رسالة من شاب قيد الإحتضار
17-03-2013, 11:24 AM
نُقل بن عمي وعلى عجل إلى مستشفى المقاطعة،
ولما تفحصه الجراح فحصا سطحيا ظن أن الأمر
يتعلق بالتهاب الزائدة الدودية، فأمر بإدخاله
على الفور غرفة العمليات لاستئصالها. وبعد
فتح البطن تبين أن الشاب مصاب بسرطان
المعي الغليظ في درجته الثالثة والأخيرة .
ذهل الطبيب وانتابه خوف وارتباك
كبيرين، فلم يجد من حل أمامه إلا
الأمر بنقله إلى مستشفى "عين طاية "
بالجزائر العاصمة حيث يعمل أحد أصدقائه
الأكثر خبرة منه في الجراحة لتولي ما تبقى
من معالجات .
أُفرغ بطن الشاب وهُيئ لنقله إلى وجهته
الجديدة، لكن إحضار سيارة الإسعاف
استغرق الكثير من الوقت إضافة إلى زمن
الرحلة نحو هذا المستشفى الذي استغرق
ضعفه، و بالرغم من ذلك وصل المريض
حيّا. وهناك أجريت له، بعد الفحص و
المعاينة، عملية جراحية أخرى تم فيها فصل
الجزء السليم من المعي الغليظ عن الجزء
المصاب وتوصيله بالجدار الخارجي للبطن
للقيام بدور الطرح بدلا من الفتحة العادية.
التقيت بقريبي وصديقي بعد عودتي من
الجامعة، فرأيت أشلاءً في ثياب وأثار شاب
كنت أعرفه متسربلة في سروال لا متناهي
الثنايا تحت حزام شُدّ عند ثقب مستحدث
يتقدم القديم بما يقارب الشبر، وقميص
فضفاض كأنه يغطي أسلاكا شكلت على
هيئة فزاعة في حقل. التقيت به في قريتنا
ولم يعد فيه من شيء يوحي بالحياة إلا
شجاعته وصبره و ورعه وأمله الكبير في
الله، يواجه بها أمواج بحر العذاب المتلاطمة
من ألام المرض الشديدة التي تنتابه في كل
وقت و تزداد حدة حين يفترق عنه الأهل
و الأصحاب ليهجعوا في مهاجعهم أو
ليخلدوا إلى النوم العميق في مخادعهم،
فيكابد وحيدا ويتحمل مفردا صعقاتها التي
تهز سقط بدنه هزا، ولا حيلة له في
مواجهتها إلا بعض أقراص البراسيتامول،
ومن هواجس النفس واضطراباتها التي
لا تقل حدة عن الأولى .
أمضيت مع صديقي العطلة الصيفية كلها
تقريبا ثم غادر مرة أخرى إلى "عين طاية "
لإجراء الفحوصات ، بينما غادرت أنا
بعده بقليل إلى الجامعة لمواصلة دراستي .
وفي شهر ديسمبر بعثت إليه برسالة اسلّم
فيها عليه واستفسر عن أحواله مداعبا و
ملاطفا له ببعض ما كان بيننا مما يكون بين
صديقين شابين رجاء التخفيف عنه قليلا مما
هو فيه، فجاءني منه الرد التالي :
عين طاية يوم 21 / 12 / ......
إلى بن عمي (........)
يسرني أن أرد على رسالتك اللطيفة التي
وصلتني يوم الجمعة 19 ديسمبر بواسطة
عمّك (.....)، هذه الرسالة التي لمست من
خلالها شوق وحنان لكم بحيث شعرت و
كأنني بين أهلي جميعا وإن كان لا يمر
عليّ يوم إلا وأحسست وكأني في قفص،
مسجون . إنني هنا وخالك (....) الذي
أجريت له عملية جراحية يوم 17 من الشهر
الجاري، وهو في صحة لابأس بها، أقول لابأس
ولا أقول في صحة جيدة نظرا لعدم قدرته على
المشي والأكل بحيث إذا أكل شيئا لابد من
إعادته عن طريق الفم . وهو على كل حال يبلغ
لك السلام ولأصدقائك . أما أنا يا عزيزي فصحتي
الآن في حالة لا تُشكر ، والحمد لله على كل حال
وأنني عزمت في هذا الأسبوع على العودة إلى
( القرية ) لقضاء بعض الوقت لأني كما قلت لك
ضاقت نفسي هنا ومن الأحسن ألاّ أزيد مع المرض
شوق وحنين الأهل فلابد من الالتحاق بهم في أقرب
وقت .
بعد هذا أخي (....) تكلمت في رسالتك عن
( مقبلات الحياة )، انتهى كل شيء يا بن عمي
ولا أفكر الآن إلا في صحتي، نعم في صحتي قبل
كل اعتبار. إن بن عمك (..... ) يعيش أياما
مأساوية للغاية إلا أنني والحمد لله معتصم بديني
بصفة عامة واحمده بكرة وأصيلا ، والحمد لله
الذي رزقني شجاعة وصبرا على كل ما أسمعه
من الأطباء من أخبار لا تليق بالأذن والقلب و
اسمح لي جدا إن كنت قد جرحت قلبك بهذا
التعبير .
أجدد لكم سلامي الحار جميعا : لك ولرفيقك (....)
ولجميع الأصدقاء الموجودين معك.
أتمنى لك النجاح والتوفيق في عملك وعليك
بالاجتهاد أكثر وسنلتقي بحول الله في إجازة
فيفري أما(....) و(.....) فهما يقرءان لك السلام .
لم يبق لي ما أقوله لك إلا أن أتركك في
رعايته وحفظه ، وإلى اللقاء في القرية إن
شاء الله .
الجواب يرسل إلى القرية وشكرا .ا.ه
وبالفعل قضينا معا عطلة فيفري سويا بقريتنا،
ولعله بعد ذلك رجع إلى ذاك المستشفى ثم عاد
إلى أهله من جديد .
وعند عودتي بعد انقضاء السنة الجامعية وجدته
على فراش الموت فاقدا في أغلب الأوقات
للوعي من شدة الألم ومن قلة الأكل والرعاية
الصحية اللازمة لا سيما انعدام مسكنات الألم،
يهذي بما ترسب في لاشعوره من حروف و
كلمات وجمل، وأذكر هنا أنه في يوم من أيام
هذه المرحلة العصيبة الذي أستعاد فيه بعض
وعيه سألته أخته الصغرى عن حالته فأجابها
بأنه يشعر بالنار تحرق أحشاءه.
اجتاح الخبيث بعد الأمعاء عظام العجز وما
تبقى من لحمه وتجلّى هذا الاجتياح في بلوغ
شدة الألم أقصى درجاتها التي تخور أمامها كل
قدرة على التحمل الجسدي والعقلي والتي
تجعل قلوب ألد الأعداء تعطف و تلين .
ولمّا بلغ الحال هذا المبلغ، لم تجد الأم من بد
إلا التوجه ذات صباح في خلوتها إلى بارئها
تسأله سبحانه وتعالى العتق والرحمة لفلذة
كبدها. ولم تكد تمضي لحظات بعد عصر
نفس اليوم حتى سلم الشاب روحه لصاحب
الروح ، و لمّا يبلغ بعد الثلاثين... رحمه الله
وأسكنه فسيح جناته ، ولا حول ولا قوة إلا
بالله .
ولما تفحصه الجراح فحصا سطحيا ظن أن الأمر
يتعلق بالتهاب الزائدة الدودية، فأمر بإدخاله
على الفور غرفة العمليات لاستئصالها. وبعد
فتح البطن تبين أن الشاب مصاب بسرطان
المعي الغليظ في درجته الثالثة والأخيرة .
ذهل الطبيب وانتابه خوف وارتباك
كبيرين، فلم يجد من حل أمامه إلا
الأمر بنقله إلى مستشفى "عين طاية "
بالجزائر العاصمة حيث يعمل أحد أصدقائه
الأكثر خبرة منه في الجراحة لتولي ما تبقى
من معالجات .
أُفرغ بطن الشاب وهُيئ لنقله إلى وجهته
الجديدة، لكن إحضار سيارة الإسعاف
استغرق الكثير من الوقت إضافة إلى زمن
الرحلة نحو هذا المستشفى الذي استغرق
ضعفه، و بالرغم من ذلك وصل المريض
حيّا. وهناك أجريت له، بعد الفحص و
المعاينة، عملية جراحية أخرى تم فيها فصل
الجزء السليم من المعي الغليظ عن الجزء
المصاب وتوصيله بالجدار الخارجي للبطن
للقيام بدور الطرح بدلا من الفتحة العادية.
التقيت بقريبي وصديقي بعد عودتي من
الجامعة، فرأيت أشلاءً في ثياب وأثار شاب
كنت أعرفه متسربلة في سروال لا متناهي
الثنايا تحت حزام شُدّ عند ثقب مستحدث
يتقدم القديم بما يقارب الشبر، وقميص
فضفاض كأنه يغطي أسلاكا شكلت على
هيئة فزاعة في حقل. التقيت به في قريتنا
ولم يعد فيه من شيء يوحي بالحياة إلا
شجاعته وصبره و ورعه وأمله الكبير في
الله، يواجه بها أمواج بحر العذاب المتلاطمة
من ألام المرض الشديدة التي تنتابه في كل
وقت و تزداد حدة حين يفترق عنه الأهل
و الأصحاب ليهجعوا في مهاجعهم أو
ليخلدوا إلى النوم العميق في مخادعهم،
فيكابد وحيدا ويتحمل مفردا صعقاتها التي
تهز سقط بدنه هزا، ولا حيلة له في
مواجهتها إلا بعض أقراص البراسيتامول،
ومن هواجس النفس واضطراباتها التي
لا تقل حدة عن الأولى .
أمضيت مع صديقي العطلة الصيفية كلها
تقريبا ثم غادر مرة أخرى إلى "عين طاية "
لإجراء الفحوصات ، بينما غادرت أنا
بعده بقليل إلى الجامعة لمواصلة دراستي .
وفي شهر ديسمبر بعثت إليه برسالة اسلّم
فيها عليه واستفسر عن أحواله مداعبا و
ملاطفا له ببعض ما كان بيننا مما يكون بين
صديقين شابين رجاء التخفيف عنه قليلا مما
هو فيه، فجاءني منه الرد التالي :
عين طاية يوم 21 / 12 / ......
إلى بن عمي (........)
يسرني أن أرد على رسالتك اللطيفة التي
وصلتني يوم الجمعة 19 ديسمبر بواسطة
عمّك (.....)، هذه الرسالة التي لمست من
خلالها شوق وحنان لكم بحيث شعرت و
كأنني بين أهلي جميعا وإن كان لا يمر
عليّ يوم إلا وأحسست وكأني في قفص،
مسجون . إنني هنا وخالك (....) الذي
أجريت له عملية جراحية يوم 17 من الشهر
الجاري، وهو في صحة لابأس بها، أقول لابأس
ولا أقول في صحة جيدة نظرا لعدم قدرته على
المشي والأكل بحيث إذا أكل شيئا لابد من
إعادته عن طريق الفم . وهو على كل حال يبلغ
لك السلام ولأصدقائك . أما أنا يا عزيزي فصحتي
الآن في حالة لا تُشكر ، والحمد لله على كل حال
وأنني عزمت في هذا الأسبوع على العودة إلى
( القرية ) لقضاء بعض الوقت لأني كما قلت لك
ضاقت نفسي هنا ومن الأحسن ألاّ أزيد مع المرض
شوق وحنين الأهل فلابد من الالتحاق بهم في أقرب
وقت .
بعد هذا أخي (....) تكلمت في رسالتك عن
( مقبلات الحياة )، انتهى كل شيء يا بن عمي
ولا أفكر الآن إلا في صحتي، نعم في صحتي قبل
كل اعتبار. إن بن عمك (..... ) يعيش أياما
مأساوية للغاية إلا أنني والحمد لله معتصم بديني
بصفة عامة واحمده بكرة وأصيلا ، والحمد لله
الذي رزقني شجاعة وصبرا على كل ما أسمعه
من الأطباء من أخبار لا تليق بالأذن والقلب و
اسمح لي جدا إن كنت قد جرحت قلبك بهذا
التعبير .
أجدد لكم سلامي الحار جميعا : لك ولرفيقك (....)
ولجميع الأصدقاء الموجودين معك.
أتمنى لك النجاح والتوفيق في عملك وعليك
بالاجتهاد أكثر وسنلتقي بحول الله في إجازة
فيفري أما(....) و(.....) فهما يقرءان لك السلام .
لم يبق لي ما أقوله لك إلا أن أتركك في
رعايته وحفظه ، وإلى اللقاء في القرية إن
شاء الله .
الجواب يرسل إلى القرية وشكرا .ا.ه
وبالفعل قضينا معا عطلة فيفري سويا بقريتنا،
ولعله بعد ذلك رجع إلى ذاك المستشفى ثم عاد
إلى أهله من جديد .
وعند عودتي بعد انقضاء السنة الجامعية وجدته
على فراش الموت فاقدا في أغلب الأوقات
للوعي من شدة الألم ومن قلة الأكل والرعاية
الصحية اللازمة لا سيما انعدام مسكنات الألم،
يهذي بما ترسب في لاشعوره من حروف و
كلمات وجمل، وأذكر هنا أنه في يوم من أيام
هذه المرحلة العصيبة الذي أستعاد فيه بعض
وعيه سألته أخته الصغرى عن حالته فأجابها
بأنه يشعر بالنار تحرق أحشاءه.
اجتاح الخبيث بعد الأمعاء عظام العجز وما
تبقى من لحمه وتجلّى هذا الاجتياح في بلوغ
شدة الألم أقصى درجاتها التي تخور أمامها كل
قدرة على التحمل الجسدي والعقلي والتي
تجعل قلوب ألد الأعداء تعطف و تلين .
ولمّا بلغ الحال هذا المبلغ، لم تجد الأم من بد
إلا التوجه ذات صباح في خلوتها إلى بارئها
تسأله سبحانه وتعالى العتق والرحمة لفلذة
كبدها. ولم تكد تمضي لحظات بعد عصر
نفس اليوم حتى سلم الشاب روحه لصاحب
الروح ، و لمّا يبلغ بعد الثلاثين... رحمه الله
وأسكنه فسيح جناته ، ولا حول ولا قوة إلا
بالله .
إلاّ رسول الله صلى الله عليه وسلم
سبحان الله يا فارج الهم وكاشف الغم ، فرج همي
ويسر أمري وارحم ضعفي وقلة حيلتي وارزقني من
حيث لا احتسب يا رب العالمين .
سبحان الله يا فارج الهم وكاشف الغم ، فرج همي
ويسر أمري وارحم ضعفي وقلة حيلتي وارزقني من
حيث لا احتسب يا رب العالمين .
من مواضيعي
0 تهنئة....
0 أزيدكم منهن واحدا
0 مع إنتاجهن دائما .....
0 الرحمة لهن والمغفرة
0 لغزان من عند قرينة جدتي رحمهما الله ....
0 دولة عربية ؟
0 أزيدكم منهن واحدا
0 مع إنتاجهن دائما .....
0 الرحمة لهن والمغفرة
0 لغزان من عند قرينة جدتي رحمهما الله ....
0 دولة عربية ؟
التعديل الأخير تم بواسطة masrour farah ; 19-03-2013 الساعة 04:42 PM