مخاطر مواجهة الإسلام باختلافات المسلمين
19-05-2015, 10:12 AM
لا شك أن الحال الذي آل إليه واقع أمتنا، وجعلها تغرق فيه عقود طويلة، ولم يغيره ما يكتب في مصنفات العلماء، ولا ما تنشره الصحف والفضائيات، ولا خطب الخطباء الحماسية، رغم أن ذلك كله من وسائل التغيير والإصلاح في عصرنا الراهن...
سؤال جوهري، ينتظر المرء أن يقاربه المثقفون والساسة من ابناء أمتن،بأدوات جديدة، تََعْتَبرٌ بالأساس (المأساة، والتجربة، وموازين القوى، والإمكانيات الفعلية للحل.)، هذا السؤال هو: ما سبب كل هذا الحقد الغربي على الإسلام والمسلمين؟
قد يتبادر الى ذهن قارئ السؤال ما قام به الأوروبيون المعمرون الغربيون من حقد قديم قدم الزمن ومخططات كانت تهدف إلى إفناء المسلمين وإبادتهم وإحراق الحرث والنسل واستباحة المحرمات وهتك الأعراض منذ الحروب الصليبية وخلال الحقبة الاستعمارية. وهذا جانب من واقع الحال فعلا .. وتؤكد الإجابات السيسيولوجية والتاريخية على أن السبب هو صراعات بين معسكرات وقوى من جهة، وبين رؤى ومقاربات وأفكار من جهة أخرى، واستعمال الاعلام كأداة صراعية بالمعنى المباشر جعله أداة غير منتجة للفكر الجديد .. أما ما كان من المنتظر أن يكون هو سجال المثقفين، وإبراز ان السياسة في العالم الإسلامي عامة والوطن العربي اليوم على وجه الخصوص، ما هو أخطر من الصراعات الأيديولوجية، هو ظهور اسلوب" مواجهة الإسلام باختلافات أبناء الأمة!"
فمن خلال استعراض أهم الأسباب المباسرة التي أدت إلى نشأة هذه الظاهرة وتناميها، يبدو في الغالب أن عنصر المؤامرة والكيد للإسلام والمسلمين حاكما ومؤطرا لأغلب الموقف في الغرب، يدعمها ثنائي الجهل والتعصب من قبل العرب، تارة باسم الحريات والديمقراطية، وبفعل الانحلال والتفسخ تارة أخرى!

فماهي اوجه ومخاطر هذه الاختلافات؟

إن من الناس من لا يؤمن إلا بما يري وما يدركه بعقله ويحتويه منطقه، ولا يعرف أن حقائق الحياة والوجود أكبر بكثير من ان يحيط بها الأنسان الفرد بعقله وحواسه المحدودة، وقد يقع في المحظورات، أو تأخذه المفاجآت الى طريق مسدود، ولا شك أن من كان جاهلا بالواجبات، أو غير مبالي بالمحرمات، يحتاج إلى مزيد من الرفق في مخاطبته ’خاطب الناس على قدر عقولهم’ وتعريفه أولا بما أوجبه الله، وما حرمه، ووجوب الامتثال لأمره ونهيه جل وعلا ، وأهم ما ينبغي إفهامه لهم ألا يخلطوا بين الالتزام بواجبات الدين والتمسك بها، وبين التخصص في علوم الدين والاستزادة منها والافتاء في مسائله ومسائل الحياة. فالأول واجب على كل مسلم راشد سليم الجسم والعقل ولا خيار فيه.. أما الآخر فهو من "فروض الكفايات" التي تعتبر من الوسائل المساعدة لعملية النهوض وتخطي عقبة التخلف كونه مظهراً من مظاهر واساس التنظيم والتكافل في المجتمع الإسلامي، ولا يلزم كل مسلم أن يكون عالما او داعية...
صحيح إن المعادلة الصعبة المطروحة بإلحاح على كل مسلم اليوم هو انتماؤه لماض متألق على جميع الأصعدة، ومعاناته في واقع متخلف على مختلف الأصعدة.. يقول الباحث د. محمد نزار تميم: " إن أشد ما تواجهه مجتمعاتنا الإسلامية اليوم قضية التخلف والتبعية للآخر، مما يستلزم الكشف عن طاقاتنا المعطلة لكي تأخذ دورها في المجتمع مستثمرين إمكاناتنا الروحية والمادية والذهنية كشرط لا بد منه لتحقيق وثبة منتظمة فعالة نخطو بها نحو المستقبل المشرق ... فبالرغم من أن امتنا تمتلك الخطاب الإلهي الذي يمنحها الطاقات الفاعلة، والقيم الإيمانية، كما تمتلك الإمكانات والطاقات المادية الهائلة ـ ثروات معدنية وبيولوجيةـ".
لا يختلف اثنان في أن هناك معوقات قد تظهرعندما لا ندرك طبيعة المشكلة ونسعى لحلها، أو المعلومات اللازمة لفهمها وحلها بشكل صحيح، ومن هذه الصعوبات:

ان غوامض السياسة أكثر بكثير من جميع معلناتها.

لما كانت الأحكام السلطانية بولاة الأمور أحق، وكان امتزاجها بجميع الأحكام يقطعهم عن تصفحها مع تشاغلهم بالسياسة والتدبير، وتوخيا للعدل في تنفيذه وقضائه، وتحريا للإنصاف في اخذه وعطائه. ما يجعل السياسة في شريعتنا بابا من أبواب العلم والفقه في الدين، وفي قيادة الأمة وتحقيق مصالحها الدينية الدنيوية، علم جليل القدر عظيم النفع، أفرده جماعة من العلماء بالتصنيف في القديم والحديث، وانتشرت مباحثه وتعددت مسائلة في بطون كتب التفسير والفقه والتاريخ وشروح الحديث الإدارة المعاصرة ..يعتبر باب خطره عظيم ينتج عن الغلط فيه وعدم الفهم له شر مستطير، والخطأ في التفريط فيه كالخطأ في الإفراط؛ إذ كلاهما يقود إلى نتائج مرذوله غير مقبولة.
هو معترك صعب، فرط فيه ساسة الأمة ومثقفوها فعطلوا الحدود، وضيعوا الحقوق، وكان عليهم الدقة في التعاطي معه حتى لا يتعاملون مع الفشل بصورة سلبية، وأنه نهاية العالم، بل بدلا عن ذلك يحاولون البحث في الجانب الجيد لتجربة الفشل، ويحاولون التعلم من أخطائهم ويبحثون فيالذي جعلهم يفشلون، وكيف يمكنهم تجنب ذلك في المرة القادمة، ويعلمون أن الفشل في السعي يبدو حماقة في بادئ الأمر، لكنه لا يستمر كذلك.
فالمرء يحتاج إلى فهم المشكلة قبل أن يبحث عن حلولها، ومالم يتم ذلك فإن الجهود اللاحقة التي سيبذلها يمكن أن تقوده في الاتجاه الخطأ ، ولكي يتسنى للمرء رؤية العلاقات بين المعلومات المختلفة عليه ان ينفتح على واقعه، ويعبر بلباقة عن قناعته. ثم ان الفكرة مهما كانت عظيمة او نافعة فمجرد بقائها في راس صاحبها محصورة في أفقه، ستصبح تضر أكثر مما تنفع وهذا حالنا نحن المسلمين اليوم، داخلنا مبادئ وقيم جميلة...ندركها مثل شروق الشمس وغروبها. لكن هل أن ادراكنا لها لأننا تعلمناها من صغرنا .. ورأيناها سمة الجيل الماضي من أجدادنا .... أم أننا أدركناها في قلوبنا من المهد وقمنا برعايتها والاعتناء بها لأننا نؤمن بها. ونجد أنفسنا فيها ."والناس على دين ملوكهم"!
فمعظم المسلمين يشعرون اليوم ان الواقع صعب وان القادم قد يكون أسوأ وغالباً ما ننسى أن نسأل أنفسنا الأسئلة الصحيحة؛ لأننا عادة ننشغل كالصبايا بما نفعله بالدرجة التي تجعلنا نفقد المسار الذي نتجه إليه، وتدفعنا للانصياع وراء التيارات والأفكار الهدامة التي عششت في وسط المجتمعات الإسلامية، كأفكار التقليد، والتطرف، والإرهاب والتشيع، والطائفية ...اضافة افكار واساليب وافدة شوهت وجه الامة. في مقدمة هذه الأفكار، المكون الحداثي الغربي الوافد حين اعتبره السذج عندنا منطلقًا أساسيا فساهم في تقسيم الساحة الفكرية في العالم الإسلامي عامة والوطن العربي على الخصوص إلى تيار حداثي علماني-و تيار إسلامي بجناحيه " التنويري والمحافظ".. شيعة وسنة تارة .... وبربر وعجم تارة اخرى .. وكل ما يخالف مبادئ الاسلام وتعاليمه السمحة. فكان الانهماك في الأعمال الروتينية أكثر راحة لنا من مواجهة تحديات ومتطلبات المرحلة الراهنة، ولما نرفع رؤوسنا، في نهاية المطاف؛ لندرك أن البيئة المستقرة التي صنعناها قد أدت إلى استجابات لمشروعات غيرنا.
هذه هي الحقيقة التي يجب ان ينتبه اليها المسلون اليوم وعلى كل مسلم أن يسال انفسه هذا السؤال:
ماذا أضفنا الى الحياة لنكن مؤثرين في أي مكان نتواجد فيه، ولنحاول أن نصحح الأخطاء التي من حولنا ولا نستحي من الحق.

نعيب زماننا والعيب فينا**وما لزماننا عيبٌ سوانا.

إن الإنسان عبارة عن كتلة من الأحاسيس؛ ومفتاحها جميعاً الإحساس بالوقت والكرامة، فمن فقد إدراكهما فقدها جميعاً، فيتحول إلى شخصية بليدة، ثقيلة على الزمن. ثقيلة على الآخر، لا يقوى على حمل رسالة ولا أداء أمانة تتعلق بذاته فضلاً عن الحياة والناس، ذلك أن الوقت هو أثمن ما في الحياة، وقد شبهه مالك بن نبي بذلك النهر الخالد الذي ينبع منذ الأزل، ويسير في المعمورة ليغذي الممالك والمدن والقرى، وكل مملكة ومدينة تنهل من هذا النهر بقدر جدها وجهادها، وقدرتها على الاستغلال، وبقدر استعدادها للعمل والإنجاز.
فأصحاب العقل والهمة، وأهل النشاط واليقظة يسبقون الكسالى المتثائبين، الذين يغطون في نوم عميق، والعاجزين عن الانطلاق.
على من نلقي اللوم ونحن أمة فاقدة للإحساس بالوقت، وفاقدة للإحساس بالكرامة أمة يصدق فيها قول الشاعر:
وليسَ الذئبُ يأكلُ لحمَ ذئبٍ**ويأكلُ بعضنا بعضاً عيانا.
هكذا تخلت الأمة طواعية عن عزتها ومجدها وكرامتها وكيانها بلا مقابل !! وبات أكثر ما تفعله اثارة الفتن والاقتتال والكلام والشجب والنحيب !!، أمة صارت عالة على الأمم بغذائها، وكسائها، وتنقلها وعيشها وموتها، لا نملك إلا أن نؤمن بالأفكار التي سرعان ما تبينا أننا بحملها نتألم بلا صوت وبلا أنين ولارادلها ولامعين لنا على البلاء... هكذا ضعفت امتنا بما يكفي، فاصبحنا نفعل ما يقال لنا؛ فأصبح عالمنا -بسبب هذا الغباء والخنوع – كالبهائم يسيطر عليه الغير سيطرة تامة، وجعل يتجه بغير وجهة، لا يُسيْر نفسه في اقتصاده -ولافي تعليمه ولا إعلامه ولا رأيه ولا سلاحه ولا في تصالحه، مفقود الهوية، لا مكان له في حركية البشر ولا مكانة تحت الشمس، بل هو عالم غارق في ضعف ومسكنة في مسرحية هزلية يدير الغرب..
وفي مشروع فلسفة ضرب الاسلام بالإسلام وقتل المسلم للمسلم قد حل في عدد من الدول العربية محل التآخي والتراحم والتكافل.
أترانا ننتظر من الأعداء يصونوا وحدتنا أو يعيدوا لنا عزتنا!
الجواب اتركه للقارئ الكريم مشكورا لا مأمورا.
الحمد لله
غيمة تمطر طهرا
التعديل الأخير تم بواسطة محمد 07 ; 19-05-2015 الساعة 09:38 PM