تجربتي...في طريق الالتزام والتدين
07-11-2012, 08:58 AM
اطلعت في أحد الكتب على جانب من تجربة الأستاذ أحمد الشقيري في طريق الالتزام والتدين، فأعجبني صدقه وطرحه المتزن ونظرته الوسطية للدين لذلك أحببت أن أشاطركم ما قرأت عنه، وأشير أن الأستاذ أحمد الشقيري هو داعية واعلامي معد ومقدم للعديد من الحصص التلفزيونية، متحصل على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال عن جامعة كاليفورنيا، حيث يقول في موضوعه ما يلي:
"يقول عليه الصلاة والسلام: (إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق)
مع الأسف هناك الكثير من الشباب –وأنا كنت واحدا منهم- لم نوغل في هذا الدين برفق، وانما تحمسنا –ومع الحماس والواحد كان يريد أن يعوض تقصيره- فأوغلنا لكن ليس برفق بل باندفاع، وهذا التوغل في الدين بالاندفاع يؤدي إلى عواقب وخيمة، وقد يؤدي إلى فهم خاطئ للدين...لذلك أقدم لكم عصارة تجربتي في طريق الالتزام...سأقدم لكم خمسة محاذير أتمنى من كل شاب وفتاة أراد أن يسير على طريق الالتزام والتدين أن يحذر من هذه الأمور حتى يكون التزامه وتدينه وسطيا صحيحا وسليما.
قال صلى الله عليه وسلم: (هلك المتنطعون –قالها ثلاثا- وهم: المتعمقون المتشددون)
1-إذا وجدت نفسك بعد تدينك أصبحت تفتي من عندك فاحذر...
الفتوى تحتاج إلى علم عميق في اللغة العربية، وفي فقه الأولويات وفقه الواقع والقرآن الكريم والحديث...فهي بحاجة إلى علوم كثيرة تحتاج إلى سنين وسنين...فليس كل من قرأ كتاب يستطيع أن يفتي... وعليه؛ فينبغي على من سار حديثا على درب الالتزام والتدين أن يحذر من الإفتاء، بل إن كل ما يستطيعون القيام به في هذه المرحلة هو نقل كلام العلماء، وفي هذه أيضا محاذير يجب أن ينتبه لها كحُسن اختيار العلماء الذين ينقل عنهم.
شروط اختيار العالم الذي تستفتيه:
أ)أن يكون العالم قد اطلع على المذاهب الأربعة: وهذه –بالنسبة لي- أهم صفة في اختيار العالم، أي أن يكون العالم مطلع على المذاهب الأربعة...فنحن لا نريد عالما حافظا واحد أو جزء واحد من مذهب واحد فقط، فيفتي به...لأن ذلك يضيق على الناس ويسبب التشدد.
ب)على العالم أن يكون على اطلاع بفقه الواقع، كيفية تحقيق مناط المسائل... وليس عالما تشعر عندما يتحدث أنه منفصل عن الواقع... فعندما يأتي عالم –إلى عهد قريب جدا- ينفي كروية الأرض، مع أن الأمر مثبت علميا بما لا مجال فيه للشك منذ مئات السنين، فكيف تأخذ دينك من هذا الشخص؟ فالدين هو الحياة ومن لم يفهم الحياة لا يؤخذ منه الدين، (صحبت ابن عمر أربعة وثلاثون شهرا فكان كثيرا ما يسأل فيقول لا أدري)
2-إذا وجدت نفسك بدأت تكفر الناس، فتقول: "هذا كافر"، و"هذا مشرك"، و"هذا صوفي"، و"هذا وهابي"، و"هذا من الاخوان"...فاحذر... فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما)، فلماذا أصلا المغامرة في مثل هذه الأمور؟ دع هذه الأمور لله سبحانه وتعالى يحكم فيها يوم القيامة، قال أحد الحكماء: أصعب الأمور أن يعرف الإنسان نفسه، وأسهلها أن يعظ غيره.
3-إذا لاحظت أنك بعد تدينك بدأت تهمل مظهرك وتهمل من شكلك ومن لبسك ومن لحيتك ومن شعرك، فاعلم أن فهمك للدين فيه خلل، إذا كنت تعتقد أن هذه الأمور هي من الزهد، فهذا خلل، فالله جميل يحب الجمال فقد كان يقال أن هناك خمسة أمور كان لا يتركها الرسول صلى الله عليه وسلم في حضر ولا في سفر، ومنها: (السواك –المشط –المكحلة) وكلها أمور لها علاقة بالجمال، فانظروا إلى حرصه صلى الله عليه وسلم، حتى انه كان قبل أن يخرج لأصحابه كان دائما يجلس ويرى نفسه ويصفف شعره لاهتمامه بمظهره، المتدينون المفروض أن يكونوا خير الناس مظهرا، (عليكم من الأعمال ما تطيقون فوالله لا يمل الله حتى تملوا).
4-إذا كان تدينك يجعلك تشعر بأنك خير من باقي الناس، وأنك أصبحت ولي من أولياء الله، وأن كل الناس غيرك عاصيين ومذنبين هالكين وأنت الناجي، فاحذر من أن يكون تدينك مغشوش، المفروض أن التدين يزيد من التواضع، فكلما زاد تدينك زاد تواضعك، وليس الغرور على الناس، لذلك كان لأحد العلماء كلمة رائعة حيث قال: (رُب ذنب أورث ذلا وانكسارا، خير من طاعة أورثت عجبا واستكبارا). إن هذا الكلام معناه: أن تقضي ليلك في ذنب ثم تستيقظ نادما وذليل ومنكسر وتبكي وتشعر أنك أسوء الناس، لا بل تشعر أن كل الناس خير منك، هذا الذنب خير من أنك تقوم كل الليل في الصلاة ثم تستيقظ وتشعر بأنك ضمنت الجنة وتشعر أن كل الناس أسوء منك، وأنت خير منهم وتستكبر عليهم فاحرص أن يكون تدينك عبارة عن تواضع مع خلق الله، قال صلى الله عليه وسلم: (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
5-إذا وجدت أنك بعد تدينك ساءت أخلاقك فاحذر...
فما فائدة التدين الذي يسيء الأخلاق؟؟ لذلك تجد أن أحد تلامذة الامام مالك كان يقول: (صحبت الإمام مالك عشرين سنة، فتعلمت العلم منه في سنة وتعلمت الأدب في تسعة عشر سنة) فالعلم الحقيقي والتدين الحقيقي هو الذي ينعكس إيجابيا على خلق الإنسان."
المصدر: كتاب "رسائل من نور" لكوكبة من علماء ودعاة هذا العصر، صادر عن مؤسسة الفرسان للنشر والتوزيع، الأردن، طبعة 2011.
المصدر: كتاب "رسائل من نور" لكوكبة من علماء ودعاة هذا العصر، صادر عن مؤسسة الفرسان للنشر والتوزيع، الأردن، طبعة 2011.