إعمال العقل و دوره في الوصول إلى الحقائق.
17-01-2010, 01:03 PM
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا و بعد:
هذا العنوان الذي أود أن أشاركه إخواني و أخواتي سكان المنتدى ، من المفروض أن اكتبه في خانة الأعلام و الشخصيات أو أن اكتبه في خانة الإسلاميات ،ولكن طبيعة الموضوع حملتني على أن اكتبه في الموضوع العام، وذلك سعيا مني لتبيان بعض الحقائق ودراستها ،و قيلت أنها حقائق لا شية فيها ، لا يأتيها الباطل من بين يدها و لا من خلفها ،وكأنها وحي يوحى أو قرآن منزل منزه عن الخطأ ،هذه الحقائق المزعومة نجد لها في كتب التاريخ و الأعلام عرشا و سلطانا على عقولنا ، نزهناها عن الخطأ و قرّعنا كل من ينظر إليها بفكره ، فقرأنا بعضا من الحقائق و كتبناها و حفظناها و نقلناها نقلا أمينا إلى غيرنا كما نقلت لنا .
ولكن هذه الحقائق العسلية كانت تحمل شرا مستطيرا شديد السمية ، فتلذذنا بهذه الحقائق أيما تلذذ و انتشينا بمذاقه الحلو الذي يبطن السم القاتل ، وبالفعل هذه الحقائق قتلت فينا الحقيقة ، قتلت فينا التفكير و الله تعالى يدعو إلى التفكير و إلى استنباط الحقائق من الموجودات ، يقول تعالى:" وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) (النحل : 12) وقال تعالى "إن فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ" (آل عمران/190) ، وهناك آيات كثيرة جدا تدعوا إلى التدبر و التفكر ، ولكن هل بالفعل تدبرنا و أعملنا عقلنا و تدبرنا أمرنا وأمر ما يرد إلينا ؟ أم أننا ابتلعنا كل ما يرد إلينا ، ونحن مسحوبون من أمة اقرأ ، وليس من أمة كلّ ونم واضحك ،ولكن الظاهر أننا لم نعمل هذا العقل العجيب الذي يتفكر و الذي يمحص ولا يسلم بالأمور إلا بعد تدبر و تفكر ،وهذه حقيقة عقلية أقرها القرآن الكريم ، قال تعالى :" يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " ( الحجرات: 6) .
إن موضوع العقل و التدبر ، مركب ومعقد جدا و ليس هذا مجال حديثنا ، ولكن مجال حديثنا هو إعمال العقل و التدبر في بعض الحقائق التي خيلت لنا أنها حقائق ، وأنها مسلمات لا شية فيها ولا يخترق إليها الشك من أي جانب ، وسنأتي بأمثلة نجدها مبثوثة في كتب التاريخ ورواية الأعلام و قيلت لنا أنها حقيقة دامغة ، لا مجال أن نعمل فيها العقل ، و لقد كرسنا تجميد العقل عن طريق حفظ المعلومة و الاجتهاد على أخذ نقطة جيدة غير مرسبة في الامتحان ، فأنا أقصد بقولي هذا النخبة الجامعية الأكاديمية ، أو كما يقول البنيوي التكويني لوسيان جولدمان :" فئة الإنتلجنسيا" أي الفئة المثقفة الواعية المفكرة ، ولكن هل الفئة الجامعية عندنا مثلا تمثل فئة الإنتلجنسيا أم تمثل فئة :" بضاعتكم ردت إليكم " بلا تفكير أو تمحيص ، كثيرا ما نجد في بعض مقررات الجامعات التي تدرس للطلبة معارف و معلومات تشوه شخصية أو تشوه تاريخا أو تشوه علما ، وهذا خطير والأخطر منه إذا لم يتنبه إليها الجامعيون و حتى الأساتذة .
سأتكلم هنا عن شخصية تدرّس في كتب السنة الأولى جامعي تخصص أدب عربي، في مقياس الأدب الجاهلي ،سأتكلم عن شخصية الصحابي الجليل الشاعر المخضرم:" حسان بن ثابت "_ رضي الله عنه_ ، أنا لن أتكلم عن سيرته الأدبية في الجاهلية و في الإسلام أو عن إسلامه ، ولكن سأدرس شيئا خطيرا قيل عنه ، شيئا مسيئا اتهم به ، وهي صفة الجبن ، بل أصبحت صفة ملازمة له عندما يذكر اسم هذا الصحابي الجليل .
سأعرض شيئا عما قيل عن جبنه وسأدرس هذه الفكرة ،التي لاكتها ألسننا كثيرا و تقيأت به .
- ·قصة صفية بنت عبد المطلب و حسان بن ثابت و حديث جبنه:
قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه عباد قال : كانت صفية بنت عبد المطلب في فارع ، حصن حسان بن ثابت ؛ قالت : وكان حسان بن ثابت معنا فيه ، مع النساء والصبيان . قالت صفية ؛ فمر بنا رجل من يهود ، فجعل يطيف بالحصن ، وقد حاربت بنو قريظة ، وقطعت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون في نحور عدوهم ، لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إلينا إن أتانا آت . قالت : فقلت : يا حسان ، إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن ، وإني والله ما آمنه أن يدل على عورتنا من وراءنا من يهود ، وقد شغل عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فانزل إليه فاقتله ، قال : يغفر الله لك يا بنة عبد المطلب ، والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا : قالت : فلما قال لي ذلك ، ولم أر عنده شيئا ، احتجزت ثم أخذت عمودا ، ثم نزلت من الحصن إليه ، فضربته بالعمود حتى قتلته . قالت : فلما فرغت منه ، رجعت إلى الحصن ، فقلت : ياحسان ، انزل إليه فاسلبه ، فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل ؛ قال : ما لي بسلبه من حاجة يا بنة عبد المطلب .
تحليل القول :
·الحدث : غزوة الخندق ،وحصار الكفار و اليهود للمسلمين في المدينة المنورة .
·تجسس يهودي على المسلمين .
·طلب صفية بنت عبد المطلب من حسان بن ثابت الدفاع عنهم، ورفض حسان ذلك و جبن.
·قتل صفية اليهودي بعود.
هذا هو الحدث و هذا هو الخبر الذي يدرس في الجامعة للطلبة، في مقياس الأدب الجاهلي، ولكن هل وجدنا من يشير في كتب القوم إلى دحض هذه الفكرة، أو نجد من الطلبة من يفكر و يسأل حول صحة الخبر ؟ لم يصادفن أستاذ أو طالب دحض الفكرة وناقشها ، الأستاذ يدرسها للطلاب ومهمته تنتهي على أنه نقل له معرفة ،و الطالب يأخذ المعلومة و هو يجتهد أن يتلقفها و يحفظها لكي يأخذ نتيجة غير مرسبة في الامتحان ، فالأستاذ نقل معلومة قاتلة و غرسها في الطالب بدون شعور ، و الطالب أخذ السم وبدون تطعيم علمي _ قلة الزاد العلمي و المعرفي وانعدام منهجية التفكير و التحليل _ فالطالب سيصبح أستاذ وسينقل السم إلى الطلبة يوما .
·لنفكك هذه الرواية سطرا سطرا و نتبين و نتدبر صحتها :
قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه عباد قال : كانت صفية بنت عبد المطلب في فارع ، حصن حسان بن ثابت ؛ قالت : وكان حسان بن ثابت معنا فيه ، مع النساء والصبيان..."
الراوية للحدث كما هو ظاهر هي صفية بنت عبد المطلب _رضي الله عنها_ و هي عمة الرسول الكريم عليه الصلاة السلام، تروي أنها كانت مع حسان بن ثابت في حصن _ في فارع _ مع النسوة.
هل تبينتم خطورة الرواية أم لا؟؟ دققوا النظر في هذا القول :" كانت صفية بنت عبد المطلب في فارع، حصن حسان بن ثابت؛ قالت : وكان حسان بن ثابت معنا فيه ، مع النساء والصبيان..."
أي كان حسان بن ثابت في الحصن مع النسوة و الصبية.
س: الحصن أين يوجد ؟
ج: الحصن يوجد في المدينة المنورة المحاصرة من قبل الكفار و اليهود، في غزوة الخندق.
س: ما تشريع المدينة المنورة ؟
ج : تشريع المدينة المنورة ، هو التشريع الإسلامي .
س: هل يجيز التشريع الإسلامي اختلاط الرجال مع النساء ؟
ج : لا يجيز ذلك و لو كان الرجل أعمى أو ميتا.
س : من هو حسان بن ثابت .
ج: هو صحابي جليل و لقب بشاعر الرسول.
ولكن إذا كان الاختلاط محرم في المدينة المنورة، تحت أي ظرف من الظروف فماذا كان يفعله حسان بن ثابت في الحصن مع النسوة و التي كانت معهم عمة الرسول الكريم، ربما سيقول لي قائل لأنه عرف بالجبن ، وإن يكن إذا كان هذا الخبر صحيح فالشارع الإسلامي لا يجيز له ذلك ،و نحن في عصر النبوة إذ التعاليم الإسلامية كانت تطبق بالمليمتر ، فهل يرضى النبي الكريم أن يترك رجلا مع النسوة ومع عمته ،وهل يرضى الصحابة أن يتركوا نسائهم مع رجل أجنبي عنهم ،وهل يرضى أصلا النسوة أن يكن مع رجل لوحدهن معه ؟؟ هذا أمر عجاب .، كما نعلم أن النبي شدد على النساء أن لا يتكشفن للرجل حتى وإن كان أعمى، فكيف يتركهن مع رجل ؟؟–وفيما يروى عنه صلى الله عليه وسلم – "أن ابن أم مكتوم دخل عليه وعنده زوجتان من زوجاته فأمرهما بالحجاب" فقالتا إنه لا يبصرنا، فقال أو عميوان أنتما أو لستما تبصرانه"
هذا الخبر فيه تجريح للنبي الكريم عليه الصلاة والسلام _ وحاشى خير خلق الله من كل نقيصة_ ، لأنه قد يقال قد قصر في تطبيق التعاليم الإسلامية ، وبالأخص اختلاط النسوة ، وذلك بمجرد أن اشتد عليه الخناق_ غزوة الخندق_ لم يستطع أن يتحكم في زمام الأمور ولم يستطع التفريق بين الرجال و النساء ، فهو ليس أجدر بتطبيق الشرع ، أي هو ليس بنبي ، إذا كان نبيا لما فاته هذا و لتحكم في الأمر ، أرأيتم خطورة القول و كذبه ، وهو كذلك تجريح في الصحابية الجليلة صفية عمة الرسول الكريم ، أنها سمحت أن تختلط بحسان ، وهو تجريح في نسوة الصحابة و في الصحابة و تجريح في حسان بن ثابت ، هذا ادعاء خطير .
قد يقول قائل ولكن أنظر لبقية الحديث جيدا و بالأخص في هذا القول :" قالت صفية ؛ فمر بنا رجل من يهود ، فجعل يطيف بالحصن ، وقد حاربت بنو قريظة ، وقطعت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون في نحور عدوهم ، لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إلينا إن أتانا آت . قالت : فقلت : يا حسان ، إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن ، وإني والله ما آمنه أن يدل على عورتنا من وراءنا من يهود ، وقد شغل عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه" ، يقول لي قائل ، ربما لانشغال الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام و الصحابة في الكرب و الحرب تركوا النسوة مع حسان ، ولكن لقد بينا أنه لا يجوز شرعا ذلك ، والإجابة الثانية على هذا السؤال المفترض ، هل من الضروري أن يترك حسان مع النسوة في الحصن ، فبالإمكان بل من الضروري ترك مجموعة الصحابة يحرصون الحصن على عتباته و يحيطون بأسواره لأنه حصن ، وذلك تحسبا لأي طارئ ، ربما من جاسوس يريد اختراق الحصن ،وهل جاسوس يهودي واحد بإمكانه أن يخترق حصنا ؟؟ والإجابة الثالثة التي تبين زيف الرواية ، هل من المعقول أن يترك النبي الكريم عليه الصلاة والسلام و الصحابة رضي الله عنهم النسوة لوحدهن وهن محاصرات من أعداء الله ؟؟
وانظروا معي بالله عليكم هذه الفرية في هذا القول :" : فقلت : يا حسان ، إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن ، وإني والله ما آمنه أن يدل على عورتنا من وراءنا من يهود ، وقد شغل عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فانزل إليه فاقتله ، قال : يغفر الله لك يا بنة عبد المطلب ، والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا : قالت : فلما قال لي ذلك ، ولم أر عنده شيئا ، احتجزت ثم أخذت عمودا ، ثم نزلت من الحصن إليه ، فضربته بالعمود حتى قتلته . قالت : فلما فرغت منه ، رجعت إلى الحصن ، فقلت : ياحسان ، انزل إليه فاسلبه ، فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل ؛ قال : ما لي بسلبه من حاجة يا بنة عبد المطلب "".
أي أن صفية طلبت من حسان أن يدافع عنهن لأن يهوديا يطوف عليهن ،وهي تخاف منه ، فرفض حسان ذلك ، وجبن على قتاله ، فنزلت صفية لوحدها بعود و قتلته ،وطلبت من حسان أن يسلب عدة اليهودي منه فأبى ، أي ضحك على الأذقان هذا أي سخرية على العقول هذا ، أي كذب غبي هذا .
تصوروا معي هذه الصورة صفية و هي أولا وقبل كل شيء إمرأة وهي في حصن تخاف من هذا اليهودي المتربص بهن ، وهن في حصن ، أيُّ يهودي هذا أهو غول أم عملاق يخترق الحصون أم غريندازير ،قلت صفية المرأة تطلب من حسان أن يدافع عنهن فيرفض ذلك ، لأنه جبان ، وعندما عرفت منه ذلك خرجت من حصنها و هي إمرأة و هي تخاف هذا الرجل اليهودي المسلح ، وتخاف غدره ، فتخرج من حصنها الآمن بعود وهو مدجج بالأسلحة فتقتله ، ثم تطلب من حسان أن يأخذ منه سلاحه ، فيرفض ، الله أكبر .
مادامت حفصة خائفة و هي في حصن آمن لماذا تخرج من حصنها أصلا ، و هي عند خروجها سيكون الأمر أكثر خطورة ، فربما لم يكن اليهودي لوحده ليتجسس ربما كانوا عددا لا بأس به فهم في حرب فربما يتصادفون مع المسلمين وتدور بينهم اشتباكات مسلحة بالسيف ، فهي تغامر و تخرج من حصنها ، الذي قد تسبب بخروجها من الحصن مشاكل كبيرة جدا جدا جدا للنسوة في الحصن عند خروجها .
حسان يجبن ، وإذا كانت الروايات تقول أن حسانا كان جبان قبل الإسلام فلماذا تطلب منه صفية ذلك لأنها تعرف مسبقا أن حسان جبان و الدليل على ذلك قوله لها :" يغفر الله لك يا بنة عبد المطلب ، والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا"، أي أنت يا صفية تعرفي مسبقا أنني لست بأهل قتال ، كيف تنسى صفية هذه الحقيقة ، اللهم إلا أن من كتب هذه الرواية المزيفة كان يكذب وينسى ما كذب، تخرج صفية من الحصن الآمن إلى اليهودي ، رغم المخاطر القاتلة للنسوة إن هي خرجت من الحصن_ فربما لم يكن اليهودي وحده ربما كان مع صحبة يرافقونه في تجسسه احتياطا لكل طارئ _ رغم ذلك تخرج بعود واليهودي بسلاح و الدليل على ذلك في قولها لحسان :" : ياحسان ، انزل إليه فاسلبه ، فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل " ، السؤال : يسلبه ماذا بعد ما قتلته ، الجواب :يسلبه سلاحا ، أي صفية تخرج بعود و هي إمرأة ضعيفة و اليهودي ممتشق سلاحا ، ورغم ذاك تقتله ، قد يقول لي قائل هي بنت عبد المطلب أخت حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء و حيدر الحيادر وأشجعهم ،وإن يكن فهي امرأة ضعيفة و خائفة و غير مسلحة بدليل طلبت الأمر من حسان بن ثابت أن يقاتل عنهن أي الأمر يعني أنها كانت خائفة ، فكيف تخاف ثم تقتل ؟؟ والسؤال الثاني من أين أتت بالعود هل العود كان في الحصن أم بحثث عنه أم نزل من السماء و لماذا لم تجد حديدة بل وجدت العود ، هل صنعت عودا مثل :" ماك غايفر" بسكينه الأحمر الصغير عندما يتعرض للمشاكل ، فيلقى كل اللوازم حاضرة عنده و إن كان في الصحراء فيصنع صروخا ؟؟ والسؤال الآخر لنفترض أن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام و الصحابة كانوا منشغلين ، هل انشغلوا كذلك حتى بتأمين النسوة ولم يعطوهم ما يدافعون به عن أنفسهن ،والأمر الآخر المهم إذا كان النبي الكريم عليه الصلاة والسلام و الصحابة يعرفون جبن حسان فلماذا يتركونه مع النسوة ، يفهم من الأمر، قدح واضح للنبي الكريم فإذا عرف النبي خصيصة حسان فلماذا وضعه مع النسوة ، فهذا يعني خطأ في التقدير أو أنه لا يعرف خصيصة حسان بالمرة، فكلا الأمرين يدعوا إلى القول أنه مدام كان هناك خطأ في التقدير أو أنه لايعرف خصيصة حسان فهذا يعني أنه ليس بنبي فالنبي يوحى إليه فلماذا غاب عنه شيء بسيط مثل هذا التقدير البسيط ؟؟ أرأيتم خطورة هذه الرواية المكذوبة .
و الأمر الآخر المضحك في هذا القول لصفية هو:" ، فضربته بالعمود حتى قتلته . قالت : فلما فرغت منه ، رجعت إلى الحصن ، فقلت : ياحسان ، انزل إليه فاسلبه ، فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل ؛ قال : ما لي بسلبه من حاجة يا بنة عبد المطلب "". لقد قتلت صفية الضعيفة الخائفة بعود يهودي المدجج بالسلاح و السيف ، ثم تطلب من حسان أن يسلب منه سلاحه ، وكذلك يجبن حسان ، وذلك تبيانا للجبن الكبير لحسان، مادامت صفية تعرف جبن حسان سلفا و هي التي قامت بقتله بعود فلماذا تطلب منه أن يسلبه منه السلاح ؟؟ فلتسب من اليهودي السلاح مادامت هي قاتلته ؟؟ ماهذا الكذب الغبي الذي لا يمر حتى على صبي لم يفطم .
هذا الأمر وكأنه صورة كاريكاتورية عن حسان بن ثابت فهذا سب وشتم لشخص هذا الصحابي الجليل و سب للنبي و سب للصحابة
فيما يخص جين حسان المستدل على أنه لم يشارك في حرب ، المعروف أن حسانا كان مصابا بعاهة في يده فلم يكن يستطع حمل الأشياء بيده فكيف يمكن أن يحمل سلاحا و يقاتل ، الأمر الثاني يعرف أن حسانا كان مخضرما أي عاش فترة الجاهلية وفترة الإسلام ،وهو عندما دخل الإسلام كان عمره ستين سنة و لقد دخل الإسلام مبكرا و غزوة الخندق سنة 5هـ أي كان عمره بين 70و 75 سنة فهل صاحب السبعين سنة مشوه اليد يستطيع أن يضرب في الأرض أو يستطيع قتلا ، الشرع الحكيم لا يكلف هؤلاء بالقتل فلهم عذر ديني واضح بين ، فهو كان شيخ ومريض في يديه .
إذا كان حسان جبان فلماذا جعله النبي الكريم عليه الصلاة و السلام من أهم شعارئه بل إنه لقب دون غيره بشاعر الرسول ، فهل شاعر الرسول جبان .
هل الصحابة يخافون الموت ويحبون ترف الحياة و حسان بن ثابت صحابي جليل ، فهل هذا الصحابي الجليل الذي يمتلئ قلبه بالإيمان يخاف الموت و يجبن .
هل يختار الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام من يجبنون و يخافون.
لقد قال النبي الكريم لحسان بن ثابت في الرد على المشركين:" اهجهم وروح القدس معك" وقال " اللهم أيده بروح القدس " ، هذا أمر خطير جلل في حياة حسان روح القدس معه؟؟ من هو روح القدس؟؟ روح القدس هو سيدنا جبريل عليه السلام ، الله أكبر، يا للمرتبة الرفيعة التي حازها حسان أن يكون مدعوما بإذن الله تعالى من طرف سيدنا جبريل عليه السلام ما هذه المرتبة الرفيعة ، التي لم تعطى للبشر إلا للأنبياء فروح القدس لم ينزل إلا على الأنبياء عليهم السلام فقال تعالى مبينا أنه أيد رسوله و عبده عيسى عليه السلام بروح القدس ، قال تعالى :" وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ " البقرة:87 ، فهل يؤيد الله تعالى الجبناء الخوافين بروح القدس ، فلقد قرب حسان من مرتبة الأنبياء ،وأيد بروح القدس عليه السلام،وذلك لأنه كان يدافع عن قضية كبيرة ألا وهي قضية ورسالة الإسلام رسالة التوحيد .
كان بالإمكان أن يجعل من شجعان الصحابة أمثال علي كرّم الله وجهه أو عمر ابن الخطاب رصي الله عنه من شعرائه ، فكانوا يجيدون الشعر ويجيدون قوله ، فلماذا يختار حسان و قد قيل عنه أنه جبان ؟؟
شيء آخر يقال عن حسان ، نرى أن حسانا كان من الشجعان الذين لا يهابون الموت ، لنسأل أين كان يعيش حسان ؟؟ كان يعيش في المدينة المنورة ، والمدينة المنورة من كان يعيش فيها ؟؟ الجواب كان يعيش فيها المسلمون و اليهود و فئة خطيرة مندسة بصفة الإسلام و هي فئة المنافقين ، وكان لليهود حلف سري مع المنافقين و المشركين ضد الإسلام و الصحابة كانوا يحسون ذلك وما غزوة الخندق إلا دليل على التآمر ، وحسان كان شوكة عالقة في نحور المشركين برده المفحم و هجاءه القاتل على المشركين ، فكان بالإمكان أن تحاك ضد حسان مؤامرة سرية ويقتل في خفاء ، كأن يقتله اليهود المعروفون بالدسيسة أو يقتله المنافقون الذين يبرزون الإسلام و يضمرون الكفر ، كان بالإمكان أن يقتله منافق يظن أنه مسلم .فكان الموت و كانت الخديعة والدسيسة تتربص بكل الصحابة وبالأخص المقربين و المدافعين عن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام.ومن بينهم حسان بن ثابت.
شيء آخر مهم قلنا أن حسانا كان شاعر و كان يهجوا المشركين ، وكان من المشركين شعراء كثر لماذا لم نجد في شعر هؤلاء المشركين من يتهجم على حسان بن ثابت و يرميه بالجبن ، فهو كان يهجوا كل مشرك بخصيصة يذمها فلماذا لم يرمى حسان من طرف شاعر مشرك بالجبن ، أخفي عنهم حسان أم ماذا ؟؟؟
إذن وعليه حديث جبن حسان خبر مكذوب ،ولقد رأينا ما كشفناه من تحليل عقلي تفكيكي ، زيف الرواية ،ورأينا خطورة الأمر إن لم نعمل التدبر و التفكر و التحليل و غربلة أي معلومة ومناقشتها وإرجاعها إلى اصولها.
هذه فقط محاولة متواضعة مني حاولت فيها تبيان دور التدبر العقلي المنطقي في الخبر في أي خبر كان و بالأخص الخبر و الذي يخص تاريخ علم أو شخصية ، ومحاولة مني الدفاع عن النبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه ، ومحاولة الدفاع عن صحابة الرسول الكريم _ رضي الله عنهم أجمعين _ .
