لماذا يكرهوننا
27-01-2009, 06:32 PM
بعد أسبوعين من هجمات 11 سبتمبر 2001 نشرت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأميركية تحليلاً سياسياً عميقاً عن جذور السخط الإسلامي على أميركا. كان عنوان التقرير "لماذا يكرهوننا؟"، واشترك في إعداده عشرة من مراسلي الصحيفة في كل من إسلام آباد وعمَّان ولندن والقدس وبكين وصنعاء وطوكيو وبيروت والقاهرة وجاكرتا.
وكان الرئيس الأميركي جورج بوش قد طرح السؤال نفسه قبل ذلك ببضعة أيام، وقدم جواباً على سؤاله، فقال "لا أستطيع أن أفهم لماذا يكرهوننا، لأني أعرف كمْ نحن أناس خيِّرون". وتم ترديد نفس التفسير على لسان الرئيس بوش الذي قدم دائماً صورة مثالية لأميركا تبعث على التقديس، فهي "أمة مؤمنة وخيِّرة ومثالية" وأحياناً "أمة رحيمة وسخية" حسب تعبيره، فليس هناك من مبرر لأيٍّ كان أن يكره أميركا أو يعترض على سياساتها. ولم يكن أمام الرئيس الأميركي -وقد انطلق من مقدمة نرجسية- سوى أن يقدم تفسيرات لما حدث غاية في التبسيط.
قد يكون الشعب الأميركي في عامته شعباً طيباً ومتراحماً فيما بينه ، لكن التاريخ لم يعرف عبيداً يعتزون بفضائل سادتهم، فكون السيد حراً أو "متحضراً" لا يخفف من معاناة العبد، بل قد يزيد من حنقه وهو يرى نفاق السيد "المتحضر" وإنكاره لإنسانية أخيه الإنسان. وكما قال بروفيسور أميركي "المشكلة ليست في أن أميركا لا تؤمن بحقوق الإنسان، المشكلة في تعريفها للإنسان".
وأكد التقرير أن الشعوب المسلمة –حتى العوام منها- أقرب إلى الصواب في تحليلها لجذور المشكلة من صناع القرار وقادة الرأي في الولايات المتحدة. فالسياسة الأميركية التي قادت إلى استعباد الفلسطينيين، وموت مئات الآلاف من العراقيين، واستحكام قبضة المستبدين من حلفاء أميركا وأصدقائها على رقاب الشعوب المسلمة.. هي السبب وهي جذر المشكلة وأساسها.
لكن هذه الحقائق -على بداهتها– لم تدخل بعد إلى الضمير الأميركي، ولذلك أسبابه التاريخية والثقافية والواقعية. فالشعب الأميركي هو أكثر الشعوب الغربية سذاجة وقلة خبرة بالعالم من حوله، لأنه عاش عمْرَ حضارته القصير معزولا بين محيطين، وفي ترفٍ طبَعَ تفكيره بطابع الامتلاء والاكتفاء. لذا فلا عجب أن أصبح ضحية لدعاية أربعة لوبيات هي مصدر معلوماته عن العالم الإسلامي وتعامله معه هي:

- شركات النفط المؤثرة في صناعة القرار الأميركي التي تريد السائل الذهبي الأسود بأي ثمن، ولو بسفك الأحمر القاني.
- شركات السلاح الأميركية التي تريد عقوداً مربحة وحروباً دائمة، ولو كان وقودها هو الدم الأميركي وغير الأميركي.
- اللوبي اليهودي الذي يتخذ من أميركا سُلَّما لأمجاد الدولة اليهودية، ولا يهمه تورط أميركا أو صراعها مع العالم الإسلامي في سبيل ذلك.
- اليمين المسيحي المتصهين الذي يريد التكفير عن استعباد اليهود في الماضي بعبادتهم في الحاضر، ويحاول غسل ذنوبه وعُقَدِه التاريخية بدماء المسلمين.
وإذا كانت الشعوب المسلمة لم تعد قابلة للتضليل الذي يمارسه صناع الرأي والقرار في أميركا، فإن الشعب الأميركي –بسذاجته التقليدية- لا يزال ضحية لذلك التضليل، وهو ما يحمل خطر تسميم العلاقة بينه وبين الشعوب المسلمة في الأمد المنظور.



م
ـــدونتي


icon30