذ على وفق ما قررته المواد (60)،(61)،(62)،(64)،(65)، نجد ان المشرع اليمني قد اعتبر الاكراه المادي سبب من اسباب الاباحة.

ثانيا: تحديد وصف قانوني للجريمة:

ويعني الوصف القانوني للجريمة (المادة القانونية المنطبقة على الواقعة المعدة جريمة) ( [3]). فالتشريع العقابي يحتوي على مواد قانونية عديدة تضمنت تجريم الافعال والمعاقبة عليها وهنا يترتب على تحقيق التكييف تسمية الجريمة بإسم معين وتحديد النص القانوني الواجب التطبيق ويظهر اثر تحقق التكييف بالنسبة لتحديد الوصف القانوني للجريمة في اختلاف اركان الجرائم فلكل جريمة نموذجها الخاص الذي تتميز به عن غيرها من الجرائم فالقاضي يستطيع ان يحدد النموذج القانوني للجريمة وبالتالي إعمال التكييف بالاستناد الى نصا قانونيا معين ( [4])فالنموذج القانوني لجريمة الضرب المفضي الى موت يختلف عن النموذج القانوني لجريمة القتل العمد.

فالركن المعنوي لجريمة الضرب المفضي الى موت هو قصد المساس بجسم المجني عليه دون قصد ازهاق روحه بينما هو في جريمة القتل العمد قصد ازهاق الروح ( [5]). وهنا على القاضي ان يحدد الوصف القانوني للواقعة المرتكبة امامه هل هي من نوع الجريمة الاولى ام الثانية ويتحقق ذلك عن طريق عملية التكييف.

غير ان القاضي قد يجد ان هناك اكثر من نص قد ينطبق على الواقعة المعروضة امامه او ان هناك اكثر من فعل داخل هذه الواقعة يشكل جريمة مستقلة فما هو حكم هذه الحالة؟

تعرف هذه الحالة بالتعدد ... الذي يعني (حالة ارتكاب الشخص لعدة جرائم قائمة سواء بفعل واحد ام بافعال متعددة لا توجد بينها ارادة الشارع وقبل ان يصدر عليه حكم بات عن واحدة منها) ( [6]).

وللوقوف على الوصف الذي يجب ان يعتمده القاضي للواقعة المعروضة امامه كان لا بد من التمييز بين نوعين من التعدد اذ يظهر من خلال التعريف السابق للتعدد ان هناك نوعان من التعدد هما:

1- التعدد المعنوي للجرائم: ويقصد بالتعدد المعنوي او الصوري للجرائم (ان يرتكب الجاني فعلا ماديا واحدا ينطبق عليه اكثر من نص من نصوص قانون العقوبات سواء ترتب على ذلك الفعل نتيجة واحدة ام اكثر مختلفة ام متماثلة) ( [7])وقد نص على هذا النوع من التعدد المشرع العراقي في المادة (141) من قانون العقوبات العراقي النافذ بقوله ((اذا كون الفعل الواحد جرائم متعددة وجب اعتبار الجريمة التي عقوبتها اشد والحكم بالعقوبة المقررة لها واذا كانت العقوبات متماثلة حكم باحدها)).

اما المشرع اليمني فلم يورد نصا كالنص العراقي غير انه لو حدث ان فعلا للجاني قد اكتسب اكثر من وصف قانوني كالاعتداء على امرأة حامل بالضرب فيؤدي ذلك الى اجهاضها فالفعل الواحد هنا قد شكل جريمة اجهاض محكومة بالمادة (239) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ المتعلقة بالاجهاض بغير رضى والتي نصت على ان ((كل من اجهض عمداً امرأة دون رضاها يعاقب بدية الجنين غرة هي نصف عشر الدية اذا اسقط جنينها متخلقا او مات في بطنها)) كما انه يشكل جريمة ايذاء عمدي وفق المادة (244) من قانون الجرائم والعقوبات التي نصت ((يعاقب بالارش والحبس مدة لا تزيد على سنة او الارش والغرامة من اعتداء على سلامة جسم غيره باي وسيلة ....)).

وباعتبار هذا التعدد المعنوي فان القاضي يستطيع ان يطبق نص المادة (116) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني التي نصت على ان ((اذا تعددت عقوبات الدية والارش والغرامة تنفذ جميعها)) أي لا يمكن للقاضي ان يعتمد على تنفيذ العقوبة الاشد لان العقوبة المحددة لكل من الجريمتين هي من عقوبات الدية والارش اما اذا حدث التعدد المعنوي في جرائم القصاص فيطبق القاضي العقوبة الاشد وفقا لما قضت به المادة (110) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني، واذا تعددت جرائم الحدود فانه يطبق نص المادة (111) منه بان يقدم الاشد منها على غيره.

2- التعدد المادي: ويسمى بالتعدد الحقيقي ويعني (ان يرتكب الفاعل عدة جرائم مستقلة في اوقات مختلفة معاقب عليها وتسند جميعها الى للفاعل نفسه وهذه الجرائم قد تقوم بينها رابطة ما وقد لا تقوم بينها أي رابطة او علاقة) ( [8]).

وقد عرف المشرع العراقي هذا النوع من التعدد في المادة (142) والمادة (143) من قانون العقوبات العراقي النافذ فخص المادة (142) بالنص على ((اذا وقعت عدة جرائم ناتجة عن افعال متعددة ولكنها مرتبطة ببعضها ارتباطا لا يقبل التجزئة ويجمع بينهما وحدة الغرض وجب الحكم بالعقوبة المقررة لكل جريمة والامر بتنفيذ العقوبة الاشد دون سواها....)) ونص في المادة (143/أ) ((اذا ارتكب شخص عدة جرائم ليست مرتبطة ببعضها ولا تجمع بينها وحدة الغرض قبل الحكم عليه من اجل واحدة منها حكم عليه بالعقوبة المقررة لكل منها ونفذت جميع العقوبات عليه بالتعاقب ....)).

اما المشرع اليمني فقد نص في المادة (115) من قانون الجرائم والعقوبات على هذا النوع من التعدد فقد نصت ((بغير اخلال بالاحكام السابقة اذا ارتكب شخص جريمتين تعزيريتين او اكثر ولم يكن قد حكم عليه لاحدها بحكم بات وجب ان يعين الحكم عقوبة واحدة لجميع الجرائم هي المقررة لاشدها وهذه هي التي ينطق بها وتنفذ دون غيرها....)).

ومن خلال استقراء نص المشرع العراقي والمشرع اليمني يتبين ان المشرع اليمني لم يميز عند معالجته للتعدد الحقيقي بين وجود ارتباط او وحدة غرض تجمع بين الافعال المرتكبة من قبل الفاعل على عكس ما ذهب اليه المشرع العراقي. كما ان المشرع اليمني ضيق نطاق تطبيق هذا النوع من التعدد على جرائم التعزير فقط دون غيرها من الجرائم.

هذا حكم تعدد الاوصاف القانونية للجريمة او الجرائم المرتكبة من قبل فاعل واحد ( [9]).

هذا وان الوصف القانوني للجريمة يتأثر بظروف تشديدها بوصفها من العناصر التكوينية للوصف القانوني للجريمة على ما يذهب اليه اغلب الفقه الجنائي ( [10])، فالظروف التي تغير من وصف الجريمة هي عناصر تدخل في تكوينها كي تحدد وصفها القانوني بين مجموعة من الجرائم تحمل اسما واحدا وتشترك في اركانها فيقتصر دور هذه الظروف على تحديد مكان الجريمة من بين مجموعة من الجرائم تحمل الاسم نفسه فالقتل العمد له اركان حددتها نص المادة (405) من قانون العقوبات العراقي النافذ مثلا فان توافر في القتل ظرف مشدد خاص كسبق الاصرار مثلا فان الوصف القانوني للجريمة سوف يتغير الى نص المادة (406) من قانون العقوبات العراقي النافذ.

(فاذا غير الظرف من وصف الجريمة كان لهذا التغيير مظهرا يدل عليه هو خضوع الجريمة مقترنة بالظرف لنص قانوني يختلف عن النص الذي كانت تخضع له وهي متجردة من هذا الظرف) ( [11]).

ومن هنا يتبين الدور الذي يلعبه التكييف في وصف الفعل المرتكب بـ (الجريمة) ودوره في تحديد الوصف القانوني لها.
[ يـــا إبــن ادم لا تـظـلـمــن إذا مـا كـنـت مـقـتـدرا
فـالــظــلـم يـرجـع عـقـبـاه إلــــــى الـــنـــدم
تـنـام عـيـنـاك والمـظـلـوم مـنـتـبـه
يـدعـو عـلـيـك وعـيـن الله لـم تـنـم]
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية نقيب المحامين27
نقيب المحامين27
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 10-05-2009
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 148
  • معدل تقييم المستوى :

    16

  • نقيب المحامين27 is on a distinguished road
الصورة الرمزية نقيب المحامين27
نقيب المحامين27
عضو فعال
رد: ¦¦๑¦¦ مذكرة ماجستير: مبدأ شرعية التجريم والعقاب ...
26-06-2009, 06:33 PM
المبحث الثاني
مدى سلطة القاضي في تحديد العقوبة



ان من بين اهم نتائج مبدأ شرعية التجريم والعقاب ان لا عقاب الا بموجب نص تشريعي تتباين فيه سلطة القاضي في تقدير هذا العقاب تحقيقا للملائمة بينه وبين ما في الجاني من خطورة وهذا ما يعرف بتفريد العقاب الذي يمثل السياسة العقابية المعاصرة ( [1]).

اذ يعد العقاب من الضروريات اللازمة لتحقيق السيطرة الاجتماعية والمحافظة على القيم والقواعد التي تنظم سلوك الافراد داخل المجتمع وهو بهذا الاعتبار ضرورة لتحقيق الامن الاجتماعي فهو يحقق ردعا للغير مخافة ان يتعرضوا للعقاب الذي نال المجرم بما يعرف بالردع العام، كما انه يحقق ردعا خاصا يتمثل في منع المجرم من ارتكاب الجريمة مرة اخرى خوفا من العقاب، غير ان الوظيفة الحقيقية للعقاب تهدف الى اصلاح المجرمين من خلال رفع وانماء روح الجماعة لديهم وزرع مفاهيم اجتماعية داخل انفسهم. بما يحقق تماسكا اجتماعيا بين المجرم بعد اصلاحه والمجتمع الذي يعيش فيه ( [2]). ولتحقيق هذه الاهداف كان لا بد من ان تكون العقوبة متناسبة مع ما يحمله الجاني من خطورة اجرامية ( [3])، ويتحقق ذلك من خلال سلطة القاضي في تحديد العقاب.

فما هي هذه السلطة؟ وهل تتعارض مع مبدأ شرعية التجريم والعقاب؟


المطلب الاول
مفهوم سلطة القاضي في تحديد العقوبة



لكي يتسنى بيان مفهوم هذه السلطة لا بد اولا من التطرق لتطور سلطة القاضي الجنائي في تقدير العقوبة ثم تحديد معنى هذه السلطة على ضوء النظام المستقر حاليا:

اولا: تطور سلطة القاضي في تقدير العقوبة:

يمكن استعراض هذا التطور في ثلاثة نظم ( [4])هي: -

1- نظام السلطة المطلقة: ففي المجتمعات البدائية كان لرئيس القبيلة سلطة مطلقة على افراد قبيلته فهو يحكم عليهم بما يشاء دون الالتزام باي قاعدة ثابتة، كما ان اغلب الملوك القدماء كانوا يباشرون سلطة القضاء بانفسهم او حتى بواسطة افراد من طبقة خاصة وكانوا يمارسون هذه السلطة بصورة مطلقة لا قيد فيها، غير ان هذه السلطة المطلقة التي استأثر بها القضاة فاساءوا استعمالها تعرضت للانتقادات والدعوات الى التنديد بالاستبداد القضائي وضرورة تقييد سلطة القاضي في فرض العقوبات فظهر نظام جديد هو نظام السلطة المقيدة.

2- نظام السلطة المقيدة : وفي هذا النظام فان القاضي يجرد من كل سلطة تقديرية في التجريم وفي العقاب وما على القاضي في هذا النظام الا ان يطبق نوع ومقدار العقوبة المحددة سلفا للجريمة من قبل المشرع، الا ان هذا النظام قد تعرض لانتقاد يتحدد بانه انحرف بعدالة العقاب نحو عدم مساواة بالغة وشديدة وبالتالي لم يحقق هذا النظام المساواة بين المواطنين امام القانون وبذلك فقد عرف نظام جديد هو نظام السلطة النسبية في تقدير العقوبة.

3- نظام السلطة النسبية في تقدير العقوبة: يقوم هذا النظام على التعاون بين المشرع والقاضي في مدى مساهمة كل منهما في تحديد العقاب الملائم للجاني، اما دور المشرع فيتحدد بتخصيص عقوبات متنوعة لاصناف متعددة من الجرائم وقد سبق ان بينا دور المشرع في تحديد الجريمة والعقاب لذا فسوف يقصر الكلام هنا على دور القاضي في تحديد العقاب بما يعرف بـ (التفريد القضائي). فالنظام النسبي هو النظام المعاصر لسلطة القاضي في تقدير العقاب.

ثانيا: التفريد القضائي: يعني التفريد القضائي ان (تتولى السلطة القضائية توقيع العقوبة المناسبة لتأهيل المجرم ضمن حدود المقاييس المقررة للجرائم في القانون) ( [5])فقد قضت المادة (109) من قانون الجرائم العقوبات اليمني النافذ ((يقدر القاضي العقوبة التعزيرية المناسبة بين الحدين الاعلى والادنى المقررين للجريمة مراعيا في ذلك كافة الظروف المخففة او المشددة وبوجه خاص درجة المسؤولية والبواعث على الجريمة وخطورة الفعل والظروف التي وقع فيها وماضي الجاني الاجرامي ومركزه الشخصي وتصرفه اللاحق على ارتكاب الجريمة وصلته بالمجني عليه وما اذا كان قد عوض المجني عليه او ورثته وعند تحديد الغرامة يراعي القاضي المركز الاقتصادي للجاني .....)) وللتفريد القضائي وسائل قانونية تتحدد بالاتي ( [6]):

1- التدرج الكمي للعقوبة: ويعني تحديد المشرع حدين ادنى واعلى للعقوبات التي تقبل بطبيعتها التجزئة مثل العقوبات السالبة للحرية والغرامة فترك المشرع للقاضي سلطة تقدير مقدار العقوبة دون تجاوز حديها وللتدرج الكمي طريقتي:

أ- التدرج الكمي الثابت: ويتحقق عندما يحدد المشرع حدين ادنى واعلى ثابتين.

ب- التدرج الكمي النسبي: حيث يلزم القاضي بتدريج مقدار العقوبة بالنسبة الى قيمة الضرر المترتب على الجريمة او قيمة الفائدة التي حصل عليها المجرم منها او بالنسبة للدخل اليومي للمجرم، والغرامة هي العقوبة الوحيدة التي يمكن تطبيق هذا النظام عليها ( [7]).

2- الاختيار النوعي للعقوبة ( [8]): ويتحقق هذا النظام عن طريق:

أ- نظام العقوبات التخييرية اذ يترك للقاضي في هذا النظام حرية الاختيار في الحكم على المجرم باحدى عقوبتين مختلفتين في النوع او يحكم بكليهما.

ب- نظام العقوبات البديلة: فيجوز للقاضي طبقا لهذا النظام ان يحل عقوبة من نوع معين محل عقوبة من نوع اخر مقرر اصلا لجريمة ما وذلك عند تعذر تنفيذ العقوبة الاصلية ولملائمة العقوبة البديلة لحالة المجرم الشخصية.

3- التخفيف والتشديد الاسثنائيان للعقوبة:

قد يوجه القاضي حالات وافعال تؤثر في تخفيف او تشديد العقوبة للجريمة المرتكبة يحددها المشرع او يترك تحديدها للقاضي فيجيز له عند توافر المخفف منها النزول بالعقوبة الى ما دون حدها الادنى المقرر للجريمة او احلال عقوبة اخرى من نوع اخف محلها، وهذه تعرف بالظروف المخففة او الاعذار المعفية او المخففة للعقوبة ( [9]).

اما المشدد منها فيجوز للقاضي عند توافرها ان يتجاوز الحد الاعلى المقرر للعقوبة او احلال عقوبة اخرى من نوع اشد محلها وهذه تعرف بالظروف المشددة ( [10]).

4- ايقاف تنفيذ العقوبة ( [11]): يقضي هذا النظام بمنح القاضي سلطة تعليق تنفيذ العقوبة على شرط موقوف خلال مدة تجربة يحددها القانون فاذا ما تبين للقاضي ان شخصية مرتكب الجريمة غير خطرة على امن المجتمع كان له ان يستخدم هذا النظام فيجعل العقوبة ملائمة لشخصية الجاني وبذلك يتحقق تفريد العقاب.

ومن هنا يتبين مفهوم سلطة القاضي في العقاب التي تتحدد بضرورة منح القاضي قدرا من الصلاحيات المحددة تشريعا لتحقيق تفريد العقاب بوصفه المنهج الحديث في السياسة الجنائية، ولكن هل يتعارض منح القاضي الجنائي مثل هذه السلطة مع مبدأ شرعية التجريم والعقاب الذي من اهم نتائجه انه حدد سلطة القاضي بتطبيق نصوص التجريم والعقاب؟ هذا ما سوف يتم الاجابة عليه من خلال المطلب الاتي:
المطلب الثاني
مدى توافق سلطة القاضي التقديرية مع المبدأ



ان سلطة القاضي في تحديد العقاب ليست سلطة تحكمية تعطي للقاضي امكانية فرض عقوبات لم يرد بشأنها نص انما هي سلطة تقديرية هدفها تحقيق الملائمة بين العقوبة وشخصية الجاني (فالقانون لا يمنح القاضي قوة خلاقة بل يعتبر دروه تأكيدا لارادة المشرع اذ ليس من حقه مسايرة افكاره الخاصة في تقدير حكمه لان الحكم الجنائي لا يجوز ان يكون حقلا للافكار الشخصية) ( [1]).

ومن هذا المنطلق فان سلطة القاضي الجنائي في تحديد العقاب لا تتعارض مع مبدأ الشرعية اذ يظل القاضي محددا بقيود معينة حتى عند ممارسته لسلطته التقديرية هذه ويبدو لنا ذلك من خلال الاتي:

اولا: سلب السلطة التقديرية للقاضي في تحديد العقاب في بعض الاحيان:

قد يقوم المشرع بتحديد عقوبة واحدة للجريمة المرتكبة ليس للقاضي عند توافر شروط نص التجريم ان يحكم بغير هذه العقوبة او ان ينزل بها او يرتفع بها. كما فعل المشرع العراقي في المادة (406/1) من قانون العقوبات العراقي النافذ التي نصت على ان ((يعاقب بالاعدام من قتل نفسا عمدا في احدى الحالات التالية: أ- اذا كان القتل مع سبق الاصرار والترصد)).

فبموجب هذه المادة ليس للقاضي ان يحكم بغير الاعدام عند توافر القتل عمدا مع سبق الاصرار او الترصد وبهذا فلا سلطة تقديرية له في مجال العقاب وان كان له سلطة في تكييف الواقعة المرتكبة ومثالها في قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ
المادة (298) الخاصة بحد السرقة حيث نصت على ان ((كل من سرق نصاب وتوافرت في فعله شروط الحد تقطع يده اليمنى من الرسغ حداً فاذا ارتكب جريمة مماثلة بعد ذلك تقطع رجله اليسرى من الكعب فاذا ارتكب ذات الجريمة بعد ذلك يستبدل بالقطع الحبس مدة لا تجاوز خمسة عشر سنة واذا تعدد الفاعلون للسرقة اقيم الحد على كل واحد منهم بصرف النظر عما ساهم به في السرقة)).

يتبين من خلال هذا النص ان القاضي اليمني ليس له سلطة تقديرية في تحديد عقاب السارق اذا ما توافرت شروط السرقة وبهذا فان عدم منح سلطة تقديرية هو امر يتفق مع مبدأ شرعية التجريم والعقاب.

ثانيا: عدم تعارض التدرج الكمي للعقوبة مع المبدأ:

فعلى الرغم من ان المشرع قد ترك للقاضي سلطة تقديرية لتحديد مقدار العقوبة في هذا النظام كما اسلفنا الا ان القاضي يظل مقيداً بالحد الاعلى او الحد الادنى الثابت بنص التجريم والعقاب ومن ثم فان القاضي لم يقض بعقوبة جديدة وانما قضى بعقوبة قد قررها المشرع سلفا وبهذا فانه لا تعارض بين السلطة الممنوحة للقاضي في حالة التدرج الكمي للعقوبة وبين مبدأ الشرعية وهذا ما ذهب اليه المشرع العراقي في المادة (407) من قانون العقوبات العراقي النافذ التي نصت على ان ((يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنين او بالحبس مدة لا تقل عن سنة الأم التي تقتل طفلها حديث العهد بالولادة اتقاء للعار اذا كانت قد حملت به سفاحا)).

فالظاهر من خلال هذا النص ان القاضي له ان يحكم بالسجن عشر سنوات او بالحبس مدة لا تقل عن سنة او باي عقوبة بين هذين الحدين دون ان يكون له السلطة بالحكم مدة اقل من سنة او اكثر من عشر سنين. ويجد هذا الامر تطبيق له في قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ في المادة 131 الخاصة بجرائم الاعتداء على الدستور والسلطات الدستورية حيث نصت على ان ((يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات كل من توصل او شرع في التوصل بالعنف او التهديد او أي وسيلة اخرى غير مشروعة الى :1- الغاء او تعديل او ايقاف الدستور او بعض نصوصه. 2- تغيير او تعديل تشكيل السلطة التشريعية او التنفيذية او القضائية او منعها من مباشرة سلطتها الدستورية او الزامها باتخاذ قرار معين)) فيظهر من هذا النص ان ليس للقاضي الجنائي اليمني ان يفرض عقوبة الحبس مدة تزيد على عشر سنوات او ان يفرضها باقل من ثلاث سنوات التزاما منه بالخط التشريعي الذي حدده المشرع سلفا ضمن نص المادة (131) وبهذا فانه لا تعارض بين نظام التدرج الكمي للعقوبة وبين مبدأ الشرعية.

ثالثا: عدم تعارض نظام العقوبات التخييرية مع المبدأ:

على الرغم من ان للقاضي في هذا النظام حرية اختيار العقوبة الملائمة للمجرم الا ان القاضي لا يستطيع ان يقرر عقوبة جديدة غير تلك المحددة في النص العقابي، اذ يمكن للقاضي ان يفرض عقوبة السجن المؤبد او المؤقت على من قتل نفسا عمدا طبقا لما قررته المادة (405) من قانون العقوبات العراقي النافذ وليس للقاضي ان يقرر عقوبة اخرى غيرها كأن يفرض عقوبة الحبس مثلا كما يجد هذا الامر تطبيقه في قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ في المادة (223) منه الخاصة باخفاء الفارين والتي نصت على ان ((يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة اشهر او بالغرامة كل من اخفى بنفسه او بواسطة غيره احد الفارين من الخدمة العسكرية)) فعلى الرغم من ان القاضي اليمني مخير بين عقوبة الحبس او الغرامة وتطبق اكثرها ملائمة مع شخصية الجاني الا انه لا يستطيع فرض عقوبة اخرى غير عقوبة الحبس او الغرامة كعقوبة الجلد مثلا.



رابعا: عدم تعارض التخفيف او التشديد الاستثنائيين للعقوبة مع المبدأ:

فعلى الرغم من ان للقاضي عند توافر هذه الاسباب ان ينزل بالعقوبة الى ما دون حدها الادنى المقرر للجريمة او ان يتجاوز الحد الاعلى المقرر لها فان هذا الامر لا بد ان يكون مقيدا بحدود معينة ينص عليها القانون، كشرط عدم تجاوز ضعف الحد الاقصى للعقوبة او بشرط عدم تجاوز مدة السجن المؤقت في أي حال عن خمس وعشرين سنة على وفق ما قررته المادة (136) من قانون العقوبات العراقي النافذ التي نصت ((اذا توافر في جريمة ظرف من الظروف المشددة يجوز للمحكمة ان تحكم على الوجه الاتي: 1- اذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المؤبد جاز الحكم بالاعدام. 2- اذا كانت العقوبة السجن المؤقت او الحبس جاز الحكم باكثر من الحد الاقصى للعقوبة المقررة للجريمة بشرط عدم تجاوز ضعف هذا الحد على ان لا تزيد مدة السجن المؤقت في أي حال عن خمس وعشرين سنة ومدة الحبس على عشر سنوات)). ويظهر عدم التعارض بين تشديد العقوبة او تخفيفها مع مبدأ الشرعية مما جاء في المادة (220) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ الخاصة بجريمة التخلف عن اداء خدمة الدفاع الوطني الإلزامية فعلى الرغم من اعتبار القيام بالتخلف في زمن او في حالة استدعاء الاحتياط العام ظرفا مشددا يمكن للقاضي ان يعاقب المتخلف عنه بالحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات بدلا من الخمس سنوات الا انه لا يستطيع ان يفرض عقوبة الحبس بما زاد عن العشر سنوات كما انه لا يستطيع ان يفرض عقوبة اشد من الحبس كعقوبة الاعدام تطبيقا لما حدده المشرع من قيد على سلطة القاضي في التشديد اذ نصت هذه المادة على ان ((أ- كل يمني ارتكب جريمة التخلف عن اداء خدمة الدفاع الوطني الالزامية يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات. ب- اذا كان التخلف في زمن او في حالة استدعاء الاحتياط العام يعاقب المتخلف بالحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات)).

كما يظهر عدم تعارض تخفيف العقوبة في قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ في المادة (109) التي نصت على ان (( ..... اذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي الاعدام واقترنت بظرف مخفف طبق القاضي عقوبة الحبس بحد اعلى يتجاوز خمس عشرة سنة وبحد ادنى لا يقل عن خمس سنوات)).

فعلى الرغم من ان القاضي له سلطة في التخفيف بموجب هذه المادة الا ان هذا التخفيف قد قيده المشرع بحدين اعلى وادنى لا يستطيع القاضي تجاوزهما وهذا ينسجم مع مقتضيات مبدأ الشرعية.

خامسا: عدم تعارض ايقاف تنفيذ العقوبة مع المبدأ :

اذ يمنح هذا النظام للقاضي سلطة تعليق تنفيذ العقوبة على شروط معينة يجب على الجاني ان يلتزم بها ومن هذا المنطلق فان هذا النظام لا يتعارض مع مبدأ شرعية التجريم والعقاب لان القاضي ملزم بالشروط المحددة سلفا في التشريع ولا يستطيع ان يحيد عن تطبيقها اذ نصت المادة (144) من قانون العقوبات العراقي النافذ على ان ((للمحكمة عند الحكم في جناية او جنحة بالحبس مدة لا تزيد على سنة ان تأمر في الحكم نفسه بايقاف تنفيذ العقوبة اذا لم يكن قد سبق الحكم على المحكوم عليه عن جريمة عمدية ورأت من اخلاقه وماضيه وسنة وظروف جريمته ما يبعث على الاعتقاد بانه لن يعود الى ارتكاب جريمة جديدة .....)) كما نص في المادة (145) من القانون ذاته على ان ((للمحكمة عند الامر بايقاف التنفيذ ان تلزم المحكوم عليه بان يتعهد بحسن السلوك خلال مدة ايقاف التنفيذ ....)) كما قررت في المادة (146) على ان ((تكون مدة ايقاف التنفيذ ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ الحكم)).

ومن خلال استقراء النصوص السابقة يتبين جملة القيود التي وضعها المشرع العراقي لتحقيق ايقاف تنفيذ العقوبة فإذا ما اراد القاضي ان يميل الى تطبيق هذا النظام فعليه ان يتبع ويلتزم بتلك القيود. هذا وقد عرف قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ نظام وقف التنفيذ بموجب المادة (118) منه والتي نصت على ان ((للقاضي عند الحكم بالغرامة او الحبس مدة لا تزيد على سنة ان يامر بوقف تنفيذ العقوبة اذا تبين من فحص شخصية المحكوم عليه وظروف جريمته ما يبعث على الاعتقاد بانه ليس يعود الى ارتكاب جريمة اخرى... ويكون وقف تنفيذ العقوبة لمدة سنتين من تاريخ الحكم النهائي واذا انقضت هذه المدة دون ان يتوافر سبب من اسباب الغاء وقف التنفيذ اعتبر الحكم كان لم يكن)) ( [2]).

ومن خلال كل ما سبق يظهر ان مبدأ شرعية التجريم والعقاب قد اثر وبشكل واضح على دور القاضي سواء في التجريم او في العقاب، فاما دوره في التجريم فانحصر في تكييف الواقعة المرتكبة بانها جريمة ووصف هذه الجريمة بوصف قانوني معين ولم يكن له أي دور في ايجاد نصوص التجريم فضلت هذه الاخيرة من اختصاص المشرع.

وقد اثر ايضا مبدأ الشرعية على سلطة القاضي في تحديد العقاب فظهر ان القاضي مطبق للنص مع امكانية ان تكون له سلطة تقديرية تنسجم ومبدأ الشرعية اذ لا يستطيع هذا القاضي ان يفرض عقوبة لم يرد بشانها نص ولا ان يتنازل عقوبة بغير الطريقة المحددة من قبل المشرع.
الفصل الرابع

العوامل المؤثرة في المبدأ
وضمانات تطبيقه



بعد ان تم تحديد شامل لماهية مبدأ الشرعية وتحديد النتائج المترتبة عليه سواء في مجال التجريم والعقاب فان هذا المبدأ كغيره من المبادئ التي تحكم سير الدول يتأثر بعوامل عديدة توسع او تضيق من نطاقه وقد يصاحب هذه العوامل ظرف عادي وفي بعض الاحيان ظرف استثنائي قد يصل تأثيره الى تهديد كيان الدولة ووجودها وهنا تظهر الحاجة الماسة الى وسيلة بيد الافراد لابقاء مبدأ الشرعية ضمن المدى الذي يحقق ضمان حرياتهم وحقوقهم التي ما قرر المبدأ الا لصونها وحمايتها ومن ثم عدم التوسع في التجريم والعقاب او التضييق بصورة تؤدي الى خرق هذا المبدأ تحت ذريعة تأثير هذه العوامل لكي نعرف كيف نحمي مبدأ الشرعية ( [1]). وبغية ايضاح كل ذلك كان لزاما ان نبحث تلك العوامل لاثبات اثرها على مبدأ الشرعية اتساعا او ضيقا ثم نتكلم عن الضمانات التي تحقق التطبيق السليم لمبدأ الشرعية.
المبحث الاول
العوامل المؤثرة في المبدأ



يهدف كل نظام حكم الى تحقيق اهداف سياسية واقتصادية واجتماعية في المجتمع الذي يمارس فيه سلطته السياسية مستعينا بالقانون وسيلة لتنظيم وسائل تحقيق هذه الاهداف ومن هنا كان لهذه الاهداف دور مؤثر في مبدأ الشرعية من حيث مضمونه والنتائج المترتبة عليه. فما هو تأثير هذه العوامل على نطاق التجريم والعقاب؟.. للوقوف على حقيقة تأثير هذه العوامل لا بد من التمييز بين تأثير العوامل تحت ظرف عادي وتأثيرها تحت ظرف استثنائي يهدد كيان الدولة ووجودها ومن هذا المنطلق سوف يتم تقسيم هذا المبحث على مطلبين يتم تخصيص الاول لدراسة تأثير العوامل في الظرف العادي على نطاق التجريم والعقاب وفي الاخر تأثير تلك العوامل على نطاق التجريم والعقاب في الظرف الاستثنائي.
المطلب الاول
نطاق التجريم والعقاب في الظرف العادي



تتنوع الاهداف التي يبغي المشرع تحقيقها عند ممارسة التجريم والعقاب فهي اما ان تكون سياسية او اقتصادية او اجتماعية فقد نص المشرع العراقي ودعما للجانب السياسي في المادة (156) من قانون العقوبات العراقي النافذ ((يعاقب بالاعدام من ارتكب عمدا فعلا بقصد المساس باستقلال البلاد او وحدتها او سلامة اراضيها وكان الفعل من شانه ان يؤدي الى ذلك)).

كما نص المشرع اليمني في المادة (125) من قانون الجرائم والعقوبات النافذ ((يعاقب بالاعدام كل من ارتكب فعلا بقصد المساس باستقلال الجمهورية او وحدتها او سلامة اراضيها ويجوز الحكم بمصادرة كل او بعض امواله)).

ومن خلال استقراء النصين السابقين يتضح دور العامل السياسي في التجريم حيث تمثل باعتباره فعل الاعتداء على استقلال الجمهورية جريمة كما يظهر تأثير العامل السياسي في العقاب من خلال العقوبة التي فرضت على مرتكب الفعل وهي عقوبة شديدة تمثلت بالاعدام على ان هناك اختلاف في منهج المعالجة الذي اتبعه كلٌ من المشرع اليمني من جهة والمشرع العراقي من جهة اخرى وهذا يتضح من اشتراط العمد بصورة صريحة في التشريع العراقي وعدم اشتراطه بتلك الصورة عند المشرع اليمني.

ويظهر اختلاف المنهج في اشتراط المشرع العراقي ان يكون الفعل المرتكب من شانه ان يؤدي الى الاعتداء على سلامة البلاد في حين لم يشترط المشرع اليمني هذا الامر وكان الاولى به ان يشترطه ضمانا لحريات الافراد.

كما اضاف المشرع اليمني عقوبة اخرى غير عقوبة الاعدام وجعلها جوازية تمثلت بمصادرة كل او بعض اموال الجاني وكان الاولى به ان يحدد معيارا لسلطة القاضي في هذا الامر لان عقوبة المصادرة سوف تمس باثرها ورثة الجاني بعد اعدامه، في حين لم ينص المشرع العراقي على هذا الحكم ضمن نص المادة (156) سالفة الذكر وتحت تأثير العامل السياسي المتمثل في الحفاظ على امن الدولة الخارجي فقد نص المشرع العراقي في المادة (158) من قانون العقوبات العراقي النافذ على ان ((يعاقب بالاعدام او السجن المؤيد كل من سعى لدى دولة اجنبية او تخابر معها او مع احد ممن يعملون لمصلحتها للقيام باعمال عدائية ضد العراق قد تؤدي الى الحرب او الى قطع العلاقات السياسية او دبر لها الوسائل المؤدية الى ذلك)).

كما نص المشرع اليمني وتحت تأثير العامل السياسي ايضاً في المادة (128) من قانون الجرائم والعقوبات النافذ على ان ((يعاقب بالاعدام : 1- كل من سعى لدى دولة اجنبية او احد ممن يعملون لمصلحتها او تخابر معها او معه وكان من شان ذلك الاضرار بمركز الجمهورية الحربي او السياسي او الدبلماسي او الاقتصادي.....))

من خلال استقراء النصين السابقين يبدو جليا تأثير العامل السياسي على نطاق التجريم بوصفه السعي او الاتصال مع دولة اجنبية للقيام باعمال عدائية جريمة يعاقب عليها بالاعدام ضمن التشريع اليمني او بالاعدام او السجن المؤبد ضمن التشريع العراقي.

- وتحت تأثير العامل الاقتصادي او رد المشرع العراقي عددا من النصوص التي تهدف الى حماية مصالح اقتصادية من ذلك نص المادة (465) من قانون العقوبات العراقي النافذ التي نصت على ان ((يعاقب بالحبس وبغرامة لا تزيد على الف دينار او باحدى هاتين العقوبتين من اقرض اخر نقودا باي طريقة بفائدة ظاهرة او خفية تزيد على الحد الاقصى المقرر للفوائد الممكن الاتفاق عليها قانونا وتكون العقوبة السجن المؤقت بما لا يزيد على عشر سنوات اذا ارتكب المقرض جريمة مماثلة للجريمة الاولى خلال ثلاث سنوات من تاريخ صيرورة الحكم الاول نهائيا)) وعلى اثر العامل الاقتصادي فقد نص المشرع اليمني على جريمة الربا في المادتين (314) و (315) فنصت المادة (314) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ على ان ((كل قرض جر منفعة فهو ربا ولا يعد كذلك غرامة المطالبة للتأخير بعد المطل ولا ما لحق الدائن من المصاريف بقدر اجرة المثل التي يسمح بها القانون)) ونصت المادة (315) من القانون نفسه على ان ((يعاقب المقرض بالربا بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات او بالغرامة)).. من خلال استقراء النصوص السابقة يظهر تأثير العامل الاقتصادي على نطاق التجريم فجرم فعل الاقراض بالفائدة وعوقب فاعله (المرابي) بالحبس او الغرامة على ان اختلاف منهج كل من المشرع اليمني والعراقي كان واضحا في اطلاق التجريم لكل فعل اقراض بفائدة من قبل المشرع اليمني وتحديد فعل الاقراض بفائدة تزايد على الحد الاقصى المقرر للفوائد قانونا عند المشرع العراقي.

وكان الاجدر بالمشرع العراقي ان لا يتخذ هذا المنهج لانه قد جوز الاقراض بفائدة اذا كانت ضمن الحد القانوني.

ويبدو ان اختلاف منهج المشرع اليمني والعراقي في هذا المجال كان انعكاسا لاختلاف منهج السياسة الاقتصادية لكل من الدولتين باعتماد اليمن على الشريعة الاسلامية مطلقا واعتماد العراق على الشريعة الاسلامية والقانون الوضعي.

ويظهر اختلاف منهج المشرع اليمني من جهة والمشرع العراقي من جهة اخرى في اعتبار ارتكاب المقرض في القانون العراقي لجريمة الربا مرة ثانية ظرف مشدد يوجب الحكم بالسجن المؤقت مدة لا تزيد على عشر سنوات.

في حين لم ينص على هذا التشديد في قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ. كما يظهر تأثير السياسة الاقتصادية على نطاق التجريم والعقاب من خلال تقرير مسؤولية الاشخاص المعنوية الجزائية لما تمارسه هذه الاشخاص من دور فعال في المجال الاقتصادي فقررت المادة (80) من قانون العقوبات العراقي النافذ على ان ((الاشخاص المعنوية فيما عدى مصالح الحكومة ودوائرها الرسمية وشبه الرسمية مسؤولة جزائيا عن الجرائم التي يرتكبها ممثلوها او مديروها او وكلاؤها لحسابها او باسمها ولا يجوز الحكم عليها بغير الغرامة والمصادرة والتدابير الاحترازية المقررة للجريمة قانونا فاذا كان القانون يقرر للجريمة عقوبة اصلية غير الغرامة ابدلت بالغرامة ولا يمنع ذلك من معاقبة مرتكب الجريمة شخصيا بالعقوبة المقررة في القانون)).

وقد جاء في المادة (1) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ ((الاشخاص الاعتبارية تشمل الشركات والهيأت والمؤسسات والجمعيات التي تكتسب هذه الصفة وفقا للقانون وتأخذ حكم الاشخاص الطبيعية بالنسبة للجرائم المنصوص عليها في هذا القانون ويكتفي في شانها بالعقوبات التي يمكن تطبيقها عليها)).

وبهذا يتضح اختلاف المنهج في معالجة مسؤولية الشخص المعنوي بين كل من قانون العقوبات العراقي النافذ من جهة وقانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ من جهة اخرى من خلال مساواة المشرع اليمني للاشخاص المعنوية العامة والاشخاص المعنوية الخاصة على خلاف ما ذهب اليه المشرع العراقي من استثناء الاشخاص المعنوية العامة من نطاق المسؤولية الجزائية.

وكان على المشرع اليمني ان ينص على هذا الاستثناء في قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ لان الاشخاص المعنوية العامة تهدف الى تحقيق الصالح العام وبالتالي لا يجوز مساءلتها جزائيا خوفا من عرقلة ما تقدمه من خدمات عامة.

- وقد مارس العامل الاجتماعي تأثيره كسابقيه على نطاق التجريم والعقاب فقد نصت المادة (386) من قانون العقوبات العراقي النافذ على ان ((يعاقب بغرامة لا تزيد على عشرة دنانير من وجد في طريق عام او محل عام او محل مباح للجمهور في حالة سكر بين بان فقد صوابه او احدث شغبا او ازعاجا للغير)).

ونصت المادة (283) من قانون الجرائم العقوبات اليمني النافذ على ان ((يعاقب بالجلد ثمانين جلدة حدا كل مسلم بالغ عاقل شرب خمرا فاذا شربها في محل عام جاز تعزيره بعد اقامة الحد بالحبس مدة لا تزيد على سنة)).. ومن خلال استقراء النصين السابقين يظهر تأثير العامل الاجتماعي على نطاق التجريم فجرم فعل السكر كما يظهر تأثير هذا العامل في نطاق العقاب بان فُرض على من يرتكب عقوبة جزائية لما تشكله حالة السكر من خطورة اجتماعية وحالة مستهجنة من قبل افراد المجتمع وعلامة سلبية في غير ان منهج المشرع العراقي يختلف عن منهج المشرع اليمني اذ جرم المشرع العراقي السكر في طريق او محل عام واشترط فيمن يتعاطى المسكر ان يفقد صوابه او يحدث شغبا او ازعاجا للغير بمعنى انه لو تعاطى المسكر في غير الاماكن العامة او انه تعاطاها في هذه الاماكن دون ان يفقد صوابه او دون ان يزعج الاخرين فلا يعد فعله جريمة على عكس ما ذهب اليه المشرع اليمني الذي جرم شرب الخمر مطلقا وشدد في عقوبة من يشربها في محل عام.

كما ان المشرع اليمني ميز في الحكم بين المسلم وغير المسلم فاشترط في الاخير ان يشربها علانية في احكام لم يوردها المشرع العراقي.

لذا ندعو المشرع العراقي الى الاخذ بما ذهب اليه المشرع اليمني في قانون الجرائم والعقوبات بهذا الخصوص عملاً باحكام الشريعة الاسلامية الغراء وما توفره من استقرار في حياة المجتمع.

ويظهر تأثير العامل الاجتماعي في نص المادة (377) من قانون العقوبات العراقي النافذ التي جرمت الزنا في حدود معينة فقد نصت ((1- تعاقب بالحبس الزوجة الزانية ومن زنا بها ويفترض علم الجاني بقيام الزوجية ما لم يثبت من جانبه انه لم يكن في مقدوره بحال العلم بها. 2- ويعاقب بالعقوبة ذاتها الزوج اذا زنا في منزل الزوجية)).

كما نصت المادة (263) من قانون الجرائم العقوبات اليمني النافذ ((الوطء المعتبر زنا هو الوطء في القبل ويعاقب الزاني والزانية في غير شبهة او اكراه بالجلد مائة جلدة حدا ان كان غير محصن ويجوز للمحكمة تعزيره بالحبس مدة لا تجاوز سنة واذا كان الزاني او الزانية محصنا يعاقب بالرجم حتى الموت)).

فعلى الرغم من ان كلا النصين قد جرما وعاقبا على فعل الزنى الا ان منهج المشرع العراقي قيد الزنى المعتبر جريمة والموجب للعقاب هو زنى الزوجة وايضا قيد التجريم والعقاب على من يمارس الزنى مع الزوجة ان يكون عالما بقيام الزوجية فان ثبت انه لا يعلم ان الزانية هي زوجة لم يعد فعله جريمة ولا عقاب عليه.

كما انه قيد التجريم وعقاب الزوج بان يكون قد زنى في منزل الزوجية فان زنى في غير هذا المكان فان فعله لا يعد جريمة ولا عقاب عليه كما يفهم من نص المادة (377) العراقية سابقة الذكر انه اذا حدث الزنى بين امرأة غير متزوجة وبين رجل ما برضاهما لا تعد جريمة الزنى قائمة ولا عقاب على فعلهما على خلاف ما جاء به المشرع اليمني الذي اطلق التجريم والعقاب على الزانية والزاني اذا تحقق الوطء بالشروط المحددة في المادة (263) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني سالفة الذكر ولهذا ندعو المشرع العراقي للاخذ بما جاء به المشرع اليمني من اجل معالجة فعالة لهذه الجريمة.

هذا وقد يورد المشرع بتأثير عوامل معينة انماطاً من الجرائم لا توجد في قوانين اخرى كما هو الحال في قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ الذي اورد جريمة اطلق عليها (جريمة الرق) على وفق المادة (248) منه والتي نصت على ان ((يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات اولا: كل من اشترى او باع او اهدى او تصرف باي تصرف كان في انسان. ثانيا: كل من جلب الى البلاد او صدر منها انسانا بقصد التصرف فيه)).

كما نص في المادة (268) على جريمة اطلق عليها (السحاق) فقد نصت هذه المادة على ان ((السحاق هو اتيان الانثى للانثى وتعاقب كل من تساحق غيرها بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات فاذا وقع الفعل باكراه يجوز ان يمتد الحبس الى سبع سنوات)).

كما اورد المشرع اليمني في المادة (259) جريمة اطلق عليها (الردة) فنصت على ان ((كل من ارتد عن دين الاسلام يعاقب بالاعدام بعد الاستتابة ثلاثا وامهاله ثلاثين يوما ويعتبر رده الجهر باقوال او افعال تتنافى مع قواعد الاسلام واركانه عن عمد او اصرار فاذا لم يثبت العمد او الاصرار وابدى الجاني التوبة فلا عقاب)).

ان النصوص السابقة لا تجد نظيراً لها في قانون العقوبات العراقي النافذ وكان النص عليها ضمن قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ بتأثير العامل الديني المتمثل بوجوب تطبيق احكام الشريعة الاسلامية بعد تقنينها بوصفها مبدءاً يقوم عليه المجتمع اليمني. لذا نهيب بالمشرع العراقي بالنص على هذه الجرائم وعدم اغفاله اياها لكي لا تخرج من نطاق التجريم والعقاب لما لها من تأثير سلبي على امن المجتمع واستقراره.
[ يـــا إبــن ادم لا تـظـلـمــن إذا مـا كـنـت مـقـتـدرا
فـالــظــلـم يـرجـع عـقـبـاه إلــــــى الـــنـــدم
تـنـام عـيـنـاك والمـظـلـوم مـنـتـبـه
يـدعـو عـلـيـك وعـيـن الله لـم تـنـم]
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية نقيب المحامين27
نقيب المحامين27
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 10-05-2009
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 148
  • معدل تقييم المستوى :

    16

  • نقيب المحامين27 is on a distinguished road
الصورة الرمزية نقيب المحامين27
نقيب المحامين27
عضو فعال
رد: ¦¦๑¦¦ مذكرة ماجستير: مبدأ شرعية التجريم والعقاب ...
26-06-2009, 06:36 PM
المطلب الثاني

نطاق التجريم والعقاب في الظروف الاستثنائية



تتخلل مسار الدول لتنظيم شؤونها ازمات تؤثر على سياستها الداخلية والخارجية اذ اصبح مرور الدولة بهذه الازمات سمة لهذا العصر فتؤثر على كيانها ووجودها فكان لا بد للهيأت في الدولة ان تمنح الوسائل الكافية لموجهة هذه الازمة اذ تجد الهيأت في الدولة نفسها عاجزة عن مواجهة خطر الازمة اذا ما لجأت الى استخدام الوسائل العادية لحفظ الامن والنظام ورد الخطر والاذى عن مواطنيها فتظهر الحاجة الى وسائل جديدة تستطيع من خلالها تلافي الاثر السلبي للازمة ومن هنا ظهرت فكرة المشروعية الاستثنائية وهي اكثر اتساعا من المشروعية العادية من حيث انها تمنح لهيأت الدولة اختصاصات وسلطات جديدة تضاف الى اختصاصاتها وسلطاتها المقررة في المشروعية العادية، ولا يعد الركون الى مبدأ المشروعية الاستثنائية حيلة قانونية لاضفاء صفة المشروعية على اعمال هيأت الدولة الاستثنائية لان المشروعية الاستثنائية ترتكز على مبدأ قانوني هو (حق الدفاع الشرعي) فالاجراءات الاستثنائية في القانون العام تماثل حق الدفاع الشرعي في القانون الخاص ( [1] ) .

وهيأت الدولة تظل محكومة بما جاء في الدستور حتى وان مارست المشروعية الاستثنائية وهذا ما تؤكده المادة (121) من دستور جمهورية اليمن الحالي التي نصت ((يُعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ بقرار جمهوري على الوجه المبين في القانون ويجب دعوة مجلس النواب لعرض هذا الاعلان عليه خلال سبعة الايام التالية للاعلان فاذا كان مجلس النواب منحلاً ينعقد المجلس القديم بحكم الدستور فاذا لم يدع المجلس للانعقاد او لم تعرض عليه في حالة انعقاده على النحو السابق زالت حالة الطوارئ بحكم الدستور وفي جميع الاحوال لا تعلن حالة الطوارئ الا بسبب قيام الحرب او الفتنة الداخلية او الكوارث الطبيعية ولا يكون اعلان حالة الطوارئ الا لمدة محدودة ولا يجوز مدها الا بموافقة مجلس النواب)).

كما نصت المادة (62) من دستور جمهورية العراق لعام 1971 النافذ على ان ((يمارس مجلس الوزراء الصلاحيات التالية: ز- اعلان حالة الطوارئ الكلية او الجزئية وانهاؤها وفقا للقانون)) كما نصت المادة (43) من الدستور العراقي الحالي على ((يمارس مجلس قيادة الثورة باغلبية عدد اعضائه الصلاحيات التالية: ب- اعلان التعبئة العامة جزئيا او كليا واعلان الحرب وقبول الهدن وعقد الصلح)).

ومن خلال استقراء النصوص السابقة يتضح السند الدستوري لتطبيق المشروعية الاستثنائية... فما هو اثر المشروعية الاستثنائية على التجريم والعقاب بوصفهما محوري مبدأ الشرعية؟

للاجابة على هذا السؤال سوف يتم بحث اثر الحرب، والفتن الداخلية، والكوارث والازمة الاقتصادية.

اولا: الحرب:

لقد عرفتها المادة (189) من قانون العقوبات العراقي النافذ التي نصت في الفقرة الثانية منها على ان ((يراد بحالة الحرب حالة القتال الفعلي وان لم يسبق اعلان الحرب وحالة الهدنة التي يتوقف فيها القتال ويعتبر في حكم حالة الحرب الفترة التي يحدث فيها خطر الحرب متى انتهت فعلا بوقوعها)). ولم يورد المشرع اليمني في قانون الجرائم والعقوبات تعريفا لحالة الحرب كما فعل المشرع العراقي وكان حرياً به ان ينص على ذلك.

غير ان المشرع اليمني وان كان لم يات بتعريف للحرب الا انه اورد مواد عديدة في قانون الجرائم والعقوبات النافذ ميزت في التجريم والعقاب بين ارتكاب الفعل في زمن الحرب وبين ارتكابه في زمن السلم ومنها نص المادة (222) الخاصة بجريمة الهرب من الخدمة في القوات المسلحة الذي قرر ((كل فرد من افراد القوات المسلحة هرب من الخدمة في القوات المسلحة في زمن السلم يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبالحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات في زمن الحرب)).

كما يظهر تأثير حالة الحرب فيما اوردته المادة (220) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ التي نصت على ان ((أ- كل يمني ارتكب جريمة تخلف عن اداء خدمة الدفاع الوطني الالزامية يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات. ب- اذ كان التخلف في زمن او في حالة استدعاء الاحتياط العام يعاقب المتخلف بالحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات. ج- يعاقب بذات العقوبة الواردة في الفقرة (ب) كل شخص تخلف او رفض القيام بما يقتضيه واجبه او ما كلف به اثناء التعبئة العامة)).

يظهر من الفقرة (ج) من هذه المادة ان نطاق التجريم توسع فشمل كل شخص بعد ان كانت الفقرة (أ) منها مخصصة لكل يمني.

كما انها وسعت من نطاق التجريم بعد ان كانت متعلقة بجريمة التخلف عن اداء خدمة الدفاع الوطني الالزامية اصبحت في الفقرة (ج) منها شاملة لكل الواجبات التي تفرض على الاشخاص في حالة التعبئة العامة.

كما يظهر هذا التأثير فيما قررته المادة (224) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ التي نصت على ان ((يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات كل فرد من افراد القوات المسلحة امتنع عن تنفيذ امر رئيسه او تعمد تنفيذه على وجه سيء او ناقص واذا وقعت الجريمة في مجابهة العدو كانت العقوبة الحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات)).

كما يتايد هذا التأثير من خلال نص المادة (226) التي ميزت في العقوبة بين من يرتكب جريمة مقاومة رئيسة في تنفيذ الواجبات العسكرية في غير اوقات المواجهة مع العدو وبين عقوبة من يرتكب هذه الجريمة في اثناء مواجهة العدو اذ نصت على ان ((يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات من قاوم رئيسه باي طريقة في تنفيذ الواجبات العسكرية ويحكم بالحبس الذي لا يجاوز عشر سنوات اذا اقترنت المقاومة باستعمال السلاح او التهديد باستعماله او ارتكبت من عدد من الاشخاص او افضت الى نتائج خطيرة ويجوز الحكم بالاعدام او الحبس الذي لا يزيد على خمس عشرة سنة اذا تسبب عن المقاومة موت رئيسه او أي شخص اثناء تادية وظيفته العسكرية او وقعت الجريمة اثناء مواجهة العدو هذا ويظهر تأثير حالة الحرب على التجريم والعقاب في ظل التشريع العراقي من خلال ما قررته المادة (444) من قانون العقوبات النافذ المتعلقة بجريمة السرقة وضمن الفقرة العاشرة منها التي نصت على ان ((اذا ارتكبت اثناء الحرب على الجرحى حتى من الاعداء.....)).

وكذلك قرار مجلس قيادة الثورة المرقم 1133 في 2/9/1982 والمنشور في الوقائع العراقية في العدد 2902 في 20/9/1982 الذي شددت بموجبه عقوبة مرتكبي جرائم السرقة المنصوص عليها في المادتين (444) و (445) فجعلتها عقوبة الاعدام بدلا عن عقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات او بالحبس تحت تأثير مرور العراق بحالة حرب مع ايران. والقرار رقم 58 لعام 1982 والمنشور في الوقائع العراقية رقم 2868 لعام 1982 والتي عاقبت بالسجن المؤبد كل من يثبت قيامه بتهريب امواله الى خارج العراق لغرض الاستثمار.

كما يظهر تأثير حالة الحرب على نطاق التجريم والعقاب ما قرره قرار مجلس قيادة الثورة المرقم 1370 والمنشور في جريدة الوقائع العراقية بعدد 2974 لعام 1983 والذي فرض عقوبة الاعدام لجرائم الهروب الى جانب العدو او الهروب من الخدمة العسكرية او التخلف عنها او التامر على الدولة، كما قرر عقوبة الاعدام على كل من يثبت تعامله بتهريب العملات العراقية او الاجنبية او الذهب مع (العدو الفارسي) وذلك بموجب قرار مجلس قيادة الثورة العراقي رقم 313 والمنشور في الوقائع العراقية بعدد 2986 لعام 1984، كما قرر مجلس قيادة الثورة في قراره المرقم 930 والمنشور في الوقائع العراقية برقم 3128 ان يعتبر ظرفا مشددا للجريمة المنصوص عليها في المادة (393) من قانون العقوبات والخاصة بمواقعة انثى بغير رضاها او لاط بذكر او انثى بغير رضاه اذا كان من وقعت عليه الجريمة ممن يعيلهم المقاتل او من المقيمين معه في دار واحد وكل هذه القرارات تبرز تأثير التجريم والعقاب بحالة الحرب.

ثانيا: الفتن الداخلية:

اذ تؤثر هذه الفتن على نطاق التجريم والعقاب فنلاحظ ان المشرع اليمني في قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ قد عاقب على إثارة او الشروع في إثارة الحروب الاهلية والعصيان المسلح وقضت المادة (132) منه على ان ((يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنوات: 5- كل من اثار او شرع في اثارة حرب اهلية فقام بتوزيع السلاح على طائفة من السكان او دعاها الى حمله لاستعماله ضد طائفة اخرى)).

كما نص في المادة (194) على ان ((يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات او بالغرامة: ثانيا – من حرض علنا على ازدراء طائفة من الناس او تغليب طائفة وكان من شان ذلك تكدير السلم العام)).

كما قررت المادة (136) تجريم إذاعة اخبار لغرض تكدير الامن العام او القاء الرعب بين الناس بما يكون سببا لحدوث فتن داخلية فنصت على ان ((يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات كل من اذاع اخبارا او بيانات او اشاعات كاذبة او مغرضة او أي دعاية مثيرة وذلك بقصد تكدير الامن العام او القاء الرعب بين الناس او الحاق ضرر بالمصلحة العامة)).

فكل هذه النصوص قررت تجريم افعال والمعاقبة عليها لتجنب حدوث الفتن والحروب الداخلية لما تلحقه هذه الحروب من ضرر بالغ بحياة المجتمع في كافة جوانبه ولهذا نجد ان قانون العقوبات العراقي النافذ قد عاقب على اثارة الحروب الاهلية والاقتتال الطائفي ايضا اذ نصت المادة (195) منه على ان ((يعاقب بالسجن المؤبد من استهدف اثارة حرب اهلية او اقتتال طائفي وذلك بتسليح المواطنين او يحملهم على التسلح بعضهم ضد البعض الاخر او بالحث على الاقتتال وتكون العقوبة الاعدام اذا تحقق ما استهدفه الجاني)).

ثالثا: الكوارث:

تعرف الكوارث بانها (وضع خطير قد نشأ اما بفعل الطبيعة كالفيضانات والزلازل واما بفعل الانسان كالحرائق مثلا) ( [2] ) وشكلت الكوارث كالعوامل السابقة اثرا واضحا في نطاق التجريم والعقاب اذ قررت المادة (141) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن خمس عشرة سنة اذا نتج عن وضع المواد السامة او الضارة كارثة تتمثل في تعطيل أي مرفق عام او ضرر جسيم بالاموال او حدوث عدد من الاصابات الجسيمة كما قررت المادة (321) من القانون نفسه تشديد العقاب على من يرتكب جرائم الاضرار بالاموال اذ ما ارتكب في وقت هياج او فتنة او كارثة فنصت على ان ((يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة او بالغرامة من هدم او خرب او اعدم او اتلف عقارا او منقولا او نباتا غير مملوك له او جعله غير صالح للاستعمال او اضر به او عطله باي كيفية وتكون العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات اذا اقترفت الجريمة بالقوة او التهديد او ارتكبها عدد من الاشخاص او وقعت في وقت هياج او فتنة او كارثة او نشأ عنها تعطيل مرفق عام ....)).

وانطلاقا من ضرورة حماية وجود الدولة وضرورة مواجهة الكوارث فقد اهتم قانون العقوبات العراقي النافذ بتحقيق حماية المجتمع والافراد عن طريق تثبيت الامن خصوصا عند حدوث الكوارث فقد اعتبر الكوارث ظرفا مشددا لجريمة السرقة على وفق ما قررته المادة (444) الفقرة السابعة منها والتي نصت على ان ((اذا انتهز الفاعل لارتكاب السرقة فرصة قيام حالة هياج او فتنة او حريق او غرق سفينة او اية كارثة اخرى)).

كما قرر القانون ذاته في المادة (370) الخاصة بجريمة الامتناع عن الاغاثة ما نصه
((1-يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة اشهر وبغرامة لا تزيد على خمسين دينارا او باحدى هاتين العقوبتين كل من امتنع او توانى بدون عذر في تقديم معونة طلبها موظف او مكلف بخدمة عامة مختص عند حصول حريق او غرق او كارثة اخرى. 2- ويعاقب بالعقوبة ذاتها من امتنع او توانى بدون عذر عن اغاثة ملهوف في كارثة او مجني عليه في جريمة)).

كما قررت المادة (478) من قانون العقوبات العراقي النافذ الخاصة بجرائم التخريب والاتلاف في الفقرة الثالثة منها على ان ((واذا انتهز الفاعلون لارتكاب الجريمة فرصة قيام هياج او فتنة او كارثة فتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنين)).

كما ان المشرع قد جرم افعالا من شانها ان تؤدي الى حدوث كارثة من ذلك ما قررته المادة (342/1) من قانون العقوبات العراقي النافذ التي نصت على ان ((يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس عشرة سنة كل من اشعل النار عمدا في مال منقول او غير منقول ولو كان مملوكا له اذا كان من شان ذلك تعريض حياة الناس او اموالهم للخطر.....)).

وقد صدر قرار لمجلس قيادة الثورة في العراق برقم 15 لسنة 1992 الخاص بخدمات اغاثة المنكوبين من جراء الحرب والكوارث الطبيعية من خلاله الزم جمعية الهلال الاحمر وفروعها بوضع خطة مبرمجة لتامين مستلزمات اغاثة المنكوبين وتقديم الخدمات لضحايا الحرب والكوارث من المدنيين ومنها الخدمة الطبية وقرر في البند الخامس منه الفقرة ل - بان ((يعاقب المخالف لاحكام هذا القرار وفق القوانين النافذة)).

رابعا: الازمة الاقتصادية:

قد تمر الدولة بهذه الازمة نتيجة لعوامل داخلية تتعلق بعملية ادارة السوق وتداول السلع والخدمات والاوراق المالية او لعوامل خارجية تتعلق بعلاقة الدولة مع غيرها من الدول في المجال الاقتصادي وللدولة عند مرورها بهذه الازمة ان تتخذ كافة الاجراءات التي تضمن لها حسن مواجهة الظرف الاقتصادي الصعب ونجد ان في التجربة العراقية تحت وطأة الحصار الاقتصادي قرارات عديدة صدرت عن مجلس قيادة الثورة في العراق لمواجهة ما نجم عن الحصار من ازمة اقتصادية فقد قرر هذا المجلس بالقرار رقم 315 لسنة 1990 والمنشور في الوقائع العراقية بعدد 3320 في 13/8/1990 تجريم فعل الاحتكار للمواد الغذائية لاغراض تجارية وعده عملا تخريبيا يمس كيان الامن الوطني والقومي ومعاقبة مرتكبه بالاعدام ومصادرة امواله المنقولة وغير المنقولة.

كما قرر هذا المجلس بالقرار المرقم 365 في 5/9/1990 والمنشور في الوقائع العراقية بالعدد 3324 في 10/9/1990م عقوبة السجن مدة لا تقل عن خمس عشرة سنة ومصادرة الاموال المنقولة وغير المنقولة لكل من امتنع عن بيع سلعة بسعرها المحدد او باعها بسعر يزيد على السعر المحدد من دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي او المختلط او اية جهة مخولة صلاحية التسعير وكل من تعاطى البيع او الشراء او التوسط في اية صفقة خلافا لاحكام قانون تنظيم التجارة ذي الرقم 20 لسنة 1970 المعدل او الشراء بالمواد المحضور التعامل بها بالقطاع الاشتراكي او الممنوع المتاجرة بها لغير المجازين المسجلين كما عاقب كل من حرض او ساعد او اتفق مع الحدث على ارتكاب تلك الجرائم.

ونظراً للاستقرار النسبي في الاقتصاد اليمني مقارنة بالاقتصاد العراقي في ظل الحصار الاقتصادي فان التجربة اليمنية جاءت خلوا من مثل هذه التطبيقات العراقية.

وبعد هذا الاستعراض للعوامل المؤثرة على نطاق التجريم والعقاب يتبين لنا كيف يتاثر نطاقهما اتساعا وتشديدا بحسب العوامل المؤثرة العادية والاستثنائية، مما يعني تاثر مبدأ الشرعية بها على اعتبار ان التجريم والعقاب يدوران حول محور واحد هو مبدأ شرعية التجريم والعقاب،.. وهذا يتطلب ايجاد الضمانات اللازمة لتطبيق هذا المبدأ بالاتجاه السليم والذي يحقق لهذا المبدأ نتائجه.. ولهذا فسوف يتم بحث هذه الضمانات ضمن المبحث الثاني من هذا الفصل.
المبحث الثاني
ضمانات تطبيق المبدأ



مما لا شك فيه ان مجرد النص على مبدأ شرعية التجريم والعقاب سواء كان ذلك في صلب الدستور او القانون العادي او حتى في الاتفاقيات الدولية لا يكون كافيا لضمان تطبيقه ومن ثم جني ثماره، اذ لا بد من وجود وسيلة نتمكن من خلالها من ضمان تطبيق هذا المبدأ وتتجسد هذه الوسيلة بما يعرف (بالرقابة) فما هي الرقابة؟ وكيف نضمن حسن تطبيق مبدأ الشرعية؟ للحديث عن هذا الامر سوف يتم تقسيم هذا المبحث على ثلاثة مطالب يخصص الاول منها للرقابة السياسية والثاني للرقابة القضائية والثالث للضمانات الدولية لتطبيق هذا المبدأ.
المطلب الاول
الرقابة السياسية ضمانة لتطبيق المبدأ



تعرف الرقابة السياسية بانها (اناطة مهمة الرقابة الى هيأة سياسية من اجل التحقق من مدى مطابقة احكام القانون للدستور) ( [1] ) . كما عرفت ايضا بانها (الرقابة التي تقوم بها هيأة سياسية نص الدستور عليها وعلى اختصاصها بالرقابة) ( [2] ) .

والرقابة السياسية تنصب على التحقق فيما اذا كان مشروع قانون ما يخالف او يناقض الدستور فهي رقابة وقائية لانها تمارس على القانون المراد اصداره وقد اختلفت الدساتير في بيان الهيأة التي تتولى هذه الرقابة فاما ان تعهد هذه الرقابة الى هيأة متخصصة للنظر في دستورية مشروعات القوانين كما هو الحال في دستور الجمهورية الرابعة الفرنسية الصادر عام 1946 واما ان تعهد مهمة الرقابة الى هيأة متخصصة تمارس عدة اختصاصات من بينها ممارسة الرقابة على دستورية القوانين وهذا ما حدث في الدستور الفرنسي لعام 1799.

وتمتاز هذه الرقابة بان تحريكها يعود الى من يساهمون في تحضير القوانين فان اثيرت قضية دستورية مشروع القانون فان عملية تشريعه لن تستمر اذا ما ثبت مخالفة المشروع للدستور وهذا ما قرره دستور عام 1958 الفرنسي في المادة (61) منه التي نصت على ان ((يجوز لرئيس الجمهورية او الوزير الاول او رئيس الجمعية الوطنية او رئيس مجلس الشيوخ ان يطلب قبل موافقة رئيس الجمهورية على مشروع القانون من المجلس الدستوري ان ينظر في دستورية مشروع القانون)) ( [3] ) .

هذا وقد يتم تشكيل هذه الهيأة اما عن طريق التعيين سواء من قبل السلطة التنفيذية ام من قبل السلطة التشريعية واما عن طريق الانتخاب وقد يتم اختيار اعضاء هيأة الرقابة من قبل هيأة الرقابة ذاتها ومن هنا يمكن ضمان تطبيق مبدأ شرعية التجريم والعقاب عن طريق هذه الرقابة فاذا ما كان مشروع القانون المزمع اصداره مخالفاً لما يقرره مبدأ الشرعية بوصفه مبدأ دستورياً فانه يمكن اثارة عدم دستورية هذا المشروع ومن ثم الحيلولة دون اصداره فنحافظ على مبدأ الشرعية ونضمن تطبيقه.

الا ان هذه الرقابة قد اثير بشأنها انتقاد تمثل في ان اعطاء الرقابة الى هذه الهيأة قبل اكتمال التشريع انما هو تدخل في صنع القوانين ومن ثم فان هيأة الرقابة هذه ستصبح القابض الحقيقي والسيد المطلق في الدولة اذ على ارادتها وعلى المعنى الذي تعطيه لهذه الارادة يتوقف مصير العملية التشريعية ( [4] ) .

وللرقابة السياسية اجهزة متعددة تتمثل في الاتي ( [5] ) :

اولا: البرلمان: اذ تاخذ اغلب البرلمانات بفكرة تشكيل اللجان البرلمانية التي تختص بموضوعات معينة حيث تُرسل اليها كل مشروعات واقتراحات القوانين ومن ثم فهي تستطيع ان تبت في مدى اتفاق هذه المشروعات مع الدستور فاذا ما كانت هذه المشروعات مخالفة لما يقرره مبدأ الشرعية بينت هذه اللجان البرلمانية رايها في عدم دستورية هذه المشروعات.

ثانيا: الراي العام: نتيجة للتطور الحاصل داخل الجماعات الانسانية في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ظهرت تجمعات هدفها الدفاع عن شرعية القوانين وحسن سير الادارة في اعمالها فاصبحت معبرا حقيقيا عن ارادة الشعب بما يعرف بالراي العام فاذا ما صدر قانون يخالف مبدأ الشرعية في مضمونه او في نتائجه قامت هذه الجماعات كالاحزاب والنقابات والاتحادات بمهمة التصدي لهذا القانون غير الدستوري مستعينة بوسائل الاعلام المختلفة من صحف يومية او وسائل مسموعة او مرئية فتدعو الى الغاء هذا القانون غير الدستوري.

غير ان هذه الرقابة تبقى محصورة في مشروعات القوانين دون القوانين النافذة، فاذا فرض ان صدر قانون يخالف مضمون او نتائج مبدأ الشرعية فانه لا يمكن اللجوء الى هذه الرقابة لانها سوف تكون غير فعالة ولهذا فهناك نوع اخر من الرقابة هو الرقابة القضائية.
[ يـــا إبــن ادم لا تـظـلـمــن إذا مـا كـنـت مـقـتـدرا
فـالــظــلـم يـرجـع عـقـبـاه إلــــــى الـــنـــدم
تـنـام عـيـنـاك والمـظـلـوم مـنـتـبـه
يـدعـو عـلـيـك وعـيـن الله لـم تـنـم]
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية نقيب المحامين27
نقيب المحامين27
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 10-05-2009
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 148
  • معدل تقييم المستوى :

    16

  • نقيب المحامين27 is on a distinguished road
الصورة الرمزية نقيب المحامين27
نقيب المحامين27
عضو فعال
رد: ¦¦๑¦¦ مذكرة ماجستير: مبدأ شرعية التجريم والعقاب ...
26-06-2009, 06:37 PM
المطلب الثاني
الرقابة القضائية ضمانة لتطبيق المبدأ



وتعني الرقابة القضائية على دستورية القوانين (ان البت في مصير قانون ما من حيث كونه يخالف او لا يخالف الدستور يعود الى هيأة قضائية أي الى محكمة) ( [1] ) كما عرفت بانها (هي الرقابة التي يقوم بها القضاء سواء كان ذلك بواسطة المحاكم العادية او محكمة مخصصة للرقابة) ( [2] ) حيث يتمتع القضاء بالحياد والاستقلال وتوفر ضمانات مهمة تحقق حسن سير القضاء كما فعل دستور جمهورية اليمن الحالي في المادة (147) بالنص على ان ((القضاء سلطة مستقلة قضائيا وماليا واداريا .....)) كما نص على هذا المبدأ دستور جمهورية العراق لعام 1970 وذلك في المادة (63/أ) التي نصت على ((القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون)) اذ يجب ان يستقل القضاء في ممارسته لاختصاصه عن الهيأة التنفيذية فلا تتدخل هذه الاخيرة في ترقية القضاة مثلا او في امكانية عزلهم او نقلهم كما يجب ان تستقل الهيأة القضائية عن الهيأة التشريعية بان لا تتدخل الاخيرة في قضية مطروحة امام القضاء او ان تنتقد حكما قضائيا او ان تعطله ( [3] ) .

لقد عرفت الاتجاهات الدستورية نوعين من الرقابة القضائية ( [4] ) فالاولى سميت بـ (رقابة امتناع) حيث يمتنع القاضي عن تطبيق القانون غير الدستوري في نزاع يعرض عليه فليس لحكمة الامتناع اثر الا بين المتخاصمين دون غيرهم، ولا يؤدي امتناع القاضي عن تطبيق القانون غير الدستوري الى انها الوجود القانوني له وقد تكون الرقابة القضائية على دستورية القوانين (رقابة الغاء) اذ يطعن بعدم دستورية القانون في هذا النوع من الرقابة امام محكمة مختصة فاذا تبين للمحكمة صحة الطعن وثبت لها عدم دستورية القانون عمدت الى الغائه فيسري حكم الالغاء على الجميع وليس في مواجهة الخصوم فقط فيؤدي ذلك الى انهاء الوجود القانوني للنص وبالتالي الغاء النص الذي اصدرته الهيأة التشريعية ولهذا فان هذا النوع من الرقابة يمتاز بخطورته لذلك فان اغلب الاتجاهات الدستورية التي اخذت بهذا النوع جعلت مهمة الرقابة معقودة بمحكمة واحدة دستورية وقد اخذ بهذا الاتجاه دستور جمهورية اليمن النافذ بنص المادة (151) التي نصت على ان ((المحكمة العليا للجمهورية هي اعلى هيأة قضائية ويحدد القانون كيفية تشكيلها ويبين اختصاصاتها والاجراءات التي تُتّبع امامها وتمارس على وجه الخصوص في مجال القضاء ما يلي: أ- الفصل في الدعاوى والدفوع المتعلقة بعدم دستورية القوانين واللوائح والانظمة والقرارات)).

كما اخذ بهذا الاتجاه دستور العراق الصادر في 21 ايلول عام 1968 بموجب المادة (87) منه وكما فعل دستور سوريا لعام 1950 وعام 1953 ودستور عام 1973 ( [5] ) ... فاذا ما حدث وان صدر قانون يخالف مضمون مبدأ الشرعية او احدى نتائجه فانه يمكن الطعن بعدم دستورية هذا القانون امام المحكمة الدستورية المختصة ولكن من له حق الطعن؟

يختلف الطاعن بعدم دستورية القوانين تبعا لاختلاف نوع الرقابة القضائية فاذا كانت رقابة الغاء فان غالبية الدساتير لم تعطي حق الطعن للافراد بل قصرته على بعض هيأت الدولة كما فعل دستور العراق الصادر 1968 الذي اسند مهمة تحريك الرقابة الى جهات حكومية لا الى الافراد اذ حددت المادة الرابعة من قانون تكوين المحكمة الدستورية العليا رقم 159 والمنشور في الوقائع العراقية بعدد 1653 في 2 كانون الاول 1968 ان الجهات التي لها حق الطعن امام المحكمة الدستورية العليا هي رئيس الجمهورية، رئيس الوزراء، وزير العدل، الوزير المختص واخيرا محكمة تمييز العراق ( [6] ) .

اما الطاعن في ظل دستور جمهورية اليمن فيلاحظ من خلال قانون السلطة القضائية رقم [1] لسنة 1990 الذي نص في الفصل الثاني من الباب الثاني الخاص بدرجات المحاكم وتشكيلها واختصاصاتها بيانا للمحكمة العليا فعرفتها المادة (10) منه ((المحكمة العليا هي اعلى هيأة قضائية في الجمهورية ومقرها العاصمة صنعاء)).

ونص في المادة (12) منه على ان ((تمارس المحكمة العليا المهام التالية: 1- الرقابة على دستورية القوانين واللوائح والانظمة)).

كما نص في المادة (19) منه ((تفصل الدائرة الدستورية فيما يلي: أ- الرقابة على دستورية القوانين واللوائح والانظمة والقرارات وذلك بطريق الفصل في الطعون التي ترفع اليها بعدم دستورية القوانين واللوائح والانظمة والقرارات سواء عن طريق الدعوى المبتدأة او الدفع)).

ومن جملة هذه النصوص يمكن القول بان للافراد ان يقدموا طعنا بعدم الدستورية وذلك اما مباشرة بدعوى امام المحكمة العليا / الشعبة الدستورية حيث يكون الخصم في هذه الدعوى هو القانون ذاته المطعون فيه بعدم الدستورية.

كما يكون للافراد الطعن بعدم دستورية القوانين عن طريق الدفع الفرعي امام أي من المحاكم المختصة حيث ترفع هذه الاخيرة هذا الطعن الى المحكمة العليا للبت في دستورية القانون ومن ثم اصدار قرارها على ضوء ذلك.

ونعتقد ان في اعطاء الافراد حق الطعن امام المحكمة الدستورية انما يشكل ضمانة لاحترام نصوص الدستور وحماية اوفر لمبدأ الشرعية اما اذا كانت رقابة امتناع فان الطاعن فيها هم الاطراف في الدعوى سواء أكانت جزائية او مدنية فيقدم الخصوم فيها دفعا بان القانون المراد تطبيقه هو قانون غير دستوري فتفحص المحكمة دستورية هذا القانون وتصدر قراراها على ضوء ذلك ( [7] ) .

ونعتقد ضرورة اعمال كل من الرقابتين لضمان تطبيق مضمون مبدأ الشرعية ونتائجه وعلى هذا الاساس لا بد من تعزيز عناصر الرقابة السياسية وزيادة تفعيل دور الافراد والاحزاب والتجمعات الاجتماعية المختلفة في تحقيق التوافق بين القوانين وبين مبدأ شرعية التجريم والعقاب ويكون ذلك عن طريق رفع مستوى الوعي السياسي والثقافي لهذه التجمعات وضرورة اعتبار ما تقدمه من اقتراحات واراء في العملية التشريعية او في مضمون التشريع كما لا بد من الاخذ بالرقابة القضائية لما توفره من مواجهة فعالة للقانون غير الدستوري بعد صدوره ولما توفره الرقابة من رأي ملزم ومؤثر في القانون ذاته غير الدستوري على ان تكون هذه الرقابة رقابة الغاء امام هيأة خاصة تتكون من اعضاء بعضهم من البرلمان والبعض الاخر من القضاة على ان يكونوا من ذوي الخبرة والحياد والكفاءة ومن ثم نضمن عدم اعلوية القضاء على الهيأة التشريعية فيما اذا كانت هذه الهيأة مكونة من القضاة فقط ولهذا ندعو المشرع اليمني للاخذ بهذا الاسلوب عند تشكيله لمحكمة دستورية مستقلة.

كما ندعو المشرع العراقي الى تشكيل محكمة دستورية عليا على وفق الاسلوب نفسه وذلك للبت في دستورية القوانين لما تشكله هذه المحكمة من ضمانة لتطبيق المبادئ الدستورية ومنها مبدأ شرعية التجريم والعقاب.
المطلب الثالث
الضمانات الدولية لتطبيق المبدأ



سبقت الاشارة الى صيرورة هذا المبدأ مبداً دوليا ( [1] ) نظمته اتفاقيات دولية منها الاتفاقية الدولية في شان الحقوق المدنية والسياسية التي سبقت الاشارة اليها، ومن هنا يظهر التساؤل الاتي:

ما هي الضمانات التي يمكن من خلالها الزام الدول بالاخذ بهذا المبدأ وما يترتب عليه من نتائج فيما اذا نص عليه في الاتفاقيات الدولية؟ يمكن اجمال هذه الضمانات بنوعين اولها عام والاخر خاص.

اولا: الضمانات الدولية العامة:

لقد عرف القانون الدولي مبدأ مهماً يتعلق بالمعاهدات الدولية هو مبدأ الالتزام الصارم وبحسن نية في تنفيذ الالتزامات التعاقدية الدولية من قبل جميع اعضاء الاسرة الدولية فقد ثبت هذا المبدأ في ميثاق منظمة الامم المتحدة بموجب الفقرة الثانية من المادة الثانية من ميثاق الامم المتحدة.

كما ورد هذا المبدأ في المادة (26)،(27) من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات الدولية. وجاء ذكر هذا المبدأ ضمن اعلان مبادئ القانون الدولي لعام 1970 الخاص بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول استنادا لميثاق منظمة الامم المتحدة بالنص ((كل دولة ملزمة بتنفيذ التزاماتها التي اخذتها على نفسها بحسن نية استناداً لميثاق منظمة الامم المتحدة .....)) ( [2] ) . وانطلاقا من هذا المبدأ يمكن ضمان تطبيق ما ورد في المعاهدات الدولية وما استقر عليه العرف الدولي وذلك لان هذا المبدأ يجعل تصرفات الدول وسياساتها متناسبة مع القواعد الدولية سواء أكانت مكتوبة ام عرفية عن طريق التزام الدول بالاخذ بما ورد فيها.

وعلى هذا فاذا كان ما ورد في النص الدولي هو مضمون مبدأ شرعية التجريم والعقاب ونتائجه وجب على الدول الالتزام به طبقا لمبدأ احترام المعاهدات الدولية.

وينبري لنا سؤال اخر بخصوص هذا الموضوع يتمثل بالسند القانوني الذي يلزم الدول غير الموقعة على المعاهدة بالالتزام بما ورد فيها؟ بمعنى لو فرضنا وجود اتفاقية بين دول معينة واحتوت هذه الاتفاقية على ما قرره مبدأ شرعية التجريم والعقاب فهل تلزم الدول الاخرى بما ورد بهذه الاتفاقية؟

يسمي الفقه هذه الدول التي لم تكن طرفا في المعاهدة (بالدول الثالثة) ( [3] ) ولغرض بيان التزامات الدولة الثالثة بما ورد في المعاهدات لا بد من ملاحظة الاتي:

1- ان من الضروري معرفة هل ان هذه الدولة الثالثة هي عضو في الامم المتحدة ام لا؟ فان كانت عضواً في الامم المتحدة فانها ملزمة بما يرد في المعاهدة من التزامات طالما كانت هذه المعاهدات موقعة ضمن ميثاق الامم المتحدة على ما نصت عليه الفقرة (2) من المادة الثانية من ميثاق الامم المتحدة ((لكي يكفل اعضاء الهيأة لانفسهم جميعا الحقوق والمزايا المترتبة على صفة العضوية يقومون في حسن نية بالالتزامات الواردة التي اخذوها على انفسهم بهذا الميثاق)).

وبهذا فان الدول الاعضاء في الامم المتحدة ملزمة بالاخذ بما ورد بالاتفاقيات المبرمة في ظل هذا الميثاق.

2- اما اذا لم تكن الدولة الثالثة عضوا في منظمة الامم المتحدة فلا بد من معرفة موضوع الاتفاقية المبرمة فاذا كان موضوعها متعلقا بحفظ السلم والامن الدوليين سرت على الدولة الثالثة وان لم تكن عضوا في الامم المتحدة طبقا لما قررته الفقرة (6) من المادة الثانية من الميثاق التي نصت على ان ((تعمل الدول على ان تسير الدول غير الاعضاء فيها على هذه المبادئ بقدر ما تقتضيه ضرورة حفظ السلم والامن الدولي)) ومن هنا يظهر تأثير موضوع المعاهدة على سريانها.

3- فاذا لم يكن موضوع الاتفاقية متعلقا بالسلم والامن الدوليين فان ما ورد في القاعدة المذكورة في المعاهدة الدولية يمكن ان تصبح ملزمة للدولة الثالثة على اعتبار ان ما ورد في القاعدة الدولية المكتوبة يمكن ان يعد مبدأ عرفيا من مبادئ القانون الدولي ومن ثم فهي ملزمة للغير بهذا الاعتبار ( [4] ) وهذا ما نعتقده بالنسبة للسند القانوني الذي يلزم الدولة الثالثة بمبدأ شرعية التجريم والعقاب الوارد في الاتفاقيات الدولية.

ثانيا: الضمانات الدولية الخاصة:

لقد اصدرت الجمعية العامة للامم المتحدة الاتفاقية الدولية في شأن الحقوق المدنية والسياسية بقرارها المرقم 2200 اثناء اجتماعاتها في دور الانعقاد العادي الحادي والعشرين بتاريخ 16 من ديسمبر عام 1966 ودخلت هذه الاتفاقية حيز التنفيذ طبقا لحكم المادة (49) منها اعتبارا من 15 يوليو 1967، وصدرت اعترافا لكرامة الانسان وصيانةً لحقوق المدنية والسياسيةتعزيزا للاحترام العالمي لحقوق الانسان وحرياتهم ومراعاتها ( [5] ) . وقد تضمنت هذه الاتفاقية نصا احتوى على مضمون مبدأ شرعية التجريم والعقاب بقولها في المادة التاسعة منها ((.... كما لا يجوز حرمان احد من حريته على اساس من القانون وطبقا للاجراءات المقررة فيه)).

وضمانا لتنفيذ ما جاء في هذه الاتفاقية فقد تشكلت بموجب المادة (28) من الاتفاقية لجنة لحقوق الانسان تضم ثمانية عشر عضواً من بين مواطني الدول الاطراف في هذه الاتفاقية من ذوي الصفات الاخلاقية العالية والمشهود باختصاصهم في ميدان حقوق الانسان منتخبين بطريقة الاقتراع السري بعد ان يتم ترشيحهم من قبل الدول الاطراف في هذه الاتفاقية حيث ينتخب اعضاء اللجنة لمدة اربع سنوات ويجوز ان يعاد انتخابهم عند ترشيحهم على ان يلتزم الامين العام للامم المتحدة بتزويد اللجنة بما يلزمها من الموظفين والتسهيلات التي تمكنها من اداء اعمالها بشكل فعال وتصدر اللجنة قراراتها باغلبية اصوات الاعضاء الحاضرين على ان يكون النصاب القانوني للجنة متكونة من اثني عشر عضوا ( [6] ) وتتولى اللجنة دراسة التقارير المقدمة لها من الدول الاطراف وتحيل تقاريرها بعد دراستها وما تراه مناسبا من التعليقات مع نسخ من التقارير التي استلمتها من الدول الى المجلس الاقتصادي والاجتماعي. غير ان الدور الرقابي المهم الذي تمارسه هذه اللجنة يتمثل بما قررته المادة (41) من هذه الاتفاقية والمتمثل باختصاص اللجنة في استلام التبليغات التي تتضمن ادعاءات دولة طرف بان دولة اخرى لا تقوم باداء التزاماتها بموجب هذه الاتفاقية بما في ذلك مسألة شرعية التجريم والعقاب فتعرض اللجنة مساعيها الحميدة على الدول المعنية املا في الوصول الى حل ودي على اساس احترام حقوق الانسان وحرياته الاساسية المقررة في هذه الاتفاقية ويجوز للجنة ان تطلب من الدول المعنية ان تزودها باي معلومات تتصل باي موضوع محال اليها ويجوز للجنة عند عدم التوصل الى حل يرضي الدول المعنية ان تعين لجنة توفيق خاصة تسمى (بلجنة التوفيق) طبقا لما قررته المادة (42) من الاتفاقية تعرض هذه اللجنة مساعيها الحميدة على الدول الاطراف المعنية لتسوية المسألة ودياً فاذا لم يتم التوصل الى حل فتقدم هذه اللجنة تقريرا يضم كافة الوقائع المتصلة بالمسائل القائمة بين الدول المعنية كما يشمل وجهات نظرها حول امكانية التوصل الى حل ودي وعلى الدول المعنية ان تخطر رئيس لجنة الحقوق الانسانية خلال ثلاثة اشهر من تاريخ استلامها لذلك التقرير وتبلغه فيما اذا كانت موافقة ام لا على محتويات تقرير لجنة التوفيق، على ان لجنة حقوق الانسان ملزمة بموجب المادة (45) من الاتفاقية على تقديم تقرير سنوي عن نشاطاتها الى الجمعية العامة للامم المتحدة بواسطة المجلس الاقتصادي والاجتماعي.

وانطلاقا من نص الفقرة الاولى من المادة (13) من ميثاق الامم المتحدة فان على الجمعية العامة القيام بدراسات وتوصيات تستهدف الاعانة على تحقيق حقوق الانسان والحريات الاساسية للناس كافة كما تنص المادة (62) في الفقرة الثانية منها ان للمجلس الاقتصادي والاجتماعي ((ان يقدم توصيات فيما يختص باشاعة احترام حقوق الانسان والحريات الاساسية ومراعاتها)) ( [7] ) ، وبهذا فان ما تقوم به لجنة حقوق الانسان واللجنة التوفيقية من اعداد تقارير عن المسائل المشار اليها سابقا يصبح توصيات ملزمة للاعضاء عن طريق تبنيها من قبل الجمعية العامة للامم المتحدة او المجلس الاقتصادي والاجتماعي فيها فتتحقق بذلك ضمانة اكيدة لتطبيق ما ورد في المادة التاسعة من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية سابقة الذكر.
[ يـــا إبــن ادم لا تـظـلـمــن إذا مـا كـنـت مـقـتـدرا
فـالــظــلـم يـرجـع عـقـبـاه إلــــــى الـــنـــدم
تـنـام عـيـنـاك والمـظـلـوم مـنـتـبـه
يـدعـو عـلـيـك وعـيـن الله لـم تـنـم]
  • ملف العضو
  • معلومات
algopary
عضو جديد
  • تاريخ التسجيل : 02-07-2009
  • المشاركات : 4
  • معدل تقييم المستوى :

    0

  • algopary is on a distinguished road
algopary
عضو جديد
رد: ¦¦๑¦¦ مذكرة ماجستير: مبدأ شرعية التجريم والعقاب ...
02-07-2009, 10:39 PM
الف شكر لك
بارك الله فيك
من مواضيعي
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية حنان الاوراس
حنان الاوراس
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 16-06-2009
  • العمر : 41
  • المشاركات : 196
  • معدل تقييم المستوى :

    15

  • حنان الاوراس is on a distinguished road
الصورة الرمزية حنان الاوراس
حنان الاوراس
عضو فعال
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية نقيب المحامين27
نقيب المحامين27
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 10-05-2009
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 148
  • معدل تقييم المستوى :

    16

  • نقيب المحامين27 is on a distinguished road
الصورة الرمزية نقيب المحامين27
نقيب المحامين27
عضو فعال
رد: ¦¦๑¦¦ مذكرة ماجستير: مبدأ شرعية التجريم والعقاب ...
11-07-2009, 08:10 PM
بالتوفيق ان شاء الله
[ يـــا إبــن ادم لا تـظـلـمــن إذا مـا كـنـت مـقـتـدرا
فـالــظــلـم يـرجـع عـقـبـاه إلــــــى الـــنـــدم
تـنـام عـيـنـاك والمـظـلـوم مـنـتـبـه
يـدعـو عـلـيـك وعـيـن الله لـم تـنـم]
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 03:51 PM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى