تصحيح الأخطاء العلمية للشيخ شمس الدين ـ 5 ـ
06-04-2009, 08:39 PM
بسم الله الرحمان الرحيم
تصحيح الأخطاء العلمية للشيخ شمس الدين ـ 5 ـ
الشرح الأسمى لحديث توسل الأعمى
وبعد فقد استدل الشيخ شمس الدين أو حاول بكلام لابن تيمية وفهم منه أنه يجيز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بإطلاق ،و في جواب ابن تيمية الذي أنقله ما يبين حالة الدعاء الذي استشهد به الشيخ شمس الدين كما يبين أنواع التوسل الجائز منه و الممنوع.
قال الشيخ شمس الدين في" العربي" العدد285 من 26 على 31 مارس2009-03-29جوابا عن السؤال السؤال الوارد:دعاء مجرب ينفع لإزالة تقرحات البطن، قال:أدلك على الدعاء المجرب الذي رواه ابن أبي الدنيا في كتاب "مجابي الدعاء" : الله الله الله ربي لا أشرك به شيئا، اللهم إني أتوجه إليك بنبيك محمد بني الرحمة صلى الله عليه و سلم يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك وربي يرحمني مما بي......
قال ابن تيمية: قلت: فهذا الدعاء ونحوه قد روى أنه دعا به السلف انظر" قاعدة جليلة"ص94 فادعوا بهذا الدعاء بصدق وحرقة و ستجد له نورا و ضياء و أثرا بإذن الله تعالى".
الجواب عليه:
قلت: قوله:" : فهذا الدعاء ونحوه قد روى أنه دعا به السلف انظر" قاعدة جليلة"ص94" يجب متابعته ببقية كلامه فإن شيخ الإسلام ابن تيمية ضرب مثلا بهذا الدعاء على ما لا يجوز إثبات عمل مشروع به و إن روي عن بعض السلف لأنه يجب فهم مقصود السلف و كيف فهموا هذا الحديث.
قال رحمه الله :" وفي الباب حكايات عن بعض الناس أنه رأى مناما قيل له فيه : ادع بكذا وكذا ومثل هذا لا يجوز أن يكون دليلا باتفاق العلماء وقد ذكر بعض هذه الحكايات من جمع الأدعية
وروي في ذلك أثر عن بعض السلف مثل ما رواه ابن أبي الدنيا في كتاب ( مجابي الدعاء قال : حدثنا أبو هاشم سمعت كثير بن محمد بن كثير بن رفاعة يقول : جاء رجل إلى عبد الملك بن سعيد بن أبجر فجس بطنه فقال : بك داء لا يبرأ . قال : ما هو ؟ قال : الدبيلة . قال فتحول الرجل فقال : الله الله الله ربي لا أشرك به شيئا اللهم إني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم تسليما يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك وربي يرحمني مما بي . قال فجس بطنه فقال : قد برئت ما بك علة . قلت : فهذا الدعاء ونحوه قد روي أنه دعا به السلف ونقل عن أحمد بن حنبل في منسك المروذي التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء ونهى عنه آخرون . فإن كان مقصود المتوسلين التوسل بالإيمان به وبمحبته وبموالاته وبطاعته فلا نزاع بين الطائفتين وإن كان مقصودهم التوسل بذاته فهو محل النزاع وما تنازعوا فيه يرد إلى الله والرسول . وليس مجرد كون الدعاء حصل به المقصود ما يدل على أنه سائغ في الشريعة فإن كثيرا من الناس يدعون من دون الله من الكواكب والمخلوقين ويحصل ما يحصل من غرضهم وبعض الناس يقصدون الدعاء عند الأوثان والكنائس وغير ذلك ويدعو التماثيل التي في الكنائس ويحصل ما يحصل من غرضه وبعض الناس يدعو بأدعية محرمة باتفاق المسلمين ويحصل ما يحصل من غرضهم . فحصول الغرض ببعض الأمور لا يستلزم إباحته وإن كان الغرض مباحا فإن ذلك الفعل قد يكون فيه مفسدة راجحة على مصلحته والشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها وإلا فجميع المحرمات من الشرك والخمر والميسر والفواحش والظلم قد يحصل لصاحبه به منافع ومقاصد لكن لما كانت مفاسدها راجحة على مصالحها نهى الله ورسوله عنها كما أن كثيرا من الأمور كالعبادات والجهاد وإنفاق الأموال قد تكون مضرة لكن لما كانت مصلحته راجحة على مفسدته أمر به الشارع . فهذا أصل يجب
اعتباره ولا يجوز أن يكون الشيء واجبا أو مستحبا إلا بدليل شرعي يقتضي إيجابه أو استحبابه . والعبادات لا تكون إلا واجبة أو مستحبة فما ليس بواجب ولا مستحب فليس بعبادة . والدعاء لله تعالى عبادة إن كان المطلوب به أمرا مباحا . وفي الجملة فقد نقل عن بعض السلف والعلماء السؤال به بخلاف دعاء الموتى والغائبين من الأنبياء والملائكة والصالحين والاستغاثة بهم والشكوى إليهم فهذا مما لم يفعله أحد من السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولا رخص فيه أحد من أئمة المسلمين ."
وقد شرح العلامة الألباني هذا الحديث شرحا رائقا فقال في" الضعيفة"{1/76}:" فإن الأحاديث الواردة في التوسل به صلى الله عليه وسلم تنقسم إلى قسمين : صحيح و ضعيف ، أما الصحيح فلا دليل فيه البتة على المدعى مثل توسلهم به صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء ، و توسل الأعمى به صلى الله عليه وسلم فإنه توسل بدعائه صلى الله عليه وسلم لا بجاهه و لا بذاته صلى الله عليه وسلم ، و لما كان التوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى غير ممكن كان بالتالي التوسل به صلى الله عليه وسلم بعد وفاته غير ممكن و غير جائز .
و مما يدلك على هذا أن الصحابة رضي الله عنهم لما استسقوا في زمن عمر توسلوا بعمه صلى الله عليه وسلم العباس ، و لم يتوسلوا به صلى الله عليه وسلم ، و ما ذلك إلا لأنهم يعلمون معنى التوسل المشروع و هو ما ذكرناه من التوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم و لذلك توسلوا بعده صلى الله عليه وسلم بدعاء عمه لأنه ممكن و مشروع ، و كذلك لم ينقل أن أحدا من العميان توسل بدعاء ذلك الأعمى ، ذلك لأن السر ليس في قول الأعمى : ( اللهم إنى أسألك و أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة ) .
و إنما السر الأكبر في دعائه صلى الله عليه وسلم له كما يقتضيه وعده صلى الله عليه وسلم إياه بالدعاء له ، و يشعر به قوله في دعائه " اللهم فشفعه في " أي اقبل شفاعته صلى الله عليه وسلم أي دعاءه في " و شفعني فيه " أي اقبل شفاعتي أي دعائي في قبول دعائه صلى الله عليه وسلم في ، فموضوع الحديث كله يدور حول الدعاء كما يتضح للقاريء الكريم بهذا الشرح الموجز ، فلا علاقة للحديث بالتوسل المبتدع ، و لهذه أنكره الإمام أبو حنيفة فقال :أكره أن يسأل الله إلا بالله ، كما في " الدر المختار " و غيره من كتب الحنفية.
قلت: فهذا جواب شيخ الإسلام ابن تيمية برمته فيه أنه لا يجوز استحباب عمل مشروع به و إذا قدر انه ثابت، فليس فيه ما يفيد دعاء الموتى و الغائبين و الاستغاثة بهم وهذا فرق واضح.
و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على اشرف المرسلين.
أرزيو في 2009-04-03
مختار الأخضر طيباوي