عندما يهون الجسد...
26-08-2010, 10:35 PM
هناك أمور عديدة يناقشها بعضنا بما تستوعبه عقولهم ، فيتصور أنه قد أحاط بالموضوع ، وأخذ جميع عقده كي يفكها ، بل أكثرمن ذلك يحسب أنه حل معادلة الحياة ذات المجاهيل المتعددة ....،ربما هكذا يمضي الفرد وقته .
لنذهب إلى أحد الشباب الذي إصطدم بأحد مجاهيل معادلة الحياة ، فأضحى تائها حيرانا ، من عجب ذلك المجهول، إنه يستطيع تذكر ماضيه ، مهما كانت قساوته ، كذلك يستطيع أن يمضي حاضره كما أمضى أمسه، لكن هاهو الغد ، ذلك المجهول الذي نستسلم له و نضعه في خانة الغيب الذي لا يعلم خفاياه إلا الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، سبحانه جلّ في علاه.
ذلك الشاب يستيقظ من نوم ربما يفضله ، بل ربما جعل من النوم الملاذ الحسن للهروب من الحياة التي دوما يقول أنها مريرة، من حقه قول ذلك ، لأنه وحده من ذاق المرار فقال : مريرة،
يلجأ مسرعا إلى النوم كي يختلي بنفسه ، كي تبدأ ماكنة التفكير تعمل لديه ، ماكنة الطموح و البناء الذاتي تعمل لدى هذا الشاب، هو على يقين أنه تائه في حياته ، لكن لا أظنه متيقن أنه أكثر ضياعا عندما يلجأ إلى النوم ، لأنه رفع راية الإستسلام عندما هرب من واقعه ....
ومع ذلك لا نلومه ، لما ياترى ...ببساطة هو يفكر في غده أثناء نومه ، بل يذهب أبعد من ذلك فهو يفكر في غد الآخرين...
كنت أقول : (( عندما تفتح سجل ذكرياتك و تسبح في ماضيك ، تكون قد أوقفت حاضرك للحظات من أجل رؤية غدك؟؟)).
ربما هاته الدنيا ، جعلت شبابا يتحدون ظروفهم من أجل بناء غد أفضل، بينما حطمت شبابا طمحوا لذلك الغد ، فتاهوا في أحلامهم ، حتى عادت لهم كوابيس تطاردهم كي تنفيهم من واقعهم ، من حاضرهم ، إلى ماضي الأحلام الموحشة.
الذي تأسره أحلامه و تجعله سجين ماضيه ، ربما يصبح الجسد فقط من يعيش الحاضر ، فيهين عليه جسده ، فلا يأبه للأذى ، ما دام عقله وقلبه منشغلان بأحلام لا يرضاها واقعه.
فيصبح الشاب التائه غير فعال أمام قرنائه من الشباب، وهذا الذي يزيد في غربته و عزلته السلبية ، وهذا أظنه بداية الموت.
فعلا إنها مأساة في حق شباب في مقتبل العمر ،ذنبهم الوحيد انهم عاشوا زمانا جمد أفكارهم وحطم طموحهم...زمان لا يعرف الشاب أين يمضي، لاهو يسمع من هذا ولا من ذاك ، ربما ماتت فيه روح اليقين...
لذا تتنامى ظواهر عديدة جاءت من هوان الجسد ، وقلنا فيما مضي يهون الجسد عندما ينشعل العقل بأحلام الماضي ...
تلك الظواهر أدت إلى فشل معظم الإصلاحات ، فشلها متوقع ،ذلك لانها أتت سطحية وتلميعية ، ولم تعد عقل الشاب إلى الجسده...
ونرى فساد المجتمعات أدى إلى تعطيل عجلة النمو، رغم توفر جميع الوسائل ...
حتى أن هناك دول إنهارت حكوماتها و دخلت في صراعات شبيهة بالحروب الاهلية ، وإنقلابات هنا وهناك ، وهشاشة المؤسسات الحاكمة ، رغم تواجد القانون ، ويعلم الجميع أن القانون بلا قوة ، كسحاب بلاغيث...
تحضرني قصة فتاة ، أثرت في نفسي، عنوانها عندما يهون الجسد...
فتاة كانت فيما مضي عنوان العفة والتطهر وكذا المسؤولية، تلك الفتاة عندما تتمشى في الطريق يهابها الكثير إجلالا لحيائها ، أليس زينة النساء حياءهن...
الفتاة لا يستطيع الفم ذكر إسمها وإذا ذكر ذكرت معها أخلاق عديدة.
يأتي زمان بما لا يشتهي أحد ، الحاجة جعلت من تلك الفتاة المسؤولة المباشرة عن أسرتها وأمها المريضة ، ربما همها انها تكبر إخوتها الصغار، الحاجة جعل عقلها يخرج من جسدها ، أصبحت أسيرة ماضيها ، تتفكر في حالها وحال أسرتها ، فهان عليها جسدها ، فعرضته لأجساد أخرها هي هانت على أصحابها...
كي لا نظلم أحدا....فوقع ذلك الجسد الضعيف فيما تذوب الأخلاق السامية ، ويذوب الحياء معه...
فهي تلقي بجسدها إلى غد ربما لا يرحمها ، تلقى بجسدها إلى يوم تحرقه نار جهنم بما إقترف من معاصي أدت إلى تفشى ظواهر أفسدت المجتمع....
كما هان عليها جسدها في الدنيا ، فيهون عليها لزاما في الآخرة ...
تلك الفتاة بررت فعلتها بحماية أسرتها ، لكن للآسف جعلت الأسرة تائهة من إنعكاسات هوان الجسد....و مثل ذلك كثيـــر.
لذا علينا أن ننظر إلى غدنا كي لا يأسرنا ماضينا ، علينا أن ننظر إلى غدنا كي نعيش حاضرنا ، مهما اشتدت الظروف ، مهما زادت المحن ، يجب أن يسكن عقلنا جسدنا ،كي لا يهون علينا ، كما غياب العقل لا يعني جنون الجسد ، فهذا لا يصح ،لإن غيابه يعني حضور القلب و القلب يحكم بما تشتهي النفس و بما تهب رياح المشاعر ، فإن كانت صادقة صدق حكمه ، وإن كانت خائنة خانه حكمه ...