روح شاردة
26-06-2018, 11:27 AM
روح شاردة
وقع تماس كهربائي مفتعل؛ عامل بشركة الكهرباء حاول قطع التيار عن حي صفيحي بالمدينة، بعد أن تأخر الحي في تأدية الفواتير، أشعل نارا بتماس صغير ثم هرب، امتدت الشرارة وصارت نارا حارة متأججة تلحف وجوه المحيطين بها، تنتقل زاحفة عبر الأسلاك بسرعة، زاد اللهيب وكبر لأقرب منزل داخل الحي، أتت على كل شيء ولم تترك فيه غير الرماد وجثة طفل تفحمت، كانت متكئة على الطاولة تنجز واجبها المدرسي.
مع آخر صرخة أطلقها الطفل، عم صمت ولم يعد يسمع بعده شيء غير أصوات ألسنة اللهب تلقف الحطام، لاحت إلى العيون روح تتحرك وسط أكوام الدخان تنتقل للتو خرجت تسعى المعراج، عند النافذة نظرت لجسدها لتلقي عليه آخر السلام، اشتد فيها الألم لما رأت الجسم ضئيلا، نحيفا، صغيرا، فاتحا فاه يصرخ بعدما تفحم، صعقت، ثم حاولت إسعافه، تداعى لها الجسد لحضن علق في قلب الطفل، هرعت تبكي لتمسكه، وهي تحاول أن تنساب عبر أطرافها فسقط وتحطم إلى قطع عند كل جزء منها صار فتاتا ورمادا، تلهفت على موت الطفل وتحسرت، جمعت الرفات، دندنت في نفسها:
- أي عدل هذا؟
تكاثف سكان الحي وهرعوا خلف النار يخمدون ألسنتها، انطفأت وتصاعدت أمواج الدخان وتضاعفت كثافتها حتى تلبد وجه السماء، اِسْودَّ وتراكم بعضه على بعض، أسقطت على الحاضرين قطع صغيرة كحبات ثلج سوداء، تلتها عاصفة مطرية قوية لثلاثة أيام، لم تهدأ أزقة المدينة، تحركت تفيض بسيول سوداء تجري فوق سطح الأرض.
خرب الحي، دمرت أجزاء منه كثيرة، نظفت سيول الأمطار مخلفات الحريق، انقطع التيار عن الحي بشكل نهائي، باتت أسر لشهور في العراء دون ماء ولا كهرباء وبلا أي مساعدات.
لم تقم جنازة للطفل، لا غسل، لا كفن، لا حمل على النعش، لا دفن، لا ترهات كاهن تتلى، رفاته تفتت ركب مجرى السيل ثم اختفى وسط غثاءاته، وسط العاصفة .حزن السكان وجزعوا ولم يعلنوا الحداد أبدا.
الروح اتخذت من الأرض مستقرا ورفضت الصعود للسماء على جثة طفل، فضلت العيش تائهة شاردة في الأرض، بقيت شاهدة على حي ضاق بسكانه قرف العيش؛ قمع، هجر... توالت عليهم سنوات سود، ، عجاف، أخلي الحي بالكامل واحتلته الجرافات وسوته أرضا وما عاد فيه عمود قائم. شاخت الروح وتفككت، لم يعد لها خبر.
أقيمت داخل شركة الكهرباء حفلات بعد الإنجاز، عرفت ترقيات في عمال ومدراء، العامل صار مديرا عاما للشركة، خرج بسيارته الفارهة يجوب المدينة مر بجنب الحي الصفيحي لأول مرة بعد الكارثة، قد تحول إلى وكر لكل أنواع الرذائل، نظر إليه فاستوقف النظر بتأمل نأى المكان عنه والزمان، شعر في لحظة أن عجلة سيارته قد أفرغت من هوائها، توقف ونزل بمجرد أن وضع قدمه على الأرض، آخر ما رآه ضحكات أطفال كانت أمنياتها أن يقتني منها مناديل يبيعونها على جنب الطريق تركض تجري تتسابق، نحوه وتصرخ، سيدي، سيدي... قذيفة قنينة زجاجية أطلقت صدمت رأسه فسقط على الأرض دون حركة، وصلت الإسعاف فوجدت الجثة قد أخليت من كل لباس أو حلي لها حتى السيارة اختفت، فقط قطعة قماش صغيرة وضعت أسفل بطن الرجل درءا لعورته، نقلته الإسعاف بسرعة ثم غادرت.
دار الدهر دورته الطويلة، خلق جيل أنشأ بدل الحي حديقة للأطفال، تكسو أروقتها زهور وورود سليلة رفات الطفل لم يُر قبلها جمال مثلها قط، في غرفة الطفل حيث كان جالسا ينجز واجباته، بنيت قبة صغيرة للأطفال عليها يضعون أكاليل ورد وزهر عند كل زيارة للحديقة حزنا على طفل قالوا أنه مات دون أن تقام له جنازة.
04-11-2016
وقع تماس كهربائي مفتعل؛ عامل بشركة الكهرباء حاول قطع التيار عن حي صفيحي بالمدينة، بعد أن تأخر الحي في تأدية الفواتير، أشعل نارا بتماس صغير ثم هرب، امتدت الشرارة وصارت نارا حارة متأججة تلحف وجوه المحيطين بها، تنتقل زاحفة عبر الأسلاك بسرعة، زاد اللهيب وكبر لأقرب منزل داخل الحي، أتت على كل شيء ولم تترك فيه غير الرماد وجثة طفل تفحمت، كانت متكئة على الطاولة تنجز واجبها المدرسي.
مع آخر صرخة أطلقها الطفل، عم صمت ولم يعد يسمع بعده شيء غير أصوات ألسنة اللهب تلقف الحطام، لاحت إلى العيون روح تتحرك وسط أكوام الدخان تنتقل للتو خرجت تسعى المعراج، عند النافذة نظرت لجسدها لتلقي عليه آخر السلام، اشتد فيها الألم لما رأت الجسم ضئيلا، نحيفا، صغيرا، فاتحا فاه يصرخ بعدما تفحم، صعقت، ثم حاولت إسعافه، تداعى لها الجسد لحضن علق في قلب الطفل، هرعت تبكي لتمسكه، وهي تحاول أن تنساب عبر أطرافها فسقط وتحطم إلى قطع عند كل جزء منها صار فتاتا ورمادا، تلهفت على موت الطفل وتحسرت، جمعت الرفات، دندنت في نفسها:
- أي عدل هذا؟
تكاثف سكان الحي وهرعوا خلف النار يخمدون ألسنتها، انطفأت وتصاعدت أمواج الدخان وتضاعفت كثافتها حتى تلبد وجه السماء، اِسْودَّ وتراكم بعضه على بعض، أسقطت على الحاضرين قطع صغيرة كحبات ثلج سوداء، تلتها عاصفة مطرية قوية لثلاثة أيام، لم تهدأ أزقة المدينة، تحركت تفيض بسيول سوداء تجري فوق سطح الأرض.
خرب الحي، دمرت أجزاء منه كثيرة، نظفت سيول الأمطار مخلفات الحريق، انقطع التيار عن الحي بشكل نهائي، باتت أسر لشهور في العراء دون ماء ولا كهرباء وبلا أي مساعدات.
لم تقم جنازة للطفل، لا غسل، لا كفن، لا حمل على النعش، لا دفن، لا ترهات كاهن تتلى، رفاته تفتت ركب مجرى السيل ثم اختفى وسط غثاءاته، وسط العاصفة .حزن السكان وجزعوا ولم يعلنوا الحداد أبدا.
الروح اتخذت من الأرض مستقرا ورفضت الصعود للسماء على جثة طفل، فضلت العيش تائهة شاردة في الأرض، بقيت شاهدة على حي ضاق بسكانه قرف العيش؛ قمع، هجر... توالت عليهم سنوات سود، ، عجاف، أخلي الحي بالكامل واحتلته الجرافات وسوته أرضا وما عاد فيه عمود قائم. شاخت الروح وتفككت، لم يعد لها خبر.
أقيمت داخل شركة الكهرباء حفلات بعد الإنجاز، عرفت ترقيات في عمال ومدراء، العامل صار مديرا عاما للشركة، خرج بسيارته الفارهة يجوب المدينة مر بجنب الحي الصفيحي لأول مرة بعد الكارثة، قد تحول إلى وكر لكل أنواع الرذائل، نظر إليه فاستوقف النظر بتأمل نأى المكان عنه والزمان، شعر في لحظة أن عجلة سيارته قد أفرغت من هوائها، توقف ونزل بمجرد أن وضع قدمه على الأرض، آخر ما رآه ضحكات أطفال كانت أمنياتها أن يقتني منها مناديل يبيعونها على جنب الطريق تركض تجري تتسابق، نحوه وتصرخ، سيدي، سيدي... قذيفة قنينة زجاجية أطلقت صدمت رأسه فسقط على الأرض دون حركة، وصلت الإسعاف فوجدت الجثة قد أخليت من كل لباس أو حلي لها حتى السيارة اختفت، فقط قطعة قماش صغيرة وضعت أسفل بطن الرجل درءا لعورته، نقلته الإسعاف بسرعة ثم غادرت.
دار الدهر دورته الطويلة، خلق جيل أنشأ بدل الحي حديقة للأطفال، تكسو أروقتها زهور وورود سليلة رفات الطفل لم يُر قبلها جمال مثلها قط، في غرفة الطفل حيث كان جالسا ينجز واجباته، بنيت قبة صغيرة للأطفال عليها يضعون أكاليل ورد وزهر عند كل زيارة للحديقة حزنا على طفل قالوا أنه مات دون أن تقام له جنازة.
04-11-2016
من مواضيعي
0 رواية حرب الكلب الثانية والمسلسل الأمريكي اختلال ضال، أي علاقة.
0 ليلة بيضاء
0 كيف يصنع الطغاة
0 مطاردة لعينة
0 وحام
0 *ليلة الرعب الثانية.
0 ليلة بيضاء
0 كيف يصنع الطغاة
0 مطاردة لعينة
0 وحام
0 *ليلة الرعب الثانية.
التعديل الأخير تم بواسطة أبو اسامة ; 26-06-2018 الساعة 01:58 PM