هام جدا: مجتمعنا أمانة في أعناقنا
31-10-2018, 09:32 AM
هام جدا: مجتمعنا أمانة في أعناقنا

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أنا على يقين بأنّ:( فعل الخير، وبذل المعروف، وكفّ الأذى، وإشاعة التّسامح، والبعد عن الشّرور): فعال حبيبة إلى قلوب أكثر بني آدم، ولكلّ واحد نصيب منها، ففيهم من حظّه وافر، ومن يأخذ منها أقلّ القليل، ولا يمنع هذا وجود من لا يرفع بها رأسًا، أو يتفاوت اهتمامه بها طبقًا لمعايير وأحوال.
وهاهنا: أفكار عابرة تعين الحريص على خدمة أهله ومجتمعه وبلده وأمته، تبدو يسيرة بمقياس، وصعبة بمقياس آخر، متاحة في مكان، وحرجة في غيره، مهمّة عند فئة، ومهملة عند ثانية، وهي مثالية، لكنّها لا تفقد الواقعيّة، ومعانيها معتبرة في الفكر الدّيني والوضعي بأسماء مختلفة، ومضمون متشابه، وبناء عليه، فيفترض نظريّاً: أن تحظى بمساندة الفرقاء فكريّاً.
وهي ذات مدى واسع في التّنفيذ، ونطاق عريض في المفهوم، فمن النّاس من يبلغ المقياس الأعلى في الفهم والتّطبيق، أو المنخفض، أو يراوح بين هبوط وعلو، وفي كلّ خير، والمهم: ألّا يقف المرء بلا حراك بحجّة ضعف المجهود، أو قلّة الحيلة، فما أهون من يمشي على الأرض، وهو عديم الفائدة والأثر!!؟، ومن الأفكار المقترحة:

* الالتزام:
وتعني باختصار: اتباع الأنظمة المرعيّة، والأعراف المقبولة في المجتمع، ومن الطّبيعي أن تختلف قوّة التزام الأفراد، ومدى قناعتهم، لكنّ الشّيء المهم: أن يجتمعوا على إطار عام تُرعى حرمته، وتُحمى حدوده؛ لأنّ الانفلات: بلاء، والحريّة لا تعني الفوضى، والفوضى لا تأتي بخير.

* الإتقان:
لغالبنا: أعمال ومهن ووظائف، وإذا حرص الفرد على أن يبلغ أعلى درجة من الإتقان؛ فسيحوز فائدة شخصيّة، ويصّب إتقانه في صالح بلاده وتنميتها، وبحضور الإتقان تتلاشى أخطاء كثيرة، وحين نتقن في أصل المهمّات: تتاح الفرصة للإبداع فيما سواها.

*الخير أوّلًا:
في كلّ موقف تتعرّض له، اختر فعل الخير أوّلًا وثانيًا وعاشرًا، والأمر يسير على من وطّن نفسه، وغالب هواه، وتخيّل معي: لو تنافس اثنان على موقف واحد لسيّارة، فأيّ سمو، سيناله المتنازل لصاحبه!!؟، ولو أصبحت خدمة الضّعيف والمريض وذي الحاجة: صبغة أساسيّة فينا؛ فكيف سيكون حال مجتمع هذا تعامله مع ضعفته!!؟.

* لا للشّر:
كتم الغيظ، وكبح جماح النّفس من أصعب الأمور، وإنّ لهما لحلاوة: لا يجدها إلّا من فاء لرشده بعد سورة غضب وثورة لجاج، فحمد الله على أن لم يبطش بيده، أو يفتك بسلاحه، أو يفري بلسانه، وكم من رقبة طارت بسبب غضب أعمى صاحبه، وشر سيطر لدقيقة واحدة فقط!!؟.

* الامتناع والمقاطعة:
لو كان لنا موقف موحّد تجاه مرتكبي الأخطاء العامّة والجسيمة: لسلمنا من بهتانهم، وآبوا إلى رشدهم طائعين أو مكرهين، فمثلًا: لو امتنع النّاس عن الصّلاة خلف إمام يدعو لضلالة، أو يحرّف معاني الشّريعة، أتراه يتمادى في غيّه!!؟، ولو تركنا الشّراء من متجر يبيع الفاسد أو الضّار، هل يقوى على الاستمرار!!؟، ولو انصرف المشاهدون أو المشاركون عن وسيلة أو محفل لغلائها أو فحشها، فهل ستصمد!!؟.
ومن الممانعة: ترك المشاركة في نشر رسائل سلبيّة، أو تجلد ذواتنا، وتسخر من رجالنا ونسائنا وبيئتنا.

* صاحبتا الفضيلة:
في قاموس الكلمات، كلمتان لهما من الفضيلة والأثر: أعظم مما يتصوّره المرء، وهما:(لا) وَ (شكرًا)، فلو قلنا لأيّ شيء نرفضه لسبب وجيه: لا، فمن الحتمي: أن يكون لنا حضور فاعل غير مهمل، وقيمة تتجاوز مجرّد العدد.
وبالمقابل؛ فحين يحسن الآخرون بفعل أو قول يسر الخاطر، فمن التّآزر وتكثيف الصّواب حتى يزداد ويفشو: أن نبادر لشكر المحسن كي يثبت، ويزداد إحسانًا، ويكون لغيره قدوة في الخير، وإذ ذاك: يتسابق أكثر البارزين على فعل الحسن ومجانبة الرّيب.
وأيّاً كانت وجهتك الفكريّة، فستجد مستندًا فيها لهذه الأعمال الجليلة، ولذلك يتبارى كثير من المتنافسين في ترداد كلمات وعبارات وجمل، تحوم حول الإصلاح، ومقاومة الفساد، ولا يرد في برنامج معلن أيّ دعوة لفعل الإثم، وهجر الخير، بل حتى إبليس أعاذنا الله ومن يقرأ منه، لا يعترف بغشّه وخطله إلّا على حافة النّار، وأمّا في الدّنيا، فيقسم بأنّه من النّاصحين!!؟.

* الشّبكات الفاعلة:
كلّ واحد منّا يعيش ضمن عدّة شبكات:( أسريّة وسكنيّة ومهنيّة وغيرها)، وإنّ نشر الخير بين أفرادها، واستحثاث الإيجابيّة فيهم: لأمر حميد رشيد، وثمرته: أن تتبنى كلّ شبكة مشروعًا مباركًا أو أكثر، وبالتّالي، فحيثما ذهبت وجدت البركة يتشارك في نسجها فئام قد لا يتفقون في كلّ شيء، ومن الأمثلة:( إشاعة ثقافة السّلامة، وعادات المشي، والغذاء الصّحي، والتّثقيف الطّبي، وحماية المستهلك، وتنويع الأسواق، وتعليم الّلغة).

* دعم الأمن والنّماء:
أيّ إجراء يجلب مصلحة لبلادك ومجتمعك في الأمن والنّماء، أو يدافع مفسدة، فهو خير جدير بأن يصار إليه، وعكسه سوء: يجب أن يقاوم، ولن تكون هذه المصالح معتبرة إلّا بشرعيّتها، وإنّ تصحيح مفاهيمها يسبق الصّيرورة إليها، وما أسعد من تكون له آثار مباركة في عيش آمن رغيد.

* حفظ الطّاقة والموارد:
وهي حريّة بحسن الاستخدام، والاستثمار فيما يعود بالمنافع على البلد وأهله، ولذلك، فالمشي صحة، وحفظ للموارد، وفتح النّوافذ، والجلوس في الهواء الطّلق؛ يعطينا الأكسجين، ويحافظ على الطّاقة، وإتباع السّنة في الطّهارة من ترشيد استهلاك المياه، وعلى ذلك: قس.

* السؤال والإحصاء:
إنّ يقظة الإنسان للأرقام والإحصاءات تعينه على المقارنة ومعرفة التّقدّم من التّأخر، كما أنّ إثارة الأسئلة الوجيهة تقود للبحث عن إجابات صريحة كاشفة، وما أحسن الإحصاءات والأسئلة حين تجلّي حقيقة، أو تفضح باطلًا، أو تلجم دعيّاً خاصة ممن يتسورون على محاريب الفضيلة.

* الدّفاع عن القيم:
فلكلّ واحد لسان ووسيلة يستطيع أن يذود بها عن قيمه، ولو اخترقها هوى أو غلطًا، ويستطيع الكاتب والخطيب المشاركة ببيانهما، والتّاجر بمشاريعه القيمية الرّابحة في التّعليم، والإعلام، والتّرفيه، والتّطبيب، وصناعة الملابس، وغيرها، ومثله المهني الذي يعلي من قيم مجتمعه في وجه من ينصب لانتهاكها، والمسؤول الذي يقف سدّا منيعًا دون أيّ تيّار يسعى لجرف جذور راسخة.

ختاما:
من نافلة القول: التّأكيد على أنّ هذه الأعمال ليست مفروضة على الحكومة أو مطلوبة من النّخب فقط، بل هي واجب يتعاقد المجتمع ويتعاضد في سبيله، وقد جعل الله لكلّ شيء قدرًا، ولم يكلّف الله نفسًا إلّا وسعها.
ومن الضّرورة: الإشارة إلى أنّ هذه المقترحات ليست من باب المغالبة والمنافسة أو الضّغط أو تحقيق المكاسب، بل هي: منافع للنّاس والمجتمع والحكومة والأجيال القادمة، وخير النّاس: أنفعهم لخلق الله، وحين يؤدّي الواحد ما عليه، ويسأل ما هو له: تستقيم الدّنيا، ويتلاشى الاعوجاج، وتتعاظم قيمة الإنسان حتى يشعر بسمو لا دنو فيه.
إنّه في مقدور كلّ إنسان: أن يخدم مجتمعه، وينفع أناسه، مهما كانت طبيعته، وإمكاناته، ومواهبه، وبيئته، واستعداداته، ونظرته للحياة، وباختلاف هذه الأمور يتباين مستوى الأداء ما بين صاعد في الفضاء، ومنحاز إلى الأرض، وبينهما من بينهما من الخلائق.
وما أشرنا إليه من أفكار تمتاز بقابليتها للتّنفيذ من أيّ فرد، أو مجموعة، أو شبكة، أو فئة، أو من المجتمع بكافة ألوانه، وفيها ما لا يحتاج إلى استئذان، أو مال، أو انتقال، أو خبرة عميقة، وربّما لا يختلف عليها من حيث المبدأ: المتشاكسون في كلّ شيء، وإنّما يكمن الخلاف في التّفاصيل، ولا يمكن النّجاة من حبائل التّفصيل بضباب التّعميم، وغاية ما هنالك: أن يفعلها المؤمن بها كما يشاء، شريطة أن يضمن شرعيتّها، وفعاليتها، وصواب الأداء؛ حتى تثبت باعتبارها قيمة مجتمعيّة أساسيّة، ولكلّ امرئ ما نوى.
ويمكن أخذ بعض هذه الحزمة من الأفكار وترك بعضها، ولا يعجز الكمّل عنها جميعًا، وقد يطوي إنسان بعضها لغاية، ثم يعيد بسطها، أو العكس، والمهم: ألاّ ننكص عن المعروف، أو نجفل عن المشاركة، أو نتوانى بسبب أوهام، فهذا مجتمعنا، ونحن أهله، وحريّ بنا: أن نكون من خيار الأهل.

وفق الله الجميع لخدمة الدين والوطن، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

منقول بتصرف يسير، جزى الله خيرا راقمه.