شا شباب الجزائر ... و ماذا بعد أن نهاجر ؟
25-10-2013, 09:30 AM
أنا إبن هذا الجيل , و أخذت على عاتقي أن أدافع عنه بكل ما أوتيت من قوة , و من سبل الدفاع عنه الإصلاح , أنا لا أدعي الصلاح و لا الإصلاح , لكنني أرفع نداء لعلماء الأمة , و لرجال الأمة , و لكل من يعنيهم الأمر و كلكم و كلهم معنيون , أن يبدؤوا مهمة رفع الهمة , همة شبابنا المسلم الذي أنا منه , و أن يصححوا مساره , ثم إنني سأحاسبكم كشاب مسلم عربي جزائري , على أن تلبوا النداء , هو نداء جيل فهلموا , ثم أيها الشباب , إني سأدافع عنكم , و أني سأنصركم بإذن الله مظلومين , كما سأنصركم ظالمين و هذا بتوجيهكم حسب مبادئي و قناعاتي التي أراها صوابا , و هذا إجتهاد مني ...
تحية إلى أبناء وطني و رجاله :
تحية إلى كل شاب عازم , و إلى شاب جزائري حالم , و مبدع , إلى كل الجزائريين بكامل شرائحهم , من أقصى نقطة في صحرائنا و جنوبنا إلى أقصى نقطة في سواحل شمالنا , و من أقصى نقطة في الشرق إلى نظيرتها في الغرب , تحية إلى الشعب المناضل , و بلده بلد المليون و نصف المليون شهيد ...
أنا متأكد أن في أبناء وطني رجال , متأكد و أجزم بذلك , فنحن الشباب المسلم الجزائري العربي , سليل الشهداء , نشؤ عبد الحميد بن باديس و البشير الإبراهيمي , و لن يحطمونا و مبادئنا بهذه البساطة , نحن أبناء الجزائر ’ نحن للمجد بناة , و المجد و الخلود لشهدائنا الأبرار ...
__________________________________________
جمال الدين الواحدي يكتب لشباب الجزائر
يا شباب الجزائر
ماذا بعد أن نهاجر ؟!
ماذا بعد الهجرة ؟ و المرور إلى الضفة الأخرى , هل سنجد ما حلمنا به ؟ هل سيستقبلنا ما رسمناه عنهم في مخيلتنا من رحابة صدر و ضيافة
و طيب إستقبال ؟ هل نجد هناك في الضفة الأخرى كل ما نريده لأنفسنا من عيش كريم و راحة و سعادة و مال ؟ هل ستحلّ الهجرة كل مشاكلنا ؟ أم أنها ستزيد الطين بلة ؟ هل سنجد كل ما نراه في أفلامهم الوردية و عناوينهم الرنانة ؟ هل الغرب فعلا متطور كما في الأفلام ؟ أم أنهم يرسمون لنا فقط أحلاما وردية ليتركوننا نعيش على وقعها , ثم نستفيق بصفعة من الواقع ؟ هل سنجد لأنفسنا معهم مرتبة و مكانة ؟ هل سيحترمون حقوقنا كالسكن و الوظيفة و الديانة ؟ أم سنجد هناك تنكيلا و إذلالا و مهانة ؟ هل سنجد هناك عزة كالتي تركناها وراءنا و كرامة ؟ أم سنجد وراءنا بحثا و مطاردة و غرامة ؟ هل سنجد في الانتظار كما نتوقع سيارة و زوجة و عمل ؟ هل سنجد هناك ما تركناه في وطننا من صحبة و رفقة و أهل ؟ هل ستغذي هجرتنا ما حملناه معنا من حلم و خيال و أمل ؟ هل وهل و هل ؟ هذه التساؤلات و أخرى , تستلزم منّا مراجعة أفكارنا عن الهجرة ...
إن البعض يتصور أنه و بمجرد الوصول إلى الضفة الأخرى ستحل جميع مشاكله , لكن تصوره خاطئ , فبمجرد أن يحط قدمه هناك , ستظهر مشاكل جديدة , لم يتوقعها أبدا , و لم يحسب حسابها من قبل , ستنسف أحلامه , و تتحول إلى مصدر للإحباط و اليأس ...
دول الغرب من الداخل ليست بتلك الصورة الوردية التي نراها في أحلاما , و تلك التخيلات التي نتصورها عنهم موجودة فقط في أحلامنا و أفلامهم , فالغرب يتبع سياسة خارجية لتحسين صورته في الخارج , قد يذهب ضحيتها شبابنا و شاباتنا , صحيح أن الغرب متقدم نسبيا على دولنا العربية , و إستطاع أن يبني بنى تحتية و نظما إقتصادية و سياسية متينة , و كذلك تأمين الرفاهية و العيش الكريم لرعاياه , غير أنه بين الفينة و الأخرى تطفوا بعض المشاكل في الغرب كالبطالة و الأزمات الإقتصادية , و تعكر صفو الدول الغربية , أي أن بعض الجوانب في الغرب تحمل الكثير من النقاط السوداوية , التي قد تثني شبابنا عن التفكير في الهجرة .
في عالمنا العربي أجمع و في الجزائر , يعيش الكثير من الشباب على حلم الهجرة , بل إن البعض يضع الهجرة كهدف أول يعمل لتحقيقه , و يحلمون بالعيش في الدول الغربية , و يعلقون عليها آمالهم , و حلم فخيال فنظرة , ونظرة فبحث فـفكرة , وفكرة فتطبيق فهجرة , لكن سؤالنا المطروح ها هنا , ماذا بعد الهجرة ؟!
ماذا سنترك من وراءنا ؟ سنترك أمهاتنا و آباءنا يبكون بحرقة , لنذهب هناك و نبكي عليهم بحرقة , تبعات "حرقة" و هجرة , و حياة مرّة , و مشاكل جمّة , لم نتوقعها بالمرّة ، ستبكينا أمهاتنا , سنتركهم من بعدنا و آبائنا يصارعون و يكابدون الصعاب وحدهم من دوننا , لربما يصيبهم مرض و نحن في الغربة , و لربما لن نراهم ثانية و إحتمال هذا وارد سيما و أن بعض الدول الغربية تطول فيها إجراءات الحصول على الجنسية و يصعب فيها تسوية الوثائق , و لربما سيمسهم جوع و شر أو مكروه من بعدنا , هذه الأم الذي ربت و سهرت و ألبست و أطعمت سنتركها وراءنا لنذهب إلى المجهول , هذا الأب الذي عمل و كدّ و مرض في سبيل تربيتنا و جَعلنا رجالا سنتركه وراءنا يبكي في الخفاء , لنذهب إلى المجهول , و نتركه يتحسر , و يرى صورتنا نصب عينيه أينما حل و إرتحل , و تسيل دمعته كلّ ما رأى أقراننا و أصحابنا و أبناء عمومتنا من خلفنا , سيتذكرنا آباؤنا عند كل مجلس , و عند كل صباح , و أمهاتنا كذلك , و سنتذكر بعضنا عند كل عيد , و عند كل حزن , عند كل فرح , عند كل قرح , سيقتلنا الشوق , سنندم على هجرتنا , ستسيل دموع منا و من ذوينا , سنترك مكانتنا هنا بين أهلنا و جيراننا و عشيرتنا لنذهب هناك ننازل من أجل أن نجد لأنفسنا مكانة بينهم , و أي مكانة , لن تصل أبدا إلى تلك التي تركناها وراءنا , و سنبحث عن معالم لأنفسنا , و عن قيمة و عن عيش كريم , سنلاقي هناك العديد من العقبات , كما سنعاني و نقاسي , و ما سوف يزيد من ألمنا أننا سنبقى نتفرج على أبنائنا كيف سيضيعون من بين أيدينا , لأن أبناءنا هناك هم أولادنا على الورق فقط , أما حياتهم فلا دخل لنا بها , أما أخلاقهم و تربيتهم فلا حق لنا في توجيهها و لا في توجيههم .
و شتان كذلك بين الذي ينكح الغربية و الذي ينكح المسلمة العربية , هذا إن ظفر بالغربية , فأغلبية المهاجرين يتزوجون بالغربيات بسبب الوثائق و هم يسلكون لأجل الوثائق كل الطرق , سيما بعد ما يعانونه هناك ,
نظرا لصعوبة الحصول على شهادات الإقامة و شهادة الجنسية , فتصبح الوثائق همّهم و شغلهم الشاغل , لذا نجد بعضهم يتزوج بمن تكبره سنا في سبيل ذلك و حتى منهن العجائز , و الغربية حتى و إن أسلمت لن تربّي أبناءها على عاداتنا و تقاليدنا و لن تبث فيهم قيمنا الإسلامية و العربية بل إنها ستحمل لهم أبعاد مجتمعها و تقاليده , أما المسلمة , فستربي أبناءها على أكمل وجه و أحسن تربية , و تسهل على الرجل تربية أبنائه على الوجه الذي يريده و على مبادئ ديننا و أعرافنا و تقاليدنا , و الإبن الذي يترعرع بين أبناء جلدته , و في أحضان وطنه يستنشق هواءه و يتكلم لهجته , ليس كالذي يتربى في البلاد الغربية يحمل عاداتهم و يتحلى بأوصافهم , فيصير هنا غريبا بين أهله , و فرق بينهما , فالأول يعيش هنا و يحمل في طيات قلبه قيما وطنية خالصة , أما الثاني فإنه لا يكنّ لوطنه مشاعر الوطنية كاملة , و هذا منطقي لأنه لم يولد فيه و لم يتربى فيه و لم يترعرع بين أهله , و بالتالي لا ننتظر منه أن يحبّه و إن كان واجبه حب وطن أبيه , هذا لا يعني أن كل من تربى مهاجرا ليس وطنيا , لا , فمن المهاجرين أولئك المخلصون , و الذين ساهموا حتى في الثورة الجزائرية و كان لهم دور فعال في مجرياتها .

الذي لم تحمله بلاده , كيف لبلاد الغير أن تحمله ؟ و الذي ترك أحضان وطنه , كيف لبلاد أخرى أن تحتضنه ؟ ثم لأجل ماذا نهاجر ؟ من أجل الدنيا ؟ بئسا لها دنيا بدون أحبابنا , و بدون ذوينا و أهلنا , و هي في المتناول هنا في أوطاننا , فقط ببعض من المثابرة و العمل الحثيث , ثم إن عند الله عز و جل خير من هذه الدنيا نستطيع الظفر به هنا , و قد لا نستطيع الظفر به هناك , لأن مبادئنا هناك ستتعرض إلى المساومة , و قد نرضخ لها رغما عنّا , سيحتقروننا, ستبخس حقوقنا , سنعيش في المجهول طبعا هناك , هذا إن وصلنا للضفة الأخرى بخير , لأن الوصول هناك وحده شاق , و ليس بالسهل أبدا , و ليس في المتناول بتاتا
و هو وحده يستحق الجهد و العناء و التخطيط ...
الصورة التي يروننا عليها هناك :
هي صورة سوداوية ملؤها الحقد و الكراهية و تطغى عليها الحساسيات الدينية خاصة , ببساطة لأننا عرب , و مسلمون , في نظرهم مجرد أعداء , جاؤوا لكي يزاحموهم في رغيفهم , و يقاسموهم أوطانهم , و هي تمس بالأخص أولئك الذي احتفظوا بمبادئهم في الغرب , و قد غذت بعض الظروف نظرتهم هذه عنا , فالإعلام الغربي لطالما ألصق تهمة الإرهاب بالمسلمين , و عمل على تشويه صورة الإسلام و المسلمين , و تصوير المسلمين على أنهم ناقصو فكر و حضارة , و هذا طبعا جحود لما قدمه العرب و المسلمون للحضارة الغربية من مقومات و أسس , و لطالما هاجم الغرب تعاليم الدين الإسلامي , و صوروها على أنها رجعية و متخلفة , و ساهموا حتى في نقل هذه الأفكار إلى عمق العالم الإسلامي , لتحطيمها في قلاعها , و لعلمهم أن هذه القيم من شأنها أن تستهوي بعض الغربيين أنفسهم , و هذا ما لا يرضي الغرب , بل إن الإسلام تعرض إلى العديد من الحملات الشرسة , فما بقيت تهمة إلا و ألصقوها به , و لطالما ربطوا الجرائم الوحشية بالإسلام و المسلمين , هذا و قد ساهم بعض المسلمين في ذلك , لأنهم لم يلتزموا بالتعاليم السمحة لديننا الحنيف , كما قد عانى المسلمون كثيرا من العنصرية و القوانين المجحفة التي تمسهم دون سواهم , كمنع رفع الآذان أو لبس النقاب مثلا , او منعهم من ممارسة شعائرهم الدينية , و الأمثلة من ذلك كثيرة ,أما من الناحية الإقتصادية , فقد روج الإعلام الغربي و أشاع بعض الدراسات الموجهة لأرباب العمل أن العرب و المسلمين كسالى و لا يؤدون واجباتهم و أعمالهم على أكمل وجه , و أنهم يختلقون الفرص للظفر بالعطل المرضية و التقاعد المسبق , و هذا ما أدى إلى تغذية مخاوف أصحاب الشركات و المؤسسات من توظيف المسلمين و العرب و توجسهم من ذلك خيفة , و تفضيلهم للغربيين على حساب المهاجرين لمعرفة الغربيين بقوانين بلدانهم و تنظيماتها , و هذا ما يجعل الكثير من المسلمين هناك بدون عمل , و يعانون من بطالة خانقة , و التي هي سبب هجرتهم لربما من بلدانهم العربية , هذا و الإقتصاد الغربي قد ضاق ذرعا بالسكان الأصليين فدائما ما نسمع بحل الشركات و طرد العمّال , فكيف به يوظف المهاجرين , هذه هي حقيقة نظرتهم التي يروننا عليها , إن كنّا ذوي شهادات و معارف , فهم يروننا على أننا أداة للوصول إلى غايتهم , و عمالا نعمل على راحتهم , فإن هم قضوا بنا حاجاتهم , رمونا كما ترمى القمامة , و لطالما عملوا لبعث المتقاعدين و إعادتهم إلى دولهم , ثم أي شهادات , و أي إعتراف , هم لا يعترفون بشهاداتنا حتى , فرُبّ طبيب سيصبح هناك ممرضا هذا في أحسن الأحوال و في أخرى نجارا أو حدّادا , و رُبّ مهندس سيصبح هناك حارسا ليليا , و رُبّ تقني سيصبح هناك سائق أجرة , أمّا المهنة التي سيلتقي فيها كلا الفريقين , بأصحاب الشهادات بعديمي الشهادات , فهي غسل الأطباق و الصحون , و العمل كـنُدُل , هذا لا يعني أن العمل عيب , حاشى لله , فالعمل ليس عيبا أبدا , فسيد القوم خادمهم على رسل المثل العربي , لكن من باب العزة , هذه المهن و أخرى أقل منها قيمة مما نعملها هناك عندهم بكل رحابة صدر , و نعتبر أنفسنا محظوظين لما نجد مكانا للعمل فيها , هنا عندنا نتكبر عليها , فيكفي أن تسأل صغيرا عن مهنة غسل الصحون مثلا , لتسمع منه كل عبارات التهكم و التعوذ و الإنكار , و هذا طبعا للصورة السلبية التي رسمها المجتمع و الخيال الشعبي عن هذه المهن , أما هناك في الغرب فستصبح هذه المهن شريفة , مع الجزم بأنها شريفة هنا قبل أن تكون شريفة هناك , و مجتمعك في بلادك العربية و الجزائرية أولى بك منهم , و هو أحق بأن تعمل له أي عمل شريف , لتساهم في بنائه , و في بناء دولتك و وطنك , هذا و ستأخذ عليه أجرا من عند الله تعالى , و أجرك عند الله عظيم , أما في الغرب , فإنك ستخدم الكفار و المشركين و ستساهم في نهضتهم , و هذا ما يعود في بعض الأحيان بالسلب على إخوتك في الضفة الجنوبية ...
فالطبيب الذي يداوي مرضى المسلمين عند الله تعالى ليس كالذي يداوي المشركين, و الذي يداوي الجنود المصابين الذين يجاهدون في سبيل الله تعالى ليس كالذي يداوي المجند المستعمر و المحتل و يساهم في نصرهم على حساب إخوته مثلا , و العالم الذي يكتشف الدواء هنا ليداوي به مرضى المسلمين أجره عظيم عند الله , أكثر من الذي يكتشفه في الغرب لكي يستعمله مضاربوهم و إنتهازيوهم لإبتزاز المرضى و كسب الدولارات, و الذي يصنع السلاح الذي يدافع به أبناء وطنه عن وطنه الذي هو عرضه و شرفه ليس كالذي يصنعه للمستعمر يقتل به أبناء جلدته و ينكل به بإخوته و أبناء وطنه , و شتان شتان ...
ناهيك على أننا سنعاني من العنصرية , و سنسمع كلمة غرباء في اليوم ألف مرة , ستظل تسمعها أينما حللت و ارتحلت , لأنك في نظرهم غريب و أجنبي لا حق لك في بلادهم , و أنك عالة عليهم , يدفعون من أجلك الضرائب , لأن أغلب المهاجرين هناك يعيشون على مساعدات الدول المعنية لهم , هذا ما ساهم في كره المواطنين الغربيين للمهاجرين , هم إن رؤوا فينا صلاحا و علما و كفاءة منحونا كل شيء فقط من أجل مآربهم , كالسكن و الملبس و المأكل , فقط لأجل أفكارنا و عقولنا , أما إن لم يروا فينا صلاحا , رموننا إلى بلداننا بكل تعنت , فهم كمثال ينقلون السجين إلى موطنه الأصلي , و يستكبرون فيه رغيف الخبز و الطعام الذي سيأكله أثناء مكوثه في السجن , لأنه يثقل كاهلهم , أما العلماء منا و ذوي الشهادات , فيسهلون لهم الهجرة , و يمنحون لهم التأشيرة , و يدعونهم صباحا مساءا , و فرق كبير في المعاملة بينهما ...
و أما من الناحية الأخلاقية فإننا سنواجه نحن المسلمون و الجزائريون مشاكل عدة , فالعادات و العقليات مختلفة تماما , و صعب على المرء هناك أن يبقى متمسكا بعاداته و تقاليده , و هذا ما لا يجعل الإنسان في مأمن على عاداته و سلوكاته , فالمجتمع الغربي لا يوجد فيه مباح و حرام فلكل حريته المطلقة شرط أن لا يمس الآخرين , و بعض المظاهر المحرمة عندنا , عندهم مباحة , ما جعل بعض المهاجرين ينساقون وراء الحرية الملغمة هذه , أما الغرب من الناحية القانونية , فإنه يتسم بالمساواة لا بالعدل , و بعض القوانين هناك في الغرب تجرد الرجل من صلاحياته في بيته و تخولها لزوجته ما يجعل من الصعب التحكم في بيتك و أهلك , كما أن للمرأة كل الحق , فكم من عربي تزوج أجنبية و لمجرد خلاف بسيط جردته من جنسيته و طردته من بيته و صار بفعلها متشردا بدون مأوى , و هذا في مجتمعاتنا نسبة حدوثه قليلة , لما تحمله تعاليم ديننا و تقاليدنا و أعرافنا من سماحة و ودّ بين أفراد الأسرة الواحدة , و ما تحمله معاني الأسرة في مجتمعاتنا كالأخوة و العمومة و الأبوة و الأمومة مفقودة في العالم الغربي , فالشاب ما إن يصل إلى السن القانونية يهجر بيت العائلة , و يقل إحتكاكه بها , أما عندنا فلصلة الرحم حيز هام في حياتنا اليومية , الفردية و الجماعية , في الغرب قد نضطر إلى التخلي عن بعض مبادئنا , أما في أوطاننا فلسنا مضطرين لذلك ...
المهاجر الشرعي , الذي هاجر قانونيا , و بوثائقه القانونية , هو محمي بالقانون بدرجة أكبر من ذلك المهاجر الغير شرعي , هذا الأخير سيقابل في هجرته مشاكل أكبر من الأول , و سيعاني الويلات , و ستقابله المحن , و الغربة لا ترحم , الغربة بصدق لا ترحم , هذا إن مرّ, لأن أغلبيتهم تموت في "قوارب الموت" كما تسمّى , و ينتهي بها المطاف في المياه الزرقاء طعاما للحيتان , و مصدرا لدموع عين الأم , و حرقة كبدها و كذلك الوالد , أو في أيدي شرطة السواحل مكبلا بالسلاسل و القيود , رهين السجون, أو كماكث غير شرعي , لا يستطيع النوم قرير البال , لأنه مطلوب , تلاحقه الشرطة و تبحث عنه في كل مكان , سيمضي أغلب وقته هاربا , سينهكه الهرب , و سيضنيه التعب , و العديد من الإشكاليات و المعضلات الأخرى , التي لن يجد لها حلا , أما الخطر المحدق , فهو خطر المافيا , فإحتمال كبير أنه سيمضي بقية حياته في العمل مع العصابات المافيوية , التي تصطاد مثل هذه الشرائح و تستغلها , و التي ستتخلص منه بمجرد ما تسنح الفرصة , أو بمجرد أن يعصي أوامرها , فكثير من المهاجرين سقطوا في فخ المافيا , و أصبحوا أداة لها تعمل بهم , و تقضي بها مآربهم , ثم ترمي بهم إلى السجون , أو إلى مستنقعات الدماء ...
ناهيك عن إرتفاع الأسعار و أزمات السكن و الأزمات الإقتصادية التي تعصف في الآونة الأخيرة بالدول الغربية , و التي لم يسلم منها حتى السكان الأصليون , فما بالك بالمهاجرين ...
و للإضافة , حتى أراضيهم لن تحملنا بعد الممات , ففي الغرب هناك غرامة تدفعها من أجل الظفر بقبر , فإن لم تدفع احرقت جثتك , أو رميت لأعماق البحار ..
كما أن للّغة دور هام في نجاح الهجرة أو فشلها , فمن يتقن لغات الدول التي هاجر إليها سيسهّل له هذا ترجمة أفكاره , و سيوظفها جيدا , أما الذي لا يتقن لغاتهم , فسيعيدون تأهيله و هذا يستغرق وقتا قد يمتد إلى أكثر من خمس سنين في بعض الدول التي تتسم لهجاتها بالصعوبة , أو سيرمون به إلى ميادين بعيدة كل البعد عن الميدان الذي اشتغل فيه في وطنه ...
الجوانب الإيجابية للهجرة :
الهجرة ظاهرة مثل باقي الظواهر , لها جوانب إيجابية و جوانب سلبية , فلما تهجار لتكتسب معارف جديدة , ثم تعود لتوظفها في وطنك و بين أهلك , هنا نعم للهجرة , و هنا تكسبنا الهجرة أشياء جديدة , و تعمل على نشر أفكارنا و تبادلها مع الضفة الأخرى, الهجرة من هذه الناحية ستفيد مجتمعاتنا , و تساهم أكثر في نشر تقاليدنا و عاداتنا و ستوثق علاقاتنا مع الأمم الأخرى , و ستفتح لنا آفاقا جديدة لإستثمار قدراتنا و توظيف معارفنا , و تساعدنا لتطوير أفكارنا و الخروج بها من قوقعتها , هكذا ستفتح آفاق جديدة لإمكانياتنا , لتوظيفها في النهوض بدولنا , لكن هناك الكثير ممن سقطوا في فخ "هجرة الأدمغة ", أو "هجرة العقول" كما يحلوا للبعض تسميتها , فتجدهم يتحججون بالدراسة للخروج من بلدانهم , و ما إن تسنح لهم الفرصة حتى يستقروا هناك , فمثلا في الجزائر لطالما صرفت الدولة الجزائرية مبالغ باهضة لتكوين دفعات من ذوي المواهب الفكرية في الخارج و صرفت مبالغا طائلة من خزينتها لتسهيل العلم على أبنائها , و بعثهم إلى الخارج لتطوير قدراتهم , لكنهم استقروا هناك و نسفوا بذلك آمالنا المنوطة بهم , و كبدوا الدولة خسائر معتبرة , ليحققوا للدول المُستقبلة أرباحا طائلة , و هذا خضوعا للإغراءات التي أغرتهم بها هذه الدول , كمناصب الشغل و السكن .. إلخ , و العديد من المهاجرين عادوا إلى بلدانهم و استثمروا الأموال التي جنوها في الخارج في أوطانهم و نجحوا في ذلك , و صنعوا بذلك تجارب رائدة للإستثمار في الهجرة , ولما نستثمر في الهجرة و نوجهها فإنها ستعود علينا بالإيجاب , أما غير هذا فالهجرة ستكبدنا خسائر تكمن في أبنائنا و فلذات أكبادنا , مزيدا من فقدان المواهب و الكفاءات ...
هذه قطرة من بحر معاناة المهاجرين , و قد صدرت من شاب جزائري لم يستنشق في حياته هواء غير هواء الجزائر و هو فخور بذلك كل الفخر , و لم يجرب في حياته تجربة البعد عن وطنه الجزائر , و لمن يريد التعمق في الهجرة فليسأل المهاجر , و هو سيحكي له معاناته , و سيعمق له هذه الأفكار , و سيحكي له ما عاناه و ما يعانيه , فلربما يعدل هذا الحالم عن قرار الهجرة , لما سيسمعه من كلام يبكي الحجر عن الهجرة و همومها .
لطالما تحولت الهجرة من حلم إلى وهم , و من مكسب إلى همّ و غمّ ,
فهيا نغير أفكارنا , و نبدلها بأفكار النضال و التغيّر و التغيير , هيا نغير ما بأنفسنا , لنغير واقعنا , هيا نتخلص من أفكار الهجرة , و نغيرها بأفكار المواطنة و خدمة الأوطان بتفان و إخلاص لنغير هذا الواقع المرير والتعيس , قال الله عز و جل " إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ " [الرعد:11] صدق الله العظيم .
إن الهجرة تجربة صعبة , و الغربة تجربة أصعب منها , تستلزم منا أن نعيد التفكير ألف مرة , قبل أن نخطو نحوها , هيا نحاول تغيير أوطاننا إلى الأفضل , لكي نكون في منأى عن الهجرة , فيا إخوتي الشباب , هذه أوطاننا لمن نتركها ؟ و إن نحن الشباب يأسنا من غيرنا يأمل , ثقتنا بالله كبيرة , و ثقتي فيكم كبيرة , يا خيرة الشباب يا شباب وطني , و نحن الذين خاطَبَنا إبن باديس قائلا :
يا نشؤ أنت رجاؤنا و بك الصباح قد إقترب
هيا نساهم لكي تشرق شمسنا من جديد , هنا في وطننا لا في وطن غيرنا , و كما رفعت ندائي من قبل , أنا أعيد رفعه :
يا شباب , يا مئات , يا ألوف ...
هيا نساهم معا
و نضع يدا في يد
للنهوض و الوقوف
و لنبدأ بالكلمات
و الأفكار و الحروف
نعم مثلكم
أعاني قسوة الظروف
هنا حقا نعاني من التهميش
لكن هذا لن يحرمنا من أن نعيش
مِنَ الذِي يقاوم بالقلم
ما تتركه العراقيل من ألم
________________إنتهى و تَمّ______________
جمال الدين الواحدي