"لقيط"... تنكر له أولئك الذين أنجبوه
04-04-2014, 08:17 PM
كان جالسا في المقعد خلفي تماما... كنت في الحافلة التي استقلها كل يوم للعودة إلى المنزل.. لم أكن أنوي التنصت مطلقا ولكن حديثة مع صديقه كان يخترق مسامعي دون إذن ولا أنكر أن حديثهما شدني إليه أيما شد.. فذاك كلام لا أجده في صفحات الكتب ولا في صفحات الجرائد والمجلات... كان حديثهما متعلقا بأوضاع البلاد وأشبه ما يكون بحديث المقاهي غير أن مستواهما الثقافي كان يبدوا لي لا بأس به... في الواقع كان أكثر من لا بأس به بكثييير..
قبل أن نصل للمحطة الأخيرة نزل صاحبه وبقي هو.. كان يوجه الحديث بصوت عال ليسمعه الجميع في عبارات على شاكلة.. "ألي يفوطي على بوتفليقة ما يحبش لبلاد".. "باعوها لبلاد"... "وين راهم الدراهم ألي داهم شكيب خليل".. فوجد تجاوبا من بعض الطلبة الذين بدؤوا يتناقشون معه.. ويؤيدون رأيه ويدعمونه بأمثلة وقضايا للفساد مشابهة.. وهو يصحح معلوماتهم تارة ويزيد معلومات أخرى على البعض منها تارة أخرى.. استدرت إليه وشاركتهم في الحوار.. أنا أيضا أدليت ببعض مما لدي وساندتهم في السياق العام الذي كانوا يتحدثون فيه..
عندما نزلنا من الحافلة كان يمشي بجانبي وسألني هل أنت طالبة؟ قلت نعم يا عم، ولكنني أعمل أيضا في الهيئة الفلانية... فأحكم نظره إلي وسألني عن أحد الملفات التي مرت على المؤسسة التي أعمل فيها.. فأجبته بأني على اطلاع بوجود أمر كهذا.. قال أتعلمين.. منذ أيام بعد خروجي من المسجد عقب صلاة الفجر سمعت رجلا يقول لي يا الحاج بالاك اطيح فأجبته بأن لا يقلق فأنا أرى جيدا رغم الظلام الذي كان يلف المكان.. قال فاقترب ذاك الرجل مني أكثر ورفع من نبرة صوته وقال "قتلك عس روحك واعرف وين راك ترمي رجليك..بالاك تطيح.." قال فأعدت عليه نفس الجواب السابق.. حينها "خرجلوا خونا طاي طاي" وقال له بأنه لو لم يكن ابن شهيد لكانوا أخذوه منذ فترة طويلة لذلك عليه أن يحرص على انتقاء الكلام الذي يخرجه من فمه..
المهم واصلنا أطراف الحديث ونحن على الطريق إلى أن أخبرني بأن ابنته تعمل بمؤسسة القضاء الفلانية.... وقال "فالحقيقة دخلتها معريفة" ثم استرسل في الحديث عن وضع الشباب البطال وقال لي أتعلمين يا ابنتي عملت مدة أكثر من 17 سنة كإطار في مؤسسة سونطراك ولم يقبلوا بأن يدخلوا ابني هناك بعد إحالتي على التقاعد.. أتعلمين لقد أفنيت عمري بينهم ولكن عندما يوظفون فإنهم يوظفون أولا حبابهم ومعارفهم.. ابني جامعي ومتحصل على شهادة الليسانس ... قلت له رب يفتح عليه يا عم وعلى كل الشباب بالرزق الحلال.. ودعته وواصلت السير وحدي إلى منزلي... لقد كان أحد الجيران الذين يقطنون في الحي المجاور لحينا.
كان هناك كلام في حلقي وددت أن أصدح به في وجهه ولكنني استحييت منه فقد كان رجلا طاعنا في السن وشعر لحيته ورأسه كله أبيض فامتنعت عن قول ما كنت أريد قوله.. كنت أريد أن أقول له أن الأجدر به وهو ابن شهيد أن يترفع عن حجز مناصب عمل لابنه أو ابنته عن طريق "لكتاف والمعريفة" فإن كان ولده متحصل على شهادة الليسانس فاغلب العائلات الجزائرية لديها شباب بطالون متخرجون من الجامعة وأن سونطراك أو غيرها لا يمكن أن يرثوها هم وعائلاتهم جيلا من بعد جيل وأن العدل يقتضي أن تكون هناك معايير انتقاء تطبق على الجميع والأكفء هو من يتم انتقاؤه وهذا شكل من أشكال محاربة الفساد التي كان يتحدث عنها في سياق كلامه.. أم أنه حلال علينا وحرام عليهم.
كنت أريد أن أقول له أنني لن انسى أبدا صورة ذاك الشاب الذي التقيته يوما "روسوفور" في الحافلة وقد كان من بين ألمع الطلبة الذين درستهم ذات يوم علما وخلقا.. كلماته لا تزال محفورة بداخلي عندما سألته مالذي تفعله هنا؟ قال راني نبريكولي يا أستاذة حتى يفرج ربي.. أليس هذا الفتى جزائريا ويستحق هو الآخر منصب عمل محترم مثله مثل ابنك.
كنت أريد أن أقول له بأن الفساد عندما ينخر جسد أمة ما يبدأ من قادتها وولاة أمرها ويأخذ في الانتشار نزولا إلى أن يعم الكبير والصغير حتى تصبح مظاهره هي الأمر الطبيعي الذي يجب أن يكون وغير الطبيعي أن نلتزم الاستقامة في السعي نحو أرزاقنا ومصالحنا.. اليوم الجزائري عندما يتوجه للمستشفى أول ما يبحث عنه "كاش معريفة" أوليس إن كان الجزائري الأخر الذي يعمل في المستشفى يؤدي عملة بضمير واحترافية وأمانة ما كان الجزائري الأول ليبحث عن "كاش معريفة".. أليس من الواضح أننا قوم يظلم بعضنا بعضنا الآخر.. هذا مثال على سبيل الذكر لا الحصر لأنه في كل مرفق أو ادارة نتجه إليها نجد من يبخسنا حقوقنا فيها.. أليس من الواضح أن الله جل في علاه لن يغير ما فينا من هوان وذل حتى نغير ما بأنفسنا ونصلح من أحوالنا ونحفظ الأمانات التي أوكلت إلينا.. أليس من الواضح بعد أنه كما نكون يولى علينا؟
كنت أريد أن أقول... وأن أقول... وأن أقول له أيضا بأن الواقع "اللقيط" الذي نعيشه هو وضع تشاركنا جميعا في إيجاده ونتبرأ جميعا من وجوده.
اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكنا نسألك اللطف فيه.
من مواضيعي
0 مغلق من أجل الصلاة... كم أشعرتني بالاشمئزاز
0 الآلة الحاسبة العلمية... أداة من أدوات التخلف والجهل
0 إذا لم تكن تعرف عنوانه... فهو يعرف عنوانك (قصة واقعية)
0 حلاقة البرلمان... ليتها صمتت!!!
0 ورشة شروقية لمناقشة التعديلات الدستورية
0 "لقيط"... تنكر له أولئك الذين أنجبوه
0 الآلة الحاسبة العلمية... أداة من أدوات التخلف والجهل
0 إذا لم تكن تعرف عنوانه... فهو يعرف عنوانك (قصة واقعية)
0 حلاقة البرلمان... ليتها صمتت!!!
0 ورشة شروقية لمناقشة التعديلات الدستورية
0 "لقيط"... تنكر له أولئك الذين أنجبوه
التعديل الأخير تم بواسطة قطر.الندى ; 04-04-2014 الساعة 08:23 PM