رد: علي الطنطاوي مربِّيًا
01-02-2018, 08:50 AM
أساليب الشيخ علي الطنطاوي



الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:

الأسلوب هو الطريق، يقال: سلكت أسلوب فلان في كذا، أي: طريقته ومذهبه.
والأسلوب: طريقة الكاتب في كتابته.
والأسلوب: الفن. يقال: أخذنا في أساليب من القول أي: فنون متنوعة[1]. ولقد أدرك "علي" مبكرا أن الألفاظ للأدب هي: بمثابة عناصر الغذاء أو حبات العقد، وأن لتخيرها وصوغها أثرًا كبيرًا في جودة الأسلوب وقوته.
ولقد بزغت في أدبيات كاتبنا مجموعة من الفنون، لعلَّ أهمها: أنه أكثر من ضرب الأمثال، والتعبير بأفعلِ التفضيل، والاستفهامِ الاستنكاري، وكثيرا ما قرر، واستنبط، وعرَّض، وأوحى، وقد يَشرع في حوارات افتراضية، ويجلب الفكاهة، لذاتها أو ممزوجة بالسخرية، ويقابلُ، ويجانسُ، وفي حديثه التفاتٌ، وله خيالٌ رقيقٌ، ويأتي بتشبيهاتٍ طريفةٍ ومبتكرةٍ، وكلماتٍ هامسةٍ أحيانا، وجهوريةٍ أحيانا أخرى، ونادرا ما يُغرب - ربما عن قصد – وقد يصرح بما يريد، وقد يوجز ويشير دون تفصيل وبيان.
وفيما يلي بعضٌ من تفاصيل ما مضى:

ضرب الأمثال:
يعد ضرب الأمثال سبيلا إلى محاسن الكلام، وقد ذكره صاحب "أسرار البلاغة" ضمن ثلاثة أصول كبيرة يَستقي كلامُ الأديب منها جماله.
يقول الجرجاني عن:( التشبيه والتمثيل والاستعارة):" هذه أصول كبيرة، كأن جل محاسن الكلام – إن لم نقل كلها – متفرعة عنها وراجعة إليها، وكأنها أقطاب تدور عليها المعاني في متصرفاتها، وأقطار تحيط بها من جهاتها"[2].
ولقد كثر في كلام أديبنا: ضربُ الأمثال، متداخلا مع التشبيهات الصريحة أو الضمنية، حتى صار ذلك ظاهرة عنده، يريد بها تقريب بعيد المعاني مع إضفاء الجمال وإمتاع القارئ؛ سواء أنشأ التمثيل من عنده إنشاءً، أو ذكر المثل مقتبسا من كلام الأولين.
ومما أنشأه "علي" من عنده إنشاءً قوله:
"أنا حين أتحدث عن نفسي: أتحدث عن كل نفس، وحين أصف شعور واحد وعواطفه: أصف شعور الناس كلهم وعواطفهم، كصاحب التشريح لا يشق الصدور جميعا ليعرف مكان القلب وصفته، ولكنه يشق الصدر والصدرين، ثم يُقعِّد القاعدة ويؤصل الأصل، فلا يشذ عنه إنسان"[3].
وهكذا يوضح الطنطاوي معناه الأدبي بتجربة علمية ملموسة.
ومنه أيضا قوله:
"نحن نعرف قصة إنشاء كثير من المدن؛ واسط التي بناها الحجاج، وبغداد المنصور، وقاهرة المعز، مدن كثيرة صغيرة ولدت كما يولد كل حي ثم نمت وكبرت، ولكن هل عرفتم مدينة تولد في يوم واحد، فإذا هي من كبريات المدن، ثم تخلو بعد يوم واحد!!؟".
ولأنه قصد بحديثه مكة المكرمة؛ فقد تورع عن التعبير بكلمة الموت التي تقتضيها كلمة الميلاد قبلها، واستعاض عن ذلك بقوله: "تخلو"، وهذا من حسن تخلصه في أسلوبه الأدبي.
ويستطرد فيقول:
"إن النهر يسير آلافا وآلافا من الأميال، فلا ينقطع سيره، ولا تنضُب مياهه، ما دام من ورائه اليَنبوع يمده، وهذا ينبوع قوتنا نحن المسلمين، هذا هو الينبوع، ورده أجدادنا فصدروا عنه ملوك الأرض، وأئمة الهدى"[4].
وفي مَثله هذا خلاصة ما يدعو إليه.
وقوله:
"تصوروا رجلا أميا في قرية من قرى الصحراء الكبرى، الجاثمة وراء الرمال، كلف أن يبدل عادات قومه، وأن يغير عقائدهم، وأن يحملهم على دستور جديد، وأن يأخذهم بعد ذلك ليبلغوه الدولتين اللتين اقتسمتا الأرض: أميركا وروسيا، فلا تمضي عليه ثلاثون سنة حتى يقوم بذلك كله، ويغلب الدولتين الكبيرتين، ويقيم للناس عالما جديدا في نظمه وأوضاعه ولسانه. هذا ما صنعه محمد"[5]. صلى الله عليه وسلم.
وقد أوضح في مثله هذا البعيدَ بالقريب.
وقوله:
"ليس العالم كالكاتب، الكاتب هو الذي يخرج لك مكنون نفسه حتى تراه ظاهرا لعينك، ويصف لك المشهد الغائب عنك حتى تبصره أمامك، ويملك الفكرة فيتصرف بها تصرف المالك، حتى يدخلها ذهن الشاك أو المنكر أو المعارض كما يدخلها ذهن الموافق أو الخلي. هو الذي يملك عينا كعين المصورة (الكاميرا) تسجل كل جميل في الكون أو قبيح، وكل محبوب في النفس أو مكروه، تسجيلا يخلده ويبقيه، كما يسجل وقائع الناس وطباعهم وخلائقهم، ثم إن الكتابة كالطب صارت إخصاء، فلم يعد الطبيب يداوي الأمراض كلها في الأعضاء كلها، بل لم نعد نجد طبيبا داخليا (باطنيا) عاما، بل صار لكل عضو أخصائي – اختصاصي - ولكل مرض أخصائي. وكذلك الكتابة"[6].
وفي تفصيله هذا يُلبس المعنى الأدبي لباس التجارب العلمية.
وقوله:
"أرأيت الماء الذي ينزل من الأنبوب قطرة قطرة يملأ كأسك في ساعة، أما إن كان يخرج منه بقوة واندفاع، فإن الكأس لا تمتلئ أبدا؛ لأن الماء ينبو عنها ويتطاير منها، فلا يستقر منه شيء فيها"[7].
وهو يقرب هنا: معنى التدرج في التغيير والتلقين، وعدم الاندفاع والتسرع فيه.
أما ما اقتبسه من أمثال الأولين، فمنه:
(1) (إذا دار العود، فلا قعود)[8]، وهو مثل نجدي، ويعني: أنه إذا أدير البخور على الجالسين، فإن ذلك يعني أنهم يستعدون لإنهاء جلستهم، وذلك بتعشيق الثياب – العباءة والعمامة – بالطيب، ومن ثم القيام من المجلس.
(2) "لقد صرت شيخا كبيرا، وهل أجرؤ أن أنكر هذا وقد جاوزت الثمانين، فإن رأيتموني أعيد حديثا سبق أن حدثت به في هذه الذكريات أو في الرائي أو أحاديثي في الإذاعة، فنبهوني يكن ذلك التنبيه فضلا منكم، واذكروا أن: (العصا قُرعت لذي الحِلم)"[9].
وقد أحسن الطنطاوي توظيف هذا المثل في حديثه.
(3) "... إنه مثل موقفنا مع اليهود وغير اليهود. (أوسعته شتما وأودى بالإبل)"[10].
وقد وظف هذا المثل عند حديثه عن بعض مواقفه الاجتماعية العائلية، ولكنه حمَّل كلمته به معاني أوسع، وإن ذكره بمعناه. حيث رُوي: أوسعتهم سبا وأودوا بالإبل[11].
(4) "حدثني جندي كان يقاتل في حرب 1948 أنه رأى في طرف البلد دارا ينبعث منها الرصاص على المقاتلين العرب، فاقتحمها عربي باسل، فلم يلق إلا مجندة واحدة يهودية نفدت ذخيرتها، كانت تحمل رشاشا تطلق الرصاص منه، فلما لم يبق عندها رصاص، استعملت سلاح اليهود، وسامحوني إن خبرتكم بما وقع: إنها حلت حزام بنطالها فأسقطته، فنظر، فإذا ليس تحته شيء، والعرب تقول في أمثالها: (تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها)، أما اليهودية فتأكل من غير أن تجوع بكل عضو فيها"[12].
وقد ساق علي هذا المثل وأردفه بتعليق عبقري.
(5) "هذا السائق المنكر الذي يمشي بنا على غير هدى يدور دوران السانية، وقديما قالت في أمثالها العرب: (سير السواني سفر لا ينقطع)"[13].
وفي موضع ثان: "ألفت الوحدة حتى لم أعد أطيق الفرار منها، وضقت بها حتى لم أعد أطيقها، فأنا – ولا مؤاخذة على هذا المثال، فإنما أتكلم عن نفسي – أنا كحمار السانية، التي يسمونها في مصر الساقية، يدور فيها مغمض العينين، فإذا أطلق منها وفك سراحه بقي يدور كما تعود الدوران"[14].
وفي موضع ثالث يقول: "مشينا إلى الآن أكثر من ألف وخمسمائة، لكننا كحمار السانية، وقديما قالت العرب: (سير السواني سفر لا ينقطع)؛ لأنها تسير وتسير وهي في مكانها، تدور في حلقة مفرغة من حول بئر الماء، ونحن ندور حيث لا ظل ولا ماء"[15].
ومع توظيف الطنطاوي هذا المثل في جاذبية حديثه وثرائه، فقد أضاف إليه الظرف والطرافة؛ لما يلمسه قارئه من التبسط المحبوب الذي يلمس به بعض الأدباء – على قلتهم – أوتار القلوب.
(6) "تقول العرب في أمثالها: (شدة القرب حجاب): أدن كفك من عينيك تحجب عنك ما بين المشرق والمغرب، أي: أن الكف على صغرها أخفت عنك الدنيا على سعتها"[16].
والغريب هنا: أن الطنطاوي قد فسر هذا المثل تفسيرا ظاهريا جدا، فجاء مناقضا للمعنى الذي وضع المثل له؛ إذ إن المقصود بذلك أن قرب الشيء أكثر من اللازم يؤدي إلى عدم رؤيته، تماما كما لو كان بعيدا جدا، فالنتيجة واحدة في الحالتين، فشدة قرب اليد مثلا من العين تؤدي إلى حجب رؤية اليد، ناهيك برؤية ما سواها.
ولعل هذه من المواضع النادرة التي خالف فيها الطنطاوي أعراف اللغة والمعاني.
(7) "إنك المعلم الأعظم، ولكن أكثرنا من أغبياء التلاميذ الذين لا تنفعهم عظمة المعلمين، لقد طالما لدغنا من الجحر الواحد لا مرتين اثنتين، بل عشر مرات، ثم يعود أكثرنا، ويمدون أيديهم إليه... (شِنشِنةٌ أعرفها من أخزم) كما يقول المثل، ورجعة سم من القارورة الكبيرة التي شربناها كلها مرغمين، من أيدي قوم روسو ولامرتين، من الذين ثاروا ثورتهم الكبرى – زعموا – ليقروا في الأرض حقوق الإنسان"[17].
وتختلط في كلمته هذه خيوط الحسرة والسخرية من قومه ومن أعدائه على السواء.
وفي موضع آخر: "ر سالة بذيئة يسبني مرسلها أشنع السب؛ لأني أكره – كما يقول – مصر، وهذه (شنشنة أعرفها من أخزم)، فأنا متهم دائما بكراهة مصر من يوم كنت في العراق، وكان الخلاف بيني وبين المفتش المصري سنة 1936، أي من خمسين سنة، ولم ينفعني أني كنت يومئذ صديقا لسفير مصر في العراق الرجل الكبير الأستاذ عبد الرحمن عزام. أنا – ويحكم – أكره مصر ومن مصر أصلي؟، منها جاء جدي أبو أبي، لا جدي البعيد"[18].
وهنا يرتكز الطنطاوي في دفع التهم عن نفسه على مرتكزات التراث التي تستمد قوتها من الأقوال التي اتخذت حكما وصارت مثلا.
(8) "قالت العرب في أمثالها: (عدو عاقل خير من صديق جاهل). الفرنسيون أقاموا في الشام ربع قرن، فما تعرضوا لعالم من العلماء، ولا لشيخ من المشايخ، ولكننا لما حكمنا: اتخذنا مما صنع جهالنا وسفهاؤنا حجة، فحاولنا النيل من علمائنا ومن مشايخنا"[19].
وقد وظَّف هذا المثل في المقارنة بين أحوال البلاد تحت الاحتلال الأجنبي، وأحوالها بُعيد الاستقلال الشكلي المنقوص منه.
(9) "كما يقول الفصيح من أمثال العوام: (العين بصيرة واليد قصيرة)، تعرف الذي تريده ولكن لا تعرف طريق الوصول إليه"[20].
وقد وظف هذا المثل أثناء حديثه عن أحوال أمه حين تولت مسئولية رعاية أولادها بعد وفاة زوجها، ورقة حالها وصبرها على معيشتها.
(10) "كان هذا الأستاذ كجهيزة التي زعموا أنها دخلت نادي قومها، وهم يحاولون رأب الصدع بين فرعين منهم، قتل رجل من الفرع الأول رجلا من الفرع الثاني، يريدون أن يقبل أولياء القتيل الدية، وهم يأبون إلا القصاص، وكان أن استحكمت بينهم عقدة الخلاف، واشتد النزاع، فقالت لهم: إن ولد المقتول قد انتقم لأبيه من القاتل، فقالوا: (قطعت جهيزة قول كل خطيب) وسارت مثلا باقيا إلى الآن، قلت للأستاذ: شكرا لك، لقد أرحتني من هذا التردد، وأوضحت لي طريقي"[21].
ومن النادر أن يذكر الطنطاوي قصة المثل الذي يسوقه في أحاديثه، ولكنه هنا أوردها في حديث له يتسم بالحيرة والتردد بين عديد من الأفكار التي كانت تزاحمه، وهو لا يدري أيها يقدم وأيها يؤخر!!؟، فكان ذكر مناسبة المثل هنا: جزءًا من التفكير الذي يستعين به على اختيار فكرة يقدمها، أكثر مما هو رغبة في ذكر هذه المناسبة لقرائه.
(11) "صنعوا ما صنعوا على تخوف أولا وحذر، والعرب تقول: (كاد المريب أن يقول خذوني)، فلما رأونا: لا نبالي ولا نعترض ولا نغار على بناتنا، خلعوا العذار وأزاحوا الستار، وجاءوا جهارا من الباب"[22].
وقد ذكر هذا المثل في حديثه المثير حول خطط الغرب في إفساد أخلاقيات الشباب بالميوعة والانحلال، وعدم استنكار المجتمعات العربية لما يحدث.
(12) "هذا هو مثال الإنكليز والفرنسيين كما رأيناهم في الشام، وهما بعد ذلك كحماري العبادي – من سكان الحيرة – قيل له: أي حماريك أسوأ من صاحبه؟، قال: هذا وهذا.! أو كما يقول المثل اللبناني العامي: كما حنا كما حنين الله يلعن الاثنين[23].
وقد أحسن الطنطاوي توظيف هذين المثلين في حديثه عن المحتلين.
(13) "وفي حُنينٍ عيونٌ كانت تأنس عيوننا بصفاء مائها، وتسرح أفكارنا مع انطلاق سواقيها، عيون ولا كعيون الشام، مرعى ولا كالسعدان، وماء ولا كصداء"[24].
وقد ساق هذا المثل في حديثه عن الحجاز، والذي استدعى فيه حنينه إلى موطنه في الشام.
ورغم أن عليا قد غالب شوقه إلى الشام في مواضع كثيرة، فإنه اعترف أيضا أن الله تعالى أبدله موطنا خيرا من موطنه، وجيرانا خيرا من جيرانه الأول[25].
(14) "وذهبوا فحدثوا بالقصة إخوانهم وأهليهم، وزادوا في سردها، على عادة الناس في المبالغات، وملحوها وفلفلوها ووضعوا لها الحواشي والذيول، فكانت النتيجة أنني صرت بطلا، والحقيقة كما قال المثل: (مكره أخاك لا بطل)"[26].
وقد ساق الطنطاوي هذا المثل في حديثه عن بعض المغامرات التي اضطر إلى خوضها في بغداد حين كان معلما بها.
ورغم أن هذا المثل قد اشتُهر في كتب الأدب واللغة برفع "أخوك"، كما هو عند الميداني في مجمع الأمثال، والأصفهاني في الأغاني، والزمخشري في "المستقصى في أمثال العرب"، وابن منظور في "لسان العرب"، فقد اشتهر في كتب النحو "أخاك" – كما قال ابن منظور – رغم ذلك، فقد أورده الطنطاوي كما في كتب النحو، وعلق عليه في الهامش فقال: "كذا حفظنا المثل، والصواب أخوك"[27].
(15) "كان معنا سيارة لها سائق بدوي، باقعة من البواقع"[28]. والباقعة: الرجل الداهية. ورجل باقِعةٌ ذو دَهْيٍ. ويقال: ما فلان إِلاَّ باقِعةٌ من البَواقِع سمي باقعة لحُلوله بِقاعَ الأَرض وكثرة تَنْقِيبه في البلاد ومعرفته بها، فشُبِّه الرجل البصير بالأُمور الكثيرُ البحث عنها المُجَرِّبُ لها به، والهاء دخلت في نعت الرجل للمبالغة في صفته، قالوا رجل داهيةٌ وعَلاَّمة ونسَّابة[29].
وقال الزمخشري: باقعة من البواقع: هو الطائر الذي يتجنب المشارع ويرد البقاع - وهي مستنقعات المياه - حذَرَ القناص، فشبه به الرجل الحذر الكيس. وقيل: هو الرجل المجرب الذي سلك البقاع ونقب في البلاد حتى تدرب وتبصر[30].
وقد أحسن الطنطاوي استدعاء وتوظيف هذا المثل للتدليل على طبيعة هذا السائق البدوي.

(16) "صارت حفيدتي تقول لها – لحماتي – كما جاء في المثل: (يا ستي كلمي ستك)، أي: يا جدتي اذهبي إلى جدتك"[31].
وساق الطنطاوي هذا المثل العامي في حديثه عن عائلته، وهو من المواضع القليلة التي يستشهد فيها بعامي غير فصيح.

بمن تأثر في ضرب أمثاله؟:
يَذكر أديبنا أن معلمه - بل معلم الشام، حسب وصفه إياه - الفذ الأستاذ: عيد السفرجلاني الذي كان يدرسه في المدرسة التجارية، كان يكثر من ضرب الأمثال لهم حين كانوا طلابه، ويذكر من حكمته قوله: "كونوا مستقيمين ولكن استقامة الحورة - أي شجرة الحور - لا استقامة عمود الكهرباء. الحور تميل قليلا مع الريح وتبقى على استقامتها، أما العمود - وكان يومئذ من الخشب - فإنه يعاند حتى ينكسر"[32].
ويَذكر عنه أيضا: أنه كان ينثر أقواله ونصائحه نثرا، "وربما مرت الكلمة فلم نلتفت إليها عندما كان ينطق بها، ولكنها كانت تغرس في نفوسنا، وتنزل إلى أعماقنا حتى إنني أذكر أكثرها إلى الآن كلما دعت إليها مناسبات المقام"[33].
وإذا كان للسفرجلاني الأثرُ الأكبر في ظاهرة انتشار ضرب الأمثال في أدبيات الطنطاوي، فإن ذلك لا يمنع من تأثره كذلك بخليط من الكتاب والمشايخ القدامى والمحدثين، من الذين أشار إليهم في غير موضع، في سياق تأثره العمومي بأساليب عديدة ومجتمعة[34].

يتبع إن شاء الله.