تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
  • ملف العضو
  • معلومات
kwayoo
عضو مبتدئ
  • تاريخ التسجيل : 05-05-2009
  • المشاركات : 24
  • معدل تقييم المستوى :

    0

  • kwayoo is on a distinguished road
kwayoo
عضو مبتدئ
عبقري اللغة الجزائري...
18-07-2009, 04:55 AM
السلام عليكم




إبراهيم مشارة

نبذه عن الشاعر :

شاعر جزائري وكاتب وفلكي من مواليد عام 1967 بزمورة برج بوعريريج.



مفتش التربية والتكوين من مؤلفاته : وهج الأربعين دراسات نقدية ديوان الحكايا بصمات روح ديوان شعر جائزة القصة القصيرة اتحاد الأدباء العراقيين2007 .


(وكانت دهشتي عظيمة حين رأيت الوكالة تكرمني باقتراح تدوين اسمي على قرص مضغوط مع أسماء علماء ورؤساء دول سابقين وأثرياء ومشاهير ويرسل هذا القرص إلى المريخ على متن المركبة الفضائية غير المأهولة Exploration Rover Mars ليبقى هذا القرص هنالك إلى الأبد....)



قصائده :

ويحها


ويحها يستبي فؤادي هواهــــا

كاعب مرمرية ،لا أراهـــــــا



كلما قلت اليوم يوم التــــلاقي


عقبات تحول دون لقــــــاها

هكذا الأيام جودها عاد شـــحا



كم شكا قيس ظبيه من أذاهـــا!



يوم كنا إذ عربد الشوق فيــنـا


هاتفتني ،والحب لبى نداهــــا




وشوشات في مسمعي ،قبــــلات



ورحيق جادت به شفتاهــــــا



ونداء مستيقظ في كلينــــــا


لغة الروح أفصحت عن منــــاها


وبقايا سكرى قد استنطقتـــني



حبها، هل أسماؤهن محــــــاها؟





أنا في كل قصة من غرامـــــي



استبدت أنثى وأشقت فتاهــــا



رحم الله ضمة قد غنمــــــــنا




وتقضت لم يبق غير شذاهـــــا


هكذا "إبراهيم "بين الغـــواني



لا يرى في دنياه غير نســــاها

------
--

لا تقــــــــــــــــــــولي
لا تقـولـي ســلا حبيـبـي ميعادا

أنـا لا أنسـى مـن محـضـت ودادا

برعـم فـي الحشـا رعتـه الليالـي

وحنـانـي للـحـب صــار سـمــادا

كيف أسلو عن توأم الروح عمرا

كيف أرضى أن أستحيـل جمادا ؟


وأنـا ابـن الهـوى أخـاف الليالي

كـم أحالـت شـوك القتـاد المهادا ؟

لم أ ذق شهدا غيرمن فيـك يومـا

ثـم مــن وجنتـيـك نـلـت الـمـرادا

كــم لـيـال تـغـار جـــدران بـيــت

ورســول اشتـيـاق بــاح ونــادى

جسمـك البـض سحـره قد سباني

كـنـت سـواحـا فـيـه أوسنـدبـادا

بـــددت ظـلـمـة بـيــاض فروع

مـرمـري غـرثـان حــب تمادى

فيـقـايـاه فـــي خـيـاشــم أنفي

أضرمـت نيـرانـي لـظـى واتـقـادا

و كـأن الزمـان كالـمـوت يطغى

رام ســوءا آلــى يغـالـي جهادا

فأطعـت الباغـي ورشـت سهـامـا

قــاتــل الله غــيـــرة و البعادا


قـد سلـوت الـذي يناجيـك شـعـرا

دم قـلـب قـــد اسـتـحـال الـمــدادا

شـهــد الله أنـــت أغـلــى لديـه

لـو سألـتـه عـمـرا للـبـى وجــادا

عـبـثـا أزمـــع الــفــراق وآلى

كلـمـا جــن اللـيـل حــن وعادا

ذكــريـــات حـاصــرتــه فــلـــولا

وشــــريــــط لأم كــلـــثـــوم زادا

يشعل السيجـار التـي قـدسلاها

فغـدت كـالأمـس السعـيـد رمادا

يتمنـى لـو كــان جلـمـود صـخـر

أو كخلـق الله استطابـوا الرقادا

يشتـكـي مــن وســاوس لنجوم

نـخــرت مـنــه فـكــره والـفــؤادا

لا رعــى الله غـضـبـة أورثـتـنـي

حـــــزن أم يــقــطــع الأكبادا

أشرعـت نفسـي يأسهـا لمرافي

فــي مناراتـهـا رأيـــت السوادا

عانقتني الغربـان و الملـح زادي

لـذت بالنـاي قـد سننـت الحدادا

رحـم الليـل أنسـلـت مــر شجن

فــي فـؤاديـنـا أورثـتـنـا سـهــادا

أنت مثلي في سجـن حبـي سبي

قــد عـرفـت الــدلال ثــم الـعـنـادا

مــا هـوانـا ولـيـد عــام حبـيـبـي

للهوى في الصبـا منحنـا القيـادا

و تصالـحـنـا لا نـطـيــق فــراقــا

نـتـحــدى ظـروفــنــا والـعــبــادا

إن تمـنـي تــلا قـيـا لهفـتـي قـــد

أسرجـت لابـن الأربعيـن الجيـادا

-------------
-
--
-
نهج الرسالة


ذكرى النبي سنا أضاء بطاحــــــــــا
فأحال ليل الكائنات صباحــــــــــــا
إني بخير الخلق مشغوف لــــــــــقد
غالبت فيه الشوق حتى باحــــــــا
روحي تحذرني مآرب طينــــــــــتي
هلا ضلالا تنتهي و مزاحــــــــــــا ؟
ويلاه ما خبري و تلك سفائنـــــــــي
غيلت صواريها نوا ورياحـــــــــا ؟
دنياي نبض القلب قد أعطيــــــــتها
وعطاؤها كان الثوان شحاحـــــا
ضمخت أنفاس الليالي بالــــــــهوى
وملأت أبيات القصيد ملاحــــــــــا
وشدوت في أذن الزمان مـســــــرة
وسكبت في جيب النديم الراحـــا
حتى إذا راجعت أمسا سالفــــــــــــا
أبصرت آثار السنين قباحـــــــــــا !
لهفي على ذاك الشباب غبنتـــــــــه
وخسرته لما السراب انزاحـــــــا
ورماد عمري في يدي مـــــــذرذرا
نزفت شراييني ودمعي ساحـــــا
ضحك المشيب برأس غر مـــــذنب
يا خيبتي إن ما أصبت نجاحــــا
صاد أنا لا أبتغي إلا ربـــــــــــــــــى
نجد وماها سائغا ضحضاحـــــــا
أهفو إلى روض تلأ لأ نــــــــــــوره
والمسك ضاع أريج منه وفاحــا
يا صاحبي على المدينة عوجنــــــا
أزمعت سكناها سلوت رواحـــــا
بان الكثيب و ملء سمعي مرهف
ذاك النشيد سبا الفؤاد صداحـــــا
بوركت طيبة من بلاد ضأضــــــأت
وبنور أحمد إكتسيت وشاحــــــــا
جبريل جاءك بالرسالة خاتمـــــــــا
أديتها برا تقى وسماحـــــــــــــــــا
حزت العلا للعالمين هـــــــــــــدايـة
فمن اهتدى برا أصاب فلاحـــــــا
ياليلة الإسراء يا درب الســــــــــما
المسجد الأقصى براقه لاحــــــــا !
الأنبياء ختمتهم و أمـــــــــــــــمتهم
ثم السماء رقيتها سواحـــــــــــا !
حتى إذا دانيت سدر المـــــــــــنتهى
جبريل عاد القهقرى قد راحــــا
أوتيت من أم الكتاب لآلـــــــــــــــئا
وقضيت عمرا دعوة وكفاحــــا
يا من حبيت شفاعة يوم اللــــــــــقا
النيل منك عدا رأته مباحـــــــــا !
إنا لفي زمن قبيح إذ غـــــــــــــــدت
أقلام بعضهم ظبى و رماحـــــا
خسئوا و كم كادتك من أســــــلافهم
هل يسمع النجم الرفيع نباحــا ؟
ضعف ألم بنا فأطمع شــــــــــــــانئا
من أثخن الدين الحنيف جراحا
يا أمة الإسلام هذي عبـــــــــــــــرة
فطعان خلس لا ترد نواحـــــــــا
جدي لدرك حضارة وتقـــــــــــــــدم
واسعي غلابا دائما وطماحـــــا
وتزيني بكريم خلق محمــــــــــــــــد
هي للنهى كانت دوا ولقاحـــــــا
إن سرت في نهج الرسالة جــــــــادة
قسما أعارتك السماء جناحـــــا
------------
-
--
-
نكبة الرافدين
بني بغداد زيدوها ضرامــــــــــــا
فما أنتم تهابون الحمامــــــــــا

لكم في الأرض ألف و ألف فاد
إذا قحطان ما رعت الذمامــــا!

دهيت بأرض بـــــابل و هي مهد
لكل حضارة صارت ركامــــــــا

فيا " نيرون " مهلا لا تخــــادع
بنو صهيون من رام احتدامـــا

سل التاريخ من شـــــاد البروج
وسن لنا الشريعة والنظامـــــا

ونورا شع من بغداد علمــــــــــا
بنو العباس من دحر الظلامــا

فكيف تهون سيدة المعـــــــــــالي
وعمران لها أضحى رغامـــا؟

وتزرع في حنايا كل طـــــــــــفل
كوابيس و ما بلغ الفطامــــا؟

و ما هدأوا إلى أن سرطنــــــــوه
وقبلا عاش لم يجد الطعامــا!

أأطفال الحصار لم التجنـــــــــي
عليكم هل تعاطيتم أثامــــــــا؟

تباركتم زهورا ذاويــــــــــــــات
تحشرج طيلة اثني عشرعاما

أتوكم بالقنابل نـــــــــــــــازلات
عناقيدا تشظيكم رمــــــــــاما

أكل الحقد صب على صــــــــغار
ملائكة أحالوهم عظامـــــــــا؟

خذوا سفر البلا عنهم عظيــــما
فهم مليون " أيوب " تسامى

تهشمت الحواضر والبـــــوادي
وكل صارللوحش النعامـــــــا

ولو أني مـــــــــــــلكت الاقتدارا
مسختهم بلا أسف هوامــــــا

ولكن في دمشق أرى رجــــــالا
غساسنة غطارفة كرامـــــــا

إذا ضيم الفرات و كم يضـــــام
أبي بردى و قد سل الحساما

سلام آل جفنة إنكم مــــــــــــن
تباشير الألى نسلوا عظامــا

أورقاء الضحى طيري سراعا
إلى بغداد و اقريها السلامــا

لئن شط المزار فانني مــــــــن
مصاب الرافدين أزد سقامـا

تسربلت الأسى والــــــعين واد
وإني كالهنود نوت صيامــــا

إلي أن ينجلي كرب الـــــعراق
ويطوى الجرح برءا والتئاما

إذا دحرت فلول الوحش دحرا
ووجه البابلي غدا ابتسامــــا

أتيتك يا عراق أعيش نصـــرا
أرادته الأعاريب انهزامـــــا

أحييكم أباة الضيم شعــــــــبا
أبيا و اقبلوا مني السلامـــا
-------------------
-
--
هـــــــــــــــجرت صبرا


هجرت صبرا أنا إذ تـــغـــمـــز الكــــاس
في لثم فيها يبل القلب والــــــراس


فما رضاب حبــيبـي غير صافيــــــــهــــا
إن حل جسما شدا والوجه نــبراس


والروح نشوانة تتـــيــــــه مــن ســـــكـــر
والحزن قد غيبته الـلحد أعــــراس


كأن كسرى بدا حـــــفـتــــــه أعــــــــيــان
ورهن أمره عسكـــر وأفــــــراس


يجل ذاك الزمان عـــن مــــــــــدى فــــــذ
والتغلبي قضى غـــــرا وإيــــــاس


مالعيش يحلو بلا ساعـــــــــات أفــــــراح
كم كدرت صفو هذا الـعمر أدنـاس


إن لم يجرك رشــــــا ســــقــــاء أقــــــداح
غالتك من هذه الحياة أمـــــــــواس


بنت الدوالي فداك الروح من كـــــــــــرم
تعمدت بدماك ثـــــــرة نــــــــــاس


لاتدعي أنها شرعـــا مـــــــــن الإثــــــــم
ياعاذلي قد كفانــي الـــرد نــــواس


حاشا لعبـقــــر أن يغيــــض صهـــبــــــاء
فغيرها لو يكـــــون الشهـد أرجاس


ياحب، يا خمرأفتديكمـــــــــا عمـــــــــرا
بالشعر قد أعلي البنيان والســــاس


غفا كماآ نست جذيمة الطــــــــاس
لم يبق مني سوى خيال مـــــكــــــــــدود


لما الصباح بدا والليل عسعــــاس
ياساق في كبدي جمر الغضا سقــيـــــــا


قد اعتراني من الغرام وســـواس
حمراء قد عصرت من خدها مسكــــــــا


تحرقت لعناق الكاس أنفــــــــاس
صفراء من لون شعرهــــا الحريــــري


الثغر شهدا جرى والقد ميــــــاس
آليــــت أبقى لــهــــا مــغنيا حـتـــــــــى


يضمني كفن يوما وأرمــــــــــاس
والمــــــقــلتان هما ياقــــوتــتــا وجــــه


حفتهما للوغى نبل وأقــــــــــواس
كيـــــوبد فيهـــما يـــــدس أحـــفـــــــادا


ومن جمالهما يجيئه إلباس
البطن قارب والذراع مجــــــــــــــداف


يا بحر ما راعت البحارأجـــــراس
لم يهدني غير نجمتين في الصـــــــــدر


فالسندباد أتى عليه إفــــــــــــلاس
حتى رمتني كليل الجهدأمـــــــــــــواج


وقبل ألقى بي المحيط إحســــاس
في الأنف والوجه ذكرى من شذا عطر


يغضي حييا كسيرا دونــــه الآس
قد صنته عن فضول حاسد واشــــــــي


كأنه في بني الإنسان خنــــــــاس
ياصاح قلبي حلفت للهوى نـــــــــــذرا


إن الهوى عندنا دين وأقـــــــداس
جهرت في العشق بالتوحيد إيمانـــــــا


ما همني أن حور العين أجنــاس
-------------------
-
-
-
هل تذكــــــــــــرين ؟

حاشا بأن أغدو أنا قابيـــــــــــــــــلا
يسعى حثيثا قاتلا هابيـــــــــــــــــــلا

ما نحن في زمن النصال المنقضي
الإنتقام يبارك التهــــــــــــــــــــويـلا

إثنان يا بنت الدلال المـــــــــــزدهي
كالا من الثغر الرحيق الكـيــــــــــلا

روح التمدن في كياني تستحــــــــي
أن أبتذلك تغامزا والقيـــــــــــــــــــلا

وأروح أنشر في الورى أســرارنا
فكأنني أستذكر الإنجـــــــــــــــــيــلا

أنا إذ رأيت سواي في فردوســــنا
لملمت أمتعتي أرى ترحـيــــــــــلا

ووأدت في قلبي عرائس نبضـــــه
عذب القوافي تأمل التكميــــــــــــلا

عاد السرور مآتمـاوالشمــــــس قـد
أفلت وأصباحي تداعت ليـــــــــــلا

و الياسمين شممــت فـيـــــه تعفـنا
فكأنه ميت قضى تنكيـــــــــــــــلا

طار الهزار وقد أراد تصرمـــــــا
والبوم هرول يبتغي تكبيــــــــــــلا

قد لذت بالخمــر التي تستهــــــوني
قلبي وريده قد غدا إزمـيـــــــــــــــلا

نصحي النوا سي الذي أغرى فتـــى
بالكأس توسع خيبتـي تقتيــــــــــــــلا

ماعادت الصهباء تنسي موجــــــعا
ولقد رماني جامها سجيــــــــــــــــلا

كفكفت دمعا غاليا أهرقــــتــــــــــه
في موطأ الأقدام نهرا نـيـــــــــــــلا

وطويت أجنحتي على بركــــــانها
حمم يذيب شواظها عزريـــــــــــــلا

هل تذكرين حبيبتي أسمـــــــــــارنا
لما شبعنا الضــم والتـقـــبيــــــــــــلا ؟

لكأنني هارون في سلــــطانــــــــــــه
أنا في الهوى أتبتل التبتــــــــــــــــــيلا !

ما كنت أعرف قبل صدرك مسفـــــرا
أن الحريرتمــثـل التمثـــــــــــــــــــــــيلا

سرق الخزامى منك عطرا غيـــــرة
والورد حف جبينك الإكليــــــــــــــــلا

والحب بـــــارك ليلـــــــــــــــة آلاءه
نيسان،ودقه أذكــــر التبليــــــــــــــــلا

فليسق عهد سالف، ذقــــــــــــــنا طلى
ليلا لتذكاري ضعي القنديـــــــــــــلا

عبق البخور إذا أردت تذكــــــــــــرا
يا حبذا زهر يرى تجمـيـــــــــــــــــلا
--------
-
-
-


الروايات :

وداعا جنيف


كم وددت أن أكتب عن سويسرا وكم أمسكت بالقلم ثم تركته، كان قلمي كالجواد الحرن يأبى علي ذلك ويسلمني إلى خدر وإلى كسل كبير فأرجئ الكتابة إلى وقت آخر لا أعلمه ، بالرغم من أنني زرت هذا البلد الجنة في أواخر التسعينات وبقيت فيه أكثر من ثلاثة أشهر، وما كنت أحلم أن أزوره في يوم ما ولكن الأقدار رتبت لي هذه الرحلة الكبيرة وادخرت لي بين ثناياها ذكريات سعيدة فلها المنة. كانت الطائرة تطير فوق الألب الأشم في العاشر من شهر أيار وهو يكتسي بياضا أبديا كأنه قطعة ضخمة من القطن ومن إحدى نوافذها كنت أراقب المشهد ولا أصدق أنني بعد أقل من ساعة ٍأحط الرحال بمطار جنيف أنتركونتنتال،أو "كوانترن" كما يسمى كذلك. وفي النفس قلق غريزي من تغيير المكان والحلول في آخر وما تدخره الأيام من مصادفات قد تكون غير سارة. واقتربت الطائرة من المدينة، وهي تحلق منخفضة في أجوائها، كنت مندهشا من سحر المنظر وروعته وقلت في نفسي منظر لا يصلح له إلا شاعر ! البحيرة المشهورة ساكنة بلون اللازورد – والشمس مشرقة- وأراض خضراء والرون يشق تلك الأرض في هدوء وثبات وشفافية بلورية وتتناثر على ذلك البساط الأخضر دور الناس من مزارعين وغيرهم بقرميدها الأحمر وكنت تميز بسهولة الأبقار وهي ترعى جماعات وفرادى ومن بعيد النافورة العملاقة التي تميز المدينة والتي صارت معلما سياحيا كما يميز برج إيفل باريس وتمثال الحرية نيويورك والكوليزيوم روما الخالدة . حطت الطائرة في مطارها الذي يعد من أكبر مطارات الدنيا، وحثثت الخطى أريد أن أتفرج على المدينة التي كنت أحلم بها مدينة روسو وكارل غوستاف يونغ ، ركبت أحد الباصات النظيفة جدا وصوت إحدى الحسناوت المسجل يمسح على الروح بعذوبة نبرته كلما وصل الباص إلى محطة، ينزل ركاب ويصعد آخرون بلا ضوضاء وحتى من يتحدث مع مرافقه لا تكاد تسمع حديثهما كأنهما يتناجيان وآخرون غرقوا فيما هم فيه من كتب أو مجلات يتصفحونها،ونزلت بموقف شامبولي. سألت عن شارع ريشموند ففيه بيت الشباب حيث قررت أن أبيت ليلتي وربما بت ليلة أخرى وأخرى أتفرج على المدينة وماذا ورائي ؟ لقد جئت هنا أصلا لأشبع تسكعا في الشوارع وأتفرج على خلق الله، فأوربا كتاب مفتوح تقرأ فيه كل يوم سطرا أو صفحة أو أكثر وقد لا تنتفع بما تقرأ فلا تتغير تظل كما أنت، وتلك مأساة كبرى! ففي السفر فوائد أحصاها شاعرنا القديم ويمكن أن تضيف إليها أخرى ، ثم أن السفر إلى مدينة دولي مون حيث ينتظرني صديقي جاك وزوجته إيرين يحتاج إلى ترتيب خاص وعلي أن أدبر بمفردي كيفية الوصول إلى هذه المدينة القريبة من ألمانيا وفرنسا على السواء، ولا بد من الكلام عن بيت الشباب هذا إنه فندق فخم يتفوق على فنادقنا السياحية ويبذها، نظيف جدا ،أنيق جدا، فيه كل شيء تحتاج إليه كغريب ،غسالة تغسل لك ملابسك ومطعم و موزع للمشروبات وهواتف والتواليت تسمع فيها الموسيقى الهادئة ولا أغالي في ذلك فهي حقيقة ، وفوق ذلك يطل على بحيرة ليمان الساحرة ، تلك البحيرة التي ألهمت لامارتين قصيدته المشهورة "البحيرة ". قضيت ليلتي هناك وفي الصباح كنت أتناول الفطور مع سيدة نمساوية شرعت تحدثني عن رحلتها إلى قلب سويسرا أما السيدة الأخرى فكانت عجوزا نيوزلندية جاوزت السبعين ولكنها في كامل أناقتها وحيويتها أخبرتني أن الرحلة من بلدها إلى جنيف استغرقت حوالي ثلاثين ساعة وأنها تعشق الأسفار وتهيم بمتعة الاكتشاف وأكبرتها وأكبرت صنيعا وتمنيت لها إقامة طيبة. جنيف مدينة على الحدود الفرنسية هي مدينة روسو صاحب العقد الاجتماعي وإميل والاعترافات ، ومدينة الأديب جان جينيه اللامنتمي صاحب رواية "سيدتنا صاحبة الزهور" والتي باح فيها بأشياء خطيرة وتعاطف الروائي مع المستضعفين فتبنى طفلا مغربيا بلا أبوين وأوصى أن يدفن في المغرب، أسس فيها الشاعر المصري علي الغاياتي جريدة "منبر الشرق " عام 1922 وعاش فيها أمير البيان العربي شكيب أرسلان وافتتنت النساء السويسريات بقفطان محمد عبده لما نزل المدينة سائحا رفقة تلميذه أحمد لطفي السيد وحتى أمير الشعراء شوقي جاشت قريحته بالشعر السلس لما جاء سويسرا سائحا وله قصيدة في وصف أحد أنهارها وأحسبه نهر الرون. هي عاصمة كونتون دو جنيف فسويسرا بلد فدرالي مكون من كونتونات ولكل كونتون حكومته وخصوصيته وهناك حكومة فدرالية في برن وسويسرا أحسن مثال لتجاور الألسنة والعادات ، بعض الكونتونات لغتها الألمانية والناس هناك كالألمان في عاداتهم وفي صرامتهم وبعضها الآخر لغتها الفرنيسة وهي التي تتاخم فرنسا والناس هناك أقرب إلى الفرنسيين وكونتونات لغتها الإيطالية وهي التي تجاور إيطاليا وفي قلب البلد كونتون دو شفيتز ولغته الرومانشية ومنه أخذ البلد اسمه بالألمانية وربما في كونتون اليوم يوم عطلة ولا تجد ذلك في كونتون آخر وسويسرا - ذلك البلد الذي اختاره شارلي شابلن للإقامة فيه بعد أن ترك التمثيل وأمريكا - بلد المنتجعات السياحية حيث محطات التزلج الجميلة في زارمات وسان موريتز ودافوس وغيرها والبحيرات المشهورة الليمات حيث تطل عليها مدينة زيورخ قلب البلد الصناعي ونوشاتل ولوكارنو واللوجانو وغيرها وهي بلد بطل الاستقلال الأسطوري غليوم تل في القرن الرابع عشر الذي حكم عليه بأن يرمي بسهمه تفاحة وضعت على رأس ابنه فرماها ولم يصب الفتى بأذى وهي بلد المصارف كذلك فالبنوك العالمية مشهورة ورأسمالها بالبلايين وفي بازل- المدينة المرتبطة في فكرنا بمؤتمرها الشهير الذي ترأسه تيودور هرتسل وانتهى إلى قرار بإنشاء وطن قومي لليهود - بنك التسوية الدولية وهو بناية تبدو لك فارغة إلا أن اجتماعا ينعقد سنويا هناك وينفض الجمع بعد ذلك فتبلغ قلوب الرأسماليين الحناجر، ثلة من الرجال تلقي قولا ثقيلا يرتفع الدولار أو ينخفض الين أو ينتعش الأورو فتغنم دول وتخسر أخرى . في هذا المكان الذي يشبه البنكرياس في الجسم يجري ضبط مستوى السكر في الدم حتى لا يهلك البدن والسكر هو التوازنات المالية حفاظا على حياة الاقتصاد العالمي ، وفي الحربين العالميتين لم يمس البلد سوء، سواء من قبل الحلفاء أو من قبل جيوش النازية فالبلد قلب العالم المالي ويقولون لك إن الأموال والذهب والأحجار الكريمة وهي لأصحابها المودعين تخبأ تحت الأرض بل تحت بحيرة ليمان، وحينما كنت هناك رأيت عجبا اندماج لبنكين كبيرين في سويسرا هما اتحاد البنوك السويسرية والقرض السويسري وكان الرأسمال المجتمع للبنكين سبعمئة مليار دولار، ووصفت الصحافة هذا بزواج القرن! غير أن سويسرا بلد الصناعات الدقيقة فصناعة الساعات التي تشتهر بها تدر على البد البلايين وكذا الشكولاطة وإن بحثت في دول العالم فلن تجد مثل الشكولاطة السويسرية ، ألوان وأشكال ومذاق عجيب ، وفي سويسرا الجبن كذلك وصناعة الأغذية والصناعات الإلكترونية ويفتخر السويسريون أنه لما هبطت المركبة الفضائية "باثفايندر"على سطح المريخ وخرج المستكشف" سوجرنر" يجس تربة المريخ وأحجاره ، كان به جهاز صنع في مدينة زيوريخ وقد قرأت ذلك بنفسي في الصحف السويسرية في الرابع من يوليو في جريدة " منبر جنيف". ويطوق جبل صخري المدينة ويسلمها في وداعة إلى البحيرة الساحرة فتمسح على المدينة بهبات النسيم المنعشة والبحيرة تطل عليها مدن فرنسية كإيفيان وسويسرية أشهرها لوزان ونيون وفيفي مدينة " نسله" شركة الصناعات الغذائية العملاقة ومونترو، والبحيرة بلون اللازورد إذا كانت السماء صافية والبواخر في جيئة وذهاب تنقل السواح من فرنسا إلى جنيف أو من مدن سويسرا الأخرى إلى المدينة ، وفي قلب المدينة قطعة أرضية يشطرها نهر الرون ويحف بها كما تحف الهالة بالقمر والأكمام بالزهر هي جزيرة روسو وفيها حديقة كان روسو يجلس فيها يتأمل وله تمثال رائع هناك وتربط الجزيرة بالمدينة جسور أخاذة جميلة. ويشق المدينة نهر آخر هو الأرف ولكنه أقل قيمة ومتعة من الرون فهو نهر متوحش، مندفع صاخب كأنه شاب، موحل ليس فيه صفاء الرون وحكمته في سيره الوئيد وجماله ومتعته وفائدته الاقتصادية للبلد. خرجت أجوب المدينة على ضفاف البحيرة حيث كثرة الزهور والأرائك المعدة لجلوس المتأملين والعاشقين والأشجار المنضدة تسر الناظرين وتنعش الغادين والفنادق الرائعة المطلة على البحيرة ، نوجاهلتون البو ريفاج والرئيس ولسن ، والبرنسويك المعلم التاريخي ، وتفتنك الجسور على الرون ولكن جسر المون بلان أحدثها وهو أطول جسورها ليس له ما للجسور الأخرى من جلال الماضي ورونقه ومسحة الفن وبإمكانك من هناك رؤية المون بلان أعلى قمم جبال الألب وقد كللت الثلوج البيضاء هامته فبدا كراهب بوذي يتبتل والمناظير مثبتة على الرصيف تدفع فرنكا فيشتغل المنظار لمدة قصيرة وترى الجبل عن كثب،كانت إلى رفقتي فتاة برازيلية من مدينة ريو دي جانيرو، سمراء فيها ملاحة تتفرج معي على المدينة وفي سويسرا كثير من الفتيات والشباب من البرازيل والأرجنتين ولا تلقى عنتا أن تصاحبك إحداهن أما السويسريات فيحتجن إلى وقت، إنهن يتمنعن ولا يبدين رغبة في التعرف إلى الأجانب ويبدو أن الحياد السياسي وسحر البلد الذي يعيشون فيه وكونه مهوى أفئدة الجميع والرفاهية التي يعيش فيها الناس هناك دفعتهم إلى الاعتداد بالنفس والشعور بالتفوق فلا يسلسن القياد إلا بعد لأي ، تسأل إحداهن عن الوقت أو عن شارع أو بناية فترد عليك في لباقة وتنصرف ، لا تبدي رغبة في الحديث أكثر وتجلس إحداهن على جنبك في الباص تتحدث إليها فتسمع منك وتسألك عن بلدك وتخوض معك في أحاديث شتى ولكن في تحفظ شديد وتنزل في أحد المواقف وينتهي الأمر. كانت سماء المدينة تغشيها بعض السحب والمدينة تتشح بلون رمادي ولكن الذي يسر عينك أكثر نظافة المدينة وتخطيطها وشوارعها الرائعة وقلة الزحام بها فليس الشأن كما في باريس أو لندن أو القاهرة ، واقتربت من النافورة العملاقة ، نافورة تدفع بالماء إلى أكثر من مئة وأربعين مترا ليلا ونهارا والسياح فرحين بمنظر الماء المتدفق وينظرون في أدلتهم السياحية وينظرون مرة أخرى إلى النافورة وكأنهم لا يصدقون أعينهم أنهم حقيقة أمامها! ومن ذلك المكان كنت أرصد المدينة ، يندفع فندق الأنتركونتنتال- الذي شهد لقاء أمريكيا عراقيا انتهى بقرار الحرب ويحتفظ في غرفه وصالوناته بأسرار عربية كثيرة - شامخا يتدافع إلى عنان السماء فيصبح نقطة مرجعية في توجيه السياح هاهي الضفة اليمنى وتلك هي اليسرى والجميل في هذه المدينة أنك تستطيع الانتقال من هذه الضفة إلى تلك في قوراب صغيرة على الرغم من وجود الباصات ولكن الفرجة لها حكمها. وجنيف مدينة عالمية وفيها مقر الأمم المتحدة ومكتب العمل الدولي حيث رأيت لأول مرة جائزة نوبل الشهادة والميدالية التي نالهما المكتب والمنظمة العالمية للصحة والمنظمة العالمية للملكية الفكرية والمفوضية العليا للاجئين وكلها زرتها ولكن زيارة مقر الأمم المتحدة له أهميته الخاصة تدفع فرنكات قليلة وتسير مع مرشد رفقة سياح تجوب أبنية الأمم المتحدة يقول لك المرشد هنا أبرمت اتفاقية إنهاء الحرب العراقية الإيرانية وتدخل قاعة الاجتماعات وتفاجئ أن سويسرا لا تتمتع بمقعد عضو ولكن ملاحظ فقط وهو ما يؤكد طابع الحياد لديها، وفي الحديقة التي تحتضن هذا البناء الفخم مجسم كأنه سهم أو صاروخ نحته أحد الفنانين الروس وأهداه الاتحاد السوفيتي إلى الأمم المتحدة هناك وهو يرمز إلى سيطرة الإنسان على الفضاء ورغبته في التحرر أكثر من كل شيء .وفي جنيف متحف الصليب الأحمر حيث كان بيت مؤسسه هنري دونان لقد حولوا البيت إلى متحف وهو يحكي تاريخ الصليب الأحمر وتاريخ الرجل الذي أسسه في سويسرا عام 1863، ولا يمكن لمن يسافر إلى سويسرا أن يضل طريقه حيثما سرت خرائط للحي الذي أنت فيه وموقعه بالنسبة وسط المدينة وخرائط أخرى لسير الباصات وأمكنة توقفها ويثير انتباهك أكثر في شوارع المدينة أنها لا تسمى إلا بأسماء أعلام المدينة أو مدنها وبحيراتها وعجائب الطبيعة المكنونة فيها، شارع روسو شارع غوستاف يونغ شارع زيورخ شارع لوزان …الخ وتحت كل اسم شخصية تاريخية هوية صاحبه وتاريخ ميلاده ووفاته ثم أعلام سويسرا في الدرجة الثانية ففي هذا البلد المتحفظ اعتزاز بالتراث والثقافة والتاريخ السويسري، ولن تسأل أحدا عن الوقت في جنيف أو في غيرها من المدن فحيثما سرت ساعات كبرى من أكبر الماركات العالمية راما ،أوميغا ، موريس لاكروا مثبتة في زوايا الشوارع ، وواحدة منها مزار عالمي إنها ساعة الورد ووقفت أمامها متأملا مفتونا بجمالها، ساعة عملاقة ميناؤها من العشب الأخضر وأرقامها من الورد وكان السياح أمامها يتأملون جمالها ويلتقطون الصور التذكارية وهي دقيقة في توقيتها ولها فريق من العاملين يسهرون على العناية بها وتغيير التاريخ المكتوب هو أيضا بالورد! وأما السير في المدينة القديمة فله متعته شوارع ضيقة قديمة أشبه بالأزقة ولكنها جميلة تنفحك برائحة الورد وفي كل زاوية عاشق يقبل حبيبته أو يتبادلان النكات أو يجلسها في حضنه يداعب شعرها ولا أحد يهتم بأولئك العشاق إنهم يعيشون حياتهم ، وربما إن مرت عجوز ترقب الفتاة المنتشية بسعار القبلة أو إيحاء الهمس تمثلت بشعر الأخطل الصغير لو كانت تعرف العربية:
عرفتهم واحدا واحـــــدا
وذقت الذي ذقته مرتين
وفي أعلى نقطة من المدينة القديمة كاتدرائية جنيف وهي ككل الكاتدرائيات في أوربا تتميز بالفخامة والجمال والفن الذي أبدع فيه متعاطوه سواء في رسوم السيدة العذراء أو السيد المسيح أو القديسين وفي الزجاج الملون وعبق القرون الوسطى بما يحمله من تاريخ في الصراع مع الكنيسة ويتدفق السياح على الكاتدرائية بعضهم ملحد لا يؤمن بدين ولكنه يأتي لمجرد الفرجة وبعضهم من كبار السن عادة يقفون وقفة خشوع، وفي زاوية جلس أحدهم إلى قس وهو يعترف له بخطاياه! والمدينة القديمة لها سحرها ، المقاهي جميلة تدخل مقهى فيحضر النادل الذي هو فتاة جميلة عادة فتطلب قهوة وتتناول جريدة من الجرائد الموجودة عند المدخل وتحضر القهوة مع شيء من الحليب حتى لو لم تطلبه فهو من تقاليدهم وكان يلذ لي أن أتردد على مقهى كانت تتردد عليه إليزابيث تايلور ولها صورة في ذلك المقهى معلقة في أحد جدرانه وفي المساء المطاعم يكثر روادها والموائد تنضد في الخارج حيث يتناول الناس عشاءهم على ضوء الشموع وهذا عازف يعزف على قيثارته أو على الأكورديون ينفحونه بالنقود فهم يتكرمون على أهل الفن بلا من أو أذى . وجامعة جنيف جامعة مشهورة درس فيها العالم السويسري الشهير دوسوسور بين1907و1911 وقسم اللغة العربية مشهور أيضا وقد ترددت عليها كثيرا للمطالعة في مكتبتها وقضيت ساعات رائعة في رحابها حيث القوم كلهم غارقون فيما هم فيه من مطالعات وبحوث، نثروا المراجع والقواميس أمامهم لا يتكلم الواحد مع صاحبه إلا فيما تعلق بالعلم والأدب وبعضهم من كبار السن ليسوا طلبة ولكنهم يغشون الجامعة ويطالعون ويحضرون المحاضرات والجامعة لا تحرمهم ، فلا حدود عمرية للتعلم . والتسوق في جنيف له متعته ولكن تكاليف المعيشة غالية غير أن دخل الفرد مرتفع فالناس جميعا ينعمون بالرفاهية ويمكنك أن تدخل " البلاصات" أو "الميغرو" أو "الكوب" فتشتري طعاما أو لباسا أو وما شئت غير أن البلاصات في جنيف له مكانته ففيه ولد روسو وهناك لوحة تشير إلى ذلك. فتاريخ الأدب والعلم والأدب لا يمكن التغاضي عنه أمام الأجيال التالية. ومرافقي التونسي هذه المرة يخبرني بأن لا أطمئن كثيرا إلى هدوء المدينة في شهر أيار ففي أغسطس تصبح كلها عربية ! على أنني ودعت صاحبي ووعدته باللقاء في أغسطس أما الآن فورائي ما هو أهم ، السفر إلى صديقي جاك فرواديفو في قريته الهادئة على الحدود الفرنسية، ركبت القطار من جنيف إلى بيين والقطار السويسري قطعة من البلور الشفاف تجري على القضبان، جمال و نظافة وخدمات ، كل شيء يدفعك إلى التأمل جمال الناس وهدوءهم داخل القطار والمراقب الذي يرتدي بذلة العمل، حليق الذقن ، لبق في كلامه يقترب منك إن كنت نائما فيهمس لك :
التذكرة ، من فضلك سيدي وتسأله متى نصل بيين؟ فيرد بلطف ويقين:
سنصل إلى نوشاتل في الساعة الرابعة وخمسين دقيقة ونصل بيين في الخامسة وخمس وأربعين دقيقة ،هنا الدقائق لا مجال للتلاعب بها ويصدق في كلامه ، فعند الساعة الخامسة وخمس وأربعين دقيقة يدخل القطار محطة بيين وتسمع صوتا من داخل القطار: المسافرون المتوجهون إلى دولي مون نشكركم على اختياركم السفر معنا القطار يتوجه إلى زيوريخ أنتم مرجوون أن تنزلوا لتمتطوا قطارا آخر. و دولي مون عاصمة كونتون دو جورا مدينة يحضنها جبل الجورا وينزلها في حضنه برفق ويكلأها من عوادي الأيام مدينة كمدن سويسرا لم أبق فيها أكثر من ساعتين، ككل مدن البلد تتعب عيناك من ترصد الجمال والنظام والنظافة وألوان الزهور الفتانة ومن هناك امتطيت باصا إلى قرية سوبي وقبل أن يصل الباص إليها نزلت في قرية إسارفالون حيث مزرعة صديقي جاك الذي استقبلني بحفاوة رفقة زوجته إيرين رايزر وابنتيه الصغيرتين وهما تدرسان في مدرسة ابتدائية قريبة وله بنت ثالثة تعيش مع أخته في مدينة لاشو دو فون المدينة الأكثر ارتفاعا بين مدن سويسرا وتدرس في مدرسة لاند شتاينر حيث الانتقال تلقائي بلا امتحان ويختار الأولياء لأبنائهم النظام المدرسي الذي يودون ، وجاك صديقي مزارع سويسري هو وزوجته إيرين وهي من زيوريخ يعيشان بلا عقد زواج لا يكفان عن انتقاد الدولة وهو شأن كل الأوربيين فالحكومات منبوذة ومهما صنع رجالها لمواطنيها فهم مجرد مرتزقة يعيشون على الضرائب التي يدفعها المواطنون ويحسنون الكذب والخداع! لفت انتباهي وأنا عند صديقي في بيته بيت يرتفع فيه علم كوبي وعليه عليه صورة المناضل العالمي شي غفارا وقلت في نفسي هل هذه سفارة بلد في الريف؟ وأخبرني جاك أنه مواطن سويسري يعيش في زيوريخ ويأتي إلى الريف في كل نهاية أسبوع ولا أحد يمنعه من رفع العلم الكوبي ولا يخضع لاستنطاق من قبل بوليس بلاده ، وجاك وزوجته يمتلكان مزرعة مليئة بالأبقار ويصنعان الجبن ويبيعانه وقد تعلمت من زوجته صنع الجبن وصنعت منه خلا ل إقامتي التي دامت شهرا أكثر من خمسين كيلوغراما.وأهل البيت يكادون يكونون نباتيين فيقتصدون في استهلاك اللحوم ويحبذون الخضروات والمزرعة لا تستعمل أسمدة كيماوية وحتى فيما يشترونه من أغذية يحرصون على الطبيعية التي لم تخالطها كيماويات وفي البيت مكتبة والكتب فيها معظمها ما تعلق بالزراعة والحيوانات والطبيعة. وإيرين في الثلاثينات من عمرها قامة ألمانية وعينان زرقاوان وشعر بلون أشعة الشمس تعمل في المزرعة، تحلب الأبقار في مراعيها وتجلب الحليب لصنع الجبن وتقود سيارتها وتشتري الغذاء من المحلات في القرى المجاورة وتعمل في المزرعة، وتبيع الجبن في المدن القريبة بلا كلل ، تستيقظ كل يوم عند الخامسة صباحا وهي مثال للمرأة الأوربية المكافحة العاملة.ويتردد علة البيت ستيفان وهو شاب من زيوريخ له قرابة مع إيرين ودود نمشي المسافات الطوال نتحدث في كل شيء ويحب الشرق ويود زيارته وكم يأسف على سيطرة الفكر الاستشراقي على العقلية الأوربية في تعاطيها مع الشرق وفي أفكار الأوربيين المشوهة عن العرب والإسلام، يحشو سيجارته بالحشيش ويعرض علي السيجارة استجلابا للنشوة وأعتذر له عن قبول دعوته تلك ، وإيزابيل البلجيكية المطلقة في الثلاثين من بروكسل لا تكف عن التدخين والفضول ودانيال السويسري الولوع بحصانه الذي لا يكف عن الحديث عنه كأنه ولده ويحضر إلينا رزمة من المجلات المتخصصة في شؤون الأحصنة نتفرج وهو يشرح لنا ما تراه أعيننا ، أما إلفيك فهو فلامندي مرح ودود لا يحب البروتوكولات يمزح كثيرا فيضع الأصباغ على وجهه كأنه غانية ويخرج إليك من مكان خفي مفاجئا إياك بشكله العجيب هذا ، يأكل فليحس الصحن إذا فرغ من الطعام كأنه قط ويهيم بالمغامرات ومرة كنا نتحدث فأنكر على المتحدث ذكره للسماء وتعلل لذلك بأنه لا يراها وقلت له إن روح أورست في ذباب سارتر قد حلت فيك أيها الفلامندي الملحد ويضحك الجميع. وكذلك الأوربيون عموما يؤمنون بالحياة ويسعون إلى العب منها بلا كلل. كانت إقامتي في الريف السويسري رائعة ألهمتني الكثير، كنت أقوم بجولات في الغابات وأستمتع بجمال الأنهار وتغريد الأطيار وخوار البقر وأصوات الأجراس المتدلية من أعناقها، والريف السويسري أنيق، الخضرة حيثما التفت والمنازل جميلة تكثر فيها النوافذ - لمزيد من الضوء والهواء- والطرقات مرصوفة والريف الأوربي كله فاتن ولكن الجمال في سويسرا له طابعه الخاص كل شيء بقدر، البلد مساحته صغيرة وكذا عدد سكانه ولا تفاجئ بالعمارات الشاهقة الباذخة في المدن ولا الأحراش الموحشة في الأرياف هنا الأناقة واللطف والرقة والهدوء الذي يقلقك أحيانا وحتى الأبقار وهي في المراعي تمر عليها فترفع رؤوسها في ثقل تنظر إليك قليلا فتعرف بأنك غريب فلا تبالي وتعود إلى ما هي فيه من شأن بلا صخب وحتى كلبة صديقي جاك " بوتشي " كنت أزجرها إن أصرت على مرافقتي في جولاتي فتتأسف في لطف وتعود كسيرة مطرقة بلا ضوضاء هي أيضا! ويمكنك في الريف أن تشتري ما شئت فأنت لا تحس بالعزلة وساعي البريد يحمل إليك البريد كل يوم في ميعاده بلا تأخير فأهل الريف كأهل المدن ينعمون بنفس الرفاهية التي أتاحها العصر الديمقراطي الصناعي ولا تشكو الأرياف من نزوح شأن أريافنا ، والباص يمر في مواعيده المثبتة على لوح في موقفه ولا زلت أذكر تلك الحفلة التي دعينا إليها أنا وصديقي جاك في الهواء الطلق، المزارعون الذين كانوا رجالا ونساء ، شيبا وشبانا، يستمعون إلى الموسيقى ويرقصون على أنغامها واللحم يشوى والخمر تصب في الكؤوس والفرح باد على الوجوه المحمرة والمزارعون يخوضون في أحاديث شتى. يقول أحدهم لصاحبه الثمل:
أتذكر ذلك المذنب؟ كان هناك منذ ليال لكنه اختفى الآن، وكان يشير إلى مكان اجتمعت فيه كوكبة من النجوم تسترق الهمس وتتنصت على السامرين . فيرد الآخر:
مذنب "هال بوب "؟ آخر مرة زار فيها الأرض كان ذاك منذ عهد الفراعنة ، في المرة القادمة حينما يزور الأرض سوف تكون هلفيسيا أي سويسرة بحرا سيذوب الجليد في القطب ألا تسمع يا جاك أنباء عن ارتفاع درجة حرارة الأرض وارتفاع مستوى مياه البحار؟ فيجيب جاك :
أنا لا أسمع إلا أنباء عن ارتفاع أسعار المازوت والحنطة وبذور الكرنب الذي نطعم به حيواناتنا، سحقا للحكومة فيرد آخر :
أمريكا هي السبب، تبا لها موسيقى، رقص، هيا حبيبتي نرقص قبل أن يعود هال بوب ونكون في عداد الغرقى كأصحاب التيتانك! ويقهقه الجميع . هنا الثقافة ليست حكرا على أبناء المدن أو طلاب الجامعة، إنها هواء يتنفسونه وغذاء يتناولونه شيبا وشبانا، رجالا ونساء، أهل حضر أو بداوة ومعذرة لابن خلدون على هذا التحريف المتعمد. ولكل كونتون في سويسرا صحافته وحكومته وفي كونتون دو جورا كنت أقرأ جريدتها بانتظام وأذكر الضجة التي أثيرت حول ثروة موبوتو سيسسيكو، كان الثوار قد استولو على الحكم والرئيس مريض يعالج في فرنسا ويقيم بالكوت دا زير وتطلب الحكومة الجديدة بيانا بأموال موبوتو وتطلب الحكومة السويسرية وقتا للتحقيق ثم تعلن أن أموال الرجل أربعة ملايين فرنك سويسري بينما الحكومة في الزائير - سابقا أو الكونغو الديمقراطي حاليا - تقدرها بمليارات الدولارات إضافة إلى عقود الماس والأحجار الكريمة فالرجل نهب البلد عقودا وكان يدخر أمواله في البنوك السويسرية ولكن الحكومة لا تعطي الحقيقة إنها تتكتم على حسابات زبائنها بل وتفتح لهم حسابات مشفرة وهذا الإجراء جعل السياسيين في العالم يدخرون أموالهم هناك فالبلد يتكتم على أصحاب الحسابات ويصونها من متابعات تلك البلدان إذا تغير النظام السياسي. وعند صديقي جاك حضرت استفتاء غريبا فسويسرا بلد الاستفتاءات ويقولون أن هناك أحد عشرة استفتاء كل عام، وكان موضوع الاستفتاء : هل تؤيد صنع بلدك للأسلحة وبيعها للعالم؟وفي مكان الملصقات في دار البلدية ملصقة عليها حجج المعارضين وبجوارها أخرى عليها حجج المؤيدين ويختار المواطن عبر الاقتراع في صناديق زجاجية الرأي الذي يراه صائبا، ولا مجال للتلاعب هنا فالاقتراع نزيه وشفاف ومن غرائب المفارقات أن المؤيدين هم الذين فازو في هذا الاستفتاء!وأعلن الرافضون أنهم لن يكفوا عن النضال حتى يتحقق مطلبهم. شهر كامل قضيته في الريف السويسري أصاحب الأطيار والأبقار وأتنزه في الغابات الوارفة الظلال وأستمع إلى خرير الماء في الأنهار وأنتشي بصحبة بعض الأصدقاء. إلا أن تلبد السماء وكثرة المطر والضباب الذي يستمر لأيام كان يسلمني إلى حزن أحيانا. المطر، المطر، المطر، وأذكر قصيدة السياب العظيمة، أنشودة المطر :

وكل عام حين يعشب الثرى بجوع
ما مر عام والعراق ليس فيه جوع
في كل قطرة من المطر
حمراء أو صفراء من أجنة الزهر
وكل دمعة من الجياع والعراة
وكل قطرة تراق من دم العبيد
فهي ابتسام في انتظار مبسم جديد
أو حلمة توردت على فم الوليد
في عالم الغد الفتي واهب الحياه
مطر…
مطر…
مطر…
سيعشب العراق بالمطر
وأتذكر العالم العربي متى يعشب بالعلم والديمقراطية والحياة والرزق والمساواة لكامل الشعب العربي؟ أم أنه كمومس السياب العمياء:
أكان عدلا فيه أنك تدفعين
سهاد مقلتك الضريرة
ثمنا لملء يديك زيتا من منابعه الغزيرة
كي يثمر المصباح بالنور الذي لا تبصرين
ولا يفوت السائح وهو يمر بالمدينة في أغسطس عيد جنيف ، احتفالات بالموسيقى والرقص والسينما والمطاعم المنتشرة على الهواء والمثلجات الحلوة المذاق والألعاب النارية والألعاب للأطفال والتسلية للكبار بما يناسبهم من رمي بالبنادق وركوب سيارات صغيرة وعربات تدخل بهم أنفاقا مرعبة كل هذا على ضفاف البحيرة فقد أعدت منذ أمد لاستقبال العيد ويحضر العرب بكثرة خاصة من الخليج مع أسرهم وتمشي على ضفاف البحيرة فلا ترى إلا العرب وكأن البلد حال عربيا كله وتشجع الحكومة هذا لأنه يدر عليها ملايين الفرنكات ويروج للبضاعة المحلية وفي ليلة العاشر من أغسطس لا تنم وامش على ضفة البحيرة ليلا ستفاجئ إن كنت لا تعلم بشلالات دافقة من الضوء بكل الألوان وأصوات المفرقعات النارية وهي تتصاعد إلى السماء وانكسار الضوء المتموج على صفحة البحيرة في شكل بديع وكأنك في حلم ، شلالات من الضوء من كل الألوان وصخب ورقص وموسيقى ومرح إلى الفجر. والمراقص الليلية الشبابية في المدينة أشهرها اثنان "الباق" أي الخاتم وهو ملهى ليلي صغير تؤمه الجالية من أمريكا الجنوبية ويقدم موسيقى أمريكا الجنوبية وإيقاعها رائع مرقص ، و"الميد" وهو مرقص شبابي كبير وحين يمتلئ تكاد تختنق من رائحة الأنفاس والجعة والتبغ والعرق المتصبب،هناك اطرح حياءك الشرقي واستعد أن تجذبك إحداهن تراقصك رقصات جنونية وتؤمه كثير من الحسناوات السويسريات ذوات الرشاقة والأناقة، قدود نحيفة مياسة متموجة وعيون فيروزية تغرقك في أقيانوس جمالها وشفاه كرزية وسيقان مرمرية وخدود أسيلة وشعور قمحية لا تكف عن الرقص المجنون حتى الصباح ويأخذك العجب كيف تجد الناس صارمين في النهار سواء أكانوا طلبة أم موظفين وحين يسدل الليل أستاره تجد القوم صرعى ، أبدان مكدودة ورؤؤس منتشية بالخمر والرقص ويطلع النهار فيعود القوم إلى جدهم في الجامعات والمعامل،إنهم يعطون ما لقيصر لقيصر وما لله لله أو ساعة لأعمالهم وساعة لقلوبهم! وجنيف فيها مكتب لاستقبال اللاجئين يستقبلهم المكتب يجري عليهم فحوصا طبية ثم يرسلهم إلى مراكز إيواء إلى حين النظر في طلباتهم بالرفض أو القبول واللاجئ يتمتع بالرعاية الصحية والمطعم والمبيت ويتقاضى منحة شهرية فإذا قبل طلبه سويت وضعيته وتحصل على سكن وربما على عمل قار وإن رفض، طلب منه مغادرة البلد وكثيرون يأتون يتعللون باللجوء يستفيدون من المنحة والإيواء ويقضون الليالي في المراقص بحثا عن زيجات يسوون بهن وضعياتهم وقد التقيت بلاجئين من التبت وشمال إفريقيا والعراق وإفريقيا لا هم لهم إلا قبول مكتب اللجوء لهم وعدم العودة إلى بلدانهم وبعضهم كان حقا قد عانى الويلات في بلده. ومرة أخرى أركب القطار السويسري الرائع إلى لوزان وإلى جنبي فتاة نيوزلندية ، كل شيء فيها ينخس سكونك ويدفعك لاستقبال الحياة مستمتعا مندفعا لا تلوي على شيء ، الأنوثة فيها صارخة معربدة والنضج والاستواء أخذا مكانهما في هذا الجسد المرمري وكنا نتجاذب أطراف الحديث وأنا أهمس لنفسي : قد عرفتكم أيها النيوزلنديون منذ أفطرت مع جدتكم في شارع ريشموند، ويأخذني العجب وتستبد بي الحيرة أأستمتع بجمال هذا الوجه أم بجمال الطبيعة؟ والفتاة تغريني بالذهاب معها إلى زيورخ ؟ ولوزان مدينة جبلية تكثر فيها المرتفعات والرطوبة وهي مدينة سكنية من الطراز الأول لا تجد فيها ضوضاء المدن الكبرى بل هي مدينة شاعرية ، توفي فيها محمود تيمور - القصصي المصري - مصطافا يتخذها كثير من السياسيين المعتزلين والأثرياء مقر إقامة لهم وإطلالتها على ليمان رائعة وكاتدرائيتها جميلة وفيها مقر اللجنة الأولمبية والبوليتيكنيك في لوزان مشهورة يتخرج منها المهندسون وعلماء المستقبل ولا تضاهيها إلا بوليتكنيك زيورخ ومنها تخرج ألبرت أينشتين والتحق موظفا بمكتب براءات الاختراع في برن وكثير من صانعي النظارات والعدسات يتخذون صورا له يزينون بها واجهات محلاتهم فقد اشتهر أينشتين بعيب في الإبصار وأهل سويسرا يفتخرون به فهو مواطن سويسري كما هو مواطن ألماني، فيها درس وفها توظف وفيها أخرج للعالم نظرية النسبية الخاصة عام 1905. وضفاف البحيرة المسماة " أوتشي" ساحرة شاعرية، منتزهات رائقة،الورد الأصفر والأحمر يستقبلك والشجر يظللك وجمال الوجوه يغريك ويتركك حالما، على أنني لم أبق في لوزان غير يومين وعدت إلى جنيف. كنت أقيم بعمارة للطلاب تدعى "سان بونيفاس " يقيم بها طلبة من الإناث والذكران ، هذه أمريكية تحضر لشهادة الدكتوراه في العلوم السياسية وتلك بولندية جاءت للمتعة لا غير وهذا روسي طالب وذاك من المغرب العربي يحضر لشهادة مهندس في الاتصالات يحرص على أداء الصلاة ويخشى من حضارة الغرب ومن الذوبان فيها ويعدد لي محاسن الشرق:الحميمية ، الروحانية ، روح الاجتماع والوفاء الزوجي والإيمان، ونذهب معا إلى الباق أو الميد نختلس المتعة ولكنه يشكو من الحرمان يقول لي:
أتدري كم أتعب، كلما تعرفت إلى فتاة هنا في العمارة تصدني لأني أظهر لها شبقي للوهلة الأولى فتنكر علي ذلك، وهن كما ترى ساحرات يفتن الراهب في معبده وصبري نفذ أأبقى أتلظى صاديا والماء السائغ لذة للشاربين؟ وأعزيه على ما فاته ، وأطمئنه أن في الغد الخير الكثير! وأقول له يا صديقي إن مشكلتك هي نفس المشكلة التي تضمنتها رواية عصفور من الشرق وأديب والحي اللاتيني وموسم الهجرة إلى الشمال وما الحب إلا وجها من وجوه المشكلة في التعاطي مع الغرب ثقافة ومعاشا وتفكيرا، لقد قال كبلنج ذات مرة :الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا أبدا! وكثيرون يعتقدون أن بنات أروبا شبقات لا يشبعن من الحب وكأنهن ما خلقن إلا للمتعة بلا حسيب. هن لسن كذلك، جادات عاملات أو طالبات، يعطين الفرصة لأنفسهن في التفكير والتروي ولا يعني مطلقا أنها إذا عرفت شابا أسرعت معه إلى السرير! وقد تكون معها في البيت كصديقين فقط وقد يحدث وقد لا يحدث. وذلك راجع إلى كونها لا تعاني حرمانا ثم نضجها الثقافي والاجتماعي -وحريتها لم تكتمل بعد حسب سيمون دي بوفوار- يصونها عن الابتذال. وكذلك عشت ما عشت في جنيف بين الأصحاب والفرجة والتردد على دور الثقافة والفن ، غير أن صديقة دعتني إلى بيتها بعد أن تعرفت عليها كانت روسية الأصل ومتزوجة من أرجنتيني وضعت زجاجة الفودكا على المائدة فقلت لها إني إن شربت منها هلكت للتو، فتضحك وتخبرني أنها قررت مغادرة البلد مع زوجها إلى الهند وأسألها عن السبب فتقول لي أنها زارت الهند وأعجبتها تقاليد الهنود وروح الاجتماع عندهم وهي ممارسة للرياضات الروحية كاليوجا وكذلك وزجها، فأقول لها :
هل هي روح إيفانوفتش حلت فيك ؟ وتسألني عن الرجل من هو ؟ فأجيبها شخصية من شخصيات رواية توفيق الحكيم في "عصفور من الشرق" فقد نصح بطل الرواية بالعودة إلى بلده وكان ناقما على مادية الغرب وانحلاله وفقدان الحياة بهجتها وقيمتها الحقيقية، وقد أهدتني بعضا من كتب مكتبتها. وفي سويسرا كما في أروبا ظاهرة هي ميل بعضهم إلى الروحانيات في تبني أديان جديدة كالإسلام أو البوذية أو البراهمية وممارسة الرياضات الروحية وفي جامع جنيف في البوتي ساكوني يمكنك أن تجد سويسريين شبانا أسلموا ويحرصون على أداء صلاة الصبح أكثر من المسلمين أنفسهم المقيمين هناك غير أن اتخاذ البعض هذا ذريعة إلى تتفيه حضارة الغرب وتسفيه إنجازاتها ضلال كبير بين من يقول: ظلام من الغرب أو: جاهلية القرن العشرين وينتشي لكل مشكلة في الغرب كدليل على قرب إفلاسها وزوالها تماما كما انتشى الكثيرون يوم سقط الاتحاد السوفيتي لأنه دولة ملحدة ولو لم يسقط ماوقع العالم العربي والإسلامي فريستين للظلم والاستغلال الإمبريالي في عهد الأحادية القطبية ومشكلة العراق وفلسطين مظهر لذلك الظلم والكيل بمكيالين. غير أن الحضارة الغربية تجدد ألقها وشبابها فهي كالربيع لا يهرم لأن في التجدد قوة وحصانة لها، إنها تأخذ بالعلم في السياسة والاجتماع وفي التعاطي مع الطبيعة وتثمن الإنسان وتحترم حريته وحقوقه بعيدا عن القهر السياسي والهرمية البغيضة وفي التفكير بعقدة الممنوع أو البقعة الحمراء كما يقول صادق جلال العظم وتؤمن بالخلق والابتكار والخطأ ليس نهاية العالم والحياة الإنسانية مغامرة تنشد الرفاه ، الحقيقة الرفعة والكمال وتغوص في تلك الحياة إلى الأذقان فتعب من طيباتها بلا عقد وتقوم من كل سقطة كأنها طائر العنقاء . وميل البعض إلى ديانات غير المسيحية آية مرونتها واحترامها للخصوصية الفردية وهؤلاء الذين اختاروا مذاهب أخرى ليسوا كل الغرب . وبعد أن شبعت تسكعا وانطلاقا وغلى في مرجل الحنين أشرعت سفني حين قررت أن أعود بعد أن أودع الأصدقاء والأزقة، جزيرة روسو والرون وكل ذرة من ذلك البلد " اللؤلؤة " والمطر ينزل زخات زخات وفي داخلي صوت يردد أبيات السياب من "مدينة لا مطر و"أنشودة المطر" وفي النفس حزن غض ، دفين، طفولي، مبهم:

وفي غرفات عشتار
تظل مجامر الفخار خاوية بلا نار
ونحن نهيم كالغرباء من دار إلى دار
لنسأل عن هداياها
جياع نحن وا أسفاه ، فارغتان كفاها
وقاسيتان عيناها
باردتان كالذهب
مطر…
مطر…
مطر…


مسابقة أمير الشعراء أوسوبر ستار الشعر العربي انطباعات مشارك


لا يهدف هذا المقال إلى النيل من أحد ولا التعريض ببلد، فليس له من غرض سوى كشف الحقائق للقارئ والمشاهد العربي كليهما وإنارة الطريق الذي شاءته القنوات الدعائية والصحف الإشهارية مدلهما فيخبط فيه المتتبع لبرنامج أمير الشعراء خبط عشواء ويستسلم لذلك البريق الإعلامي والبهرج الدعائي فيحسب كل ما يلمع ذهبا،ويخال السراب حدائق بابل المعلقة، وليس لنا من كلام نفتتح به مقالنا سوى قوله تعالى"فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ماينفع الناس فيمكث في الأرض". وبداية فقد كان من حسن حظنا أومن سوئه - وللقارئ الكريم تقدير ذلك بعد قراءة المقال- أن نستدعى إلى أبو ظبي لمقابلة اللجنة بعد أن وقع علينا الإختيار من بين سبعة آلاف شاعر- كما قيل- إذ تلقينا مكالمة هاتفية يوم الإثنين05مايو تفيد أن موعد السفر غدا الثلاثاء 06 مايو مساء إلى الدوحة ثم إلى أبو ظبي لنصلها فجرا ولم نعلم لا بضرورة إحضار نص شعري أو انتقائه وفي أبو ظبي التي وصلناهها عند الثالثة فجرا بعد أكثر من ثماني ساعات طيران هتفنا إلى مندوب هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث الذي حضر ونقلنا - وكنا ثلاثة من الجزائر فتى وفتاة إضافة إلى كاتب المقال- إلى فندق ساندز الفخم في قلب مدينة أبو ظبي و كان التعب قد نال منا ويكاد الضحي أن يرتفع في المدينة بدون نوم ونفاجئ بمندوب الهيئة يخبرنا بضرورة التوجه إلى بهو الفندق استعدادا للذهاب إلى أحد الأستوديوهات لمقابلة اللجنة وأعلمنا بضرورة إحضار النص فقلت له أن لا نص بحوزتي لأنني لم أحط علما بذلك حين اتصلتم بي من أبوظبي،لولا أني استعنت بجهاز كمبيوتر موصول بشبكة الأنترنت وطبعت قصيدة "نهج الرسالة" التي شاركت بها أول الأمر من ديواني الإلكتروني، وحين وصلنا أحد الأستديوهات حيث تقبع اللجنة التي سنقابلها نصبت خيمة غصت بالشعراء أحدهم يراجع نصه والآخر يسأل عن كيفية كتابة الهمزة في كلمة والآخر حكم العدد والمعدود وأحددهم يتمتم بالدعوات لتجيزه اللجنة وآخر يقرأ كلاما على مسامع البعض بلا وزن ولا قافية ويسألهم في إلحاح رأيهم في شعره، ومال علي رفيقي الجزائري يقرأعلي نصه فسألته من أي بحر هذه القصيدة؟،فأخبرني أنه شعر بلا وزن ولا قافية وموسيقاه الداخلية وحدها تكفي فأخبرته أن الشعر لا يسمى شعرا إلا إذا خضع للوزن وأدركت أنه لايعرفه ! وتساءلت في نفسي كيف اختير من بين السبعة آلاف شاعر ؟ وتطلب منك الفتاة أن تقدم القصيدة وتملأ الاستمارة ، تذكر فيها اسمك وسنك وبلدك ووظيفتك ووثيقة أخري تلتزم فيها بعدم إفشاء أي سر أوالإدلاء بأي حديث بعد مقابلة اللجنة وتوقع على ذلك التعهد ،ومن حين لآخر يدخل شاب ينادي على ثلاثة ويذهب بهم إلى الأستديو وحين تدخله لابد أن تدخل غرفة تقابل فيها الكاميرا تعرف فيها بنفسك وتجيب عن سؤال هل تتوقع أن تكون أمير الشعراء؟ وتجلس في قاعة أخرى لتتلقى من يرشدك إلى كيفية الاستعداد لمقابلة اللجنة حتى إذا أتممت تدريب المشي تم تصويرك ثم إذا أشرفت على اللجنة وجدت شابا يرشدك إلى طرقة الدخول عليها وينبهك إلى عدم المصافحة والاكتفاء بالسلام والجلوس بعد الإذن لك وينبهك في إلحاح شديد إلى عدم الاعتراض أو المناقشة أو المكابرة بل الاستماع فقط ! وتقرأعلى مسامع أعضائها الدكتور المرتاض والدكتور الفضل والنايف الرشدان وآخر لا يحضرني اسمه ،أما الدكتوربن التميم فهو في سفر إلى لندن . قرأت قصيدة " نهج الرسالة "وهي من الكامل ومطلعها:
ذكرى النبي سنا أضاء بطاحا
فأحال ليل الكائنات صباحـــــا
وكنت نشرتها في كثير من المجلات والمواقع الشعرية واستحسنها الكثيرون فقد استحسن الناقد الكتور مصطفى عطية جمعة قولي عن سنوات العمر:
ويلاه ماخبري وتلك سفائني
غيلت صواريها نوا ورياحا ؟
وأشاد بها الشاعر الدكتور جمال مرسي في ملتقى الأدباء والمبدعين العرب والدكتور عمر هزاع في تجمع شعراء بلا حدود وغيرهم كثيرون وآراؤهم في القصيدة مبثوثة في عشرات المواقع التي نشرت فيها والقارئ الكريم يمكنه أن يطلع عليها في مواطنها وفوجئت بأول رد عنيف من أحدهم أن في القصيدة فقرا فنيا ومن الأخر عدم الرضا عن قولي :
ضمخت أنفاس الليالي بالهوى
وملأت أبيات القصيد ملاحـــا
وشدوت في أذن الزمان مسرة
وسكبت في جيب النديم الراحا
حتى إذا راجعت أمسا سالفـــا
أبصرت آثار السنين قباحـــــا
فالمقام –وهو مدح المصطفى عليه الصلاة والسلام- لايجوزفيه ذكر الخمر والملاح ولأنه ليس لي حق الرد سكت مع أن صاحب البردة يقول في نفس السياق وشتان بيننا !
وما سعاد غداة البين إذ رحــــــــلوا
إلا أغن غضيض الطرف مكحول
وشوقي يقول أيضا:
ريم على القاع بين البان والعلم
أحل سفك دمي في الأشهرالحرم
لما رنا حدثتني النفس قائلــــــة
ياويح جنبك بالسهم المصيب رمي
جحدتها وكتمت السهم في كبدي
جرح الأحبة عندي غير ذي ألــــم
وكنت أحفظ القصيدتين ولكن اللجنة تمنع المناقشة ! كان شعوري أني أمام محكمة تفتيش وأن ذلك الجو المشبع بالقهر والوقار المصطنع والحركات البروتوكولية الجوفاء من قبل أعضاء اللحنة الموقرة ماهو إلا ديكور لتزكية الرداءة ومباركة ثقافة الكليبات وإجازة الكلام الملئ بالعثرات اللغوية أوالمفتقد إلى الوزن مادام يرضي أذواق الجمهور حين التصويت تماما شأن التصويت على المغنين وملكات الجمال واللجنة لا يهمها شئ مادامت تزكيتها اشتريت بالملايين! وتخرج من محكمة التفتيش لتدخل غرفة تقابلك كاميرا وتجيب عن سؤال سبب عدم إجازة قصيدتك وإذا انتقدت اللجنة الموقرة فمقص الرقابة سيعمل عمله ! وحين العودة إلى الفندق وكنت في زهو شديد لأني أقصيت وحمدت الله أن تم ذلك حتى لاتستمر المهزلة المتلفزة لأجد نفسي في مواجهة مع من لايفرق بين خبل أو خبن. تذييل أوتسبيغ علة أوزحاف وربما لا يحسن كتابة عروضية، وهو نفس الشعور وجدته عند لفيف من المبدعين الذين تم إقصاؤهم، هذا شاعر سوري يدعى منير خلف له ديوان وأكثر من جائزة حكموا بعدم شاعريته ،وتلك شاعرة سورية تدعى قمر لها أربعة دواوين لم ترق للجنة الموقرة، وهذا الجراح المصري في مستشفي الملك عبد العزيز بجدة الدكتور محمد أيوب نشأ على حب القريض وصوغه ندم على المشاركة ورأى أنه أهان نفسه حين قبل المثول بين يدي هذه اللجنة ينافسه- عيال- دونه شاعرية ومركزا، ومال علي ليخبرني أن الناس وربما أعضاء هذه اللجنة ينتظرون منه موعدا للفحص بعد ستة أشهر ،كيف قبل أن يهين نفسي إلى هذا الحد؟ وذاك شاعر مغربي من الحائزين على جائزة ناجي نعمان الأدبية -عبد اللطيف الوراري -صاحب ديوان مطبوع لم تجزه اللجنة هو الآخر وذلك شاعر من السودان الشقيق هو محمد حسن السيد وقد أهداني ديوانه لم يرق للجنة هو الآخر وأما المأساة فتمثلت في شاعر كفيف من ليبيا يحضر لأطروحة الماجستير عن البلاغة القرآنية فقد بقي مرميا ينتظر الدخول على اللجنة دون أن يقدر المنظمون عاهته ويأخذوا بيده فيقدمونه على غيره ليقابل اللجنة ولكنه شاعر جيد لذا كان ينبغي إقصاؤه فهو لا يصلح لسوبر ستار الشعر العربي ! إن هذه الحصة المتلفزة تسعى إلى جلب أنظار الملايين من المشاهدين ومن ثمة النزول إلى مستواههم وأذواقهم المتآكلة وتقديم برنامج فج تماما كأكاديمي ستار أوغيرها من الحصص الترفيهية الهزيلة المستوى والذوق ودغدغة مشاعرهم بكلام بعيد عن الشعر قريب من الغريزة يناسب القطاع العريض من تلك الجماهير، وشركات الاتصالات لها دور في هذا البرنامج فرسائل التصويت أس .أم . أس تدر عليها أرباحا خيالية والمتسابقون الخمسة والثلاثون لبعض الدول لهم التمثيل الأكبر بسبب تصويت مشاهدي تلك الدول الكثيف. إن هذا البرنامج في صيغته الشعبوية يحقق لقناة أبو ظبي الفضائية سمعة ورواجا وغني عن البيان أن الشعر الجاد والمنظوم حسب الأصول وفي لغته الفصيحة الشعرية تنصرف عنه تلك الجماهير بسب ضحالة تشكيلها الثقافي والجمالي. إن كثيرا من الشعراء الموهوبين من الذين انطلت عليهم الحيلة العام المنصرم رفضوا المشاركة هذه السنة وإن كثيرا من النوابغ لم يشاركوا أصلا لأنهم يعرفون مسبقا بفضل ذكائهم الفطري أن مثل هذه البرامج ربما تسبب لهم صدمة أو تطيح من أقدارهم حين تجمع الغث إلى جانب السمين واللاشعر إلى جنب الشعر ويفضلون المشاركة في مسابقات جادة كجائزة البابطين وسعاد الصباح وجوائز مجامع اللغة العربية والشارقة وجائزة البردة وغيرها حيث المنافسة الحقيقية والأحكام الجادة النزيهة. كيف تدرس اللجنة الموقرة سبعة آلاف قصيدة في أيام معدودة وتختار ثلاثمئة شاعرا، هل هي تقيم شعرا، لغة وجماليات وصورا شعرية أم تقرأ رسائل أس. أم . أس وسؤالي إلى اللجنة الموقرة كيف اجازتني بقصيدة نهج الرسالة أول مرة ثم أقصتني بنفس القصيدة؟ وقد شاهد المتفرجون الأكارم يوم الخميس المنصرم كيف أهانت اللجنة شاعرا سودانيا دخل بالعصا فتهكمت منه اللجنة واستشهد أحدهم بالآية الكريمة عن عصا موسى واللجنة لا تعرف ماذا تمثل العصا لشاعر من سند نفسي ولو كان هناك ناقد غربي لما اعترض على الشاعر دخوله بالعصا ،وأم كلثوم كانت تغني ةهي تمسك بالمنديل لأنها تعودت على ذلك. وأخيرا نوجه الشكر إلى هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث على الكرم الحاتمي فقد استضافتنا في فندق فخم وتحملت مصاريف التنقل الباهضة وأتاحت لنا أن نتعرف على بعض الموهوبين من أصحاب المواهب الشعرية الحقيقية والمنتجة والتي تم إقصاؤها فتبادل الأصدقاء الدواوين والعناوين ورب ضارة نافعة! ونقول للجنة الموقرة ماقال بصير المعرة لعميانها ذات يوم :
تشابه النجر فالرومي منطقه
كمنطق العرب والطائي مرطان
وننصح هيئة الثقافة في أبو ظبي بضرورة تغيير اللجنة لأن الاحتكار حرام في الشرع الحنيف وهناك نقاد وشعراء أكفاء وأصحاب مؤلفات كثيرة يحسن إعطاؤهم الفرصة لمقابلة الشعراء المتنافسين وهذه اللجنة أخذت حقها وزيادة فالديموقراطية تنشد التغيير لأنه سنة الله في كونه وأن لا تنزل بالشعر المصون عن الإسفاف إلى مستويات دنيا والتردي به في دركات النقص بتلبية أذواق معطوبة شوهاء قاصرة عن الارتقاء إلى رفعته وأن الشعر ليس ككليبالت الغناء أو مسابقات الطبخ أوتصميم الأزيا ءأو مسابقات ملكات الجمال،وأن إجازة العي والفهاهة تكريس للراهن الردئ والحمد لله أن إماة الشعر في أبو ظبي ليست شهادة يعتد بها فهي كموجة الغناء الشبابي يبزغ في الفجر ويأفل في الضحى وستبقى الإمارات رغم هذاالبرنامج الضحل قبلة المثقفين ففيها من الجوائز الجادة الشارقة للإبداع الأدبي والبردة وغيرهما ولكل جواد كبوة ! وهنيئا بإمارة الشعر ل………….وأكاد اكتب اسمه فليعذرني القراء الأكارم.
--------------------
-
-
--
أبو العلاء المعري فلكيا


أبو العلاء المعري شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء، وأحد كبار الشعراء العرب وأعمقهم ثقافة وأرسخهم قدما في علوم العربية والمنطق والفلسفة، وأحد القلائل الذين لهم خبرة بالنفس الانسانية وتقلباتها. ويزيد إعجابنا بسعة ثقافته إذا تقصينا شيئا من ثقافته الفلكية.
يبهر أبو العلاء المعري من له دراية بالفلك، ويحار في الدقة التي يصف بها الشاعر المجموعات النجمية وطلوعها وشروقها الواحدة تلو الأخرى وهو الضرير الذي حرم من متعة النظر إلى السماء !
ولقد أكثر المعري من ذكر النجوم والكواكب، ولا جرم أنه كان يعظم شأنها وهو القائل عن زحل : (زحل أشرف الكواكب دارا)
من لقاء الردى على ميعاد
والمعري كغيره من المثقفين في العصر العباسي الأول والثاني الذين اطلعوا ولا ريب على مؤلفات أفلاطون وأرسطو وبطليموس، والإشارة هنا بقوله "أشرف الكواكب دارا " إلى كون زحل الكوكب الأبعد مدارا حول الأرض لا حول الشمس لأن النظرية البطليوسية وفحواها أن ( الأرض مركز الكون ) سادت حتى عصر كوبرنيكوس، ولهذا وقف الإنسان القديم في تعرفه على الكواكب عند زحل لأن الكواكب الأخرى ( أورانوس ونبتون وبلوتو) لا ترى إلا بالمناظير القوية . وقد كان المعري مؤمنا بفناء المادة وانحلال الكون من حيث هو نجوموكواكب فيقول مباشرة بعد البيت السابق :
ولنار المريخ من حدثان الدهر
مطف وإن علت في اتقاد

والثريا رهينة بافتراق الشمل
حتى تعد في الأفراد

واللبيب اللبيب من ليس يغترر
بكون مصيره للفساد
اقتران الكواكب
وفي لزوميات المعري إشارات فلكية تخفى على كثير من المثقفين في عصرهوفي غيره من العصور . كإشارته إلى اقتران الكواكب،وهو من الناحية الفلكية اجتماع كوكبين أو أكثر في برج البروج في أقرب مساحة ممكنة،وإذا علمنا أن بعض الكواكب لا تتم دورة واحدة حول الشمس إلا خلال عشرات السنين اتضح لنا أن هذا الأمر نادر الحدوث . ومن الاقترانات التي تناولها المعري ما تعلق بكوكبي المشتري وزحل وقد كان القدماء يتفاءلون خيرا بهذا الإقتران، على العكس من تشاؤمهم من ظهور المذنبات . يقول المعري :
قران المشتري زحلا يرجى
لإيقاظ النواظر من كراها
غير أن المعري يخونه التوفيق في بيت من هذه القصيدة حين يؤكد ثبات مواقع النجوم :
تقضى الناس جيلا بعد جيل
وخلفت النجوم كما تراها
فالذي هو ثابت اليوم أن النجوم في حالة حركة، وأن كثيرا منها سيغير موقعه بعد آلاف السنين، فمجموعة "الدب الأكبر " لن يكون شكلها كما نراها اليوم بل سيتغير نتيجة لحركة نجومها !
وفي قصيدة "عللاني " وهي قصيدة نظمها الشاعر في عهد الشباب حاول فيها أن يحاكي المبصرين في دقة الوصف، متعاليا على عاهته، وقد نجح في ذلك إلى حد الإعجاز، وأدعو القارئ إلى قراءة هذه الأبيات ومراجعة ذاكرته حول أسماء النجوم الواردة في هذه القصيدة، وعن الفصل الذي تشرق فيه وتغرب إن كان من الملمين بالفلك، يقول أبو العلاء :
ليلتي هذه عروس من الزنـ
ج عليها قلائد من جمان

وكان الهلال يهوى الثريا
فهما للوداع معتنقان
والمؤكد أن الشاعر نظم هذه القصيدة في أواخر الربيع، لأن برج الثور حيث توجد مجموعة "الثريا " لايكون بالأفق الغربي إلا في أواخر هذا الفصل حيث تنزله الشمس في شهر مايو فتنحجب عن الأبصار .
فإذا كان الهلال إبن أيام قليلة في أواخر الربيع نزل في برج الثور فيرى بعد مغيب الشمس في هذا البرج، وقبل هذا البيت يقول المعري :
وكأني ما قلت والبدر طفل
وشباب الظلماء في العنفوان
نجم سهيل
وقد أولع المعري بذكر نجم "سهيل " وهو نجم عملاق أحمر يبعد عن الأرض بحوالي أربعمئة سنة ضوئية وهو جد مهم في الملاحة الفضائية لأنه يستخدم كنقطة مرجعية في توجيه السفن الفضائية في رحلاتها ما بين الكواكب , ويقع هذا النجم في كوكبة ( الجؤجؤ) التي تشكل جزءا من المجموعة النجمية العملاقة "السفينة" فماذا يقول الشاعر عن هذا النجم ? :
وسهيل كوجنة الحب في اللون
وقلب المحب في الخفقان

ضرجته دما سيوف الأعادي
فبكت رحمة له الشعريان
ولن نخوض في الجمال الأدبي الأخاذ الكائن في هذا الوصف، ولكن ينبغي أن نشير هنا إلى أن هذا النجم لا يرى من العروض الشمالية "كسورية" حيث عاش الشاعر بسبب وجوده تحت خط الأفق في جنوب الكرة السماوية . ولاتتأتى رؤيته إلا من جنوب الأرض (إفريقيا الجنوبية، أستراليا، أمريكا الجنوبية ) . والشاعر قد أراد أن يدلل على سعة ثقافته الفلكية ولو لم يشاهد هذه النجوم !
ويختم المعري قصيدته بالإشارة إلى شروق كوكبة "النسر الواقع " وفيها النجم اللامع" vega" وهي كوكبة تشرق في أواخر الربيع قبل الفجر ثم تتقدم غرب السماء يوما بعد يوم، وبالتالي تكون محتلة للسمت في فصل الصيف . والعارف بالفلك يحار في دقة المعري في تقصي هذه المجموعات النجمية وهو الضرير . يقول عن هذه المجموعة
ونضا فجره على نسره الوا
قع سيفا فهم بالطيران
ومن النجوم التي أشار المعري إليها في لزومياته وسائر شعره : الشعرى اليمانية والشعرى الشامية، فأما الأولى فقد عبدتها العرب القدماء، وقد فند القرآن الكريم هذه الأباطيل والوثنيات فقال تعالى مخاطبا العرب في سورة النجم : "وأنه هو رب الشعرى" . والشعرى اليمانية نجم يبعد عنا بحوالي ثماني سنوات ضوئية وهو من ألمع النجوم ويستأثر بليلنا طوال ليالي الشتاء ويوجد قريبا من مجموعة الجبار "orion " أو الجوزاء كما أسمتها العرب . وحول هذين النجمين للعرب أسطورة جميلة فحواها أن الشعرى اليمانية هربت مع حبيبها نجم سهيل وعبرت نهر المجرة أي "درب التبان " ولهذا تسمى أيضا بالشعرى العبور، وظلت أختها الشعرى الشامية تبكي على فراقها دون أن تتمكن من عبور نهر المجرة ولهذا تسمى أيضا بــ"الغميصاء " أي في عينيها تقرح من شدة البكاء، يقول المعري مخاطبا أحد أخواله المكثرين للسفر:
إذا الشعرى اليمانية إستنارت

فجدد للشآمية الودادا
شاعر الفرقدين
وفي قصيدة المعري المشهورة " ألا في سبيل المجد " وهي التي نظمها في عهد الشبابوافتخر فيها بمركزه الأدبيوأخلاقه العالية يذكر نجما هو " السها "وهو نجم خفي في كوكبة الدب الأكبر في الذيل، كانت العرب
تمتحن به قوة البصر عندهموقالت في المثل :" أريها السهاوتريني القمر "وهو مثل يضرب للشخص تريه الأمر الخفي فيضرب عنه صفحاويتحدث عن الواضح الجلي ! يقول المعري مشيرا إلى هذا النجم :
وقالت السها للشمس أنت خفية
وقال الدجى يا صبح لونك حائل
و هو يشير من خلال ذكر هذا النجم إلى فساد القيم وانقلاب الأوضاع، إلى درجة أن الحقير الصغير يطاول الشريف الكبير !
و كما ذكر المعري الكواكبوأولع بذكر المريخوزحل ( كيوان )،وذكر النجوم البعيدة وفي لزومياته يتردد ذكر الفراقد أو الفرقدين كما في رثائه لأبي حمزة الفقيه،والفر قدان نجمان نيران في كوكبة الدب الأصغر أشد إضاءة من النجم القطبي الذي يشير إلى القطب الشمالي، ومن أسمائهما " حارسا القطب " لأنهما يدلان على النجم القطبي لمن لا يعرفه، يقول شاعرنا مشيرا إليهما :
وكم رأت الفراقدوالثريا
قبائل ثم أضحت في ثراها
وفي مرثيته لأبي حمزة الفقيه يشير كذلك إليهما :
كم أقاما على زوال نهار
وأنارا لمدلج في سواد
و لم يغفل المعري الإشارة إلى السماكين وهما نجمان عملاقان أحدهما هو " السماك الرامح " في كوكبة " العواء " أو الراعي والآخر هو " السماك الأعزل " في كوكبة " العذراء البروجية " والسماك الرامح ألمع من السماك الأعزل وقد تردد ذكرهما كثيرا في شعر العرب . أما شاعرنا فقد رأى منزلته الأدبية سامية بين السماكين :
و لي منطق لم يرض لي كنه منزلي
على أنني بين السماكين نازل
وهي قصيدة نظمها الشاعر في عهد الشباب وقد آلمه حسد البعض ومحاولتهم النيل من الشاعر، يصر حكيم المعرة على أن منزلته في الجوزاء،وفي هذه الكوكبة التي ذكرها الشاعر خاط كبير فالعرب قد تطلقها على
مجموعة الجبار " orion " بدليل أن أحد نجومها وهو من النجوم المصنفة كألمع النجوم تسميه العرب " إبط الجوزاء " وبهذا الإسم عرفه الفلكيون الغربيون " Bételgeuse "
على أن الجوزاء الحقيقية كوكبة بروجية بين الثور والسرطان تنزلها الشمس بين 22 يونيو 21 يوليووصارت تقع في السمت في العروض الشمالية بدل كوكبة السرطان بسبب مبادرة الإعتدالين وترنح محور دوران الأرض، ولا نعلم هل كان المعري يقصد بالجوزاء برج الجوزاء هذا كما شرحناه، أم جرى على إلف العرب في إطلاقهم هذا الاسم على الجبار ? المهم أنه يقول :
أفوق البدر يوضع لي مهاد
أم الجوزاء تحت يدي وساد?
أما الشمس نجمنا الذي يبدد سواد الفضاء ووحشة الكون فقد شغل هذا النجم عقل المعري الجبار وتساءل عن زمن مولد الشمس وأدرك أنه قديم :
ومولد هذي الشمس أعياك حده
وخبرلب أنه متـــــقادم
واستأثر الزمن بفكر الشاعر الفيلسوف كما استأثر بعقول الفلاسفة الإغريق وبعقل نيوتن وأينشتين، وإن كانت نظرية النسبية قد فصلت في نسبية الفضاء والزمن فالمعري يرى أن تيار الزمن ينساب في الكونويملؤه ولا توجد نقطة في الكون بلا زمن !
هذه لمحة وجيزة عن ثقافة المعري الفلكية، فدارس شعره يقف على كثير من الإحالات في قصائده،وهي كثيرة تستغرق مؤلفا مفصلا، ولا يزعم كاتب هذا المقال أن الشاعر كان فلكيا، وإن كان عنوان المقال يوحي بشيء من ذلك فالشاعر كان عقلا فذا استوعب ثقافة عصره واطلع على شيء من الفكر والثقافة الإغريقية وربما الهندية والفارسية، ولهذا جاء شعره ممثلا لسعة اطلاعهوحيرته الفلسفية، وطهارة نفسه ونقاوة ضميره من رذائل الكذب والنفاق والأنانية وهو القائل:
ولو أني حبيت الخلد فردا
لما أحببت بالخلد انفرادا

فلا هطلت عليولا بأرضي
سحائب ليس تنتظم البلادا
حقا إن المعري مفخرة من مفاخر الثقافة العربية وشاعر عظيم من أساطين الشعروفرسانه الكبار .
--------------
-
-
-
قصتي مع السماء وأجرامها

شغفت بالسماء منذ كنت صغيرا، ومازالت ذاكرتي تحتفظ بتلك الصورة المحببة إلى نفسي، صورة فتى صغير يقلب النظر في أجرام السماء في ليلة صافية الأديم غاب فيها القمر أولم يشرق بعد،كان قلبي يدق على إيقاع جريان الكواكب في أفلاكها والنجوم في حركتها الظاهرية، وكان المنظر يزداد بهاء خاصة وأناأرقب السماء قرب بيتنا في بلدتي زمورة ذات الموقع الجبلي وكان طابعها الريفي يضفي على المنظر مسحة رومانسية أخاذة يختلط فيها حفيف الشجر خاصة شجر السرو والصنوبر بصياح الديكة وبعبق الفجر المندى، وكانت السماء تبدو قريبة مني وأني أوشك أن ألمسها، ويسرف بي الخيال ممعنا في الإبحار فأخال السماء لجة طفت على صفحتها بقع نورانية – هي النجوم والكواكب – وأزعم لنفسي أني أتدلى نحو قرار تلك اللجة، وأما القمر ذاته إن أشرق يسري الهوينى كنت أحسبه راعي ذلك القطيع الضخم من النجوم يرعاها بصبر وأناة وهي تمرح أمام عينيه على سطح تلك اللجة المدلهمة وتحضرني الأشعار-أشعار الجاهليين والإسلاميين – حول تلك القبة وبهجتها وأشد الأبيات تأثيرا في نفسي قول النابغة:
كليني لهم يا أميــــــــمة ناصب
وليــــــــل أقاسيه بطئ الكواكـب
تـطاول حتى قلت ليس بمنقض
ولـيس من يرعى النجـوم بآيـب
ويختلط في نفسي شعور حب الليل –لأنه الوقت الذي أخلو فيه إلى درري من فرائد السماء –بشعور الخوف منه لأن فيه وحشة والناس نيام وأنا وحدي أسامر القمر وهو يرعى النجوم، كما كان ظلامه الدامس إن غاب القمر مرعبا لأنه يذكرني بظلام اللحد وكنت أحس ببيت النابغة إحساسا حين يقول للملك النعمان بن المنذر:
فإنك كالليل الذي هو مـــــدركي
وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
وأما قصيدة المعري "عللاني" فكنت أتلوها على مسامعي بصوت متأني وأنا أستعذب ألفاظها وأستمتع بجمال صورها، وأحار في هذا الشاعر الضرير أنى له هذه الدقة في استقصاء النجوم ومواقعها خاصة في قوله:
وكـــــأن الهلال يهـــوى الثريا
فهـــما للـــــوداع معتـنقــــــان
وسهيل كوجنة الحب أو كقـــل
ب المحب في الخفقــــــــان
ضرجته دمـا سيـوف الأعـادي فبكت رحمة لـه الـشـعريـتان
ونضا الفجر على نسره الـتـوا
قـــع سيفا فهـــــــــــــم بالطـيـران
وازداد تعلقي بالسماء ونجومها، وقرأت كثيرا عن أساطير الإغريق حولها كأندروميدا، وهرقل والجوزاء والعقرب والجبار أو الصياد والملتهب وأساطير العرب كأسطورة الشعريان تلك الأسطورة التي تزعم أن الشعرى اليمانية Sirius وهي من ألمع نجوم السماء في الشتاء وقد ذكرها القرآن الكريم في سورة النجم في قوله تعالى:" وأنه هو رب الشعرى" فتزعم الأسطورة أن هذا النجم قد عبر نهر المجرة وهو المعروف بالطريق اللبني أو درب التبان مع الحبيب نجم سهيل Canopus ولهذا تسمى بالشعرى العبور، ولم تستطع أختها الشعرى الشامية Procyon اللحاق بها فبكت حتى تقرحت عيناها من فرط البكاء وبقيت على طرف المجرة ولهذا تسمى بالغميصاء أي متقرحة العينين من البكاء فالشعرى العبور مالت نحو الجنوب من السماء أي جهة اليمن فهي اليمانية والغميصاء مالت نحو الشمال أي جهة الشام فهي الشامية.
وأما نجم سهيل Canopus أحد عمالقة النجوم الحمراء في السماء الجنوبية والذي يبعد عنا حوالي أربعمئة سنة ضوئية ويستفاد من موقعه باتخاذه نقطة مرجعية في توجيه السفن الفضائية في رحلاتها بين الكواكب إضافة إلى الشمس، كنت أذكره كلما نظرت إلى الثريا Pléides تلك النجوم السبعة المجتمعة قرب برج الثور في السماء الشمالية وأتذكر قول الشاعر الأموي عمرو بن أبي ربيعة عن حبيبته الثريا بنت علي بن عبد الله لما خطبت إلى سهيل بن عبد الرحمن وتزوجها.
أيها المنكح الثريا سهيلا
عمرك الله كيف يلتقيان؟ !
هي شامية إذا مااستقلت
وسهيل إذا ما استقل يمان
وذلك على سبيل التورية فالمعنى القريب للثريا مجموعة النجوم السبعة والمعنى المقصود هو الحبيبة وكذلك سهيل إذ يتبادر إلى الذهن نجم سهيل غير أن المقصود سهيل بن عبد الرحمن بن عوف العريس. وهي فلتة من فلتات العبقرية الشعرية فقد زعم الشاعر أن الاجتماع والتآلف بين العريسين لن يتم لاختلاف موطنيهما تماما كاستحالة الاجتماع بين نجم سهيل وكوكبه الثريا !
كانت تلك نظرة إنسانية رومانسية حالمة لازمتني في طفولتي ولازالت لأني أحب الإندغام في الكون حتى أحسب أن قلبي مركزه وأن حفيف الشجر وهبات النسيم وتلأ لأ النجوم ماهي إلا أصداء لنبض قلبي، ثم قررت بدافع من فضولي أن أدرس علم الفلك وأعرف حقائق السماء وأجرامها معرفة علمية دقيقة أجمع بينها وبين النظرة الشعرية في تآلف ومودة، وهكذا أحضرت كتب الفلك وأنفقت الليالي في دراستها ولازلت أذكر ذلك القلق الذي كان ينتابني حين يستعصي علي ويستغلق على فهمي موضوع دقيق من مواضيع هذا العلم وأحاول الكرة وأخيب ثم أحاول كرة أخرى حتى أوفق وتنفتح مغاليقه، ولقد بدأت في الدراسة لوحدي وكان ذلك دأبي بعصامية مستبسلة فقرأت الكتب المبسطة وتدرجت في الدراسة حتى الكتب المتخصصة ولم أستثن معارف القدماء كبطليموس والبتاني والبيروني وعبد الرحمن الصوفي وغيرهم، وقدرت أن معرفتي ستبقى شوهاء إذا لم أقرأ في تاريخ هذا العلم منذ البابليين وحتى فلكي العصر الحاضر، فالتهمت ماوقع في يدي من كتب في تاريخه لأعلامه كجورج سارتون، وكارلو نيللنو، وغوستاف لوبون والقفطي وطوقان وغيرهم.
وهكذا اجتمع لي قدر مهم من تاريخ الفلك منذ البابليين والكلدانيين وحكاية البروج إلى طاليس وبطليموس إلى البيروني والصوفي والبوزجاني وابن الشاطر إلى كوبرنيكوس وكبلر وبراهى وجاليليو ونيوتن ثم إلى أينشتين ونظرية النسبية العامة ثم فيزياء الكم وتطبيقاتها الفلكية عند فرمي وستيفن وينبرغ وستيفن هوكينغ وصولا إلى باتريك مور عالم الفلك الأمريكي المعاصر مؤلف كتاب " غينس في علم الفلك".
لقد صار هذا العلم هوايتي المفضلة قراءة ورصدا للسماء وأجرامها وظواهرها وأما البهجة التي كانت تغمرني حين أفهم موضوعا ما فهي لا تقدر بثمن، كأني ملكت الدنيا، وكم طردت النعاس الذي هجم علي ليدفعني إلى الفراش واستبسلت في دفعه بغسل الوجه بالماء البارد وشرب المنبهات حتى إذا لاح الصباح لم تستطع قدماي أن تحملني، ولازلت أذكر وأنا طالب بالمرحلة الثانوية كيف كنت أغشى المكتبات بحثا عن كتب جديدة فإن وقع بصري على مؤلف جديد بعت ملابسي لتوفير ثمنه، وأذكر مرة أني مررت بمكتبة عرض في واجهتها كتاب عنوانه " المنهج الايماني للدراسات الكونية في القرآن الكريم" ومن العنوان عرفت أن المؤلف سيتناول حقائق الفلك مقارنا إياها بالآيات الكونية في القرآن وقلت لابأس ربما أجد في الكتاب أشياء مهمة تجدر بي معرفتها وزاد من شوقي ولهفتي على الكتاب غلافه المتضمن سديم رأس الحصان وهو سديم مشهور لازال يتصدر أغلفة الأطالس والمجلات الفلكية والكتب وأسقط في يدي ولم أعرف كيف أوفرثمن الكتاب وكان حوالي مئة دينار وهو مبلغ مهم بل هو مصروف شهر وأهلي سيمانعون في شرائه لغلائه، وأذكر أنني ذهبت إلى جدي لأمي ورجوته بل توسلت إليه بما يضمره لي من محبة وحدب أن يقرضني المبلغ لأنتفع بالكتاب ثم أسدده ولو على أقساط، وكان جدي متقاعدا يعيش على منحة التقاعد وكانت لا تسد الحاجة ولا تدفع الخصاصة وقبل جدي، وأسرعت في طلب الكتاب ومن شوقي إليه وفرحتي به فتحته في الطريق متصفحا، وقد انتفعت به في معرفة دورية الكسوف والخسوف وكيفية التنبؤ بهما وهو حدث جلل بالنسبة لفتى مثلي!
وتاقت نفسي إلى رؤية أجرام السماء بالمنظار واحتلت في الحصول عليه غير أن ذلك كان دونه خرط القتاد، وكنت أعتقد أن جدي لأبي المقيم بباريس لايحرمني منه إن طلبته غير أن إرساله في علبة بريدية ستنتهي به محجوزا لدى مصالح الجمارك لأن ذلك ممنوع، ثم أن جدي لايزور البلد إطلاقا منذ أكثر من عشرين عاما وهكذا تخليت عن هذه الفكرة، حتى تعرفت إلى صديق من طلاب الثانوية واشتدت عرى الصداقة والزمالة بيننا وأخبرني في يوم من الأيام أنه يملك منظارا مقربا ليس مخصصا للرصد السماوي، ولكنه يريك أشياء لاترى بالعين المجردة كالنجوم المزدوجة وفوهات القمر الكبيرة، وطلبت منه المنظار على سبيل الإعارة، وأخذته منه وكان ثقيلا وأنفقت ليال عديدة أرصد أجرام السماء حتى مللت وتعبت قدماي من المشي وعيناي من النظر، واقترح علي خالي وكان يكبرني بخمس سنوات تغيير أبعاد العدسات ليكون المنظارقويا وبعد الفراغ من الرصد تعاد العدسات إلى سابق وضعها غير أن خالي كسر المنظار، ووجدتني في حرج من صديقي وتمنعت وتعللت ثم كشفت له الحقيقة، وأبديت له استعدادي تعويض ثمنه، وكان حوالي أربعمئة دينار وهو مبلغ كبير إنه مصروف نصف سنوي بالنسبة لطالب مثلي واتفقنا أن يكون الدفع على أقساط، وأقسم صديقي أنه لو كان ملكه لما طالب بثمنه، وسواء أكذب الصديق أم صدق فهو صاحب فضل ومن الواجب تعويضه مع الشكر، ومرة أخرى بعت ملابسي الفرنسية الصنع والتي كان جدي يتكرم بإرسالها من باريس من حين لآخر لتسديد الدين.
لقد اتسعت معرفتي في هذا العلم ولم أعد أكتفي بالمطالعة فيه فقط بل صرت أقوم بالحساب وأخوض في المعادلات وأستطيع التنبؤ بتاريخ الكسوف ساعته وشهره وعامه ومكان حدوثه كما أستطيع تعيين تواريخ الكسوفات الشمسية والخسوفات القمرية لمئات السنين الماضية ومكان حدوثها وأقرأ الأزياج الفلكية وأفهمها ولايقع حدث في السماء إلا وكنت على علم به، صرت أعرف النجوم في السماء نجمة فنجمة وأعرف بالتحديد المجموعة النجمية التي تنتمي إليها وبعدها عنا، ويحدث أن أسير في الليل فأحدث مرافقي عن مركز مجرتنا درب التبان ناحية برج القوس وأشير إليه، حتى ليأخذ مرافقي العجب وأعرف البروج بدقة ومواقع الكواكب فيها وأين سيكون كل كوكب بعد شهر أو عام أو أكثر مستعينا بقوانين كبلر ونظرية نيوتن وخضت في أعماق السماء دارسا الحشود النجمية والمجرات والعدسات التثاقلية والثقوب السوداء والكوازارات والمجموعات المجرية ومن حين لآخر أقرأ في النسبية العامة لزيادة معرفتي بهندسة الفضازمن، ودفعني فضولي المعرفي إلى البحث في كيفية خلق الكون وكنت أقول لنفسي إذا قدر لي أن أموت فلأكن عارفا بالأمر أفضل من أكون جاهلا واستعنت بشروحات فيزياء الكم المبسطة وما أعقدها! وما أغربها!.
وأتساءل دائما وإلى الآن عن ما قبل ميلاد الكون ويأخذني الدوار وأحيانا قشعريرة وأنا أتذكر قول أينشتين أن الانفجار العظيم أنتج الزمان والمكان أما قبل الانفجار فلا جدوى ولا معنى للتساؤل؟ وإلى الآن لا يفوتني خسوف قمري دون رصده لرؤية بقعة مخروط ظل الأرض ودخول القمر فيه، وقد قادني رصد خسوف قمري في 09 جانفي 2001 إلى فهم ظاهرة فلكية شديدة الدقة، إنها مباكرة الاعتدالين، لقد كنت أسمع بها دون فهم، فقد قدرت يومها بل ليلتها أن ظل الأرض لابد أن يقع على برج السرطان، فإذا به يتقهقر واقعا على برج الجوزاء وأسقط في يدي وضربت الأخماس في الأسداس محاولا فك هذا اللغز حتى اهتديت إلى الحل في كتاب بعنوان "آفاق فلكية" ولقد شرعت في قراءته في الطريق لهفة وشوقا إلى مضمونه، وتصوروا فرحتي بفهم لغز حيرني أياما وليال ولقد بقيت عشرين عاما أرقب حدوث كسوف شمسي بالجزائر يوم 11 أغسطس عام 1999 وأحسب الشهور وأستثقل السنين مستعجلا إياها حتى رصدته في ميعاده ولولا ضيق ذات اليد لطرت إلى بلدان العالم لمعاينة كسوفات كلية بلذة وبهجة غير آسف على إنفاق المال والوقت، ولكم غامرت بعيني في سبيل مشاهدة الكلف الشمسي، فكنت آخذ المنظار وأسير في الخلاء منتظرا غروب الشمس ومعتمدا على الغلاف الجوي وحده كمرشح، وأصوب المنظار نحو الشمس لألاحظ البقع السوداء على سطحها وأحصيها وأحدد موقعها ثم أعود إلى رصدها بعد أيام متأكدا من تحركها نحو الشرق من الشمس مستدلا بها على دوران نجمنا حول نفسه، آملا في الأخير أن لا تكون الأشعة المتسللة إلى عيني قد سببت لي أي أذى وكم أتعبني البحث عن كوكب عطارد ذلك أن رصده صعب بسبب قربه من الشمس وقصر المدة التي يمكثها في الأفق بعيد غروب الشمس جهة المغرب أو قبيل شروق الشمس جهة المشرق وأنفقت الشهور باحثا عنه متحملا في الشتاء زمهريره وفي الصيف قيظه حتى اكتشفته وميزته بالعين المجردة ولقد كان اكتشافه من قبل بطليموس في برج العقرب إحدى معجزات هذا الفلكي اليوناني العظيم.
ومن ذكرياتي التي لا تنسى والتي صارت مصدر متعة وبهجة كلما عدت اليها مستعيدا لحظاتها اشتراكي في أغسطس من عام 2003 م في رصد اقتران المريخ بالأرض مع جمعية "أطلس" الفرنسية قرب مطار شارل ديغول بضواحي باريس، قضيت ليلة بأكملها أرصد الكوكب الأحمر بمنظار قوي هو ملك للجمعية وكان تفاعلي مع الحدث قويا وتذكرت قول أبي العلاء:
ولنار المريخ من حدثان الــــد
هــر مطف وإن علت في اتقاد
لقد ميزت بوضوح القلنسوة الثلجية البيضاء، ذات الأصل الكربوني في القطب الجنوبي للكوكب، كما رأيت بوضوح فوهة كوبرنيكوس على سطح القمر وهي أكبر فوهة على سطحه وميزت بوضوح بعض النجوم المزدوجة والتي تبدو للعين المجردة نجوما منفردة،ولازلت أذكر تلك الجموع المحتشدة التي جاءت من باريس بعد الإعلان عن ليلة الرصد هذه على الصفحة الأولى لجريدة Le Parisien الشهيرة شيوخ وعجائز وشباب في مقتبل العمر يجمعهم في العراء وفي غابة مدنية VillePinte هدف واحد هو اقتسام المتعة والاشتراك في اكتشاف غرائب السماء وبدائعها، وتأملت واقعنا وأحزنني الأمر إننا لا نعطي العلم قدره ولا نتلهف على استجلاء عجائب الطبيعة ولا نغامر بحثا عن جديد من علم أو فن أو فكر، واختصرنا الحضارة الحديثة في استهلاك ما ينتجه الغرب بروح بدائية وأسلوب همجي في غالب الأحيان ولم نأخذ من منتجات الحضارة إلا ماله علاقة بالغريزة، أما ما يشحذ الذهن ويغذي الروح ويرهف الحس ويربي الذوق ويدخلنا في مدنية العصر فلا نلقي إليه بالا.
ومن ذكرياتي التي لا تنسى اشتراكي في برنامج علمي على الإنترنت نظمته الوكالة الأمريكية للفضاء حول البحث عن الماء في المريخ وكنت قد قرأت عن هذا الكوكب كل ما وقع في يدي من كتب ودوريات ومجلات متخصصة، وكانت دهشتي عظيمة حين رأيت الوكالة تكرمني باقتراح تدوين اسمي على قرص مضغوط مع أسماء علماء ورؤساء دول سابقين وأثرياء ومشاهير ويرسل هذا القرص إلى المريخ على متن المركبة الفضائية غير المأهولة Exploration Rover Mars ليبقى هذا القرص هنالك إلى الأبد.
وأرسلت إلى الشهادة ممضاة من قبل البروفيسور E.Weiler مدير بحوث الفضاء في «NASA»، وسررت غاية السرور حين علمت أن من الأسماء المدونة على هذا القرص اسم الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون والدكتور E.Weiler والعالم الكبير باتريك مور صاحب موسوعة غينس في علم الفلك وأسماء أخرى ثقيلة.
والآن صرت أكتب مقالات طويلة في الفلك وعلم الكونيات وتاريخ الفلك وأعلامه وأنشرها في مجلات ودوريات مختصة وأصبحت على صلة بجمعيات فلكية عديدة كاتحاد الفلك العربي في عمان ومرصد باريس الذي يمدني بالمعطيات العلمية الدقيقة كلما طلبت منه ذلك لتحقيق حدث فلكي جلل أستفيد منها فيما أكتبه من مقالات بغية إفادة القارئ العربي بما جد في هذا العلم الرحب.
لقد نظرت الى السماء ذات مرة وأنا صغير فأسرتني القبة بجمالها وسكونها وكنت أحسب تلك الدرر- ولازلت- عوالم تستفز العقل والوجدان للبحث والتأمل.
ترى كم هم الذين يعلمون أن بعض هذه النجوم قد انتهى ولقي حتفه ولم يعد له وجود غير بقايا الضوء الذي مازال يصلنا؟
وكم هم الذين يعلمون أن كثيرامن مواقع النجوم لن تبقى كذلك وكثير جدا من المواقع تغيرت غير أن الضوء مازال يصلنا وفقا للموقع القديم نظرا لشساعة الكون؟ وأتذكر الآية الكريمة في سورة الواقعة "فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لوتعلمون عظيم" ثم أتساءل عن المغزى من استعمال الفعل المضارع تعلمون مكان الماضي علمتم، وأصل إلى الجواب بعد كد الذهن ذلك أن دلالة الزمن هنا تعني إمكانية المعرفة في المستقبل وذلك أن أجيال العلماء من طراز كبلر ونيوتن وهالي وأينشتين ستصل إلى الحقيقة وتطلع الإنسانية عليها، ولو استخدم الماضي لاستحالت علينا المعرفة وهنا يقع التناقض بين دلالة الآية وحقائق العلم والقرآن منزه عن الخطأ.
ولا أستطيع وأنا أتأمل السماء إلا أن أتذكر قول أبي العلاء:
قران المشتري زحلا يرجى
لإيقاظ النواظر من كراها
وهيهات البرية في ضلال
وقد فطن اللبيب لما اعتراها
تقضى الناس جيلا بعد جيل
وخلفت النجوم كما تراها!
وأعذر رهين المحبسين لقوله "كما تراها" ذلك أن تغير موقع النجوم يحتاج إلى آلاف بل ملايين السنين لمعاينته وذلك ليس في متناول عمر الإنسان القصير،كما أتذكر قول لبيد بن ربيعة لنفس السبب حين يقول:
بلينا وما تبلى النجوم الطوالع
وتبقى الديار بعدنا والمصانع
وأعذر لبيد فما كان في مقدور شاعر جاهلي أن يدرك ميلاد وموت النجوم!!
وأنا الآن مازلت أتابع جديد هذا العلم بفضول لاينتهي وأتهيأ للأرصاد الشخصية كلما كان ذلك ممكنا وأحاول إثارة اهتمام الناس كلما كان ذلك ممكنا أيضا، كما أسعى لنقل فضولي وحبي للسماء إلى أولادي وهكذا أخرج في أمسيات الربيع الدافئة خاصة إذا غاب القمر أو كان هلالا حتى لا يحجب ضوؤه النجوم إلى ظاهر المدينة في صحبة أولادي أو بالأحرى بناتي الصغيرات لنتأمل القبة السماوية وأخال نفسي سندبادا ركبت الهلال وأولادي زورقا وأبحرنا سويا في لجة السماء المدلهمة نستأنس بقطع النور المتناثرة على سطح تلك اللجة وأشير بأصبعي شارحا لهن هذا النجم القطبي وذاك كوكب المريخ وهذا زحل قرب المشتري وتلك النجمة النيرة هي الشعرى اليمانية…
-------------------
-
-
-
-
-
-
وافد من أقصى الأرض


كلمة واحدة تفوه بها طفل فتى يصبح نؤوم الضحى لا يغشى الكتاب إلا والشمس قد ارتفعت والصبية يوشكون أن ينصرفوا بعد أن يتحلقوا حول الشيخ يمليهم شيئا من القرآن يكتبونه على ألواحهم حتى يتموا حفظه فإن حفظوه محوا ألواحهم وأملى عليهم غيره وبعض الصبية نابه متقدم، وبعضهم الآخر عاجز متأخر، وكان هذا الفتى من العجزة المتأخرين يكتب شيئا يسيرا من القرآن على لوحه فلا يحفظه حتى تمحي الكتابة وتزول فيعيد كتابته ويحذره الشيخ من مغبة الكسل والإهمال ومن حضوره الكتاب متأخرا وينال منه بالضرب على راحة القدمين (الفلقة) فما يرعوي ولا يجد غير أن كلمته هذا الصباح التي ألقاها في أذن أحد الصبية وأذاعها الآخر بينهم أحدثت هرجا في الكتاب وحديثا لا ينتهي تميزه بين الأصوات المرتفعة المصطخبة كموج البحر بعضها يقرأ من سورة فاطر وبعضها من سورة النبأ وبعضها الآخر يقرأ من سورة الشمس ومأمآت لجديان صغيرة تكابد في تهجئة الحروف.
نعم رأيته والباب مفتوح يقوم متثاقلا من سريره فصبحت عليه لكنه لم يرد وخفت فهرولت إلى الكتاب.
ويسأله أحدهم عن أوصافه فيصفه لهم في عجالة مهملا كثيرا من الدقائق التي ما أتيح له أن يستقصيها على حين غفلة من صاحبها والعيون تراقب الشيخ وعصاه الطويلة فإذا انتبه إليهم عادوا يجهرون بقراءة القرآن حتى إذا تحول عنهم بنظراته عادوا إلى قصتهم مشغوفين مفتونين بحديث هذا القادم الغريب ويكاد الصبر أن ينفذ والجميع يودون رؤيته لولا أن الشيخ نزل عن مصطبته ووقف منتصبا وقد أسكت الجميع بحركة من يديه ثم قال:
اسرحوا (انصرفوا) فخف الصبية إلى زاوية من زوايا الكتاب ألقوا فيها ألواحهم وهرولوا إلى زقاق بعينه يعرفونه حق المعرفة يقوم في طرفه بيت صغير بل غرفة واحدة وقد تناهى إلى مسامع أهل الحي أن قادما لا عهد لهم به من قبل سيتخذها بيتا له وأن قدومه وشيك وقد وصل ليلا فلم يره أحد وبات من أهل الحي والبلدة معا وجاءته حين أصبح كوكبة من الصبيان مشغوفة برؤيته حذرة منه في ذات الوقت حتى إذا وقفت ببابه صبحت عليه:
صباح الخير سيدي علي ( وقد استقصوا عن اسمه من أهلهم قبل أن يصل الوافد إلى بيته الجديد)
فيرد صوت مخنوق لا يكاد يصل الآذان مشفوعا بسعال يدل على أن صاحبه مصدور.
صباح الخير
ويدور في أرجاء الغرفة في ثقل وعسر باحثا عن دلو وقد ترك له ساكنو الغرفة قبله بعض الأواني حتى إذا وجده تناوله وأقبل نحو أحدنا قائلا:
إملأ الدلو من العين العمومية ولك أجرك. وخف الفتى مع بعض الصبية فملأوا الدلو ووضعوه في زاوية من زوايا الغرفة حيث أمر فما كان في مقدوره أن يتناوله وأعطى الأجير أجرته.
كرم حاتمي يتيح لهذا الفتى وصحبه أن يشتروا علبة سعوط (شمة) يحشون بعضا منها في أفواههم فتبرز للرائي كأنها ورم، أو يشربوا شراب الليمون المشعشع بالماء في مقهى الحداد، أو يشاهدوا حلقة جديدة من مسلسل "عنترة" أو "الأميرة الخضراء" في مقر الشبيبة وكان الحرمان يمنعهم أحيانا من مشاهدة بعض الحلقات ولا قبل لهم "بسي عبد المجيد" صاحب التلفزيون الذي كان يولد الكهرباء بمحرك خاص يشتغل بالمازوت ويشغل التلفزيون إذ لا كهرباء في البلدة، ومصباحه الذي يسلطه على وجه بعضهم في ظلام الحجرة الطويلة المستطيلة حيث قرفص الفتيان وتمدد الرجال على الأرض العارية يبصقون ويستهلكون سعوطا ويدخنون ويتابعون الحلقة جادين مهتمين لولا حركة صاحب التلفزيون التفتيشية وسط أكوام البشر وقوله في يقين:
أنت لم تدفع أخرج.
ويخرج الفتى كأنه خفاش في ظلام الحجرة حزينا أسفا إذا لم يدفع عنه أحد، أما اليوم فمعهم ما يكفي لقاء مشاهدة حلقة من المسلسل ويبدو أن الله ساق إليهم رزقا ما أتيح لهم من قبل فسيشربون دوما ليمونا مشعشعا بالماء وسيشترون سعوطا وسيشاهدون مسلسلات وأفلام كثيرة مادام القادم الغريب قد حل بينهم وأصبح من سكان حيهم، مد الله في عمره وأفاء عليهم من نقود جيبه.
"كايان" عاصمة مستعمرة غوايانا الفرنسية في أمريكا الجنوبية تحاذي البرازيل وتطل على المحيط، اتخذتها فرنسا منفى للثوار والمجرمين الخطرين وادخرت بعضا من شواطئها أمكنة استجمام للفرنسيين يأتون إليها للاصطياف والسياحة، وقد نفت السلطات الفرنسية "سيدي علي" إليها بعد أن أعياها أمره وقد غوى الرجل وأصر على غيه ووجد في فرنسا التي كان يعيش فيها شابا وكهلا مرتعا لانحرافه السكر واللصوصية والعنف، ينتقل من مدينة إلى أخرى زارعا الرعب ويخرج من سجن ليدخل آخر ويهرب إلى مدن أوروبا في يسر وينتقل بينهما مرتكبا آثامه ثم يعود إلى فرنسا مهوى فؤاده ومتفتح شروره فاهتدت السلطات إلى آخر الدواء وآخر ه الكي فأبعدته إلى تلك الأرض النائية ولا بأس أن يرتكب شيئا من حماقاته هناك غير أن المنفى والزمن كفيلان أن يفتأ الجوارح والعزيمة معا كما يفت موج البحر صخوره ويملأ ما ظل متماسكا منها ثقوبا وتجاويف وإلى ذلك آل أمر الرجل عاش هناك منفيا ومسجونا في أحايين أخرى تتعاقب عليه الأدواء بلية الزمن وعجلته التي تتقدم نحوه فتطويه حتى إذا قام طوته كرة أخرى وأوجاع المنفى وأشجانه أين "كايان" من باريس حين كان يخرج في الأماسي مهندما يغشى ملاهيها يعب من الخمر عبا ويغازل حسانها مشعرا إياهن بالأمان في ظل فتوته متنزها مع بعضهن في حدائق باريس وعلى ضفاف نهرها الخالد والجيب مملوء حتى إذا أنفق آخر فرنك اتكل على فتوته وسلاحه وعصبته سطوا على محل أو قطعوا طريقا وسرعان ما تمتلئ الجيوب، أما في هذه الأرض النائية ولو أنه اتخذ أصحابا إلا أنهم صحبة اضطرار لا اختيار وكل غريب للغريب نسيب فشأنه شأن الشجرة التي يضخم جذعها وتمتد أفنانها عاليا لا تستمرىء تربة غير تربتها فإن أكرهت على تربة جديدة يبست وصارت أحطابا واتخذت منها الغربان أوكارا لها.
و في باريس كان في وسعه أن يلقى بعضا من أبناء البلدة فيتحدث إليهم بلغته الأم ويستقصي أحوال البلدة وأخبارها، أما هنا فكأنه نقل إلى كوكب آخر المحيط أو بحر الظلمات أمامه والبطحاء الممتدة بلا نهاية وراءه إلا من أسلاك شائكة وأسوار سجون مشمخرة وأبراج مراقبة، وقد حمل نفسه على الصبر والصبر حيلة من لا حيلة له، ووطنها على اليأس وفي اليأس راحة واستعان على ذلك بالخمر والسجائر والأفيون وصحبة الغرباء، حتى تقدمت به السنون وانقلب شيخا نال منه الزمن وهدت الموبقات عافيته فانتهى مصدورا وأوشك أن يخرج من الدنيا أو تخرجه من إهابها فوقتئذ رأفت به السلطات الفرنسية وسمحت له بالعودة إلى بلده.
امتطى ظهر الباخرة "لا كي" فشقت به عباب المحيط حتى طرحته في "مرسيليا" وأركبته باخرة أخرى على ظهرها عابرة به البحر فلفظته في البلد، وحملته سيارة إلى البلدة حتى وصل إلينا وحل بيننا مقيما جديدا.
ما إن وصل الغريب إلى مسقط رأسه ومهد صباه حتى حلب في إناء القوم لف رأسه بعمامة بيضاء وارتدى سروالا عربيا فضفاضا ودس قدميه الورمتين في بلغة وستر جسده البالي بمعطف أزرق شاحب واتخذ له عصا يستعين بها على مشقة المسير، أما زي الشيوخ الرسمي (القندورة أو البرنوس الأبيض) فقد أعفى نفسه من ارتدائهما ثم أن البرنوس لا تحيكه إلا امرأة مفتونة بزوجها هدية له يوم كانت تقدر على غزل الصوف وضرب المنسج وهو مجرد عود ملقى في العراء، وهذا الزي يعني أن الشيوخ قد برئوا من ماضيهم بعد أن أدبهم الزمن أخذوا من الدنيا بنصيب وأخذت منهم قوتهم وعافيتهم حتى لتوشك أن تسلمهم إلى وحشة الأجداث وظلامها الآبد، وفي الحي المقبرة تقع على تلة مرتفعة ظاهرة بارزة أجداثها وقد تناثرت على أديمها كتناثر حبات الرمل ولا يفصل بين الحياة والموت إلا زقاق ضيق، والجامع قابع هو الآخر على تلة أخرى مقابل مقبرة الحي يدعو أهل الحي خاصة شيوخه خمس مرات في اليوم، وما تبقى لهم إلا الطمع في غفران الله والشفاه تتمتم تسبيحا بحمد الله آناء الليل وأطراف النهار واحتمال برودة الماء في الشتاء لأجل الوضوء وصلاة الفجر في الجامع وانتظار صلاة الظهر حتى إذا فرغوا منها انتظروا العصر وقد أوكلوا إلى أسماعهم الثقيلة ترصد الآذان ومن حين لآخر ينظرون في ساعاتهم الجيبية ثم القرفصة يحشون أنوفهم بالسعوط ويكثرون من العطس والحمد والتشميت يتذاكرون حديثا أو يتحدثون عن معجزات الله في خلقه أو يقص عليهم واحد قصة موسى وفرعون أو قصة موسى مع الخضر أو قصة يوسف وامرأة العزيز ويقبل عليهم الليل مذكرا إياهم بظلام اللحود فيرتعدون فرقا من هذا الذئب الذي يتسلل في جنح الظلام خاطفا شيخا لا يقوى على الفرار منه حتى إذا أصبحت سمعت من يقول إنا لله وإنا إليه راجعون، عمي المدني انتابته كحة شديدة وعسر في التنفس مدده أهله واستقبلوا به قبلة الموت ثم حملق في السقف حتى إذا حشرجت وضاق بها الصدر أعين بمشقة على النطق بالشهادتين – رحمة الله عليه – كل من عليها فان.
أما سيدي علي فقد أعرض عن هذا كله لم تشغله قبور الأموات كثيرا ولا جامع الأحياء بتاتا أما قرفصة الشيوخ فقد نفر منها وهم قبلا نفروا منه، وقد كان بلا دين فأفرد إفراد البعير الأجرب لا يسأل عنه أحد وإذا ذكر في مجلس عطف آخر بقوله أعوذ بالله، لا يعوده ولا يسأل عن صحته إنس ولا جان، إلا صبيان الحي يملأون له دلاء الماء أو يشترون له بعض الطعام إن استحال عليه القيام والمسير فينفحهم ببعض النقود وكان لا يكثر من الكلام ويمانع في قبول إعانة من جار أو جارة إن ألحوا عليه في ذلك.
وقد أنهكه الربو واصطلحت على بدنه الذاوي كأوراق الخريف العلل لا يمشي خطوتين إلا كل وشق عليه التنفس فتسمع شهيقه وزفيره المتقطعين وتراه حملق فوق ووضع يديه المعروقتين المرتجفتين على خاصرته التي أكلتها النحافة ثم تسمع جملته الخالدة التي يقولها بمشقة كذلك ألف مرة في اليوم.
أبابا أف، أبابا أف
وكان وجهه الرقيق وقد كثرت عليه الجراح بفعل موسى الحلاقة حيث لا يحسن حلق ذقنه لارتجاف يده – ينقبض والنوبة تشتد عليه في الطريق إذا اشتاق لرؤية سوق البلدة وناسها وأحيانا حتى إن قام من سريره فتحسبه يحشرج وأن الموت وشيك القدوم وهو في ذلك كله لا يتوسل سماء ولا يستعطف وليا..
أما ما استقذره الناس وشجبه الكبير والصغير على السواء فأكله الميتة، وكان يوصي صبيان الحي بجلبها إليه إن صادفوها، وكان الصغار يتشردون في شعاب البلدة ويهيمون على وجوههم في بطاحها أو يلعبون الكرة حتى إذا غارت في شعب ذهب أحدهم ليبحث عنها، فصادف دجاجة ميتة أحضرها معه ملوحا بها والبشر على وجهه فيعلق بعضهم:
وجبة دسمة لسيدي علي وشراب الليمون والسعوط على حسابه!
كان بيته أو بالأحرى غرفته قذرة جدرانها مسودة رطبة موحشة كسراديب روحه أو هي أقطار نفسه تمثلت لعينيه الذاويتين، وقد احتل السرير الهرم الذي وهب له في جملة ما وهب نصف الغرفة عليه أغطية رثة قذرة وإلى جانبه طاولة صغيرة وضع عليها خنجره وأدوية ونقودا وعلبة سجائر غير مبسمة، وأنى لرجل مدمن أن يهجر التدخين وقد كان عزاؤه في وحدته؟ أما الخمر أو الحشيش فنجوم السماء أقرب إليه منهما وهو القعيد الكسيح ثم أن رجال البلدة وشيوخها حريصون على أداء الصلوات والقيام بالنوافل والكتاب مملوء عن آخره بفلذات أكبادهم يجهرون بقراءة القرآن، فمن أراد شيئا منهما سعى إليهما خارج البلدة! فلا مناص له إلا بالصبر والرضا بالسجائر من حين لآخر.
أما فيما تبقى من أرض الغرفة الضيقة تناثرت بضعة أواني كساها الوسخ بلون أسود وبعض ثياب مكوم في زاوية أخرى لا تقدر على الاقتراب منها وموقد كان يطهو عليه طعامه، والأدهى أن الغرفة غرقت إلى السقف في رائحة منتنة مزيج من العفن ورائحة الغائط ورائحة الميتة، وكان صبيان الحي يكابدون الأمر ويصبرون على دخول الغرفة، وربما أمسك الواحد منهم النفس حتى إذا لم يصبر عليه خرج يطلب هواء نقيا وعاد إلى الغرفة ممسكا النفس كرة أخرى منتظرا أوامر جديدة أو أجرة حتى إذا خرج من دون أوبة تنفس الصعداء!
وكنت إذا مررت بغرفته ليلا وكان الجو دافئا والباب مفتوحا على الزقاق واختلست إليه النظر شق عليك أن تراه محملقا في سقف الغرفة متمددا على سريره منقبض الوجه والصدر يعلو ويهبط شهيق شاق وزفير أشق ثم سعال وتمخط والجملة الخالدة: أبابا أف
لا مرية في أنك أشفقت عليه ورثيت لحاله وما همك ماضيه إطلاقا وقد شقت عليك وحدته ونظراته المتأملة في جوانب نفسه متأملة جدران الغرفة المسودة إذا خفت عليه النوبة في صمت وثقل، على أنه دعى الموت مخلصا واستعجله والموت في شغل عنه وربما جاءه مهرولا مقبلا حتى إذا أطل عليه ماطله وسوفه أخذ منه الفائدة بعضا من رمق الحياة الذاوية والجهد المتبقي واستبقى عنده رأس المال الروح وأسلمه إلى الأفأفات، حتى سمعنا من يقول:
سيدي علي يحتضر
وحضره الموت هذه المرة يريد رأس المال جادا ولكنه آثر أن يبقى عنده قليلا ينظر إليه ولا يعمل عمله يعاين حالته ويسمع بأذنه أفأفاته والبعض يقول:
اقرؤوا عليه يس.
ويمانع البعض الآخر في ذلك متعللين بنجاسة الموضع، ثم أن القرآن لا يعمل عمله إلا في أذن واعية.
وحسم الموت الخلاف جثم بثقله السرمدي على صدر الرجل المتهرئ المنخور وطفق يتم عمله وحضر بعض من أقارب المحتضر بعد أن أعرض عنهم وأعرضوا عنه وتوسلوا إليه أن يتلفظ بالشهادتين والرجل قبل الرحيل عن الدنيا وقد بلغت الحلقوم يقفز قفزة عملاقة متخطية الزمان والمكان وفي لمح البصر تراءت لخياله الشاحب المرتجف كسراب بعيد باريس مرسيليا كايان عواصم أوروبا مرحها حسناواتها ساعات أنسها لذاتها الباخرة لاكي، السقم فالهرم فالوحدة فاليقين. تبا للزمن وما يفعله بابن آدم يضاحكه صبيا ويلاعبه شابا يافعا ويصادقه كهلا ثم يخدعه ويسخر منه شيخا كاشفا له عن أسنانه الصفراء قاذفا إياه بحقيقة أمر من الداهية:
قهرتك يا ابن آدم وضحكت عليك كما ضحكت على جدك أوديب.
هذا الذي تعرف العواصم الأروبية وطأته والسجون والملاهي سطوته يموت نكرة شريدا بين أهله وفي مسقط رأسه فلا تذرف عليه دموع إلا دعوات مكبوتة تود له الرحيل الروح تصعد إلى الملأ الأعلى والصدر يهمد بعد أن قام الموت عنه والجسم وقد نضح بالعرق البارد تنتابه يبوسة وبرودة والعينان ظلتا مفتوحتين جمدتا وهما تشيعان الروح وتتبعان طريقها العلوي والشفتان مزرقتان ثم تنهدات طويلة من بعض الحاضرين ساعة الرحيل:
الحمد لله زال البلاء في الدنيا عن صاحبه وعن أهل البلدة هكذا قال بعضهم.
ويوم تشييع الجنازة أبى شيخ الحي وإمام جامعه أن يصلي على الميت في إصرار وقد حضر الجنازة قليلون واستعجلوا أنفسهم وهم يسلمونه أمانة في ذمة الظلام السرمدي وهرعوا إلى البيت إلى تلك الغرفة وكان في جملة ما وجدوه جوازات سفر وأخرجوا أشياء الغرفة وأحرقوها وطهروها بالمطهرات وأعادوا طلاءها واستلمها ورثته من بعده.
لم تعرف البلدة من "سيدي علي" إلا ألمه وسعاله وتمخطه ثم جملته التي حفظها الكبير والصغير على السواء.
جاء من أقصى الأرض يجر نفسه قاصدا المقبرة لا الجامع بعد أن يستريح قليلا من وعثاء السفر وقد عبر المحيط والبحر بمشقة بالغة وأنى لشيخ مثله حي كأنه ميت أو ميت كأنه حي أن يقوى على ذلك! وفي نفسه التي تحطبت أفنانها وتناثرت عليها أوكار البوم والغربان ورقة صغيرة ظلت محتفظة بخضرتها على مدى السنين لقد أحب بلدته وأبى إلا أن يملأ رئتيه المهترئتين من هوائها ويرى رجالها وشيوخها أولئك الذين إذا مر بهم تراءى لهم شبح كلب أجرب ورآهم هو كومة لحم منكمشة مقرفصة لم تقم بأعمال بطولية في شبابها فتتنافر النظرتان يحتمل منهم الزراية والإعراض ويحتملون منه القذارة والمروق.
رحل منذ ثلاثين عاما وقبور كثيرة مازالت تقاوم الزمن عليها أسماء ساكنيها إلا قبره فعبثا تحاول أن تجده!














وفي الاخير ارجو ان اكون افدت واستفدت...والسلام
bye1




















التعديل الأخير تم بواسطة kwayoo ; 18-07-2009 الساعة 05:03 AM
  • ملف العضو
  • معلومات
kwayoo
عضو مبتدئ
  • تاريخ التسجيل : 05-05-2009
  • المشاركات : 24
  • معدل تقييم المستوى :

    0

  • kwayoo is on a distinguished road
kwayoo
عضو مبتدئ
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 07:36 AM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى