تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
  • ملف العضو
  • معلومات
أرسطو طاليس
زائر
  • المشاركات : n/a
أرسطو طاليس
زائر
باكورة مبدعة صاعدة: "غزة"
06-05-2009, 09:13 PM
السلام عليكم،
تقديم:
في الأيام الماضية، وبينما كنت أدرّس تلاميذ أحد أقسام السنوات الأولى ثانوي وقع ناظري على ملف تحمله إحدى التلميذات، استفسرت منها عن محتواه فأخبرتني، بأنه قصة ستقشارك بها في مسابقة للقصة بالمؤسسة. أخذت إذنها في قراءتها، سرها الأمر ولضيق الوقت وواجبات الحصة، طلبت منها أن تحضر لي نسخة منها على قرص مضغوط، لبت طلبي وسلمت لي القرص، تجاهلته لأيام، عدت إليه البارحة: قرأت ما كتبت وأعجبني أشد إعجاب، وهاهي قصتها بين أيديكم لتحكمو عليها:
غزة.

غابت عّظائم الأمر··· فأتت السّّفاسف تجري ··· أغمضت عيني لضوء البرق ··· فبّت مسلوب الأهل والحقّ ··· ناديت بأعلى الصّوت ··· فأهداني الظالم كنف الموت··· فما نجوم السّماء تسمعني ···فكيف وربّك والظلام يأسرني···


في درب ذكرياتي أتتني صوٌٌر ومسامعُ فقد مَررت بأرض الظلام في ليلة عاصفةٍ لا برعدٍ ولا بمطر و إنّما برصاص فسفور يهطلُ فوقَ الرؤوس ٬ فيدوّي ذلك المكان فلا يسلم منه منزل ولا حبوس ٬ وبينما أحلق بنفسي في شوارع الظلماء اصطدَمت بملاك صغير: مستدير الوجه، جميل المحيى ، أسودَ الشعر يتدلى على رأسه الصّغير فيغطي بعضًا من أجزاء عينيه المغرورقتين بالدّموع وقد بدا عليه الاندهاشُ وكأنّه رأى أحد وحوش الظلمة ٬ أخدت أحدّق إليه وهو يبادلني النّظرات ذاتها مستغربًا استغرابَ براءة الأطفال ويرسمُ على وجهه أسئلة كثيرة ·خيّم السّكون علينا ونحن على تلك الحال بعد أن توقفت المعزوفة السيمفونية للأعداء ٬ ولم نخرج من سكوننا ذاك إلا والطفل يتمتم ببنت شفة ٬ لم أتمكن من سماع كلامه جيدا فقد كان يتكلم بصوتٍ خافتٍ وكأنّه يحدّث نفسه ٬ حينها سألته : بماذا تُتمتم يا صغيري ؟ – وقد وضعت يدي على كتفه أهزّها بين الفينة والفينة – تردّد الصغير في الإجابة ٬ ثم ردّ بصوتٍٍ متثاقل الخطى : أمّي ... أمّي ٬ عادإلى صمته و الدّموع تتساقط على خذه اليأسان من جرّاء بشاعة الطغيان.

ما زال الطفل يبكي وأنا أسأله أين هي ؟ فيقول بلهجته الأولى : أخدها الغول الغاشم إلى عالمٍ غريبٍ ٬ جهنّم ٬ ظلام ٬ خفق قلبي بسرعة البرق لسماعي تلك الكلمات وأحسّست بنفسه التي كانت تتمزّق أمامي ٬ فأخذت أخفف عنه لعلَّ وعسى يهدأ روعه ويذهب خوفه إلا أنَّه ظلَّ يرتجف ويبكي أنهار حرقة تارة على أمّه الراحلة وتارة أخرى على ما يخبئ له الزمان من النكبات ٬ فأين سيذهب الآن ؟ من يرعاه ؟ أعدوٌّ أقسى من صلابة الصّخور٬ أو جدران تحكي له الهموم ٬ أم هي القنابل والرّصاص ومخابئ السّجون ؟!

طفل في ريعان الشّباب ··· سأل أين أمّي والأحباب ··· قيل له أعداء الإسلام ··· كفاك يا صغير أوهام ··· أما أمّك فهي في بيت الأحلام ··· وأمّا أحبابك فقد سكنوا التراب ··· ونحن لك بعدهم أعوان ··· فإن شئت مرحبا في أرض الأمان ··· فخسف القمر لذاك الكلام ···


حلَّ الظلام ينشرُ خيوطه القاتمة علينا بعد أن لمَّ الغروب أذياله استحياءً وحشمة من اللَّيل ٬ و الملاك يرفرف بدموع من نّار٬ سألته من أين أنت يا صغير؟ قال : من قرية وراء سفح الجبل ٬ يعبرها النهر والسّهل ٬ شوارعها كالتواء الحبل ٬ قرية تبكي خيانة الأمل ٬ وابن مقدام قد رحل ٬ أتاها العدوّ يقصف الزّهر والرّمل ٬ فما ترك فيها حياة تدبّ ولا أمل ٬ وقد كنت الناّجي الوحيد من قسوة هذا العمل ٬ وأنا الآن هاربٌ من جيوش الظلام ٬ وقد تركتها تتبعني بأسلحة الدَّمار٬ تريد أن تلحقني بسكاَّن القرية الأبرار٬ فأين لي يا حاملة الخير من فرار٬ قلت : لا تخف يا صغير واسكت ٬ امسح دموعك وأنصت ٬ فهلاَّ أخبرتني باِسمك ! قال : سمَّاني جدّي الأكبر٬ سيف الحقّ الأشهر٬ وقال ادعوا له بأن يكون الأمهر٬ ليوقف تقدّم العدوّ الأحمر·
فقلت׃ هلَّ هلالك يا سيف الحق ٬ وزمن المجد قد دقّ ٬ عسى أن تحقق وصية الجدّ في العدوّ الأحمق ٬ وتخلص هذا البلد من أسلحتهم وقائدهم الأخرق ٬ فهيا امض يا سيف الحق ·
لم أكد أنهي كلامي حتىّ أبصرنا دّبابة مدمّرة تابعة للعدّو قد أرست في نهاية الممّر تحمل في عينيها شرارة حقدٍ ٬ وقد بدا عليها التعطش لسفك الدّماء ٬ فخشيت على الطفل قبل خشيتي على نفسي ٬ إلاّ أنّي فوجئت بما رأته عيني من هذا الصّغير فقد أبصّرت في مقلتيه وميضًا يتوهَّج من بركان قلبه الذي ثار حزنا على بلده فيبعث خيوط الحسرة والتحدّي للعدوّ الأرعن ٬ وقد وقف وقفة المجاهد في ساحة الوغى لا يخشى لهيبها ولا مخالبها ٬ أحسّست وكأنّه شابٌ في العقد الثاني من عمره يحمل سلاحا غايته الدّفاع عن أمّه الثانية بعد أن سَرق الأعداء أمّه الأولى ٬ راسماً على ثغره بسمة تحمل استهزاءً لجنود تلك الدّبابة ·
تقدَّمت نحوه سائلةً : ما بك يا سيف ؟

فردَّ بكلمات تجرُّها سلاسل الأمل والشّوق : لا تخافي يا أختاه ٬ صحيح أنّني أسير الظلمة ما دام اليهود على أرضي ٬ ولكنّي أرى بعض خيوط العتمة تنجلي من أمامي وبعض أطراف وصايا جدّي تظهر على صفحة ظلمتي ·

الملاك الحزين نزع عنه رداء الطفولة ··· ومضى في مقتبل الطريق يريد البطولة ··· ليزيح على كتفه الصّغير أطنان الحمولة ··· يبتغي لقاء الوالدة الحنونة ··· بعد أن اكتسى ثوب الرجولة ··· وقد ردَّد عاليا كفانا خمول ··· وقرار الاستسلام واجب فيه العدول ·


أخد الاندهاش يسري في عروق وجهي واحمرّت وجنتاي وأنا ألاحظ الصّغير سيف يُخرج من فم صروا له البالي شيئا مستديرا ٬ وقد أعطى العنان لقدميه
بخطواتٍ يرسمها بتفان ويُرسلها في لوحةٍ خلابةٍ إلى والدته ; يشتكي إليها بقلب بريء بشاعة الطغيان وكلّه أمل في لقائها ٬ حتى اقترب شبه الاقتراب من الدّبابة رفع ذاك الشّيء عاليا – إنَّها كُرة متفجّرات أجل إنَّها كذلك – ورماهُ صَوب مقدّمة الآلة ٬ ثواني وتنفجر٬ فتصير تلك الآلة هشيما تذروه الريّاح تحكي للذين تلتقي بهم وصمة عار قد ألحقها بها طفل ثائر٬ فلم يبقى منها سوى أشلاء متناثرة في الهواء قد احتضنها فيما بعد أديم الأرض ·
مازال العجب العُجاب يزورني وأنا وسط غمرة تلك الأحداث ٬ سألت الملاك من أين له بتلك المتفجّرات ٬ فقال إنّها من أمّه أعطته إيّاها في بداية الاجتياح على القرية ٬ وكأنَّ الأمّ أحسّت بالخطر على طفلها قبل مماتها ·

سمعنا بعد ذلك صوت دبَّابات أخرى تقترب منّا مرسلة إنذار الخطر مهددة بالانتقام بعد سماعها لصوت الانفجار٬ ٲمسكت بيد الصغير عازمة على الهروب من ذاك المكان قبل أن يصيبنا شرّ من شرورها ٬ إلا أنّي فوجئت بسيف وهو يرفض التحرّك من مكانه بحجّة قوله :


ما عاد الهروب ينفعني ٬ وأنا أغرق في بحر ظلمتي ٬والعتمة تسري في عروقي ٬ وقد أشفقت على نفسي من آلامي ٬ وعلى روحي من أسري ٬ وإني لأريد أن أطلق سراحها بعد العناء ٬ فاتركيني أستريح من همّ الجبال ·

روح الملاك يخنقها الظلام ··· فبات أسيرا اليوم قبل الغد ··· إذا دخل في جوفه ارتطم··· بعباب بحر يمخر الحزن فينكسر ··· القلب البريء هام على أشواك


نفسه فاحتُجز ··· في كومة الظلماء انسُلخ ··· من أحاسيسه ومشاعره سُرق ··· فيا قلب فداك تلك النفس لتقطعاتك تنقطع·


امتلأت عيناي بالدّموع وأبت أن تسقط على خدّي من جرّاء سماع تحرقات هذا الصّغير الحزين ٬ وغصَّات آلامه اللامتناهية ٬ فأشفقت عليه وأخذت أرجوه بالذهاب ٬ لكن باتت محاولاتي له من دون فائدة فقد عضَّ بالنَّواجذ على موقفه ·
وقف الصّغير ينتظر الموت وقد فرش له بساطا من شوق ٬ والأحلام ترسم له صورة والدته تحمل في يديها كنفا أبيضا كبياض قلبه ٬ أتراه حنﱠ إليها أم سئم من حياته أم هي البطولة والشَّجاعة تُصوّر له أحلامه ؟!.

تأهبَّت مدافع الدبّابات للإطلاق فخرجت من قلبها شعلة من النّار اتّجهت بسرعة البرق إلى جسد الملاك ٬ فتمزّقت جناحاه و امتلأت ثيابه بدم طاهر وارتوت الأرض به٬ اسودَّت السّماء حزنا عليه وانكسر حاجز الظلمة الذي كان يؤرّقه فباتت روحه طليقة حرّة تسبح في الأثير مرسلة خطابا إلى أرض الظلام تعدهبالعودة بعد الفراق وبعدها تكمل رحلتها إلى بارئها ٬ بعد أن دافعت عن وطنها وتخلصت من قيود أسرها فعاشت عزيزة ٬ قد حضنت النّور وودَّعت الظلام ·


الملاك الأسير في جنح الظلام ٬ ودّع الحياة كما ودّع العدوان ٬ رحل إلى ربّه ٬ فلا أحد ولّى شأنا لأمره ٬ ولم يكترثوا لمعاناته أو كدره ٬ إلا السماء قد رثته ببكائها فكان مشهدا تنفطر له الوجدان ٬ لتطل الشّمس بعدها من وراء السّحب معلنةً فجرًا جديد ·

غابت سفاسّف الأمر··· فأتت العظائم تجري ··· أغمضت عيني لبريق الحلم ··· فصّرت بين الأهل والحقّ ··· ناديت بأعلى الصّوت ··· فخاف الظالم وأخذ معه كنف الموت ··· لأنّه أبصر أخي إلى جانبي ··· فنجوم السّماء تسمع وتلبي ··· فكيف وربّك وأنا أجول في حريتي ···


بعد هذه الذكريات المؤلمة أكملت دربي وفي كل محطّة من محطّاته يوقفني الزّمان ليقصّ عليَّ بعض نائباته قد أرسلها من نواح أحداثٍ قد سكنت الأحزان في أمصارأمَّتي يَعدُني بالهلاك إن أنا لم أقصّها لأخي وأذكّره بها لعلَّ وعسى ينتفع فيستيقظ من سباته ويخلع عنه ثوب الجبن والخياّنة ٬ فذكّر فإن الذكّرى تنفع المؤمنين·
أ. ر.
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية aNiSSa09
aNiSSa09
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 28-03-2009
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 436
  • معدل تقييم المستوى :

    16

  • aNiSSa09 is on a distinguished road
الصورة الرمزية aNiSSa09
aNiSSa09
عضو فعال
رد: باكورة مبدعة صاعدة: "غزة"
07-05-2009, 04:12 PM
أسلوب رائع و تصوير أروع ... و حقائق في مشاهد حزينة... و عجز لحق لساني .. و كلمات عرت الجبن و كشفت ضعف أناسٍ معنيين في قوة ذلك الصغير... قصة حدثت و ما زالت تحدث و تتكرر في تلك الأرض الطاهرة... بوركت بنتاً حساسة واعية .. أكيد مستقبلها زاهر واعد...
لك مني كل الاحترام و التقدير
بعد كل غروب شمس ... إشراقة جديدة
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية سُهَادْ
سُهَادْ
مستشارة
  • تاريخ التسجيل : 14-06-2008
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 2,012
  • معدل تقييم المستوى :

    18

  • سُهَادْ is on a distinguished road
الصورة الرمزية سُهَادْ
سُهَادْ
مستشارة
رد: باكورة مبدعة صاعدة: "غزة"
08-05-2009, 04:49 PM
الأجيال القديمة كانت تسمع عن الحروب
ولايعرف معناها إلا من رآها
أما جيلنا فهو يرى المآسي يوميا
بفض وسائل الإعلام
ولذا هو متشبع بمظاهر القتل والبؤس
هو شيء إيجابي من جهة
لأنه جعلنا نتعرف على (الصهاينة) عن قرب
ونعرف حقيقتهم........

من أجل ذلك ظهر تأثر هذه الفتاة بالقضية.........
جميلة هذه المبدعة
وأسلوبها رائع

عندي ملاحظة:
صرواله:الصحيح:سرواله
دونَ مساحيقْ
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية هجورة
هجورة
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 27-06-2008
  • الدولة : !! His HEART !!
  • المشاركات : 5,054
  • معدل تقييم المستوى :

    21

  • هجورة will become famous soon enough
الصورة الرمزية هجورة
هجورة
شروقي
رد: باكورة مبدعة صاعدة: "غزة"
08-05-2009, 07:57 PM
كلمات ملأى بالحزن..جميل أن تكتب فتاة في مثل هذا السن قصة رائعة كهذه

رائعة بكل ماتحمله هذه الكلمة من معنى

تستحق الاهتمام فموهبتها جميلة جدا

شكرا لك أستاذ على نقل القصة وتحية للتلميذة
عـتبانْ قلْبـي عَ البـشر كلّـها..


مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 03:19 AM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى