أي ديمقراطية نحتاج؟
18-07-2013, 09:58 AM
أيّ ديمقراطية نحتاج ؟

طرواية عمر بتاريخ : 11/07/2013

أيّ ديمقراطية نحتاج ؟ سؤال لم يصبح فقط يخطر في أذهان السياسيين وفقهاء السياسة فقط ؛ وأنما تعدى إلى المفكرين والمثقفين والكتّاب ، وأيضا من يحمل همّ هذه الاشكالية وأخواتها. وهو في الحقيقة سؤال كلاسيكي قد أثير – كثيرا – في القرنين الماضي والحالي ، أي قبل ميلاد وظهور الربيع العربي . وهذا المصطلح قد أطلقه البعض من يدّعون إنّهم سياسيون كبار يتفنون في نحت مفاهيم و مصطلحات دون مراعاة حجم الكوارث الانسانية التي تولّدت عنها تحت اسم ( الديمقراطية ) ، فما طبيعة هذه الديمقراطية ؟.

إذا موضوع حاولنا العودة إليه وتسليط الضوء عليه من جديد ، بعدما شهدته الساحة السياسية والميدانية في الوطن العربي من تقلبات وتحولات في طبيعة الأنظمة السياسية ، وأيضا حول تغيرات في بنود دساتير بعض الدول العربية ، على غرار تونس وليبيا وبلوغ ذروة النزاع في سوريا ومصر .

وبالعودة إلى سيناريو الأحداث في هذه الدول نجد أن أغلب دعاة التغيير قد اشتركوا في سبب واحد . وهو كيف نقضي ونتخلص من الظلم والاستبداد ، ونحقق ديمقراطية خالصة يتفاهم فيها كل أصناف المجتمع الواحد ؟.

يمكن أن نقول عن الشطر الأول من السؤال ، شيئا فشيئا يمكن أن نقلص أو نحد من وتيرة سياسة الظلم والاستبداد بعدّة وسائل أكثر جرأة وعقلانية . لكن المشكل الكبير والمحيّر يبقى في الشطر الثاني من السؤال : ماهي السبلب والوسائل ( الانسانية ) التي تجعل الإخواني والعلماني والمسيحي يعيشون تحت ديمقراطية واحدة ، ويحترمون قوانينها ويتقبلون أفكارها بالرغم من اختلاف الايديووجيات .

البعض من الناس يقولون لي أنّه ضرب من الخيال ، وهذه الفكرة تصنّف ضمن قائمة المستحيلات ، والدليل على ذلك أنه ما يحدث اليوم في مصر لا ينطبق مع أحلامك وأمانيك . أقول : إلى حد كبير أتقبل الموقف وأقف معكم في الصف ، لأنني أومن بالقول الشهير ( بالمثال يتضح المقال ) . فأرض الكنانة اليوم التي أصبحت تعيش بين الإنقلاب و الشرعية ، جعلت مستقبل الديمقراطية فيها مجهولة المعالم .

لكن من جهة أخرى ، أقول : يمكن أن يتحول الحلم إلى حقيقة ، كيف ذلك ؟ . إنّ من المؤسف و المشكل الكبير لدى رؤسائنا وحكامنا العرب ، عند قيامهم بصياغة الدستور لا أحد منهم يفكر في الرجوع إلى التاريخ الاسلامي – وبالتحديد زمن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام- لأخذ العبرة والسياسة الحقيقية من أولئك الذين خلّدهم التاريخ أسماءهم ، حيث عرفوا كيف يسنّون قوانين ودساتير، يتقبلها المسلم والقبطي واليهودي ... الخ. فتحققت الديمقراطية في ذاك الوقت ، والتي حملت حقوق وواجبات كل أطياف المجتمع الواحد ، وهذا ما جعل الرقعة الاسلامية تتّسع وتعمّر لقرون طويلة .

ولكن نحن اليوم أصبحنا تعيش الصراع الداخلي ، حتى في مجتمع واحد له دين وتاريخ ولغة واحدة . فكيف يمكننا أن نحقق ديمقراطية في مجتمع تعددت فيه أشكال الظلم والاستبداد من ديكتاتورية ومن نرجسية المناصب ، والتنابز بالألقاب : هذا إخواني وهذا علماني وهذا شيوعي ، ونصيب من سياسة البيروقراطية .

إذا ، فمن خلال هذا النزاع والصراع ، من أين تأتي بالديمقراطية؟ هل من فلان الإخواني ، أو من فلان العلماني ، أو نبقى نستعين بمنظمات وحكومات غربية تعلمنا كيف نطبق هذا ، ونشرّع هذا ، أو نلغي هذا أ أو نرفض هذا ، أو أبعد من ذلك نعيش حياة البدائيين ، نترك الطبيعة وقوانينها تملي علينا ما تشاء . وهذا محال ، لأننا في القرن الواحد والعشرين ، قرن وصل فيه عقل الإنسان إلى أبعد الحدود الانسانية – إن وجدت هذه الأخيرة فعلا – حيث أصبح أعدل قسمة بين الناس بالمفهوم الديكارتي ، والذي ينبغي عليه أن يكون على هذا الحال. ولكن للأسف الواقع يبيّن العكس تماما ، فقد ظهر ( الفرد الذاتي ) كما سماه " آلان توران " الذي تغلبت فيه شهواته وميوله ورغباته على إدراكاته العقلية .

أخيرا ، إذا بقينا نتخالف وإراقة الدماء حول من له الأحقية والأفضلية في حمل صفة " الديمقراطي " فأن هذه الأخيرة بما تحمله من معاني ودلالات ، نقول عنها أنها بنيت على جرف هار و يأتي اليوم الذي تنهار. فعليه إن الديمقراطية الحقّة هي من تشكلت قوانينها وشرعيتها على احترام مطالب وآمال كل الأطياف والأقليات ، وهذا الأمر يجعلنا نغير في طريقة طرحنا للسؤال : أي ديمقراطية نحتاج ؟ إلى : كيف نحوّل ديمقراطياتنا المتعددة إلى ديمقراطية واحدة ؟.


" من الممكن أن نضيف حياة لأيــــــا منا ولكــن من المستحيل أن نضيف أيــــامــا لحياتنــــا "