الترشح للإنتخابات التشريعية والمشاركة فيها حرام شرعاً
تجري في الجزائر في السابع عشر من ماي الجاري الانتخابات التشريعية، ويجري التحضير لها على قدم وساق من قبل النظام والأحزاب ولجان المساندة...إلخ ولهذا يجب على المسلم في الجزائر أن يعلم الحكم الشرعي لكل عمل يقوم به قبل القيام به. فلذا أردنا أن نبين للمسلمين في الجزائر أحكاما شرعية عن انتخاب نواب للمجلس الشعبي الوطني في الجزائر.
والحقيقة أن
الانتخابات مباحة شرعاً لكونها تدخل في جملة الأساليب والوسائل. لقد روى ابن الهشام في السيرة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من الأنصار في بيعة العقبة الثانية أن يختاروا من بينهم وكلاء فقال صلى الله عليه وسلم: [
أخرجوا إلى منكم إثنى عشر نقيبا ليكونوا على قومهم بما فيهم].
إلا أنَّ المرشحين في الانتخابات المنعقدة في الجزائر قد قدموا برامجهم إلى الناس ووعدوا بأنهم يتصرفون على أساس الديموقراطية عندما ينتخبون للمجلس الشعبي الوطني. ولهذا وجب على المسلمين في الجزائر أن يدركوا ما يلي:
1- إن الديمقراطية نظام كفر يقوم على أساس فصل الدين عن الحياة، فالأمر كله في الديمقراطية للناس وليس لله -تعالى الله عما يصفون- فالبشر هم مصدر التشريع وهم الذين ينظمون شؤون حياتهم بالطريقة التي يختارونها. وهذا كفر بالله وهو يناقض العقيدة الإسلامية مناقضة تامة، فقد قال الله سبحانه: ﴿
أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ وقال سبحانه: ﴿
وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ﴾ وقال جلَّ وعلا:
﴿يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾ فهل ترك الله سبحانه لدعاة الديمقراطية من شيء؟ أم يقولون على الله ما لا يعلمون؟! فهذه الآيات وغيرها الكثير صريحة في أن الحكم يجب أن يكون لله وحده، ولا يحل أخذه من البشر، لأن في ذلك عبادة لهم، فقد روى البيهقي في قصة إسلام عدي بن حاتم رضي الله عنه :«
ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم … قال فسمعته يقول اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله قال: قلت: يا رسول الله، إنهم لم يكونوا يعبدونهم. قال: أجل، ولكن يحلون لهم ما حرم الله فيستحلونه، ويحرمون عليهم ما أحل الله فيحرمونه، فتلك عبادتهم لهم» فبين صلى الله عليه وسلم أن طاعتهم فيما يشرعون وإسناد التشريع لهم عبادة لهم، فهل يحل لمسلم يؤمن بالله رباً أن يدعو لترسيخ الديمقراطية ويتخذها مَطلباً؟ ألا يعقل هؤلاء عظم الذنب الذي يقترفون!!
2- إنكم أيها المسلمون في الجزائر قد جربتم في السنوات السابقة المجلس الشعبي الوطني، وثبت لكم هزاله، ورأيتم كيف استخدمه النظام في الجزائر لإضفاء الشرعية على خياناته المتكررة، وجعله أداة لبيع العباد والبلاد، ونشْر الرذيلة والفساد، وقد تبين أن النواب لا يستطيعون الوقوف في وجه الفساد وسرقة المال العام إن أرادوا ذلك، لأن النظام في الجزائر قائم على الفساد والإفساد وهو موغل في الخيانة والتآمر على الشعب فلا يجدي فيه إصلاح بل لا بد من اجتثاثه من الجذور.
فالعجب كل العجب منكم أيها المسلمون في الجزائر كيف تقبلون على أنفسكم المشاركة في هذه الانتخابات؟ أنسيتم تمريره لقوانين استيراد الخمر؟؟ أم غابت أبصاركم عن قوانين الخوصصة التي شردت العمال وقانون المحروقات الذي سلم ثرواتكم للكفار المستعمرين؟ أم أن جيوبكم ملأى فلم تعودوا تشعرون بالضرائب التي تزداد يوماً بعد يوم؟ أم أنكم ارتضيتم لأنفسكم أن تحكموا بالقوانين الفرنسيةالكافرة؟
إن من يسمع من المؤمنين قوله تعالى:
﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ لتقشعر جلودهم وتهتز أبدانهم خوفا من أن ينالهم نصيب من هذه الآية، فهل فقدتم أيها المسلمون في الجزائر الإحساس بعظم ذنب غياب شرع الله عن حياتكم؟ أم ارتضيتم لأنفسكم ديناً غير دين الإسلام؟ ﴿
أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾.
3- إن كثيراً من المتحمسين للانتخاب يبررون لأنفسهم ذلك بحجة أننا لا نريد ترك الساحة لغير المتقين، فنحن نختار الأصلح لهذا العمل. فنقول لهؤلاء إن اختيار الأصلح يكون للعمل الذي يقره الإسلام، فإذا كان العمل محرماً بل من أعظم المحرمات عند الله ألا وهو إسناد التشريع لغير الله، فلا يحل اختيار الصالح أو غير الصالح له، يقول تعالى:
﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ﴾ فالصالحون والمتقون لا يعرضون أنفسهم ليكونوا وكلاء عن الناس في تشريع الأحكام من دون الله!
4- إن كثيراً من الناس يقدمون على الانتخابات طمعاً في مغانم يحققونها من خلال من ينتخبون، فتجد سماسرة الانتخابات ينتشرون بين الناس، فتجري المفاوضات في المجالس العامة والخاصة، فهذا يبتغي وظيفة وآخر يريد تحسين منصبه أو يريد متاعاً من متاع الدنيا الزائل، فما أهون دين الله عند هؤلاء! يبيعون دينهم بعَرَضٍ من الدنيا قليل، ولو أنهم اتقوا ربهم لأجابوا من يدعوهم إلى ذلك بقول ربنا:
﴿قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ﴾ . فهل تغني عنكم مصالحكم من الله شيئاً؟
5- لا يقال بأن المسلمين يستطيعون الوصول إلى تطبيق الإسلام عن طريق عرض تطبيق الشريعة أو بعض أحكامها في المجلس الشعبي الوطني لأن ذلك يعني عدم أخذ الإسلام على أساس أنه الدين الذي ألزمنا الله بتطبيقه، بل هو أخذٌ له على أساس قبول الأغلبية به، وهذا الأمر قابل للتغيير، فالأغلبية اليوم أقلية غداً، فترى الأحكام التي أوجب الله تطبيقَها تُحَلُّ عاماً وتُحَرَّمُ عاماً، فهل يحل لمسلم أن يجعل دين الله عُرضةً لأهواء البشر موقوفاً على قبولهم أو رفضهم؟ هذا إذا سمح للذين يدعون إلى تطبيق الإسلام بأن يكونوا هم الأغلبية في البرلمان، ولكن الواقع بأن النظام الجزائري لا يسمح بذلك، لأنه يريد من وجود من يرفع شعارات إسلامية في مجلسه الشعبي الوطني لعب دور المعارضة، لتتم مسرحية الديمقراطية، ولتظهر جميع الأطياف السياسية في أي قرار يتخذ، فيصبح سيفاً مصلتاً على رقاب المسلمين في الجزائر بحجة أن الأغلبية قد قبلت به.
فعلى ذلك
لا يجوز للمسلم أن يرشِّح نفسه للمجلس الشعبي الوطني، على أساس الحكم بغير ما أنزل الله، كما لا يجوز الاشتراك في المعركة الإنتخابية التشريعية على هذا الأساس. إذ انه عندما يصوِّت في جانب أحد المرشحين، يعلن بعمله هذا رضاه إلى أن يُحكم المسلمون في الجزائر ببرامج هذا المرشَّح او ذاك التي سيسعى لتحويلها إلى قوانين تُمرر على أسس ديموقراطية تجعل قرار الحلال والحرام للناس وليس لرب الناس.
أيها المسلمون في الجزائر!
إن الانتخابات من حيث كونها أسلوباً لإعطاء وكالة؛ ليُمَثّل فيها الشخص المنتَخَب مُنْتَخِبَه،
عملٌ مباح، شرط أن يكون عمل المُوَكَّل جائز. فمن تَرشَّح على الأساس الديموقراطي، أي على أساس أن التّشريع للشعب، منازِعاً الله تعالى التشريع بذلك، والعياذ بالله، فهذا يحْرُمُ انتخابه، قال الله تعالى: {
أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ}، أو من ترشّح ليعطي الثقة لحكومة تحكم بغير الإسلام، أو ليحاسب الحكومة على غير أساس الإسلام، فهذا أيضاً يحرم انتخابه.
أمّا المرشّح الذي يجوز انتخابه، فهو ذاك الذي يحاسب الحكومة على أساس الإسلام، ويتّخذ المجلس الشعبي الوطني منبراً للدعوة إلى تطبيق الإسلام، ويُعلن إنكارَه كلّ الإنكار أعمال التشريع الوضعيّة وغيرها من الأعمال المخالفة للإسلام. قال الله تعالى: {
إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ}...
ولكن هذا المرشح لا يوجد فعليكم بعدم الاشتراك في الانتخابات. ولا يجوز لكم كذلك أن تكتفوا بعدم الاشتراك فيها، بل من واجبكم أن تدعوا إخوانكم المسلمين إلى عدم الاشتراك فيها وتنهوهم عن هذا المنكر. لأن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: «
والذي نفسي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِِ وَ لَتَنْهونَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوْشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقابًا مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ». (رواه الترمذي).
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} .
التعديل الأخير تم بواسطة tahriri ; 01-05-2007 الساعة 09:10 PM