تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
منتديات الشروق أونلاين > منتدى العلوم والمعارف > جديد الكتب والدراسات

> مع المفكر الإسلامي والفيلسوف الجزائري مالك بن نبي

 
أدوات الموضوع
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية اميره الورد
اميره الورد
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 02-03-2009
  • الدولة : كويتيه مقيمه بجده..
  • العمر : 34
  • المشاركات : 147
  • معدل تقييم المستوى :

    16

  • اميره الورد is on a distinguished road
الصورة الرمزية اميره الورد
اميره الورد
عضو فعال
مع المفكر الإسلامي والفيلسوف الجزائري مالك بن نبي
22-03-2009, 01:30 AM
مفكر النهضة
الفيلسوف الجزائري
مالك بن نبي




بقلم حُسنى














من بين المفكرين العرب المسلمين الذين أبدعوا في مجال الفكر الحضاري؛ الذي لم يطرقه قبل


سوى ابن خلدون ، مفكر جزائري لم يوفَّ حقه من التعريف والاهتمام بما تركه من كتابات تنيف عن العشرين مؤلفا، إنه “مالك بن نبي”



لقد ولد مالك بن عمر بن الخضر بن مصطفى بن نبي سنة 1905 م في مدينة تبسة؛ وهي مدينة صغيرة أقرب إلى البداوة آنذاك منها إلى المدنية، وتربى داخل أسرة فقيرة ومتدينة؛ حيث تأثر بما كانت تحكيه له جدته من حكايات دينية، كما تأثر بوالدته التي كانت تعمل بالخياطة لتوفير مصاريف البيت وتعمل كل ما في وسعها ليدخل ابنها المدرسة ويتعلم .
كان وجود الاستعمار الفرنسي في تبسة ضعيفا؛ ولذلك لم تنتشر هناك تلك العادات الذميمة التي نقلها الاستعمار للجزائريين من تدخين و تصعلك وارتداء للزي الغربي الغريب بدل الزي المحلي الذي يرمز للتشبت بالهوية العربية الإسلامية آنذاك، فثابر الناس هناك على تعلم العربية و التشبت بالإسلام لمقاومة ذوبان الهوية الجزائرية في هوية المستعمر.
تلقى مالك تعليمه الابتدائي والإعدادي في تبسة ثم انتقل إلى قسنطينة ليدرس بالثانوية بعد حصوله على منحة دراسية لا يحصل عليها عادة من هم من طبقته الاجتماعية.
هناك ؛ في قسنطينة؛ اتسع أفقه المعرفي،فكان يدرس بالمدرسة الفرنسية بالموازاة مع حضوره للدروس بالمسجد، فتعلم تذوُّق القراءة بفضل أستاذه الفرنسي، كما تعرف على مجلة الشهاب التي تصدرها جمعية العلماء المسلمين، برئاسة عبد الحميد بن باديس، كما اكتسب منهجا عقلانيا في التفكير انتزعه من الخرافات التي كانت سائدة في مجتمعه آنذاك .
عندما أتم دراسته الثانوية هاجر إلى فرنسا بحثا عن عمل لكن خيبة الملل كانت في انتظاره، ممَّ جعله يعود للوطن ليعمل في وظيفة بمحكمة آفلو بالجنوب الجزائري ، لكن لم يمضِ سوى عام واحد حتى غادرها ليدخل مشروعا تجاريا فاشلا؛ ومن ثَـم َّيعود مرة أخرى بعد إلحاح من والديه لفرنسا ؛ ولكن هذه المرة لإكمال الدراسة لا للعمل.
ذهب وكله طموح ورغبة في أن يتابع دراسته من أجل أن يتخرج محاميا، وأعد نفسه للامتحان جيدا ولكن إدارة المعهد لم تكن لتقبلَ بولوج جزائري إلى مجال حساس كهذا، مثَّلَ هذا الحادث ضربة قاسية له جعله يحس بمدى الظلم و القهر الذي يعيشه المواطن الجزائري على يد الاستعمار الفرنسي ، عدَّل مالك من أهدافه لكي لا يعود أدراجه مرة أخرى إلى الجزائر خاوي الوفاض.فالتحق بمعهد اللاسلكي ليتخرج منه مساعد مهندس.
تزوج مالك من امرأة فرنسية ساعدها حتى اعتنقت الإسلام؛ فكانت عونا له، واستقر بفرنسا مع تردده على الجزائر من حين لآخر.
في هذه الفترة تعرف على عدد من مفكري وأدباء الأمة بفؤنسا واحتك بهم عن كثب؛ فألف كتبه :”الظاهرة القرآنية” و”شروط النهضة” و”وجهة العالم الإسلامي”.
لكنه عند بداية المقاومة المسلحة بالجزائر انتقل للإقامة بالقاهرة؛ فألف كتابه”فكرة الإفريقية الأسيوية“ .
وبعد الاستقلال يعود للوطن ليعمل مديرا للتعليم العالي لكنه يستقيل من عمله هذا سنة 1967 ليتفرغ للتأليف فكان كتابه “مذكرات شاهد من قرن” الذي هو في الحقيقة سيرة ذاتية تروي أحداث كل محطات حياته .
‏ وقضى نحبه رحمه الله في يوم 31 أكتوبر 1973م عن سن يناهز ثمانية وستين سنة…..


مقارنة بين مالك وابن خلدون


لقد تبنى مالك ابن نبي منهجا لم يسبقه إليه سوى القليل.
وكان رائدهم العلامة العربي المسلم ابن خلدون، فهو يشترك معه في العديد من الأفكار،
لقد تركز بحث كليهما على القضايا الأساسية التي تشغل المسلم بغض النظرعن انتمائه الإقليمي
لذلك جاءت أفكارهما متجاوزة للحدود الضيقة بين الأقطارالمسلمة
كما جاءت شمولية وكلية وبعيدة عن التفكيك و التجزئة
في عالم الأفكار
أبدع المفكر مالك بننبي أفكارا متميزة في البناء الحضاري
سواء بخصوص الاستعمار أو التبعية أوالنهضة أو الثقافة أو الحضارة
فدرس هذه القضايا من جميع جوانبها وأبدع فيها وطورها بعيدا عن أي عصبية أو مذهبية
ممَّ خولها من الانتشار و القبول
قوة الحضارة في عودتها لمنبعها
ومن بين أفكاره العبقرية أن أي حضارة لن تنهض من جديد إلا في ظروف نشأتها الأولى
ثم انتقل ليقرر خصوصية الحضارة الإسلامية التي انبنت على الفكرة الدينية ،
ومن ثَمَّ فتحقيق النهضة الإسلامية حديثا لن تتم إلا بالرجوع لمنابع الدين
ولهذا جاء في الآية الكريمة ” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” الرعد 11
الإنسان بين ثلاثة عوالم
اكتشف مالك أن الإنسان يتردد بين ثلاثة عوالم: عالم الأشياء وعالم الأشخاص وعالم الأفكار
وضرب مثالا بالطفل يولد فيلتقم ثدي أمه
الذي لا يمثل بالنسبة له سوى شيئا يمكن أن تقوم الرَّضاعة مكانه،
ولكنه لن يلبث أن يتعرف على أمه ثم باقي المحيطين به
أي أنه ينتقل من الأشياء إلى الأشخاص ،
ثم يكبر شيئا فشيئا فيبدأ في التفكير ويمارس جميع عملياته من تحليل وتركيب وتجريد ..
والإنسان أمامه طريق ثان لملء فراغه
فإما أن ينشغل بما هو على الأرض من أشياء فتتولد لديه الرغبة في امتلاكها
وإما أن ينظر للسماء فيبحث عن الحقيقة ويتطلع للمعرفة
ثقافة الأفكار وثقافة الأشياء
هاتان الطريقتان هما المتمثلتان في العملين الأدبيين و الفلسفيين :
حي بن يقظان للفيلسوف العربي عامر بن طفيل
وروبانسون كروزو Robinson crosoé للكاتب دانيال دوفوي Daniel de foé
فالقصة الأولى تمثل ثقافة الأفكار التي تنشأ عنها حضارة أخلاقية
تتمحور فيها الأشياء حول الفكرة ،
بينما قصة روبنسون كروزو تمثل ثقافة الأشياء التي تنشأ عنها حضارة تقنية
تتمحور فيها الأفكار حول الشيء .
انحطاط الحضارة قرين بظهور ثقافة الأشياء
لكن من سنن الله الحضارية (أي القوانين التي تحكم الحضارات)
أن أفول حضارة ما يبدأ بظهور الأصنام والأوثان و التراجع في عالم الأشخاص
وهذا ما حدث إبان تدهور الحضارة الإسلامية
حيث توازى الانحطاط معظهور المشعوذين و الدجالين وتحكمهم بعقول الناس
ولم تعد هناك سلطة للعقل والفكرة ..

المسلم بين السلفية و الحداثية
لقد شغلت مالكا مشكلة المسلم الخامل الذي غرق في سبات عميق فدرسها دراسة معمقة بحثا عن اسبابها وجذورها حتى يتمكن من وصف العلاج لها، فاكتشف انها مشكلة متعلقة بالحضارة فبينما كل العالم يتقدم إلى الأمام يجد المسلم نفسه في تقهقر مستمر إلى الخلف فاستسلم لذلك معتقدا أن الرجوع لصف الريادة أصبح مستحيلا
فانقسم المسلمون إلى قسمين
قسم كلما حدثته عن التقدم و الحضارة عاد ليعيش في الماضي وامجاده يقص عليك كيف كان المسلمون الأولون وكيف بنوا حضارة بلغت جميع اقطار العالم وان ما يوجد الآن قد استمد منها ….ويمضي في الحنين إلى الماضي دون ان يفكر في مستقبله وفي وضع المسلمين الحالي وان ما فعله اجداده إنما كان نتيجة تمسكهم بمنهج متقن ليس فيه حظ للكسل و التقاعس والاستسلام فغاب عنه أن الحل ليس في الكلام عم مضى بل في اتباع منهج الأجداد لنسترجع المجد و التقدم
وقسم آخر رأى في الغرب النموذج الناجح الذي يجب ان يحتدى ونسي تماما ماضيه و جذوره
بل رغب في محو كل ذلك معتقدا ان هذا الماضي هو من يجره إلى الخلف ويمنعه من اللحاق بمصاف الدول المتقدمة ، هؤلاء هم دعاة الحداثة المبهورون بكل ما هو غربي، المعادون لكل ما هو أصيل
حين عالج مالك مشكلة الحضارة عند المسلمين لم يوافق لا هؤلاء ولا أولئك ، فهو ليس مع السلفية السطحية التي لا تدخل لجوهر الماضي لتستنبط منه اسباب النجاح فتطبقها على حاضرها ، بل تتعلق بالماضي كقشور جوفاء
كما انه ليس مع من الفكر الحداثي الذي يجعل المسلم جاهلا بماضيه مجثتا من جذوره كل همه أن يقلد الغرب في كل ما ذهبوا إليه دون أي تمييز
إن كون مالك لم يوافق كلا الفريقين هو ما جعل أفكاره تُغيَّبُ على المسلم العادي الذي يصنع التغيير المنشود من اجل التقدم ، فلا السلفيون نشروا أفكاره ولا الحداثيون فعلوا، وبقيت الحلول الحضارية التي طرحها حبيسة كتبه
وكما يعتقد مالك فانتشار الفكرة لا علاقة له بصحتها بقدر ما له علاقة بتفجرها وخروجها عن المصدر الذي ولدت فيه إلى عقول أفراد المجتمع حتى يؤمن بها وتترسخ فيها وتصبح جزء من ثقافتها
فيمكن آنذاك تطبيقها
كما انه كان على وعي تام من أن الفكرة حين تكون غريبة عن وسطها فإنها ستحتاج لوقت حتى تفهم ثم يتسنى لها التطبيق

العقل و العلم هما السبيل لرفع التحديات
كلا المنهجين اللذين انتقدهما مالك بن نبي ( المنهج السلفي الماضوي و النمهج الحداثي المتغرب) قد فشلا في صنع التغيير
إذ الأول عانى من غربة في الزمان لأنه حاول حل مشكلات القرن العشرين الحديثة بآليات اجتهاد قديمة، أما الثاني فقد عانى من غربة في المكان لأنه حاول زرع بذور مستوردة من الغرب في تربة شرقية فلم تفلح زراعته
كما أن الغرب نفسه يعيش أزمة حقيقية تمثلت في الاندحار الأخلاقي الذي أوضح بقوة أن الفلسفة الغربية المنطلقة من الماديات لم تعط سوى بنيانا حضاريا هشا
يتحول العالم كله في وقتنا الحالي تحولا سريعا مبنيا على المعرفة أكثر من الصناعة التي احتلت الصدارة في وقت من الأوقات
لذا نرى أن سيلا كبيرا من المعارف و المعلومات يطرح في العالم كل يوم وللأسف لا يشارك العالم الإسلامي في كل هذا السيل سوى بنسبة قليلة جدا تكاد تتجاوز بالكاد الصفر
ولهذا صار العقل هو السلاح الوحيد الذي يكفل تقدم أمة على أخرى ، فالأمة التي يحسن أفرادها استعمال عقولهم لبناء المعرفة هي الأمة التي تستحق التقدم و الريادة
فرصة للانطلاق من جديد
كل هذا جعل الآن الفرصة مواتية لتبني فكر مالك بن نبي في عصر المعلومات و العولمة
ولم يبق لنا سوى نشر فكر هذا المفكر النابغة وإخراجه من بطون مكتبات النخبة إلى أيدي المسلمين العاديين بالمجتمع ليتحول من مجرد أفكار نظرية إلى أفعال وممارسات وسلوكيات يومية ( فقوة الكلمة ليست في وجودها بين الكتب بل في رسوخها في عقول الناس العامة وإيمانهم بها واتخاذهم لها مبادئ في حياتهم يعيشون بها ويدافعون عنها ويجسدونها في سلوكهم كل يوم بل كل لحظة)
كفانا حديثا عن أصالة الإسلام وكونه الحل، فهذا أمر أعتقد أن أغلبية الناس العاديين مقتنعون به
علينا الآن أن ننتقل من مجرد الكلام والدفاع عن الإسلام إلى الفعل الذي سيعيد للإسلام إنتاجيته وللمسلمين قوتهم وتقدمهم
فكرة العولمة التي تميز هذا العصر أراها في خدمة المسلم لأنه آمن واعتقد بوحدة الأصل الإنساني وأن لا فرق لأبيض على اسود إلا بالتقوى في وقت شاعت فيه القوميات و العصبيات
كما أنه آمن بقيم العدالة و الحق و الخير و المساواة المطلقة منذ وقت كان غيره يرى أن العدالة لا يستحقها سوى جنس من بين باقي الأجناس وأن المساواة لا تنطبق إلا عليهم فيما بينهم ….
من هنا يتوجب على المسلمين الدخول إلى التاريخ وممارسة دورهم فيه ، فبدونهم لا يمكن للإنسانية الخروج من الأزمة بأمان حتى يتسنى لها الوصول إلى الحقيقة الكبرى في الكون ألا وهي الله
فالعالم اليوم رغم الانفجار المعرفي المذهل إلا أنه يمشي بدون هدف وحاجته موجودة عند المسلم ألا وهي الإسلام الذي ينير له الطريق ليقوم مساره ويجد غاية له ….





بعد التعريف بالمفكر والفيلسوف الإسلامي الجزائري مالك بن نبي أنتقل بكم إخوتي الأكارم إلى بعض أفكاره غيرالمسبوقة
يعد “مالك بن نبي” رائدا من رواد الإصلاح في العالم الإسلامي ،
فقد أسس مدرسة أصيلة في الفكرالإسلامي الحديث ،
تنطلق من الإسلام لكنها تستلهم روح العصر و العلم
وخصوصا علم النفس و علم الاجتماع وسنن التاريخ .
لقد بحث في مشكلات العالم الإسلامي، واستطاع أن يكتشف سبب تأخر المسلمين
كما استطاع أن يضع منهجا متكاملا في النهوض الحضاري ؛
فكانت كل مؤلفاته في مشكلات الحضارة .
__________________


مافي حب بهذا الزمن مين قال غلطان..
مليت حياتي حياتي ملتني..
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية اميره الورد
اميره الورد
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 02-03-2009
  • الدولة : كويتيه مقيمه بجده..
  • العمر : 34
  • المشاركات : 147
  • معدل تقييم المستوى :

    16

  • اميره الورد is on a distinguished road
الصورة الرمزية اميره الورد
اميره الورد
عضو فعال
رد: مع المفكر الإسلامي والفيلسوف الجزائري مالك بن نبي
22-03-2009, 01:45 AM
مالك بن نبي) ونزعة التفكير الاثنين 20 جمادى الآخرة 1424 الموافق 18 أغسطس 2003

د. بدران بن الحسن
عند تأملنا في قوله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) [الرعد:11]، والنظر في حركات التغيير والإصلاح ومشاريع التجديد الإسلامي في القرنين الأخيرين، نجد أن معظمها اتخذ هذه الآية شعاراً له، وكأن ذلك تنبيه إلى أن الحركة التجديدة والإصلاحية بمختلف رموزها قد وعت أن هناك شروطاً للتغير، وأن تغير ما بنا من تخلف حضاري شامل تبقيها عملية تغيير ما بالأنفس.
وبعبارة أخرى؛ فإن إعادة صياغة الذات الإسلامية وبنائها من الداخل وفي جميع المستويات مقدمة منهجية لتغيير الوضعية الحضارية كلها، وهذا وعي متقدم ومهم يسجل للحركة التجديدة منذ بداياتها الحديثة.
إن هذه الآية تدعو إلى أمر غاية في الأهمية، وهو النظر إلى عملية التغيير في مختلف مستوياتها، وأن التغيير يجري وفق قوانين وسنن لا تتخلف، وعلينا التعامل معها بمنهجية، لأن تلك السنن من أقدار الله التي تحكم حركة التاريخ والمجتمعات والواقع، وهذا ما يمكن تسميته بـ"السننية" في التفكير والتغيير.ولقد كان (مالك بن نبي) -عليه رحمة الله- واحداً من رواد التجديد والإصلاح في العالم الإسلامي ممن اتخذ هذه الآية شعاراً لكل أعماله الفكرية ومشاريعه التجديدية؛ بل كانت تشكل إطاراً عاماً لرؤيته الحضارية ومنهجه في التغيير.
لقد جعلها أساس كل إنجازه الفكري، واتخذ منها قانونًا للتغيير بكل مستوياته، وبحث في وقائع التاريخ ليؤكد للعقل المسلم أن الله -تعالى- يعلمنا بهذه الآية وآيات القرآن كلها، أن التغيير يخضع لسننٍ علينا أن نكتشفها ونوظفها في بنائنا الحضاري بكل مستوياته.
وبالرغم من أن ابن نبي لم يتوجه إلى تفسير القرآن والسنة بالطريقة التقليدية؛ فإنه اتجه إلى محاولة دراسة السنن التي ينبه إليها الوحي ويدعو إلى استخراجها من حركة التاريخ، ومن تجارب الإنسانية.
ولذلك عد بحق مدرسة في الفكر الإسلامي الحديث، لم ينصب فكره على النص الإسلامي، وإنما على مناط تطبيقه على المجتمع، من أجل بناء الحقيقة الموضوعية في نظر العقل المسلم، بالكشف عن سنن البناء الحضاري وتطوره في اتجاه القوة والضعف. فقد اتجه إلى كيفية إعمال هذا الوحي واستخراج سنن البناء والسقوط الحضاري، وقدم أدوات منهجية وعملية في أيدي المسلم الباحث عن طريق للعودة إلى صناعة التاريخ.
وبتأمل أدواته التحليلية التي ابتكرها مثل: "الدورة الحضارية"، "والفكرة الدينية"، و"المراحل الثلاث للمجتمع"، و"أعمار المجتمع الثلاثة"، و"دستور الثقافة"، وغيرها؛ فإننا نجد ابن نبي كان شديد الحرص على تنبيه المسلم إلى روح البحث عن السنن والقوانين التي تحكم الظواهر.
وأن دعوته وتأكيده المتكرر على ضرورة الارتفاع إلى مستوى الحوادث الإنسانية، والتأمل في السنن التي تبني الحضارات وتهدمها كان واضحاً في أعماله الفكرية من أجل التجاوز بالمسلم جبرية ثقافة "ما بعد الموحدين" (1) التي أسلمت المسلم لعوامل التخلف، وزودته بكل مبررات التبطل والإخلاد إلى الأرض.
وكان دائم التركيز على أن الحتمية في السننية تجعل من المسلم يقظاً متفطناً إلى مسارب التغيير، وقادراً على المبادرة ومغالبة الانحراف والتخلف من خلال توظيفه للسنن والقوانين المبثوثة في الكون. بل إن ما يبدو أمام الناس أنه حتماً لا يعدو أن يكون سنة من سنن الله يمكن التعامل معها من خلال توظيف سنن أخرى حاكمة لها.
ولذلك فإنه يرى "إن كل قانون يفرض على العقل نوعًا من الحتمية تقيد تصرفه في حدود القانون، فالجاذبية قانون طالما قيد العقل بحتمية التنقل برًا أو بحرًا. ولم يتخلص الإنسان من هذه الحتمية بإلغاء القانون، ولكن بالتصرف مع شروطه الأزلية بوسائل جديدة تجعله يعبر القارات والفضاء.
إن القانون في الطبيعة لا يَنصِب أمام الإنسان الدائب استحالة مطلقة، وإنما يواجهه بنوع من التحدي يفرض عليه اجتهادًا جديدًا للتخلص من سببية ضيقة النطاق" (2).
وهذا القانون الذي في الطبيعة، يمكن الاستفادة منه في ميدان التاريخ، فنخلّص مفهوم التغيير الاجتماعي من قيود السببية المقيِّدة، كما تربطه بها النظرة الشائعة عند كثير من المؤرخين الذين يرون الأشياء في التاريخ تسير طبقًا لسببية مرحلية. والأشياء تسير فعلاً كذلك إن تركت لشأنها (3).
ووفي هذا السياق فإنه كان شديد الحرص أيضاً على انتقاد كثير من رواد حركات التغيير والتجديد ، بل ومن العلمانيين المحسوبين على الإسلام في العالم الإسلامي الذين رأوا في الهيمنة الغربية قانونًا صارمًا لا يقبل التغيير. وهي فعلاً صارت قانون العصر، لكنها تقبل التغيير والتحدي، إذا علمنا أن الظـاهرة الحضارية الغربية نسبية ولا تمثل الحقيقة المطلقة، ومن هنا يمكن التعامل معها (4).
ومن جهة أخرى؛ فإن مراعاة ابن نبي للسننية وتأكيده على البحث عن السنن التي تحكم الظواهر، والنظر في كيفية التعامل معها؛ قد قاده إلى التفريق بين نوعين من السنن؛ فهناك ما يقبل التغيير والتحدي -مثل ما سبق الحديث عنه من نسبية الحقائق الغربية- وهناك سنن لا تتغير ولا تتبدل، وهذه الأخيرة ينبغي التأمل فيها، وهي السنن التي تبني الحضارات وتهدمها، وتحكم التغيير الاجتماعي، وتوجه التاريخ، وقد أشار إليها القرآن الكريم في قوله تعالى: (سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ً)(5) [الفتح:23] .
وهذا النوع الثاني من السنن التي لا تقبل التغيير والتبديل هي السنن التي دفعته إلى دراسة ظاهرة انتقال الحضارة والبحث في شروط انتقالها وتبدلها وتداولها بين الأمم، وتأثير ذلك في مسيرة الحضارة عموماً ومسيرة الحضارة الإسلامية بوجه خاص.
فالسننية في استعمال ابن نبي -رحمه الله- تُفهَم في إطار محدد من خلال تقسيمها إلى مستويين: سنن عامة تحكم الظواهر في إطارها الإنساني، وسنن خاصة تحكم ظواهر جزئية ومحددة. كما أن السننية في مفهومه مرتبطة بمفهوم آخر هو التسخير، وبالتالي فإن السنة باعتبارها قانونًا، لا تقيد الجهد الإنساني، وهي تمارس حتمية في إطار مدى عمل السنة ذاتها، وليست لها طابع الجبرية المقيد لحركة الإنسان، وبخاصة فيما يتعلق بحركة التاريخ، بل هي جزء من التكليف المنوط بحرية التصرف.
وبتعبير آخر، فإن السنن في النفس والآفاق قدر من أقدار الله -سبحانه وتعالى-، فهو الذي شرعها وسنّها وناط تكليف الإنسان بها، وربط جزاءه وقيمة إنجازه بمقدار ما يكشف منها ويلتزم بها. والتعرف عليها والانضباط بمقتضياتها، هو حقيقة التكليف، وحقيقة الإيمان والتوكل على الله تعالى، وهي مظهر من مظاهر العدل الإلهي الذي قامت عليه السماوات والأرض(6) .
وهذه الأقدار بعضها يدفع ببعض، فإذا أردنا توظيف سنة معينة علينا أن نوظفها ونتحكم فيها بسنة أخرى أكبر منها، أو تتجاوزها من حيث الهيمنة والتوجيه، وهذا هو التسخير. فإن الله -عز وجل- سخر هذا الكون للإنسان عن طريق توظيف هذه السنن، وتتبع حركتها، وملاحظة كيفية عملها وتعاقبها فيما بينها، لتحقيق مستوى استخلافي أرقى في كل مرة يتجاوز الإنسان سنة تاريخية أو كونية إلى سنة أخرى.
ولذلك أكد ابن نبي وحرص على تأكيد سننية حركة التاريخ، وحركة الحضارة، وضرورة تنبه العقل المسلم لهذا الأمر، حتى لا يقع له الذهول عن المقاصد، أويقع في ذهان الاستحالة فييأس، أو ذهان السهولة فيسترخي ويقعد.
ذلك أن فهم قضية السنن، بمعنى القوانين المطردة والثابتة، التي تحكم حركة الحياة والأحياء، وتحكم حركة التاريخ، وتتحكم بالدورات الحضارية، بما يمكن أن نسميه "سنن التداول الحضاري" استيحاءً من قوله تعالى: (وتلك الأيام نداولها بين الناس) [آل عمران:140]، والتي تعتبر معرفتها شرطًا أساسًا للتبصر بالعواقب، وتؤهل معرفتها إلى تسخيرها والتمكن من الإنجاز والإبداع الحضاري، لا يتأتى إلا من السير في الأرض، الذي فرضه الله على المسلم بقوله: (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل.. ) (7)[الروم:42] .
والسير في الأرض، والارتفاع بالوعي إلى المدى العالمي يدفع إلى أكبر قدر من الخبرة العلمية والعملية بالأحداث التي ترسم مسار التاريخ وتشكله، وتترك من ورائها آثارًا للناظر المكتشف لقوانين التاريخ.
ولهذا فإن تأمل أية تجربة حضارية أو السير في الأرض والنظر في حركة الخلق وتداولها المواقع والمهام والمصائر ينبغي أن يهدف في مستواه الحضاري إلى دراسة الظواهر واستكناه التجارب من أجل البحث عن حل سنني لمشكلات العالم الإسلامي، يضعه في إطاره الإنساني، ولا يغفل الحقيقة الموضوعية التي يسير بها منطق التاريخ، الذي صار من أهم ميزاته في عصرنا اشتراك الانسانية جمعاء في وحدة المصير، وتشابكها في علاقاتها، مما يحتم علينا البحث في عمق الظاهرة الحضارية في حركتها في التاريخ، دون عزل يقصي الأبعاد المتشابكة لها.
ولتأكيد أهمية النظر السنني للوقائع والأحداث والمنجزات؛ فإن استقراء الواقع الاجتماعي والتاريخي، وبمختلف دوائره؛ الدائرة الإسلامية والدائرة الإنسانية، والكشف عن السنن التي تحكم الحركة الاجتماعية، لا يتأتى إلا من السير في الأرض، واستقراء التاريخ، والتعرف على القوانين التي حكمت حركة البشر، للإفادة منها للحاضر والمستقبل.
ونجد أن ابن نبي -عليه رحمة الله- في سيره في الأرض وبحثه عن السنن التي تحكم التداول الحضاري ينطلق من عدة ملاحظات تاريخية واجتماعية ومنهجية، طبعت تفكيره بالدقة والعمق، وبالقدرة على التأمل والتدبر، فجاءت أطروحاته متسمة بالنضج في التفكير، وبالعمق في التحليل.
وهو وإن كان يهدف من دراساته التي قدمها إلى البحث حل لأزمة العالم الإسلامي، وبناء منهج لنهضته، فإنه أراد إعطاء أكبر مصداقية لتحليله، من خلال البحث في مستوى السنن التي تحكم حركة التغيير، وهي لا شك سنن تؤطر أي جهد بشري، دون النظر إليه أكان مسلمًا أو غير ذلك.
ولهذا نراه ينزع في دراساته منزعًا إنسانيًا يتجاوز الدائرة الخاصة بمشكلات العالم الإسلامي -رغم تأكيده على محوريتها- إلى آفاق الإنسانية، التي وصلت إلى مصب تاريخي تحتاج فيه البشرية إلى بديل حضاري سنني قائم على هدي سنن الله في الكتاب والآفاق والأنفس.
ومن هنا يمكن فهم أن مالك بن نبي كان يعنى في المقام الأول بمشاكل الإنسانية جمعاء، وكان يحاول وضع مشكلات الأمة الإسلامية في إطار مشكلة الإنسانية قاطبة(8) ، والارتقاء إلى مستوى الأحداث الإنسانية من أجل الكشف عن سنة الله فيها.
وأدى به ذلك البحث عن السنن التي تحكم الآفاق والأنفس إلى تقديم منهج قائم على أدوات تحليل دقيقة، وإطار تصوري قائم على المنظور الحضاري الذي صاغه، فكان يرى الأشياء بتلك البصيرة الحضارية التوحيدية النافذة التي تجلت في جل اعماله الفكرية ونشاطاته طول حياته العامرة بالجد والنشاط.
وفي ختام هذا المقال نقول؛ أن تناولنا لابن نبي هنا يهدف إلى استخلاص الحكمة من محاولته الفكرية من أجل إيجاد حل سنني لمختلف مشكلاتنا، وهذا هو المهم -في رأيي- في ابن نبي؛ المنهج وليست الجزئيات. فقد تكون الأحداث التي انعكست في كتابات ابن نبي قد تجاوزها الزمن، وقد تكون المرحلة التي عاشها قد ولت بكل تفاصيلها، ولم يعد لها معنى، غير أن الذي يهم من فكره وفكر غيره هو الجانب المنهجي، وروح البحث عن القانون (9).
وهو في ذلك كله يعمل على تصحيح النظرة إلى عمل السنن، وكيفية التعامل مع الظاهرة في جوهرها وفي مظهرها، و"قد أبدع مالك -رحمه الله- في تحليل أسباب أزمتنا الحضارية، من خلال رؤية متميزة للسنن التي تحكمها، فساهم بذلك في تصحيح النظرة للأزمة، حيث قدمها للناس بصيغة قوانين قابلة للفهم، ومن ثمّ قابلة للتسخير في حل هذه الأزمة" (10).
فهل يا ترى نستفيد من هذا التراث الفكري ونزيده تعميقاً وتنظيماً وإنضاجاً، أم نبقى ندور في حلقة مفرغة من جلد الذات وإنكار أهمية الأفكار، والدوران في الولاء للأشخاص والأحزاب؟. وهل نبقى نتنكب الصراط، والله تعالى أرشدنا إلى سنن هادية من عالم الخلق والأمر كفيلة إذا عملنا بها أن نخرج إلى بر الأمان، وأن نتحقق بالحق الذي لا يحابي أحداً انحرف عن الخذ بالأسباب والسنن؟!.
(1)مالك بن نبي، وجهة العالم الإسلامي، ص53-54.
(2) مالك بن نبي، في مقدمته لكتاب جودت سعيد، حتى يغيروا ما بأنفسهم، ص10.
(3) مالك بن نبي، في مقدمته لكتاب جودت سعيد، حتى يغيروا ما بأنفسهم، ص10
(4) مالك بن نبي، وجهة العالم الإسلامي، ص64 وما بعدها.
(5) مالك بن نبي، شروط النهضة، ص48-49.
(6) محمد أحمد كنعان، أزمتنا الحضارية في ضوء سنة الله في الخلق، كتاب الأمة رقم 26، ص20.
(7) محمد أحمد كنعان، أزمتنا الحضارية في ضوء سنة الله في الخلق، ص11-12.
(8) ابراهيم محمد زين، "أبعاد رؤية مالك بن نبي الحضارية" الشاهد الدولي، مجلد1/ عدد3، 15 نوفمبر 1997، ص7.
(9) من مقدمة عمر مسقاوي لكتاب مالك بن نبي، من أجل التغيير، ص6.
(10) محمد أحمد كنعان، أزمتنا الحضارية، ص28.


مافي حب بهذا الزمن مين قال غلطان..
مليت حياتي حياتي ملتني..
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية سفيان الوسيم
سفيان الوسيم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 07-02-2009
  • الدولة : facebook sifou siane
  • العمر : 35
  • المشاركات : 2,930
  • معدل تقييم المستوى :

    18

  • سفيان الوسيم is on a distinguished road
الصورة الرمزية سفيان الوسيم
سفيان الوسيم
شروقي
رد: مع المفكر الإسلامي والفيلسوف الجزائري مالك بن نبي
23-03-2009, 04:12 AM
شكرا جزيلا أختي أميرة الورود على الموضوع القيم زمساعدتك لي وان شاء الله تحسب في ميزان حسانتك.
لِيسَ مِنْ المُهِم أنَ تَمتلكَ الجَمالّ ؛ بَلْ الأهَمُ أنَ تَمتلكَ الجَاذِبيةّ، وَأرقَىْ أنَواع الجَاذِبيةّ هِيَ جَاذِبيةّ الآخَلآقْ
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية ஜ قطر الندى ஜ
ஜ قطر الندى ஜ
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 15-09-2008
  • العمر : 35
  • المشاركات : 567
  • معدل تقييم المستوى :

    16

  • ஜ قطر الندى ஜ is on a distinguished road
الصورة الرمزية ஜ قطر الندى ஜ
ஜ قطر الندى ஜ
عضو متميز
رد: مع المفكر الإسلامي والفيلسوف الجزائري مالك بن نبي
23-03-2009, 06:09 AM
موضوع رائع عن شخصية اعطت للدين وللوطن
شكرا

الفارق بين النرجس وعباد الشمس هو الفرق بين وجهتي نظر
:

الأول ينظر الى صورته في الماء ,
ويقول : لا أنا الا ّ أنا .
والثاني ينظرالى الشمس
ويقول :
ما أنا إلا ّ ما أعبد .
وفي الليل, يضيق الفارق , ويتسع التأويل!


مـــ ح مــود درويـــش
اثر الفراشة

  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية habiballah
habiballah
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 30-03-2009
  • الدولة : الجزائر تمنراست
  • المشاركات : 176
  • معدل تقييم المستوى :

    16

  • habiballah is on a distinguished road
الصورة الرمزية habiballah
habiballah
عضو فعال
رد: مع المفكر الإسلامي والفيلسوف الجزائري مالك بن نبي
03-04-2009, 05:03 PM
شكرا

مليت حياتي حياتي ملتني راني حاير
go east go west habiballah is the best
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية أم الطيور
أم الطيور
عضو نشيط
  • تاريخ التسجيل : 01-04-2009
  • الدولة : الجزائر أم الطيور
  • المشاركات : 54
  • معدل تقييم المستوى :

    16

  • أم الطيور is on a distinguished road
الصورة الرمزية أم الطيور
أم الطيور
عضو نشيط
رد: مع المفكر الإسلامي والفيلسوف الجزائري مالك بن نبي
13-04-2009, 03:48 PM
إن ماسيندم عليه الجيل الحاضر وأيضا أجيال المستقبل هو ترك ارث مالك ابن نبي للدول الغربية . عذرا عذرا يامالك .
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 01:59 PM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى