حول "نصرة" الطرقية للإسلام والعربية في الجزائر.
17-02-2013, 10:00 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
حول "نصرة" الطرقية للإسلام والعربية في الجزائر
هذا مقال أرسلته إلى صحيفة الشروق اليومي تعقيبا على بعض ما ورد في ندوة حول الزوايا في الجزائر، فلم تنشره، فرأيت أن أضعه في هذا المنتدى:
أ
ما إن ينتقد منتقد بعض أتباع الطرق الصوفية البدعية لما يقعون فيه من الشركيات والبدع التي شوهت وجه الإسلام إلا وأشهروا في وجهه ما يحسبونه أقوى حججهم، وأحصن دفاعاتهم ضد انتقاد المنتقدين، وهو أنهم نصروا الإسلام وحفظوا العربية في الجزائر، وحملوا لواء جهاد المستعمر، ولولاهم لما بقي من المسلمين الناطقين بالعربية في بلادنا ديارا، وبما أنهم حفظوا بعض علوم الإسلام (صافية أو محرفة) وبعض أصول اللسان (مستقيمة أو معوجة)، فهم-إذا-أهل الدين المتين، وأصحاب الحق المبين.
ومن الإجحاف أن لا نسلم لبعض أتباع الطرق خدمتهم للإسلام والعربية، بل ونشرهم للإسلام في بعض ربوع من الأرض، وجهادهم للمستعمرين، وذلك معروف في التاريخ لمن قرأه.
لكن هل كل طائفة نصرت الإسلام في بعض قضاياه والعربية في بعض شئونها، وجاهدت الكفار يوما من الدهر طائفة محقة في الأصول والفروع، معصومة من النقد والتقويم؟
إذا مشينا على هذا المنطق صوبنا فكرَ طوائف لا يخالف مسلم-طرقيا كان أو غير طرقي- في ضلالها، مع أنها نصرت الدين أو لغته، وحاربت أعداءه! فالمستشرقون "خدموا" الإسلام والسنة بما وضعوا من فهارسها وحققوا من دواوينها، وبعض قساوسة النصارى العرب "نصروا" العربية بمناقشاتهم وتحقيقاتهم ومؤلفاتهم، والبعثيون بعثوا حب العربية بحميتهم (الجاهلية!)، والحشاشون الباطنية حاربوا الصليبيين ، لكن هل يقول عاقل أن الاستشراق والنصرانية والبعثية والباطنية هي الحق الذي لا مرية فيه ولا مأخذ عليه لأن بعض أفراد هذه الطوائف نصروا الإسلام أو العربية عن قصد أو عن غير قصد في زمن من الأزمان؟
لقد كفانا النبي صلى الله عليه وسلم مؤنة هذا الجدال، وأخبرنا أن نصرة الدين لا تكون –دائما- دليلا على الصلاح والإيمان وإصابة الحق من الناصر في كل أحواله، فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه:" إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر"!
هذه واحدة..
أما الثانية، فهل الطرق الصوفية نصرت الإسلام بسبب "تصوفها" و"طُرُقيتها"؟ بمعنى هل التصوف والطرقية هما ما دفع مَن نصر الدين منهم إلى نصره؟ أم أن سبب نصرة بعض الطرقيين لدين الله تعالى هو ما بقي في قلوب بعضهم من أنوار النبوة وما علق فيها من اتباع لمنهج السلف؟ فالطرقية شر وظلمة لكن يبقى فيها –ككل فرقة منتسبة إلى الإسلام- خير ونور بقدر ما تمسكت به من الكتاب والسنة ومنهج السلف، فإذا ظهر الحق على لسان فرقة ضالة (كالطرقية) فليس لأن ضلالها أو بدعتها "هدتها" إليه، بل بسبب ما بقي فيهم من "تقاليد" سنية لم تلتهمها نيران البدعة بعد.
ولهذا نقول إن الطرقية ما حافظت على الإسلام والعربية وما جاهدت الاستعمار بسبب "طرقيتها" التي تنضح بالبدع والشركيات والغلو في الأولياء والتمسح بالقبور والطواف بها، وما إلى ذلك من أسباب خذلان الدين لا الفتح فيه، بل بما بقي في بعض أتباعها من إيمان صحيح لم تطمسه بعد هذه المنكرات، أي حفظوا ما حفظوا من دين الله تعالى لأنهم "مسلمون" لا لأنهم "طرقيون"، ولو كانت فرقة إسلامية أخرى عداهم في بلادنا في مثل تلك الظروف لكان منها ما كان من الطرقيين -بل أكثر- من نصرة الدين وحفظه.
أما الثالثة..
فكما نصر بعض الطرقية الدين نصرة نسبية، فقد خذل الكثير منهم الإسلام والمسلمين خذلانا مبينا بالبدع والمنكرات، ومالأت العديد من الطرق الاستعمار وخدمته خدمة عظيمة كما هو معروف في التاريخ، فالطرقية هي التي أشغلت المسلمين بالدروشة والتمخرق والمرائي والمقامات حتى تركوا أسباب النهوض وعبث بهم الاستعمار، والطرقية هي التي رسخت قدم الاستعمار، فما وجد الاستعمار مؤيدا نصيرا مثل الطرقية، ولا وجد المصلحون المجددون عدوا مبيرا مثل الطرقية، لذلك بدأ المصلحون في بلادنا بجهادها وتحرير الأمة من أغلالها قبل جهاد الاستعمار نفسه.
وأما لماذا قربت السلطات-اليوم- سدنة القبور والأضرحة والكهنوت الصوفي الطرقي، فمن باب "المصارحة الكبيرة" -كما يقول الدكتور بن بريكة- أن نكشف عن السبب الحقيقي لذلك في ثلاث نقاط:
• خبرة الطرقيين في فن التملق ولحس الأيدي والتمسح بالأعتاب، فذلك هو رأس مال الكثير منهم، لذلك "يُفتح" عليهم من "فتوحات" السلطات و"بركاتها" ما لا يفتح على غيرهم، ونحن نرى مناشدات وبيعات خلفاء الطرق ومقدميها تجيء تترى إلى "صاحب الفخامة" تدعوه للترشح ثانية وثالثة ورابعة، فكيف لا تقرب السلطات مثل هؤلاء؟
• استغلال السلطات للقدرات "التنويمية" للطرق الصوفية على مريديها والمتعاطفين معها، التي تعتمد غالبا على تقنية:"مسلمين مكتفين"، وهذه القدرات اكتشفها الاستعمار من قبل، وورثه في استغلالها حكامنا من جيل الاستقلال من بعد.
• لعبة التوازنات التي تلعبها السلطات بتقوية طائفة على أخرى، حتى تشغل كل طائفة بالرد على ضرتها.
وتكلم الدكتور بن بريكة عن أن الطرقيين الذين تلطخت دماؤهم بالذبح لغير الله قد سلمت من التلطخ بدماء الجزائريين، وأنا أعتبر هذه الأيادي "الطاهرة من الدماء" من أعظم أسباب نمو الفكر التكفيري وتطرفه، فلولا الطرقية و"مهرجاناتهم" الشركية لما راجت شبهات التكفيريين على الشباب، فالتكفيريون يقولون لشبابنا مجتمعاتكم كافرة مرتدة، فإذا نظر هؤلاء إلى "المهرجانات" الشركية التي تقيمها بعض الطرق هنا وهناك ابتلع المغرورون الشبهة التكفيرية، فكفروا الناس جميعا من غير تمييز بين مشرك وواقع في الشرك!
والحاصل أن الطرقية والصوفية البدعية كالخمر والميسر سواء..فيهما إثم كبير ومنافع للناس، وإثمهما أكبر من نفعهما!
حول "نصرة" الطرقية للإسلام والعربية في الجزائر
هذا مقال أرسلته إلى صحيفة الشروق اليومي تعقيبا على بعض ما ورد في ندوة حول الزوايا في الجزائر، فلم تنشره، فرأيت أن أضعه في هذا المنتدى:
أ
ما إن ينتقد منتقد بعض أتباع الطرق الصوفية البدعية لما يقعون فيه من الشركيات والبدع التي شوهت وجه الإسلام إلا وأشهروا في وجهه ما يحسبونه أقوى حججهم، وأحصن دفاعاتهم ضد انتقاد المنتقدين، وهو أنهم نصروا الإسلام وحفظوا العربية في الجزائر، وحملوا لواء جهاد المستعمر، ولولاهم لما بقي من المسلمين الناطقين بالعربية في بلادنا ديارا، وبما أنهم حفظوا بعض علوم الإسلام (صافية أو محرفة) وبعض أصول اللسان (مستقيمة أو معوجة)، فهم-إذا-أهل الدين المتين، وأصحاب الحق المبين.
ومن الإجحاف أن لا نسلم لبعض أتباع الطرق خدمتهم للإسلام والعربية، بل ونشرهم للإسلام في بعض ربوع من الأرض، وجهادهم للمستعمرين، وذلك معروف في التاريخ لمن قرأه.
لكن هل كل طائفة نصرت الإسلام في بعض قضاياه والعربية في بعض شئونها، وجاهدت الكفار يوما من الدهر طائفة محقة في الأصول والفروع، معصومة من النقد والتقويم؟
إذا مشينا على هذا المنطق صوبنا فكرَ طوائف لا يخالف مسلم-طرقيا كان أو غير طرقي- في ضلالها، مع أنها نصرت الدين أو لغته، وحاربت أعداءه! فالمستشرقون "خدموا" الإسلام والسنة بما وضعوا من فهارسها وحققوا من دواوينها، وبعض قساوسة النصارى العرب "نصروا" العربية بمناقشاتهم وتحقيقاتهم ومؤلفاتهم، والبعثيون بعثوا حب العربية بحميتهم (الجاهلية!)، والحشاشون الباطنية حاربوا الصليبيين ، لكن هل يقول عاقل أن الاستشراق والنصرانية والبعثية والباطنية هي الحق الذي لا مرية فيه ولا مأخذ عليه لأن بعض أفراد هذه الطوائف نصروا الإسلام أو العربية عن قصد أو عن غير قصد في زمن من الأزمان؟
لقد كفانا النبي صلى الله عليه وسلم مؤنة هذا الجدال، وأخبرنا أن نصرة الدين لا تكون –دائما- دليلا على الصلاح والإيمان وإصابة الحق من الناصر في كل أحواله، فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه:" إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر"!
هذه واحدة..
أما الثانية، فهل الطرق الصوفية نصرت الإسلام بسبب "تصوفها" و"طُرُقيتها"؟ بمعنى هل التصوف والطرقية هما ما دفع مَن نصر الدين منهم إلى نصره؟ أم أن سبب نصرة بعض الطرقيين لدين الله تعالى هو ما بقي في قلوب بعضهم من أنوار النبوة وما علق فيها من اتباع لمنهج السلف؟ فالطرقية شر وظلمة لكن يبقى فيها –ككل فرقة منتسبة إلى الإسلام- خير ونور بقدر ما تمسكت به من الكتاب والسنة ومنهج السلف، فإذا ظهر الحق على لسان فرقة ضالة (كالطرقية) فليس لأن ضلالها أو بدعتها "هدتها" إليه، بل بسبب ما بقي فيهم من "تقاليد" سنية لم تلتهمها نيران البدعة بعد.
ولهذا نقول إن الطرقية ما حافظت على الإسلام والعربية وما جاهدت الاستعمار بسبب "طرقيتها" التي تنضح بالبدع والشركيات والغلو في الأولياء والتمسح بالقبور والطواف بها، وما إلى ذلك من أسباب خذلان الدين لا الفتح فيه، بل بما بقي في بعض أتباعها من إيمان صحيح لم تطمسه بعد هذه المنكرات، أي حفظوا ما حفظوا من دين الله تعالى لأنهم "مسلمون" لا لأنهم "طرقيون"، ولو كانت فرقة إسلامية أخرى عداهم في بلادنا في مثل تلك الظروف لكان منها ما كان من الطرقيين -بل أكثر- من نصرة الدين وحفظه.
أما الثالثة..
فكما نصر بعض الطرقية الدين نصرة نسبية، فقد خذل الكثير منهم الإسلام والمسلمين خذلانا مبينا بالبدع والمنكرات، ومالأت العديد من الطرق الاستعمار وخدمته خدمة عظيمة كما هو معروف في التاريخ، فالطرقية هي التي أشغلت المسلمين بالدروشة والتمخرق والمرائي والمقامات حتى تركوا أسباب النهوض وعبث بهم الاستعمار، والطرقية هي التي رسخت قدم الاستعمار، فما وجد الاستعمار مؤيدا نصيرا مثل الطرقية، ولا وجد المصلحون المجددون عدوا مبيرا مثل الطرقية، لذلك بدأ المصلحون في بلادنا بجهادها وتحرير الأمة من أغلالها قبل جهاد الاستعمار نفسه.
وأما لماذا قربت السلطات-اليوم- سدنة القبور والأضرحة والكهنوت الصوفي الطرقي، فمن باب "المصارحة الكبيرة" -كما يقول الدكتور بن بريكة- أن نكشف عن السبب الحقيقي لذلك في ثلاث نقاط:
• خبرة الطرقيين في فن التملق ولحس الأيدي والتمسح بالأعتاب، فذلك هو رأس مال الكثير منهم، لذلك "يُفتح" عليهم من "فتوحات" السلطات و"بركاتها" ما لا يفتح على غيرهم، ونحن نرى مناشدات وبيعات خلفاء الطرق ومقدميها تجيء تترى إلى "صاحب الفخامة" تدعوه للترشح ثانية وثالثة ورابعة، فكيف لا تقرب السلطات مثل هؤلاء؟
• استغلال السلطات للقدرات "التنويمية" للطرق الصوفية على مريديها والمتعاطفين معها، التي تعتمد غالبا على تقنية:"مسلمين مكتفين"، وهذه القدرات اكتشفها الاستعمار من قبل، وورثه في استغلالها حكامنا من جيل الاستقلال من بعد.
• لعبة التوازنات التي تلعبها السلطات بتقوية طائفة على أخرى، حتى تشغل كل طائفة بالرد على ضرتها.
وتكلم الدكتور بن بريكة عن أن الطرقيين الذين تلطخت دماؤهم بالذبح لغير الله قد سلمت من التلطخ بدماء الجزائريين، وأنا أعتبر هذه الأيادي "الطاهرة من الدماء" من أعظم أسباب نمو الفكر التكفيري وتطرفه، فلولا الطرقية و"مهرجاناتهم" الشركية لما راجت شبهات التكفيريين على الشباب، فالتكفيريون يقولون لشبابنا مجتمعاتكم كافرة مرتدة، فإذا نظر هؤلاء إلى "المهرجانات" الشركية التي تقيمها بعض الطرق هنا وهناك ابتلع المغرورون الشبهة التكفيرية، فكفروا الناس جميعا من غير تمييز بين مشرك وواقع في الشرك!
والحاصل أن الطرقية والصوفية البدعية كالخمر والميسر سواء..فيهما إثم كبير ومنافع للناس، وإثمهما أكبر من نفعهما!
من مواضيعي
0 جُنُونِيَّاتٌ جَزَائِرِيّةٌ (2): الأَشِـــعَّــــةُ فَـــــــوْقَ الــــــنّـــــَهْـــــدِيَّــــــ
0 جُنُونِيَّاتٌ جَزَائِرِيّةٌ (1): دَوْلَــــةُ "الــــحَــــفْــــصِــــيّـــِيــــنَ"..
0 "حَافِظُ الأَحْلامِ"..
0 "دَاعِــشْ".. مَـا أَكْـثَـرَ "عِـيَـالَـكَ"!
0 "أَنــَــا مُـــــجْــــــرِمٌ!.."
0 قَـنَـوَاتُ الخـَيَـالِ.. "الـبَـطْـنِـيِّ"!
0 جُنُونِيَّاتٌ جَزَائِرِيّةٌ (1): دَوْلَــــةُ "الــــحَــــفْــــصِــــيّـــِيــــنَ"..
0 "حَافِظُ الأَحْلامِ"..
0 "دَاعِــشْ".. مَـا أَكْـثَـرَ "عِـيَـالَـكَ"!
0 "أَنــَــا مُـــــجْــــــرِمٌ!.."
0 قَـنَـوَاتُ الخـَيَـالِ.. "الـبَـطْـنِـيِّ"!