خطة جديدة لمحاربة أخطبوط الفساد بالمغرب
الأمين الأندلسي- إسلام أون لاين.نت/ 26-4-2005
مهاجرون مغاربة معتقلون في أسبانبا.. ربما كانوا ضحايا لمسئولين يقول الاعلام المغربي إن بعضهم متورط في عمليات الهجرة غير الشرعية
تحت وطأة الضغوط الدولية والداخلية ورحيل بعض المستثمرين الأجانب إلى البلاد المجاورة المنافسة بحثا عن بيئة أفضل لاستثماراتهم أعلنت الحكومة المغربية خطة جديدة تتضمن مجموعة من القوانين والإجراءات الرادعة لمحاربة الفساد الذي استشرى في المؤسسات والإدارات الحكومية.
وقال الناطق الرسمي باسم الحكومة وزير الاتصال (الإعلام) المغربي "نبيل بن عبد الله": "الحكومة وضعت خطة جديدة لمحاربة الفساد" معتبرا -في تصريحات صحفية مطلع الأسبوع الجاري- أن هذه الخطة "ستشجع على الكشف عن الفساد، وستحكم الرقابة على مصادر أموال المسئولين الحكوميين، كما ستعزز الشفافية في مجال المشتريات العامة، وتدقيق الحسابات بالإدارات الحكومية".
وتتضمن الخطة الحكومية مجموعة من القوانين والإجراءات الرادعة منها مراجعة القانون المتعلق بممتلكات المسئولين الحكوميين، وقانون تبييض الأموال، وقانون تنفيذ الأحكام، فضلا عن استحداث هيئة لتتبع قضايا محاربة الرشوة، وقانون للصفقات.
كما أعلنت الحكومة أنها في طريقها إلى التخلص من الموظفين الأشباح، وهم الموظفون الذين يتقاضون رواتبهم دون مزاولة أي عمل أو وظيفة أو بسبب غيابهم المستمر، ويكلفون حزينة البلاد ملايين الدولارات سنويا.
وعود وفساد متزايد
ويقول مراسل "إسلام أون لاين.نت": إن أكبر مشكلة تواجه حكومة الرباط في مسعاها الحالي لمحاربة الفساد هي تدني ثقة المواطنين، فلا ينظر المغاربة بتفاؤل كبير إلى الخطة الحكومية الجديدة.
وقد عكس هذا الرأي ما أدلى به نوعيات مختلفة من المواطنين في استطلاع عشوائي قامت به "إسلام أون لاين.نت" الثلاثاء 26-4-2005، حيث قال الموظف الحكومي "علي الطويل" -33 عاما: "المغاربة تعبوا من سماع هذه الوعود الحكومية المتواصلة منذ عقود بينما الفساد في تزايد كبير".
وتساءلت الخريجة الجامعية، العاطلة عن العمل، "نادية.أ" -27 عاما-عن "ذلك القانون الذي حظي بدعاية واسعة في عهد حكومة الوزير الأول السابق (رئيس الوزراء) عبد الرحمان اليوسفي، والذي كان يستهدف التدقيق في أملاك المسئولين الحكوميين وأقربائهم"، مضيفة أن "الموظفين الأشباح في المغرب الذين يتجاوز عددهم 80 ألفا هم جزء بسيط فقط من ظاهرة الفساد، واختلاس المال العام".
ضغط دولي ومحلي
وجاء إعلان الرباط عن خطتها الجديدة تحت وطأة ضغوط خارجية وداخلية تصاعدت هذا الأسبوع ضد ما أصبح يسمى في المغرب "بأخطبوط الفساد"، والذي صار يقلق الهيئات المالية والمؤسسات الاقتصادية الدولية، والمستثمرين الأجانب، وشرائح واسعة من المجتمع المغربي.
وتقول تقديرات البنك الدولي: "إن خطة محكمة لمحاربة الفساد بالمغرب هي السبيل الأنجح لتجنيب البلد كوارث اقتصادية، كما ستمكن الرباط من استرداد 2% من الناتج المحلي الخام، والذي يذهب سدى بسبب الفساد وسوء الإدارة".
ويثير الفساد ونهب المال العام والبيروقراطية مخاوف المستثمرين الأجانب الذين يرحل بعضهم إلى دول مجاورة ومنافسة للمغرب في مجال الاستثمار بحثا عن بيئة أفضل لاستثماراتهم.
وعلى الصعيد الداخلي، بدأ المغاربة هذا الأسبوع في الانتقال من الاحتجاجات الخجولة التي تظهر في الحوارات المتبادلة بين المواطنين إلى احتجاجات علنية في الشوارع ضد نهب المال العام من قبل مئات أو آلاف المسئولين الفاسدين، وزاد من حدة هذه الاحتجاجات الوضع الصعب الذي يمر به الاقتصاد المغربي هذا العام بسبب الجفاف.
وقد نظمت "الهيئة الوطنية لحماية المال العام"، غير الحكومية، يوم 22-4-2005 مظاهرة أمام البرلمان، مطالبة بتشكيل هيئة وطنية مستقلة لكشف الحقيقة، واستعادة الأموال العامة المنهوبة.
وقالت الهيئة، في بيان تلقت "إسلام أن لاين.نت" نسخة منه: "من الضروري تعزيز دور المؤسسات في مراقبة المال العام لحماية ممتلكات البلاد من التبذير والاختلاس".
وتدعو الهيئة التي سبق وتعرض بعض أعضاؤها لاستجواب السلطات إلى متابعة ما تسميه "الجرائم الاقتصادية والمالية في المغرب" ومحاسبة المسئولين عنها.
كما اعتبرت منظمة "ترانسبارانسي المغرب"، وهي هيئة مستقلة تستهدف محاربة الرشوة، أن الحل الأمثل لمحاربة الفساد هو "اعتماد الشفافية في تسيير الشئون العامة".
ألوان الفساد
وتأتي الرشوة على رأس مظاهر الفساد بالبلاد حيث تضع المنظمات الدولية المغرب في مرتبة متقدمة من حيث تفشي هذا الداء في إداراته ومؤسساته، كما عرف نشاط تبييض الأموال ارتفاعا ملحوظا مع ازدياد أنشطة زراعة وتهريب المخدرات.
وتتداول الصحف المغربية باستمرار عشرات الأخبار لقضايا فساد أبطالها مسئولون كبار أو موظفون حكوميون. وقد تحدثت وسائل الإعلام المغربية مؤخرا عن مسئولين في الأمن كانوا يمارسون التهريب بواسطة سيارات الأمن نفسها بالمنطقة الحدودية بين المغرب والجزائر. كما تحدثت عن مسئولين آخرين في الأمن يشجعون الهجرة السرية عبر موانئ شمال البلاد بمبالغ تصل إلى 8 آلاف دولار للشخص الواحد، بالإضافة إلى العشرات أو المئات من قضايا الفساد التي تصل الرأي العام عبر وسائل الإعلام.
غير أن أبرز ملفات الفساد ونهب المال العام قد شهدتها "مؤسسة الضمان الاجتماعي" مؤخرا، حيث وصلت الأموال المنهوبة فيها إلى 115 مليار درهم (نحو 13.5 مليار دولار أمريكي)، ويرى البعض أن هذا الرقم مجرد تقدير، وأن الرقم الحقيقي أكبر من ذلك بكثير.
وقد عرفت عدة مؤسسات أخرى نفس عمليات النهب والتبذير مثل "البنك العقاري والسياحي" الذي ما يزال مديره السابق هاربا، ويهدد بكشف أسرار يقول إنها ستطيح برءوس كثيرة لمسئولين بارزين، وكذلك بنك "القرض الفلاحي" الذي وصلت فيه الاختلاسات أرقاما كبيرة جدا، بالإضافة إلى عشرات القضايا الأخرى.
وبينما لا تتوافر إحصائيات دقيقة حول قدر المال العام المنهوب في المغرب فإن "الهيئة الوطنية لحماية المال العام" تقول إن "ما خفي من قضايا الفساد بكافة ألوانها أعظم مما ظهر منها".
يذكر أن الجزء الثالث من تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2004 الذي صدر تحت عنوان ''نحو الحرية في الوطن العربي''، وخصص الجانب السياسي فيه لتحليل أزمة التنمية في البلدان العربية قد أجرى مسحا ميدانيا في المغرب حول قضية انتشار الفساد.
وأظهر المسح أن 100% من العينة ترى أن الفساد منتشر في الجيش وشرطة المرور والجمارك، بينما رأت نسبة 16.24% أنه منتشر في القضاء، و18.60 أنه منتشر في التعليم، و24.51 أنه منتشر في مجتمع رجال الأعمال، و32.19 أنه منتشر في المجلس النيابي، و86.64 أنه منتشر في المصالح الحكومية المركزية .
وحول آليات معالجة الفساد، رأت نسبة 11.02% أنه يتحقق من خلال إقامة حكم مؤسسي، و19.09 من خلال شفافية الحكم، و21.75 من خلال تدعيم المساءلة الفعالة للحكم، و6.99 من خلال القضاء على الفقر، و27.66 من خلال استقلال القضاء، و13.88 من خلال تشديد العقوبات على الفاسدين وتنفيذها بصرامة.