خطبة الجمعة بمناسبة الانتخابات
16-11-2012, 10:51 PM
خطبة الجمعة بمناسبة الانتخابات

الخطبة الأولى
الحَمْدُ للهِ الذِي خَلَقَ كُلَّ شَيءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً، وَوَسِعَ كُلَّ شَيءٍ رَحْمَةً وعِلْماً وتَدْبِيراً، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، دَعَانَا إِلَى القِيَامِ بِالمَسْؤولِيَّاتِ وحِفْظِ الأَمَانَاتِ، -صلى الله عليه وسلم- وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ ومَنِ اهتَدَى بِهَدْيِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّها المُؤمِنُونَ :فاتقوا اللهَ , عِبَادَ اللهِ , وتَمسَّكُوا بدينِكُمُ الذي ارْتَضاهُ اللهُ عزَّ وجلَّ لكمْ , قالَ اللهُ تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) فَهُوَ دينٌ كاملٌ , نَظَّمَ العِلاقَةَ بينَ العبدِ وربِّه وبينَ العبدِ وبينَ غيرِهأَيُّها المسلمون :إِنَّ شرعَ اللهِ - عز وجل - كاملٌ شاملٌ , لَمْ يَتْرُكْ صَغِيرَةً ولا كَبِيرَةً مِمَّا يَحتَاجُهُ النَّاسُ إِلا وَضْحَها , ولذلك قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم (قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلا هَالِكٌ) . وهذا الحديثُ عامٌ في أُمورِ العباداتِ وأُمُورِ المُعَامَلاتِ , فِيمَا بينَ العبدِ وربِّه و فِيمَا بينَ العبدِ وغيره من الناس .وإنَّ مِمَّا أَوْضَحَتْهُ شَرِعَتُنَا الغَرَّاءُ : صِفَاتِ مَنْ يَكُونُ أَهْلاً لِحَمْلِ المَسْؤوليةِ , وسواءٌ كانتْ عَامةً أَمْ خَاصةً , قَاَل العلماءُ : إِنَّ صِفَاتِ مِنْ يَتَوَلَّى أَمراً مِنْ أُمورِ الناسِ : القُوَةُوَالأَمَانَةُ ! قَالَ اللهُ تَعَالى (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُفَيَكُونُ عِنْدَهُ : دِرَايَةٌ فِيْمَا يَتَوَلاه , وَعلمٌ بِمَا نُصِّبَ مِنْ أَجْلِه , وخِبْرَةٌ وَبَصِيرةٍ بِالأُمُورِ وبِتَدْبِيرِها .وَيَكُونُ عِنْدَهُ :أَمَانَةٌ وَخَوْفٌ مِنَ الله بِحَيْثُ لا يَخُونُ فِيمَا وُلِّيَ إِيَّاهُ , فَيَكُونُ أَمِيناً في نَفْسِهِ ، أَمِيناً في تصرُّفاتِه وأقوالِهِ وأعمالِهِ وما اسْتُحْفِظَ عليه ، أَمِيناً في عدله ، أَمِيناً في الأمر الموكل إليه ! وَسَواءٌ كانَ ذلك في الإِدَاراتِ العامةِ أوِ الخاصةِ , كالأجهزةِ الحكوميةِ أو المدارسِ , أو ما يُسَمَّى الآن بِالمَجالِسِ البلديةِ التي يَخُوضُ الناسُ في هذه الأيامِ غِمَارَهافالقُوَةُوَالأَمَانَةُهِيَ الصِّفَةِ الكُبْرَى التي يجبُ أنْ يُفَاضَلَ بين أهلِ الوِلايَاتِ على أَسَاسِهافَمَنْ لم يَتْقِ اللهَ لم تُؤْمَنْ غَوَائِلُه ، ومَنْ لم يَصُنْ نفسَهُ لم تَنْفَعْه فَضَائِلُه !فَإِنْ كانَ ممن يَخُوضُ في المُحَرَّماتِ ويَخُوضُ في تصرفاتٍ بعيدةٍ عنِ الأخلاقِ الفَاضِلةِ مُسْتَهْتِراً فِي نفسِه لا يُشارِكُ المُسلمينَ في صلاةِ الجماعةِ ولا في أخلاقِهم الإِسلاميةِ الفاضلةِ فليس هذا بِأَمينٍ على المُجْتَمعِ ولا على مَنِ اخْتَارَهُ ، بَلْ إذا كانَ صاحبَ بِدْعَةٍوَهَوَى وشُبُهَاتٍ وَانْحِرَافاتٍ أَوْ مخالفاً لأهْلِ السُّنةِ والجَمَاعَةِ فلا يَصْلحُ أن يكونَ أميناً يختارُه المجتمعُ .واعْلَمُوا أَيُّها الإِخْوَةُ : أنَّ اجتماعَ القوةِ والأَمانةِ في شخصٍ واحدٍ بِقُوَةٍ واحدةٍ هو أَمْرٌ نَادِرٌ , لكنْ يكونُ الاختيارُ بِحَسَبِ تَوَفُّرِ الصفاتِ بِقَدْرِ الإمْكَانِ !
أيها الأخوة المؤمنون: إِنَّ تَحَمُّلَ المسؤوليةِ أمرٌ خطيرٌ لكنْ لابُدَّ مِنْ أَنْ يَقُومَ بِهِ بعضُ الناسِ , لِئَلا تَضيعَ مصالحُ المسلمينَ .وإنَّ في طلبِ الوِلايَةِ تَعْرِيضاً للنفسِ لمَا لا يَنْبَغِي , فَيُوكَلُ الإنسانُ إلى نفسِهِ , وَهُنَا وُكِلَ إلى ضَعْفٍ وَخَوَرٍعن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَرضي الله عنهقَالَ :قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِصلى الله عليه وسلم (يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ لا تَسْأَلِ الإِمَارَةَ فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا)رواه مسلمفَمَا دَامَ الإنسانُ في عَافِيَةٍ فَلْيُرِحْ نَفسَهُ ,وَلْيَتْرِكِ الأمرَ لِمَنْ يقومُ بِهِ, ولكنْ إذا تَعَيَّنَ عليه الأمرُ , بِأَنْ رأَى من نفسِهِ الأَهْلِيَةَ وعرفَ قدرتَهُ على القيامِ بِالمُهِمَّةِ , وليسَ هناكَ مَنْ يقومُ بها بَدَلَهُ ,فَلا بأسَ بِطَلبِها,بلْ قدْ يكونُ أمراً مُسَتحباً أو واجباً كَمَا لَوْ عرفَ أنَّهُ إِنْ تَخَلَّى عنِ المَنْصِبِ ولم يطلبْه تَولاهُ منْ ليسَ أَهلاً,أو تولاهُ بعضُ المُتَلاعِبينَ الذين يَغُشُّونَ المسلمينَ ولا يَقُومونَ بِمَصَالِحِهم.
أيها المسلمون :وإنَّ الواجبَ على مَنْ تَوَلَّى أمراً مِنْ أُمورِ الناسِ أنْيُحْسِنَ قَصْدَهُ وتكونَ نيتُه أن يُصْلِحَ, لِكَيْ يُوَفِقَهُ اللهُ ويُعِينَه ويُسَدَّدَه, قالَ اللهُ عنْ شُعَيْبعليه السلام (إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ(وَلْيَحْذَرْ مِنَ النيةِ الفاسدةِ ,فَيَخِيبَ ويَخيبَ مَسْعَاه , قالَ اللهُ تعالى )إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (وَلْيَحْذَرْ كذلكَ مِنَ التَّوَصُّلِ إلى هذا المنصبِ عَنْ طريقِ شِراءِ الأَصْواتِ أو الرَّشَاوَى , فإنَّ ذلكَ أَمْرٌ محرمٌ بَلْ من كبائرِ الذنوبِ , وفيه لَعْنَةٌ تَشْمَلُ جميعَ الأَطْرافِ المُشْتَرِكينَ في الرَشْوةِفَعَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عَمْرِوٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:لَعَنَ رَسُولُ اَللَّهِصلى الله عليه وسلماَلرَّاشِي وَالْمُرْتَشِيَرَوَاهُ َاَلتِّرْمِذِيُّفَمَا قَدْ يَفْعَلُه بعضُ ضِعَافِ النفوسِ من شِراءِ الأَصْوَاتِ وبَيْعِ الذِّمَمِ أمرٌ مُؤْلِمٌ جدا مِنْ جِهَةِ الشرعِ ومن جهةِ النظامِ ومن جهةِ المُرُوءَةِ والأَخْلاقِإِذْ كَيفَ يَرْضَى الرجلُ لنفسِهِ أنْ يأْتِيَ لِهذا المَنْصِبِ مِنْ خِلالِ طُرقٍ غَيرِ مَشْروعةٍ ؟إِنَّ هذا الشَّخْصَ الذي قَبِلَ وارْتَضَى بهذا الأُسلوبِ المُخَادِعِ المُنَافِي لِلأمَانةِ سَيَقْبَلُ غَداً بِخِدَاعِ مَنْ رَشَّحُوه ,وَقَدْ يَبيعُ ذِمَّتَهُ وَهُوَ يُمارِسُ عَمَلَهُ! إِنَّ هذا خِيَانةٌ للأَمانةِ التي أَمَرَ اللهُ بِأَدَائِها.
قال الله تعالى(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِفَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا(وإِنِّنَي أَرْبَأُ بِإخواني المسلمينَ وأُحَذْرُهم أَنْ يَنْزَلِقُوا في هذا المَسْلَكِ الوَخِيمِ وِالدَّرْبِ الخَطِيرِ.كَمَا أَنَّ على مَنْ طَلَبَ الوِلايةَ - عند الحاجةِ للطلبِ - أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ , فَلا يُحَرِّشْ بينَ المسلمينَ أَوْ أَنْ يَطْعَنَ في أَحِدٍ مِنْهُم أو أنْ يُلْقِيَ التُهَمَ أو يُهَيِّجَ أسبابَ الفُرْقَةِ بين أفرادِ المُجتمعِ , مِنْ أَجْلِ التَّوَصُّلِ إِلَى ذلكَ المَنْصِبِ فهوَ أمرٌ يُخالفُ المَنْهَجَ الشَّرْعِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الحديثِ مِنَ النَّهْيِ عَنْ طَلَبِ الإمَارةِ , ثم مُخالفٌ للنظامِ الذي جَعلتُهُ الدولةُ , فَهُوَ إِذَنْ على خَطرٍ في دينِه ومروءَتِه , وسَيَنْكشفُ أمرُه حاضراً أو مُستقبلاً ، فَلْيَتَّقِ اللهَ , وإِيَّاهُ أَنْ يَبْذُرَ ما يُفرقُ به بين المسلمينَ أَوْ يُكَدِّرَ نُفوسَهم.وإذا تَوَلَّى فَعَليهِ أَنْ يَعملَ بِجِدٍ وإَخْلاصٍ لإبْراءِ ذِمتِهِ أمامَ اللهِ عَزَ وجلَ قبلَ كلِ شيءٍ ثم أمامَ المسئولينَ ثم أمامَ المجتمعِفإنَّ مَنْ أخَذَ الأجرَ طُوِلبَ بالعملِ !

أيها الأخوة المؤمنون :وإنَّ الواجبَ علينا إذا صارَ لنَا يدٌ في الاختيارِ للولاياتِ بأنْواعِهَا أنْ نختارَ الأصلحَ في كلِّ ولايةٍ بِحَسَبِهَا , ونَحْذَرَ مِنْ ضِدِ ذلكَ فإنَّهُ طريقٌ مذمومٌ , ونذيرُ شؤمٍ وهلاكٍ ! بلْ هُوَ مِنْ عَلامَاتِ الساعةِ !فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ النَّبِيُّصلى الله عليه وسلم(إِذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ ! ) قَالَ : كَيْفَ إِضَاعَتُهَا ؟ قَالَ (إِذَاأُسْنِدَالْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ) رواه البخاري ومَعْنَى الحديثِ : أَنَّ مِنْ عَلاماتِ قُربِ يومِ القيامةِ , أنْ يَتَولَّى أمورَ الناسِ مَنْ ليسَ أهلاً لها , إمَّا لِفِسّقِهِ أو لِضعفِهِ وجهلِهِ أو مَا أشبَهَ ذَلِكَ ! وهَذَا يَدُلُّ على فسادِ أهلِ الزمانِ وخرابِ أحوالِهمِ !
أيها الأخوة المؤمنون :
يخطأ كثير من الناس في فهم المسؤولية ، فكثير هم الذين يعتبرونها للرفعة والافتخار، ويتخذونها بوابة للترف والسيطرة والظهور ، فغاية أماني أحدهم ، أن يجلس على كرسي دوار ، على طاولة عريضة ، قد خط عليها المدير فلان ، يأمروينهى ويشار إليه بالبنان ؛ولهذا الخطأ في الفهم ،صارت المسؤولية محلا للتنافس، وضاعت بين الطمع وضعف الدين .
المسؤولية ـ أيها الأخوة ـ هي كما أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم : (نِعْمَ الْمُرْضِعَةُ، وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ) نعم المرضعة ؛ في هذه الدنيا ، لما تجر على صاحبها من المنافع الدنيوية ، ولكن بئست الفاطمة ،بالموت الذي يهدم لذتها ،وبالسؤال يوم القيامة عن القيام بواجبها ، حينما تؤدى الحقوق ، وترد المظالم،إلى أهلها.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (مَا مِنْ رَجُلٍ يَلِي أَمْرَ عَشَرَةٍ , فَمَا فَوْقَ , إِلَّا أَتَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَغْلُولَةً يَدُهُ إِلَى عُنُقِهِ، فَكَّهُ بِرُّهُ , أَوْ أَوْثَقَهُ إِثْمُهُ،أَوَّلُهَا مَلَامَةٌ ، وَأَوْسَطُهَا نَدَامَةٌ ، وَآخِرُهَا خِزْيٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .
بئست الفاطمة ، حينما يقف أصحاب الشهوات ، بين يدي الله يسألهم ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ حَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَهُ ، حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ) .
فليعلم هذا ـ يا عباد الله ـ كل من ظن أن المسؤولية أمر هين،وأنها مجرد أمر ونهي وسيطرة على مجموعة من الناس ، وليعلم ذلك ، من أضاع أمانة المسؤولية ، وجعلها للسمعة والرياء ومدارات الناس له ، ونظرهم لوجهه وخدمته ، وليعلم هذا أيضا من جعلها وسيلة لتحقيق مآربه.ليتق الله هؤلاء وغيرهم ، وليؤدوا أمانة المسؤولية ، فإنهم سوف يسألون ، فليعدوا لذلك السؤال جوابا ، قبل أن يقع بحقهم قول النبيصلى الله عليه وسلم :
(لَيَتَمَنَّيَنَّ أَقْوَامٌ وُلُّوا هَذَا الْأَمْرَ أَنَّهُمْ خَرُّوا مِنْ الثُّرَيَّا وَأَنَّهُمْ لَمْ يَلُوا شَيْئًا.)

وَإِذَا حَمَلْتَ إِلَى الْقُبُورِ جِنَازَةًفَاعْلَمْ بِأَنَّكَ بَعْدَهَا مَحْمُولُ
وإذاوليت أمور قوم ليلة فاعلم بأنك بعدها مسؤول

وفَّقنَا اللهُ جَمِيعاً للعملِ بطاعتِهِ وأخَذَ بنواصِيَنَا للبِرِ والتَقَوى. أقولُ ما سَمعْتُمْ , واستغْفرُ اللهَ لي ولكمْ , فاستغفرِوهُ إنَّه هُوَ الغفورُ الرحيمُ.



الخطبة الثانية

الحمّدُ لِلهِ حمداً كثيراً طيباً مباركاً فِيهِ ,وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلااللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ , وأشهدُ أنَّ محمداً عبْدُهُ ورسولُهُ صَلَّى اللهُ عليْهِ وعلى آلهِ وصحبِهِ وسلّْمَ تسليماً كثيراً، أما بعد:
أيها الأخوة المؤمنون :
ليس الهدف من هذا الحديث،أن نتخلى عن المسؤولية، ونبتعد عن إدارة الناس ، لا إخوتي في الله ، فالمسؤول الذي يقوم بواجبه ، ويؤدي أمانته ، أجره عند الله عظيم ، ويوسف عليه السلام ، عرض نفسه على أن يكون مسؤولا على مالية مصر فقال لعزيزها : }اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ )هُنا طلبَ يوسفُعليه السلامالإمارةَ لأنَّه خَافَ إِنْ تَوَلاها غيرُه أنْ لا يُحْسِنَ تَصْرِيفَ الأمورِ فَتَضِيْعَ مصالحُ الناسِ ! ولا يعني حديثنا أن الساحة خلت من الأخيار الذي هم أهل للمسؤولية ، لا إخوتي في الله ، فهناك من هو قائم بها على الوجه المطلوب،كما قال تعالى: }فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ { فهم يعملون على إنجاح أعمالهم ، ورعاية شئون رعاياهم ، وإدارة أمورهم ، مراقبين الله في ذلك ، متبعين لتوجيهات نبيهم ، مطيعين لولاة أمرهم .
والناس شهود الله في أرضه ، كلما ذكر أحد هؤلاء ، أثني عليه ، ودعي له ، لا لأنه يعطي الناس من جيبه ، وإنما لأنه يحرص على حقوقهم ، ولا يكون سببا في تعطيل مصالحهم ، ولأنهم عنده سواسية ، لا يحابي قريبا لقرابته ، ولا صديقا لصداقته .فالواجبُ علينَا جميعاً أنْ نكونَ صادقينَ جادينَ فيما نأتي ونذر ,وأنْ نتعاملَ فيما بينَنَا بالصدقِ والمحبةِ والنصحِ ,وأنْ نُحِبَ الخيرَ لبعْضِنَا وأنْ لا نَتَحَاسَدَ أوْ نتباغَضَ , ثُمَّ علينَا أنْ نُرَاقِبَ اللهَ عزَّ وجلَّ في جميعِ شُؤونِنَا,وكُلٌ مِنَّا يكونُ جاداً في عملهِ, مخلصاً فيهِ , حاملاً هَمَّ المسؤوليةِ , متعاوناً معَ إخوانِهِ في إيصالِ الخيرِ للغيرِ, آمراً بالبِرِ والتقوى , ناهياً عَنْ الشرورِ والآثامِ ! قالَ اللهُ تعالى(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) وقال(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )
هكذا فلنكنْ,وهكذا فلنعشْ ,ليَرضَى ربُّنَا عَنَّا ,وتتصَافَى قلوبُنَا, والرزقُ والتوفيقُ بيدِ اللهِ , والبركةُ مِنْ اللهِ !
واسْتَمِعُوا أيُّهَا الإخوةِ لِهذا الحديثِ:فعَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ، قَالَ (لَيْسَ شَيْءٌ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ إِلاَّ أَمَرْتُكُمْ بِهِ ، وَلاَ شَيْءٌ يُبَاعِدُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَيُقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ إِلاَّ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ ، وَإِنَّ الرُّوحَ الأَمِينَ نَفَثَ فِي رُوعِي ، أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ ، إِلاَّ وَقَدْ كَتَبَ الله رِزْقَهَا ، فَاتَّقُوا الله ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ ، وَلاَ يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِالْمَعَاصِي ، فَإِنَّهُ لاَ يُدْرَكُ مَا عِنْدَ الله إِلاَّ بِطَاعَتِهِ
أيهاالمؤمنون: ثُمَّ إذا أشكلَ علينَا شيءٌ مِنْ أمُورِنَا الخاصةِ أوالعامةِ ولمْ نعرفِ الصوابَ فيه فإنَنَا نستشيرُ أهلَ النصحِ والأمانةِ !وقالَ سبحانَهُ (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) وفي هذا توجيهٌ ِمنَ اللهِ عزَّ وجلَّ لرسولِه محمدٍصلى الله عليه وسلمفي كَيفِيَةِ مُعاملةِ المؤمنينَ, ومِنْ ضِمْنِها أَنْ يُشَاوِرَهُمْ في الأُمورِ الهامةِ التِي لِمْ يَتَبَيَّنْ وَجْهُ الحَقِّ فيهافَإِذا كانَ سيدُ البشرِوالمؤيدُ بالوَحْيصلى الله عليه وسلميَحْتَاجُ لِمُشَاوَرِةِ أَصْحابِهِرضوان الله عليهم فَكَيْفَ بِغَيْرِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه قَالَ: "مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَكْثَرَ مَشُورَةً لأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلِذَلِكَ فَمِنْ حِكْمَةِ الرَّجُلِ وَرَجَاحَةِ عقلِهِ أَنَّهُ يَسْتَشِيرُ فيأُمُورِهِ الهَامَةِأَهْلَ الخِبْرَةِ والنُّصْحِ وَقَدْ قِيْلَ:إِنَّ مَنِ اسْتشَارَ الرِّجَالَ فَقَدِ اسْتَخْدَمَ عُقُولَهُمْوعَنِ الْحَسَنِ البَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ ، فِي قَوْلِهِ الله تعالى (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) قَالَ : وَاللَّهِ مَا تُشَاوَرَ قَوْمٌ قَطُّ إِلا عَزَمَ اللَّهُ لَهُمْ بِالرُّشْدِ وَالَّذِي يَنْفَعُ.
وأخيرا أخوتي في الله ،أذكر نفسي وإياكم بان المسؤولية فهي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر ، حيث قال يا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةُ وَإِنَّهَا يوم الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إلا من أَخَذَهَا بِحَقِّهَا،وَأَدَّى الذي عليه فيها) وفي رواية عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (يَا أَبَا ذَرٍّ,إنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي , وَإِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا , فَلَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ , وَلَا تَلِيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ) رواه مسلم) .
عبادَ اللهِ : صَلُّوا وسَلِّمِوا على رسولِ اللهِ فَقَدْ أمَرَكُمْ اللهُ بالصَلاةِ والسلامِ عليِهِ فقالَ جلَّ مِنْ قائلٍ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللهُمَّ صَلِّ وسَلِمْ على عبْدِكَ ورسولِكَ محمدٍ وعلى آلهِ وصحبِهِ وسلم اللّهُمَّ أعَزَّالإسلامَ والمسلمينَ وأذلَّ الشركَ والمشركينَ ودمّر أعداءَ الملةِ والدين .اللهمَّ رحمةً اهدِ بها قُلُوبَنَا،واجْمَع بها شمْلَنا، ولُمَّ بَهَا شَعَثَنَا، وردَّ بِهَا الفِتَنَ عَنَّا ,اللهمَّ أيقظْ قلوبَنَا من الغفلاتِ، وطَهّرْ جَوارِحَنَا مِنْ المعاصِي والسيئاتِ اللهمَّ اختمْ بالصالحاتِ أعمالَنَا، وثَبِتْنَا عَلَى الصراطِ المستقيمِ بالقولِ الثابتِ في الحياةِ الدُّنيا وفي الآخرةِ .اللهمَّ آمِنَّا في أوطانِنَا، وأصلِحْ ووفِقْ أئمَّتَنَا وولاةَ أمورِنَا،
عباد الله } إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {

فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله اكبر والله يعلم ما تصنعون .

سبحانَ ربِّكَ ربِّ العزةِ عَمَّا يَصِفُونَ وسلامٌ عَلَى المرسَلِينَ والحمدُ للهِ ربِّ العَالمَينَ .

خطبة الجمعة ليوم09/11/2012
مسجد خالد بن الوليد إن أمناس ولاية ايليزي