قراءة في كتاب: " البوادي المغربية قبل الإستعمار " للدكتور عبد الرحمان المودن
24-08-2009, 11:32 AM
مـرحـبـا



عنوان الكتاب: البوادي المغربية قبل الاستعمار
قبائل إيناون والمخزن بين القرن السادس عشر والتاسع عشر
المؤلف:عبد الرحمان المودن
الطبعة الأولى:1995
عدد الصفحات:455
منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط
سلسلة رسائل وأطروحات رقم 25
ـــــــــــــــــــــــــ

عرض الباحثة: حفيظة بن دحمان
- جامعة الجزائر-


* أصل الكتاب: هو رسالة قٌُدمت إلى شعبة التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط بتاريخ 06 جويلية 1984، أمام لجنة مكوّنة من السّادة الأساتذة " إبراهيم بوطالب " رئيسا، " جرمان عياش " مقررا، و" أحمد التوفيق والعربي مزين " عضوين، فنال بها المؤلف دبلوم الدراسات العليا (السلك الثالث) بميزة حسن جدا مع توصية بنشر الرسالة.
*موضوع البحث: تناول تاريخ قبائل " إيناون " وعلاقتها بالمخزن على امتداد ثلاثة قرون ( من القرن السادس عشر الميلادي إلى التاسع عشر)، وقد انطلق الباحث من إشكالية أصلية تتمحور حول سبب انخراط قبائل ممر تازة بكل ذلك الحماس في ثورة "بوحمارة " (الجيلالي الزرهوني): « فهل كان السبب مجرّد أنهم ناس بسطاء وذوي عقول سخيفة استطاع من خلالها الجيلالي الزرهوني (بوحمارة) أن يستولي على أفئدتهم ويوجّهها ضد المخزن؟ أم أن الأمر يتطلب الغور في أصل هذا الحماس بالكشف عن ملابسات المرحلة السّابقة؟ »
وضرورة الإجابة عن هذا التساؤل هي التي قادت الباحث لتحويل نظره من حركة الجيلالي الزرهوني، إلى ما قبلها، مما قد يفسر مدى ما لقيه الزرهوني من دعم عند قبائل هذا الممر، وكانت إشكالية البحث الجديد تتجه ﻠ: علاقة المجتمع القروي والدولة قبل الاستعمار، انصب من خلالها اهتمام الباحث على ماضي قبائل إيناون، بيئتها، علاقاتها المتبادلة، وأشكال ومستويات علاقاتها مع السلطة المركزية.
* وللإحاطة بالموضوع، قسّم الباحث هذه الدراسة إلى ثمانية فصول، أدرجها تحت ثلاثة أبواب:
أما الباب الأول فعنونه ﺒ " البيئة والإنسان في إيناون"، وقسمه إلى ثلاثة فصول تناول في أولها الإطار الطبيعي لإيناون وأهميته التاريخية، فهي منطقة حوضية تشرف على وادي إيناون الذي تتمحور حوله تلال الحياينة والتسول شمالا، وهضاب وجبال بني وراين وغياثة جنوبا (أنظر الخريطة).
ويرى الباحث هنا أن الظروف الطبيعية من تضاريس ومناخ مثلت مرتكزات دفاعية هامة بالنسبة للسكان المتعاقبين في هذه المناطق، سواء ضد الغزو الأجنبي أو حتى السلطة السياسية القائمة بفاس.
وأشار الباحث في الفصل الثاني إلى انتظام المنطقة حول وضيفتها كمسلك ضروري بين الشرق والغرب، والتقلبات البشرية والسياسية الماضية قبل منتصف القرن التاسع عشر في حوض إيناون، سواء ما تعلق بمحاولة الاستيلاء عليها من طرف السلط المتعاقبة بفاس أو تلمسان أو حتى إفريقيا...
أو من خلال التحام الدين بالتجارة عبر القافلة الحجية والتي استمرت تعبر إيناون مرتين في السنة حتى أوائل القرن التاسع عشر.
ويلاحق الباحث - في الفصل الثالث – تفاصيل المراحل الكبرى للتشكل القبلي انطلاقا من إشكالية ظهور أسماء لمجموعات قبلية (مثل الحياينة، بني وراين)، واختفاء أخرى (مثل بني مكود، بني وريثن)؛ وتطرق لنشاط قبائل إيناون الاقتصادي، حسب مقاربة اقتصادية- اجتماعية للقبائل الأساسية في الحوض.
و في الباب الثاني المعنون ﺒ "السلطة المركزية وقبائل إيناون" ينتقل الباحث لتحليل الحكم المخزني وركائزه المحلية بإيناون، كمحاولة منه لاستجلاء الصورة المحلية عن السلطان والمخزن.
وتطرق لأهمية إحداث مؤسسة " أمناء القبائل " على أساس أنها من أشكال طرق التحكم المركزي في الحياة المحلية (الأعيان، الأشراف، الأمناء، الأشياخ، القواد).
وفي نفس الباب تناول ظاهرة "الحركة والجباية" بهدف تحليل وسائل الحضور المخزني وغاياته عبر مسألة المحال والحركات وأشكال الجباية، و"الحَرْكَة" كما يصورها الباحث هي "رد فعل مخزني استدعاه موقف سابق من طرف الفرقة أو القبيلة"، سواء كان توجه الحَرْكَة بطلب من القائد أو الشريف المحلي أو بقرار من السلطان.
وفي الباب الثالث والأخير تطرق الباحث ﻠ " بَوَادي إيناون والرموز المخزنية " حيث ركز من خلالها على علاقة القبيلة والمدينة وما شابها من أشكال المواجهة بينهما، بالإضافة إلى التجارة عبر إيناون كنشاط لفائدة المدينة، ومنهخلص الباحث إلى أنّ المسلك رمز من رموز المخزن.
ثم أخيرا الانتفاضات القبلية (غياثة نموذجا) تعرض من خلاله لحركة الانتفاضة التي قادها "بوعزة الهبري"، وما تلاها من توتر في العلاقة بين إيناون ( البادية) والمخزن (رمز السلطة).
* إن قراءة واحدة - وحتى اثنتين- لهذا الكتاب، غير كافية بالمرة للإحاطة بجميع الكنوز التي احتوى عليها، فالموضوع الذي تناوله الباحث في غاية الدقة والخصوصية، لدرجة أن الباحث اعتبر الخوض فيه " مغامرة "، فقد حدد مجاله بالتاريخ القروي (البوادي)، ولم يكن يتوفر عند انطلاقة البحث إلا على النزر القليل من الوثائق ، واستمر لسنوات طويلة في البحث والتنقيب... والذي يهمنا من هذا أن حصيلة الجهد الذي بذله الباحث قد أثمرت في النهاية أكثر من ألفي وثيقة، جمعها الباحث من مختلف المصادر منها:
- المصادر الأجنبية: كتب الرحلات الاستكشافية، الوثائق والمراسلات العسكرية والدبلوماسية (أهمها الفرنسية والإنجليزية)، الوثائق الإسبانية والبلجيكية... وتحوي على تقارير، خرائط، إحصائيات، مراسلات مغربية مترجمة أو أصلية.
- المصادر المغربية: تمثلت أساسا في:
· الرواية الشفوية: التي لجأ إليها لتعويض انسداد باب الوثيقة المكتوبة، لكنه استخلص من تجربته أن الأسئلة التي يمكن أن يطرحها الباحث على الرواة تتقوى أكثر كلما توسع اطلاعه على الأصول المكتوبة.
· الأصول المكتوبة: منها الكتب، الرحلات الحجية أو الحجازية، النوازل والأجوبة.
· الوثائق المخزنية: المتوفرة بالخزانة العامة بتطوان، الخزانة الحسنية (رسائل، قوائم، كنانيش...)
وأكد الباحث أن المصادر المغربية تزخر – عكس ما يُشاع- بمعلومات دقيقة تتعلق بالجباية، الجيش، القياد، التجارة، الفلاحة... غير أنه اعترف بالصعوبات التي واجهها في الحصول على الوثيقة المكتوبة في الداخل، في حين وجد تسهيلات لذلك في الخارج.
ومهما يكن من أمر فإنّنا نشهد للباحث بقدرته الفائقة على التوثيق وجمع المصادر والمراجع وحسن توظيفها في المكان المناسب، والأكثر لفتا للانتباه اقتداره اللغوي وجمعه بين جمالية المبنى والمعنى معا، وليس هذا فحسب، بل تمكنه من إلغاء أحادية الاختصاص والحواجز العلميةالفاصلة بين الاختصاصات barrières disciplinaires، والاستفادة من علوم أخرى في بحثه لاسيما الأنثربولوجيا.
والشيء المثير في هذا البحث أنه يطرح قضايا قد تبدو متنافرة فيما بينها (الطبيعة، السياسة، التمردات، الاقتصاد، الدين...) حتى إذا أخضعها للتحليل والمناقشة والربط، أمكننا من فهم الظاهرة التي يرمي إليها بشكل علمي وموضوعي دقيق.
لقد كشف لنا هذا البحث عن محددات العلاقة بين التجمعات البشرية في البوادي المغربية قبل الاستعمار، وبين المؤسسات المخزنية من خلال نموذج حوض إيناون، وفصل في علاقة متشابكة بين الطرفين فرضتها الظروف الطبيعية، السياسية، الاقتصادية، المحلية والخارجية...
وقد سلّط الضوء على الجانب المخفي من تاريخ المجتمع المغربي عامة والقروي خاصة، وأعطانا صورة متكاملة عن هذا المجتمع وأوجه التأثير بينه وبين غيره.
واستطاع الباحث الولوج إلى عمق حياة الإنسان في هذه البوادي، سواء عن طريق الرواية الشفوية أو بواسطة مراسلات أعيانها مع المركز، كما استفاد من الوثائق الرسمية (وثائق المخزن) دون الانسياق وراء التصورات التي تحملها، واستطاع تفكيك رصيد الكتابة الاستعمارية حول إيناون، حيث وظف ما هو علمي، واستبعد كل ما هو إيديولوجي ومغرض.
ولا ضير أن نعترف أنه تمكن من تصحيح الصورة الدارجة لدى البعض حول سكان البوادي، الذين يعتبرونهم "غوغاء"، سذّج، هامشيون... وأبدلها بصورة إنسان منخرط في علاقات معقدة (محلية، مركزية، داخلية، خارجية...).
وفي هذا البحث أثار الفضول حول جانب مهم لا يزال مجهولا حول علاقة الجباية بالإنتاج؟ ويرى المؤلف أن البحث عن ذلك يتطلب تحليل سلاسل من أرقام الإنتاج تغطي المدة القرنية، حتى يمكن ضبط الانكسارات التي تبرز بين حركة الإنتاج وحركة القبض، مما قد تفيد فيه القوائم الحسابية.
وجدير بالذكر أن الباحث نوّه في كتابه لمدلولات بعض المصطلحات التي تناولها مثل المخزن، الحَرْكَة، المحلّة... ونبه لاستخدامها وفق سياقها الصحيح، حتى لا تضلل الآخرين.
وفي الأخير نختم القول حول هذا الكتاب بأنه يشكّل رصيدا هاما في تاريخ المغرب الأقصى بشكل خاص، وتاريخ المغرب الكبير بشكل عام، وهو مؤلَّف فريد من نوعه من حيث تناوله لتاريخ البوادي المُغْفل، وتسليطه الضوء على العلاقة بين القبائل المهمشة والسلطة الحاكمة، واعتماده على كمّ هائل من الوثائق المختلفة، التي أحسن الباحث استنطاقها واستغلالها والاستفادة منها بشكل منهجي دقيق وموضوعي.

- ملحق -
التعديل الأخير تم بواسطة الزنبقة السوداء ; 27-08-2009 الساعة 09:42 AM