(حقيقة لا إله إلا الله ) للشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
25-04-2007, 08:46 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حقيقة لا إله إلا الله
للشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
ورد للكتاب ترجمة في العدد السابع من المجلة , صفحة 238 . .
الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، وكل من اتبعه وتمسك بسنته إلى يوم الدين . . أما بعد :
فإن الله سبحانه وتعالى أمرنا بذكره وأثنى على الذاكرين ، ووعدهم أجرا عظيما ، فأمر بذكره مطلقا ، وبعد الفراغ من العبادات . .
قال تعالى : سورة النساء الآية 103 فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ ، وقال : سورة البقرة الآية 200 فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ، وأمر بذكره أثناء أداء مناسك الحج خاصة فقال تعالى : سورة البقرة الآية 198 فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وقال تعالى :
(الجزء رقم : 13، الصفحة رقم: 116)
سورة الحج الآية 28 وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ، وقال تعالى : سورة البقرة الآية 203 وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : صحيح مسلم الصيام (1141),مسند أحمد بن حنبل (5/75). أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله رواه مسلم . .
وقال تعالى : سورة الأحزاب الآية 41 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا سورة الأحزاب الآية 42 وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ، ولما كان أفضل الذكر : لا إله إلا الله وحده لا شريك له- كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : سنن الترمذي الدعوات (3585). خير الدعاء دعاء عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، ولما كانت هذه الكلمة العظيمة لا إله إلا الله لها هذه المنزلة العالية من بين أنواع الذكر ، ويتعلق بها أحكام ، ولها شروط ، ولها معنى ومقتضى ، فليست كلمة تقال باللسان فقط ، لما كان الأمر كذلك آثرت أن تكون موضوع حديثي في هذه الكلمة المختصرة ، راجيا من الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أهلها المستمسكين بها والعارفين لمعناها ، العاملين بمقتضاها ظاهرا وباطنا .
وسيكون حديثي عن هذه الكلمة في حدود النقاط التالية :
مكانة لا إله إلا الله في الحياة ، وفضلها ، وإعرابها ، وأركانها وشروطها ومعناها ، ومقتضاها ، ومتى ينفع الإنسان التلفظ بهذه الكلمة ، ومتى لا ينفعه ذلك . . فأقول مستعينا بالله تعالى : -
1 - أما مكانة هذه الكلمة : فإنها كلمة يعلنها المسلمون في أذانهم وإقامتهم وفي خطبهم ومحادثاتهم ، وهي كلمة قامت بها الأرض والسماوات ، وخلقت لأجلها جميع المخلوقات ، وبها أرسل الله رسله وأنزل كتبه وشرع شرائعه ، ولأجلها نصبت الموازين ووضعت الدواوين وقام سوق الجنة والنار ، وبها انقسمت
(الجزء رقم : 13، الصفحة رقم: 117)
الخليقة إلى مؤمنين وكفار ، فهي منشأ الخلق والأمر والثواب والعقاب ، وهي الحق الذي خلقت له الخليقة ، وعنها وعن حقوقها السؤال والحساب ، وعليها يقع الثواب والعقاب ، وعليها نصبت القبلة ، وعليها أسست الملة ، ولأجلها جردت سيوف الجهاد ، وهي حق الله على جميع العباد ، فهي كلمة الإسلام ، ومفتاح دار السلام ، وعنها يسأل الأولون والآخرون . . فلا تزول قدما العبد بين يدي الله حتى يسأل عن مسألتين : (ماذا كنتم تعبدون ، وماذا أجبتم المرسلين) ، وجواب الأولى بتحقيق لا إله إلا الله معرفة وإقرارا وعملا ، وجواب الثانية بتحقيق أن محمدا رسول الله معرفة وانقيادا وطاعة زاد المعاد لابن القيم [ 1 \ 2] . .
هذه الكلمة هي الفارقة بين الكفر والإسلام ، وهي كلمة التقوى والعروة الوثقى ، وهي التي جعلها إبراهيم سورة الزخرف الآية 28 كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ، وهي التي شهد الله بها لنفسه وشهد بها ملائكته وأولو العلم من خلقه ، قال تعالى : سورة آل عمران الآية 18 شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ سورة آل عمران الآية [18] ، انظر مجموعة التوحيد (105, 167) . .
وهي كلمة الإخلاص وشهادة الحق ، ودعوة الحق ، وبراءة من الشرك ، ولأجلها خلق الخلق كما قال تعالى : سورة الذاريات الآية 56 وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ، ولأجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب ، كما قال : سورة الأنبياء الآية 25 وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ، وقال تعالى : سورة النحل الآية 2 يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ .
(الجزء رقم : 13، الصفحة رقم: 118)
قال ابن عينية : ما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله .
وإن لا إله إلا الله لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدنيا كلمة الإخلاص لابن رجب ص 52-53 ، فمن قالها عصم ماله ودمه ، ومن أباها فماله ودمه هدر ، ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : صحيح مسلم الإيمان (23),مسند أحمد بن حنبل (6/394). من قال : لا إله إلا الله ، وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله .
وهي أول ما يطلب من الكفار عندما يدعون إلى الإسلام ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما صحيح البخاري المغازي (4090),صحيح مسلم الإيمان (19),سنن الترمذي الزكاة (625),سنن النسائي الزكاة (2435),سنن أبو داود الزكاة (1584),سنن ابن ماجه الزكاة (1783),مسند أحمد بن حنبل (1/233),سنن الدارمي الزكاة (1614). بعث معاذا إلى اليمن قال له : إنك تأتي قوما من أهل الكتاب ، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله الحديث أخرجاه في الصحيحين رواه البخاري (3 \ 255) ومسلم في الإيمان برقم ( 19) . ، وبهذا تعلم مكانتها في الدين وأهميتها في الحياة ، وأنها أول واجب على العباد لأنها الأساس الذي تبنى عليه جميع الأعمال .
2 - وأما فضل هذه الكلمة : فلها فضائل عظيمة ولها من الله مكان ، من قالها صادقا أدخله الله الجنة ، ومن قالها كاذبا حقنت دمه وأحرزت ماله وحسابه على الله عز وجل ، وهي كلمة وجيزة اللفظ قليلة الحروف خفيفة على اللسان ثقيلة في الميزان ، فقد روى ابن حبان والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال موسى : يا رب ، علمني شيئا أذكرك وأدعوك به . قال : يا موسى ، قل : لا إله إلا الله . قال : كل عبادك يقولون هذا . قال : يا موسى لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله ، فالحديث يدل على أن لا إله إلا الله هي أفضل الذكر ، وفى حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا : سنن الترمذي الدعوات (3585). خير الدعاء دعاء يوم عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، رواه- أحمد
(الجزء رقم : 13، الصفحة رقم: 119)
والترمذي ، الترمذي في الدعوات رقم ( 3579) .
ومما يدل على ثقلها في الميزان أيضا ما رواه الترمذي وحسنه والنسائي والحاكم وقال : صحيح على شرط مسلم ، عن عبد الله بن عمرو : قال النبي صلى الله عليه وسلم : سنن الترمذي الإيمان (2639),سنن ابن ماجه الزهد (4300),مسند أحمد بن حنبل (2/213). يصاح برجل من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة ، فينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل منها مد البصر ، ثم يقال : أتنكر من هذا شيئا ؟ فيقول : لا يا رب ، فيقال : ألك عذر أو حسنة ؟ فيهاب الرجل فيقول : لا . فيقال : بلى إن لك عندنا حسنة ، وإنه لا ظلم عليك . فيخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، فيقول : يا رب ، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقال : إنك لا تظلم . فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة .
ولهذه الكلمة العظيمة فضائل كثيرة ذكر جملة منها الحافظ ابن رجب في رسالته المسماة ( كلمة الإخلاص ) واستدل لكل فضيلة ، ومنها : أنها ثمن الجنة ، ومن كانت آخر كلامه دخل الجنة ، وهي نجاة من النار ، وهي توجب المغفرة ، وهي أحسن الحسنات ، وهي تمحو الذنوب ، وهي تخرق الحجب حتى تصل إلى الله عز وجل ، وهي الكلمة التي يصدق الله قائلها ، وهي أفضل ما قاله النبيون ، وهي أفضل الذكر ، وهي أفضل الأعمال وأكثرها تضعيفا ، وتعدل عتق الرقاب ، وتكون حرزا من الشيطان ، وهي أمان من وحشة القبر وهول الحشر ، وهي شعار المؤمنين إذا قاموا من قبورهم ، ومن فضائلها أنها تفتح لقائلها أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ، ومن فضائلها أن أهلها وإن دخلوا النار بتقصيرهم في حقوقها فإنهم لا بد أن يخرجوا منها ، هذه عناوين الفضائل التي ذكرها ابن رجب في رسالته واستدل لكل واحد منها كلمة الإخلاص لابن رجب ص ( 54-66) . .
3 - إعرابها وأركانها وشروطها :
إذا كان فهم المعنى يتوقف على معرفة إعراب الجمل- فإن العلماء رحمهم الله قد اهتموا بإعراب لا إله إلا الله - فقالوا إن (لا) نافية للجنس و(إله) اسمها مبني معها على الفتح ، وخبرها محذوف تقديره (حق) ، أي لا إله حق ، وإلا الله استثناء من الخبر
(الجزء رقم : 13، الصفحة رقم: 120)
المرفوع ، و(الإله) معناه : المألوه بالعبادة- وهو الذي تألهه القلوب وتقصده رغبة إليه في حصول نفع أو دفع ضرر .
وأما أركان لا إله إلا الله : -
فلها ركنان :
الركن الأول : النفي ، والركن الثاني : الإثبات .
والمراد بالنفي نفي الإلهية عما سوى الله تعالى من سائر المخلوقات .
والمراد بالإثبات إثبات الإلهية لله سبحانه ، فهو الإله الحق- وما سواه من الآلهة التي اتخذها المشركون فكلها باطلة ، سورة الحج الآية 62 ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ .
قال الإمام ابن القيم : فدلالة لا إله إلا الله على إثبات إلهيته أعظم من دلالة قوله :
الله إله- وهذا لأن قول : (الله إله) لا ينفي إلهية ما سواه ، بخلاف قول لا إله إلا الله فإنه يقتضي حصر الألوهية ونفيها عما سواه ، وقد غلط غلطا فاحشا من فسر الإله بأنه القادر على الاختراع .
قال الشيخ سليمان بن عبد الله في شرح كتاب التوحيد : فإن قيل قد تبين معنى الإله والإلهية فما الجواب عن قول من قال بأن معنى الإله القادر على الاختراع ونحو هذه العبارة؟ قيل : الجواب من وجهين ، أحدهما : أن هذا قول مبتدع لا يعرف أحد قاله من العلماء ولا من أئمة اللغة وكلام العلماء وأئمة اللغة هو معنى ما ذكرنا كما تقدم فيكون هذا القول باطلا . الثاني : على تقدير تسليمه فهو تفسير باللازم للإله الحق ، فإن اللازم أن يكون خالقا قادرا على الاختراع ، ومتى لم يكن كذلك فليس بإله حق وإن سمي إلها ، وليس مراده أن من عرف أن الإله هو القادر على الاختراع فقد دخل في الإسلام وأتى بتحقيق المرام من مفتاح دار السلام فإن هذا لا يقوله أحد ، لأنه يستلزم أن يكون كفار العرب مسلمين ولو قدر أن بعض المتأخرين أراد ذلك فهو مخطئ يرد عليه بالدلائل السمعية والعقلية تيسير العزيز الحميد ص ( 80 ) . .
يتبع
حقيقة لا إله إلا الله
للشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
ورد للكتاب ترجمة في العدد السابع من المجلة , صفحة 238 . .
الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، وكل من اتبعه وتمسك بسنته إلى يوم الدين . . أما بعد :
فإن الله سبحانه وتعالى أمرنا بذكره وأثنى على الذاكرين ، ووعدهم أجرا عظيما ، فأمر بذكره مطلقا ، وبعد الفراغ من العبادات . .
قال تعالى : سورة النساء الآية 103 فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ ، وقال : سورة البقرة الآية 200 فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ، وأمر بذكره أثناء أداء مناسك الحج خاصة فقال تعالى : سورة البقرة الآية 198 فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وقال تعالى :
(الجزء رقم : 13، الصفحة رقم: 116)
سورة الحج الآية 28 وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ، وقال تعالى : سورة البقرة الآية 203 وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : صحيح مسلم الصيام (1141),مسند أحمد بن حنبل (5/75). أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله رواه مسلم . .
وقال تعالى : سورة الأحزاب الآية 41 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا سورة الأحزاب الآية 42 وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ، ولما كان أفضل الذكر : لا إله إلا الله وحده لا شريك له- كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : سنن الترمذي الدعوات (3585). خير الدعاء دعاء عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، ولما كانت هذه الكلمة العظيمة لا إله إلا الله لها هذه المنزلة العالية من بين أنواع الذكر ، ويتعلق بها أحكام ، ولها شروط ، ولها معنى ومقتضى ، فليست كلمة تقال باللسان فقط ، لما كان الأمر كذلك آثرت أن تكون موضوع حديثي في هذه الكلمة المختصرة ، راجيا من الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أهلها المستمسكين بها والعارفين لمعناها ، العاملين بمقتضاها ظاهرا وباطنا .
وسيكون حديثي عن هذه الكلمة في حدود النقاط التالية :
مكانة لا إله إلا الله في الحياة ، وفضلها ، وإعرابها ، وأركانها وشروطها ومعناها ، ومقتضاها ، ومتى ينفع الإنسان التلفظ بهذه الكلمة ، ومتى لا ينفعه ذلك . . فأقول مستعينا بالله تعالى : -
1 - أما مكانة هذه الكلمة : فإنها كلمة يعلنها المسلمون في أذانهم وإقامتهم وفي خطبهم ومحادثاتهم ، وهي كلمة قامت بها الأرض والسماوات ، وخلقت لأجلها جميع المخلوقات ، وبها أرسل الله رسله وأنزل كتبه وشرع شرائعه ، ولأجلها نصبت الموازين ووضعت الدواوين وقام سوق الجنة والنار ، وبها انقسمت
(الجزء رقم : 13، الصفحة رقم: 117)
الخليقة إلى مؤمنين وكفار ، فهي منشأ الخلق والأمر والثواب والعقاب ، وهي الحق الذي خلقت له الخليقة ، وعنها وعن حقوقها السؤال والحساب ، وعليها يقع الثواب والعقاب ، وعليها نصبت القبلة ، وعليها أسست الملة ، ولأجلها جردت سيوف الجهاد ، وهي حق الله على جميع العباد ، فهي كلمة الإسلام ، ومفتاح دار السلام ، وعنها يسأل الأولون والآخرون . . فلا تزول قدما العبد بين يدي الله حتى يسأل عن مسألتين : (ماذا كنتم تعبدون ، وماذا أجبتم المرسلين) ، وجواب الأولى بتحقيق لا إله إلا الله معرفة وإقرارا وعملا ، وجواب الثانية بتحقيق أن محمدا رسول الله معرفة وانقيادا وطاعة زاد المعاد لابن القيم [ 1 \ 2] . .
هذه الكلمة هي الفارقة بين الكفر والإسلام ، وهي كلمة التقوى والعروة الوثقى ، وهي التي جعلها إبراهيم سورة الزخرف الآية 28 كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ، وهي التي شهد الله بها لنفسه وشهد بها ملائكته وأولو العلم من خلقه ، قال تعالى : سورة آل عمران الآية 18 شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ سورة آل عمران الآية [18] ، انظر مجموعة التوحيد (105, 167) . .
وهي كلمة الإخلاص وشهادة الحق ، ودعوة الحق ، وبراءة من الشرك ، ولأجلها خلق الخلق كما قال تعالى : سورة الذاريات الآية 56 وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ، ولأجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب ، كما قال : سورة الأنبياء الآية 25 وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ، وقال تعالى : سورة النحل الآية 2 يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ .
(الجزء رقم : 13، الصفحة رقم: 118)
قال ابن عينية : ما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله .
وإن لا إله إلا الله لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدنيا كلمة الإخلاص لابن رجب ص 52-53 ، فمن قالها عصم ماله ودمه ، ومن أباها فماله ودمه هدر ، ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : صحيح مسلم الإيمان (23),مسند أحمد بن حنبل (6/394). من قال : لا إله إلا الله ، وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله .
وهي أول ما يطلب من الكفار عندما يدعون إلى الإسلام ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما صحيح البخاري المغازي (4090),صحيح مسلم الإيمان (19),سنن الترمذي الزكاة (625),سنن النسائي الزكاة (2435),سنن أبو داود الزكاة (1584),سنن ابن ماجه الزكاة (1783),مسند أحمد بن حنبل (1/233),سنن الدارمي الزكاة (1614). بعث معاذا إلى اليمن قال له : إنك تأتي قوما من أهل الكتاب ، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله الحديث أخرجاه في الصحيحين رواه البخاري (3 \ 255) ومسلم في الإيمان برقم ( 19) . ، وبهذا تعلم مكانتها في الدين وأهميتها في الحياة ، وأنها أول واجب على العباد لأنها الأساس الذي تبنى عليه جميع الأعمال .
2 - وأما فضل هذه الكلمة : فلها فضائل عظيمة ولها من الله مكان ، من قالها صادقا أدخله الله الجنة ، ومن قالها كاذبا حقنت دمه وأحرزت ماله وحسابه على الله عز وجل ، وهي كلمة وجيزة اللفظ قليلة الحروف خفيفة على اللسان ثقيلة في الميزان ، فقد روى ابن حبان والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال موسى : يا رب ، علمني شيئا أذكرك وأدعوك به . قال : يا موسى ، قل : لا إله إلا الله . قال : كل عبادك يقولون هذا . قال : يا موسى لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله ، فالحديث يدل على أن لا إله إلا الله هي أفضل الذكر ، وفى حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا : سنن الترمذي الدعوات (3585). خير الدعاء دعاء يوم عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، رواه- أحمد
(الجزء رقم : 13، الصفحة رقم: 119)
والترمذي ، الترمذي في الدعوات رقم ( 3579) .
ومما يدل على ثقلها في الميزان أيضا ما رواه الترمذي وحسنه والنسائي والحاكم وقال : صحيح على شرط مسلم ، عن عبد الله بن عمرو : قال النبي صلى الله عليه وسلم : سنن الترمذي الإيمان (2639),سنن ابن ماجه الزهد (4300),مسند أحمد بن حنبل (2/213). يصاح برجل من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة ، فينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل منها مد البصر ، ثم يقال : أتنكر من هذا شيئا ؟ فيقول : لا يا رب ، فيقال : ألك عذر أو حسنة ؟ فيهاب الرجل فيقول : لا . فيقال : بلى إن لك عندنا حسنة ، وإنه لا ظلم عليك . فيخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، فيقول : يا رب ، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقال : إنك لا تظلم . فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة .
ولهذه الكلمة العظيمة فضائل كثيرة ذكر جملة منها الحافظ ابن رجب في رسالته المسماة ( كلمة الإخلاص ) واستدل لكل فضيلة ، ومنها : أنها ثمن الجنة ، ومن كانت آخر كلامه دخل الجنة ، وهي نجاة من النار ، وهي توجب المغفرة ، وهي أحسن الحسنات ، وهي تمحو الذنوب ، وهي تخرق الحجب حتى تصل إلى الله عز وجل ، وهي الكلمة التي يصدق الله قائلها ، وهي أفضل ما قاله النبيون ، وهي أفضل الذكر ، وهي أفضل الأعمال وأكثرها تضعيفا ، وتعدل عتق الرقاب ، وتكون حرزا من الشيطان ، وهي أمان من وحشة القبر وهول الحشر ، وهي شعار المؤمنين إذا قاموا من قبورهم ، ومن فضائلها أنها تفتح لقائلها أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ، ومن فضائلها أن أهلها وإن دخلوا النار بتقصيرهم في حقوقها فإنهم لا بد أن يخرجوا منها ، هذه عناوين الفضائل التي ذكرها ابن رجب في رسالته واستدل لكل واحد منها كلمة الإخلاص لابن رجب ص ( 54-66) . .
3 - إعرابها وأركانها وشروطها :
إذا كان فهم المعنى يتوقف على معرفة إعراب الجمل- فإن العلماء رحمهم الله قد اهتموا بإعراب لا إله إلا الله - فقالوا إن (لا) نافية للجنس و(إله) اسمها مبني معها على الفتح ، وخبرها محذوف تقديره (حق) ، أي لا إله حق ، وإلا الله استثناء من الخبر
(الجزء رقم : 13، الصفحة رقم: 120)
المرفوع ، و(الإله) معناه : المألوه بالعبادة- وهو الذي تألهه القلوب وتقصده رغبة إليه في حصول نفع أو دفع ضرر .
وأما أركان لا إله إلا الله : -
فلها ركنان :
الركن الأول : النفي ، والركن الثاني : الإثبات .
والمراد بالنفي نفي الإلهية عما سوى الله تعالى من سائر المخلوقات .
والمراد بالإثبات إثبات الإلهية لله سبحانه ، فهو الإله الحق- وما سواه من الآلهة التي اتخذها المشركون فكلها باطلة ، سورة الحج الآية 62 ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ .
قال الإمام ابن القيم : فدلالة لا إله إلا الله على إثبات إلهيته أعظم من دلالة قوله :
الله إله- وهذا لأن قول : (الله إله) لا ينفي إلهية ما سواه ، بخلاف قول لا إله إلا الله فإنه يقتضي حصر الألوهية ونفيها عما سواه ، وقد غلط غلطا فاحشا من فسر الإله بأنه القادر على الاختراع .
قال الشيخ سليمان بن عبد الله في شرح كتاب التوحيد : فإن قيل قد تبين معنى الإله والإلهية فما الجواب عن قول من قال بأن معنى الإله القادر على الاختراع ونحو هذه العبارة؟ قيل : الجواب من وجهين ، أحدهما : أن هذا قول مبتدع لا يعرف أحد قاله من العلماء ولا من أئمة اللغة وكلام العلماء وأئمة اللغة هو معنى ما ذكرنا كما تقدم فيكون هذا القول باطلا . الثاني : على تقدير تسليمه فهو تفسير باللازم للإله الحق ، فإن اللازم أن يكون خالقا قادرا على الاختراع ، ومتى لم يكن كذلك فليس بإله حق وإن سمي إلها ، وليس مراده أن من عرف أن الإله هو القادر على الاختراع فقد دخل في الإسلام وأتى بتحقيق المرام من مفتاح دار السلام فإن هذا لا يقوله أحد ، لأنه يستلزم أن يكون كفار العرب مسلمين ولو قدر أن بعض المتأخرين أراد ذلك فهو مخطئ يرد عليه بالدلائل السمعية والعقلية تيسير العزيز الحميد ص ( 80 ) . .
يتبع
من مواضيعي
0 نواقض الإسلام لسماحة الشيخ/ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله
0 الفرق بين ( إن شاء الله ) و ( إنشاء الله ) وأيهما صحيح ويجب استخدامها ..!
0 (حقيقة لا إله إلا الله ) للشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
0 شروط " لا إله إلا الله "
0 لقطة فيديو لشيخ يأتية ملك الموت وهو يلقي خطبة في المسجد
0 لماذا يقال : ( أضحك الله سنك ) ؟.
0 الفرق بين ( إن شاء الله ) و ( إنشاء الله ) وأيهما صحيح ويجب استخدامها ..!
0 (حقيقة لا إله إلا الله ) للشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
0 شروط " لا إله إلا الله "
0 لقطة فيديو لشيخ يأتية ملك الموت وهو يلقي خطبة في المسجد
0 لماذا يقال : ( أضحك الله سنك ) ؟.
التعديل الأخير تم بواسطة mourad ; 25-04-2007 الساعة 09:00 AM