تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
منتديات الشروق أونلاين > المنتدى التعليمي > المنتدى التربوي

> موضوع للنقيش خاص بمشروع جمعية العلماء

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية كوادر صناع الجزائر
كوادر صناع الجزائر
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 26-12-2006
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 3,648
  • معدل تقييم المستوى :

    21

  • كوادر صناع الجزائر is on a distinguished road
الصورة الرمزية كوادر صناع الجزائر
كوادر صناع الجزائر
شروقي
موضوع للنقاش خاص بمشروع جمعية العلماء
29-04-2007, 08:46 PM
جمعية العلماء المسلمين الجزائريين:
هل كان مشروعا ناقصا؟
تاريخ المقال 21/04/2007
بقلم: د/مصطفى بن حموش، جامعة البحرين

[email protected]


لا أحد ينكر مدى مساهمة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في حفظ هوية الشعب الجزائري و الدفع به لنيل الاستقلال. فمجرد استقراء ما قامت به من أعمال جبارة في سياق الظروف الاحتلالية الصعبة و الموارد الشحيحة و ضراوة الخصم، تجعل من منجزاتها صرحا كبيرا من التضحيات و الإرادة النافذة، يندر وجودها و تكرارها في العالم المعاصر على الأقل على المستوى العربي و الإسلامي. لكنه من الضروري في مقابل هالة الاحترام و التقدير التي تنالها الجمعية التي تنالها الجمعية بفضل هذه الجهود، أن يخضع مشروعها لنقد موضوعي بهدف البناء المستقبلي و القفز نحو الأفضل.

فالقاعدة الذهبية أنه لا يمنعنا حبنا للجمعية أن نتغاضى عن نقائص فيها، و لا يدفعنا كرهنا لفرنسا التاريخية أن نعمى على محاسن فيها. لقد كان مشروع جمعية العلماء رد الفعل العكسي لسياسة فرنسا الثقافية في الجزائر و المناهض لها. و يكفي دلالة في ذلك اقتران نشأتها سنة 1931 باحتفال فرنسا بمناسبة مرور قرن على احتلالها للجزائر و استتباب الأمن فيها لصالح السلطة العسكرية. و لذلك فمن الإنصاف عند تقييم مجهود الجمعية اعتبار هامش الحرية الضيق الذي أتيح لها في تلك المواجهة التاريخية المفتوحة و غير المتوازنة و الوضع الثقافي في البلاد. إن الإحصائيات المتوفرة بعد قرن من الاحتلال تشير إلى ضآلة عدد الأطفال المتمدرسين خلال الفترة الاستعمارية الذي كان لا يتجاوز الخمسين ألفا، موزعين علي 625 مدرسة حكومية، في حين كان ما يقرب من نصف المليون طفل محرومين من نفس الفرصة نظرا لقلة المقاعد المدرسية (د. عمامرة).

و في مستوى الجامعة كان مجموع الطلبة الجزائريين في كل التخصصات حوالي خمسمائة طالب إلى غاية 1954، في الوقت الذي كان فيه عدد أبناء المعمرين الأوربيين عشرة أضعاف بالضبط. و في حين كان عدد أفراد الشعب الجزائري حوالي 8 ملايين نسمة فلم يكن يتجاوز عدد المعمرين ثمانمائة ألف نسمة.

محدودية السقف العلمي للجمعية و عوامله
ليس من باب التجني أن نذهب في هذا المقال إلى القول أن سقف الجمعية العلمي كان محدودا و ذلك بالمقارنة بالمستوى العلمي السائد آنذاك، و ربط ذلك بالأهداف التي وضعتها الجمعية في سياستها التعليمية، ثم اقتصارها على علوم دون أخرى، ثم تركيبة الجمعية الإدارية و العلمية. لقد تأثر رائدا الجمعية بالرافدين الدينيين الرئيسيين الذين نهلا منه في المشرق العربي خلال إقامتهما هناك و هما: الحركة السلفية الوهابية في الحجاز، و النهضة الإصلاحية في مصر. فالأولى كانت ترمي إلى محاربة الفساد العقائدي و تحرير العقل من الخرافات والبدع المتراكمة عبر القرون و العودة إلى التوحيد، بينما كانت الثانية ترمي إلى تجديد الشريعة و الخطاب الديني و رفع الوعي الاجتماعي وفق رياح الحداثة والتحديات التي كانت تأتي من الغرب المناوئ. و لذلك فإن الالتزام بسقف تلك الحركات هو نفسه قد شكل حدود المطالبة الذي توقفت عنده الجمعية.

أما المظهر الثاني الذي حدد السقف العلمي للجمعية فهي الخطة التربوية التي وضعتها لمتخرجيها. فقد اتفق كل من ابن باديس و الإبراهيمي أثناء وجودهما في المدينة المنورة على سياسة تعليمية تقتضي تربية النشء على "فكرة صحيحة بعلم قليل". لكن المتفحص للبرنامج التكويني يجد أن معظم التكوين كان يقتصر على اللغة و العلوم الشرعية الأساسية بالإضافة إلى التاريخ و الأدب، في حين لم تجد العلوم العصرية الأخرى التي كانت تعج بها أوربا و الغرب طريقها إلى ذلك المنهاج. و قد سرى هذا الاقتصار الأفقي إلى نخبة الجمعية التي حظيت بالدراسات العليا إلى المشرق. فقد التحق معظم المبتعثين الجزائريين مع قلة عددهم لإكمال دراستهم بالمؤسسات العلمية التقليدية هناك. و قد كان لهذا التكوين ثمرته المباشرة بعد الاستقلال في حفظ الهوية الجزائرية و توفير الإطارات لكنه اقتصر في نفس الوقت على السلك الدبلوماسي و التعليمي و الإعلامي، تاركا المجالات الحيوية الأخرى كالاقتصاد و الطب و الإدارة و السياسة و التكنولوجيا للنخبة الجزائرية المتغربة.

و لعل المظهر الآخر الذي لا يقل أهمية عن سابقيه هو التركيبة البشرية لنواة الجمعية سواء خلال مرحلة التأسيس أو في طور العمل الذي امتد إلى ما يقرب من ربع قرن من الزمن (1931-1956) التي انحصرت في الفقهاء و الشيوخ و الأئمة ، و عدم استيعابها المفكرين و الباحثين في العلوم الأخرى. كما يكون البرنامج العملي المكثف الذي طغى على الجمعية و هاجس التوسيع الأفقي المستمر الذي كان يتطلب التنسيق على مستوى التراب الوطني الواسع عاملا رئيسيا في منع الجمعية من تعميق طروحاتها و الاشتغال بالتنظير والتخطيط الاستراتيجي. و لا نستبعد في هذا السياق دور الاعتقاد الإسلامي الذي يقتضي رفعة مكانة المسلم و دناءة الكافر المطلقة في ازدراء كل ما يأتي من فرنسا الصليبية، بما فيه العلوم الكونية.

الوضع العلمي في فرنسا غداة إنشاء الجمعية
لقد كان للبعد الجغرافي لحركات الإصلاح في المشرق عن الغرب المتقدم أثره في طبيعة المنظومة و صبغتها بالإحيائية الداخلية. لكن الوضع في الجزائر كان مختلفا تماما. فلم تكن جمعية العلماء بمعزل عما كان يحدث في أوربا من تطورات، حيث كانت فرنسا في قلب الثورة العلمية. كما كان السفر إلى فرنسا متيسرا و المسافة قصيرة بين ضفتي البحر المتوسط، و قوانين التجنيس سارية. و لذلك فإن التاريخ المقارن يفيدنا بقياس فارق "ضغط المناخ العلمي" بين فرنسا و الجزائر غداة تأسيس جمعية العلماء الجزائريين. فقد عرفت سنوات ما بين 1650 و 1800 في فرنسا قبيل احتلالها للجزائر بعصر الأنوار التي شهدت هيمنة العقلانية و الاهتمام بالإنسان كمحور تفكير و نقد النظام الاجتماعي و زحزحة الدين من السلطة. لقد كان من اهتمام ديكارت (1596-1650) تطوير الفكر المنهجي للارتفاع بالعقل الأوربي و البحث عن حقائق العلوم و تحجيم الفكر الديني الميتافيزيقي. و قد كان من اعتقاد ديكارت أن كل العلوم البشرية تخضع للمنطق البشري العالمي المبني على النظام الرياضي والقياس و منهجية التجربة و الاستنتاج الذهني.

أما في العلوم السياسية والاجتماعية فقد كان لإنتاج الاجتماعي الفرنسي بمنتيسكيو (1689-1755) أثره البالغ في توسيع دائرة الفكر النوراني و زلزلة التركيبة الاجتماعية و السياسية القديمة لإعادة بنائها وفق منطق الطبيعة و السنن الإلهية في الكون ثم العقل و القيم المدنية المشتركة بين بني البشر و احتياجات الإنسان. و قد انتقلت المدرسة الفكرية الفرنسية بعد ذلك إلى مرحلة أخرى ذات معالم أكثر وضوحا عن طريق الفيلسوف أوغست كونت (1789-1857) صاحب المنهج الوضعي الذي وضع أسس المنهج العلمي المبني على التجربة و المعرفة الحدسية للظواهر الطبيعية و هو ما سماه بالإبستمولوجيا. فقد وضعت فلسفته علماء الطبيعة في الإطار المنهجي الصارم و الدقيق الذي استمر إلى يومنا.

و في مجال التاريخ نجد أن الدراسات قد شقت طريقها وفق مناهج جديدة تهدف إلى استنتاج سنن الكون في المجتمعات وتوظيفها في الميدان. فقد عرفت فرنسا بعد منتسكيو اجتهادات كثيرة منها أعمال فرنان برودل (1902-1985) الذي سبق و أن درس في كل من الجزائر و قسنطينة و الذي وضع أسس المدرسة الفرنسية في دراسة التاريخ. فقد وجد أن الأحداث التاريخية تتقاطع مع الكثير من المواضيع الأخرى التي يمكن أن تخدم فهمها. و لذلك فقد كان يشجع العمل الجماعي المتعدد الأطراف في كتابة التاريخ من جهة، و ضرورة توسيع مجال المؤرخ إلى المجالات العلمية الأخرى لفهم أوسع للحادثة التاريخية. و بالموازاة مع هذا التقدم الفكري النظري فقد شهدت فرنسا و أوربا تطورا هائلا في المجال العلوم التطبيقية تتمثل في الصناعة و التقدم التكنولوجي مما أدى إلى ثورة صناعية غير مسبوقة.

كما كان الطب هو المجال التطبيقي الثاني الذي خطت فيه فرنسا كذلك خطوات رائدة. فقد قادت الدراسات المجهرية –الميكروبيولوجيا- لباستور (1822-1895) و أعمال ماري كوري (1867-1934) على الأشعة السينية للوثب بهذا المجال عاليا. لقد عكست هذه الأعمال ظاهرة جديدة من نوعها تمثلت في نشأة نخبة علمية واسعة و متنوعة دفعت بالعلوم نحو التكامل المعرفي وبالمجتمع نحو التقدم الثقافي مما سحب جزء من السلطة من النخب السياسية من جهة و من هيمنة رجال الدين الكنسي من جهة أخرى. و لعل أهم ما يعكس ذلك ما قام به المفكران الفرنسيان ديدرو و دالمبير سنة 1752 بوضع موسوعة علمية شاملة لكل مستجدات العلوم بمختلف فروعها تضم تاريخ الأفكار و المعارف لتسهيل انتشارها بين كافة طبقات المجتمع مما رفع مستوى المجتمع المعرفي.

هل كان الاختراق العلمي ممكنا؟
هل فات جمعية العلماء الاستفادة من هذا المناخ العلمي و الفكري العام الذي ساد فرنسا و الذي امتد إلى الجزائر بفعل الارتباط الإداري و الثقافي و الحضور المكثف للمعمرين فيها؟ ألم تساعد الخطة التربوية لجمعية العلماء الجزائريين في تكريس سياسة الحصار العلمي بالتسليم لفرنسا بعدم تنمية البحث العلمي والعلوم الحديثة و الاكتفاء بالعلوم التقليدية ؟ ألم تكن سياسة "العلم القيل المفيد" التي أعلن عنها البشير الإبراهيمي هي نفسها عامل إضعاف المشروع النهضوي الجزائري؟ ألم يكن الاختراق العلمي ممكنا في ظل السياسة الإندماجية لفرنسا؟ إن هناك مؤشرات تاريخية تفيد بإمكانية ذلك إلى حد معتبر في ظل سياسة الاندماج و حرية الهجرة و الحركة آنذاك، و لعل أدل شيء على ذلك هو القليل من الجزائريين الذين تخرجوا من فرنسا و الذين لم يفقدوا حسهم الوطني العالي، و أهمهم على الإطلاق مالك بن نبي، ثم بعض الأطباء و المهندسين القلائل الذين تخرجوا آنذاك.

و لذلك فإن عدم حدوث الاختراق، كان أغلب الظن لموانع ذاتية أهمها عدم تجاوز رد الفعل الميداني للجمعية في مواجهة المشروع الاستعماري و الاكتفاء بالموقف الدفاعي و تحقيق استرجاع الهوية. و لعل هذا الاستنتاج ينطبق على الكثير من الحركات الإصلاحية التي نشأت في العالم العربي. فرغم النداءات التي قام بها الإصلاحيون التحديثيون أمثال خير الدين التونسي و رفاعة الطهطاوي و محمد عبده، فإن الموقف المحافظ و هاجس التغريب كان يلازم تلك الحركات الإصلاحية مما حرمها من إجراء الخطوة الجريئة في تطعيم المؤسسات التعليمية القديمة بالعلوم و المناهج الحديثة و الاكتفاء بإثارة العلوم التقليدية و تدويرها.

و لعل الأدهى من ذلك هو تلك العلة المستمرة إلى يومنا و التي ورثناها منذ تلك الفترة و المتمثلة في فشلنا في ربط التقدم العلمي و المناهج الحديثة بالفكر الإسلامي و العلوم الشرعية رغم بعض المحاولات المتباعدة التي تقوم هنا و هناك في العالم الإسلامي. فكما أنه في الغالب من لم يسعفه عقله في فهم الرياضيات و الفيزياء من طلاب العلم يتوجهون إلى العلوم الشرعية، فكذلك طلاب العلوم الكونية كثيرا ما يزهدون في العلوم الشرعية لارتباطها بالغيبيات واغترارهم بالمرجعية العلمية الغربية.
www.elkawader-dz.com

التعديل الأخير تم بواسطة كوادر صناع الجزائر ; 11-05-2007 الساعة 03:20 PM
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية أبو حيدر
أبو حيدر
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 08-01-2007
  • الدولة : الجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية
  • المشاركات : 2,603
  • معدل تقييم المستوى :

    20

  • أبو حيدر is on a distinguished road
الصورة الرمزية أبو حيدر
أبو حيدر
شروقي
رد: موضوع للنقيش خاص بمشروع جمعية العلماء
30-04-2007, 06:27 PM
السلام عليكم:
أردت المساهمة في موضوعك لوسمحت
أضع رابطا للسان حال الجمعية
من هنا

إذا شئتَ أن تحيا سليماً من الأذى ** وذنبك مغفورٌ، وعِـرضُـك صَيِّنُ

لسـانُـكَ لا تـذكـر به عـورة امـرئٍ ** فـكُـلُّـكَ عـوراتٌ وللناس ألسنُ

وعـيـنـكَ إن أبـدتْ إليـكَ مـساوئاً ** فَصُنْها وقُلْ: يا عينُ للناس أعينُ

وعاشِر بمعروفٍ وسامح من اعتدى ** وفارقْ ولكن بالتي هي أحسنُ
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية bassem1231
bassem1231
عضو متميز
  • تاريخ التسجيل : 21-03-2007
  • الدولة : الجزائر الحبيبة
  • المشاركات : 1,124
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • bassem1231 is on a distinguished road
الصورة الرمزية bassem1231
bassem1231
عضو متميز
رد: موضوع للنقاش خاص بمشروع جمعية العلماء
07-05-2007, 08:53 PM
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الكوادر البشرية مشاهدة المشاركة
جمعية العلماء المسلمين الجزائريين: هل كان مشروعا ناقصا؟ تاريخ المقال 21/04/2007 بقلم: د/مصطفى بن حموش، جامعة البحرين
[email protected] لا أحد ينكر مدى مساهمة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في حفظ هوية الشعب الجزائري و الدفع به لنيل الاستقلال. فمجرد استقراء ما قامت به من أعمال جبارة في سياق الظروف الاحتلالية الصعبة و الموارد الشحيحة و ضراوة الخصم، تجعل من منجزاتها صرحا كبيرا من التضحيات و الإرادة النافذة، يندر وجودها و تكرارها في العالم المعاصر على الأقل على المستوى العربي و الإسلامي. لكنه من الضروري في مقابل هالة الاحترام و التقدير التي تنالها الجمعية التي تنالها الجمعية بفضل هذه الجهود، أن يخضع مشروعها لنقد موضوعي بهدف البناء المستقبلي و القفز نحو الأفضل. فالقاعدة الذهبية أنه لا يمنعنا حبنا للجمعية أن نتغاضى عن نقائص فيها، و لا يدفعنا كرهنا لفرنسا التاريخية أن نعمى على محاسن فيها. لقد كان مشروع جمعية العلماء رد الفعل العكسي لسياسة فرنسا الثقافية في الجزائر و المناهض لها. و يكفي دلالة في ذلك اقتران نشأتها سنة 1931 باحتفال فرنسا بمناسبة مرور قرن على احتلالها للجزائر و استتباب الأمن فيها لصالح السلطة العسكرية. و لذلك فمن الإنصاف عند تقييم مجهود الجمعية اعتبار هامش الحرية الضيق الذي أتيح لها في تلك المواجهة التاريخية المفتوحة و غير المتوازنة و الوضع الثقافي في البلاد. إن الإحصائيات المتوفرة بعد قرن من الاحتلال تشير إلى ضآلة عدد الأطفال المتمدرسين خلال الفترة الاستعمارية الذي كان لا يتجاوز الخمسين ألفا، موزعين علي 625 مدرسة حكومية، في حين كان ما يقرب من نصف المليون طفل محرومين من نفس الفرصة نظرا لقلة المقاعد المدرسية (د. عمامرة). و في مستوى الجامعة كان مجموع الطلبة الجزائريين في كل التخصصات حوالي خمسمائة طالب إلى غاية 1954، في الوقت الذي كان فيه عدد أبناء المعمرين الأوربيين عشرة أضعاف بالضبط. و في حين كان عدد أفراد الشعب الجزائري حوالي 8 ملايين نسمة فلم يكن يتجاوز عدد المعمرين ثمانمائة ألف نسمة. محدودية السقف العلمي للجمعية و عوامله ليس من باب التجني أن نذهب في هذا المقال إلى القول أن سقف الجمعية العلمي كان محدودا و ذلك بالمقارنة بالمستوى العلمي السائد آنذاك، و ربط ذلك بالأهداف التي وضعتها الجمعية في سياستها التعليمية، ثم اقتصارها على علوم دون أخرى، ثم تركيبة الجمعية الإدارية و العلمية. لقد تأثر رائدا الجمعية بالرافدين الدينيين الرئيسيين الذين نهلا منه في المشرق العربي خلال إقامتهما هناك و هما: الحركة السلفية الوهابية في الحجاز، و النهضة الإصلاحية في مصر. فالأولى كانت ترمي إلى محاربة الفساد العقائدي و تحرير العقل من الخرافات والبدع المتراكمة عبر القرون و العودة إلى التوحيد، بينما كانت الثانية ترمي إلى تجديد الشريعة و الخطاب الديني و رفع الوعي الاجتماعي وفق رياح الحداثة والتحديات التي كانت تأتي من الغرب المناوئ. و لذلك فإن الالتزام بسقف تلك الحركات هو نفسه قد شكل حدود المطالبة الذي توقفت عنده الجمعية. أما المظهر الثاني الذي حدد السقف العلمي للجمعية فهي الخطة التربوية التي وضعتها لمتخرجيها. فقد اتفق كل من ابن باديس و الإبراهيمي أثناء وجودهما في المدينة المنورة على سياسة تعليمية تقتضي تربية النشء على "فكرة صحيحة بعلم قليل". لكن المتفحص للبرنامج التكويني يجد أن معظم التكوين كان يقتصر على اللغة و العلوم الشرعية الأساسية بالإضافة إلى التاريخ و الأدب، في حين لم تجد العلوم العصرية الأخرى التي كانت تعج بها أوربا و الغرب طريقها إلى ذلك المنهاج. و قد سرى هذا الاقتصار الأفقي إلى نخبة الجمعية التي حظيت بالدراسات العليا إلى المشرق. فقد التحق معظم المبتعثين الجزائريين مع قلة عددهم لإكمال دراستهم بالمؤسسات العلمية التقليدية هناك. و قد كان لهذا التكوين ثمرته المباشرة بعد الاستقلال في حفظ الهوية الجزائرية و توفير الإطارات لكنه اقتصر في نفس الوقت على السلك الدبلوماسي و التعليمي و الإعلامي، تاركا المجالات الحيوية الأخرى كالاقتصاد و الطب و الإدارة و السياسة و التكنولوجيا للنخبة الجزائرية المتغربة. و لعل المظهر الآخر الذي لا يقل أهمية عن سابقيه هو التركيبة البشرية لنواة الجمعية سواء خلال مرحلة التأسيس أو في طور العمل الذي امتد إلى ما يقرب من ربع قرن من الزمن (1931-1956) التي انحصرت في الفقهاء و الشيوخ و الأئمة ، و عدم استيعابها المفكرين و الباحثين في العلوم الأخرى. كما يكون البرنامج العملي المكثف الذي طغى على الجمعية و هاجس التوسيع الأفقي المستمر الذي كان يتطلب التنسيق على مستوى التراب الوطني الواسع عاملا رئيسيا في منع الجمعية من تعميق طروحاتها و الاشتغال بالتنظير والتخطيط الاستراتيجي. و لا نستبعد في هذا السياق دور الاعتقاد الإسلامي الذي يقتضي رفعة مكانة المسلم و دناءة الكافر المطلقة في ازدراء كل ما يأتي من فرنسا الصليبية، بما فيه العلوم الكونية. الوضع العلمي في فرنسا غداة إنشاء الجمعية لقد كان للبعد الجغرافي لحركات الإصلاح في المشرق عن الغرب المتقدم أثره في طبيعة المنظومة و صبغتها بالإحيائية الداخلية. لكن الوضع في الجزائر كان مختلفا تماما. فلم تكن جمعية العلماء بمعزل عما كان يحدث في أوربا من تطورات، حيث كانت فرنسا في قلب الثورة العلمية. كما كان السفر إلى فرنسا متيسرا و المسافة قصيرة بين ضفتي البحر المتوسط، و قوانين التجنيس سارية. و لذلك فإن التاريخ المقارن يفيدنا بقياس فارق "ضغط المناخ العلمي" بين فرنسا و الجزائر غداة تأسيس جمعية العلماء الجزائريين. فقد عرفت سنوات ما بين 1650 و 1800 في فرنسا قبيل احتلالها للجزائر بعصر الأنوار التي شهدت هيمنة العقلانية و الاهتمام بالإنسان كمحور تفكير و نقد النظام الاجتماعي و زحزحة الدين من السلطة. لقد كان من اهتمام ديكارت (1596-1650) تطوير الفكر المنهجي للارتفاع بالعقل الأوربي و البحث عن حقائق العلوم و تحجيم الفكر الديني الميتافيزيقي. و قد كان من اعتقاد ديكارت أن كل العلوم البشرية تخضع للمنطق البشري العالمي المبني على النظام الرياضي والقياس و منهجية التجربة و الاستنتاج الذهني. أما في العلوم السياسية والاجتماعية فقد كان لإنتاج الاجتماعي الفرنسي بمنتيسكيو (1689-1755) أثره البالغ في توسيع دائرة الفكر النوراني و زلزلة التركيبة الاجتماعية و السياسية القديمة لإعادة بنائها وفق منطق الطبيعة و السنن الإلهية في الكون ثم العقل و القيم المدنية المشتركة بين بني البشر و احتياجات الإنسان. و قد انتقلت المدرسة الفكرية الفرنسية بعد ذلك إلى مرحلة أخرى ذات معالم أكثر وضوحا عن طريق الفيلسوف أوغست كونت (1789-1857) صاحب المنهج الوضعي الذي وضع أسس المنهج العلمي المبني على التجربة و المعرفة الحدسية للظواهر الطبيعية و هو ما سماه بالإبستمولوجيا. فقد وضعت فلسفته علماء الطبيعة في الإطار المنهجي الصارم و الدقيق الذي استمر إلى يومنا. و في مجال التاريخ نجد أن الدراسات قد شقت طريقها وفق مناهج جديدة تهدف إلى استنتاج سنن الكون في المجتمعات وتوظيفها في الميدان. فقد عرفت فرنسا بعد منتسكيو اجتهادات كثيرة منها أعمال فرنان برودل (1902-1985) الذي سبق و أن درس في كل من الجزائر و قسنطينة و الذي وضع أسس المدرسة الفرنسية في دراسة التاريخ. فقد وجد أن الأحداث التاريخية تتقاطع مع الكثير من المواضيع الأخرى التي يمكن أن تخدم فهمها. و لذلك فقد كان يشجع العمل الجماعي المتعدد الأطراف في كتابة التاريخ من جهة، و ضرورة توسيع مجال المؤرخ إلى المجالات العلمية الأخرى لفهم أوسع للحادثة التاريخية. و بالموازاة مع هذا التقدم الفكري النظري فقد شهدت فرنسا و أوربا تطورا هائلا في المجال العلوم التطبيقية تتمثل في الصناعة و التقدم التكنولوجي مما أدى إلى ثورة صناعية غير مسبوقة. كما كان الطب هو المجال التطبيقي الثاني الذي خطت فيه فرنسا كذلك خطوات رائدة. فقد قادت الدراسات المجهرية –الميكروبيولوجيا- لباستور (1822-1895) و أعمال ماري كوري (1867-1934) على الأشعة السينية للوثب بهذا المجال عاليا. لقد عكست هذه الأعمال ظاهرة جديدة من نوعها تمثلت في نشأة نخبة علمية واسعة و متنوعة دفعت بالعلوم نحو التكامل المعرفي وبالمجتمع نحو التقدم الثقافي مما سحب جزء من السلطة من النخب السياسية من جهة و من هيمنة رجال الدين الكنسي من جهة أخرى. و لعل أهم ما يعكس ذلك ما قام به المفكران الفرنسيان ديدرو و دالمبير سنة 1752 بوضع موسوعة علمية شاملة لكل مستجدات العلوم بمختلف فروعها تضم تاريخ الأفكار و المعارف لتسهيل انتشارها بين كافة طبقات المجتمع مما رفع مستوى المجتمع المعرفي. هل كان الاختراق العلمي ممكنا؟ هل فات جمعية العلماء الاستفادة من هذا المناخ العلمي و الفكري العام الذي ساد فرنسا و الذي امتد إلى الجزائر بفعل الارتباط الإداري و الثقافي و الحضور المكثف للمعمرين فيها؟ ألم تساعد الخطة التربوية لجمعية العلماء الجزائريين في تكريس سياسة الحصار العلمي بالتسليم لفرنسا بعدم تنمية البحث العلمي والعلوم الحديثة و الاكتفاء بالعلوم التقليدية ؟ ألم تكن سياسة "العلم القيل المفيد" التي أعلن عنها البشير الإبراهيمي هي نفسها عامل إضعاف المشروع النهضوي الجزائري؟ ألم يكن الاختراق العلمي ممكنا في ظل السياسة الإندماجية لفرنسا؟ إن هناك مؤشرات تاريخية تفيد بإمكانية ذلك إلى حد معتبر في ظل سياسة الاندماج و حرية الهجرة و الحركة آنذاك، و لعل أدل شيء على ذلك هو القليل من الجزائريين الذين تخرجوا من فرنسا و الذين لم يفقدوا حسهم الوطني العالي، و أهمهم على الإطلاق مالك بن نبي، ثم بعض الأطباء و المهندسين القلائل الذين تخرجوا آنذاك. و لذلك فإن عدم حدوث الاختراق، كان أغلب الظن لموانع ذاتية أهمها عدم تجاوز رد الفعل الميداني للجمعية في مواجهة المشروع الاستعماري و الاكتفاء بالموقف الدفاعي و تحقيق استرجاع الهوية. و لعل هذا الاستنتاج ينطبق على الكثير من الحركات الإصلاحية التي نشأت في العالم العربي. فرغم النداءات التي قام بها الإصلاحيون التحديثيون أمثال خير الدين التونسي و رفاعة الطهطاوي و محمد عبده، فإن الموقف المحافظ و هاجس التغريب كان يلازم تلك الحركات الإصلاحية مما حرمها من إجراء الخطوة الجريئة في تطعيم المؤسسات التعليمية القديمة بالعلوم و المناهج الحديثة و الاكتفاء بإثارة العلوم التقليدية و تدويرها. و لعل الأدهى من ذلك هو تلك العلة المستمرة إلى يومنا و التي ورثناها منذ تلك الفترة و المتمثلة في فشلنا في ربط التقدم العلمي و المناهج الحديثة بالفكر الإسلامي و العلوم الشرعية رغم بعض المحاولات المتباعدة التي تقوم هنا و هناك في العالم الإسلامي. فكما أنه في الغالب من لم يسعفه عقله في فهم الرياضيات و الفيزياء من طلاب العلم يتوجهون إلى العلوم الشرعية، فكذلك طلاب العلوم الكونية كثيرا ما يزهدون في العلوم الشرعية لارتباطها بالغيبيات واغترارهم بالمرجعية العلمية الغربية.

السلام عليكم اخي الكوادر البشرية...بارك الله فيك على ادراج هذا الموضوع ..و هنا اود الاشارة و السؤال في نفس الوقت..و هل كان هناك بديل عن الجمعية في وسط سياسة التجهيل و طمس الشخصية الاسلامية الجزائرية؟؟؟؟

و السلام عليكم

اخوكم باسم
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية كوادر صناع الجزائر
كوادر صناع الجزائر
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 26-12-2006
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 3,648
  • معدل تقييم المستوى :

    21

  • كوادر صناع الجزائر is on a distinguished road
الصورة الرمزية كوادر صناع الجزائر
كوادر صناع الجزائر
شروقي
رد: موضوع للنقيش خاص بمشروع جمعية العلماء
08-05-2007, 07:00 PM
رد من موقع الشهاب
هل كانت مشروعاً ناقصاً؟

بقلم: رغداء زيدان
قرأت مقال الدكتور مصطفى بن حموش المنشور في الشهاب والذي أدرجه تحت عنوان (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، هل كان مشروعاً ناقصاً؟)، وقد حاول الكاتب فيه تسليط الضوء على ما اعتبره قصوراً في عمل الجمعية التعليمي.


بالطبع فإن تقييم التجارب الإنسانية وبيان مواطن الضعف والقوة فيها هو عمل مهم وضروري لمن يريد الاستفادة منها، وأعتقد أننا كأمة ـ تعاني من مشاكل كثيرة ـ أحوج ما نكون لمثل هذا التقييم. إلا أن أي تقييم وأي نقد يجب أن يراعي مجموعة من الأساسيات التي لا يجوز أن يخرج عنها حتى لا يكون مجرد كلام يدخل ضمن ما نسميه ( نقّاً ) وليس ( نقداً )!.
ومن أهم الأساسيات التي يجب أن نراعيها أثناء التقييم أو النقد هو النظرة الموضوعية التي تدرس النشاط أو التجربة ضمن ظروفها الزمانية والمكانية، وضمن إمكاناتها المادية والبشرية.
بالطبع فإن جمعية العلماء الجزائريين كأي نشاط إنساني آخر قابلة للنقد والتقييم، وليست محصنة، ولكننا يجب أن لا نُغفل الظروف التي كانت تحيط بها في ذلك الوقت، وقد أشار الدكتور مصطفى في مقاله لهذه الظروف وبيّنها بصورة لا أجد حاجة لإعادتها أو الزيادة عليها، ولكنني بالمقابل أستغرب من الدكتور تجاهله لما قاله هو وأثبته هو بنفسه، وعودته لطرح تساؤلاته التي أنهى بها مقاله حول الجمعية، وحول نشاطها، وكأنه يتحدث عن جمعية ظهرت في مجتمع حرّ، وبأجواء صحية صحيحة، وكان التقصير منها.
لقد تساءل الدكتور مصطفى قائلاً: " ألم تساعد الخطة التربوية لجمعية العلماء الجزائريين في تكريس سياسة الحصار العلمي بالتسليم لفرنسا بعدم تنمية البحث العلمي والعلوم الحديثة والاكتفاء بالعلوم التقليدية ؟ "
وأجيب، بأن أي خطة تربوية في مجتمع ما، تُوضع بما يتناسب والظروف العامة في هذا المجتمع، والجزائر في ذلك الوقت بلد محتل، يتعرض لهجمة حاقدة تمثلت بتهديم بنية هذا المجتمع وطمس هويته بطرق متعددة، من أهمها محاربة دينه ولغته. وأعتقد أنه من الطبيعي جداً أن تكون خطة جمعية العلماء التربوية مقاومة هذا التخريب وإصلاح ما أفسده الاستدمار الفرنسي، سواء بتشجيعه لمظاهر الانحراف الديني، أم محاربته للغة العربية وآدابها، وذلك بإغلاق المدارس وحرق المكتبات وتحويل المساجد إلى كنائس. ويكفي أن نعرف أنه في عام 1901 م كانت نسبة المتعلمين من الأهالي لا تتجاوز 3.8% من السكان، وقد انتشر بينهم الجهل وانتشر الإنحراف الديني على يد بعض أتباع الطرق الصوفية الذين شجعوا التواكل والكسل ونشروا الخرافات(1).
ومع ذلك فإن خطة الجمعية العلمية وإن كانت قد ركزّت بالدرجة الأولى على الإصلاح الديني واهتمت بالعلوم الشرعية واللغة العربية فإنها لم تغفل جانب التقدم العلمي والصناعي، بالقدر الذي كان متاحاً لها من جهة، وعلى حسب أولوياتها من جهة أخرى. فالشيخ ابن باديس كان يشعر بخطورة الممارسات الاستعمارية في بلده، والتي كانت أولى أهدافها محاربة الدين واللغة العربية لما لهما من أهمية في تحصين الأمة. وكان الشيخ يقول " فهمنا، والله، ما يُراد بنا، وإننا نعلن لخصوم الإسلام والعربية، أننا عقدنا العزم على المقاومة المشروعة، عَزَمْنا، وسنمضي بعون الله في تعليم ديننا ولغتنا رغم كل ما يصيبنا" .
فالجمعية إذاً، كانت تجد أن من أولى أولوياتها مقاومة هذا الهجوم الإستعماري على الدين واللغة العربية، لذلك فقد كان من الطبيعي أن تركّز على التعليم الشرعي وتصحيح العقيدة أكثر من اهتمامها بتعليم العلوم والهندسة والرياضيات.
هذا من جهة نظرية، أما من جهة واقعية مادية، فإن تعليم العلوم يحتاج إلى تطبيق عملي، ولا يمكن لتعليم نظري أن يعطي ثماره المرجوة ما لم يترافق مع تطبيقات عملية وبحوث مخبرية ودراسات تجريبية، ومن المعروف أن الظروف الإقتصادية لم تكن تسمح بمثل هذا العمل، بالإضافة إلى سياسة التضييق التي مارستها السلطات المحتلة ومصادرتها للأوقاف الإسلامية التي كانت الممول الرئيسي للتعليم الأهلي، مما جعل الحصول على التمويل المالي أمراً صعباً، يعتمد بالدرجة الأولى على التبرعات، فكان تمويل التعليم يتم ذاتياً من الأهالي، وهذا التمويل لم يكن كافياً بالشكل المطلوب، بل كان يكفي ضروريات التعليم الأساسية فقط.
لذلك فقد كان الإهتمام منصباً على الأَولى ـ وفق وجهة نظر ابن باديس ورفاقه من جهة ـ وعلى الممكن والمتوفر من جهة أخرى.
ولكن الفكرة الأساسية التي انطلق منها الشيخ ابن باديس ومعه أعضاء الجمعية الآخرون هي أن الأمة بحاجة إلى تعليم وتذكير، ولابد لهذا التعليم والتذكير من أدوات، ومع قلة الإمكانات، ومحاصرة العدو كان لا بد من البدء بالأولى والمتيسر فكان الاهتمام بالتعليم الديني.
وأذكّر القراء الكرام بجمعيّة التربية والتعليم الإسلاميّة، التي ظهرت في قسنطينة سنة 1930م / 1349هـ، وكان رئيسها الشيخ عبد الحميد بن باديس، وكان قانون الجمعية الأساسي قد ركّز على جوانب متعددة أهمها(2):
1 ـ جعل المقصد الرئيس لهذه الجمعية هو نشر الأخلاق الفاضلة والمعارف العربية والفرنسية، دون الخوض في السياسة، منعاً للاصطدام مع السلطات المحتلة.
2 ـ تأسيس مكتب لتعليم أبناء المسلمين الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بالمدارس الحكومية، وتثقيف أفكارهم باللسانين العربي والفرنسي.
3 ـ تأسيس ملجأ لإيواء اليتامى، الذين تتربص بهم البعثات التنصيرية لإحتوائهم وإبعادهم عن دينهم.
4 ـ تأسيس معمل للصنائع، بمثابة ورشات يتدرب فيه الطلبة على مختلف الحرف.
5 ـ إرسال البعثات العلمية إلى بعض جامعات الدول الإسلامية، لإتمام تحصيل الطلاب العلمي.
وأهداف هذه الجمعية لا تخرج عن أهداف جمعية العلماء نفسها، والتي ترمي لحماية الهوية والعمل على نهضة المجتمع.
أما حديث الدكتور مصطفى عن سياسة "العلم المفيد القليل" التي أعلن عنها البشير الإبراهيمي، وتساؤله عن أنها هي نفسها كانت عامل إضعاف للمشروع النهضوي الجزائري. فأعتقد أن هذه السياسة التي اتفق عليها الشيخ عبد الحميد بن باديس مع الشيخ الإبراهيمي كانت تتناسب مع وضع الجزائر وحاجته في ذلك الوقت، ومع حجم انتشار الأمية في البلد. ولم تكن هذه السياسة تعني الاكتفاء ببعض العلوم أو الاقتصار على تعلم العلوم الشرعية، بل كانت تعني الاهتمام بالكيف أكثر من الاهتمام بالكم. ومع تزايد الضغوط على نشاط الجمعية الثقافي، وإصدار السلطات الفرنسية القرار تلو القرار لإغلاق مدارسها وملاحقة معلميها، بل وصل بهم الأمر إلى الضغط على الأهالي حتى يمتنعوا عن إرسال أولادهم إلى مدارس الجمعية وذلك بعد تهديدهم بقطع التعويضات العائلية عن العمال الذين يتعلم
أولادهم في مدارس الجمعية(3)، كان إصرار الجمعية على متابعة عملها كبيراً، وكان عدد الطلاب في ازدياد مطرد حتى بلغ عدد طلاب المرحلة الإبتدائية في مدينة قسنطينة عام 1939م ، 800 تلميذاً وتلميذة(4).
إن مهمة المعلم الأساسية لا تتمثل في حشو العقول بالمعارف والمعلومات، بل إنها، وحسب النظريات التعليمية الحديثة، تتمثل في إكساب المتعلم الأساسيات التي يستطيع من خلالها أن يحصل بنفسه على المعلومات، ويكون قادراً على استخدامها والتفاعل معها، في حياته العامة والخاصة. إن قاعدة (العلم المفيد القليل) لا تعني تحصيل قدر قليل من العلوم أو نوع واحد منها، بل إنها تعني إعطاء الطالب ما يحتاجه من أدوات معرفية تساعده على التفاعل مع مجتمعه وخدمته بما يستطيع، وتشجيعه على متابعة تحصيله العلمي والثقافي طوال حياته، وهي تهدف إلى تصحيح سلوكه بعد تصحيح تفكيره، وهذا ما كان يهدف إليه الشيخ ابن باديس ومعه الشيخ البشير الإبراهيمي. ويؤكد لنا ذلك قول الشيخ عبد الحميد " احذر كل متعيلم يزهدك في علم من العلوم، فإن العلوم كلها أثمرتها العقول لخدمة الإنسانية، ودعا إليها القرآن الكريم بالآيات الصريحة"(5)، ويقول أيضاً: " يتعلم الإنسان حتى يصير عالماً ويصير معلماً، ولكنه مهما حاز وتوسع فيه وتكمّل به، فلن يزال بحاجة إلى العلم، ولن تزال أمامه فيما علمه وعلّمه أشياء مجهولة يحتاج إليها، فعليه أبداً أن يطلب المزيد"(6).
وعلى هذا فإنه من الإجحاف وضع هذه المقولة في سياق مغاير لما كانت تعنيه وتهدف إليه، فضلاً عن تحميلها مسؤولية إضعاف العامل النهضوي في الجزائر.
ثم يتساءل الدكتور مصطفى في مقاله: " ألم يكن الاختراق العلمي ممكنا في ظل السياسة الإندماجية لفرنسا؟
وهنا أذكّر الدكتور مصطفى، وهو أعلم مني بذلك، بأساليب الفرنسة والتنصير التي لجأت إليها فرنسا في الجزائر، واستخدمت التعليم كوسيلة هامة من الوسائل الموصلة لذلك. ويستطيع أي واحد من القراء الأفاضل الرجوع إلى مجموعة من الكتب التي بيّنت بشكل واضح هذه الأساليب التي كانت تُمارس مع أبناء الجزائر وغيرهم من أبناء الدول المستَعمَرة، بالإضافة إلى سياسة الاستحقار والعنصرية(7). ويكفي أن أورد بعضاً مما كتبه محمد السعيد الزاهري عن ذلك في كتابه الإسلام في حاجة إلى دعاية وتبشير، حيث قال: " في الجزائر اليوم شباب ناهض، مبارك يزكو كل يوم عدده ويزيد، وهذا الشباب فئتان: فئة قرأت العربية، وتربت تربية إسلامية.......وفئة أخرى قرأت بالفرنسية، وتربت تربية غير إسلامية، حتى أنها لا تعرف الإسلام، ولا رجال الإسلام المشهورين إلا من طريق اللغة الفرنسية. وأنت تعلم ما كتب أئمة هذه اللغة الفرنسية من الهزؤ بالأديان وبرجال الأديان فنشأت هذه الفئة من شباب الجزائر لا تعرف الإسلام ولا تحترمه، ولا تعرف التاريخ الإسلامي ولا تعتز به، بل ولا تعرف تاريخ الجزائر"(8).
فسياسة فرنسا في الجزائر لم تكن سياسة اندماجية بحيث تعامل الجزائريين معاملة المواطنين الفرنسيين، بل إنها كان تنظر لهذه البلاد نظرة استغلالية مصلحية، ولم تكن تهتم بتطوير البلد وتعليم أبنائه، بل العكس هو الصحيح.
ويحق لمتسائل أن يردد مع الدكتور مصطفى " ألم يكن من الأسهل متابعة الأبناء الذين التحقوا بالمدرسة الفرنسية بالرعاية الوطنية والدينية بدل قبول سياسة التجهيل التي مارستها فرنسا والاكتفاء بالعلوم التقليدية كدرع حام للشخصية الوطنية؟"
وهذا بالطبع لم تغفل عنه الجمعية بل إنني أسأل الدكتور مصطفى ماذا كان يفعل الفضيل الورتلاني في باريس؟ ألم يكن مندوباً لجمعية العلماء هناك حيث أقام فيها من سنة 1936م إلى سنة 1938م وكانت مهمته الأساسية متابعة الطلاب والعمال الجزائريين في فرنسا؟ وقد استطاع هذا الرجل المخلص أن يفتح الكثير من النوادي الثقافية في باريس وضواحيها والتي كانت تعلم اللغة العربية والدين الإسلامي، حتى أن نشاطه أثار مخاوف السلطات الفرنسية والمنظمات الإرهابية حتى قررت (منظمة اليد الحمراء)(9) إغتياله، فاضطر إلى مغادرة فرنسا إلى مصر بجواز سفر ساعده على الحصول عليه الأمير شكيب أرسلان(10).
بالطبع أنا لا أدعي أن جمعية العلماء الجزائريين قد بلغت درجة الكمال في أعمالها التربوية والتعليمية، ولكنني أجد أن من الظلم نقد أعمالها العظيمة هذه دون مراعاة للظروف القاسية والصعبة التي كانت تعيشها في ظل الاحتلال الفرنسي البغيض. ومن الظلم أيضاً تحميلها مسؤولية القصور العلمي والنهضوي الذي تعاني منه الجزائر اليوم على أساس أنه نتيجة لأخطاء الجمعية في المجال التربوي والتعليمي.
أما حديث الدكتور مصطفى عن هاجس التغريب الذي لازم الحركات الإصلاحية، مما حرمها من إجراء الخطوة الجريئة في تطعيم المؤسسات التعليمية القديمة بالعلوم والمناهج الحديثة والاكتفاء بإثارة العلوم التقليدية وتدويرها على حد تعبيره، فإن مناقشته لا تتم انطلاقاً من أعمال جمعية العلماء، ليس لأن جمعية العلماء محصنة عن الخطأ، ولكن لأن ظروف الجمعية لم تكن تسمح لها بأكثر مما قدمته، بل إن هذه الجمعية تعتبر مثالاً عملياً ممتازاً عن قدرة المجتمع المدني على تحصين الأمة وحمايتها وقت الأزمات.
أما هذا الموضوع فإنه يحتاج إلى تحليل ودراسة تشبه ما قام به د. محمد عابد الجابري عندما حاول دراسة وتحليل ونقد نظم المعرفة في الثقافة العربية في كتابه بنية العقل العربي.
وفي الختام فإنني أوافق الدكتور مصطفى على أننا ما زلنا نعاني من إشكالية درء تعارض العقل مع النقل، وأن الفجوة قد اتسعت في يومنا هذا بسبب ظروف كثيرة، تحتاج منا إلى وقفة ودراسة علمية منطقية.

الهوامش:
(1) ـ انظر, مصطفى محمد حميداتو, عبد الحميد بن باديس وجهوده التربوية, سلسلة كتاب الأمة, العدد 57. جاء في كتاب حول الحركة العربية لمحمّد عزّة دروزة, بيروت, صيدا, المكتبة العصرية للطباعة والنشر, 1368هـ/ 1949م, الجزء الثاني, ص 185 : " صور لما كانت عليه الجزائر إلى سنة 1931م: التعليم الذي ينفق عليه من ميزانية الجزائر نوعان, واحد للمسلمين, وآخر للأوروبيين, ونسبة الأمية في المسلمين 95% , وعدد الذين هم في مدارس الحكومة منهم ستين ألفاً, بينما كان عدد المسلمين إذ ذاك أكثر من سبعة ملايين. وعدد الذين هم في سن الدراسة أكثر من مليون. وبعبارة ثانية إن نسبة الذين هم في هذه المدارس أقل من 6% من الذين هم في سن التعليم, مع ملاحظة أن هذا بعد أن وسعت السلطات نطاق التعليم بعض الشيء....ومع أن مدارس المسلمين تسمّى المدارس العربية, فإن حظ العربية والدين الإسلامي فيهما ضئيل جداً ومناهجها إفرنسية صرف" اهـ
(2) ـ انظر, مصطفى محمد حميداتو, عبد الحميد بن باديس وجهوده التربوية.
(3) ـ أحمد الخطيب: جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأثرها الإصلاحي في الجزائر, الجزائر, المؤسسة الوطنية للكتاب, 1985م, 205.
(4) ـ المصدر نفسه, 207.
(5) ـ ـ انظر, مصطفى محمد حميداتو, عبد الحميد بن باديس وجهوده التربوية.
(6) ـ المصدر نفسه.
(7) ـ انظر أ. ل شاتيليه, الغارة على العالم الإسلامي, ترجمة محب الدين الخطيب ومساعد اليافي, دمشق, دار الأحباب, 1425هـ / 2005م, وانظر: عمر فروخ ومصطفى الخالدي: التبشير والاستعمار, بيروت, صيدا, المكتبة العصرية, 1986م.
(8) ـ محمد السعيد الزاهري: الإسلام في حاجة إلى دعاية وتبشير, دمشق, مكتبة الاعتدال, 22 ـ 23.
(9) ـ هذه المنظمة هي منظمة إرهابية, كانت تقوم بتصفية المناضلين الجزائريين والأوروبيين الذين يساعدون الثورة الجزائرية عسكرياً وسياسياً· وقد استعانت بها السلطات الفرنسية في أعمالها الوحشية ضد المناضلين الجزائريين ومن يساندهم.
(10) ـ عبد الله العقيل, من أعلام الحركة والدعوة الإسلامية المعاصرة, الكويت, حولي, مكتبة المنار الإسلامية, 1422هـ / 2001م, 159 ـ 160. وانظر, د. عمر بن قنية: أعلام وأعمال في الفكر والثقافة والأدب, دمشق, منشورات اتحاد الكتاب العرب, 2000م.
www.elkawader-dz.com

  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية aymen55
aymen55
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 05-02-2007
  • المشاركات : 230
  • معدل تقييم المستوى :

    18

  • aymen55 is on a distinguished road
الصورة الرمزية aymen55
aymen55
عضو فعال
رد: موضوع للنقاش خاص بمشروع جمعية العلماء
10-05-2007, 12:26 PM
[QUOTE=الكوادر البشرية;18822]
جمعية العلماء المسلمين الجزائريين: هل كان مشروعا ناقصا؟ تاريخ المقال 21/04/2007 بقلم: د/مصطفى بن حموش، جامعة البحرين
[email protected]

حليا للأسف دورها منعدم .......
Address people in the language they can understand :confused:
  • ملف العضو
  • معلومات
ابو صهيب
عضو جديد
  • تاريخ التسجيل : 31-10-2007
  • المشاركات : 1
  • معدل تقييم المستوى :

    0

  • ابو صهيب is on a distinguished road
ابو صهيب
عضو جديد
رد: موضوع للنقيش خاص بمشروع جمعية العلماء
12-11-2007, 10:18 PM
نشكر المساهمين في هذا النقاش حول دور جمعية العلماء ، ولكن نطلب من كل المشككين في دورها ان يذهب الى أبناء الجمعية الذين على قيد الحياة ليوافهم بالحقائق الدامغة عن كل الدقائق والتفاصيل عليها ولسلام.
من مواضيعي
موضوع مغلق
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


المواضيع المتشابهه
الموضوع
الإمام أبو حامد الغزالي
الإمام عبد الحميد بن باديس:رائد من رواد النهضة الجزائرية
الساعة الآن 08:26 AM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى