قراءة في كتاب " التذكار " لابن غلبون الطرابلسي
27-08-2009, 09:19 AM
¨ عنوان الكتاب:
« التذكار فيمن ملك طرابلس وما كان بها من الأخيار»
¨ المؤلف: ابن غلبون
¨ قام بتصحيحه والتعليق عليه الأستاذ: الطاهر أحمد الزاوي الطرابلسي
¨ الطبعة الثانية 1386 ﻫ/ 1967 م
¨ الناشر: مكتبة النور، طرابلس، ليبيا
¨ عدد الصفحات: 288

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
عرض الباحثة: حفيظة بن دحمان


في إطار قراءاتنا الأسبوعية التي كان يكلفنا بها الدكتور أبو القاسم سعد الله في مادة الاختصاص (الدولة والمجتمع في المغرب الكبير) والتي تدخل ضمن نشاطات السنة التحضيرية لشهادة الماجستير في التاريخ الحديث، اطلعنا على هذا الكتاب المثير للاهتمام لما يحتويه من مادة دسمة حول تاريخ ليبيا، وكانت لنا هذه الملاحظات حوله:
( ترجمة المؤلف)
هو أبو عبد الله محمد بن خليل غلبون الطرابلسي المصراتي، مجهول تاريخ المولد والوفاة، ولا يُعرَف عن حياته إلا ما استخلص من مؤلفاته، حيث كان مشتهرا بالعلم والورع، ويجتهد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحاربة البدع والأباطيل. وأسرته التي ينتسب إليها من أولاد مرزوق، فرع من آل سالم، وهي بطن من بني سليم، ذات فضل من علم وأدب ورثه كاتبنا عنها، ومن أشهر مؤلفاته هذا "التذكار" الذي بين أيدينا.
(علمه وشيوخه)
يقول عنه الدكتور ناصر الدين سعيدوني أنه رجع إلى ليبيا سنة 1133 ﻫ/ 1720م، بعد أن درس بالأزهر ليشتغل في التدريس بمسجد بلدة مصراتة.[1] وكان متظلعا في أصول الفقه وفروعه، ومن شيوخه في الأزهر "الشيخ عبد الرؤوف البشبيشي" و" الأستاذ أبو محمد عبد الله بن يحيى السوسي " وغيرهما.
(علاقته بالحكام)
وعن علاقته بالحكام فقد جاء عن الدكتور أبو القاسم سعد الله أن الوشاة وشوا به لأحمد باشا القرمانلي لأنه يزعم في خطبته أن الجامع الذي بناه الباشا والمعروف باسمه إنما بني بمال حرام، فعاقبه على ذلك [2] رغم أنه عندما طلب من نفس الحاكم منع بيع الخمر في مصراتة أجابه إلى ذلك، مما يعني أن الحكام كانوا يمنعون على العلماء الاجتهاد فيما يتعلق بسياستهم وأمور حكمهم.
( فائدة)
وما نستفيده من هذه الترجمة الشحيحة عن المؤلف أنه من أهل التصوف والصلاح، نذر حياته للعلم وتدريسه، ونشر الدين الصحيح بعيدا عن الدجل والأباطيل، وتبدو لنا شخصيته القوية من خلال وقوفه في وجه الحكام إذا آنس جانبا من الحق معه، مما يزيدنا ثقة في أقواله وصدق روايته وتأريخه.
( التذكار)
يُصَنَّفُ كتاب «التذكار» ضمن أهم المصادر المعتمدة في تاريخ ليبيا، "جمع فيه المؤلف ما وصل إلى علمه مما يتعلق بطرابلس من أخبار وما تعاقبت عليها من دول إسلامية وغيرها" [3]، ومنها فتح طرابلس على يد عمرو بن العاص، وبقائها تحت ولاية الأمويين، ثم العباسيين، إلى أن استولى عليها "أبو عبد الله الشيعي" (الفاطمي).
(ليبيا تحت حكم بني زيري)
وبعده تولاها بني زيري، خلفاء الفاطميين في المغرب، وذكر بالتفصيل ولايات:
- المعز بن باديس.
- تميم بن المعز.
- يحيى بن تميم.
- الحسن بن علي.
وتناول الأسباب التي دفعت بالفاطميين إلى إرسال الهلاليين لبلاد المغرب، بهدف تأديب الوالي المعز بن باديس وأولاده الذين تنصلوا من البيعة للفاطميين.
(ليبيا تحت حكم النصارى)
ويشير إلى احتلالها من طرف رجار صاحب صقلية، حيث بقيت تحت حكم النصارى اثني عشر عاما، ثم استولى عليها قراقش سنة 568 ﻫ.
(استيلاء الأتراك على ليبيا)
وهنا يستطرد المحقق لإضافة زيادة من عنده اقتضاها سياق الأحداث، وهو ما يتعلق بأخبار استيلاء الترك على طرابلس، بعد محاربتهم للإسبان، حيث يذكر أشهر المعارك التي دارت بين الطرفين، مثل معركة تاجورة بين سنان باشا وفرسان القديس يوحنا.
وتم دخول الأتراك إلى طرابلس في 13 شعبان 958 ﻫ/ 1551 م بعد انهزام فرسان القديس يوحنا أمام الجيش التركي واضطرارهم للاستسلام، وعيّن سنان باشا "مراد آغا" واليا على طرابلس مدى الحياة، وبعده تم تعيين طورغود باشا واليا على طرابلس من طرف السلطان سليمان، إلى غاية استشهاده في حرب مالطة سنة 972ﻫ.
واستولى بعده اليكجرية (العساكر الجدد) على المدينة، وعاثوا فيها فسادا، إلى أن تولاها أحمد باشا (1123ﻫ) وهو أول وال من أسرة القرمنلي.
(عهد الأسرة القرمانلية)
حكمت الاسرة القرمانلية ليبيا وأصلحت أوضاعها المتردية، وأعادت إليها الهدوء والطمأنينة، ومن أبرز حكامها ذكر:
- أحمد القرمنلي (1711م / 1745م).
- محمد القرمنلي (1745م / 1752م).
- علي القرمنلي (1752م / 1767م).
(تراجم العلماء)
وترجم المؤلف لكثير من العلماء الطرابلسيين على غرار:
- أبو الحسن بن المنمر.
- الشيخ عبد الله الشعاب.
- أبو نزار الشيخ خطاب البرقي.
- الشيخ أبو عثمان الحساني.
- أبو الحسن علي بن احمد الخطيب.
- الشيخ أحمد زروق.
- الشيخ محمد بن سعيد الهبري. وغيرهم مما لا يتسع المقام لذكرهم.
( شرح قصيدة في مدح طرابلس)
وفي الأخير « شرح قصيدة الاستاذ أحمد بن عبد الدائم الأنصاري الطرابلسي التي انشأها مدحا لطرابلس وردا على العبدري الذي تعرض في رحلته لطرابلس بما لا يتفق مع الحقيقة »[4]
(خلاصة)
يبدو لنا من خلال هذه الإحاطة السريعة بالكتاب، مدى أهميته كمصدر أساسي لتاريخ ليبيا خلال حقب تاريخية طويلة تشمل العصر الوسيط والحديث.
ونستفيد منه الأوضاع التي عاشتها ليبيا في المجال السياسي وهي تتقلب بين العدل والظلم، السلم والحرب، الفوضى والاستقرار، في ظل تعاقب الدول الكثيرة التي حكمتها.
وتظهر لنا مواقف الليبيين من كل هذه الأحداث والدول، من خلال وجهة نظر الكاتب الذي يمثل الرأي العام أنذاك، فيبدو لنا مثلا منتصرا للعثمانيين الذين حرروا البلاد من الغزو الإسباني، ويشيد بهم وبدولتهم حينما كانت عادلة، وينتقد سياسة الظلم والفوضى التي غرقت فيها البلاد خاصة في العهد الأخير من حكم الأسرة القرمانلية.
كما نستشف من الكتاب الحالة الاجتماعية والثقافية التي سادت في ليبيا، خاصة فيما يتعلق بالعهد العثماني، ويبرز لنا من خلال قائمة العلماء الذين ترجم لهم، اهتمامه بالعلم وأصحابه، وثراء النشاط العلمي والثقافي الذي شهدته ليبيا، رغم عدم تشجيع الظروف السياسية والاقتصادية على ذلك.
إن هذا الكتاب جدير بالقراءة، ولا غنى للباحث في تاريخ ليبيا خصوصا، أو المغرب العربي عموما، عن الاعتماد عليه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
1. سعيدوني (ناصر الدين)، ورقات جزائرية، ط 1، دار الغرب الإسلامي، ص 575
2. سعد الله (أبو القاسم)، السلطة والطرق الصوفية في المغرب العربي في العهد العثماني من خلال الوثائق المحلية، بحث غير منشور.
3. مقدمة المحقق، ص[4]
4. نفسه.