عندما يتجرد الإعلام من ثوبه ...
27-11-2009, 06:00 AM
عندما يتجرد الإعلام من ثوبه ...


بقلم : زكرياء بوخزة

الإعلام كلمة بات لها موقعها الهام على جميع الأصعدة بل أصبح مملكة قائمة بذاتها ، أهمية جبارة كساها الإعلام وهيبة تتنامي يوما لأخر ، كيف ولا و المسرح العالمي يغذيه في كل لحظة بالجديد المثير ، كيف و لا و الإعلام صار جزءا لا يتجزأ من كيان الدولة ورمزا من رموزها ، كيف ولا وقد امن الجميع بأن الإعلام عظيم كيف ما كان .
ولأنه لا يختلف أي كان على أن الإعلام سلاح ذو حدين وعملة ذو وجهين ، صار لزاما علينا أن نطرح سؤالا مفاده ما هو الإعلام الصحيح في ظل كل هذا ، أين يتموقع الإعلام الحقيقي الذي يعبر عن معنى الإعلام بكل جزئياته .
لعل ما أريد أن أثيره في هذا المقام ومن خلال هذا التقديم هو أننا أمام نموذج حي من الإعلام الذي نمى وبشكل فضيع ليرسم الوجه الأخر له ، ببساطة بطل هذا النموذج تقمصه الإعلام المصري ، بإستثناء قلة قليلة تعد على الأصابع ، فمتى كان من مهام الإعلام أن يبث الضغينة و النميمة بين طرفين قبل أن نقول شقيقين ، متى صار الإعلام يلامس الخطوط الحمراء لأي شيء قبل أن نقول يتعداها ، هل تحول الإعلام من إرسال الخبر اليقين إلى القذف بالحجر اللعين ، هذا بإختصار ما جسده الإعلام المصري في الآونة الأخيرة ، و أكره أن أطلق عليه مصطلح إعلام لأن الإعلام أكبر من أن يكون أداة إرهابية تدنس التاريخ المجيد و تكذب عراقة شعب أبي و تسب من أكرمهم الله برضوانه ، الشهداء ، إذن هذا هو الوجه الثاني من الإعلام الذي أتقنت جل القنوات المصرية الخاصة و الحكومية في لعبه وبإتقان لتحصد بذلك فتنة وقطيعة بين شعبين بل بين شقيقين تربا من أم واحدة ، و هي العروبة و الدين و التاريخ المشترك . ولعل الأدهى و الأمر عندما نعرف سبب كل هذا ، خسارة في مبارة كرة القدم لم يهضمها الإعلام المصري حتى الآن ، في حين طوى صفحتها اللاعبون وتفكيرهم في القادم . ألا يمكن أن نعتبر هذا وصمة عار حقيقية في الإعلام المصري ونقطة سوداء في تاريخ مصر الناصع و الحافل بالانجازات ، إذن علينا أن نؤمن أن الإعلام المصري هذه الأيام إعلام مريض ، إعلام فاشل بهذا المعنى ، لأنه تخلى عن أخلاقيات العمل الإعلامي و تجرد من ثوب الإعلام وتقمص محركات الشقاق و الشقاء بين الأشقاء . عجب عجب عجب ، لكن بطل العجب بمعرفة السبب ، فكل هذه المسرحية التي يعرضها الإعلام المصري يعود لسبب مباشر ألا وهو غياب الاحترافية المهنية في هذا الإعلام ، غياب المسؤولية الإعلامية ، غياب الثقافة الإعلامية ، غياب التكوين الإعلامي الحقيقي لمن يقود هذه المؤسسات التي ترى نفسها مؤسسات إعلامية .
كل هذا وحده فقط كفيل بأن يرسم مشهد أسود تحت سقف الإعلام .
فجل الوجوه كي لا نقول كلها و التي تظهر في القنوات المصرية ممثلة في المنتجين و معدي البرامج وخاصة المذيعين ، كل هؤلاء لا يعرفون معنى الإعلام ولا يدركون ميثاق العمل الصحفي و لا يفهمون أخلاقيات العمل الإعلامي ، فكيف لي أن أضع شخصا قضى معظم عمره في ملاعب كرة القدم ، كيف لي أن أضعه في مكان لا يجرأ أن يجلس فيه إلا من تغذى بالثقافة الإعلامية كل التغذية و تمرس إعلاميا وعلى أعلى المستويات ويدرك ما معنى المسؤولية الإعلامية و الإعلامي المسؤول ، هل يمكن للمستطيل الأخضر أن يعلم و يعطي كل هذه الدروس و القيم الإعلامية فهذا السؤال تجيب عنه الآن القنوات المصرية التي اتخذت من بعض اللاعبين السابقين اعلامين ومذيعين في ليلة وضحاها ، فها هو الإعلام المصري اليوم يدفع ثمن هذه الفاتورة غاليا .
فمادام الإعلام المصري يقوده نجوم الكرة ومشاهير الفن الذين لم يشربوا من كأس الإعلام الحقيقي فلن يرى هذا الإعلام النور بأي حال من الأحوال .