مهما.. ومهما!
05-11-2018, 09:27 AM
مهما.. ومهما!
أحمد بن عبد المحسن العساف

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أعانت مواقع التّدوين القصير والطّويل على الكتابة، وهذا أمر حسن: إذا كان المحتوى مفيدًا، وطلب الحقّ مع الخضوع له سمة سائدة؛ كي لا يكون فشوّ القلم جزافًا يقتحم عقبات من العلم والفهم والحكمة، وكم في الاقتحام الأهوج من مهالك ورزايا!!؟.
ولعلّ هذه الوسائل أن تكسر الحاجز بين الشّباب والكتابة، وتسهم في تقوية علاقتهم بالقراءة الورقيّة والإليكترونيّة المنهجيّة والمنوّعة، وتعلي من القدرة على البحث والتّفكير، وترفع مستوى التّمييز والوعي؛ حتى يسمو المجتمع، ويقوى بأفراده النّاضجين المسؤولين، ويتخلّص تلقائيًا من الغثاء والضّار.
ولو التفت البعض إلى تراثهم في تلك المواقع، لوجدوا فيه مضمونًا صالحًا للجمع في مقالة أو أكثر، أو نواة لعمل كتابي مكتمل، وربّما تكون الوحدة الموضوعيّة رابطًا بين عدد من التّغريدات والكلمات، أو يصبح الشّكل هو القاسم المشترك، وقديمًا كتب الرّافعي غير مرّة متفرقات تحت عنوان:" كلمة وكليمة"، وهو: إمام متبوع.
ومن هذا الباب: رجعت إلى تغريدات سابقة، وهي عبارة عن تأملات قرآنية، أو قبسات من السّنة، أو لطائف من السّيرة، أو ثمرات نقاش وقراءة وتأمل، وجميعها تحتوي على كلمة:(مهما)، فرأيت ضمّها في مقالة واحدة؛ آملًا أن تفيد، ويطول عمرها؛ مهما كان التّباعد بين بعضها ظاهرًا، وعسى أن يفعل غيري مثل ذلك؛ فالمواقع الحديثة عرضة للاختفاء في أيّ لحظة، وفي تضاعيفها: ثراء وجمال جدير بالبقاء.
فالعمر مهما، طال فهو قصير، والعمل مهما صغر: تعظمه النّية الحسنة، والأثر المتعدي، وطول البقاء؛ فطوبى لمن استثمر حياته في عمل خير مخلص مبارك مستمر.
والسّلطة مهما تعاظمت، فمآلها إلى زوال أو اضمحلال، والحصيف من صان سلطته عمّا يضعفها، ومتّن أسسها، وقوّى أركانها، وأعدّ للسّؤال عند القهّار جوابًا منجيًا.
ومهما تنامى المال، فمصيره لفناء أو وارث، وقمين بالثّري: أن يستمتع بماله، ويكرم عائلته، ويستعد لآخرته، فضلًا عن نفع مجتمعه، ومساندة أعمال الخير.
ولا تستصعبنّ نوال الخير مهما كان عسيرًا، ولا تستبعد دفع الضّر مهما عظم، ولا تحرم نفسك لذّة الطّلب ونعيم المناجاة، فكلّ شيء هيِّن على ربّك؛ وهو عند ظنّك به سبحانه، فالباطل مهما انتفش، سينكمش ويخنس، والحقّ مهما ضمر وكمن: لا بدّ أن يعلو ويظهر.
ومهما أظلمت الدّنيا؛ فبمقدورك أن تنير، ومهما ضاقت الدّروب؛ فباستطاعتك أن تفسح، ومهما علا الباطل، فبإمكانك أن تسمو، ومهما استفحل الشّر، وغوت الإنسانيّة، فأنت مأمور بالإيمان، وعمل الصّالحات، والتّواصي بالحق، والتّواصي بالصّبر.
وإنّ توليفة مجتمعاتنا مكوّنة من عرب وعجم ينتمون لقبائل وعوائل، وغالبهم مسلمون: أهل دين وإنٍ إن، وموئلهم للأصل والدّين والشّيم: مهما ابتعدوا أو شطحوا.
ومهما كان حجم الإناء، ومقدار تلوّث الماء الذي فيه، فلن يستطيع تلويث نهر عذب جارٍ: إذا ألقي فيه، فقد منح الله بعض الأشياء القدرة على تنقية ذاتها.
وإذا انفرطت السّبحة: تساقطت جميع حبّاتها، ولن تسلم أيّ حبّة من مصير أخواتها: مهما حرصت وتشبثت!!؟.
ومهما اجتهد البشر، وإن ظاهرتهم الجن، وكانت الأحوال تسير في ركابهم، فعملهم في تباب وانقطاع: ما لم يقل له الله الخبير القدير:" كن".
ومهما اتّسع الذّهن، فهو محدود التّصور، وإذا رأيت حصول ما ظننته يومًا عسير الحدوث وبعيد المنال؛ فحطّم حينذاك أوهامك، وحلّ قيودك، غير ألّا تنتهك حرامًا، أو تخرق نظامًا، أو تحدث بلاء؛ فالمحافظة على الأمن بمعناه الواسع: واجب عيني على كلّ أحد بحسبه، مهما كانت درجة تدينه، ونوع انتمائه؛ ومستوى رضاه؛ فالمثلات حولنا، و:" السّعيد من اتّعظ بغيره".
ومهما حقّق الإنسان من إنجاز، ومهما بلغ من رتبة، سيظلّ في كوامنه وحشة لا يؤنسها إلّا القرب من الله، والتّعبد بأسمائه وصفاته، وتدبر آياته وآلائه.
ومهما اجتهد الإنسان في الانطواء والعزلة، فهو عضو في مجموعة سواء كان رابطها: أسرة، أو مهنة، أو مسكن، أو اهتمام، وغيرها، ولا مفرّ له من أن يشارك محيطه بالمفيد.
وإذا فقه الرّجل: أنّ أفضلنا وأنبلنا هو: خيرنا لأهله ونسائه، وأنّ الرّجولة ليست من القسوة في شيء، وفقهت المرأة: أنّ زوجها هو: طريقها إلى الجنّة، وأنّ التّمرد لا يليق بالأنوثة، فحينها ستكون المشكلات الأسريّة قابلة للعلاج مهما عظمت.
ومهما يكن، فلن تعدم بإذن الله ممّا سبق فائدة أو حكمة، أو تكون سببًا لقدح فكرة في الذّهن، أو ابتداء عمل أو مشروع، والمهم: ألّا يقف واحدنا في مهامه الذّهول، ومتاهات الحياة، فمهما كانت قدراتنا، فحتمًا نستطيع أن نقول المفيد، ونفعل المؤثر، ونترك العمل الخالد لمن بعدنا يقبس منه، أو يهتدي به، أو يكمله.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصلحات.