حكم التفجيرات في ميزان الاسلام
30-01-2008, 01:09 AM
حكم
التفجيرات
في ميزان الإسلام
للشيخ
عبد الرزّاق بن عبد المحسن البدر
حفظه الله تعالى

[شريط مفرغ]


[المعمل الجزائري للتفريغ والتنسيق]
[email protected]




بسم الله الرحمن الرحيم
[مقدمة]
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونستغفره، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرور أنُفْسِنَا وسَيئاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ َأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلّم تسليما كثيرا.
أما بعد:
أيّها الإخوة في الله، إنّ نعم الله عز وجل علينا كبيرة، لا تعدّ ولا تحصى﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا﴾[إبراهيم:34]، وإنّ أجلّ نعم الله على عباده، الهداية إلى هذا الدّين الحنيف، وشرح الصدر للإسلام، والالتزام بأوامره، والتمسّك بهديه، ولزوم نهجه القويم.
والواجب على من هداه الله لهذا الدّين، ومنَّ عليه بهذه النّعمة، أنْ يحمَدَ الله عزّ وجلّ وأن يشكره، وأن يسأله الثبات على دينه القويم ﴿يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء﴾[إبراهيم:28].
فالهداية بيد الله، والثبات من الله، وصلاح الأمور كلّه من الله عزّ وجلّ، ولهذا لزم كلَّ مسلم أن يفوِّض أموره إلى الله عزّ وجلّ، وأن يسأل ربَّه دائما وأبدا صلاح أمره والتوفيق والإعانة لكل خير، وأن يصرف عنه الشُّرُورَ والآفات ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾[هود:88].
وصلاح المرء في دينه، أو دنياه، أو آخرته، إنما هو من الله عز وجل، والعبد فقير إلى الله جل وعلا من كل وجه، بأن يُصلح له دينه، وأن يصلح له دنياه، وأن يصلح له آخرته.
ومن الدّعوات العظيمة الثّابتة عن نبينا الكريم عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ قوله «اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر».
فتأمّل قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذه الدعوة العظيمة «أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري»، فهو عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ يسأل ربّه جلّ وعلا صلاح دينه، صَلاَحُ دينك منَّة من الله وتوفيقه، فاطلبه من الله، والجأ إلى الله عز وجل في تكميله وتتميمه وحفْظِه والثّبات عليه.
وتأمل قوله «الذي هو عصمة أمري»، فالدّين عصمة الأمر، ولا يكون للعبد في هذه الحياة، ولا في الحياة الآخرة، رَشَادٌ وسَلامَةٌ واسْتِقَامَةٌ وراحة ونعيم إلا بهذا الدّين، فالدّين هو عصمة الأمر من كل آفة، فيه انضباط للأمور، وصلاح للأحوال، وبُعْد عن الشُّرُورِ والآفات، وأما من ضيّع دينه، فإن أمره يكون فُرُطاً ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾[الكهف:28]، أيّ انْفَرَطَ عليه أمره، وانفلت منه الزّمام، فأخذ يمشي في هذه الحياة بلا خِطَامٍ ولا زِمَام، ليس هناك قواعد شرعية، ولا توجيهات إلهية، ولا أحكام مرْعِيّةٌ، تضّبِطُ أموره وتُسَيَّرُ شُؤونه.
فالدَّين عصمة الأمر، الدَّين عصمة الأمر من كل آفة وشر.
ولهذا لزم كلُّ مُسْلِمٍ منَّ الله عليه بهذا الدين أن يجتهد كُلَّ الاجْتِهاد بأن يضبط أموره على وفق أصول الشريعة وقواعدها المعلومة، ويَنْهَجَ هذا النَّهْجَ القويم، مُسْتَمِدًّا تعاليمه وتوجيهاته من كتاب ربَّه وسنّة نبيَّه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، قال الله تعالى ﴿إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾[الإسراء:09]، فمن كانت أموره كذلك فهي منْضَبِطةٌ، وهو من خيْر إلى خيْر، ومن سلامة إلى سلامة، ومن رِفعة إلى رفعة.
أما من تخلّى عن تعاليم هذا الدين فإنه يضُرُّ نفْسَهُ ويَضُرُّ غيّره.
ولهذا نحمد الله عزّ وجلّ على نعمة الهداية لهذا الدين، ونسأله جلّ وعلا أن يثبِّت قلوبنا عليه، وأن يجعلنا من عباده المتقين، وأن يزيننا بزينة الإيمان، وأن يجعلنا هداة مهتدين، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأن يُعيذنا من شُرُور أنْفُسنا وسَيّئات أعمالنا، وأن يتولانا بمنِّه وكرمه بما تولى به عباده الصالحين.
والإسلام ميزانٌ عَدْلٌ، لا ظُلْمَ فيْهِ ولا جَوْر، ميزان مُنْصِف، الله عز وجل أمر بالقسط وأمر بالعدل، ولم يأمر عباده بشيء إلا وفيه خير لهم ورفعة في الدنيا والآخرة، ولم ينهاهم عن شيء إلا وفيه ضرر ووبال عليهم في الدنيا والآخرة.
لم يأمر سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بشيء، وقال ذووا العقول الرصينة: ليته لم يأمر به.
ولا نهى عن شيء، وقال ذووا العقول الرصينة: ليته لم ينهَ عنه.
فالأوامر والنواهي كاملة مكمَّلة، وكيف لا تكون كذلك وهي وحيُ رب العالمين وتنزيل أحسن الحاكمين، البصير بعباده، العليم بخلقه جلّ وعلا.
فالشريعة ميزان؛ ميزان توزن به الأمور، توزن به في الحركات والسكنات والأقوال والأفعال والقيام والقعود، كل هذه الأمور يجب أن توزن بميزان الشريعة.
وكل أمر يُرِيدُ العبد أن يُقدم عليه لابد أن يزنَه بميزان الشريعة، وينظر:
هل هو موافق للإسلام؟
هل هو من هدى هذا الدين؟
هل هو مما أمر به رب العالمين؟
فإنّ كان كذلك أقدم عليه، وإن لم يكن كذلك الواجب عليه أن يُحْجِم، وأن يمنع نفسه من أي أمر يُخالف دين الله عز وجل، حتى وإن كان يريد بعمله نوايا حسنة أو مقاصد طيبة أو نحو ذلك.
الواجب عليه أن يعرض أموره كلَّها على ميزان الشريعة، وعلى قواعد دين الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ولا يُتِيحُ لفهمه وعقله وفكره ورأيه المجال بأن يَتَخَوَّضَ في هذا الأمر.
فإذا كان كذلك في أفعاله وحركاته منطلقا من أحكام الإسلام ومن قواعد هذا الدين وتعاليمه، فإن أمره كلّه إلى رشاد وصلاحٍ في الدنيا والآخرة.
ولهذا رأيت أن يكون هذا اللقاء تحت عنوان:
حكم التفجيرات في ميزان الإسلام
أو:
- حكم التفجير في ميزان الإسلام -
ولا يخفى على الإخوة ما قد حصل في الآونة الأخيرة في مدينة الرياض -كذلك ما حصل بعد ذلك في المغرب- من تفجيرات اُستهدفت فيها أماكنُ سكنية، آهلة بالسكان ومليئة بالناس، اسّتُهْدفَتْ في وقت متأخر من الليل، وفُجِّرت تفجيرا أودى بحياة كثير من الناس، وأضرّ بكثيرين، وعدد من المستشفيات مُلئت وزُحمت بأعداد المرضى والجرحى والمصابين جرّاء تلك التفجيرات.
وربما أنّ فاعلي هذه التفجيرات، يريدون أو يقصدون أمورا يُخَيَّل إليهم بعقولهم القاصرة، وأفهامهم المنحرفة، أنها باب إصلاح، أو باب نفع أو نحو ذلك، فقاموا بهذا الأمر، وفجّروا أنفسَهم مع غيرهم، وأهلكوا أنفسَهم مع غيرهم.
وربما يظنّون أنّ هذا العمل من دين الله، وأنه أمر يُتَقَرَّبُ به إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
ولهذا رأيتُ -أيها الإخوة- عرض هذا الأمر على ميزان الإسلام؛ الذي توزن به كل الأعمال وكل الأقوال وكل الحركات والسكنات؛ لننظر ماذا يكون هذا الأمر في ميزان الإسلام وشريعة الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى المباركة.
ومن يعلم الإسلام ويعرف هذا الدين بقواعده العظيمة، وأُسُسِهِ المتينة، وتوجيهاته الحكيمة، وإرشاداته القويمة، وآدابه الرفيعة، وأخلاقه المباركة، يعلم علم يقين لا شك فيه أن هذا العمل ليس من الإسلام في شيء، وليس من دين الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى؛ بل هو مخالف للإسلام، مبَاين لدين الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ومن يطالع أحكام الله وأوامره ونواهيه، يعلم أن هذه في الإسلام تعدّ جريمة، تعد جريمة؛ جريمة عظيمة.
فهؤلاء أجرموا في حق أنفسهم، وأجرموا في حق أناس آخرين كثيرين، وأجرموا في حق أموال معصومة، جرائم متعددة جناها هؤلاء على أنفسهم وعلى غيرهم، فهي أعمال ليست من دين الله جلّ وعلا، وليست نابعة من الدين، وليس في الدين ما يدعو إلى مثل هذا الإجرام، وإلى مثل هذه الأعمال الإجرامية، ليس في دين الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ما يدعو إلى ذلك.
ولعلّي أعرض عليكم نقاطا سريعة، ننظر فيها أمر الإسلام من جهة، وما وقع فيه هؤلاء من مخالفات لدين الإسلام من جهة.
فأقول:
أولا: الإسلام فيه أمرٌ بالعدل والإحسان ونهيٌ عن المنكر والبغي.
كما قال الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾[النحل:90]، يأمر بالعدل، ويأمر بالإحسان.
وأي عدل في فعلة هؤلاء، وأي إحسان فيه؛ بل إنّ هذا العمل منكر وبغي ولا عدل فيه ولا رحمة.
ولو طبّق فاعلوا هذا العمل هذه الآية الكريمة لحجزتهم ومنعتهم من جريمتهم تلك.
ثانيا: في الإسلام تحريمٌ للعدوان ونهيٌ عن الظلم.
قال الله تعالى ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ﴾[البقرة:190]، والآيات في النهي عن العدوان لا تعد، الآيات والأحاديث في النهي عن العدوان لا تعد، كذالك النهي عن الظلم، يقول الله عز وجل: «يا عبادي إنّي حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا» والظلم ظلمات يوم القيامة.
وهذا العمل الذي قام به هؤلاء هو عدوان ظلم، لا يحبه الله عز وجل، ونهى عباده عنه وحذَّرهم منه.
ثالثا: إن الله عز وجل حرم على عباده الفساد في الأرض.
قال جل وعلا: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ﴾[البقرة:205]، ويقول الله جل وعلا: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾[البقرة:11]، قال تعالى: ﴿وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾[البقرة:220]، ولا يشك عاقل، رأى هذا الأمر، أو سمع به، أو بلغته أخباره أنّه من الإفساد في الأرض ومما حرمه الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى على عباده ونهاهم عنه.
رابعا: من قواعد الإسلام العظيمة دفع الضَّرَرِ.
ويشهد لهذه القاعدة نصوص كثيرة، منها قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الجامع «لا ضرر ولا ضرار» هو حديث مرويّ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غير وجه، عن غير واحد من الصحابة، «لا ضرر ولا ضرار» فالإسلام جاء لدفع الضرر، قبل أن يقع ورفعه إن وقع.
وهذا العمل الذي فعله هؤلاء قائم على الإضرار، وهو إضرار بَيَّنٌ بالأنفس والأرواح والأموال والممتلكات، وقد جاء في سنن أبي داوود عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «من ضَارّ أضَرّ الله به ومن شاقَّ شقَّ الله عليه»( ) من ضارّ بالآخرين ضارّ الله به، ومن شقّ على غيره شقّ الله عليه، وهذا الحديث وإن كان في سنده كلام إلا أن معناه صحيح، تشهد له عمومات كثيرة، فإن الجزاء من جنس العمل وكما تَدِينُ تُدَان، ولهذا قال الله تعالى: ﴿هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾[الرحمن:60]، وقال تعالى: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى﴾[الروم:10].
«فمن ضارّ ضار الله به»، وهذا فيه إضرار بيّن وإجرام وتعدّي، وإلحاق الضرر بالأرواح والممتلكات .
من قواعد هذا الدين العظيمة ومقاصده الكريمة:
خامسا: جلب المصالح، ودفع المفاسد.
ومن يتأمل هذا العمل لا يرى فيه أي مصلحة، وفيه من المفاسد ما لا يُعدّ، من يتأمل هذا العمل الذي يقوم به هؤلاء لا يرى فيه أي مصلحة، ويرى فيه من المفاسد ما لا يعد
سادسا: في الإسلام تحريم لقتل النفس.
أن يقتل الإنسان نفسه، وأن يزهق روح نفسه، وهو ما يسمى بالانتحار، وهؤلاء عصوا الله عز وجل وخالفوه، وقاموا بما نهاهم عنه، قال الله جل وعلا: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا﴾[النساء:29-30]، نهى جل وعلا عباده أن يقتلوا أنفسهم، وهؤلاء أقدموا على قتل أنفسهم، وفجّروا بأنفسهم وغيرهم .
قد ثبت في الصحيحين عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجع بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلّدا فيها أبدا، ومن تحسَّى سمًّا فقتل نفسه؛ فَسُمُّهُ في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردّى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا»، وهذا وعيد شديد لمن يقدم على قتل نفسه.
قد ثبت في الحديث الصحيح أن رجلا في بعض غزوات النبي أبلى في القتال والنكاية بالكفار بلاءً عظيما، حتى إنّ الصحابة لما رأوا بلاءه، قالوا: هو من أهل الجنة. فقال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «بل هو من أهل النار» فدُهش الصحابة من ذلك، رجل بهذا البلاء، بهذه النكاية بالعدو، ثم يقول النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «هو من أهل النار»، فأحد الصحابة أراد أن يعرف خبره، فأخذ يتابعه، يتابعه، فأصابه في القتال جرح آلمه واشتد عليه ألمه، فأخذ ذؤابة سيفه ووضعها في نحره وقتل نفسه.
فرجع ذلك الصحابي إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذكر له خبر هذا الرجل، قال: «أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله» صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقتل النفس لا يجوز.
وهؤلاء الجناة أقدموا على قتل أنفسهم وفجّروا بأنفسهم وبمن حولهم في تلك المجمّعات السكنية،
سابعا: في الإسلام تحريم لقتل النفس المعصومة بغير حق.
قال الله تعالى ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ﴾[الإسراء:33]، وجاء في هذا المعنى آيات كثيرة.
وفي الصحيح عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال:«لا يحلّ دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة».
وذكر جلّ وعلا من صفات المؤمنين، عباد الرحمن، عدم قتلهم للنفس بغير حق، قـال جـلّ وعلا: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا(69)﴾[الفرقان:28-29].
قد ثبت في الترمذي، بإسناد صحيح أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: « لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم»، وكم من مسلم قُتل في هذه الجريمة .
ثامنا: الإسلام جاء بالرحمة وحث عليها.
وأن الراحمين يرحمهم الرحمن، في الحديث «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»، ورأفة الإسلام شاملة، ليست خاصة بالناس؛ بل حتى للبهائم والدواب.
فقد جاء في الحديث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «لا تُنزع الرحمة إلا من شقيًّ»، ونَزْع الرحمة من الإنسان علامة على شقائه والعياذ بالله.
وجاء في الإسلام أحاديث عديدة برحمة بهيمة الأنعام، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من رحم ولو ذبيحة رحمه الله»، وجاء في الأدب المفرد للإمام البخاري رحمه الله أن رجلا قال: يا رسول الله، إني لأرحم الشاة عندما أذبحها. عندما أذبح الشاة يقع في قلبي رحمة لها. قال: «والشاة إذا رحمتها رحمك الله»، وهذا ثابت في الأدب المفرد للإمام البخاري، يقول هذا الصحابي رضي الله عنه: يا رسول الله إني إذا ذبحت الشاة أرحمها. يقع في قلبي رحمة لها، قال«والشاة إذا رحمتها رحمك الله»، ولهذا جاء في الحديث الصحيح «إذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحة، وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وليحدّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته» أنظر هذه الرحمة التي دعا إليها الإسلام.
ثبت في الصحيح عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن رجلا غُفر له بكلب؛ رحم ذلك الكلب فغفر الله له برحمته للكلب، رأى كلبا يأكل الثرى من شدّة العطش فيه، عطش شديد، ولم يكن مع ذلك الرجل وعاء يحمل فيه الماء، فنزل في بئر وملأ خفه ماء وأمسك خفه بفمه وصعد، وسقى ذلك الكلب، فشكر الله عمله فغفر له.
وثبت في الحديث الصحيح أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرة كان في بعض أسفاره فجاءت الحمرة -طائر- وأخذت تُرِفّ بجناحيها عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنها تسأل، فقال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «من فجع هذه في بيضها»، أنظر رحمة الإسلام، فقال أحد الصحابة: أنا يا رسول الله أخذت بيضها. فقال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «أردده رحمة لها» رحمة للحمرة، ورحمة للطيور ورحمة للكلاب ورحمة للحيوانات، رحمة شاملة من دين الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى «والراحمون يرحهم الرحمن».
في قصة الرجل: يا رسول الله إني أذبح الشاة فيقع في قلبي رحمة لها. قال: «والشاة إذا رحمتها رحمك الله».
إذا تأملت هذه الأحاديث ونظائرها كثيرة جدا؛ ولكن هذه أبين، وتأملت في مقابل ذلك ما وقع من هؤلاء الجناة، تجد المفارقة لهدي الإسلام وتعاليمه، أين الرحمة؟ أين رحمة الإسلام لو كان يعقل هؤلاء؟ أين الرحمة التي دعا إليها الإسلام؟ أطفال يُتِّموا، ونساء رمِّلت، وأرواح أزهقت، وأموال أتلفت أين رحمة الإسلام؟
تاسعا: أن الإسلام فيه نهي عن ترويع المسلمين وإخافتهم.
جاء في سنن أبي داوود أن النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ كان مرة في بعض أسفاره، فنام أحد الصحابة وكان معه أو عنده حبل، فذهب بعض الصحابة وجرّه، الحبل، فقام الرجل مرتاعا؛ قام مرتاعا، فقال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «لا يحلّ لمسلم أن يروِّع مسلما»، كم مسلم رُوَّعَ في تلك الليلة وفُجِع،إلى كيلومترات بعيدة من التفجير،دوّى صوت التفجير،وقام الأطفال والنساء والصغار والكبار من النوم في غاية الفزع، أين هؤلاء من قول النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «لا يحل لمسلم أن يروع مسلما»؟ وكان هذا الترويع وهذه الفاجعة في الليل، وقت السكون، وقت الراحة.
وقد ثبت في المسند وغيره بإسناد ثابت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال «من رمانا بالليل فليس منا» رمي المسلمين لا بالليل ولا بالنهار لا يجوز؛ لكنه في الليل أشدّ نكاية وأعظم إضرارا وأشدّ إرعابا، ولهذا خصّه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ بالذكر «من رمانا بالليل فليس منا».
عاشرا: نهى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن حمل السلاح على المؤمنين.
وثبت أنه قال: «من حـمل علينا السلاح فليس منا» رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمر رَضِيَ اللهُ عنْهُما.
وروى البخاري ومسلم في صححيهما أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إذا مر أحدكم في مسجدنا أو سوقنا بنبل»؛ يعني ومعه نبل في يده «فليضع أو فليمسك بيده على أنصالها» يعني فليضع يده على مقدمة النَّبل، المكان الحاد، المكان الذي يكون به الطعن، فليضع يده على أنصالها، وهو يمشي في السوق يضع يده على أنصالها لئلاّ يؤذي مسلما، يمشي وسط الناس وهو في غاية الاحتياط، وهذا كله من المحافظة على الناس وعدم تعرضهم لأي أذى، حتى ولو خطأ غير مقصود، حتى ولو إضرار غير مقصود غير متعمد، فقال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «ليضع يده على أنصالها» أين هذه التوجيهات المباركة والتوجيهات العظيمة من أولئك الذين جاءوا في الليل وفجّروا تلك المتفجرات الضّخمة التي تهلك من حولهم أو من هو قريب من المكان ومن هو –أيضا- بعيد عنه.
الأمر الحادي عشر: الإسلام جاء فيه النّهي عن الإشارة إلى المسلم بسلاح أو نحوه، سواء كان مازحا أو غير ذلك.
في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: «لا يشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار» فيقع في حفرة من النار، وفي رواية لمسلم «من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينزع وإن كان أخاه لأبيه وأمه»، أحيانا في البيوت الأخ مع أخيه يحمل سكينا مازحا، يحمل حديدا مازحا، من فعل ذلك يقول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ فإن الملائكة تلعنه، حال فعله لهذا الأمر، هذا جانب.
والجانب الآخر الشيطان قد ينزع في يده فيجعل مزاحه يتحول إلى جد فيقع [المحذور]، فالإسلام فيه نهي عن الإشارة بالسلاح، الإشارة بالسلاح ولو على سبيل المزاح، بل جاء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه نهى عليه الصلاة والسلام أن يُتَعاطى السيف مسلولا؛ يعني ما يمد السيف إلى صاحبه وهو مسلول ومثله السكين، السكين لا يصلح أن تمد عندما تعطيها للآخر تمدها بهذه الطريقة متجهة إليه وإنّما تعطيه السكين من المقبض، كل هذا محافظة؛ لأن لا يقع إضرار غير مقصود أو إخافة غير مقصودة أو حتى لا أيضا ينزغ الشيطان فيتحول المزاح إلى جد.
أنظر هذه التوجيهات التي دعا إليها الإسلام وقارنها مع تلك الجريمة تعلم عظم المفارقة وشدة المباينة.
الأمر الثاني عشر: تحريم الخيانة والغدر.
قال الله تعالى ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ﴾[الأنفال:58]، وقال تعالى ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا﴾[النساء:107].
وجاء في الصحيح -صحيح مسلم- عن أبي سعيدالخذري عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدرته».
ثبت في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر رَضِيَ اللهُ عنْهُما أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لكل غادر لواء يرفع بقدر غدرته».
وكان عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ إذا جهّز الجيوش أوصاهم، من ذلك ما جاء في حديث بريدة قال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «أغزوا بسم الله ولا تغلُوا ولا تغدروا»، فنهى عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عن الغدر ونهى عن الخيانة والله جل وعلا لا يحب الخائنين.
وهذا العمل فيه خيانة،وفيه غدر،وهذا أمر واضح لا يخفى.
الأمر الثالث عشر: أنّ الإسلام فيه نهي عن قتل الصغار والنساء والشيوخ الكبار.
عندما يقاتل المسلمون أعداء الدين لا يجوز لهم قتل الصبي الصغير ولا المرأة ولا الشيخ الفاني، قد مرت معنا الآية ﴿قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُم﴾
فالصبي ما يقتل والمرآة ما تقتل إلا إذا قاتلت والشيخ الفاني لا يُقتل.
وقد جاءت في هذا أحاديث عديدة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منها ما ثبت في صحيح مسلم عن بريدة رَضِيَ اللهُ عنْهُ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال «لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا».
جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمر رَضِيَ اللهُ عنْهُما أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى في بعض الغزوات امرأة مقتولة، فأنكر عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ قتل النساء والصبيان.
جاء في سنن أبي داوود عن أنس بن مالك رَضِيَ اللهُ عنْهُ أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لهم: «انطلقوا بسم الله» هم متوجهين إلى الغزو قال: «انطلقوا بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله، ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا ولا صغيرا ولا امرأة» فانظر هذه التوجيهات.
ثم انظر إلى فعلة هؤلاء وجريمتهم الشنعاء .
لم يفرّقوا في هذه الجريمة بين صغير وكبير، ورجل وامرأة؛ بل دمّروا الجميع.
ورأيتُ في بعض الصور التي نشرت في الجرائد أطفالا صغارا، من أبناء المسلمين، أعمارهم في حدود خمس سنوات ست سنوات تفحّموا تماما، حتى أنّ أخوان ضم بعضهما بعضا وماتا متعانقين وتفحما تماما؛ ست سنوات وسبع سنوات من أبناء المسلمين.
هنا في الأحاديث أبناء الكفار«لا تقتلوا وليدا» يعني من أبناء الكفار، «لا تقتلوا امرأة» من نساء الكفار، «لا تقتلوا شيخا فانيا» من شيوخ الكفار.
هؤلاء قتلوا من أبناء المسلمين، و قتلوا من نساء المسلمين ولم يفرقوا بين شيخ، طفل، صغير،كبير، امرأة، رجل، دمروا الجميع. هؤلاء الصغار بأي ذنب قتلوا؟ وبأي ذنب يفجع أبوه وأمه؟ والآباء الذين قتلوا بأي ذنب؟ والأطفال الذين يُتَّموا بأي ذنب؛ يُيتَّم ويفقد أباه؟ والمرآة التي رمَّلت بأي ذنب؟
أين تعاليم الإسلام أين الانطلاق بتوجيهات الدين.
الأمر الرابع عشر: أن الإسلام فيه تحريم لقتل المعاهَدين والمستأمَنين، وفيه أمر بحفظ العهود والمواثيق.
والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة منها قول الله تعالى﴿وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً﴾[الإسراء:24]، قول الله تعالى﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ﴾[المائدة:1]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
قد ثبت في صحيح البخاري عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «من قتل معاهَدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة أربعين سنة» نهي صريح عن قتل المعاهَدين.
وثبت في سنن النسائي بإسناد صحيح أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال «من أمّنَ رجلا على دمه فقتله، فأنا بريء من القاتل وإن كان المقتول كافرا» وإن كان المقتول كافرا إذا أعطي الأمان لا يجوز أن يقتل.
ولهذا ولي الأمر إذا أذِن لبعض الكفار دخول ديار المسلمين وأعطاهم الأمان وأعطاهم العهد لا يجوز الاعتداء عليهم لا في أموالهم ولا في أنفسهم.
ومن كان عنده شيء من هذا فليناصح كما قال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ: «الدين النصيحة» قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم»، إذا كان عنده ملاحظة أو شيء من هذا القبيل يسلك المسلك الصائب، لا يحل قتل الذَّمّي أو المعاهَد الذي أعطي العهد أو أعطي الأمان.
قد ثبت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «المسلمون تتكافأ دماءهم ويسعى بذمّتهم أدناهم»، ولهذا لما جاءت أم هانئ إلى النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ تشتكي، استجار بها أحد المشركين طلب أن تجيره، فأتىأحد الصحابة يريد أن يقتله فذهبت إلى النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ تشتكي، فقال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ».
«المسلمون تتكافأ دماءهم ويسعى بذمّتهم أدناهم» إذا كان هناك ذمّة أو كان هناك عهد وهناك أمان فالواجب المحافظة على العهود وإلتزام المواثيق، ولا يحل قتل المعاهَد، قد مر معنا الحديث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أنّ من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة».
وهؤلاء استهدفوا عددا من المعاهدين والمستأمنين وقتلوا عددا منهم.
قد ثبت في حديث صحيح رواه البخاري في الأدب وغيره أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «يقول الله يوم القيامة: أنا الملك، أنا الديّان لا يحل لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عليه مظلَمة حتى أقتصها منه»، ولاشك أنّ في هذا ظلم وعدوان والله جل وعلا قال ﴿وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[المائدة :27].
الخامس عشر: الاسلام فيه تحريم للإعتداء علىالأموال.
تحريم للاعتداء على أموال الآخرين ولما خطب الناس عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ في حجة الوداع قال: «إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا»، ثم قال «ألا هل بلغت اللهم فشهد» بلّغ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ البلاغ المبين.
فالأموال محرم الاعتداء عليها، وكم من أموال اتلفت وممتكلات دمِّرت، وبيوت خرَّبت سواء كانت في مكان الجريمة أو بعيد عنها، حتى إلى مسافة كيلوات تأثرت كثير البيوت؛ تحطم الزجاج و تلفت كثير من الممتكلات، غير الرعب الذي حصل والفزع والخوف. فأين هذا من توجيهات الإسلام؟
[الخاتمة]
لعلنا نكتفي بهذه النقاط، فيها كفاية؛ لأن ليس المقصود ضبط هذا الأمر واستيفاء مدى المخالفة وما حجم هذه الجريمة من خلال بعض أدلة النصوص.
ولهذا أيها الإخوة من يتأمل هذه النصوص والقواعد والأدلة والتوجيهات المباركة المعلومة من دين الله عز وجل، يعلم علم يقين براءة الإسلام من هذه الأعمال، وأن هذه الأعمال تُعدّ في الإسلام جريمة عظيمة، وتعدّ نوعا من الفساد في الأرض، تعدّ بغيا وعدوانا وظلما، والإسلام لا يقرّ ذلك؛ بل يحرمه وهو معدود في الإسلام من الجرائم العظام.
والإسلام بريء من ذلك كله، ولا يحل لأحد كائن من كان أن ينسب مثل هذه الأعمال للإسلام فليست نابعة منه، وليست منطلقة من أحكامه وحِكمه وغاياته وتوجيهاته؛ بل هي أفعال شاذة، وتصرفات تمثل أصحابها الجناة والفاعلين لهذه الجريمة، ولا تمثل الإسلام لا من قريب ولا من بعيد.
ولا يحل لأحد أن يحاول من خلال مثل هذه الأعمال من خلال هذه الجرائم أن يُلصق شيئا بالإسلام أو بأحكام الإسلام؛ كأن يتكلّم بعض الناس عن مناهج التعليم في الكتاب والسنة، في العقيدة والأحكام.
مناهج التعليم في المدارس والجامعات قائمة على الاعتدال والاتزان والانطلاق من توجيهات الإسلام الحكيمة وإرشاداته المباركة، وقد اطلعنا على جانب منها.
ولا يحل أن تلصق هذه الأعمال بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له ضوابط وله توجيهاته، وله قيود بكتاب الله وسنة نبيه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ.
ولهذا من الظلم أن تُلصق مثل هذه الأعمال بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو بمناهج التعليم أو بالكتاب والسنة أو بأهل السنة.
هذه الأعمال عرفنا ما فيها، ولا يجوز أن تُلصق بالملتحين المحافظين على سنة النبي الكريم عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ.
كل هذه الأعمال لا تمثّل هؤلاء.
ولهذا العلماء والدعاة والخطباء والمربّون والموجَّهون والمعلمون في المدارس، الكل قابَل هذه الأعمال بالاستنكار الشديد، وعدَّ هذا العمل من الجرائم، فلا تُلصق بالإسلام، وإلصاقها بالإسلام أو بتعاليم الإسلام أو بالمناهج الإسلامية أو بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو بالمتدينين كل ذلك تعدًّ وظلم، والإسلام براء من ذلك .
ونسأل الله عز وجل أن يُعز دينه، وأن يعلي كلمته، وأن يحفظ على المسلمين أمنهم وأمانهم، وأن يجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يصلح لنا جميعا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأن يصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأن يصلح لنا أقواتنا التي فيها معادنا، وأن يجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر.
ونسأله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويذل فيه أهل الإضاعة.
ونسأله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أن يوفّق ولاة أمرنا لكل خير وأن يأخذ بنواصيهم للخير وأن يعينهم على طاعته وما يقرب إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن يهدينا جميعا سواء السبيل.
نسأله جل وعلا أن يثبت قلوبنا على الإيمان، وأن يسدد أقوالنا وأعمالنا، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأن يحفظنا جميعا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن بمنه وكرمه إنه سميع مجيب.
ونسأله جل وعلا أن يوفقنا لكل خير يحبه ويرضاه في الدنيا والآخرة.
نسأله من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم.
ونعوذ به تبارك وتعالى من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، وأن يجعل كل قضاء قضاه لنا خيرا بمنه وكرمه وجوده وإحسانه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلّى الله وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .