* الصبور * من أسمــــــــــــــاء الله
22-06-2018, 05:50 PM
عن أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « مَا أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ، يَدَّعُونَ لَهُ الوَلَدَ، ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ »
__________


فابن آدم يؤذي الله - تعالى- ويسبه، بإضافة ما يتعالى ويتقدس عنه، مثل نسبة الولد إليه -تعالى- والند، والشريك في العبادة، التي يجب أن تكون خالصة له وحده،
وأذية الله-تعالى- بنسبة الحوادث، والكوارث إلى الدهر، أو الطبيعة، وتوجيه اللوم والقدح والسب إلى ذلك كثيرة في كلام أهل الأدب وغيرهم، مع أن ذلك صنع الله وفعله،
كقول ابن المعتز:
يا دهر ويحك ما أبقيت لي أحداً ... وأنت والد سوء تأكل الولدا
وقال أبي الطيب المتنبي:
قبحاً لوجهك يا زمان فإنه ... وجه له من كل قبح برقع (3)
وقول التهامي:
ليس الزمان وإن حرصت مسالماً ... خلق الزمان عداوة الأحرار
ومثل هذا كثير جداً في أشعار أهل الأدب قديماً وحديثاً، وهو لا يجوز؛ لما يدل عليه الحديث الذي في "الصحيحين" عن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "يقول الله-تعالى: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر، أقلب ليله ونهاره"
يعني: أن الدهر-الذي هو الليل والنهار- مخلوق لله مسخر، وهو مؤتمر بأمر الله –تعالى- مطيع له، فإذا سبه الساب، فإن السب يعود إلى فاعل الدهر وخالقه.
قلت: أكثر هؤلاء من الشعراء والأدباء لا يقصدون نسبة القبائح إلى الله –تعالى- من الجور والظلم، وإنما ساروا في ذلك على سبيل المتابعة لأهل الجاهلية والتقليد، بدون تبصر لذلك، والله أعلم.
وفي قوله: "ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله" دليل واضح على تسميته –تعالى- بذلك، أعني "الصبور".
وصبره -تعالى- متعلق
بكفر عباده، وشركهم، ومسبتهم له -تعالى وتقدس- وسائر معاصيهم، وفجورهم، فلا يدعوه ذلك إلى تعجيل عذابهم، بل يصبر عليهم ويمهلهم، ويرفق بهم، ويستصلحهم بحلمه وصبره ونعمه، حتى إذا لم يبق فيهم موضع للصنيعة ولا يصلحون على الإمهال، ولم ينيبوا إليه، لا من باب الإحسان والنعم، ولا من باب البلاء والنقم، أخذهم أخذ عزيز مقتدر، بعد غاية الإعذار إليهم، وبذل النصيحة لهم، ودعائهم من كل باب.
ومما يعين على معرفة صبره -تعالى- وحلمهتأمل قوله -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} (1)
فأخبر -تعالى- أن حلمه ومغفرته يمنعان زوال السماوات والأرض، فالحلم وإمساكهما أن تزولا هو الصبر، فبحلمه صبر عن معاجلة أعدائه.
وفي الآية إشعار بأن السماوات والأرض تهم وتستأذن بالزوال؛ لعظم ما يأتي به العباد، فيمسكهما بحلمه، ومغفرته، وذلك حبس عقوبته عنهم، وهو حقيقة صبره -تعالى-.
فالذي صدر عنه الإمساك، هو صفة الحلم، والإمساك هو الصبر، وهو حبس العقوبة.





نقلتته من شرح صحيح البخاري- مختصر-